logo
ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان

ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان

الشرق الأوسطمنذ 2 أيام

يحرص مهرجان «كان» سنوياً على اختيار أفلام أميركية ذات طابع مستقل، متحرِّرة من السائد الهوليوودي، من خلال أعمال لمخرجين اشتهروا برؤاهم الذاتية وأسلوبهم الخاص في التأليف، مثل سبايك لي، وجيم جارموش، وديفيد لينش، وقبلهم روبرت ألتمن، وودي ألن، وألكسندر باين. كذلك كانت للمهرجان جولات ناجحة مع المخرج ويس أندرسون الذي يوالي عرض أفلامه فيه كلَّما حقق جديداً.
ويشارك أندرسون العام الحالي بفيلم كوميدي بعنوان «المخطط الفينيقي»، بعد أن قدَّم قبل عامين فيلم «أسترويد سيتي»، الذي انضم بدوره لما سبق لهذا المخرج أن حققه وخصَّه في هذا المهرجان الفرنسي.
المخرج أندرسون خلال تصوير «فندق بودابست الكبير» (فوكس سيرتشلايت)
إلى الصدارة
ينتمي فيلم أندرسون الجديد إلى مجموعة أفلامه السابقة، لا من حيث الحكاية التي تضمُّ مواقف مختلفة لشخصيات متعددة، بل من حيث ذلك الأسلوب الخاص الذي يميِّز كلّ ما يحقِّقه. أسلوب يعتمد الشكل الهندسي ويعمد إلى حلول فنية خاصّة به تُميِّز أفلامه عن أي مخرج آخر من أي مكان.
لم يدرس أندرسون الهندسة المعمارية أو علم الهندسة مُطلقاً، كما لم يُمارس فنَّ الرسم من قريب أو بعيد (كما فعل لينش على سبيل المثال). وذلك لم يمنعه، منذ أن بدأ الإخراج سنة 1998، من تشكيل أفلامه على نحو هندسي، ومنحِ الصورة ألواناً أساسية تُعبِّر عن المكان والمعنى الذي يجسِّدهما. ألوانه فاقعة حين يرغب في ذلك، وخافتة في حالات أخرى. حتى عندما تكون خافتة أو باهتة، تبقى مُميَّزة بدرجة كبيرة من دفع اللون إلى الصدارة؛ لذلك، فإن مُشاهدة أفلامه هي تجربة في التصاميم الشكلية وألوانها، تُحيط بالحكاية وتٌلّمُ بتفاصيل عدَّة يوفِّرها المخرج في أي مشهد، وفي أي فيلم له.
في «المخطط الفينيقي» مثال جاهز: مشهد يتألف من غرفة واسعة ذات سقف وجدران من الخشب بُنيَّة اللون، فيها 3 شخصيات. إلى اليمين رجل بسترة بنيَّة يحمل حقيبة حمراء وجهازاً تحتها. وراءه بأمتار قليلة فتاة بلباس راهبة. إلى يسار الصورة، وعلى بُعد مماثل، يقف رجل بيد مربوطة لعنقه (إثر حادثة)، يرتدي سترة لونها بيج. الغرفة نفسها موضَّبة، تحتوي على مكتب في منتصفها أمام نافذة، وعلى الأرض انعكاسات لنور الشمس.
ديكوريست
توزيع الشخصيات في الفيلم ينتمي إلى رؤية المخرج، حيث تُحسب تفاصيل كل لقطة بدقة شديدة، من حيث المساحة والمسافات، وحتى انعكاس ضوء الشمس على الأرض. الفيلم بأكمله مصمَّم على هذا النحو، كما لو أن المخرج رسم كل مشهد على حِدَةٍ قبل تصويره، وهذه ليست المرة الأولى.
يمكن ملاحظة هذا الأسلوب المميز لدى أندرسون في جميع أفلامه؛ فهو «ديكوريست» ومخرج في آنٍ معاً. في فيلم «عائلة تَننباوم الملكية» (2001)، يلعب المنزل حيث تعيش شخصيات العائلة دوراً محورياً في تعريفها، يُفسِّرها من خلال محتويات غُرَفه وتوزيع الألوان فيها. وأمضى المخرج 6 أشهر في تصميم الديكورات واختيار الألوان، مقابل 6 أسابيع فقط لتصوير الفيلم.
«دارجالينغ ليمتد» (فوكس سيرتشلايت)
في لقطة من فيلم (The Darjeeling Limited) «دارجالينغ ليمتد» عام 2007، تُظهر 3 ممثلين جالسين على كنبة عريضة داخل غرفة ضيقة ذات جدران برتقالية داكنة وحمراء باهتة. طريقة جلوسهم ووضع أيديهم أمامهم تبدو متجانسة، لأن الغاية هي توفير صورة ثلاثية الأبعاد لشخص واحد. هؤلاء هم 3 إخوة ركبوا القطار في مهمة روحانية. بدلاً من تناول شخصياتهم بشكل منفصل، يعرض المشهد اختلافاتهم وتماثلهم، ليختزل كل شيء في تلك اللقطة، فإذا بهم أقرب إلى حالة واحدة متعددة الشخصيات. هذا التماثل يطرح مُجدداً الرغبة في استخدام التصميم العام بوصفه بديلاً للدراسة النفسية أو حتى الاجتماعية.
الأسلوب كلغة
أحد أفضل أفلام أندرسون هو (The Grand Budapest Hotel) «فندق بودابست الكبير» 2014. الفندق من الخارج هو معمار كلاسيكي زهري اللون. المشاهد الداخلية حمراء قانية أساساً. بهو الفندق يتألف من سجادة عريضة في الوسط وسجادتين على جانبيها، وسُلَّم مغطى بدوره بالسجاد، وفي أعلاه مكتب الاستقبال تحت نوافذ بيضاء. المصابيح موزَّعة بالتساوي في كل مكان.
الغاية هنا هي توفير نظرة محدَّدة لفندق كلاسيكي في زمن كلاسيكي (الثلاثينات) في مدينة أوروبية تتنفَّس أريح تلك الفترة الفاصلة بين حربين عالميتين. لم يعد هناك داعٍ، والحال هذا، لمشاهد توفِّر تصويراً للمدينة أو للمكان عموماً. مرّة أخرى، تتكفَّل الصورة بتوفير المعلومات المطلوبة. حين تنتقل الأحداث من تلك الفترة الزمنية إلى أخرى (الستينات)، يتغيَّر الاعتماد على اللون الأحمر القاني وتبعاته البرتقالية والوردية. هذا يتماشى مع الرغبة في تصوير انتقالِ زمني من عصر الفخامة الأرستقراطية في العقود السابقة إلى بقايا تلك الفخامة بعدما بهتت الألوان.
أمّا أندرسون، فبلغ هذا التشكيل الخاص به في فيلم (The French Dispatch) «ذَا فرنش ديسباتش» الذي عرضه مهرجان «كان» سنة 2021. يختار لون المبنى التقليدي القديم من الخارج من دون تمييز يُذكر. لكن المشاهد الداخلية هي التي تتنوَّع. لا تنتقل من ألوان فاتحة إلى أخرى هادئة وخافتة، بل يتناوب عليها التصوير بالألوان والأبيض والأسود.
كل ما يفعله أندرسون من جهد في توظيف الألوان والتصاميم والتفاصيل هو أسلوب خاص به يقوم على توفير التشكيل الصالح لأن يلعب دور البطولة إلى جانب الشخصيات. ينتمي إلى فن الرسم وفن الهندسة وفن المسرح في آن معاً. هذا من دون أن ينفي أحدنا انتماء هذا المزيج إلى السينما أساساً. ما يقدّمه أندرسون هو أسلوب مغاير ومنفرد ينتمي إليه وحده. هو نفسه يقول: «قرَّرت أن هذا الأسلوب هو مثل خط يدي لا أستطيع تغييره».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إلهام علي: التكريم في مهرجان كان يضاف لمسيرتي
إلهام علي: التكريم في مهرجان كان يضاف لمسيرتي

الرياض

timeمنذ 7 ساعات

  • الرياض

إلهام علي: التكريم في مهرجان كان يضاف لمسيرتي

ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ78 في فرنسا، وخلال حفل «المرأة في السينما» الذي تنظمه مؤسسة البحر الأحمر السينمائية في مهرجان كان، تم تكريم الممثلة السعودية إلهام علي، إحدى نجمات وكالة MBC Talent، إلى جانب نخبة من الفنانات وصانعات السينما العالميات والعربيات. وكانت فعالية حفل «المرأة في السينما» بنسختها الثالثة قد أقيمت الخميس 15 مايو في فندق «دو كاب» في كان، حيث كُرّمت إلى جانب إلهام علي كلُّ من الممثلة جاكلين فرنانديز، المخرجة رونغانو نيوني، الممثلة المصرية أمينة خليل، المخرجة غايا جيجي، الممثلة السعودية سارة طيبة والممثلة أنغفا وراها. من جانبها، ثمنّت إلهام علي هذا التكريم واعتبرته إنجازاً قيّماً لكل فنانة سعودية، متوجهةً بالشكر إلى وكالة MBC Talent على الرعاية والاهتمام وإلى القيّمين على مؤسسة البحر الأحمر السينمائي. وقالت إلهام: «يشكّل هذا التكريم إضافة كبيرة لمسيرتي الفنية كممثلة سعودية، وينقل إنجازاتنا كنساء ناشطات في قطاع السينما والدراما إلى العالم، وإلى مهرجان كان الذي أحضره للمرّة الأولى. وحقيقة أنا سعيدة بوجودي وتكريمي في فعالية «المرأة في السينما»، إلى جانب شخصيات نسائية ملهمة لها دورها المؤّثر في صناعة الفن والسينما». يُذكر أن حفل «المرأة في السينما» 'Women In Cinema' بات مناسبة سنوية تنظمّها مؤسسة البحر الأحمر السينمائية ضمن فعاليات مهرجان كان، حيث شهد الحفل بنسخته الثالثة هذا العام تغطية إعلامية واسعة وحضوراً حاشداً من قِبل وسائل إعلام عالمية وعربية، إلى جانب توافد عدد من المشاهير وصنّاع السينما والمدعوين الذين تألّقوا على السجادة الحمراء وفي حفل العشاء الذي أُقيم بالمناسبة.

إلهام علي.. من وهج الشاشة إلى منصة كان العالمية
إلهام علي.. من وهج الشاشة إلى منصة كان العالمية

عكاظ

timeمنذ 8 ساعات

  • عكاظ

إلهام علي.. من وهج الشاشة إلى منصة كان العالمية

تابعوا عكاظ على على السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائي الدولي، لم تكن النجمة السعودية إلهام علي، تحضر فقط كوجه مألوف في الدراما الخليجية، بل كاسمٍ تجاوز حدود الإقليم، ليُتوَّج بتكريم عالمي جديد يرسّخ مكانتها بين النجمات المؤثرات في عالم السينما. فخلال حفل «المرأة في السينما»؛ الذي تنظّمه مؤسسة البحر الأحمر السينمائية للعام الثالث على التوالي، ضمن فعاليات المهرجان، خُصّصت لحظة فنية مرهفة لتكريم إلهام، إلى جانب نخبة من الأسماء النسائية البارزة في السينما العالمية والعربية، من بينهن: جاكلين فرنانديز، أمينة خليل، سارة طيبة، غايا جيجي، ورونغانو نيوني. وقد جاء هذا التكريم تتويجاً لمسيرة فنية اتسمت بالتحوّل والنضج والجرأة، إذ استطاعت إلهام أن تخرج من عباءة النمط المحلي، وتقدّم أداءً يحاكي تطلعات الصناعة الفنية في زمن التحول السعودي الكبير. وفي كلمتها، وصفت إلهام التكريم بأنه «إضافة ثمينة» لمسيرتها، وأهدته لكل فنانة سعودية تحمل على عاتقها مسؤولية تمثيل وطنها في المحافل الفنية العالمية، معربةً عن فخرها بتمثيل السعودية في مهرجان بحجم «كان»، شاكرةً كل من دعمها، لا سيما وكالة MBC Talent، ومؤسسة البحر الأحمر السينمائية. وبات حفل «المرأة في السينما» الذي أقيم هذا العام، علامة بارزة ضمن فعاليات مهرجان كان، إذ يجمع سنوياً شخصيات نسائية رائدة من مختلف أنحاء العالم، ويكرّس التقدير لدور المرأة في تطوير الفن وصناعة السينما، وسط حضور لافت من وسائل الإعلام، ونخبة من المخرجين والنجوم وصنّاع السينما. وبهذا التكريم تُثبت إلهام علي أنها لم تعد فقط «بطلة المسلسلات»، بل أصبحت وجهاً سينمائياً يعكس تحولات الفن السعودي ويواكب طموحاته في الوصول إلى المنصات العالمية. أخبار ذات صلة إلهام علي

إسبانيا تدعو لاستبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية الدولية
إسبانيا تدعو لاستبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية الدولية

الشرق السعودية

timeمنذ 8 ساعات

  • الشرق السعودية

إسبانيا تدعو لاستبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية الدولية

دعا رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، الاثنين، إلى استبعاد إسرائيل من الفعاليات الثقافية الدولية مثل مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" بسبب تواصل حربها على قطاع غزة، مثلما جرى استبعاد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، فيما لم تعلق تل أبيب التي تتفاقم أزماتها الدبلوماسية مع مدريد منذ فترة طويلة على التصريحات حتى الآن. وقال سانشيز في مؤتمر بمدريد: "لا يمكننا أن نسمح بازدواج المعايير، حتى في الثقافة"، مضيفاً أنه لم يُفاجأ أحد قبل 3 سنوات عندما طُلب من روسيا الانسحاب من المسابقات الدولية بعد غزوها لأوكرانيا وعدم المشاركة، ولذلك لا ينبغي لإسرائيل أن تشارك أيضاً. وواجهت مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن" التي تؤكد على حيادها السياسي، جدلاً مجدداً خلال نهائيات هذا الشهر في مدينة بازل السويسرية، إذ فاز بها المغني النمساوي "جي جي"، فيما فازت الإسرائيلية يوفال رافائيل في التصويت عن بعد. وحثّت جماعات مؤيدة للفلسطينيين اتحاد البث الأوروبي على استبعاد إسرائيل؛ بسبب الحرب على غزة. وتعارض إسبانيا منذ فترة طويلة للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وألغت الحكومة الإسبانية، في أبريل الماضي، من جانب واحد صفقة شراء ذخيرة لوزارة الداخلية من شركة إسرائيلية، بعد ضغوط من ائتلاف "سومار"، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم. وتعهدت إسبانيا التي دأبت على انتقاد سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية منذ أكتوبر 2023، بوقف بيع الأسلحة لإسرائيل؛ بسبب حربها على غزة، ووسعت نطاق هذا الالتزام العام الماضي ليشمل شراء الأسلحة. وكانت إسبانيا رفقة النرويج وإيرلندا اعترفت بـ"الدولة فلسطينية" مايو 2024، وحثت دولاً أوروبية أخرى على أن تحذو حذوها، ومنذ ذلك الوقت أضحت الأزمات الدبلوماسية تتفاقم ين مدريد وتل أبيب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store