
أمّا وقد رفعت العقوبات... هل تلتقط سورية الفرصة؟
في تحوّل غير مسبوق على المستويين السياسي والجيوسياسي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، يوم 14 مايو/ أيار الجاري، عن رفع العقوبات المفروضة على سورية، في خطوة جاءت بعد أكثر من عام من التحرّكات الدبلوماسية المعقّدة. هذا الإعلان ضوء أخضر لبداية مرحلة جديدة في المنطقة.
من المهم، لفهم هذا التحوّل أن نتجاوز مجرّد التوصيف السياسي للقرار ونتعمّق في فلسفة هذا التحوّل الجيوسياسي. رفع العقوبات عن سورية في جوهره تعبير عن تغير عميق في العقل السياسي الدولي، الذي يتحرّك بعيداً عن القوى الصلبة مثل العقوبات والضغط العسكري، لصالح معادلاتٍ أكثر تعقيداً تتعلق بالتفاهمات السياسية والتوازنات الاقتصادية. ولكن ماذا يعني ذلك؟
يجب أن نتذكّر أن التحولات السياسية الكبرى على مستوى العالم غالباً ما تكون نتاج تفاعل عدة عوامل، كالانتقال من الهيمنة الأحادية إلى التعدّدية القطبية، نمو الانقسامات الداخلية في القوى العظمى، وتأثيرات القوة الناعمة التي تطغى اليوم على القوة الصلبة. يتوازى هذا التحول في الموقف الأميركي تجاه سورية مع تطور الفكر الاستراتيجي الذي يتجه نحو البحث عن حلول غير تقليدية للصراعات الدولية، ويؤسّس لحالة انكماش في السياسة الخارجية الأميركية وعدم الاستطالات الزائدة والمبالغ بها طوال العقود السابقة وأن الهيمنة الأميركية والتحكم في الاقتصاد العالمي عبر طبع مزيد من أوراق الدولار لم تعد تجدي نفعاً، فهناك أكثر من 40% من التجارة العالمية خارج سيطرة الدولار. وعليه، لا بديل عن سياسات التحالفات الاقتصادية والإقليمية.
الواقع الجيوسياسي الجديد: من الجمود إلى التحوّل
إنّ لحظة سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، ليست مجرد نهاية لحقبة سياسية، بل هي انهيار لإرث طويل من العنف البنيوي والاستعصاء السياسي، الذي تمكّن بفعل تحالفات دولية وإقليمية، وشرعيات متآكلة، وأساليب قمع ممنهجة. ومع هذا السقوط، لا ينفتح فقط أفق سياسي جديد، بل يتبدّى سؤال فلسفي عميق: هل كان النظام الاستبدادي صنيعة الداخل وحده؟ أم نتاج منظومة دولية تواطأت بالصمت تارة، وبالعقوبات تارّة أخرى، من دون أن تقدّم بديلاً إنسانياً حقيقياً؟ تُظهر التجربة السورية، كما كتب أمارتيا سن في تحليله العقوبات ومخرجاتها، أن الجوع والقمع لا ينتجان فقط عن الأنظمة الشمولية، بل أحياناً عن سياسات دولية "غير مبالية أخلاقياً"، حيث العقوبات تُفرض باسم القيم، لكنها تصيب المواطن لا النظام، وتعمّق هشاشة المجتمع بدل تغييره. وإن رفع العقوبات، كما أُعلن عنه في "الرياض"، يُقدّم لنا ليس فقط فرصة سياسية، بل اختباراً أخلاقياً وفلسفياً للفاعلين الدوليين والإقليميين: هل هو اعتراف ضمني بفشل سياسة العزلة والضغط القصوى؟ هل بات يُنظر إلى سورية كـ 'كيان يجب احتواؤه" لا "كخصم يجب تجويعه"؟ وهل أضحى الانفتاح والتكامل الاقتصادي هما الأداتان البديلتان عن الهيمنة والاحتلال العسكري؟
السياق الجديد الذي ترسمه قوى إقليمية كالسعودية وتركيا بشكل رئيس، وقطر والامارات ثانياً، والذي يجد صداه في تصريحات إدارة أميركية تبحث عن "توازن ذكي" بدل الصدام، يعكس ما يمكن وصفه "التحول من صراع الإرادات إلى هندسة الشرعيات". أي أن التحوّل الحقيقي لا يكمن في تغيير الوجوه، بل في إعادة صياغة العلاقة بين الداخل والخارج، بين السيادة والانفتاح، وبين المصالح الوطنية والحسابات الجيوسياسية.
لكن هذا الانفتاح لن يكون بلا ثمن. التحدّي الأكبر أمام الحكومة السورية الجديدة ليس فقط في إعادة الإعمار المادي، بل في إعادة إنتاج عقد اجتماعي جديد، يستعيد ثقة الناس في الدولة كمؤسسة، لا أداة قمع. وهنا، تصبح الأسئلة أكثر تعقيداً. هل يستطيع النظام الجديد أن يبني دولة لا ترتكز على الولاء الأمني، بل على الكفاءة والمساءلة؟ هل سيكون رفع العقوبات منصّة للإصلاح العميق، أم مجرد "هدنة" تُستخدم لإعادة إنتاج السلطة بصيغة ناعمة؟ وهل نحن أمام لحظة تحوّل حقيقي، أم إعادة تموضع في بنية جيوسياسية تتغير باستمرار؟
في ضوء التحوّلات الكبرى في السياسة الدولية تجاه سورية، تأتي التحولات الخليجية جزءاً من مشهد إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط
النهج الترامبي
جاء القرار الأميركي جزءاً من سعي مستمر إلى إعادة صياغة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث بدأ الرئيس ترامب في تبنّي نهج بعيد عن التدخل العسكري المباشر، مع تعزيز الأدوات الدبلوماسية والاستراتيجية. هذا التغيير لا يعكس فقط مصلحة أميركية ضيقة، بل يعبر عن تقييم أعمق لدور الولايات المتحدة في النظام الدولي الجديد الذي يتسم بتعدّد مراكز القوى، حيث يتطلب الوضع الدولي اليوم تبني سياسات مرنة ومتوازنة. ومن خلال هذا التحول، يمكن فهم التوجه الأميركي تجاه سورية، ورفع العقوبات كجزء من هذا التحوّل، يعكس نقلة فلسفية عميقة في التفكير السياسي الأميركي، من سياسة العصا العسكرية إلى سياسة الجذب والتكييف السياسي. وهذا يضع القوى الإقليمية، خاصة في الخليج وبلاد الشام، أمام واقع جديد يتطلب إعادة تعريف التحالفات والأدوار بعيداً عن منطق الحرب، بل نحو منطق التأثير السياسي والاقتصادي. والتكامل بدل التناذر، ولعل ذلك يمكن فهمه من خلال خطة الاتفاقات الابراهيمية التي يجري تداولها في هذا السياق.
التحوّلات الخليجية: إعادة صياغة المعادلات الإقليمية
في ضوء التحولات الكبرى في السياسة الدولية تجاه سورية، تأتي التحولات الخليجية جزءاً من مشهد إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط، فالدول الخليجية لم تعد تكتفي بدور المموّل أو الوسيط، بل بدأت تلعب أدواراً أكثر استقلالية واستراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: الأمن الإقليمي، التوازن مع القوى الكبرى، وإعادة تموضع سياسي واقتصادي في مرحلة ما بعد الصراعات.
السؤال الذي يطرحه التحوّل في السياسة الأميركية هو: كيف تتفاعل القوى الإقليمية الكبرى مع هذه التغيرات؟ دور الدول الخليجية، في هذا السياق يتجاوز التحولات السياسية، ليحمل أبعاداً فلسفية تتطلب التأمل العميق. ففي نهاية المطاف، تتشكل السياسات الخليجية بناء على قدرة هذه الدول على "الحفاظ على الاستقرار"، وهو مفهوم يُحاكي القوة التقليدية التي اعتمدت على هيمنة عسكرية وسياسية مباشرة، لكن مع انفتاح تدريجي نحو تفاعلات سياسية جديدة. هذا التوجّه يكشف عن استعداد هذه الدول لتبني سياسات أكثر مرونة وتعدّدية، ما يعكس تحولاً في العقلية السياسية الإقليمية، ويعطي فرصة لسياسات صفر المشكلات أن تكون الحاكم في نهاية المطاف.
تتجاوز علاقة دول الخليج مع سورية كونها مجرد علاقة بين دول متجاورة، فهي جزء من مشروع طويل الأمد يهدف إلى تشكيل نوع جديد من التحالفات القابلة للتكيّف مع المتغيّرات المستمرّة في المنطقة. لا يقتصر هذا المشروع على مواجهة إيران فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة إعادة صياغة النظام الإقليمي ككل.
مثّل رفع العقوبات عن سورية فرصة تاريخية نادرة، لكن استثمار هذه اللحظة لا يكون بالخطاب العاطفي أو الانتظار السلبي، بل بقراءة دقيقة للواقع الجديد الذي فُرض (أو صِيغ) بفعل ضغوط اقتصادية خانقة وتبدّلات في خرائط التحالفات. وبالتالي، ليست أولى الخطوات المطلوبة الاستجابة المطلقة لشروط الخارج، بل إعادة تعريف الداخل السوري وفق متطلبات المرحلة، مع إدراك أن الانخراط في نظام دولي جديد لا يعني التنازل عن الثوابت، بل إدارة الشروط بما يخدم المصالح الوطنية.
في هذا السياق، لا بد من توسيع هامش القرار السيادي من دون كسر الخطوط الحمراء الإقليمية، وهو ما يتطلّب من الإدارة السورية أن تكون فاعلاً لا مُداراً، وأن تقدّم نموذجاً سياسياً واقتصادياً جديداً يُقنع الداخل قبل الخارج، ويُشرك أطرافاً وطنية كانت مُقصاة لعقود، لا لأن ذلك شرط دولي، بل لأن المرحلة تتطلبه. كذلك، فإن التحوّل في الخطاب السياسي الخارجي لا يجب أن يُنظر إليه خيانةً لمحور أو تخلٍّ عن مبدأ، بل كإعادة تموضع ضمن واقع استراتيجي متغير، حيث لم تعد الشعارات تكفي لحماية الدولة، ولا البقاء في محور مغلق يحقّق المصلحة العليا. من هنا، ليس الانتقال من "المحور" إلى "التموضع" ضعفاً، بل هو إقرارٌ بأن قوة سورية اليوم تُبنى بالاقتصاد والعلاقات المتعدّدة، لا بالشعارات فقط.
من أجل أن تتمكّن الحكومة السورية من الاستفادة الحقيقية من رفع العقوبات، يجب أن تُنفَّذ إصلاحات هيكلية جذرية في جميع مؤسسات الدولة
داخلياً، المطلوب ليس فقط رفع القبضة الأمنية، بل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، عبر سياسات اجتماعية واقتصادية تُعالج تدهور الحياة اليومية وتُعيد التوازن إلى العقد الاجتماعي الذي تهشّم. هذه ليست ترفاً سياسياً، بل شرطاً لبقاء الدولة واستقرارها في مرحلة ما بعد الحصار. وما يبدو اليوم كـ"شروط" دولية، يمكن تحويله إلى أوراق تفاوض ذكية تخدم الدولة ولا تُفككها، إذا ما أحسنت القيادة السورية صياغة المشهد القادم: بحكمة لا تبعية، وببراغماتية لا ارتباك.
أحد الشروط التي فرضتها القوى الدولية لرفع العقوبات يتعلق بضرورة إجراء إصلاحات سياسية داخلية. وهذا يشمل الانفتاح على المعارضة السياسية وإعطاء فرص أوسع للمشاركة السياسية. يشير اشتراط القوى الدولية بإجراء إصلاحات سياسية داخلية – كشرط لرفع العقوبات – إلى تصادم بين منطقين: (منطق السيادة التقليدية: حيث ترفض الدولة أي تدخل خارجي في تحديد شكل النظام السياسي. منطق الحوكمة الدولية: الذي بات يربط بين التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، ويضع شروطاً تتعلق بالديمقراطية، الشفافية، وحقوق الإنسان مقابل المساعدات أو رفع القيود. في هذا السياق، يصبح السؤال المطروح: هل الإصلاح السياسي قرار سيادي أم استجابة للإكراه الخارجي؟ من منظور علم الاجتماع السياسي، هذه العلاقة ليست ثنائية أو تناقضية بالضرورة، بل يمكن أن تكون جدلية؛ حيث قد تستفيد النخبة الحاكمة من الضغوط الخارجية لتمرير إصلاحات قد تكون مرغوبة داخلياً، ولكن يصعب فرضها لولا الضغط الخارجي.
مع رفع العقوبات عن سورية، تبرز تساؤلاتٌ مهمّةٌ حول قدرة المؤسسات الحكومية السورية على الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية. يفتح هذا القرار أمام سورية أبواباً جديدة لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي، ولكنه، في الوقت نفسه، يضع الإدارة السورية أمام اختبار حاسم. هل ستتمكّن هذه المؤسّسات المترهلة والتي تعاني من الفساد والتدهور الإداري من الاستفادة من هذا التحوّل؟ وهل يمكن لها أن تتكيف مع البيئة السياسية والاقتصادية الجديدة لتحقيق التقدم؟
يعكس رفع العقوبات عن سورية، بعد سنوات من الحصار، تحوّلاً جوهرياً في المعادلات السياسية والاقتصادية. لكن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن المؤسّسات الحكومية السورية، التي عانت من ضعف الأداء الإداري والفني بسبب الحروب والعقوبات المستمرّة، والفساد الكبير التي تعاني منه، قد تجد نفسها أمام تحدّياتٍ ضخمة، فعديد من هذه المؤسّسات تفتقر إلى الكفاءات والقدرة على جذب الاستثمارات، كما تعاني من قلة الشفافية والمساءلة، ما يشكّل عائقاً كبيراً أمام تحفيز النمو الاقتصادي.
من أجل أن تتمكّن الحكومة السورية من الاستفادة الحقيقية من رفع العقوبات، يجب أن تُنفَّذ إصلاحات هيكلية جذرية في جميع مؤسّسات الدولة، فالمؤسّسات الحكومية، التي تعاني من الترهل وضعف الأداء الإداري، بحاجة إلى تعزيز قدرتها على العمل المؤسسي الفعّال من خلال إدخال مفاهيم جديدة تركز على الفعالية والشفافية. لا يقتصر هذا التغيير على تعديل النظم الإدارية فحسب، بل يتطلب أيضاً إعادة هيكلة ثقافة العمل داخل هذه المؤسسات بحيث تصبح أكثر كفاءة ومرونة.
أولاً، الانتقال إلى نموذج كفؤ ومرن
من الضروري أن تنتقل الحكومة السورية من نموذج تقليدي يعتمد على البيروقراطية الثقيلة إلى نموذج حديث يتمتع بالكفاءة والمرونة في اتخاذ القرارات. تحتاج المؤسّسات التي ظلت أسيرة لهيكل إداري قديم تتسم بتعقيد الإجراءات تطوير أنظمة جديدة تسرّع اتخاذ القرارات وتسهّل تنفيذ السياسات بشكل أكثر فعالية. يتطلب ذلك تدريب الموظفين على كيفية التعامل مع التحديات المعاصرة وتحسين مهاراتهم الإدارية والفنية، ما يعزّز قدرة المؤسّسات على التفاعل بشكل أسرع مع الظروف المتغيرة.
ثانياً، تعزيز الشفافية والمساءلة
واحدة من أبرز العوامل التي تعيق فعالية الحكومة السورية غياب الشفافية والمساءلة. لتحقيق الإصلاح المنشود، على الحكومة أن تنفذ آليات لضمان الشفافية في جميع الإجراءات المالية والإدارية، وأن توفر آلية مستقلة لمراقبة العمليات الحكومية. في هذا السياق، يجب تطبيق سياسات تحارب الفساد وتعزز المساءلة على جميع المستويات، بدءاً من أعلى السلطات وصولاً إلى الوحدات المحلية.
ثالثاً، سياسة حكم رشيدة لجذب الاستثمارات
من دون وجود سياسة حكم رشيدة، سيكون من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية التي تعدّ أساساً لإعادة بناء الاقتصاد السوري. لذلك، يجب أن تتبنّى الحكومة السورية سياسات اقتصادية تستند إلى مبادئ الشفافية والعدالة في التعامل مع المستثمرين، مع التأكيد على حماية حقوق المستثمرين المحليين والدوليين. كما يجب أن تكون هناك ضمانات قانونية لتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل، وتوفير بيئة قانونية مستقرة تحمي حقوق المستثمرين من أي تقلبات سياسية أو اقتصادية.
ليس رفع العقوبات نهاية الصراع، بل اختبار لمدى قدرة الدولة السورية على التكيف، ولقدرتها على إعادة بناء شرعيتها الداخلية
هبة سورية الجديدة
ليس رفع العقوبات قراراً سياسياً فقط، بل هو أيضاً تحوّل في أخلاق السياسة، فالعقوبات، كما عرّاها أمارتيا سن، ليست مجرّد أدوات ضغط، بل هي أنظمة إنتاج للمعاناة. يحمل إعلان ترامب في الرياض عن رفع العقوبات في طيّاته ما يُشبه التحوّل الأنطولوجي في كيفية فهم الدول لمصادر القوة: من الإكراه إلى التعاون، من السيطرة إلى الحوافز، من الغلبة إلى التكيّف.
وإن رفع العقوبات عن سورية لا يمكن قراءته فقط منحة دولية أو نتيجة لتغير المزاج السياسي في العواصم الغربية، بل ينبغي فهمه في سياق أوسع من التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم، حيث تعيد القوى الكبرى ترتيب أولوياتها، وتُفسح المجال لسياسات أكثر براغماتية قائمة على تقليل الكلفة الأمنية والانخراط عبر أدوات الاقتصاد والدبلوماسية.
من هذا المنطلق، ليس رفع العقوبات نهاية الصراع، بل اختبار لمدى قدرة الدولة السورية على التكيّف، ولقدرتها على إعادة بناء شرعيتها الداخلية بمقاييس جديدة تعتمد على الكفاءة، الشفافية، والتشاركية، بدلاً من السرديات الأيديولوجية التقليدية. والأهم أن هذا التحول لا يعني بالضرورة الخروج من محور والانخراط في آخر، بل استثمار اللحظة السياسية بحنكة، بما يضمن مصالح الشعب السوري أولاً، ويحفظ السيادة الوطنية دون أن يُغلق الأبواب أمام التفاهمات الإقليمية والدولية.
إن اللحظة الراهنة هي لحظة مفصلية في التاريخ السوري الحديث: إما أن تُقرأ برؤية مستقبلية تُحوّل الضغط إلى فرصة، أو تُفهم بوصفها مجرّد هدنة مؤقتة سرعان ما تنقلب إذا لم تُدعّم بإصلاح داخلي حقيقي. فكما قال أحد المراقبين في The National Interest: "الأنظمة التي تنجو من العزلة لا تفوز فقط بالبقاء، بل بتجديد أدوات بقائها".
والسؤال الآن ليس عما إذا كانت العقوبات قد رُفعت، بل هل ستُستثمر هذه الفرصة لصياغة سورية جديدة، أم تُهدر كما أُهدرت فرص تاريخية من قبل؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
إعلام إسرائيلي: ترامب قد يطلب من نتنياهو تحديد موعد لإنهاء حرب غزة
أفادت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، اليوم الثلاثاء، بأن صبر الرئيس الأميركي الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 دونالد ترامب تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدأ ينفد وأنه قد يطالبه بتحديد موعد لإنهاء الحرب على غزة نص اتفاق وقف إطلاق النار في غزة 15 يناير 2025 في 15 يناير/ كانون الثاني 2025، أعلن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نص اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة قطرية مصرية أميركية. ، وسط تقارير رصدت أخيراً توتراً في العلاقات بين إدارة ترامب وحكومة الاحتلال دون أن يعني ذلك توقف دعم واشنطن لتل أبيب. واعتبرت الصحيفة العبرية أن ترامب لم ينتقد إسرائيل علناً بعد، لكن كل المؤشرات تدل على أن البيت الأبيض على وشك تغيير نبرته، ونقلت عن مصادر، لم تسمها، قولها إن مقرّبين من ترامب يتحدثون عن تحديد موعد لإنهاء الحرب على غزة، وحتى عن دعوة "استفزازية" إلى البيت الأبيض لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينت، الذي تمنحه استطلاعات الرأي حظوظاً كبيرة في حال ترشحه للانتخابات الاسرائيلية المقبلة. وبحسب مصادر، وصفتها الصحيفة بأنها تعمل على خط تل أبيب واشنطن، سيطلب ترامب من إسرائيل في مرحلة معينة تحديد موعد لإنهاء الحرب، وأنه غير مستعد لاستمرارها إلى الأبد. كذلك أوضح مسؤول أن التفكير في دعوة نفتالي بينت هو للتعبير عن مدى إحباط الإدارة الأميركية من نتنياهو. ونقلت يسرائيل هيوم عن مسؤول أميركي كبير، لم تسمه، قوله إن "هذه الإدارة (الأميركية) داعمة (لإسرائيل)، ولكن لا يدور الحديث عن الأشخاص أنفسهم الذين كانوا في الولاية الأولى (لترامب)"، مضيفاً أنّ "على إسرائيل أن تدرك ذلك". وأضافت الصحيفة أنه في الوقت الذي يقوم فيه ترامب بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، فإن إسرائيل لا تزال غير قادرة على هزيمة حماس، فيما يبدو أن صبر الرئيس الأميركي بدأ ينفد، وهو الذي أراد منذ البداية أن تكون إسرائيل جزءاً من الشرق الأوسط الجديد، ولكن عندما تأخّرت، تقدّم من دونها. ولفتت إلى أن تصريحات المسؤولين في إدارة ترامب بخصوص إدخال المساعدات إلى غزة باتت شبيهة بتلك التي كانت في فترة جو بايدن، حين أُجبرت إسرائيل على إدخال المساعدات إلى غزة "حتى وهم يعلمون أن جزءاً منها سيصل إلى حركة حماس". تقارير عربية التحديثات الحية لم تشملها زيارة ترامب.. إسرائيل مستاءة لكنها تلتزم الصمت الحكومة كذبت وعزلت إسرائيل من جهته، قال الصحافي والمعلّق نداف إيال، في صحيفة يديعوت أحرونوت، إن حكومة نتنياهو "فشلت وتواصل الفشل في تأمين قنوات الإمداد والحفاظ على الحلفاء، والأهم الحفاظ على الخط الدقيق الذي يجعل الحرب مشروعة في نظر المجتمع والعالم، وهي أمور تتطلبها الحرب". وأشار إلى أن جميع استطلاعات الرأي أظهرت عدم ثقة الجمهور بالحكومة الإسرائيلية وأنه "لا يعتقد أن اعتبارات رئيس الوزراء موضوعية، بل يراها تتعلق بالحفاظ على الائتلاف الحكومي. وتشعر عائلات المختطفين (المحتجزين الإسرائيليين في غزة)، التي تعد أكثر الفئات معاناة في المجتمع الإسرائيلي حالياً، بأن الحكومة تزدريها". وأضاف الكاتب أنه فور إطلاق سراح المحتجز عيدان ألكسندر "أعلنت حماس أن جزءاً من اتفاق الإفراج عنه يتضمن إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. ونفت الحكومة الإسرائيلية ذلك، وكذبت. وقبل يومين، اتضح أن رئيس الحكومة (نتنياهو) اضطر إلى تنفيذ الاتفاق الذي توصّل إليه البيت الأبيض، من أجل إعادة مواطن أميركي، وهو أيضاً جندي إسرائيلي، إلى وطنه". وفي ما يتعلق بالشرعية الدولية، اعتبر الكاتب أنه "يمكن الاستغناء عن التحليل المطول. إسرائيل بقيت وحدها في العالم، مع دعم محدود ومتزعزع من الولايات المتحدة، ثم جاءت رسالة من كندا وفرنسا وبريطانيا. وهذه دول حليفة لإسرائيل رغم سيل الشتائم من الائتلاف الحالي. وكانت الرسالة قاسية، بعد المجاملة اللفظية عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والمطالبة بإعادة المختطفين". ويرى أن الحكومة الحالية تقود إسرائيل نحو مأزق. "الحكومة المتعطشة للدم أبعدت ترامب وأغضبت العالم المتحضر" من جانبه، كتب يوسي فيرتير في صحيفة هآرتس العبرية اليوم، أن الحكومة الإسرائيلية أبعدت إدارة ترامب وأثارت غضب العالم المتحضر. وأضاف أن "الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع قضية إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مثال على الدجل الذي يلتقي بالغباء: صفر استراتيجية يؤدي إلى أقصى ضرر، وتنتهي بتراجع مذهل وعرض من مقاطع الفيديو والخطابات الطفولية من قبل صانعي (اللا) سياسة لدينا". وأردف الكاتب بأنه "تم اتخاذ قرار وقف المساعدات الإنسانية إلى غزة في الكابينت الإسرائيلي، 2 مارس /آذار، كان المنطق وراءه أن الإدارة الأميركية الجديدة ستكون غير مبالية بالعواقب المروّعة. لكن اتضح أن الرئيس ترامب إنساني، (وفقاً لستيف ويتكوف) ومصدوم مما يراه عبر شاشة التلفزيون ولا يتوقف عن الحديث عن المعاناة وعن الأشخاص الذين يموتون جوعاً. ووزير الخارجية ماركو روبيو، اليميني المتطرّف، اتصل بنتنياهو ثلاث مرات خلال 24 ساعة بشأن المساعدات. أما أعضاء مجلس الشيوخ الودودون، فهم يمينيون ومؤيدون، لكن اتضح أنهم ليسوا متعطشين للدماء مثل ممثلي اليمين المتطرف المسياني في الحكومة (الإسرائيلية)". ولفت الكاتب أيضاً إلى أن نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، "الذي كان في طريقه إلى إسرائيل، جائزة ترضية عن تخطي ترامب لزيارتها الأسبوع الماضي" ألغى زيارته، وذلك "على الأرجح بسبب تجدد الحرب وغياب صفقة لإطلاق سراح المختطفين". رصد التحديثات الحية واشنطن بوست: أميركا أبلغت إسرائيل بأنها ستتخلى عنها إذا لم تنه الحرب بوهلر ينفي تقرير واشنطن بوست وفي السياق، نفى المبعوث الخاص لشؤون الأسرى، آدم بوهلر، لقناة فوكس نيوز الأميركية ما أوردته واشنطن بوست في تقرير عن تهديدات ترامب بالتخلي عن إسرائيل معتبراً أنها "أخبار كاذبة، ونقلت القناة في موقعها الإلكتروني عن بوهلر قوله: "يبدو لي هذا الخبر كاذباً. أعتقد أن الرئيس حافظ على دعمه القوي لإسرائيل"، وأضاف: "قد يقول: 'اسمعوا، دعونا نحاول إنهاء الحرب'، وقد يكون كلامه قوياً، لكنني أعتقد أن دعم الرئيس الأميركي، وتحديداً الرئيس ترامب، لإسرائيل لا يتزعزع". وقال بوهلر في المؤتمر السنوي لصحيفة جيروزالم بوست في نيويورك، الثلاثاء، إن التوصل لاتفاق لإعادة المحتجزين الإسرائيليين "أقرب من أي وقت مضى"، وأكد أن التركيز الرئيسي للحكومة الأميركية لا يزال منصباً على تأمين إطلاق سراح المحتجزين الـ58 الذين لا يزالون لدى حماس، وأضاف: "أعتقد أن هناك جدلاً مستمراً. وقد أوضح الرئيس بجلاء أنه يريد التوصل إلى حل"، وأضاف: "أعلم أنه وستيف (ويتكوف) يبذلان جهوداً حثيثة حالياً لمحاولة تحقيق ذلك. تركيزنا الأساسي ينصب على الرهائن، ثم على أمن إسرائيل". أما فيما يتعلق بالإطار الزمني لصفقة تبادل الأسرى، أعرب بوهلر عن تفاؤل حذر قائلاً: "أعتقد أن التوصل إلى اتفاق يقترب أكثر فأكثر"، كما أشاد بالعمليات البرية الإسرائيلية الأخيرة في زيادة الضغط على حماس، قائلاً: "أعتقد أننا أقرب من أي وقت مضى. ويعود جزء من ذلك إلى تحركات إسرائيل والجيش الإسرائيلي على الأرض". First on @FoxNews : Special envoy Adam Boehler tells me the Washington Post report claiming Trump threatened to abandon Israel is 'fake news.' 'The President may be saying, 'Hey, listen, let's try to end the war,' he might speak strongly… But his support is ironclad." — Efrat Lachter (@EfratLachter) May 20, 2025


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
أمّا وقد رفعت العقوبات... هل تلتقط سورية الفرصة؟
في تحوّل غير مسبوق على المستويين السياسي والجيوسياسي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، يوم 14 مايو/ أيار الجاري، عن رفع العقوبات المفروضة على سورية، في خطوة جاءت بعد أكثر من عام من التحرّكات الدبلوماسية المعقّدة. هذا الإعلان ضوء أخضر لبداية مرحلة جديدة في المنطقة. من المهم، لفهم هذا التحوّل أن نتجاوز مجرّد التوصيف السياسي للقرار ونتعمّق في فلسفة هذا التحوّل الجيوسياسي. رفع العقوبات عن سورية في جوهره تعبير عن تغير عميق في العقل السياسي الدولي، الذي يتحرّك بعيداً عن القوى الصلبة مثل العقوبات والضغط العسكري، لصالح معادلاتٍ أكثر تعقيداً تتعلق بالتفاهمات السياسية والتوازنات الاقتصادية. ولكن ماذا يعني ذلك؟ يجب أن نتذكّر أن التحولات السياسية الكبرى على مستوى العالم غالباً ما تكون نتاج تفاعل عدة عوامل، كالانتقال من الهيمنة الأحادية إلى التعدّدية القطبية، نمو الانقسامات الداخلية في القوى العظمى، وتأثيرات القوة الناعمة التي تطغى اليوم على القوة الصلبة. يتوازى هذا التحول في الموقف الأميركي تجاه سورية مع تطور الفكر الاستراتيجي الذي يتجه نحو البحث عن حلول غير تقليدية للصراعات الدولية، ويؤسّس لحالة انكماش في السياسة الخارجية الأميركية وعدم الاستطالات الزائدة والمبالغ بها طوال العقود السابقة وأن الهيمنة الأميركية والتحكم في الاقتصاد العالمي عبر طبع مزيد من أوراق الدولار لم تعد تجدي نفعاً، فهناك أكثر من 40% من التجارة العالمية خارج سيطرة الدولار. وعليه، لا بديل عن سياسات التحالفات الاقتصادية والإقليمية. الواقع الجيوسياسي الجديد: من الجمود إلى التحوّل إنّ لحظة سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، ليست مجرد نهاية لحقبة سياسية، بل هي انهيار لإرث طويل من العنف البنيوي والاستعصاء السياسي، الذي تمكّن بفعل تحالفات دولية وإقليمية، وشرعيات متآكلة، وأساليب قمع ممنهجة. ومع هذا السقوط، لا ينفتح فقط أفق سياسي جديد، بل يتبدّى سؤال فلسفي عميق: هل كان النظام الاستبدادي صنيعة الداخل وحده؟ أم نتاج منظومة دولية تواطأت بالصمت تارة، وبالعقوبات تارّة أخرى، من دون أن تقدّم بديلاً إنسانياً حقيقياً؟ تُظهر التجربة السورية، كما كتب أمارتيا سن في تحليله العقوبات ومخرجاتها، أن الجوع والقمع لا ينتجان فقط عن الأنظمة الشمولية، بل أحياناً عن سياسات دولية "غير مبالية أخلاقياً"، حيث العقوبات تُفرض باسم القيم، لكنها تصيب المواطن لا النظام، وتعمّق هشاشة المجتمع بدل تغييره. وإن رفع العقوبات، كما أُعلن عنه في "الرياض"، يُقدّم لنا ليس فقط فرصة سياسية، بل اختباراً أخلاقياً وفلسفياً للفاعلين الدوليين والإقليميين: هل هو اعتراف ضمني بفشل سياسة العزلة والضغط القصوى؟ هل بات يُنظر إلى سورية كـ 'كيان يجب احتواؤه" لا "كخصم يجب تجويعه"؟ وهل أضحى الانفتاح والتكامل الاقتصادي هما الأداتان البديلتان عن الهيمنة والاحتلال العسكري؟ السياق الجديد الذي ترسمه قوى إقليمية كالسعودية وتركيا بشكل رئيس، وقطر والامارات ثانياً، والذي يجد صداه في تصريحات إدارة أميركية تبحث عن "توازن ذكي" بدل الصدام، يعكس ما يمكن وصفه "التحول من صراع الإرادات إلى هندسة الشرعيات". أي أن التحوّل الحقيقي لا يكمن في تغيير الوجوه، بل في إعادة صياغة العلاقة بين الداخل والخارج، بين السيادة والانفتاح، وبين المصالح الوطنية والحسابات الجيوسياسية. لكن هذا الانفتاح لن يكون بلا ثمن. التحدّي الأكبر أمام الحكومة السورية الجديدة ليس فقط في إعادة الإعمار المادي، بل في إعادة إنتاج عقد اجتماعي جديد، يستعيد ثقة الناس في الدولة كمؤسسة، لا أداة قمع. وهنا، تصبح الأسئلة أكثر تعقيداً. هل يستطيع النظام الجديد أن يبني دولة لا ترتكز على الولاء الأمني، بل على الكفاءة والمساءلة؟ هل سيكون رفع العقوبات منصّة للإصلاح العميق، أم مجرد "هدنة" تُستخدم لإعادة إنتاج السلطة بصيغة ناعمة؟ وهل نحن أمام لحظة تحوّل حقيقي، أم إعادة تموضع في بنية جيوسياسية تتغير باستمرار؟ في ضوء التحوّلات الكبرى في السياسة الدولية تجاه سورية، تأتي التحولات الخليجية جزءاً من مشهد إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط النهج الترامبي جاء القرار الأميركي جزءاً من سعي مستمر إلى إعادة صياغة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث بدأ الرئيس ترامب في تبنّي نهج بعيد عن التدخل العسكري المباشر، مع تعزيز الأدوات الدبلوماسية والاستراتيجية. هذا التغيير لا يعكس فقط مصلحة أميركية ضيقة، بل يعبر عن تقييم أعمق لدور الولايات المتحدة في النظام الدولي الجديد الذي يتسم بتعدّد مراكز القوى، حيث يتطلب الوضع الدولي اليوم تبني سياسات مرنة ومتوازنة. ومن خلال هذا التحول، يمكن فهم التوجه الأميركي تجاه سورية، ورفع العقوبات كجزء من هذا التحوّل، يعكس نقلة فلسفية عميقة في التفكير السياسي الأميركي، من سياسة العصا العسكرية إلى سياسة الجذب والتكييف السياسي. وهذا يضع القوى الإقليمية، خاصة في الخليج وبلاد الشام، أمام واقع جديد يتطلب إعادة تعريف التحالفات والأدوار بعيداً عن منطق الحرب، بل نحو منطق التأثير السياسي والاقتصادي. والتكامل بدل التناذر، ولعل ذلك يمكن فهمه من خلال خطة الاتفاقات الابراهيمية التي يجري تداولها في هذا السياق. التحوّلات الخليجية: إعادة صياغة المعادلات الإقليمية في ضوء التحولات الكبرى في السياسة الدولية تجاه سورية، تأتي التحولات الخليجية جزءاً من مشهد إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط، فالدول الخليجية لم تعد تكتفي بدور المموّل أو الوسيط، بل بدأت تلعب أدواراً أكثر استقلالية واستراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: الأمن الإقليمي، التوازن مع القوى الكبرى، وإعادة تموضع سياسي واقتصادي في مرحلة ما بعد الصراعات. السؤال الذي يطرحه التحوّل في السياسة الأميركية هو: كيف تتفاعل القوى الإقليمية الكبرى مع هذه التغيرات؟ دور الدول الخليجية، في هذا السياق يتجاوز التحولات السياسية، ليحمل أبعاداً فلسفية تتطلب التأمل العميق. ففي نهاية المطاف، تتشكل السياسات الخليجية بناء على قدرة هذه الدول على "الحفاظ على الاستقرار"، وهو مفهوم يُحاكي القوة التقليدية التي اعتمدت على هيمنة عسكرية وسياسية مباشرة، لكن مع انفتاح تدريجي نحو تفاعلات سياسية جديدة. هذا التوجّه يكشف عن استعداد هذه الدول لتبني سياسات أكثر مرونة وتعدّدية، ما يعكس تحولاً في العقلية السياسية الإقليمية، ويعطي فرصة لسياسات صفر المشكلات أن تكون الحاكم في نهاية المطاف. تتجاوز علاقة دول الخليج مع سورية كونها مجرد علاقة بين دول متجاورة، فهي جزء من مشروع طويل الأمد يهدف إلى تشكيل نوع جديد من التحالفات القابلة للتكيّف مع المتغيّرات المستمرّة في المنطقة. لا يقتصر هذا المشروع على مواجهة إيران فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة إعادة صياغة النظام الإقليمي ككل. مثّل رفع العقوبات عن سورية فرصة تاريخية نادرة، لكن استثمار هذه اللحظة لا يكون بالخطاب العاطفي أو الانتظار السلبي، بل بقراءة دقيقة للواقع الجديد الذي فُرض (أو صِيغ) بفعل ضغوط اقتصادية خانقة وتبدّلات في خرائط التحالفات. وبالتالي، ليست أولى الخطوات المطلوبة الاستجابة المطلقة لشروط الخارج، بل إعادة تعريف الداخل السوري وفق متطلبات المرحلة، مع إدراك أن الانخراط في نظام دولي جديد لا يعني التنازل عن الثوابت، بل إدارة الشروط بما يخدم المصالح الوطنية. في هذا السياق، لا بد من توسيع هامش القرار السيادي من دون كسر الخطوط الحمراء الإقليمية، وهو ما يتطلّب من الإدارة السورية أن تكون فاعلاً لا مُداراً، وأن تقدّم نموذجاً سياسياً واقتصادياً جديداً يُقنع الداخل قبل الخارج، ويُشرك أطرافاً وطنية كانت مُقصاة لعقود، لا لأن ذلك شرط دولي، بل لأن المرحلة تتطلبه. كذلك، فإن التحوّل في الخطاب السياسي الخارجي لا يجب أن يُنظر إليه خيانةً لمحور أو تخلٍّ عن مبدأ، بل كإعادة تموضع ضمن واقع استراتيجي متغير، حيث لم تعد الشعارات تكفي لحماية الدولة، ولا البقاء في محور مغلق يحقّق المصلحة العليا. من هنا، ليس الانتقال من "المحور" إلى "التموضع" ضعفاً، بل هو إقرارٌ بأن قوة سورية اليوم تُبنى بالاقتصاد والعلاقات المتعدّدة، لا بالشعارات فقط. من أجل أن تتمكّن الحكومة السورية من الاستفادة الحقيقية من رفع العقوبات، يجب أن تُنفَّذ إصلاحات هيكلية جذرية في جميع مؤسسات الدولة داخلياً، المطلوب ليس فقط رفع القبضة الأمنية، بل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، عبر سياسات اجتماعية واقتصادية تُعالج تدهور الحياة اليومية وتُعيد التوازن إلى العقد الاجتماعي الذي تهشّم. هذه ليست ترفاً سياسياً، بل شرطاً لبقاء الدولة واستقرارها في مرحلة ما بعد الحصار. وما يبدو اليوم كـ"شروط" دولية، يمكن تحويله إلى أوراق تفاوض ذكية تخدم الدولة ولا تُفككها، إذا ما أحسنت القيادة السورية صياغة المشهد القادم: بحكمة لا تبعية، وببراغماتية لا ارتباك. أحد الشروط التي فرضتها القوى الدولية لرفع العقوبات يتعلق بضرورة إجراء إصلاحات سياسية داخلية. وهذا يشمل الانفتاح على المعارضة السياسية وإعطاء فرص أوسع للمشاركة السياسية. يشير اشتراط القوى الدولية بإجراء إصلاحات سياسية داخلية – كشرط لرفع العقوبات – إلى تصادم بين منطقين: (منطق السيادة التقليدية: حيث ترفض الدولة أي تدخل خارجي في تحديد شكل النظام السياسي. منطق الحوكمة الدولية: الذي بات يربط بين التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، ويضع شروطاً تتعلق بالديمقراطية، الشفافية، وحقوق الإنسان مقابل المساعدات أو رفع القيود. في هذا السياق، يصبح السؤال المطروح: هل الإصلاح السياسي قرار سيادي أم استجابة للإكراه الخارجي؟ من منظور علم الاجتماع السياسي، هذه العلاقة ليست ثنائية أو تناقضية بالضرورة، بل يمكن أن تكون جدلية؛ حيث قد تستفيد النخبة الحاكمة من الضغوط الخارجية لتمرير إصلاحات قد تكون مرغوبة داخلياً، ولكن يصعب فرضها لولا الضغط الخارجي. مع رفع العقوبات عن سورية، تبرز تساؤلاتٌ مهمّةٌ حول قدرة المؤسسات الحكومية السورية على الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية. يفتح هذا القرار أمام سورية أبواباً جديدة لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي، ولكنه، في الوقت نفسه، يضع الإدارة السورية أمام اختبار حاسم. هل ستتمكّن هذه المؤسّسات المترهلة والتي تعاني من الفساد والتدهور الإداري من الاستفادة من هذا التحوّل؟ وهل يمكن لها أن تتكيف مع البيئة السياسية والاقتصادية الجديدة لتحقيق التقدم؟ يعكس رفع العقوبات عن سورية، بعد سنوات من الحصار، تحوّلاً جوهرياً في المعادلات السياسية والاقتصادية. لكن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن المؤسّسات الحكومية السورية، التي عانت من ضعف الأداء الإداري والفني بسبب الحروب والعقوبات المستمرّة، والفساد الكبير التي تعاني منه، قد تجد نفسها أمام تحدّياتٍ ضخمة، فعديد من هذه المؤسّسات تفتقر إلى الكفاءات والقدرة على جذب الاستثمارات، كما تعاني من قلة الشفافية والمساءلة، ما يشكّل عائقاً كبيراً أمام تحفيز النمو الاقتصادي. من أجل أن تتمكّن الحكومة السورية من الاستفادة الحقيقية من رفع العقوبات، يجب أن تُنفَّذ إصلاحات هيكلية جذرية في جميع مؤسّسات الدولة، فالمؤسّسات الحكومية، التي تعاني من الترهل وضعف الأداء الإداري، بحاجة إلى تعزيز قدرتها على العمل المؤسسي الفعّال من خلال إدخال مفاهيم جديدة تركز على الفعالية والشفافية. لا يقتصر هذا التغيير على تعديل النظم الإدارية فحسب، بل يتطلب أيضاً إعادة هيكلة ثقافة العمل داخل هذه المؤسسات بحيث تصبح أكثر كفاءة ومرونة. أولاً، الانتقال إلى نموذج كفؤ ومرن من الضروري أن تنتقل الحكومة السورية من نموذج تقليدي يعتمد على البيروقراطية الثقيلة إلى نموذج حديث يتمتع بالكفاءة والمرونة في اتخاذ القرارات. تحتاج المؤسّسات التي ظلت أسيرة لهيكل إداري قديم تتسم بتعقيد الإجراءات تطوير أنظمة جديدة تسرّع اتخاذ القرارات وتسهّل تنفيذ السياسات بشكل أكثر فعالية. يتطلب ذلك تدريب الموظفين على كيفية التعامل مع التحديات المعاصرة وتحسين مهاراتهم الإدارية والفنية، ما يعزّز قدرة المؤسّسات على التفاعل بشكل أسرع مع الظروف المتغيرة. ثانياً، تعزيز الشفافية والمساءلة واحدة من أبرز العوامل التي تعيق فعالية الحكومة السورية غياب الشفافية والمساءلة. لتحقيق الإصلاح المنشود، على الحكومة أن تنفذ آليات لضمان الشفافية في جميع الإجراءات المالية والإدارية، وأن توفر آلية مستقلة لمراقبة العمليات الحكومية. في هذا السياق، يجب تطبيق سياسات تحارب الفساد وتعزز المساءلة على جميع المستويات، بدءاً من أعلى السلطات وصولاً إلى الوحدات المحلية. ثالثاً، سياسة حكم رشيدة لجذب الاستثمارات من دون وجود سياسة حكم رشيدة، سيكون من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية التي تعدّ أساساً لإعادة بناء الاقتصاد السوري. لذلك، يجب أن تتبنّى الحكومة السورية سياسات اقتصادية تستند إلى مبادئ الشفافية والعدالة في التعامل مع المستثمرين، مع التأكيد على حماية حقوق المستثمرين المحليين والدوليين. كما يجب أن تكون هناك ضمانات قانونية لتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل، وتوفير بيئة قانونية مستقرة تحمي حقوق المستثمرين من أي تقلبات سياسية أو اقتصادية. ليس رفع العقوبات نهاية الصراع، بل اختبار لمدى قدرة الدولة السورية على التكيف، ولقدرتها على إعادة بناء شرعيتها الداخلية هبة سورية الجديدة ليس رفع العقوبات قراراً سياسياً فقط، بل هو أيضاً تحوّل في أخلاق السياسة، فالعقوبات، كما عرّاها أمارتيا سن، ليست مجرّد أدوات ضغط، بل هي أنظمة إنتاج للمعاناة. يحمل إعلان ترامب في الرياض عن رفع العقوبات في طيّاته ما يُشبه التحوّل الأنطولوجي في كيفية فهم الدول لمصادر القوة: من الإكراه إلى التعاون، من السيطرة إلى الحوافز، من الغلبة إلى التكيّف. وإن رفع العقوبات عن سورية لا يمكن قراءته فقط منحة دولية أو نتيجة لتغير المزاج السياسي في العواصم الغربية، بل ينبغي فهمه في سياق أوسع من التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم، حيث تعيد القوى الكبرى ترتيب أولوياتها، وتُفسح المجال لسياسات أكثر براغماتية قائمة على تقليل الكلفة الأمنية والانخراط عبر أدوات الاقتصاد والدبلوماسية. من هذا المنطلق، ليس رفع العقوبات نهاية الصراع، بل اختبار لمدى قدرة الدولة السورية على التكيّف، ولقدرتها على إعادة بناء شرعيتها الداخلية بمقاييس جديدة تعتمد على الكفاءة، الشفافية، والتشاركية، بدلاً من السرديات الأيديولوجية التقليدية. والأهم أن هذا التحول لا يعني بالضرورة الخروج من محور والانخراط في آخر، بل استثمار اللحظة السياسية بحنكة، بما يضمن مصالح الشعب السوري أولاً، ويحفظ السيادة الوطنية دون أن يُغلق الأبواب أمام التفاهمات الإقليمية والدولية. إن اللحظة الراهنة هي لحظة مفصلية في التاريخ السوري الحديث: إما أن تُقرأ برؤية مستقبلية تُحوّل الضغط إلى فرصة، أو تُفهم بوصفها مجرّد هدنة مؤقتة سرعان ما تنقلب إذا لم تُدعّم بإصلاح داخلي حقيقي. فكما قال أحد المراقبين في The National Interest: "الأنظمة التي تنجو من العزلة لا تفوز فقط بالبقاء، بل بتجديد أدوات بقائها". والسؤال الآن ليس عما إذا كانت العقوبات قد رُفعت، بل هل ستُستثمر هذه الفرصة لصياغة سورية جديدة، أم تُهدر كما أُهدرت فرص تاريخية من قبل؟


العربي الجديد
منذ 8 ساعات
- العربي الجديد
ترامب يتسبب في استقالة منتج برنامج "60 دقيقة" التلفزيوني
أعلن منتج برنامج "60 دقيقة" التلفزيوني الشهير بيل أوينز، الثلاثاء، استقالته بسبب الهجمات التي طاولت استقلاليته في الأشهر الأخيرة في ظلّ معركة قانونية يخوضها الرئيس دونالد ترامب ضدّ البرنامج. "60 دقيقة"، الذي يُعتبر جوهرة التاج بالنسبة لشبكة "سي بي إس نيوز" المملوكة لشركة باراماونت، برنامج أسبوعي عريق غطّى الشؤون الجارية في الولايات المتحدة منذ بُثّ للمرة الأولى في 1968. لكنّ البرنامج يخوض حالياً نزاعاً قضائياً حادّاً مع ترامب. وأعلن منتج البرنامج والصحافي المخضرم استقالته في رسالة عبر البريد الإلكتروني أرسلها إلى فريقه واطّلعت عليها وكالة فرانس برس، وقال في الرسالة إنّه "خلال الأشهر الماضية، اتّضح لي أيضاً أنّه لن يُسمح لي بإدارة البرنامج كما كنتُ أُديره دائماً من أجل اتخاذ قرارات مستقلة بناء على ما هو مناسب لـ60 دقيقة وما هو مناسب للجمهور". وأضاف: "من هنا، وبما أنّني دافعتُ عن هذا البرنامج -وما نمثّله- من كلّ الجوانب وبكلّ ما أوتيتُ من قوة، فإنّني أتنحّى جانبا حتى يتمكّن البرنامج من المضي قدماً". إعلام وحريات التحديثات الحية ترامب في حرب ضد الإعلام الأميركي التقليدي وأضحى برنامج "60 دقيقة"، الذي يجذب نحو عشرة ملايين مشاهد أسبوعياً، هدفاً رئيسياً لهجوم ترامب على وسائل الإعلام. وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024، رفع الملياردير الجمهوري دعوى قضائية ضدّ "60 دقيقة"، متّهماً إياه بالتلاعب بمقابلة أجراها البرنامج مع منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ونفت شبكة " سي بي إس " بشدّة هذه الاتهامات التي وصفها معلّقون بأنّها لا أساس لها. وواصل البرنامج بثّ تحقيقات تنتقد إدارة ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض. وردّاً على هذه التحقيقات، دعا ترامب إلى إلغاء "60 دقيقة"، بينما أشار مستشاره الملياردير إيلون ماسك إلى أنّه يأمل بأن تصدر بحق فريق هذا البرنامج التلفزيوني أحكام بالسجن لفترات طويلة. واشتدّ الخلاف بين الطرفين على خلفية سعي "باراماونت"، الشركة الأم لشبكة سي بي إس نيوز، إلى الاندماج مع "سكاي دانس"، وهو أمر يجب أن يوافق عليه أولاً رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية بريندان كار الذي يعتبر من أنصار ترامب. ويسعى ترامب للحصول على تعويض مالي من "سي بي إس نيوز" بقيمة 20 مليار دولار بسبب مقابلة هاريس. وتتحدّث أوساط إعلامية عن إمكانية التوصّل إلى تسوية بين ترامب والشبكة التلفزيونية بشأن هذا النزاع، لكنّ أوينز تعهّد بـ"عدم الاعتذار" إذا ما تمّ التوصل إلى تسوية كهذه. (فرانس برس)