logo
النفوذ العُماني في شرق اليمن: تمدّد هادئ على أنقاض التنازع الخليجي

النفوذ العُماني في شرق اليمن: تمدّد هادئ على أنقاض التنازع الخليجي

اليمن الآنمنذ 4 أيام
في الوقت الذي تراجعت فيه الأدوار التقليدية لبعض الفاعلين الإقليميين في اليمن، برزت سلطنة عمان بهدوء لافت، تقود مشروع نفوذ ناعم في شرق البلاد، يتمدد بثقة، ويعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي دون ضجيج، لكن بأثر بالغ. هذا الحضور المتصاعد لا يأتي ضمن حملة عسكرية، ولا عبر تحالفات صاخبة، بل عبر أدوات متدرجة تبني واقعًا جديدًا من تحت الركام.
الإفراج عن الشيخ محمد الزايدي مثلًا، لم يكن مجرد لفتة إنسانية كما روّجت بعض الأطراف. فسرعان ما تبين أن الإفراج كان جزءًا من حسابات أعمق، حين وصل الرجل إلى الجوف وردد الصرخة الحوثية جهارًا، في رسالة رمزية تحمل بصمة واضحة على أن عودته لم تكن عادية، وأن من هندسها أراد لها أن تكون خرقًا في جدار الخصوم، لا خطوة رحيمة عابرة.
بالتزامن، كانت حضرموت تشهد مسيرات غاضبة، شعاراتها لم تقتصر على المطالب الخدمية أو المعيشية، بل تجاوزت ذلك لتعلن خصومتها للجميع: الشرعية، والانتقالي، والتحالف. تلك الهتافات ليست مجرد تنفيس جماهيري عابر، بل انعكاس لتحولات أعمق في المزاج الشعبي، وتغذية واعية من خطاب إعلامي محسوب، يتناغم مع سردية تنمو على هوامش الفراغ الإقليمي، وتغذّيها سلطنة عمان بسخاء عبر أدواتها الإعلامية وشبكات الولاء المجتمعية.
في هذا السياق، لا يبدو غريبًا أن يختتم رئيس تيار التغيير والتحرير حضوره الإعلامي عبر شاشة قناة المهرية، التي أصبحت واحدة من أبرز المنصات التي تروّج لصيغة مختلفة من الخطاب السياسي، تتماهى مع المصالح العُمانية، وتمنح الصوت لمن يتقاطعون مع مشروعها، سواء بوعي أو بدون.
كل هذا الحضور الإعلامي والمجتمعي لا يأتي من فراغ. فشرق اليمن بات اليوم ساحة شبه حصرية للنفوذ العماني، بعد أن فشلت الرياض في الحفاظ على أدواتها، وتعثرت المشاريع الخليجية الأخرى في تقديم نموذج قابل للاستمرار. هذا النفوذ لا يواجه مقاومة حقيقية، بل يجد طريقه مفروشًا بأزمات الخصوم وتصدعاتهم. بل إن بعض الأصوات تذهب إلى اعتبار أن مسقط تمارس دور "الوكيل الناعم" لطهران، تدير من خلاله مصالحها بأقل تكلفة وأعلى تأثير.
لكن الأرجح أن عمان تسير في مشروعها ضمن رؤية مستقلة، لا تقفز إلى الصدارة، بل تبني حضورها من القاع، مستفيدة من حالة التفكك وتراكم المظلومية في شرق البلاد، وتراجع الحضور السعودي الذي ظل لعقود يتعامل مع اليمن كملف أمني مجرد، لا كشريك له حيوية وسياق.
في نظر السعودية، ظل اليمن مجرد عنوان لمشكلة. من بؤرة للشيوعية في قلب الجزيرة المحافظة، إلى ساحة لمكافحة الإرهاب، وصولًا إلى مهدد للملاحة الدولية. النظرة التي اختزلت اليمن في كونه عبئًا أمنيًا منعت أي تفكير في بناء تحالف حقيقي أو مشروع جامع، ما فتح الباب أمام اللاعبين الآخرين لتقديم روايات بديلة وبناء نفوذ مستدام.
ليس جديدًا أن تتحول اليمن إلى ساحة للتنفيس الإقليمي. من قطر إلى الإمارات، من مصر إلى الاتحاد السوفيتي سابقًا، اعتادت الدول أن تفتح جبهة يمنية كلما أرادت تخفيف الضغط السعودي أو بعث رسائل غير مباشرة. وعمان ليست استثناءً، لكن الفارق أن مقاربتها أكثر برودًا وطول نَفَس، لا تبحث عن انتصار خاطف، بل عن موطئ قدم دائم.
وإذا ما استمرت حالة التآكل داخل الشرعية، وتفاقم الانقسام داخل الانتقالي، وعجزت الرياض عن تقديم نموذج بديل متماسك، فإن المشروع العُماني مرشح لأن يتحول من مجرد نفوذ إعلامي أو رمزي إلى واقع سياسي واجتماعي راسخ. ليس بالضرورة أن يظهر في شكل سلطة معلنة أو كيان رسمي، بل يكفي أن تترسخ شبكة علاقات محلية، ومنظومة خطاب، وموازين قوى تتغذى من خارج الحدود لكنها تفرض معادلات الداخل.
مع الوقت، قد يشهد شرق اليمن ولادة كيانات مرنة في ارتباطها بمسقط، لكنها فعالة في التأثير على مسار الأحداث، وربما تُطرح لاحقًا كمناطق تفاوض بديلة عن مركز الصراع في صنعاء أو عدن. لكن هذا السيناريو يبقى مرهونًا بقدرة سلطنة عمان على الحفاظ على توازنها الدقيق، وتجنّب التصادم المباشر مع اللاعبين الإقليميين، وبالدرجة الأولى السعودية، التي وإن بدت مرتبكة، ما تزال تملك مفاتيح قوة يصعب تجاهلها.
في المحصلة، لا تبني سلطنة عمان نفوذًا عابرًا في اليمن، بل تكتب سطرًا جديدًا في معادلات الخليج، بهدوء المترقّب، وبصبر من يعرف أن الفراغات لا تدوم، وأن من يملؤها أولًا يحدد شكل المستقبل.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مليشيا الحوثي تحشد مئات المقاتلين من مديرية الحشاء وتزج بهم نحو جبهات حجر في الضالع "صورة"
مليشيا الحوثي تحشد مئات المقاتلين من مديرية الحشاء وتزج بهم نحو جبهات حجر في الضالع "صورة"

اليمن الآن

timeمنذ 31 دقائق

  • اليمن الآن

مليشيا الحوثي تحشد مئات المقاتلين من مديرية الحشاء وتزج بهم نحو جبهات حجر في الضالع "صورة"

كشفت مصادر خاصة لـ"المركز الإعلامي لجبهة الضالع" إقدام مليشيات الحوثي المدعومة من إيران بالدفع بتعزيزات من صفوفها نحو المواقع المتقدمة بجبهة حجر شمال غربي الضالع حيث زجت بالمئات من المقاتلين الذين وصلوا الى مواقع المليشيات المتقدمة صباح اليوم الثلاثاء 5 أغسطس. وبحسب المصادر فإن العشرات من عناصر المليشيات قد شوهدوا في مواقع قريبة من المواقع المتقدمة لجبهة حجر أثناء قدومهم من مناطق سيطرة الذراع الإيرانية في مديرية الحشاء التي ما تزال تحت سيطرتهم. وطبقاً للمصادر، فإن التعزيزات الحوثية الأخيرة تتمثل بالعشرات من المقاتلين الذين قدموا بشكل استعراضي على شكل أفواج مشياً على الأقدام بعد تخرجهم من دورة تدريبية عسكرية في معسكر المشواس الخاضع لسيطرة المليشيات شرقي الحشاء، مدججين بالاسلحة الثقيلة و المتوسطة والخفية. وتظهر الصوره الخاصة بـ المركز الإعلامي لجبهة الضالع جموع بشرية تابعة لجماعة الحوثي خلال مسير عسكري تم تجهيزية والدفع به من مناطق مجاوره من الحشاء وغيرها بهدف تعزيز صفوف مقاتلي الحوثي والزج بهم نجو جبهات الضالع لحدودية. ويأتي هذه التصعيد الحوثي الجديد بعد حالة من الهدوء المصحوب بالحذر الذي تشهده جبهات القتال في محافظة #الضالع، بين الحين والاخر والذي جاء تزامنا مع فتح الشريان الحيوي الرابط بين صنعاء وعدن عقب اغلاق ميناء الحديده. غير أن المعركة الاقتصادية مؤخراً ومنع عبور الكثير من التجار عبر طريق الضالع - صنعاء قد يكونا وراء هذا التصعيد والحملات التي من المتوقع ان تشهدها جبهات الضالع خلال الساعات القليلة القادمة. #المركز_الإعلامي_لجبهة_الضالع

العدالة بالترند: كيف تحولت انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إلى مادة تفاعلية بديلاً عن القضاء؟
العدالة بالترند: كيف تحولت انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إلى مادة تفاعلية بديلاً عن القضاء؟

وكالة الصحافة اليمنية

timeمنذ 31 دقائق

  • وكالة الصحافة اليمنية

العدالة بالترند: كيف تحولت انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إلى مادة تفاعلية بديلاً عن القضاء؟

دمشق/ وكالة الصحافة اليمنية// وسط صمت دولي مقلق، تتزايد شهادات المؤسسات الحقوقية عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تُرتكب بحق المعتقلين وأسر الضحايا داخل سجون تتبع لـ'الحكومة السورية المؤقتة' في مناطق سيطرتها شمال سوريا، حيث تتحدث تقارير حقوقية عن وفاة محتجزين تحت التعذيب وسوء المعاملة الممنهجة. ففي الوقت الذي يفترض أن تكون هذه المناطق ملاذًا آمنًا للهاربين من جحيم الصراع الطائفي الذي تقوده العناصر المسلحة التابعة لحكومة 'أحمد الشرع'، يكشف الواقع عن دوامة قمع جديدة تنتهك أبسط حقوق المعتقلين، في ظل غياب المساءلة، وتواطؤ أمني يكرّس الإفلات من العقاب. وتحذر منظمات حقوقية من أن هذه الانتهاكات لم تعد مجرد تجاوزات فردية، بل باتت نمطًا ممنهجًا من التعذيب والتصفية الجسدية داخل مراكز الاحتجاز التابعة لفصائل تعمل تحت مظلة 'الجيش الوطني'، ما يطرح تساؤلات ملحّة حول مسؤولية 'الحكومة المؤقتة' وصمت الجهات الداعمة لها. في دولة يُفترض أن القوانين ومؤسسات العدالة فيها هي المرجعية الوحيدة للفصل في الانتهاكات، بات السوريون يلجأون إلى الهاتف والكاميرا، لا إلى المحامي والقاضي. 'ومع كل جريمة أو حادثة اعتداء، لا تتحرك السلطات إلا إذا اشتعلت مواقع التواصل بها' هكذا تصف منظمات حقوقية الواقع الجديد في سوريا، حيث بات 'الترند' هو السلطة الوحيدة القادرة على تحريك ملفات الانتهاكات، ولو جزئيًا. وقال المرصد في بيان، اليوم الثلاثاء، إن 'النهج الحكومي القائم على سياسة الصمت حتى الضجة يعكس أزمة ثقة عميقة بين المجتمع والسلطة'، مشيرًا إلى أن كثيرًا من القضايا لم تلقَ اهتمامًا إلا بعد تحولها إلى مواد رائجة على منصات الإنترنت. وأكد المرصد أن تعامل الحكومة مع هذه القضايا يكشف عن تآكل منظومة العدالة وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، مشيرًا إلى أن الحالات التي حظيت باعتراف رسمي كانت إما موثقة بشكل مباشر بالصوت والصورة، أو تتعلق بأشخاص يحملون جنسيات أجنبية. ويرى 'المرصد السوري لحقوق الإنسان' أن الحكومة السورية، ولا سيما وزارة الداخلية، أصبحت تتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان بمنطق 'التجاهل حتى الضجة'، إذ تتجاهل قضايا كثيرة إلا إذا تم توثيقها بالصوت والصورة وانتشرت عبر الإنترنت. وفي تصريحاته الأخيرة، أشار المرصد إلى أن تحقيق العدالة في سوريا أصبح رهينًا بمدى التفاعل الرقمي، في ظل ضعف مؤسسات الرقابة، وغياب الشفافية في عمل الأجهزة الأمنية، وانعدام المساءلة الجادة. وفي المقابل، لجأت الجهات الرسمية، بحسب المرصد، إلى فبركة روايات مضادة وتضليل الرأي العام في القضايا التي لم تلقَ ضجة واسعة، ما أدى إلى تمييع الحقائق وتضييع حقوق الضحايا. في 24 يوليو الماضي، أُبلغ عن وفاة شاب من قرية 'كرتو' بريف طرطوس بعد أيام من اعتقاله على أحد حواجز الأمن العام، برفقة ثلاثة آخرين من أبناء الطائفة العلوية. وفق شهادات نقلها المرصد، تعرض الضحية لتعذيب مبرح، وتم إجبار أهله على دفنه ليلًا وخارج قريته. سلطات دمشق الجديدة نفت التعذيب، وقالت إن الوفاة ناتجة عن 'وعكة صحية أثناء التحقيق'، لكن الرواية الرسمية لم تكن لتصدر لولا الغضب الشعبي وتصاعد المطالبات على وسائل التواصل الاجتماعي. في 31 يوليو المنصرم، توفي الشاب يوسف لباد داخل المسجد الأموي بدمشق. الرواية الرسمية لحومة دمشق المؤقتة قالت إنه 'أذى نفسه أثناء محاولة ضبطه'، لكن مقاطع فيديو وشهادات شهود شككت في ذلك. تقول مصادر حقوقية إن السلطات حاولت في البداية دفن القضية، لكنها اضطرت للتعليق الرسمي بعد تصاعد الغضب الشعبي على المنصات، خصوصًا بعد نشر صور الضحية داخل المسجد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store