
"إسرائيل" من حروب الأيام إلى حرب الاستنزاف..أي شرق أوسط جديد تحلم به؟
سيسأل سائل، كيف ذلك وقد دمّرت "إسرائيل" غزة وضربت لبنان واليمن وإيران ويدها تستهدف من تشاء ووقتما تشاء؟
صورة "إسرائيل" الحقيقية في هذه المرحلة هي كمن يحاول تجميل وجهه بعيداً من الواقع وحقائقه ومعطياته، صورة تقول كل المعطيات إنها دخلت في مرحلة ضعف استراتيجي تدريجي؛ فبعد أن كانت تحسم حروبها في المنطقة في أيام أصبحت غارقة في حروب استنزاف غير قادرة على الوصول إلى نقطة الحسم فيها، وهذه الحال ليست في غزة بل مع لبنان واليمن وإيران.
تاريخياً، لطالما بنت "إسرائيل" صورتها أمام المنطقة والعالم على سردية "الجيش الذي لا يقهر"، وهذه السردية رافقت نشأتها منذ عام 1948، وتعززت في حروب خاطفة خاضتها لأيام عام 1956 و1967، حيث استطاعت حسم معاركها في أيام معدودة وربما في ساعات قليلة، كان هذا الحسم يعدّ كلمة السر لبقاء مشروعها كعنصر جذب وترغيب لكل من جاء مستوطناً على الأرض الفلسطينية المحتلة وعنصر ترهيب وضغط على كثير من الدول العربية في المنطقة.
شكلت هذه السردية لـ"إسرائيل" قاعدة ذهبية في تلك الحقبة، لكن لم تدم طويلاً بعد خوضها حرب 1973 التي انتهت من دون حسم، كما أرادت آنذاك، وكسرت فيها صورتها كقوة لا تردع و"جيش" لا يقهر.
بدأت المنطقة تشهد تحوّلاً استراتيجياً كبيراً مع ظهور حركات المقاومة في المنطقة سواءً الفلسطينية في قطاع غزة كحماس والجهاد الإسلامي وكحزب الله في لبنان، هذه المقاومة التي أدخلت "إسرائيل" على مدار سنوات الصراع في معادلات جديدة قوامها حروب طويلة الأمد، غير متكافئة من حيث القوة العسكرية لكنها شكلت حال استنزاف وإرهاق كبيرين إلى جانب الاستنزاف البشري والنفسي والعسكري والاقتصادي.
قطاع غزة كساحة حرب واختبار للردع يعدّ أبرز ساحات هذا التحوّل، ومنذ عام 2008 وحتى السابع من أكتوبر 2023، خاضت "إسرائيل" خمس حروب عسكرية تخللتها محطات مواجهة عسكرية كثيرة، لم تستطع الوصول فيها إلى نقطة الحسم في كل جولة، وتحديداً لم تنجح في نزع سلاح المقاومة الفلسطينية ولا القضاء على قدراتها كما لم تنجح في استعادة الردع كلياً، وهذا يعيدنا إلى مسألة جوهرية واستراتيجية في طبيعة العلاقة بين قطاع غزة و"إسرائيل"، إذ فشلت كل الحكومات الإسرائيلية في فرض استراتيجية ردع واضحة وناجحة مع قطاع غزة، بل إن النظرة العامة تجاه هذه البقعة الجغرافية أنها كيان معادٍ يتجمع فيه لاجئون فلسطينيون يريدون العودة إلى أرضهم ولا يعرفون غير ذلك. اليوم 09:09
اليوم 08:30
كشفت الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 وقائع جديدة على الأرض، تلك الوقائع تقول إن "إسرائيل" عالقة في مستنقع مليء بالألغام مفتوح بلا نصر حاسم أو مطلق كما يروّج له نتنياهو في كل خطاب.
صحيح أن آلة الحرب الإسرائيلية قتلت مئات الآلاف ودمّرت غزة، لكن في حقيقة الأمر أنها ما زالت عاجزة بعد أكثر من 630 يوماً من حسم الحرب مع المقاومة التي تتحرك بين الركام وتخرج من الأنفاق وتوجّه ضرباتها بدقة في حرب استنزاف مستمرة، والتي أثبتت للعالم أجمع أن آلة الحرب التي دعمتها أميركا ومن خلفها الغرب عاجزة عن حسم المعركة وفرض شروطها في الميدان.
الجانب الآخر من الصورة وفي جبهات المواجهة المفتوحة بين "إسرائيل" ولبنان واليمن وطهران، نصل إلى النتيجة ذاتها والتي تقول بشكل صريح إن الحروب التي خاضتها "إسرائيل" مع حزب الله في لبنان ومع اليمن وإيران، تدار على قاعدة الردع المتبادل، أو ترميم صورة الردع التي تآكلت بفعل مساندة حزب الله والقوات المسلحة اليمنية المقاومة الفلسطينية في معركتها بعد السابع من أكتوبر، وكل المؤشرات توصلنا إلى النتيجة ذاتها أن "إسرائيل" فشلت في فرض قواعد اشتباك وتثبيت معادلات، بل وجدت نفسها في لحظة ما من المواجهة أنها مضطرة للعمل على وقف المواجهة إلى حدّ معيّن من دون حسم هذه المواجهة لمصلحتها؛ خوفاً من انزلاق أكبر في المواجهة إلى نقطة اللاعودة وما سيتبعها من كلفة استراتيجية.
جبهة إيران ليست بعيدة عن واقع الحال، ولطالما روّجت "إسرائيل" لرغبتها بضرب قدرات إيران النووية، ولكن في العدوان الأميركي-الإسرائيلي الأخير على إيران أثبتت طريقة وقف الحرب فجأة بعد اثني عشر يوماً عجز الوصول إلى نقطة الحسم فيها، فيما برنامج إيران النووي لم يتأثر، رغم سلسلة الضربات والاغتيالات، بل شكلت المواجهة العسكرية الأخيرة نصراً كبيراً لإيران في قدرتها على ضرب مواقع وأهداف عسكرية حساسة في "إسرائيل" وسجلت صورة ردع قوية مفادها أن إيران ليست لقمة سائغة يسهل القضاء عليها.
ثمة واقع يهرب منه صانعا القرار في "إسرائيل" وواشنطن في عهد إدارة ترامب التي ساندت "إسرائيل" في كل حروبها في المنطقة سواء في غزة أو لبنان واليمن وصولاً إلى طهران، هو أن "إسرائيل" لم تعد قادرة على تحقيق الحسم السريع، والحقيقة الأخرى هي أن زمن الحروب الخاطفة التي كانت تحسم فيها حروبها في ساعات أو أيام قد ولّى، وأن الواقع الجديد هو عهد حروب الاستنزاف الطويلة التي باتت تُجرّ إليها "إسرائيل"، وهذا العهد يستنزف "إسرائيل" ليس عسكرياً فحسب بل على كل الصعد، ويسجل واقعاً يعاد فيه تعريف معادلة الصراع والردع بشكل كامل.
قد يقول قائل إن هذا التحوّل لا يعني عجز "إسرائيل" المطلق، فهي التي تمتلك القدرات العسكرية الضخمة والترسانة النووية ومعها سلاح الجو القوي والضارب والخارق، هذا قول منقوص وقراءة غير متزنة لحقيقة الواقع، قول يجهل أن "إسرائيل" لم تعد قادرة على فرض إرادتها بسرعة من طرف واحد، ومع طول أمد كل مواجهة في جبهات متعددة تصبح التكلفة أعلى بكثير. تضاف إلى هذه المعضلة أزمة الثقة الداخلية التي تعصف بمكوّنات المجتمع وبنيته السياسية في "إسرائيل"، فالتصدعات العميقة ظهرت وطفت على السطح ولم تعد "إسرائيل" قادرة على إخفائها، كما أن حركة المظاهرات التي تخرج باستمرار لهي مؤشر واضح على تراجع وانعدام الثقة في القيادة السياسية والعسكرية داخل "إسرائيل"، ومع كل حرب استنزاف تخوضها وتفشل في حسمها يزداد الانقسام والتصدع أكثر حول الفشل في الحسم وتحقيق الأهداف. وبهذا تعلو الأصوات ويزداد التساؤل حول جدوى استمرار الحروب بلا حسم أو حتى أفق سياسي.
ربما يطرح البعض تساؤلاً مهماً أمام هذا الواقع الذي وصلت إليه "إسرائيل"، فيقول: ماذا بعد؟
دخلت "إسرائيل" حروباً مع غزة ولبنان واليمن وحتى مع إيران مؤخراً حققت فيها نقاطاً تكتيكية، لكن في الحقيقة، وصلت إلى نقطة باتت فيها عاجزة عن حسم الحروب التي خاضتها من دون ثمن كبير، بل وأكثر من ذلك فقد باتت حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وغيرها ممن ساند الشعب الفلسطيني يدرك جيداً ويعي أن استراتيجية الصبر والنفس الطويل و الاستنزاف المدروس هي استراتيجية لا تستطيع "إسرائيل" تحمّلها، ولعلّ أخطر ما في هذا التحوّل أن "إسرائيل" لم تعد وحدها قادرة على تحديد ميدان ومستقبل أي معركة، فيمكن لها أن تبدأ حرباً تريدها مع أي طرف كان لكن لا تستطيع أن تحدد شكل نهاية هذه المواجهة، وهذا ما حصل في كل محطات وجولات المواجهة مع "إسرائيل"، التي شهدت تراجعاً في قدرتها على إخضاع حركات المقاومة بقوة السلاح وحده.
ثمة خلاصة إستراتيجية أسجلها في هذا السياق المهم في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، ولا أستبعد أن تتجدد تلك المواجهة مع أي جبهة محيطة في أي لحظة، أن أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" انكسرت على أرض غزة وفي جنوب لبنان وفي اليمن وطهران، وما دون ذلك هو بعيد من الواقع ويندرج في سياق ما تروّجه الماكينة الإعلامية في "إسرائيل" كمحاولة لترميم الردع بشعارات القوة والانتصار، والأهم في هذا السياق هو أن سرديات الحروب الطويلة التي تخوضها "إسرائيل" ستحقق الحلم الإسرائيلي لم تعد قادرة على إخفاء الحقيقة المرة، حتى وإن لم تعترف بها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 37 دقائق
- LBCI
الخارجية اللبنانية توضح: الوزير رجي لم يجتمع مع نظيره الإسرائيلي..
رداً على التأويلات الاسرائيلية والتفسيرات التي تقصدت إعطاء مشاركة وزير الخارجية يوسف رجي في مؤتمر دول الجوار مع الاتحاد الأوروبي أبعادا مغايرة للواقع، يهم وزارة الخارجية توضيح الآتي: "إن وزير خارجية لبنان لم يجتمع مع وزير الخارجية الإسرائيلي بل حضر جلسة موسعة شارك فيها وزراء الخارجية العرب لمنطقة البحر المتوسط (سوريا - فلسطين - الأردن - مصر - المغرب)، اما الوزراء الذين لم يحضروا أي تونس وليبيا والجزائر فناب عنهم سفراؤهم المعتمدون في بلجيكا. إن لبنان يواظب على المشاركة في هذه الاجتماعات إلى جانب دول المتوسط مع بدايات مسار برشلونة منذ ثلاثين عاما، كما أن الاجتماعات من هذا النوع لا تقتصر على الاتحاد الأوروبي ودول المتوسط إنما تُسجل للبنان مشاركته السنوية في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة حيث تكون إسرائيل حاضرة ايضا. ويهم وزارة الخارجية التأكيد بأن مشاركة الوزير رجي في مؤتمر بروكسيل تمت بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. واخيراً لا بد من التذكير بأن وزير خارجية لبنان فضل تثبيت حضور لبنان وعدم التهرب ورفع صوته وصوت لبنان عالياً مسجلاً اعتراضه على استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي اللبنانية، مطالبا الدول المشاركة الضغط على إسرائيل للانسحاب ووقف اعتداءاتها المتكررة على لبنان. ومما قاله رجي داخل القاعة: "إن استمرار الاحتلال يشكل عقبة رئيسية أمام تهدئة الأوضاع في جنوب لبنان، وادعو الاتحاد الأوروبي إلى تعبئة جهوده الدبلوماسية لوقف الاعتداءات الاسرائيلية، ودعم حق لبنان في السيادة الكاملة، وأن أي إضعاف لدور الجيش اللبناني سيعرّض الاستقرار الإقليمي للخطر".


LBCI
منذ 2 ساعات
- LBCI
فرانشيسكا ألبانيزي: العقوبات الأميركية "انتهاك" لحصانتي
أكدت مقررة الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي أن العقوبات التي فرضتها واشنطن عليها إثر انتقادها موقف الإدارة الأميركية من غزة تشكل "انتهاكا" لحصانتها. وأتى كلام ألبانيزي خلال زيارتها لبوغوتا بعد أسبوع تقريبا على إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن عملها "منحاز وخبيث". وقالت ألبانيزي: "هذا إجراء خطر جدا وغير مسبوق وأنا أتعامل معه بجدية كبيرة". وتزور ألبانيزي بوغوتا لحضور قمة عالمية أتت بمبادرة من الرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بيترو لإيجاد حلول للنزاع في غزة. وواجهت المحامية الإيطالية والخبيرة في حقوق الإنسان انتقادات قوية بسبب اتهاماتها المتواصلة لإسرائيل بارتكاب "إبادة" في غزة. وقالت ألبانيزي: "هذا انتهاك واضح لاتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي تحمي المسؤولين في الأمم المتحدة وبينهم الخبراء المستقلون من تصريحات وأفعال يقومون بها خلال تأدية مهماتهم". وأعلن روبيو في التاسع من تموز أن واشنطن فرضت عقوبات على ألبانيزي "بسبب جهودها غير المشروعة والمخزية لدفع المحكمة الجنائية الدولية إلى التحرك ضد مسؤولين وشركات أميركيون وإسرائيليون". واعتبرت ألبانيزي أن العقوبات "تحذير لأي شخص يجرؤ على الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الإنسان والعدالة والحرية".


الميادين
منذ 3 ساعات
- الميادين
"كان": 3 بنود أثارت غضب "الحريديم" في قانون التجنيد.. ما هي؟
تحدثت قناة "كان" الإسرائيلية عن البنود الثلاثة التي أثارت غضب الأحزاب الحريدية في صيغة قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، التي قُدّمت إليها الاثنين. وبحسب القناة، يتناول أحد البنود استخدام لجنة استثناءات للسفر إلى الخارج، لمن هم مكلّفون بالخدمة العسكرية ولم يحضروا إلى التجنيد، على أن تكون هذه اللجنة تحت سيطرة "الجيش". إضافةً إلى ذلك، أثار بند ثانٍ، ينصّ على إمكان سحب رخص القيادة، غضب الأحزاب الحريدية، وفقاً للقناة. 12 تموز 10 تموز أما البند الثالث، وهو البند الذي ترفضه الأحزاب الحريدية رفضاً قاطعاً، فهو ما ينصّ على أنّه سيتم تجنيد 5,700 شاب حريدي، بدلاً من 4,800. ووفقاً لنص القانون المقدَّم، فإنّ كل مرشح للخدمة الأمنية سيتم تسجيله في "الجيش"، ويعود إلى الوحدة قبل الحصول على إعفاء من الخدمة، بينما ستُفرض العقوبات حتى سن الثلاثين. يُذكر أنّ "جيش" الاحتلال الإسرائيلي كان أعلن أنّه سيصدر 54 ألف إخطار تجنيد لرجال من "الحريديم"، بحلول نهاية شهر تموز/يوليو الحالي. وجاء هذا الإعلان بعد انتهاء صلاحية قانون كان يعفي "الحريديم" من الخدمة الإلزامية لعقود، والذي كان يُطبَّق على طلاب المعاهد الدينية العام الماضي.