
وزير البترول يقدم واجب العزاء في نجل متحدث الوزارة السابق حمدي عبد العزيز
وأعرب الوزير عن خالص تعازيه ومواساته لأسرة الفقيد الشاب، سائلاً الله عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أسرته الكريمة الصبر والسلوان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 5 ساعات
- البوابة
مئة عام من التيه السياسي.. تيارات الإسلام السياسي أخفقت في ترجمة خطابها الإصلاحي إلى مشاريع حكم بسبب اهتزاز مواقفها وانكماش قاعدتها الجماهيرية.
بين دفتي كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق، لم يكن الجدل حول "الخلافة" مجرد خلاف فقهي أو سياسي عابر، بل كان بمثابة زلزال فكرى أطاح بمسلّمات راسخة فى الوعى الإسلامي التقليدي، وفتح الباب أمام مساءلة عميقة للعلاقة بين الدين والدولة. واليوم، وبعد مرور نحو قرن على صدور هذا الكتاب الذى كلّف مؤلفه عُزلة علمية واجتماعية، لا يزال صداه حاضرًا، بل ويعود إلى الواجهة مع تصاعد النقاشات حول تجديد الخطاب الديني، وحدود السلطة الدينية فى المجال العام. في هذا الحوار الخاص، تلتقى 'البوابة' الدكتور عبد الباسط هيكل، الباحث والأكاديمي المصري المتخصص في تحليل بنية الخطاب الديني، وأستاذ العلوم العربية وآدابها بجامعة الأزهر. حيث يمتلك الدكتور هيكل مشروعًا نقديًا رصينًا يتقاطع في جوهره مع الأسئلة التي طرحها على عبد الرازق منذ قرن، وقد عبّر عن ذلك في عدد من مؤلفاته المهمة، مثل "باب الله: الخطاب الديني بين شقي الرحا"، و"الحب والحقد المقدس"، و"المسكوت عنه من مقالات تجديد الخطاب الديني". ونناقش معه فى هذا الحوار رحلة الشيخ على عبد الرازق بين كتابيه "الإسلام وأصول الحكم" و"الإجماع"، ونتوقف عند البنية العميقة لنصوصه، وسياقه التاريخي، وإرثه المثير للجدل، كما نحاول عبر هذه الوقفة أن نمدّ الخيط من الماضى إلى الحاضر، لنسأل: ما الذى تغيّر؟ وما الذى لا يزال ساكنًا فى وجدان الخطاب الدينى المعاصر؟ وإلى نص الحوار. ■ ما الذى شكّل الأرضية الثقافية والفكرية التي خرج منها كتاب "الإسلام وأصول الحكم"؟ الشيخ على حسن أحمد محمد عبدالرازق ابن أسرة مصرية عريقة في العلم، والسياسة، والعمل الوطني، والقضاء الشرعي، عُرفت بدور رائد في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية مما ترك آثارا واضحة فى فكره وشخصيته ونزعاته السياسية، اتخذت عائلته مسارا ثوريا مع ثورة عرابي، ثم عدلت عن ذلك إلى مسار إصلاحي متدرج ينطلق من العمل السياسي الحزبي، فوالِدُه "حسن أحمد محمد عبد الرازق" مِنْ مؤسسي حزب الأمة ٢٠ سبتمبر ١٩٠٧م، فأسس حسن مع محمود باشا سليمان وعلى باشا شعراوي وإبراهيم باشا سعيد حزب الأمة أوائل سنة ١٩٠٧، وشغل منصب وكيل الحزب، وكَاتَب الصحفَ الإنجليزية باسم الحزب، وألقى خطبة افتتاحه مستندا فى مبادئ الحزب إلى آراء الشيخ محمد عبده، وجاء فى إعلان التأسيس "حزب الأمة يستند إلى آراء المصلح محمد عبده فيسير بالبلاد وئيدا لا يُفزع الإنجليز، ولا يُفزع الخديوى ولا يتملقهما، فهو أداة لإعداد المصريين للوصول إلى السلطة عن طريق بناء الوعي، وأداته الأولى التعليم". وكان للوالد الشيخ على عبدالرازق دور وطني في ثورة ١٩١٩م، وما تبعها من أحداث، وعمّه "محمود باشا عبدالرازق" أسس مع الشيخ محمد عبده بعد عودته من المنفى الجمعية الخيرية الإسلامية بحلوان، وأخذ عبد الرازق فى جمع التبرعات لبناء المدارس التى ستكون نواة الإصلاح، وكانت مدرسة بنى مزار من أوائل المدارس الملحقة بالجمعية، وبعد رحيل الإمام أكمل أسرة عبد الرازق ما بدأه الإمام، حتى آتت الجمعية الخيرية الإسلامية بحلوان ثمارها فى الحياة الاجتماعية والفكرية. الشيخ على عبدالرازق بدأ تكوينه الديني من الكُتّاب فى قرية "أبو جرج" حيث أتمّ حفظ القرآن الكريم قبل أن يلتحق بالأزهر، جمع عبدالرازق بين علوم الأزهر ومدرسة القضاء الشرعي إحدى أبرز أيقونات إصلاح التعليم الديني فى بدايات القرن العشرين فكرة الشيخ محمد عبده التى رأت النور ١٩٠٧ عندما أسندت وزارة المعارف إلى سعد زغلول تلميذ الإمام محمد عبده. كذلك تأثر الشيخ على عبد الرازق بأخيه الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق وزير الأوقاف فى ستّ حكومات متوالية، وشيخ الأزهر، وأقرب تلامذة الأستاذ محمد عبده الأزهريين إليه وأكثرهم تأثرا به فكريا وعاطفيا، فاندمج على مع أصدقاء أخيه المقربين من أمثال: الدكتور طه حسين والأستاذ أحمد أمين، فمنزل آل عبد الرازق بحى عابدين فى مدينة القاهرة على حد وصف الكاتب أحمد أمين بأنه: "ملتقى للشباب من مختلف الاتجاهات". ودرس الشيخ على مع أخيه الشيخ مصطفى عبد الرازق على يد الشيخ المفتي محمد عبده فى الإجازات الصيفية فالشيخ على عبدالرازق عرف الإمام محمد عبده مبكرًا منذ الطفولة، فكان الإمام صديق والده ورفيقه فى العمل الوطني، دائم التردد على منزل آل عبد الرازق بعابدين، فيربط حسن عبد الرازق والد الشيخ على صلة وثيقة بالأستاذ الإمام، ففى منزل آل عبدالرازق كان الإمام يُدرّس لعلى ومصطفى كتب نهْج البلاغة بشرح الشيخ، وتفسير جزء عمّ للشيخ محمد عبده، وجزءا من كتاب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة للشيخ عبد القادر الجرجاني، وحماسة أبى تمام بشرح التبريزي، والعقائد العضدية، والبصائر النصيرية، و"مقامات الحريري" من كتب الأدب. ■ كيف تقرأ السياق الذى دفع الشيخ على عبد الرازق إلى خوض هذا النوع من المغامرة الفكرية؟ بداية فى حاجة إلى التأكيد أن وقت تأليف الكتاب ليس هو توقيت النشر، بمعنى الكتاب شرع الشيخ على فى تأليفه منذ توليه العمل بالقضاء الشرعي عام ١٩١٥م، فاندفع بحماسة البدايات وبشعور بالمسئولية تجاه مشروع الإصلاح للفكر والمؤسسات الدينية فى كتابة بحث سيصبح هو كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذى سينشر بعد عشر سنوات من تأليفه، الكتاب كان يستهدف أول الأمر البحث فى تاريخ القضاء الشرعي، ثم تناول الخلافة والحكومة فى الإسلام بمقتضى كون القضاء فرع منها، ولأن "أساس كل حكم فى الإسلام هو الخلافة والإمامة العظمى، فكان لابدّ من بحثها"، عمل عبد الرازق على هذا البحث تسع سنوات قبل أن ينشره فى كُتيب بعنوان "الإسلام وأصول الحكم" فى السابع من رمضان سنة ١٣٤٣ه - أول أبريل سنة ١٩٢٥م، ورغم السنوات التى قضاها فى إعداد الكتاب، أكّد أنه ما زال فى مراحل البحث الأولى، ووعد أن يستدرك فى المستقبل ما يظهر فى هذا البحث من نقص، فإن لم يتمكن فإنه يرجو أن يكون بحثه أساسا صالحا لغيره من الباحثين للبناء عليه.. ■ هل تعتقد أن التجربة السياسية لسقوط الخلافة العثمانية كانت وحدها كافية لتحفيز هذا النص، أم أن ثمة بُنى معرفية أعمق تقف وراءه؟ الكتاب عند التأليف لم تكن الخلافة العثمانية سقطت، مسودة كتاب الإسلام وأصول الحكم كما جاء فى مذكرات الشيخ مصطفى عبدالرازق كانت فى ١٩١٦،١٩١٥، فالشيخ مصطفى كتب فى مذكراته عن قراءته لفصول من مسودة الكتاب عندما كان يعود الشيخ على نهاية الأسبوع من المنصورة، لكن نشْر الكتاب كان بعد إعلان إلغاء الخلافة، وهنا أحتاج أن أشير إلى أمر ثان وهو الموقف المعرفي من خلافة الأتراك/ العثمانيون الذى شاهد تفاوتا بين عبدالرحمن الكواكبى وعلى عبدالرازق وغيرهم الرافض لخلافة العثمانيين قبل أن تسقط فى الواقع، هى سقطت من أعينهم، وموقف آخر كان يرى إمكانيه ترميمها وإصلاحها. دوافع ■ ما دافع الشيخ على عبد الرازق باعتبارك متخصصًا فى تحليل بنية الخطاب الديني للاشتباك مع قضية الخلافة وعلاقة الدين بالدولة؟ وكيف تقرأ لغة على عبد الرازق؟ هل مال إلى العقلانية الفلسفية، أم أنه حافظ على بنية "فقهية تقويضيه" للتراث؟ دفَع عبد الرازق إلى التفكير، الذى نتفق أو نختلف حول نتائجه، إيمانُه بأنّ فقر مجتمعات المسلمة يكمن فى فقر أفكارها، فلا يُقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء مادية فحسب، وإنّما بمقدار سلامة ودقة أفكار المجتمع: تلك المعتقدات والمسلمات والتصورات والمبادئ والنماذج التى تُسيطر على عقول أبناء المجتمع، فوجد عبد الرازق حامل عالمية الأزهر، وقاضى محكمة المنصورة الشرعية أنّه من الأفكار غير الجيدة التى أضرّت بالمسلمين "إلصاق الخلافة بالمباحث الدينية حتى صارت جزءًا من عقائد التوحيد، يدرسها المسلم مع صفات الله تعالى وصفات رسله الكرام، ويُلقنها كما يلقن الشهادتين، فهذا من جناية الملوك واستبدادهم بالمسلمين، فأضلوهم عن الهدى وعمّوا عليهم وجوه الحق، وحجبوا عنهم مسالك النور باسم الدين، وباسم الدين أيضا استبدّوا بهم وأزلّوهم، وحرّموا عليهم النظر فى علوم السياسة، وباسم الدين خدعوهم وضيقوا على عقولهم، وانتهى كل ذلك بموت قوى البحث، وتجمد نشاط الفكر بين المسلمين، حتى أصيبوا بالشلل فى التفكير السياسي، والنظر فى كل ما يتصل بشأن الخلافة والخلفاء... داعيًا المسلمين إلى أن يسابقوا الأمم الأخرى فى علوم الاجتماع والسياسة، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذى ذلّوا له، واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم، ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجته العقول البشريّة، وأمْتنِ ما دلّت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم". من ناحية ثانية الكتاب ولغته كانت بداية لنوع جديد من الكتابة والبحث فى الدراسات الإسلامية، ومنهجية تقوم على العقلانية النقدية فى دراسة تاريخ الحكم الإسلامي، نختلف مع بعض نتائجها لكن كان ينبغي أن نحمى التجربة كخطوة على طريق البحث فى الفكر الديني، الذى أكّد الشيخ على عبد الرازق مرارا إلى آخر لحظة فى حياته أنه لم يكن نقدا للدين، ولكن لفكر دينى تشكّل حول أصولية الخلافة، وأنها النظام السياسي المأمور إلهيا بأن يتبعه المسلمون.. أظن أن الخطأ الذى وقع فيه الشيخ على وهو ما أشار إليه فى المقدمة أنه استخدمت الإشارات واللغة الاحتمالية التى تتنافى مع لغة البحث العلمي، لكن يشفع له أنها كانت بداية لنمط من الأبحاث والدراسات لم يكن معروفا حينها. ■ ما موقف تلامذة الإمام محمد عبده من كتاب "الإسلام وأصول الحكم"؟ كان الشيخ على عبد الرازق على وعى بموقعه من مدرسة الإمام محمد عبده، وطبيعة تلك المدرسة، فقدّم نفسه وأخاه، بوصفهما امتدادا لمدرسة الأستاذ الإمام المنقسمة على نفسها رغم امتدادها، على حدّ قوله: "دعوة الأستاذ الإمام دعوة عامة ومدرستـه لا يحدّها مكان ولا زمان ولا أشخاص، ولكنها مدرسة تتلاقى فيها الأرواح جنودا مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". فتلامذة الإمام محمد عبده تناكروا، وتنافروا؛ حتى أنّه كفّر بعضهم بعضا، فثار الشيخ رشيد رضا صاحب كتاب "الخلافة والإمامة العظمى" على كتاب عبد الرازق، ووصف ما جاء فيه: "بالكفر والضلال وتحليل الحرام وتحريم الحلال، لإنكار كتاب "الإسلام وأصول الحكم" كون الخلافة من أصول الدين وواجب شرعي". وكان الأفضل لتلامذة الإمام أن يتعاطوا مع كتاب "الخلافة والإمامة العظمى"، وكتاب "الإسلام وأصول الحكم: بوصفهما اجتهاد مشروع، وفكر وتنظير يُكتفى بالردّ عليه باجتهاد وتنظير مثله، فمثل هذا هو الحراك الفكري الصِّحي الذى يأتى كمقدمة ضرورية للنهضة، شريطة أن تظلّ المواجهات فكرية دون تكفير، أو تخوين، أو تسفيه، يُسلّم أطرافها أنهم لا يقدّمون الدين بل فهمهم واجتهادهم، غير أن هذا لم يحدث مع كتاب الإسلام وأصول الحكم، فدعا الشيخ رشيد رضا إلى محاكمة عبدالرازق محاكمة دينية لإنكاره الخلافة كأصل من أصول الإسلام فعلى حدِّ تعبير الشيخ رشيد رضا. ■ لماذا الضجة الكبيرة التى أحدثها الكتاب فى رأيك؟ أحْدَث َكتابُ الشيخ على عبد الرازق ضجة فى الأوساط الدينية والسياسية؛ لصدوره بعد شهور من إلغاء الأتراك الخلافة العثمانية، ولم يكن هذا بالأمر الهيّن، فعموم المسلمين كانوا يرون حكم الأتراك تجسيدا للخلافة بوصفها أصلا من أصول الدين رغم الظلم الواقع منها، وحالة الضعف الشديدة التى ألمت بها، وفى وقت كان ملك مصر الملك فؤاد الأول فى سعى دائب للحصول على لقب "خليفة المسلمين"؛ ليحتمي بجلال المنصب وقدسيته من النقد السياسي، وليتخلص من قيود الحياة الدستورية الناشئة فى مصر. كان عبد الرازق على وعى بطبيعة المعركة التى يخوضها، فليستْ معركة فكرية مع حماة الخلافة وحرّاس تديين فكرتها، بل معركة سياسية، فالسياسة فى عالمنا العربي تتغذى على الدينى وتتخذه وقودا لمعاركها.. لم يكن مصادفة فى ظنّي أن يَنشر عبد الرازق بحثه الذى يعمل عليه منذ سنوات فى هذا الوقت تحديدا! وملك مصر يترقب أن يُتوّج خليفة للمسلمين، ويُتابع عن قرب اكتمال التجهيزات لمؤتمر "الخلافة" الثانى بالقاهرة ١٩٢٥؛ فبعد إلغاء منصب الخليفة العثمانى فى تركيا ١٩٢٤، دعا الأزهر لانعقاد مؤتمر الخلافة الأول فى ٢٥ مارس سنة ١٩٢٤، وأوصى المؤتمر بالدعوة لانعقاد مؤتمر ثانٍ فى العام التالي؛ لواجب شرعى وهو اختيار خليفة جديد للمسلمين، ودعا الأزهر العلماء من مختلف بلاد المسلمين؛ لبيعة خليفة جديد مُرتقب، ورغم انعقاد المؤتمر الثانى فى الموعد المقرر إلا أنه فشل فى اختيار خليفة؛ لاختلاف الوفود المشاركة حول الإحياء والإلغاء للخلافة، وتعدد الطامعين فى لقب خليفة المسلمين، فى تلك الأجواء العاصفة خرج شيخ أزهرى (على عبد الرازق) بكتابٍ يُضفى شرعية على مبدأ إلغاء الخلافة التى أعلنها مصطفى كمال فى تركيا؛ فأطاح الكتاب بأحلام ملك مصر فى أن يُصبح خليفة المسلمين، فنشْر عبدالرازق كتابه فى هذا التوقيت كان تحديا واضحا للملك فى سعيه لاكتساب حصانة الخليفة. وهذا يُفسّر كراهية ملك مصر لعلى عبد الرازق إلى حد أن يُقيل الحكومة لتأخرها فى عزله من منصبه، وتكريمه الشيخ الخضر حسين ومنحه الجنسية المصرية لموقفه المناوئ لعبدالرازق.. فقبل إلغاء أتاتورك لنظام الخلافة، وقبل أن يُصبح سلطانا لمصر فى ٩ أكتوبر ١٩١٧، ثم أول ملك لمصر فى العصر الحديث بعد صدور تصريح ٢٨ فبراير ١٩٣٢، وهو يتطلع لأن يرث الخلافة بعد الأتراك، فقد بات من الواضح تخلخل قبضة الحكومة العثمانية على زمام الأمور، وخاصة خلال السنة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى ١٩١٤- ١٩١٨ التى توالت خلالها هزائم الجيوش العثمانية فعبدالرازق بحكم تكوينه ونشأته فى أسرة سياسية امتلك حاسةً سياسية مكّنته من وصف المعركة باسمها الحقيقي "إننا أمام معركة سياسية مستمرة، منهجنا منذ أيام عباس هو منهجنا إلى اليوم لا تتأثر باعتبارات شخصية، نُريد سلامة الحكم من شرور الاستبداد ومفاسد الطغيان (فى إشارة إلى خطورة أن يتدثر ملك مصر بعباءة الخلافة)، ولقد تعرضنا لغضب عباس (الخديوى عباس حلمى الثاني) يوم قمنا ندافع عن الأزهر الذى أراد أن يعبث بمصالحه، ويوجهها توجيها سياسيا لا خير فيه، ويوم سلط علينا وزراءه ومستخدميه يضربون الأزهريين بالسيـاط، ويتوعدون، ويهددون؛ وكان فؤاد أشد بأسًا وأشد تنكيلًا من عباس، وقد سلط علينا وزرائه، وكثيرًا من أشيـاعه فما منعنا ذلك من أن نرفع صوتنا بمعارضة أساليبه فى الحكم، الموقف السياسي الذى سلكناه فى عصرنا الحاضر هو بعينه الموقف السياسى الذى سلكه آباؤنا وأجدادنا من قبل فى أيام إسماعيل، ومن قبله أيام محمد علي". تطور الرؤي ■ إذا أعيد نشر "الإسلام وأصول الحكم" اليوم بعنوان جديد ومن دون اسم مؤلف، هل تظن أنه سيواجه الرفض ذاته؟ أم أن الوعى العربي قد تطور لتقبّل مثل هذه الرؤى؟ أظن أن ثمّة تغييرا وقبولا من المؤسسات الدينية لكثير مما جاء فى الكتاب لاسيما عدم أصولية الخلافة، فمؤتمر الأزهر المنعقد فى ٢٠١٤ وعام ٢٠٢١ أكّد صحة كثير من الأفكار التى تناولها كتاب الشيخ على عبد الرازق، ففضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فى كلمة افتتاح مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب قال: "الخلافة من مسائل الفروع وليست من مسائل الأصول". وعلى الرغم من ذلك سيظل الرفض من جماعات التمايز الإسلام عن المسلمين/ جماعات الصحوة التى تراها من الأصول وترى الدولة الوطنية المعاصرة العقبة التى دون استعادة الخلافة، والواقع أنه ما زال لأفكارهم وجود قوى فى الثقافة الإسلامية المعاصرة، فما زالت أفكارها عن الخلافة المتخيلة فى صورة مثالية ثابتة عرفها الماضى مسيطرة على نحو سيُرفض معه كتاب "الإسلام وأصول الحكم" مرة ثانية. لو قُدّر لك أن تحاور الشيخ على عبد الرازق اليوم، ما هو السؤال الذى ستطرحه عليه؟ سيكون لدى سؤالان: لماذا جعلت عنوان الكتاب: الإسلام وأصول الحكم وليس المسلمون وأصول الحكم؟ فنحن أمام فعل المسلمين، وفكر المسلمين ولسنا أمام الدين، فمن الإشكاليات الشائعة الخلط بين الدين والفكر الديني بين الإسلام والمسلمين.. أن تُولف كُتب تقول لنا الإسلام يقول!! بينما المجتهد أو المفكر هو من يقول. الإجماع ■ كتاب "الإجماع" أقل شهرة من "الإسلام وأصول الحكم"، لكنك فى إحدى دراساتك أشرت إلى قيمته النقدية، كيف ترى هذا الكتاب؟ وهل يمثّل استكمالًا لمشروع على عبد الرازق أم انحرافًا عنه؟ وهل يمكن اعتبار "الإجماع" محاولة لترميم العلاقة مع المؤسسة الدينية، أم استكمال لتفكيك أدوات شرعنتها؟ الكتاب نموذج للتفكير العقلاني النقدي في الفقه الإسلامي، فهو استكمال لمشروعه الفكرى فى نقد التراث الفقهى والسياسى إلا أنه كان أكثر دقة فى لغته ونضجا فى أدواته فجمع بين التراثية والمعاصرة، وانتهى إلى نتائج قريبة مما انتهى إليه ابن حزم من القدامى والشيخ محمود شلتوت من المعاصرين. ففى كتابه يُثبت الإجماع وينفى الإجماع فى الوقت نفسه بمعنى أنه أعاد تحديد المساحات التى يُمكن أن نقول إنّ فيها إجماعا، فيتم تداول دال "الإجماع" وكأننا أمام مدلول واحد قابل للتحقق، فالمفهوم الأشهر فى الثقافة الإسلامية والأقرب إلى أذهان العامة، هو "اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فى عصر من العصور على حكم شرعي"، وهذا ما يستحيل تحققه، فلا يُمكن؛ أن يجتمع المجتهدون فى مكان واحد ليجمعوا على رأى فى مسألة ما؛ وهذا ما دفع بعض الأصوليين إلى تعريف الإجماع بأنه "اتفاق أكثر المجتهدين فحسب" ثم اختلفوا فى تحديد ضابط الأكثرية، والمقياس الذى نعرف به المجتهدين الذين سيُعتدّ باتفاقهم أو اختلافهم! وأطلق آخرون الإجماع على "اتفاق طائفة بعينها على رأى اجتهادي"، ثم اختلفوا حول تلك الطائفة بين قائل بأنهم "الصحابة" وقيل: "أهل المدينة"، وقيل: "أهل البيت"، وقيل "الشيخان: أبو بكر وعمر" وقيل: "الأئمة الأربعة"، كذلك اختلف الأصوليون حول طرق تحقق الإجماع هل يشترط أن يُصرح الجميع بالحكم مشافهة أو كتابة، أو يكفى تصريحُ بعضِهم وسماعُ الباقين مع سكوتهم؟ وهذا ما دفع أئمة الفقه القدامى إلى التشكيك فى حجية الإجماع، ومن ذلك قول أحمد بن حنبل: "من ادّعى وجود الإجماع فهو كاذب"، وقول ابن حزم: "ويكفى فى فساد ذلك أنّا نجدهم يتركون فى كثير من مسائلهم ما ذكروا أنه إجماع، وإنما نحُوا إلى تسميته إجماعا عنادا منهم وشغبا عند اضطرار الحجة والبراهين إلى ترك اختياراتهم الفاسدة". وحصر الشافعي وابن حزم مفهوم الإجماع فى العمل الذى تلقّته الكافّة عن الكافة مما لا شبهة فى ثبوته عن صاحب الشرع"، وهو ما يُطلق عليه "المعلوم من الدين بالضرورة" مثل الظهر أربع ركعات، وهو فى هذه الحالة ليس مصدرًا للعمل ولا دليلا وأصلا فى ثبوته، وإنّما هو أثر من آثار هذا الثبوت؛ فإرسال الخطاب الديني كلمة "الإجماع" دون تقييد، وكأنه مفهوم واحد إطلاقي هى محاولة لإرهاب المخالف فى الرأي، واتّهامه أمام العامة بأنّه من الخارجين عن "الإجماع" بما فى ذلك من عواقب وخيمة، فمن اللوازم الشائعة بين الناس لمن يُتهم بمثل ذلك، على حدّ قول شيخ الأزهر محمود شلتوت، أنه متهم بـ"مخالفته سبيل المؤمنين، ومشاقّة الله ورسوله، وخرْق اتفاق الأمة، إلى غير ذلك مما يتحرّجه المسلم، ويخشى أن يُعرَف به عند العامة. وكثيرًا ما نراهم يُردفون حكايتهم للإجماع بقولهم: "ولا عبرة بمخالفة الشيعة والخوارج" أو "بمخالفة أهل البدع والأهواء" أو "بمخالفة المعتزلة والجهمية" ونحو ذلك مما يُخيفون به.. وبهذا امتنع كثير من العلماء عن إبداء رأيهم فى كثير من المسائل التى هى محل خلاف ضنًا بسُمعتهم الدينية، فوقف العلم، وحُرمت العقول لذة البحث، وحِيل بين الأمة وما ينْفعُها فى حياتها العملية والعلمية. ونحن معشر الأزهريين لا ننسى شيوع القول بحرمة الاشتغال بالعلوم الرياضية والكونية والحكم بالزندقة والإلحاد على من شذّ فتعلّمها أو أباح تعلمها!" السؤال الثاني: لماذا كتبت؟! ولماذا سكتت؟! الشيخ ألّف كتاب الإسلام وأصل الحكم وهو فى العشرينات ثم امتنع عن الكتابة حوالى أربعين سنة!!! لم يصدر بعدها سوى بحث وكُتيب سيرة ذاتية عن أخيه الشيخ مصطفى وكُتيب لم يكتمل عن سيرته هو، سؤال لماذا كتب الشيخ على عبد الرازق ولماذا سكت هو موضوع بحث لى قيد الكتابة. آخر أمر أريد التأكيد عليه هو طبيعة المعركة التي دارت حول كتاب الإسلام وأصول الحكم، وأنها كانت معركة سياسية وقودها الفكر الديني وخير دليل على ذلك أن الشيخ على عبدالرازق بعد أن مُنع من التدريس، وعُزل من القضاء، وطُرد من جماعة علماء الأزهر وسُحبت درجة العالمية فى عهد الملك فؤاد، عاد مرة أخرى الشيخ العالم الأزهري المؤمن، الذى يستحق التكريم فى عهد الملك فاروق فألغى الأزهر الحكم الذى أصدره فى عهد فؤاد ضد الشيخ عبدالرازق، وأعاد إليه مؤهله العلمي "درجة العالمية"، وأعاده إلى جماعة علماء الأزهر، واختير الشيخ عبد الرازق عضوًا فى مجلس النوّاب، ثمّ في مجلس الشيوخ، فوزيرًا للأوقاف سنة ١٩٤٨، كما عمل محاضرا لطلبة الدكتوراه في جامعة القاهرة على مدار عشرين عاما. 516401308_2236752670113896_4463557012918315559_n (1)


البيان
منذ 7 ساعات
- البيان
لا يريدون استقرار لبنان
ذهب نصر الله مع قادة حزبه، وسقط الحزب سقطة مخزية أزالت آثار الدعاية المخادعة، ووُضع في الواجهة شخص كان «منزوع الصلاحية»، وكان لسنوات طويلة على قائمة الاحتياط المنسية، فلم يبق غيره، كل من كانوا في المقدمة تمت تصفيتهم، وقَبِل بتمثيل دور سلفه وهو في مكان بعيد وغير مستهدف في الوقت الحاضر، وكتبت له الخطابات النارية، والبركة في التقنيات الحديثة التي تسجل وتنقح وترسل من المخبأ السري عند طوائف موالية للموجه العام! نعيم قاسم وضع يده في الماء البارد، وترك لبنان على «صفيح ساخن»، مثل الحلفاء الذين يعرقلون التسويات لإطالة معاناة سكان غزة، وهم متنعمون في ضيافة المنتجعات، هو أيضاً يضع شروطاً تلو الشروط، ويصر على أنه «الفئة المميزة» من بين كل اللبنانيين، وأكثر من ذلك، هو ينظر إلى أزمة لبنان من منظوره المحصور في منافع حزبه، ولا تهمه معاناة وطنه وشعبه، فذاك «جلباب» نزعه حسن نصر الله منذ 2006، وارتدى جلباباً تعثر به فكان الضحية مع بلاده! لبنان يبحث عن السلام والاستقرار وإعادة الإعمار والعودة إلى الدولة الوطنية، الدولة الجامعة والحافظة لكل مكوناتها وأطيافها، وقد اقترب من كل ذلك، ولكن الحزب التابع للخارج له رأي آخر، هو يريد دولة تسودها الفوضى، ويحكمها الإرهاب الحزبي والطائفي، حدودها ومنافذها مفتوحة للعابثين، تجار المخدرات والسلاح، وفارضي «الإتاوات» مثيري الأزمات، من اعتادوا على الابتزاز والمساومة على وطنهم مقابل مصالحهم، وها نحن نشهد جنوباً محتلاً تتجول في أرجائه آليات الغزاة، وضاحية بيروت وغيرها من المناطق مستباحة للطائرات، تضرب من تشاء وفي أي وقت تحدده، وحزب العمالة يصر على الاحتفاظ بالسلاح، ليس للمقاومة كما يدعون في إعلامهم، بل لإرهاب أبناء شعبهم! قبل أيام صدر تلميح عن المبعوث الأمريكي، لو قرأه لبناني حر في حزب محور الدمار لرفع يده في وجه نعيم قاسم ومن يختبئ خلف غطاء الطائفية، وأعادهم إلى رشدهم، فهذا الوطن الذي عاش بطوائفه آمناً متعايشاً في مودة ومحبة معرض للزوال إذا لم يخرج من متاهة «الدولة الفاشلة»!


البوابة
منذ 10 ساعات
- البوابة
مرحلة البناء لدولة جديدة
فى حياة الشعوب مراحل للبناء، تنتقل فيها حياة الناس من مرحلة قديمة اعتادوا عليها، إلى مرحلة جديدة تختلف كثيراً عما ألفه الناس. فى كل مرحلة لبناء كبير فى كل المجالات قد تقع اختلافات فى وجهات النظر وقد يشتد الجدل بين مزايا القديم وجدوى الجديد. والمرحلة التى تشهدها مصر حاليا أشبه ما تكون بالمراحل البنائية الكبرى التى شهدتها مصر فى تاريخها الحديث مع مجىء محمد على باشا الكبير سنة ١٨٠٥، وفى تاريخها المعاصر منذ ثورة ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢. مرحلة محمد على باشا كانت مرحلة بناء مصر الحديثة بعد قرون من التخلف كانت مصر فيها قابعة تحت حكم الدولة العثمانية. جاء محمد على وأحدث نهضة كبيرة فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية المصرية، وقام ببناء جيش قوي، نافس جيوش كبرى فى المنطقة وتفوق عليها، وأنشأ مشروعات زراعية وصناعية عظيمة، وأقام مدارس للتعليم العام، ومدارس عليا (كليات) للهندسة (المهندس خانة) والطب وأرسل البعثات إلى الخارج، فكانت مرحلة بناء كبرى نقلت مصر من دولة بائسة الى دولة حديثة. مرحلة البناء الكبرى الثانية فى العصر المعاصر قادها الزعيم جمال عبد الناصر، بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية سنة ١٩٥٦. عبد الناصر شرع فى بناء دولة عصرية حديثة، ونجح فى إحداث أكبر تغيير فى الحياة الاجتماعية المصرية، وجعل التعليم متاحاً للجميع، وأنشأ الجامعات والسد العالي، وأحدث نهضة كبرى فى الزراعة والصناعة. ولما كانت نهضة مصر وتأثيرها فى منطقة الشرق الأوسط، تتعارض مع مصالح القوى الخارجية، فقد واجه كل من محمد على وجمال عبد الناصر مؤمرات لا تنتهى بغرض إضعاف مصر وحصرها فى حدودها الأقليمية. الحقبة الحالية (٢٠١٥-٢٠٢٥) هى مرحلة البناء الثالثة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتشهد نفس التحديات التى واجهها كل من محمد على وجمال عبد الناصر. الدولة التى ورثتها الإدارة الحالية كانت تعانى من إهمال كبير فى التعليم والصحة والطرق والخدمات العامة. كلنا نتذكر حال المدارس والمستشفيات الحكومية والجامعات والطرق، خاصةً فى الصعيد ومحافظات الدلتا. فبناء دولة عصرية حديثة احتاج إلى أموال طائلة عجزت موازنة الدولة عن الوفاء بها، وتطلب ذلك الاقتراض من الخارج، (وهذا تحد آخر كبير يتطلب المزيد من العمل للتغلب عليه بعد أن أصبحت خدمة الدين تبتلع الجزء الأكبر من موازنة الدولة). ما قامت به الإدارة الحالية من نهضة عظيمة فى إنشاء المدن الجديدة والجامعات الجديدة والطرق الحديثة أحدثت نقلة نوعية فى حياة المصريين، ولكن، علينا ألا ننسى أن هناك الكثير من القديم المتهالك الذى ما زال يحتاج إلى التحديث. الطرق القديمة بين المحافظات ما زالت بحالة سيئة وتحتاج إلى التحديث، والأبنية القديمة والعشوائيات ما زالت تفتقر إلى معايير الأمن والسلامة وتحتاج إلى تحديث، والمدارس والجامعات القديمة ما زالت بحالة سيئة وتحتاج إلى التحديث، وكل ذلك يحتاج إلى أموال كثيرة ومجهودات كبيرة ورغبة أكيدة فى التطوير والتحديث. مرحلة البناء الكبيرة فى كل المجالات تنقلنا من القديم إلى الجديد وعلينا أن نتقبل تداعيات المرحلة الانتقالية وما قد ينتج عنها من حوادث مروعة تدمى القلوب مثل حادث الطريق الإقليمى الدائرى وحريق سنترال رمسيس وانهيار المبانى القديمة على رؤوس ساكنيها. علينا أن ندرك أننا ما زلنا نمر بمرحلة انتقالية عظيمة، وأن هناك الكثير من القديم المتهالك، ويجب أن نكثف الجهود لكى نجعله آمناً. وعلينا أن نسرع من وتيرة تحديث المنشآت الحيوية لكى نتجنب المزيد من الخسائر. حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء. *رئيس جامعة حورس