
ماذا تفعل 3200 طائرة دفاعية في صحراء أريزونا؟
صنعت الولايات المتحدة حوالي 294 ألف طائرة لصالح جهود الحرب العالمية الثانية، وبمجرد ضمان السلام، أصبح لدى الجيش الأميركي فائض ضخم من تلك الطائرات كان لزاما عليه أن يجد لها مكانا تُركن فيه.
يتم تخزين الطائرات العسكرية الأمريكية الفائضة في أكبر مقبرة طائرات في العالم، والتي تديرها مجموعة الصيانة والتجديد الفضائية رقم 309 (AMARG) في قاعدة ديفيس مونثان الجوية في توسون.
وحول هذا الموضوع طرحت مجلة إيكونوميست السؤال التالي: "ما ذا تفعل 3200 طائرة دفاعية في صحراء نفادا؟"
وقبل الرد على هذا السؤال ارتأت المجلة البريطانية في البداية أن تبرز ما تواجهه قوات الدفاع الجوي حال التدريب، فإذا استثنيا، تقول المجلة، بالون التجسس الصيني العرضي، فإن السماء لا توفر كثيرا من الأشياء التي يمكن إطلاق النار عليها، وهذا على عكس من يخدمون في المشاة أو المدرعات إذ يكون تدربهم على التصويب أمر بسيط نسبيا.
وللتغلب على مثل هذه المعضلة تستخدم القوات المسلحة طائراتها المقاتلة، فمنذ عام 2010 قامت شركة بوينغ بتحويل طائرات إف-16 المقاتلة المتقاعدة إلى طائرات كيو إف-16 بدون طيار، والتي يمكن تمييزها بسهولة من خلال ذيولها البرتقالية.
وتستخدمها القوات الجوية كطائرات مطاردة أو تطلق الصواريخ بجانبها لكن ليس عليها مباشرة، وبعد نحو 300 ساعة من المطاردة وإطلاق النار عليها، تنتهي مدة خدمتها كأهداف فوق خليج المكسيك، حيث يتم إسقاطها بالذخائر الحية، وينتهي المطاف بحطامها في قاع البحر.
وتعتبر مجموعة الصيانة والتجديد الفضائية مصدرا للدهشة في المنتديات على شبكة الإنترنت التي يرتادها المهووسون بالطيران، والذين يطالعون صور الأقمار الصناعية لطائرات يبلغ عددها 3200 طائرة من 75 نوعًا مختلفًا متناثرة على مساحة 2600 فدان في الصحراء.
وبالنسبة لعامة الناس تُعَد مقابر الطائرات مكاناً لتحللها، لكن الواقع أن المكان هو موقع تخزين مؤقت، ومصدر لقطع الغيار ومنشأة "تجديد"، حيث يتم إعادة تجهيز الطائرات المخزنة للطيران مرة أخرى.
وتنقل المجلة عن روبرت راين، المتحدث باسم مجموعة الصيانة توضيحه أن "لا شيء تراه هنا يعتبر خردة". وحتى ما هو خردة بشكل واضح – مجموعة من قاذفات B-52 المتحللة التي تم قطع أجنحتها وذيولها – موجود هناك لسبب ما، ويتم الاحتفاظ بها في تلك الحالة حتى تتمكن أقمار التجسس الروسية من التحقق من امتثال أمريكا لمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية.
وبعدما تجرد الطائرة من أجزائها القابلة للاستخدام، يطلب مالكها ـ القوات الجوية وخدمات الغابات وغيرها ـ من AMARG عادة التخلص منها، وتتلخص الخطوة الأولى في إزالة أي شيء مصنف على أنه سري و"نزع الصفة العسكرية" عن الطائرة، ثم تتم إزالة كل الأجزاء الخطرة مثل السوائل الهيدروليكية، والمواد الأخرى مثل الأسبستوس، والمتفجرات مثل تلك الموجودة في نظام مقعد القذف.
وبعد ذلك، يتولى المقاولون المهمة، فيقومون بتمرير ما تبقى من الطائرة عبر آلة التقطيع مرتين، لتخرج الطائرة من الجانب الآخر على شكل قطع يبلغ طولها نصف سنتيمتر تقريباً.
ويقول السيد راين: "هذه الأشياء مصنوعة من الألمنيوم عالي الجودة، وهي تتحول على الأقل إلى أجزاء سيارات". كما يتم إعادة استخدام معادن أخرى، مثل التيتانيوم.
وعن سبب اختيار هذه المنطقة بالذات يقول موقع www.airplaneboneyards.com إنها تتميز بانخفاض نسبة الرطوبة إلى ما بين 10% و20%، وهطول أمطار هزيل يبلغ 11 بوصة سنويًا، وتربة قلوية صلبة، وارتفاع شاهق يبلغ 2550 قدمًا مما يسمح بحفظ الطائرات بشكل طبيعي لاستخدامها أو إعادة استخدامها، كما أن جيولوجيا الصحراء تسمح بنقل الطائرات من مكان إلى آخر دون الحاجة إلى رصف مناطق التخزين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٢٥-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
بعد الانتكاسة الأخيرة.. كبسولة "ستارلاينر" تواجه مصيرا مجهولا
أشارت مصادر وكالة ناسا أن مركبة "ستارلاينر" الفضائية التابعة لشركة بوينغ، تواجه الآن تحديات فنية لكي تكسب ثقة عملائها من جديد، وقد أشار مسؤولو الوكالة إلى أن الكبسولة الفضائية قد تحتاج إلى رحلة اختبار ثالثة غير مأهولة قبل أن تكون جاهزة لحمل رواد فضاء على متنها مرّة أخرى. ويأتي هذا القرار بعد مهمة اختبار مأهولة كانت مليئة بالتحديات أسفرت عن أزمة فضائية خلال العام الماضي، حيث تُرك رائدا فضاء في محطة الفضاء الدولية طيلة الـ9 أشهر الماضية، قبل أن يعودا أدراجهما إلى الأرض صباح الأربعاء الماضي، ذلك لأن خللا في نظام الدفع الخاص بمركبة ستارلاينر قد طرأ عليها. معاناة بوينغ في تطوير مركبتها الفضائية في بداياتها، كان يُنظر إلى ستارلاينر على أن تكون منافسا شرسا لمركبة "كرو دراغون" التابعة لشركة سبيس إكس، لكنها واجهت مشاكل عدّة خلال مهمتها المأهولة الأولى، وشمل ذلك 5 أعطال في محركاتها الدافعة البالغ عددها مجتمعة 28 محركا، كما لوحِظ وجود تسريبات لغاز الهيليوم. ثم تبيّن لاحقا أن ثمة سلسلة من المشاكل الفنية الأخرى على عدة محاور مثل البرمجيات والتصميم ومشاكل إدارية مع المتعهدين المسؤولين عن تزويد بعض القطع، وهذا ما أدى إلى تجاوز تكاليف المشروع ملياري دولار من أصل صفقة أبرمتها الشركة مع "ناسا" بقيمة 4.5 مليارات دولار عام 2014. ويعد فشل المهمة هو الأحدث في سلسلة من المشاكل التي واجهتها بوينغ خلال رحلة تطوير مركبتها الفضائية، وكانت ناسا تأمل في أن تكون الرحلة المأهولة الماضية هي الاختبار النهائي قبل اعتماد ستارلاينر للرحلات الروتينية، إلا أن ذلك لن يكون هو الحال. وتهيمن سبيس إكس بكبسولة "كرو دراغون" على سوق الفضاء ونقل الرواد من الأرض إلى محطة الفضاء الدولية، والعكس، وقد نفذت دراغون 11 مهمة مأهولة منذ 2020 حتى الآن، وكانت الرحلة الأخيرة الأسبوع الماضي بمهمة "كرو-10″، وقد أكسب أداء سبيس إكس المستمر وتكاليف تطويرها المنخفضة ميزة كبيرة على بوينغ.


الجزيرة
١٨-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
5 أسئلة لفهم أزمة رائديْ الفضاء العالقين بالمحطة الدولية
تستعد كل من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وشركة "سبيس إكس" لخطوة تمثل الفصل الأخير في أزمة غير متوقعة استمرت 9 أشهر لرائديْ فضاء أمريكيين. وكان من المفترض أن تستمر مهمتهما على متن محطة الفضاء الدولية لمدة 8 أيام فقط، إلا أنهما وجدا نفسيهما عالقين في المدار منذ يونيو/حزيران 2024 بسبب خلل في نظام الدفع الخاص بمركبة "ستارلاينر" التابعة لشركة بوينغ. ونظرً لاعتبار "ناسا" أن المركبة غير آمنة لرحلة العودة، وُضعت خطة بديلة لإعادتهما عبر كبسولة "كرو دراغون" من "سبيس إكس" لكنها تأجلت أكثر من مرة. من هما رائدا الفضاء؟ رائدا الفضاء العالقان على متن محطة الفضاء الدولية هما سونيتا "سوني" وليامز (59 عامًا) وزميلها باري "بوتش" ولمور (62 عامًا) وكلاهما من رواد الفضاء المخضرمين الذين تلقوا تدريبًا في "ناسا". وقد انضمت وليامز، القائدة الحالية لمحطة الفضاء الدولية والضابط المتقاعد بالبحرية الأميركية، إلى "ناسا" عام 1998. وخلال مسيرتها المهنية، أمضت 322 يومًا في الفضاء وأكملت 9 عمليات سير في الفضاء. وكانت تحمل سابقًا الرقم القياسي لأكبر عدد من عمليات السير في الفضاء التي قامت بها رائدة فضاء، حتى عام 2017 عندما ذهب اللقب إلى بيغي ويتسون التي أكملت 10 عمليات. إعلان أما ولمور فقد سافر إلى الفضاء لأول مرة عام 2009 على متن مكوك الفضاء "أتلانتس". وقبل مهمة "بوينغ ستارلاينر" كان قد أمضى 178 يومًا في الفضاء. وعمل مهندس طيران وقائد مهمات سابقة لمحطة الفضاء الدولية، حيث أجرى أبحاثًا حول نمو النباتات بالفضاء، وتأثيرات انعدام الجاذبية على جسم الإنسان، والتغيرات البيئية على الأرض. كيف ومتى سيعودان للأرض؟ وكانت مهمة الإنقاذ، المعروفة باسم " كرو-10"، مقررة أصلا للإطلاق من ولاية فلوريدا الأربعاء الماضي، ولكن خللا مفاجئا بأنظمة التحكم الأرضية للصاروخ أدى إلى تأجيل المهمة. والآن، غادر ولمور ووليامز محطة الفضاء الدولية صباح اليوم على متن كبسولة "سبيس إكس" في رحلة عودة إلى الأرض. ومن المقرر أن يهبط الطاقم المكون من 4 أفراد، والذي كان جزءًا رسميًا من مهمة تناوب رواد الفضاء التابعة لوكالة "ناسا" على سطح الماء قبالة ساحل فلوريدا في وقت لاحق اليوم. حيث ستتيح هذه المهمة أخيرا عودة ولمور ووليامز، رفقة زميليهما الأميركي نيك هيغ والروسي ألكسندر غوربونوف، على متن الكبسولة. لماذا تعطلوا من الأساس؟ سافر وليامز وولمور إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة ستارلاينر "سي إس تي 100" من بوينغ كجزء من أول رحلة تجريبية مأهولة لها. وكان هدف المهمة، في إطار برنامج "ناسا" التجاري للطاقم هو تطوير مركبة فضائية خاصة لنقل رواد الفضاء من وإلى المحطة. وخلال الرحلة التي استغرقت 25 ساعة إلى محطة الفضاء الدولية، واجهت "ستارلاينر" تسربات من الهليوم وعطلًا بأحد محركات الدفع (يساعد على التوجيه والتحكم في عملية العودة إلى الغلاف الجوي). وعند وصولها في 6 يونيو/حزيران، تعطلت 4 محركات دفع أخرى من أصل 28 مما أدى إلى تأخير الالتحام بالمحطة. ورغم أن المهندسين أعادوا 4 محركات دفع من أصل خمسة معطلة، اعتبرت "ناسا" المركبة الفضائية محفوفة بالمخاطر للغاية للسفر البشري، فأعادتها فارغة تاركةً وليامز وولمور عالقين على متن محطة الفضاء الدولية. وفي أغسطس/آب 2024، قررت ناسا إعادتهما على متن مركبة "سبيس إكس". وقد رست مركبة "كرو دراغون-9" التي أُطلقت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، في محطة الفضاء الدولية منذ ذلك الحين، لكن إعادتهما إلى الأرض قبل ذلك كان سيترك رائد فضاء أميركيًا واحدًا فقط على متن المحطة، مما يحد من البحث والاستجابة للطوارئ. هل تم تسييس المشكلة؟ أخذت إقامة ولمور ووليامز الممتدة على متن المحطة الفضائية طابعا سياسيا غير مسبوق، إذ زعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التنفيذي لشركة "سبيس إكس" إيلون ماسك أن الرئيس جو بايدن ترك رواد الفضاء عالقين عمدا لأسباب سياسية، لا سيما بعد تغريدة ماسك الصريحة يوم 20 فبراير/شباط الماضي حول عرض خدماته مرارا وتكرارا إلا أنه قوبلت بالرفض. وقد أثارت هذه الاتهامات جدلا واسعا في أوساط الفضاء، خاصة أنها تتناقض مع تصريحات"ناسا" في مؤتمراتها الصحفية التي شددت على التزامها الصارم ببروتوكولات السلامة والتخطيط الدقيق للمهمات الفضائية. ومن جانبه، نفى ولمور وجود أي دوافع سياسية وراء تأخير عودتهما، مؤكدا أن القرار كان مجرد استجابة لمشكلة تقنية غير متوقعة. وقال في تصريح سابق له "لقد أتينا إلى هنا ومستعدون للبقاء فترة طويلة، رغم أننا خططنا لمهمة قصيرة. إلا أن هذا هو جوهر البرامج الفضائية، وعلينا التعامل مع حالات الطوارئ غير المتوقعة، وقد فعلنا ذلك بنجاح". وبالرغم من الجدل السياسي المثار، أكدت ناسا أن ولمور ووليامز بقيا في أمان على متن المحطة الفضائية، حيث واصلا إجراء التجارب العلمية وأعمال الصيانة الروتينية. وكانت المهمة قد حُددت مبدئيا للعودة في 26 مارس/آذار، إلا أن "ناسا" قررت تسريع الجدول الزمني باستخدام كبسولة "سبيس إكس" جاهزة بدلا من المركبة التي كانت مقررة سابقا. هل علق رواد فضاء بالفضاء من قبل؟ وليامز وولمور ليسا أول رائدي فضاء يواجهان إقامة مطولة في الفضاء بسبب ظروف غير متوقعة. فقد كانت هناك حالات سابقة اضطر فيها رواد فضاء للبقاء في المدار فترة أطول من المخطط لها بسبب مشاكل فنية أو أحداث جيوسياسية. وكانت أطول رحلة فضائية لرائد فضاء أميركي هي مهمة فرانك روبيو التي استمرت 371 يومًا على متن محطة الفضاء الدولية، من عام 2022 إلى 2023، ومُددت بسبب مشاكل في مركبة سويوز التي نقلته إلى المدار، وعاد في النهاية على متن كبسولة "سويوز" مختلفة. وعام 1991، تقطعت السبل برائد الفضاء السوفياتي سيرجي كريكاليف على متن محطة "مير" الفضائية التي أُخرجت من الخدمة آنذاك، لمدة 311 يومًا بسبب تفكك الاتحاد السوفياتي، وعندما هبط أخيرًا في مارس/آذار 1992، لم يعد إلى الاتحاد السوفياتي بل إلى روسيا حديثة الاستقلال.


الجزيرة
٠٩-٠٣-٢٠٢٥
- الجزيرة
بعوضة مترو لندن الشهيرة تنحدر من أصول فرعونية قديمة
لطالما اعتُبرت بعوضة "كيولكس بيبينس مولستوس"، أحد أشهر الأمثلة على التكيف مع البيئات الحضرية، حيث اكتسبت سمعة واسعة باعتبارها "بعوضة مترو أنفاق لندن"، بعد أن أرهقت سكان العاصمة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية عندما احتموا في أنفاق المترو من القصف النازي. وكان الاعتقاد السائد لعقود أن هذا النوع تطور حديثا في بيئات تحت الأرض خلال القرنين الماضيين، ولكن دراسة حديثة قلبت هذه الفرضية رأسا على عقب، كاشفة عن أصل قديم لهذا البعوض يمتد إلى أكثر من ألف عام في قلب الشرق الأوسط، حيث ازدهرت أولى الحضارات الزراعية الكبرى. اعتمد الباحثون في هذه الدراسة المتاحة على موقع ما قبل طباعة الأبحاث "بيوركسيف" على تحليل جينومي واسع النطاق لعينات مأخوذة من 357 بعوضة، بعضها حديث وبعضها يعود إلى عقود ماضية، من مواقع مختلفة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتشير الأدلة إلى أن البعوض بدأ تكيفه في مناطق زراعية حيث وفرت أنظمة الري والمياه الراكدة بيئة مثالية لتكاثره، في حين شكل البشر والحيوانات الداجنة مصدرا ثابتا للتغذية، وهذه العوامل هي التي ساهمت في إعطاء البعوضة القدرة على التكيف مع البيئات المغلقة والعيش في أماكن لا يتوفر فيها المضيف بشكل دائم، وهي السمات التي مكنتها لاحقا من استعمار الأقبية والأنفاق الحضرية في أوروبا، وبعبارة أخرى، ما كان يُعتقد أنه مثال حديث على التكيف الحضري، هو في الواقع امتداد لمسار تكيفي بدأ منذ العصور القديمة. 3 أدلة علمية.. ودليل تاريخي إضافي وأوردت الدراسة 3 أدلة رئيسة تدعم النتيجة التي توصل لها الباحثون، وهي أولا، أن شكل البعوضة أقرب وراثيا إلى مجموعات "بيبينس" من حوض البحر الأبيض المتوسط أكثر من قربه من مجموعات "بيبينس" في شمال أوروبا، مما يشير إلى أن أحدهما نشأ من الآخر. وثانيا، وجد الباحثون في هذا النطاق أن بعوض "مولستوس" من منطقة شرق البحر المتوسط متنوع وراثيا أكثر من نظيره في البيئات تحت الأرض في شمال أوروبا، وهذا يشير إلى أنه كان موجودا في منطقة شرق البحر المتوسط لفترة أطول بكثير. وأخيرا، فإن شكل "بيبينس" غير موجود في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يسهل تخيل كيف تمكن أسلاف بعوض "مولستوس" من استعمار المنطقة وتطورهم ليلدغ البشر في عزلة، من دون التزاوج مع الحشرات من نوع "بيبينس" التي تلدغ الطيور. وإضافة لهذه الأدلة العلمية، تكشف الدكتورة ليندي ماكبرايد، الأستاذة المشاركة في قسم علم البيئة وعلم الأحياء التطوري بجامعة برينستون الأميركية، والباحثة الرئيسية بالدراسة في تصريحات خاصة لـ"الجزيرة نت" عن وجود إشارات من النقوش المصرية القديمة وأوراق البردي تشير إلى هذه البعوضة، حيث ذكرت هذه الوثائق أن الأشخاص الذين عاشوا في دلتا النيل عانوا من حالات تورم الأطراف الشديد، وهو عرض مرتبط بدودة خيطية كانت تنتشر عن طريق بعوضة مولستوس. وتقول: "نعتقد أن هذه البعوضة وجدت في مصر القديمة منذ 4 آلاف عام، وكان لها دور في انتشار هذه الحالة، وهذا يعزز فكرة أن بعوضة مولستوس كانت موجودة وتفاعلت مع البشر منذ ذلك الحين". وتشير ماكبرايد إلى أن بعوضة "مولستوس" قد طورت تكيفات فريدة ساعدتها على الانتقال من التغذية على الطيور إلى عض البشر. وتضيف: "من الواضح أنها طورت استعدادا كبيرا لعض الثدييات، إضافة إلى قدرتها على التزاوج في المساحات الضيقة مثل أنظمة الصرف الصحي والملاجئ البشرية، وهذا يتيح لها العيش والازدهار في البيئات الحضرية، وهذه القدرة الفريدة تميزها عن نوع بيبينس الذي يفضل الطيور ويعيش في البيئات المفتوحة". ناقل محتمل للأمراض وحول أهمية اكتشاف الأصل التاريخي للبعوضة، توضح أن قيمة الدراسة تأتي من الدور الذي تلعبه بعوضة "مولستوس" كناقل محتمل للأمراض. وتقول ماكبرايد: "قدرة مولستوس على التغذية على الثدييات، بما في ذلك البشر، يجعلها ناقلا محتملا لأمراض مثل فيروس غرب النيل، كما أن الهجين بين مولستوس وبيبينس في المناطق الحضرية قد يعزز من خطر انتقال الأمراض، حيث يمكن للأنواع المختلطة أن تلدغ كلا من البشر والطيور". وتضيف: " يظهر بحثنا أن الهجين بين مولستوس وبيبينس، يظهر بشكل أكبر في المدن الكبرى، وهذا يزيد من احتمال انتقال مسببات الأمراض مثل فيروس غرب النيل بين الإنسان والحيوان، وهذا التهجين قد يمثل تحديا كبيرا للصحة العامة في المستقبل، خصوصا في المناطق الحضرية المكتظة". نقاط الضعف المحتملة وفي تعقيبه على الدراسة، يثني الدكتور عمرو عبد السميع، أستاذ العلوم الجزيئية والمتخصص في علم الحشرات التطبيقي بكلية العلوم جامعة القاهرة، والمحرر بالعديد من الدوريات العلمية الدولية، على المنهجية العلمية التي استخدمتها، والتي تميزت، في تقديره، بدقة غير مسبوقة في تحليل الأصول الوراثية للبعوض. ويقول في تصريحات خاصة لـ"الجزيرة نت": "كان أحد أبرز عناصر القوة في هذه الدراسة هو استخدام الباحثين لنماذج تباعد الأنساب الجينية وتحليل المكونات الرئيسة، وهذا مكنهم من تتبع الأصول الوراثية للبعوضة بدقة عالية". ورغم هذه القوة المنهجية، أشار الدكتور عبد السميع، إلى بعض القيود التي يجب أخذها بعين الاعتبار، مثل أن بعض المناطق في الشرق الأوسط لم يتم تمثيلها بشكل كاف، وهذا قد يترك فجوات في تتبع المسار التطوري بدقة مطلقة، وثانيا، أن تقديرات توقيت التباعد الجيني تعتمد على معايير مثل معدل الطفرات الجينية ومتوسط عمر دورة حياة البعوضة، وهذه القيم تستند إلى تقديرات تقريبية وليست مقاسة مباشرة في الطبيعة، وهذا يترك هامشا من عدم اليقين، وثالثا، رغم أن الدراسة قدمت أدلة قوية على الأصل الشرق أوسطي للبعوضة، فإنها لم تتعمق في تحليل العوامل البيئية الدقيقة التي ساهمت في تعزيز هذا التكيف في مراحله الأولى. ورغم هذه القيود، يثني الدكتور عبد السميع في المجمل على الدراسة، لأنها لا تمثل في رأيه مجرد اكتشاف علمي بل تحمل انعكاسات مهمة على إستراتيجيات مكافحة الأمراض المنقولة عبر البعوض، فبعوضة "كيولكس بيبينس مولستوس" التي تحمل أمراضا مثل فيروس غرب النيل قد تطورت بطرق تجعل من الصعب مكافحتها بالوسائل التقليدية، خصوصا قدرتها على التكاثر في البيئات المغلقة مثل الأنفاق وشبكات الصرف الصحي. ويقول إنه "مع التطور المستمر في فهم أصول هذه البعوضة، يتعين على الباحثين والمخططين الصحيين تطوير إستراتيجيات أكثر تعقيدا وابتكارا لمكافحة هذه الحشرة الخطيرة، والتي قد تشمل استخدام التدخلات الجينية مثل بكتيريا "وُلباخيا" وهي بكتيريا تصيب البعوض وتؤثر على قدرته على نقل الأمراض أو إطلاق بعوض معدل وراثيا للحد من تكاثره". ويضيف أن "الدراسة تشير إلى أن المدن الحديثة، بشبكاتها المعقدة ومناخاتها المتغيرة، قد تشكل بيئة مثالية لتوسع هذه البعوضة، وهذا يرفع من احتمالية ظهور أوبئة جديدة في المستقبل، وبالتالي فإن هذه النتائج تمثل دعوة للمخططين الحضريين والسلطات الصحية لأخذ التدابير الوقائية الضرورية لضمان عدم تحول البعوضة إلى ناقل أكثر خطورة في ظل التغيرات المناخية العالمية".