
الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في عالم النوم
في زمنٍ تتسارع فيه إيقاعات الحياة ويثقل القلقُ كاهلَ العقول، تزداد مشكلات النوم التي تطول مئات الملايين حول العالم. لكن بين مختبرات علم الأعصاب الحديثة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، وُلد حلّ مبتكر يحمل وعداً جديداً: إعادة برمجة النوم... دون أدوية أو آثار جانبية.
حينما يصبح النوم مشروعاً علمياً
لم يعد النوم الجيّد متروكاً للمصادفة أو للحظ؛ بل بات اليوم مشروعاً علمياً متكاملاً تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي وعلوم الأعصاب الحديثة.
في هذا السياق، برزت تقنية «التحفيز العصبي المغلق الدائرة (M-CLNS)»، اختصاراً لـ«موديلينغ - بيسد كلوزد لوب نيوروستيميليشن Modeling-based Closed-Loop Neurostimulation»، بوصفها من أفضل الابتكارات الواعدة لتحسين جودة النوم، عبر إعادة ضبط الإيقاع العصبي للدماغ خلال الليل.
تعتمد هذه التقنية على الجمع بين أحدث مكتسبات علم الأعصاب الرقمي وخوارزميات الذكاء الاصطناعي المتعلَّمة ذاتياً. أما هدفها فهو تعزيز النوم العميق؛ المرحلة الذهبية للنوم التي تتيح للدماغ والجسم استعادة طاقتهما، ودعم وظائف الذاكرة، وتعزيز الصحة العامة.
عمل تقنية «التحفيز العصبي المغلق الدائرة»
تعمل «إم - سي إل إن إس - M-CLNS» وفق مبدأ «الدائرة المغلقة»، فهي:
- تراقب بشكل مستمر «النشاط الكهربائي للدماغ (EEG)» لحظة بلحظة، عبر مستشعرات دقيقة.
- تستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بدقة بموعد عمل «موجات دلتا» المرتبطة بالنوم العميق.
- تُفعّل في اللحظة المثالية تحفيزاً صوتياً ناعماً أو نبضات كهربائية دقيقة جداً، تعمل بوصفها إشارات تعزيزيّة تساعد الدماغ على تعميق هذه المرحلة الحيوية من النوم.
التكيف مع نمط النوم العصبي
مما يميّز هذه التقنية أنها ليست نهجاً ثابتاً أو آلياً؛ بل هي نظام ذكي يتكيّف مع نمط النوم العصبي لكل مستخدم، إذ إنها:
- متكيفة: فهي تتعلّم باستمرار نمط دماغ المستخدم وتُحسّن أداءها مع مرور الوقت.
- آمنة وغير تدخّلية: فهي تعمل دون أي أدوية أو تدخلات طبية مباشرة.
- مُلائمة للاستخدام المنزلي: فهي تأتي ضمن أجهزة ذكية قابلة للارتداء؛ مما يُمكّن الأفراد من الاستفادة منها بسهولة في منازلهم.
بعبارة أخرى، لا تسعى هذه التقنية إلى إلغاء الإيقاعات الطبيعية للنوم، بل تعمل على تدريب الدماغ على تعميقها وتعزيزها، بأسلوب ذكي ينسجم تماماً مع الوظائف البيولوجية الدقيقة للجهاز العصبي.
الذكاء الاصطناعي... حارس ليلي
وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي بوصفه «الحارس الليلي للدماغ»، فهو منظومة رقمية تراقب الإشارات العصبية في الخلفية طيلة الليل، وتتنبّه لأدقّ التغيّرات، وتتدخّل عند الحاجة لتوجيه الدماغ بلطف نحو نوم أعمق وأعلى جودة.
إنه رفيق صامت لا نشعر بوجوده، لكنه يعمل دون كلل لمساعدة العقل على دخول الحالة المثلى من الراحة والتعافي.
في جوهرها، تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي بوصفها منظومة عصبية رقمية مرافقة للدماغ، تراقب نشاطه الكهربائي لحظةً بلحظة، وتُحلل تدفّق موجاته بدقة فائقة.
من أمستردام إلى العالم... دراسة رائدة
جاءت أولى الإشارات القوية إلى فاعلية تقنية «التحفيز العصبي المغلق الدائرة» من قلب «مختبرات النوم والذاكرة» في جامعة أمستردام. ففي مارس (آذار) 2024، نشرت الجامعة، بالتعاون مع شركة «ديب سليب تكنولوجيز (DeepSleep Technologies)» دراسة نوعية بعنوان: «التحفيز السمعي المغلق الدائرة المخصص لتعزيز النوم العميق: دراسة منزلية (Personalized Closed-Loop Auditory Stimulation to Enhance Deep Sleep: A Home - Based Study)» بقيادة البروفسورة لوسيا تلاميني. وفي هذه الدراسة الميدانية الطموح، طُلب من المتطوّعين الذين يُعانون من صعوبات في النوم استخدام عصابة رأس ذكية تقرأ «النشاط الكهربائي للدماغ (EEG)»، وتنقل بياناته إلى تطبيق ذكاء اصطناعي مصمم خصيصاً لتحليل هذه الإشارات العصبية والتفاعل معها في الزمن الحقيقي.
وكانت النتائج لافتة للغاية؛ إذ حدثت زيادة مدة النوم العميق بنسبة تصل إلى 40 في المائة لدى بعض المشاركين، وحدث تحسّن ملحوظ في الذاكرة والأداء الذهني في اليوم التالي.
أحدث التطورات: خطوة جديدة في 2025
وقد حفز نجاح هذه التجربة الباحثين على الانتقال إلى مرحلة أكبر تقدّماً.
وفي مارس 2025، نُشرت دراسة ثانية أشمل على منصة «بيو آر إكس آي في (BioRxiv)» بعنوان: «تعميق النوم باستخدام جهاز (إي إي جي - EEG) قابل للارتداء مزوّد بتحفيز عصبي مغلق الدائرة قائم على النمذجة».
وهدفت الدراسة إلى اختبار فاعلية التقنية باستخدام عصابة رأس «إي إي جي (EEG)» قابلة للارتداء، مدعومة بنظام ذكاء اصطناعي متقدّم قادر على التنبؤ الدقيق بموجات النوم العميق وتعزيزها خلال النوم الطبيعي، في بيئات منزلية واقعية.
وجاءت النتائج لتعزّز ما توصلت إليه الدراسة السابقة؛ إذ ساهمت التقنية في تعميق «النوم غير الحركي (إن آر إي إم NREM)»، وهو المرحلة المحورية في تعزيز جودة النوم واستعادة الطاقة الذهنية. وأثبتت فاعليتها بوصفها خياراً آمناً وفعّالاً لتحسين النوم دون الحاجة إلى الأدوية أو التدخلات الطبية التقليدية.
وبهذه الخطوة، تقترب تقنية «إم - سي إل إن إس M - CLNS» من التحوّل إلى حل ذكي قابل للتطبيق على نطاق واسع، مُهيّأ لاقتحام غرف النوم حول العالم، وتحويل النوم إلى تجربة أكبر عُمقاً واستشفاءً بفضل الذكاء الاصطناعي.
شراكة بين التقنية والدماغ
ومما يجعل هذه التقنية مختلفة، أنها ليست مجرّد أداة مساعدة، بل هي أيضاً مساعد نوم شخصي ذكي يعمل ليلاً على تهدئة الدماغ وتعزيز مراحل النوم الأعمق والأوسع تجديداً... إنها نوع من «إعادة برمجة النوم»، لا يكون عبر الحبوب أو التدخلات الكيميائية، بل من خلال مخاطبة الدماغ بلغته العصبية الخاصة.
وتسعى شركة «ديب سليب تكنولوجيز» اليوم إلى دمج هذه التقنية في أجهزة ذكية قابلة للارتداء؛ مما سيفتح الباب أمام ملايين الأشخاص للاستفادة منها في منازلهم.
حينما ينام الدماغ... بتقنية ذكية
لم يعد تحسين النوم مسألة استرخاء فقط؛ بل بات مشروعاً علمياً متكاملاً يقوده الذكاء الاصطناعي، ومصمَّماً للتكيّف مع نمط دماغ كل فرد. إنه ثورة صامتة تبدأ حين نُغلق أعيننا، وقد تحمل بين طيّاتها مفاتيح:
- صحة عقلية أفضل.
- أداء ذهني أعلى تفوقاً.
- ربما وقاية مستقبلية من أمراض الذاكرة.
فهل سيصبح الذكاء الاصطناعي يوماً طبيب النوم المقبل؟ الأيام وحدها ستُجيب، لكن المؤكد أن ليالينا المقبلة لن تعود كما كانت.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
تنميل وقلق واكتئاب وهلع.. الخضيري يحذر من أعراض خطيرة لنقص فيتامين B12
أكد الباحث المتخصص في المسرطنات الدكتور فهد الخضيري، أن من أبرز مشاكل نقص فيتامين B12 ظهور مجموعة من الأعراض التي قد تؤثر في الجسم والمزاج والأعصاب بشكل ملحوظ، مشيرًا إلى أن من بينها: الإصابة بالأنيميا، وتنميل الأطراف، والتي قد تتطور لاحقًا إلى تلف في الأعصاب والطرفيات العصبية. وأضاف الدكتور الخضيري أن نقص هذا الفيتامين قد يصاحبه الشعور الدائم بالقلق، والإجهاد، والتوتر، وبعض أعراض الاكتئاب، إلى جانب الإمساك، وتشويش الذهن، واضطرابات في النوم ناتجة عن التوتر العصبي والهلع، إضافة إلى ارتفاع معدل ضربات القلب وتهيج القولون العصبي. وأوضح أن من العلامات المرتبطة بالنقص أيضًا: برودة الأطراف (والتي قد يشترك فيها أيضًا نقص الحديد)، وملاسة اللسان، وظهور تقرحات في الفم واللسان. وأشار إلى أن من أبرز الأطعمة الغنية بفيتامين B12 وبقية مجموعة فيتامينات B: منتجات الألبان: كالحليب والزبادي والأجبان، مؤكدًا أن الأفضل تناولها كاملة الدسم كما هي دون نزع الدهون، لأن عملية نزع الدسم تؤثر سلبًا على القيمة الغذائية وتركز الفيتامينات. الأطعمة المدعّمة: مثل بعض أنواع حبوب الإفطار والخبز والمنتجات التي تحتوي على الخميرة الغذائية. وختم الخضيري تنبيهه بضرورة التنويع الغذائي، وعدم الاعتماد على المكملات فقط دون استشارة طبية، حفاظًا على التوازن العصبي والصحي للجسم.


عكاظ
منذ 3 ساعات
- عكاظ
تامر حسني يكشف تفاصيل الحالة الصحية لنجله ويوجه رسالة تحذير للجمهور.. ما القصة؟
طمأن الفنان المصري تامر حسني جمهوره على الحالة الصحية لنجله آدم حالياً بعد خضوعه لعمليتين جراحيتين، نتيجة انفجار الزائدة بشكل مفاجئ. وأعرب تامر حسني عن امتنانه العميق لكل من دعا لابنه، أو تواصل معه أو مع المقربين منه للاطمئنان على صحة ابنه، وذلك عبر حسابه الشخصي بمنصة «فيسبوك»، وقال: «أنا مش عارف أشكركم إزاي على كم الدعوات اللي دعيتوها لربنا لشفاء آدم ابني هو عمل عمليتين بسبب انفجار الزائدة المفاجئ، اللي كانت أعراضه سخونية عادية بس». ووجه تامر حسني رسالة توعية مهمة لجمهوره، محذرًا من خطورة تجاهل أي أعراض من هذا المرض حتى لو بدت بسيطة كارتفاع الحرارة، موضحًا أن الزائدة الدودية قد تكون خادعة، ولا تظهر دائما بوضوح في الفحوصات. وأضاف: «كل سخونية تقولوا ده شوية برد وخلاص اعملوا سونار على البطن والزايدة مرة واتنين، لإني سمعت كتير اليومين دول إن الزايدة خادعة». وتابع الفنان رسالته بدعاء مؤثر لابنه قائلًا: «يارب، بحق كن فيكون، اشفيه وعافيه، هو وكل ولادنا هو راجل وهيتحمل، وإن شاء الله ربنا يكرمه ويعافيه ويحفظه هو وإخواته». واختتم تامر حسني حديثه بالشكر لكل شخص قدم صدقات باسم نجله من أجل شفائه، موضحاً: «شكراً لكل اللي اهتم وسأل عن ابني ودعا له هنا أو على التليفون، واللي طلعوله صدقات لشفائه من غير ما يعرفونا شخصياً، أنا مش لاقي كلام أشكركم بيه وأنا برضو بدعيلكم، وبقول لكم مثلها وأضعاف أضعافها». أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 4 ساعات
- صحيفة سبق
استشهاد 80 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة
ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ فجر اليوم، إلى 80 شهيدًا وعشرات المصابين، وصِفت جراح بعضهم بالخطيرة. وأفادت مصادر طبية فلسطينية، باستشهاد 36 فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء، في قصف الاحتلال الإسرائيلي منازل وخيامًا وتجمعات للفلسطينيين في مناطق متفرقة من القطاع.