
سقوط ليون وتأملات في كرة القدم كاستثمار
في بلد شهد أخيراً احتفالات بتتويج فريق عاصمته باريس سان جيرمان بلقب دوري أبطال أوروبا لأوّل مرة في التاريخ الفرنسي الحديث، جاء خبر هبوط أولمبيك ليون إلى الدرجة الثانية كصفعة غير متوقعة، لا للمدينة وحدها، بل للدوري الفرنسي بأكمله.
بين نشوة مجد طال انتظاره منذ أكثر من ثلاثة عقود، وبين إعلان رسمي من هيئة رقابة مالية يضع نادياً تاريخياً في مهب ريح الدرجة الثانية، تترنح الكرة الفرنسية بين النقيضين.
قرار الهيئة الوطنية للرقابة المالية (DNCG) لم يكن وليد اللحظة. في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، أصدرت إنذاراً أوّلياً بهبوط ليون بسبب تراكم ديونه التي بلغت 505 ملايين يورو، منها 160 مليون كديون قصيرة الأجل. نادي بأعمدة سبعة من المجد، صنعها بين 2002 و2008، ينهار إداريا، لا فنياً، بعد أن أنهى الموسم في المركز السادس وتأهّل إلى الدوري الأوروبي. لكن الأرقام لا تكذب، والمحاسبة في جمهورية التناقضات من الواضح أنها لا ترحم.
حتى بيع النجم الواعد رايان شرقي إلى مانشستر سيتي مقابل 42 مليون يورو، وصفقة انتقال ماكسينس كاكيريه إلى كومو، لم تكن كافية لإنقاذ النادي من الهبوط. ورغم هذه المداخيل، التي يفترض أن تمنح أيّ ناد متنفساً مالياً، رأت هيئة الـDNCG أن الإجراءات جاءت متأخّرة أو غير كافية لمعالجة الفجوة المالية العميقة.
وسط هذا الانهيار، برز صوت رئيس بلدية ليون، غريغوري دوسيه، الذي تحدّث بصدق نادر من مسؤول سياسي فرنسي قائلاً هناك "سيف ديموقليس" معلّق فوق رؤوسنا، متابعاً "أولمبيك ليون ليس مجرّد ناد، بل قوة موحّدة في المدينة".
في كلمات العمدة، تختزل المأساة الحقيقية، هذه ليست أزمة ميزانية بالنسبة لهم، بل أزمة هوية وكرامة لمدينة بأكملها.
الضرر لا يقتصر على المعنويات. مدينة ليون تعتمد على ناديها اقتصادياً بقدر ما ترتكز عليه عاطفياً. هبوط النادي يعني تراجعاً محتملاً في عوائد السياحة، والمطاعم، والفنادق، والنقل، فضلاً عن تراجع في حقوق البثّ التي تهمّش مباريات الدرجة الثانية. إنه أشبه بانهيار جسر يربط ضفتي المدينة ببعضهما، جسر اسمه أولمبيك ليون.
وفي توقيت يحرج الرابطة الفرنسية أكثر من أي وقت مضى، يأتي هذا السقوط ليضع علامات استفهام كبيرة. فالدوري الفرنسي، الذي ظل لسنوات يسعى لأن يبقى ضمن "الخمسة الكبار" في أوروبا، بدأ يتلمس هذا المجد فعلاً بعد تتويج باريس، لكن هبوط ناد بقيمة ليون الإدارية يعيد سردية الفوضى والتسيّب المالي إلى الواجهة. يشبه الأمر مخرج طوارئ مفتوح في قاعة احتفال لقصّ شريط افتتاح مشروع حديث الولادة. صورة شطرين لا يلتقيان.
قصر نظر الاستثمارات الأميركية أوروبياً
في قلب العاصفة، يظهر اسم واحد.. جون تيكستور. رجل أعمال أميركي، يمتلك حصصاً في كريستال بالاس الإنكليزي، وبوتافوغو البرازيلي، وراسينغ وايت ديرنغ مولنبيك البلجيكي، وأولمبيك ليون الفرنسي.
منذ أن دخلت مجموعته "Eagle Football" المالكة للنادي إلى المشهد، بدا أن الاستراتيجية أشبه بمحفظة استثمارية أكثر من كونها مشروعاً رياضياً متكاملاً. بيع فريق النساء لأولمبيك ليون نفسه، والتخلّي عن حصص في ملعب "غروباما"، ثمّ بيع أسهم في كريستال بالاس، كلها قرارات تعكس حالة من الإنقاذ الطارئ أكثر من كونها رؤية بعيدة المدى.
هذا النموذج الأميركي في إدارة الأندية الأوروبية لم يعد نادراً. مانشستر يونايتد عانى منذ سنوات من القرارات الإدارية الفوقية التي أضعفت الروح الرياضية لحساب الأرباح. والآن، يبدو أن ليون دخل الدائرة نفسها، ولكن من الباب الخلفي، في موسم شهد وصوله لمقاعد أوروبية.
وهذا التداخل بين الملكيات المتعددة، كما في حالة تيكستور، خلق ارتباكاً أوروبياً حقيقياً، هل يمكن لكريستال بالاس وليون أن يشاركا في نفس المسابقة الأوروبية؟ قواعد يويفا تمنع ذلك، لكن هبوط ليون -نظرياً- يفتح الباب، ثم يغلقه مجدداً إن نجح الاستئناف.
نحن الآن أمام مشهد ضبابي
إذا ثبت هبوط ليون، فستمنح بطاقة الدوري الأوروبي لفريق ستراسبورغ، صاحب المركز السابع. وإذا رفض الاتحاد الأوروبي ترخيص ليون لأسباب مالية، فالأمر محسوم.
لكن، إن أقر "يويفا" بمشاركة ليون، رغم هبوطه، واعتبر أن تيكستور لم يعد يملك "تأثيراً حاسماً" في كريستال بالاس بعد بيعه لحصته إلى وودي جونسون، فإن بالاس سيحتفظ بمقعده أيضاً.
ما نحن بصدده ليس مجرد خبر رياضي، بل لحظة فاصلة في العلاقة بين كرة القدم كهوية، وكرة القدم كاستثمار. ليون، المدينة والنادي، تحولت إلى مرآة تعكس هشاشة النموذج الجديد الذي يدار به العديد من الأندية العريقة في أوروبا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 2 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
الدين العام الفرنسي يتخطى الـ 3.3 تريليون يورو
بلغ الدين العام الفرنسي 3.345 تريليون يورو في نهاية الربع الأول من عام 2025، وهو ما يمثل 114 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة قدرها 40.5 مليار يورو مقارنة بنهاية العام الماضي، وفق ما أعلن المعهد الوطني للإحصاء الخميس. وارتفع الدين بمقدار 3.8 مليار يورو في الربع الأخير من عام 2024 إلى 3305.3 مليار يورو، أي 113.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا للمعهد. يأتي ذلك فيما تعكف الحكومة الفرنسية على إعداد ميزانية عام 2026 وتلويح اليسار بالسعي لحجب الثقة عنها في البرلمان بعد فشل المفاوضات مع الشركاء الاشتراكيين بشأن المعاشات التقاعدية. كما يعاني ثاني اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا من أحد أسوأ مستويات العجز في المنطقة. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


IM Lebanon
منذ 2 ساعات
- IM Lebanon
الدين العام الفرنسي يتخطى الـ 3.3 تريليون يورو
بلغ الدين العام الفرنسي 3.345 تريليون يورو في نهاية الربع الأول من عام 2025، وهو ما يمثل 114 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة قدرها 40.5 مليار يورو مقارنة بنهاية العام الماضي، وفق ما أعلن المعهد الوطني للإحصاء الخميس. وارتفع الدين بمقدار 3.8 مليار يورو في الربع الأخير من عام 2024 إلى 3305.3 مليار يورو، أي 113.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا للمعهد. يأتي ذلك فيما تعكف الحكومة الفرنسية على إعداد ميزانية عام 2026 وتلويح اليسار بالسعي لحجب الثقة عنها في البرلمان بعد فشل المفاوضات مع الشركاء الاشتراكيين بشأن المعاشات التقاعدية. كما يعاني ثاني اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا من أحد أسوأ مستويات العجز في المنطقة.


دفاع العرب
منذ 2 ساعات
- دفاع العرب
'فينكانتيري' تعزّز الأسطول الإيطالي بسفينتين قتاليتين جديدتين من طراز PPA
أعلنت شركة 'فينكانتيري' الإيطالية عن تعزيز دورها الاستراتيجي في برنامج تجديد أسطول البحرية الإيطالية، من خلال توقيع عقد جديد لبناء سفينتين قتاليتين متعددتي المهام من طراز PPA (Multipurpose Combat Ship)، لتحلّا محل السفينتين اللتين تم بيعهما للبحرية الإندونيسية. وأوضح بيان صادر عن الشركة أن العقد يُدار ضمن إطار البرنامج البحري الإيطالي المعروف بـ'القانون البحري الأخير'، تحت إشراف منظمة التعاون المشترك في مجال التسلح (OCCAR)، وذلك ضمن تحالف صناعي مؤقت يضم 'فينكانتيري' بصفتها القائد الرئيسي، وشركة 'ليوناردو' كشريك رئيسي. وتبلغ قيمة العقد نحو 700 مليون يورو، تشمل أنشطة سبق تنفيذها ضمن المشروع الأساسي للسفينتين اللتين انتقلتا إلى إندونيسيا. وسيتم بناء السفينتين الجديدتين من فئة 'Light Plus' في منشآت 'فينكانتيري' المتكاملة في 'ريفا تريغوسو' و'موجيانو'، مع جدول تسليم يمتد بين عامي 2029 و2030. وفي تعليقه على توقيع العقد، قال الرئيس التنفيذي والمدير العام لفينكانتيري، بييرروبرتو فولجييرو: 'يؤكد هذا العقد الأهمية الاستراتيجية للبرنامج، ويبرز قدرة مجموعتنا على الاستجابة الفعالة والسريعة لاحتياجات البحرية الإيطالية. كما يعزز سلسلة الإمداد الوطنية، ويوفر الاستمرارية الإنتاجية والاستقرار الوظيفي، ويساهم في ترسيخ موقع إيطاليا كفاعل محوري في الساحة الجيوسياسية العالمية، حيث أصبحت صناعة السفن أداة تأثير وتعاون دولي متزايدة الأهمية'. وبحسب فينكانتيري، تتميز سفن PPA بمرونة تشغيلية عالية، إذ يمكنها تنفيذ مهام متعددة، بدءًا من الدوريات البحرية وعمليات البحث والإنقاذ، إلى مهام الحماية المدنية والقتال الساحلي. ويعتمد البرنامج على نهج 'مُهيّأ للتطوير'، حيث تُبنى السفن على منصة موحدة قابلة للتوسيع وصولًا إلى النسخة القتالية الكاملة. وتتوفر هذه السفن بعدة فئات قتالية، من النسخة الخفيفة المخصصة للدوريات والمزودة بقدرات دفاعية ذاتية، إلى النسخة الكاملة المزودة بأحدث منظومات الدفاع والهجوم. كما ستتضمن كل سفينة القدرة على تشغيل زوارق RHIB السريعة التي تتجاوز 11 مترًا، باستخدام رافعات جانبية أو ممر إنزال خلفي. يبلغ طول كل وحدة 143 مترًا، وتصل سرعتها إلى أكثر من 31 عقدة، وتضم طاقمًا من 171 فردًا. وتعتمد منظومة دفع هجينة تجمع بين محركات ديزل وتوربينات غازية (CODAG) مع نظام دفع كهربائي، بالإضافة إلى قدرتها على توفير مياه شرب وطاقة كهربائية للدعم الأرضي.