السعودية وحماية الحج من التسييس
كان الحج - قبل أن تنهض الدولة السعودية برسالة التوحيد - نهبًا للاضطراب، ومسرحًا للفرقة، ومرتعًا للغلاة والمفتونين. يُسلب الحاج في الطريق، ويُرهب في المشاعر، وتتنازعه الولاءات المتناحرة، والرايات المتكاثرة، فلا أمنٌ يستقر، ولا نظامٌ يُحتكم إليه، حتى آل الأمر إلى نفور كثيرٍ من المسلمين عن أداء الركن الخامس، خيفةً من الفوضى وطلبًا للسلامة. وكانت الشعيرة ميدانًا للعبث، تُستغل منصةً للتحريض، وتُبتذل أداةً للصراعات، ويُغتال فيها الخشوع تحت سنابك الطمع السياسي والتأجيج الطائفي. حتى إذا شاء الله أن يبعث من قلب الجزيرة قائد التوحيد وباني الدولة، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رفع الله ذكره - استتبّ الأمن، واستُعيدت الهيبة، واستُرجعت السكينة إلى الحرم، فصار الحج مأمون الطريق، محفوظ الحرمة، يجري في مدار الشريعة، وتحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. ومنذئذٍ، أقامت المملكة سدًا منيعًا أمام كل محاولةٍ لتسييس النسك، أو تحويله من عبادة خالصة إلى مظاهرة عابثة، ومن دعاءٍ وابتهال إلى هتافٍ وجدال. فالحج لله وحده، لا لحزبٍ يُروّج، ولا لشعارٍ يُرفع، ولا لرايةٍ تُرفرف فوق قداسة المقام. لا يُبتغى فيه إلا وجهه، ولا يُسمع فيه إلا ذكره، ولا يُؤدى إلا على منهاجه. ومن هنا جاء ضبط الشعيرة نهجًا مرعيًا، وسنةً ماضية، ومبدأً لا يُساوَم عليه. فيا له من فقهٍ باهر، حين تنتظم الطاعة في سلك النظام، وتتماهى السكينة مع الأمن، ويُحاط الحاج بعين الرعاية، ويُساق إلى المناسك بسكينةٍ ويقين. فما اشتراط التصاريح، وتنظيم التفويج، ومراقبة الحشود، إلا تحقيقٌ لمقاصد الشريعة في حفظ النفس، وصون الشعيرة، ودرء الفتنة عن بيتٍ عظّمه الله، ورفع ذكره، وجعله مثابةً للناس وأمنًا. وقد أجمعت كلمة العلماء الراسخين، وعلى رأسهم هيئة كبار العلماء، أن تلك الإجراءات من كمال الدين، وتمام السمع والطاعة لولي الأمر، ومن تمام العبودية لله رب العالمين.
وما برحت القيادة السعودية - حفظها الله - تصدع بالحق، وتعلن بلسان الحال والمقال أن الحرم لا يُدنس بالتحزّب، وأن الشعيرة لا تُبتذل بالهتافات، وأن خدمة الحاج ميدان عبادة، لا ساحة مزايدة. فهي لا تستعرض القوة، بل تقيم الأمانة، ولا تُقصي أحدًا عن البيت، بل تُقصي الفتنة عن البيت، وتغلق أبواب الغلوّ والتسييس، وتفتح أبواب الرحمة والسكينة والطهر.
هكذا هي المملكة: حارسةُ الحرم، ساهرةُ الليل لحراسة أمنه، باذلةُ الجهد في راحة ضيوفه، ناصحةُ للأمة، ومُحققةُ لمعاني التوحيد في أشرف مشهدٍ من مشاهد الإسلام. فلله درّها من قيادةٍ أقامت الحقّ في محرابه، وأعلت النظام في محرمه، وصدحت بالتوحيد في أقدس بقاع الأرض، وحفظت الحُرمة في زمانٍ كثرت فيه المهاترات، وقلّ فيه الوفاء للمقدسات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدينة
منذ 38 دقائق
- المدينة
الاعتزاز بالهوية الوطنية
يقول سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «إنَّنا نفخر بإرثنا الثقافيِّ والتاريخيِّ السعوديِّ والعربيِّ والإسلاميِّ، وندرك أهميَّة المحافظة عليه؛ لتعزيز الوحدة الوطنيَّة، وترسيخ القيم العربيَّة الأصيلة.إنَّ أرضنا عُرفت على مرِّ التاريخ بحضاراتها العريقة، وطرقها التجاريَّة، التي ربطت حضارات العالم بعضها ببعض؛ ممَّا أكسبها تنوُّعًا وعمقًا ثقافيًّا فريدًا».كيف نقرأ وندرك مدلولات هذه السطور؟بتمعُّن وتفكيك يتبيَّن مدى ما تُشير إليه عن العمق التاريخيِّ، والزخم الحضاريِّ، والحُمُولات الثقافيَّة لهويتنا الوطنيَّة. أرضنا -كما أشار سموُّه- تزخر بتاريخ يمتدُّ في أبعاده لآلاف السنين، فمنذ القِدم شهدت ولادة أوَّل استيطانٍ بشريٍّ، حين تلاقى آدم وحواء -عليهما السَّلام- على هذه الأرض المباركة؛ ليبدأ معهما ولادة الحضور البشريِّ على الأرض، وليمتد إلى كافَّة أرجاء الأرض تعميرًا وتحضُّرًا. ثمَّ تواصلت الحضارات القديمة (عاد، وثمود، ومدين، وكندة)؛ ولتصل إلى نورٍ شعَّ من مكَّة المكرَّمة؛ ليعمَّ العالم بالبعثة المحمديَّة -على سيدنا محمد أفضل الصلاة، وأتم التسليم-، وظهور الإسلام دينًا لم تعرف البشريَّة مثله في الوسطيَّة والتسامح. ثمَّ يبزغ ضياء بتأسيس الدولة السعوديَّة التي وحَّدت شبه الجزيرة العربيَّة في وحدة عمَّت تأثيراتها العالمَين العربي والإسلامي، فكما يقول المؤرِّخ البريطاني هولت، عن تأثير الدولة السعوديَّة الأولى، بأن: «نجاحها وتأثيرها في بثِّ بعثٍ حقيقيٍّ للإسلام، عمَّ مناطق عدَّة من العالم الإسلاميِّ». وامتدادًا، صنع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وحدةً فريدةً؛ لتغدو الوحدة العربيَّة الوحيدة الناجحة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر.حديث الأمير محمد لا يبعث الاعتزاز بهويَّتنا الوطنيَّة فقط، بل يحتِّم علينا -أيضًا- الحرص على ما تزخر به من حُمُولات تاريخيَّة ضخمة، من خلال العناية بالتاريخ، ومدارسه المتنوِّعة، ولعل الإشادة التي أشار إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوله: «إنَّ السَّلام والازدهار والتقدُّم لم يأتِ في نهاية المطاف من الرفض الجذريِّ لتراثكم، بل من اعتناق تقاليدكم الوطنيَّة، واعتناق التراث نفسه الذي تحبُّونه حبًّا جمًّا»، خلال زيارته للمملكة، على ما شاهده من اعتزاز في مراسم الاحتفال به، بثقافتنا، وتراثنا الوطنيِّ، إنَّما هو دليل على أهميَّة أنْ تكون الشعوب معتزَّةً ومحافِظةً على تاريخها وثقافتها الخاصَّة.


حضرموت نت
منذ 40 دقائق
- حضرموت نت
شيخ مشايخ الحوطة وتبن الشيخ خالد يوسف العزيبي يعزي في وفاة المناضل فاضل حسين علي الصلاحي
صوت الشعب/القاهرة/خاص > 'وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون' صدق الله العظيم. بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة الهامة الوطنية والنضالية والاجتماعية والثقافية، المغفور له بإذن الله تعالى فاضل حسين علي الصلاحي، الذي وافته المنية في جمهورية مصر العربية أثناء تلقيه العلاج هناك، بعد مسيرة حافلة بالبذل والعطاء والتضحية في سبيل الوطن وخدمة مجتمعه. لقد كان الفقيد من الرجال الأفذاذ الذين نذروا أنفسهم لخدمة القضية والوطن، وظل طوال حياته نموذجاً في الصبر والإخلاص والعطاء، مشاركاً في مختلف ميادين النضال والعمل الاجتماعي والثقافي، غير آبهٍ بالمصاعب، ولم ينل ما يستحق من التقدير، شأنه شأن الكثير من الرجال المخلصين الذين ظلوا في الظل رغم عظيم إنجازاتهم. إننا في هذا المصاب الجلل لا يسعنا إلا أن نتقدم بخالص التعازي وعظيم المواساة إلى أبناء الفقيد وإخوانه وذويه كافة، وآل بن صلاح الكرام، ويافع عامة، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون. صادر عن: الشيخ خالد يوسف العزيبي شيخ مشايخ الحوطة وتبن


حضرموت نت
منذ 40 دقائق
- حضرموت نت
آلاف المشيعين في صنعاء يودّعون الشيخ ناجي جمعان إلى مثواه الأخير بعد رحلة وطنية حافلة
في مشهد جنائزي مهيب، شيّع آلاف المواطنين اليوم الأحد جثمان الشيخ ناجي جمعان الجدري، أحد أبرز الشخصيات القبلية والسياسية في اليمن، إلى مثواه الأخير في العاصمة صنعاء، بعد أن وافته المنية في القاهرة يوم الأربعاء الماضي، حيث كان يتلقى العلاج هناك. ويُعد الشيخ ناجي جمعان من كبار مشايخ قبيلة بني الحارث شمال صنعاء، وأحد الرموز البارزة في العمل القبلي والوطني، وعضوًا سابقًا في مجلس النواب، وعضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام. وقد عُرف الفقيد بمواقفه السياسية والاجتماعية الحاسمة، وبحضوره الفاعل في مختلف المحطات التاريخية التي مر بها اليمن خلال العقود الماضية. وبرز اسم الشيخ جمعان بشكل لافت خلال انتفاضة 2 ديسمبر 2017 التي قادها الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ضد جماعة الحوثي، حيث كان من أبرز المؤيدين للانتفاضة، ودفع ثمناً باهظاً لموقفه ذلك بفقدانه اثنين من أبنائه أثناء المواجهات، في لحظة عبّرت عن وفائه الكامل لما يؤمن به من مواقف وطنية. لم يقتصر دوره على ميدان السياسة، فقد لعب أيضًا دورًا كبيرًا في العمل الاجتماعي والإنساني، وسخّر جزءًا كبيرًا من ثروته لخدمة قضايا الناس والمجتمع، وظل على مدى سنوات طويلة أحد الوجوه القبلية المؤثرة في العاصمة صنعاء والمناطق المجاورة. وانطلق موكب التشييع من جامع الصالح باتجاه مقبرة الشيخ عبد الله الأحمر في الروضة، حيث ووري جثمانه الثرى، وسط مشاركة واسعة من الشخصيات القبلية والوطنية وقيادات المؤتمر الشعبي العام، وعدد من الشخصيات الاجتماعية والعسكرية. وقد عبر المشيعون عن بالغ حزنهم لفقدان هذه القامة الوطنية الكبيرة، مشيدين بمسيرة الشيخ جمعان الذي ظل حتى لحظة رحيله رمزًا للوطنية والشهامة والتسامح، وبصوته العقلاني في أحلك ظروف البلاد. رحم الله الشيخ ناجي جمعان، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.