logo
محاولة جديدة لإيداع جنوب اليمن في ثلاجة الماضي

محاولة جديدة لإيداع جنوب اليمن في ثلاجة الماضي

يمن مونيتور٣١-٠٣-٢٠٢٥

مصطفى ناجي
صدر قبل أيام قليلة قرار بتشكيل مجلس شيوخ الجنوب من قبل الرئيس عيدروس الزبيدي، وضمت اللجنة أسماء شخصيات يمنية بارزة تحمل صفات الأمير والسلطان والشيخ. قبل عام، صدر قرار مشابه لتشكيل مجلس الجنوب، وتم تكليف الشخص نفسه باستكمال الإجراءات ولكن بصفة مختلفة. صيغة القرارين تفصح عن الكثير من المسار الذي يتجه إليه الوعي المواطني والسياسي في جزء من اليمن، أو ربما في اليمن برمته.
أمام تحديات معيشية كبيرة تفتك بمجمل اليمنيين جراء انهيار الدولة منذ الانقلاب الحوثي-الصالحي، وفشل السياسات المتعددة للحكومة، أو قصدية السياسات الحوثية في الإفقار، يبدو القرار هامشيًا وضمن سلسلة من القرارات التي تخص النخب السياسية وصراعاتها، لكنه في الحقيقة يندرج ضمن تحولات عميقة في المجتمع اليمني تجري على وقع هذه الحرب.
ومعظم هذا التحول يقود اليمن واليمنيين إلى الماضي، سواء بالمعنى التقني من حيث مؤشرات التنمية والظرف الإنساني، أو بالمعنى السياسي والفكري، حيث تعمل كل المشاريع السياسية الميليشياوية على تكريس تصورات ماضوية حول السلطة، وعلاقات الأفراد الهرمية، أو علاقات الأفراد بعضهم ببعض، أو علاقتهم بالسلطة.
ليس المجلس الانتقالي بعيدًا عن هذا، فهو لا يستطيع تقديم مشروع مستقبلي يستمد منه مشروعيته، لكنه يبحث في صيغ الماضي الاجتماعية والسياسية عن شرعية ما.
ومثله مثل بقية المشاريع المناهضة ليمن موحد وديمقراطي يقوم على المواطنة، فإن النظر في ركائز الشرعية السياسية ما يزال غامضًا، تقوده قوة السلاح أو العلاقات الخارجية، وهذان العاملان لا يكفيان لإقامة شرعية على المدى المتوسط والطويل.
ولا بد من تحفيز قاعدة جماهيرية أوسع، إلا أن هذه القاعدة معنية بدرجة أساسية بالإنجاز المباشر والفوري لبعض المطالب: تفعيل الخدمات العامة، تحقيق الأمن، فرض سيادة القانون، المساءلة والشفافية. وبما أن جميع الأطراف عاجزة عن تلبية هذا المطلب الجماهيري، فإنها في عماها السياسي تبحث عن بناء تحالفات مع قوى مؤثرة تتجاوز بها عجزها في الإنجاز وتحقيق الأهداف المباشرة للجماهير.
لذا، فإن الذهاب باليمن إلى الماضي هو الأسهل. وهنا تكمن الانتكاسة الجمعية. فإذا نظرنا إلى تاريخ النضال السياسي والاجتماعي في محافظات الجنوب، وفي إطار المشروع السياسي الذي قادته مختلف تيارات العمل السياسي منذ الخمسينيات، فإنه يتلخص في تحقيق تقدم اجتماعي يعيد الاعتبار للأفراد، ويغرسهم في علاقة بنّاءة تقوم على المواطنة، وتحررهم من أشكال السلطوية العبثية والأنانية.
من حيث الشكل والجوهر، وبناءً على السلوك السياسي-الاجتماعي للمجلس الانتقالي، فإن هذا الكيان السياسي، الذي يكبر يومًا بعد آخر، هو النقيض الموضوعي لدولة الجنوب التي يزعم العمل على استعادتها.
قامت دولة الجنوب منذ صبيحة الاستقلال على علاقة مباشرة بين الأفراد والسلطة، حيث وضعت الجماهير المتحفزة أيديولوجيًا – بطبيعة الحال – في قلب العمل السياسي، وصمّيم المعادلة المؤسسة للعقد الاجتماعي.
إلا أن بناء مجلس شيوخ بقرار رئاسي يعني أن البناء الهرمي للسلطة المنظورة في المجلس الانتقالي هو سلطة مشيخية وليست مواطنية. إنها هرمية عنقودية فيها حلقات وسيطة تفصل بين القيادة العليا والقاعدة الجماهيرية، التي ستجد نفسها مع الوقت خارج المعادلة كليًا. هذا النموذج يمثل قطيعة مع الحقيقة السياسية والتاريخية اليمنية، ليس فقط في جزء من اليمن، بل في مجمله. لكنه مستلهم من دول النفط المجاورة، حيث قامت السلطة في بعض منها على هذا النمط الهرمي، ولها حيثياتها التاريخية في ذلك. ومع أن بعضها، كالكويت، قد أرست علاقة الحكم على أسس تشاركية مواطنية عبر انتخابات، إلا أنها تعثرت ونهضت ثم تعثرت مجددًا.
ما يغيب عن الأذهان أن هذا البناء الهرمي، الذي يُراد غرسه لتجاوز أزمة الشرعية مؤقتًا وأزمة القبول الحادة، خصوصًا في محافظات الشرق، لا ينبع من مراعاة حقيقية لاعتبارات اقتصادية كبرى أسهمت في ترسيخه في بلدان معينة بحكم الثروة والنمط الاقتصادي الريعي.
وثانيًا، سيصطدم بالإرث السياسي المكتسب منذ الاستقلال، وسيفجر نزاعات حقيقية لن تقود إلى الاستقرار.
الأمر الآخر الملفت في مسار المجلس الانتقالي هو عدم الاستقرار البنيوي. نعم، هناك حاجة للتحديث ومواكبة البناء استجابةً للتطورات الهيكلية والمتغيرات السياسية، فالأحزاب أو الكتل السياسية التي تمتلك المرونة هي القادرة على مواجهة هذه التحديات. إلا أن الحاجة إلى استقرار نسبي داخل البناء الهيكلي للكيانات السياسية هي نتيجة لترشيد القرار السياسي، ووجود آلية لصناعة القرار، واتصال جماهيري-قيادي.
وقبل ذلك، لا بد من امتلاك آليات ضامنة لنشوء تصور فلسفي سياسي تكون التغييرات الهيكلية انعكاسًا له.
إذا تابعنا مسيرة المجلس منذ تكوينه، نجد أنه قد استحدث العديد من التكوينات، إلى درجة أنه بات كيانًا سياسيًا يمتلك غرفتين تشريعيتين، وها هو اليوم يضيف مجلس شيوخ بعد أن أضاف سابقًا مجلس عموم، دون أي انتخابات في أي من مراحله، ودون قيام جدل داخلي تشارك فيه فاعليات المجتمع المدني ودوائر الفكر.
لا أقصد تعرية أي كيان سياسي، بقدر ما أرغب في تقديم نموذج لأزمة الحياة السياسية والحزبية في اليمن. فجميع الكيانات السياسية تنحو إلى أن تكون CATCH-ALL PARTY، ومع ذلك، فإن سلوكها التنظيمي يميل إلى التصرف كدولة بلا شعب ولا مؤسسات، وهو انفصام خطير له تبعاته على الحياة السياسية والحزبية في اليمن. لأننا سنكون أمام حشد كبير من الكيانات السياسية التي لا تمتلك رؤية أو فلسفة، وبالتالي لا تملك أهدافًا قابلة للقياس أو محفزات للأفراد وفوق هذا مستقوية بالسلاح او بأيديولوجية شمولية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عمرو البيض : لن يبقى 22 مايو ما دام 21 مايو ينبض
عمرو البيض : لن يبقى 22 مايو ما دام 21 مايو ينبض

اليمن الآن

timeمنذ 4 أيام

  • اليمن الآن

عمرو البيض : لن يبقى 22 مايو ما دام 21 مايو ينبض

قال عمرو البيض ، الممثل الخاص للرئيس عيدروس الزبيدي : ' لن يبقى 22 مايو ما دام 21 مايو ينبض. ونشر عمرو البيض بمنصة اكس في الذكرى 31 لفك الارتباط مدافعا عن تجربة والده وقال : 'في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة، اختار علي سالم البيض أن يخوض تجربة الوحدة اليمنية في مايو 1990. لم يكن ذلك القرار مجرد خطوة سياسية، بل كان تعبيرًا عن رؤية قومية عميقة، سعت إلى تجاوز الانقسام العربي السائد، وتطبيق فكرة الوحدة من خلال تجربة ملموسة، لا عبر الخطابات والشعارات'. اقرأ المزيد... ‏دراسة علمية تثبت فشل الوحدة بين جمهوريتي اليمن منذ إعلانها 22 مايو، 2025 ( 12:30 صباحًا ) اول اجتماع لنائب وزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان عقب تعينه 22 مايو، 2025 ( 12:22 صباحًا ) وتابع :' كان البيض يحمل مشروعًا يتجاوز اليمن، متطلعًا إلى أن تكون وحدة الشمال والجنوب نواةً لمشروع عربي أكبر، طالما ظل حبيس التنظير في أدبيات القومية العربية منذ منتصف القرن العشرين. من خلال اليمن، أراد أن يختبر إمكانية تحقيق وحدة عربية تنطلق من الأرض، لا من فوقها. في قمة بغداد 1990، وبعد أيام من إعلان الوحدة، قال البيض أمام القادة العرب: 'جربنا الاشتراكية في الجنوب، والرأسمالية في الشمال، فلا هذه بنتنا ولا تلك. وبنينا جيوشًا ضد بعضنا، لا ضد العدو. ولو عدنا إلى النفط، لكان سلاحًا يستخدمه كل منا ضد الآخر.' كانت هذه لحظة نادرة من الصراحة السياسية، أعلن فيها خيبة الأمل من النماذج المستوردة، ودعا إلى مشروع عربي منبثق من الواقع، لا مفروض عليه. لكن هذه الرؤية اصطدمت سريعًا بتحديات الواقع. فقد ظهرت التصدعات البنيوية في الكيان الموحد، وغابت آليات واضحة لتقاسم السلطة والثروة. وسيطرت النزعة المركزية من صنعاء، مما عمّق أزمة الثقة وأضعف فكرة الشراكة. فتحولت الوحدة من أمل بالاندماج والتكامل، إلى عبء سياسي واقتصادي، انتهى بحرب 1994 وتجدد النزعة الانفصالية. تكمن قيمة هذه التجربة في أنها لم تكن مجرد محاولة سياسية فاشلة، بل لحظة ديالكتيكية في مسار الوعي القومي العربي. لقد كشفت أن الفكرة القومية، مهما بدت نبيلة، لا يمكن أن تصمد دون عدالة، وشفافية، وشراكة متوازنة. وأن رفع شعار 'الوحدة' لا يغني عن بناء الثقة، ولا يُبرّر تجاوز الخصوصيات الوطنية. ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى هذه التجربة كمجرد 'فشل'. بل هي مختبر تاريخي لفهم تعقيدات الفكرة القومية. لقد بينت أن الدولة الوطنية ليست خصمًا للوحدة، بل أساسها. وأن المشروع العربي، لكي يُكتب له النجاح، يجب أن يُبنى على احترام الفروقات، لا طمسها، وعلى التكامل الطوعي لا الإلحاق القسري. لقد كانت تجربة علي سالم البيض، بما فيها من طموح وألم، آخر المحاولات الجادة لإحياء الفكرة القومية من داخل الواقع العربي لا من خارجه. لكنها، في الوقت ذاته، كشفت أن المشروع القومي العربي بصيغته التقليدية قد بلغ نهايته. لم يعد ممكنًا تجاهل حقيقة أن هذا الخطاب، الذي وُلد في زمن الاستعمار والانقلابات، لم يعد قادرًا على مواكبة تعقيدات الدولة الوطنية الحديثة ولا طموحات شعوبها. إن الرهان على القومية العربية كان يجب ألّا يعني تجاوز الدول الوطنية أو إنكار هويتها، بل الانطلاق منها لبناء مشروع عربي أكثر نضجًا، أكثر عدلاً، وأكثر اتصالًا بالشعوب. فكما كشفت التجربة اليمنية حدود الطموح دون مؤسسات حامية، فقد أثبتت أيضًا أن الوحدة لا تُفرض، بل تُبنى. وعليه، فإن التفكير في أي مشروع عربي اليوم لا يمكن أن يستند إلى أوهام التوحيد القسري أو النوستالجيا السياسية. بل ينبغي أن يبدأ من القواعد الواقعية: من احترام التنوع، ومن الاعتراف بأن الدولة الوطنية ليست عقبة، بل ركيزة. فهل آن الأوان لنعيد تعريف المشروع العربي من خلال ما هو قابل للبناء، لا من خلال ما هو محكوم بالتخييل؟'

قائد كتيبة الطوارئ في لحج يتهم الزبيدي بحماية الفاسدين والمجرمين خلال مظاهرة شعبية
قائد كتيبة الطوارئ في لحج يتهم الزبيدي بحماية الفاسدين والمجرمين خلال مظاهرة شعبية

اليمن الآن

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • اليمن الآن

قائد كتيبة الطوارئ في لحج يتهم الزبيدي بحماية الفاسدين والمجرمين خلال مظاهرة شعبية

لحج – خاص شهدت محافظة لحج مظاهرة شعبية حاشدة، أطلق خلالها قائد كتيبة الطوارئ بالمحافظة، القائد خالد بن عسكر اليافعي، تصريحات جريئة اتهم فيها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بالتورط في الفساد وحماية المتنفذين والمطلوبين أمنيًا وقال القائد بن عسكر، في حديث مباشر أمام المتظاهرين، إن الزبيدي 'يوفر الحماية للقتلة والمجرمين، ويمكّن السرق واللصوص من العبث بمؤسسات الدولة'، مؤكداً أن ما يحدث اليوم هو نتيجة غياب العدالة وغياب المحاسبة. وفي نقاش حاد دار بينه وبين عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي نزار هيثم، وجّه بن عسكر انتقادات لاذعة للأخير، متهماً إياه بتبرير الفساد وتلميع الفاسدين منذ عمله في المجالس المحلية، واصفاً إياه بأنه 'يضلل الرأي العام ويدافع عن اللصوص'. هذه التصريحات أثارت تفاعلاً واسعاً بين المشاركين في المظاهرة، الذين رددوا هتافات تطالب بمحاسبة الفاسدين وتطهير مؤسسات الدولة من النفوذ العائلي والمناطقي، مؤكدين وقوفهم خلف كل من يكشف الحقائق ويدافع عن حقوق المواطنين. وتأتي هذه التطورات في ظل تزايد الغضب الشعبي تجاه ما يُوصف بـ'العبث المستمر بمقدرات الدولة'، وسط دعوات لتصحيح المسار السياسي والإداري في المحافظات الجنوبية. شارك هذا الموضوع: فيس بوك X

لا لتجويع الشعب
لا لتجويع الشعب

اليمن الآن

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • اليمن الآن

لا لتجويع الشعب

... نحمل السلطات في الدولة والسلطة المحلية في العاصمة عدن ومكتب وزارة الصناعة والتجارة محافظة عدن ، مسؤولية ارتفاع سعر القرص الروتي ، وبدون وجود أي ممانعة أو بدائل . أن ترك الحياة المعيشية هكذا بدون محاسبة من يزعزع الامن والاستقرار المعيشي في محافظة عدن ،يؤكد اننا نعيش في غابة. كانت جمعية الافران قد سعت من سابق قبل عام واشهر بالتحديد وناوشت في رفع سعر الروتي ، وتصدينا لها في لقاء مع الأخ / عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي ،عضو مجلس القيادة الرئاسي خلال لقاء رمضاني مع ابناء عدن ،وطرحت شخصيا سعي جمعية الافران رفع قوت الشعب الروتي وهو عمل يزعزع الاستقرار خاصة وظروف المعيشية للشعب ،وقام بعد يوم من لقاءنا بإستدعاء نائب وزير التجارة والصناعة / سالم الوالي ،واتخد قرار بالسعر والحجم والعدد وهو 3 اقراص ب 200 ريال لاجل توفير معيشة آمنة للشعب. إننا نعيش بالفعل وسط غابة ، الكبير يلتهم الصغير ،وبدون وجود أي عمل ووضوح في ادارة المحافظة ومكاتبها ، حيث يفترض أن يتم الإعلان رسميا ً من قبل المحافظة مع مكتب الصناعة والتجارة بالسعر والحجم والعدد ، كما كنا نعمل ونعرف من سابق . إن هذه الممارسة من قبل الجمعية في الرفع هي فوضى غير مقبولة خاصة وهي تتكرر بين الحين والاخر ، والسكوت يعد جريمة ومشاركة .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store