logo
الركبان.. خيمة طُويت وكرامة بقيت

الركبان.. خيمة طُويت وكرامة بقيت

الجزيرةمنذ يوم واحد

في أقصى البادية، حيث الصمت يغلب الصوت، وحيث لا ظلّ إلا لشمس لاهبة، ولا جدار إلا لخيمة تهتزّ في وجه الرياح، هناك كان مخيم الركبان، أو – كما سمّوه بحقّ – مثلث الموت.
سنوات عجاف قاسية مرت على أهله، سُلبوا فيها أبسط مقومات الإنسانية، وذاقوا مرارة العيش في صحراء منسية، لا ماء فيها ولا دواء ولا غذاء، ولا حتى أمل. لكنهم لم يهجَّروا عبثًا، ولم يُلقَ بهم في تلك الأرض القاحلة صدفة، بل طُردوا من ديارهم لأنهم قالوا "لا" في وجه الطاغية، لأنهم هتفوا للحرية، ورفضوا العبودية تحت حكم نظام المجرم بشار الأسد.
هؤلاء المعذبون الأحرار اختاروا الخيمة على المذلة، والوحشة على الركوع، والموت البطيء في العراء على الحياة في ظل نظام قتل أبناءهم ودمر مدنهم، وخيَّرهم بين السجن والموت والانكسار. كان الركبان جرحًا نازفًا، لكنه جرح الكرامة النابضة، لا جرح الخنوع المهين.
الحمد لله.. اليوم أُغلقت أبواب الخوف، وهُدمت آخر خيمة من خيام العذاب، وارتفع الغبار الأخير من تراب الركبان إيذانًا بنهاية قصة حزينة، طالما أثقلت الضمائر وبللت العيون.
اليوم يُكتب فرح جديد على صفحات التحرير، ويضاف نصر آخر إلى سجل الصامدين.. ويا لها من فرحة! فرحة لا تقتصر على من كانوا هناك، بل تتعدى حدود المخيم، هي فرحة كبرى عمَّت قلوب المهجَّرين أنفسهم وهم يغادرون أرض القهر إلى أفق الحياة، فرحة غمرت السوريين في الداخل والخارج، أولئك الذين ظلت أعينهم شاخصة إلى "الركبان" سنوات طويلة، تدعو وتنتظر.
بل حتى كثير من أحرار العالم، ممن في قلوبهم بقايا إنسانية ورحمة، شاركوا هذا الفرح، لأن "الركبان" لم يكن مجرد مخيم، بل وصمة سوداء على جبين الصمت الدولي، وصفحة دامية من تاريخ القهر.. لم تكن الخيام تؤوي بل كانت تقهر، ولم تكن ملجأً بل سجنًا من القهر والعزلة والجوع.
غار مخيم الركبان واندمل إلى غير رجعة.. والعقبى لجميع مخيمات اللجوء في العالم، للسوريين ولغيرهم ممن بحثوا عن الحرية والحياة الكريمة
واليوم، رغم أن كثيرين عادوا إلى بيوت مهجورة، وجدران بلا سقوف، وبلدات مدمرة، فإنهم عادوا إلى الوطن الذي حُرموا منه سنوات طويلة، عادوا إلى حارات الذكريات، حيث خبز الأم وحنان الجيران، لا إلى صحراء لا تعرف سوى الوحدة والوحشة.
من الركبان خرجوا، لا بدموع اليأس بل بدموع الفرح المؤلم! خرجوا من غبار الجوع إلى سماء الوطن، التي وإن أظلت بيوتًا محطمة، فإنها تسع القلوب كلها. وهكذا تُطوى صفحة سوداء من كتاب الجرح السوري، وتفتح صفحة العودة، صفحة البداية، صفحة الحياة.
لقد غار مخيم الركبان واندمل إلى غير رجعة.. والعقبى لجميع مخيمات اللجوء في العالم، للسوريين ولغيرهم ممن بحثوا عن الحرية والعدالة والحياة الكريمة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع

الجزيرة

timeمنذ 24 دقائق

  • الجزيرة

أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع

في 7 يونيو/حزيران 1997 سقطت الكاتبة المصرية أروى صالح من شرفة في الطابق العاشر، وتركت على الطاولة كتابا وحيدا يحمل عنوانا دالا "المبتسرون.. دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية". لم يكن ذلك مجرد انتحار فردي، بل صدمة ثقافية ما زالت أصداؤها تتردد في وجدان من اختاروا الصدق مع أنفسهم، كانت تلك القفزة الأخيرة خلاصة تجربة فكرية وإنسانية بلغت مداها عندما عجزت الكلمات عن الاحتمال. برزت أروى صالح في أوائل السبعينيات باعتبارها إحدى القيادات الطلابية اليسارية التي واجهت النظام السياسي في واحدة من أعقد لحظات مصر الحديثة، انخرطت في تنظيمات ماركسية سرية، خاصة مجموعة "العمل الشيوعي المصري"، واعتُقلت وتعرضت لما وصفته لاحقا بـ"الخذلان المزدوج"، من الدولة ومن رفاق الطريق، لكنها لم تغادر الفكرة، بل اختارت لاحقا أن تكتب عنها بشجاعة من داخل جرحها. يعد "المبتسرون" واحدا من أكثر النصوص السياسية الذاتية جرأة في المكتبة العربية الحديثة. و"المبتسرون" تعبير يشير إلى الأشخاص الذين لم يكتمل نموهم أو الذين وُلدوا قبل الأوان، وهذا الكتاب نص يعبر حدود الاعتراف إلى تفكيك الذات الثورية، وينقض الخطابات التي طالما تغنّى بها اليسار المصري عن النقاء والتضحية. وقد روت أروى بلغة تتراوح بين السرد والتحليل كيف تحوّل العمل الثوري في التنظيمات اليسارية إلى مجال للمساومة والتسلط الذكوري والنفاق الطبقي، وكيف تم إسكات النساء حتى داخل الحركات التي تزعم الدفاع عن الحرية والعدالة. ربما لم تكن أروى تحاكم أحدا، بل كانت تحاكم نفسها، وحين فعلت ذلك كشفت -دون قصد أو ادعاء- هشاشة البنية الثقافية التي احتضنت جيلها، وأوهام البطولة التي ارتداها كثيرون ممن كانوا في الصدارة، لم يكن كتابها مرافعة ولا مرثية، بل شهادة قاسية من داخل الانهيار. وثيقة لجيل مهزوم تجاهل الإعلام الرسمي الكتاب عند صدوره، ومر الحدث الثقافي كما لو أنه لم يكن، لكن مع مرور السنوات عاد القراء إلى "المبتسرون" باعتباره وثيقة مهمة لجيل مهزوم، ومرآة جريئة تجرؤ على تسمية الأشياء بأسمائها. تعيدنا أروى بعد 28 عاما على رحيلها إلى سؤال لا يكف عن الإلحاح: ماذا تبقّى من الثورات حين تنطفئ؟ وماذا يبقى من المثقف حين يُسكت صوته من الداخل؟ ورغم كل تلك السنوات فإن أروى صالح تعد واحدة من أبرز المثقفات المصريات اللواتي لمع حضورهن، ثم انكفأن على الذات في ما بعد عقب مراجعة فكرية حادة ومؤلمة وصلت بها في النهاية إلى الانتحار. ولعل البعض يخاف من إعادة قراءة أروى صالح، إنهم يخشون أن يرى الجيل الجديد أن اليسار كان أحيانا أكثر قسوة من خصومه، وأن الأحلام حين تتصلب تتحول إلى أدوات تعذيب. يذكر أن أروى صالح ولدت في القاهرة عام 1951، ودرست في كلية الآداب- قسم اللغة الفرنسية بجامعة القاهرة، عُرفت قائدة طلابية في انتفاضة الطلاب عام 1972، واعتُقلت ضمن موجة الاعتقالات التي أعقبت انتفاضة يناير/كانون الثاني 1977 (انتفاضة الخبز)، وقد تعرضت للتعذيب والاعتقال، وخرجت لاحقا من السجن بتجربة نفسية شاقة. صدر كتابها الأشهر "المبتسرون" عن دار ميريت عام 1996، وهو يقدم شهادة ذاتية جريئة وعارية ترصد الانهيار الداخلي لجيل كامل آمن بالثورة واليسار والتغيير، ثم تكسّر على صخور الواقع السياسي والاجتماعي وعلى التناقضات الذاتية والأخلاقية داخل التنظيمات اليسارية نفسها. نقد جذري في كتابها، تنتقد أروى بشراسة رموز اليسار الذين تخلوا عن مبادئهم، ولا تتوانى عن توجيه نقد جذري إلى جيلها من مثقفي اليسار المصري، خصوصا لأولئك الذين انتموا إلى الطبقة الوسطى وعاشوا تناقضاتهم دون مساءلة. تقول "ليس هناك من هو أخطر من البرجوازي الصغير، المتعلم، الخجول، الشريف، الأخلاقي إلى حد التطهر، بالذات لو قرر أن يتدخل ليعدل "مسار التاريخ". وبهذه الجملة الكاشفة تفكك أروى شخصية المثقف الذي يحاول الإمساك بزمام التغيير فيما يتكئ بوعي أو بدونه على ميراث من الامتياز الطبقي والرمزي. إنها تقلب الصورة النمطية عن المناضل التقدمي، لتكشف كيف تتحول الأخلاقية الزائفة إلى قناع للتواطؤ، وكيف يصبح هذا البرجوازي الصغير -لا خصوم الثورة- هو أكثر من يهددها من الداخل. ثم في لحظة أكثر قتامة تكتب "لقد تهاوت الحدود التي كانت واضحة حتى الأمس بين الحقيقة والزور، والخصوم والحلفاء، وأيضا بين الصواب والخطأ". هنا، تتجاوز أروى نقد السلوك إلى نقد البنية الرمزية بكاملها متأملة الانهيار القيمي الذي أصاب جيل ما بعد السجن، ذلك الجيل الذي خرج من التجربة مهزوما لا سياسيا فقط، بل معرفيا وأخلاقيا أيضا. بين الاقتباسين ترسم أروى ملامح انكسار تاريخي لم تصمد فيه الشعارات أمام اختبار الحياة، ولم تصمد فيه النفوس أمام هشاشتها الأصلية. في هذا الكتاب، كشفت الكاتبة الراحلة عن تناقضات جسدية ونفسية وجندرية عاشتها نساء اليسار المصري، حيث كان الرفاق الذكور يرفعون شعارات الحرية فيما يمارسون السيطرة والعنف الرمزي والجنسي على النساء في الواقع. أُهمل كتاب "المبتسرون" إعلاميا في حينه، لكنه أصبح لاحقا مرجعا نقديا مهما في قراءة الحركة الطلابية و"أدب المراجعة"، وفضح استبداد التنظيمات الثورية. وقد نالت أروى صالح تقديرا متأخرا بين المثقفين المصريين والعرب، وأصبحت رمزا لـ"مثقف الخسارة" أو "الانشقاق". وهي تُذكر اليوم باعتبارها إحدى الكاتبات القلائل اللواتي كتبن عن انهيار الحلم الاشتراكي من الداخل، لا بوصفه خيانة فقط، بل كخديعة ذاتية شارك فيها الجميع. ربما لم تنته قصة أروى عند السقوط، بل بدأت حيث تعثّر الآخرون في قول الحقيقة.

توقعات بتصعيد الهجمات الإيرانية والرئيس الإسرائيلي يتفقد بات يام
توقعات بتصعيد الهجمات الإيرانية والرئيس الإسرائيلي يتفقد بات يام

الجزيرة

timeمنذ 26 دقائق

  • الجزيرة

توقعات بتصعيد الهجمات الإيرانية والرئيس الإسرائيلي يتفقد بات يام

قال مصدر في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) للقناة 15 الإسرائيلية إن إيران ستصعد هجماتها، متابعا "نحن فقط ما زلنا في بداية الحدث"، في حين تفقّد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ موقع سقوط الصواريخ الإيرانية في بلدة بات يام بتل أبيب. وأضاف المصدر "قد نشهد أمورا تفوق ما رأيناه أمس وسنزيد من ضرباتنا". وقال مسؤول عسكري إن إسرائيل لديها قائمة كبيرة من الأهداف في إيران لم تضربها بعد. في الأثناء، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر في الجيش أن التقديرات كانت تشير إلى أن الرد الإيراني سيكون عنيفا. في حين قالت القناة 12 الإسرائيلية إن وزراء الحكومة تلقوا تعليمات بعدم إجراء مقابلات إعلامية بشأن إيران. في الوقت نفسه، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ ووزيري الدفاع يسرائيل كاتس والأمن القومي إيتمار بن غفير تفقدوا موقع سقوط الصواريخ الإيرانية في بلدة بات يام جنوبي تل أبيب. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي خلال زيارته التفقدية إن "الخطة تسير كما هو مخطط لها، بل وأكثر من ذلك"، على حد وصفه. وقد أسفرت الهجمات الإيرانية على بلدة بات يام عن مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 200 آخرين، إضافة إلى تضرر عشرات المنازل والمباني، علما بأن وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن أعداد أكبر.

مصادر أميركية: واشنطن سعت للتأكيد أنها ليست طرفا بالهجمات على إيران
مصادر أميركية: واشنطن سعت للتأكيد أنها ليست طرفا بالهجمات على إيران

الجزيرة

timeمنذ 26 دقائق

  • الجزيرة

مصادر أميركية: واشنطن سعت للتأكيد أنها ليست طرفا بالهجمات على إيران

نقلت شبكة "سي إن إن" الإخبارية عن مصادر مطلعة -اليوم الأحد- قولها إن الاتصالات الأميركية بمسؤولين بالشرق الأوسط " كانت لنقل رسالة تؤكد بشدة أهمية الدبلوماسية والتأكيد بأن واشنطن ليست طرفا في الهجمات على إيران". وأفادت الشبكة نقلا عن تلك المصادر بأن مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب" لم ينجحوا أحيانا في التواصل مع نظرائهم في منطقة الشرق الأوسط". كما ذكرت بأنه تم تكليف كبار مسؤولي إدارة ترامب -الخميس الماضي- بالاتصال بمسؤولين في منطقة الشرق الأوسط، مضيفة أن واشنطن "اعتقدت أنها قد تتمكن من تأخير عملية إسرائيل ضد إيران ساعات حماية لقواتها بالمنطقة". كما ذكرت المصادر أنه بحلول مساء الخميس الماضي "أصبح واضحا لإدارة ترامب أنه لا يمكن ثني إسرائيل عن الهجمات" مضيفة أن المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف عمل منذ البداية للتوصل لاتفاق في الإطار الزمني الذي حدده ترامب ولم يكن يماطل". وحسب المصادر تواصل ويتكوف مباشرة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مساء الأحد الماضي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store