
أدعياء السُّنّة.. هل نصروا السنّة؟!
كثيرا ما يتباهى المداخلة بأنّ شيخهم 'ربيعَ المدخليّ' عاش حياته ناصرا للسنّة، ذابّا عن أعراض الصّحابة، حتى مات في مدينة النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- ودفن في البقيع بجوار الصّحابة.. ونحن إن تغاضينا عن حقيقة أنّك لو سألت أيّ مدخلي عن ماهية السنّة التي نصرها ربيع، فربّما فغر فاه، وفي أحسن أحواله سيعدّد لك بعض سنن العبادات، وبعض سنن الهدي الظّاهر، وربّما انتقل لك إلى الحديث عمّا يمكن أن يُسمّيه 'سنّة الردّ على المبتدعة وبيان حالهم'! فإذا سألته عن سنّة جهاد الكفّار والمنافقين والغلظة عليهم التي قام بها النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- أحسن قيام، وعن سنّة القيام بالحقّ ونصرة المظلومين وردع الظّالمين، وسنّة الرّحمة بالمؤمنين والسّتر عليهم والسعي في تأليف قلوبهم وتوحيد صفوفهم، وسنّة الدّفاع عن المجاهدين ورفع شأنهم والغيرة لهم؛ فإنّ المدخليّ لن يجد جوابا!
بِغضّ النّظر عن هذا، فإنّ ما يسمّى 'نصر السنّة' هو عنوان يحتاج إلى مصاديق، وإلا كان دعاوى فارغة لا تنفع صاحبها ولو ردّدها كما يردّد أذكار الصّباح والمساء! فهذا –مثلا- عبد الله بن أبيّ بن سلول، رأس النّفاق في زمن النبوّة، كان يسكن المدينة، ومات بها وصلّى عليه النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- بعد أن كُفّن في القميص الشّريف، ودفن في البقيع إلى جوار الصحابة، وقد كان يدّعي نصرة السنّة والانتصار لصاحبها، وإن عجبت فهاك الدّليل:
أخرج البيهقي في 'دلائل النبوة' عن الزهري أنّه قال: 'كان لعبد الله بن أُبي مقامٌ يقومه كل جمعة لا يتركه؛ شرفا له في نفسه وفي قومه، فكان إذا جلس رسول الله -صلى اللـه عليه وسلم- يوم الجمعة يخطب، قام (ابن أُبيّ) فقال: 'أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله به، وأعزكم به، فانصروه، وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا'، ثم يجلس!'.
فأنت ترى أنّه كان داعية إلى السنّة وإلى طاعة النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-.. لكن، حين حان الوقت ليقدّم مصداقا لكلامه، تشبّث بذرائع واهية وحجج ساقطة ليخالف النبيّ –عليه الصّلاة والسّلام-!
في تتمّة رواية البيهقي: 'فلما قدم رسول الله –صـلى الله عليه وسلم- من أحد، وصنع المنافق ما صنع في أحد، فقام يفعل كما كان يفعل؛ أخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس يا عدو الله، لست لهذا المقام بأهل، قد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأني قلت هجرا أن قمت أشدد أمره! فقال له رجل: ويلك! ارجع يستغفر لك رسول الله –صـلى الله عليه وسلم-! فقال المنافق: والله ما أبغي أن يستغفر لي'.
ظلّ ابن سلول يتظاهر بنصرة صاحب السنّة، لكن حين حانت ساعة التدافع بين الحقّ والباطل، وخرج النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- إلى أحد؛ رجع ابنُ سلول بثلث الجيش الإسلاميّ، بحجّة أنّ النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- لم يستشرهم في القتال، وأنّ الجيش سيتعرّض للقتل، وقال: 'ما ندري علامَ نقتل أنفسنا ها هنا أيها النّاس'!
ومع كلّ أسف فإنّ 'ربيع المدخليّ' وكثيرا من الدّعاة السّابحين في فلكه، سائرون على سنّة ومنهج ابن سلول في الإرجاف والتثبيط والتحريض ضدّ المجاهدين، وحجّتهم هي نفسها حجّة ابن سلول، لكن بعبارات أخرى: الذين رفعوا راية الجهاد مغامرون أمام عدوّ قويّ! هؤلاء لم يستشيروا ولاة الأمر! ولم يطلبوا رأي العلماء!
نحن لا نسوّي ربيع المدخليّ بابن سلول، ولا نتّهم شيخا نحسبه يبطن الإيمان برجل يبطن الكفر، ولكنّنا نرى الأفعال تتشابه! وربيع المدخليّ نفسه كان له –قبل ذلك- دور من أقذر ما يكون في موقفه من جهاد الأفغان ضدّ الأمريكان، حين أجلب حزبه على الأفغان بأنّهم قبورية مبتدعة، وأنّ قادة الجهاد إخوان مفلسون! وهو الذي كان قبل ذلك، حين كان الأفغان يجاهدون ضدّ الرّوس، يحرّض على القتال! والسّبب أنّ وليّ الأمر ارتضى الجهاد ضدّ الروس بأمر أمريكيّ، وأمر بتنكيس رايته حينما كان المحتلّ هو أمريكا نفسها! وكان لربيع دور آخر لا يقلّ قذارة حينما تداعت الأمّة لنصرة العراق المسلم ضدّ الأمريكان وحلفائهم، فكان هو وحزبه يحرّضون ضدّ صدّام وجيشه بحجّة أنّهم بعثيون ملاحدة! وكان له دور قذر في التثبيط عن جهاد اليهود بحجّة أنّ قادة الجهاد هناك من الإخوان! وذهب بعيدا في الثناء على اليهود والطّعن في المجاهدين، حينما قال عن الصهاينة المحتلين إنّ عندهم شيئا من الأخلاق! وزعم أنّ الفلسطينيين لو تركوا اليهود وشأنهم، فإنّ اليهود سيتركونهم! وعدّد أيادي اليهود البيضاء على الفلسطينيين، فقال: 'فتحوا لهم الجامعات، أعطوهم الصحف، تركوا لهم حرية في تدينهم، في مساجدهم، في جامعاتهم…'!
هذا الكلام، يذكّرنا بموقفِ عبد الله بن أبيّ بن سلول، بُعيد غزوة بني قينقاع (2 هـ)، حينما جاء رأس النّفاق إلى النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- يشفع في اليهود الذين كانوا قبل ذلك قد نبذوا عهدهم مع المسلمين وأظهروا الحسد والعداوة، وأرادوا امرأة مسلمة على حجابها، وقال ابن أُبيّ: يا محمد، أحسن في مواليَّ (وكانوا حلفاء الخزرج (قبيلة ابن سلول) في الجاهلية)، فأعرض عنه رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، فأدخل المنافق يده في جيب درع النبي -صلّى الله عليه وسلم-، فقال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: أرسلني، وعرف الغضب في وجهه –عليه الصّلاة والسّلام-، قال ابنُ سلول: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: هم لك.
فهل يريد أتباع 'المدخليّ' من رجال الأمّة في غزّة، أن يتركوا لهم اليهود وشأنهم؟ هل هناك حلف غير معلن بين القوم وبين الصّهاينة، أو على الأقلّ بين أولياء أمورهم وبين الصهاينة؟ من حقّنا أن نشكّ في ذلك ونحن نرى هؤلاء المداخلة يصرّون على أنّ قتال المحتلّ الصهيونيّ المغتصب للأمر المقدّسة، لا يُشرع إلا بإذن وليّ الأمر!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جزايرس
منذ 10 ساعات
- جزايرس
الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان أكثر مما يحصل لغيرهم، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زللُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها – عياذاً بالله. ولا بد للمسلم أن يستشعر بأن الله وعد في كتابه (فإن مع العسر يسرا).ولابد للمسلم أن يستشعر الحكمة من البلاء لأن الله سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا. وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء- سواءً كان فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة- وهي في نصوص الكتاب والسنة...الابتلاء امتحاننعم امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة نُمْتحن فيها كل يوم فما هذه الدنيا إلا دار بلاء و اختبار و الآخرة هي دار الجزاء، وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله . قال تعالى: كُل نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشر وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ. [ الأنبياء: 35 ].وقال جل ذكره: أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَاذِبِينَ. [ العنكبوت: 2-3 ].وليس في هذه الدنيا من لا يمتحن. وكيف لا وقد ابتلى الله الأنبياء ففي الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل..." [ رواه البخاري ]. ولكن في هذا الامتحان من يصبر فيفوز، كما أن هناك من يجزع ويعترض على الله – عياذاً بالله فيخسر ويشقىورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه" ...الابتلاء قسمة وقدرإنَّ الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا. [الزخرف: 32 ]. فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، وكل شيء في هذه الحياة مقسوم. فارضَ بما قسم الله لك يا عبد الله، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثواني والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيُمرِض من يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ. [الأعراف: 54]. – بلى سبحانه وتعالى.وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وهيهات هيهات...الابتلاء خير ونعمة بشرطوأياً كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، والصبر على البلاء. وفي الحديث الصحيح: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له" [ رواه مسلم ].وما أصدق الشاعر إذ يقول:قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت...........ويبتلي الله بعض القوم بالنعموأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: "فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً". [النساء:1] وقوله: "وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ" .لذا فاعلم يا عبد الله أنه إنَّما ابتلاك الذي أنعم عليك، وأخذ منك الذي أغدق عليك. وليس كل ما تكرهه نفسك فهو مكروه على الحقيقة، ولا كل ما تهواه نفسك فهو نافع محبوب، والله يعلم وأنت لا تعلم.يقول بعض السلف: إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة. وإن نزلت بك ولم تصبر، فقد أُصبت بمصيبتين: فقدان المحبوب، وفقدان الثواب".ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: وَمِنَ الناسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدنيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبِينُ. [الحج: 11 ]... الابتلاء محطة تمحيص وتكفيرالابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحاتّ منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يُثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النَصَب والوَصَب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها. وفي الحديث: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ – وهما المرض والتعب – ولا همٍ ولا حزنٍ ولا غمٍ ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه" [ متفق عليه ].فالأجر ثابت يا عبد الله، على كل ألمٍ نفسي أو حسي يشعر به المؤمن إذا صبر واحتسب. فقد جاء في كتب السنة "أن النبي دخل على أم السائب ، فقال لها: ما لكِ تزفزِفين ؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها. فقال: لا تسبي الحمى فإنها تُذهِب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" [ رواه مسلم ]. إن البلاء يعتري المسلم فيمحو منه – بإذن الله- أدران الذنوب والمعاصي إن كان مذنباً مخطئاً – وكل ابن آدم خطَّاء كما مرَّ معك –.. فإن مع العسر يسراوإن لم يكن كذلك فإن البلاء يرفع درجاته ويبوِّئه أعلى المنازل في الجنة. وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: "قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيت الحمد" [ رواه أحمد وحسنه الألباني ]. ويقول سبحانه في الحديث القدسي: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صَفِيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" [ رواه البخاري ].بل ترفع درجات المؤمن حينما يُبتلى بما هو أقل من ذلك، ففي الحديث أن النبي قال: "ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة" [ رواه مسلم ]... الابتلاء علامة حب ورأفةإن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب – ولله المثل الأعلى – ففي الحديث الصحيح: "إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء،وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [ رواه الترمذي وصححه الألباني ].يقول ابن القيم : "إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة ..." إلى آخر ما قال.ويكفي الخير الذي في البلاء أنه يرفع درجات المؤمن الصابر يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة [ رواه الترمذي وصححه الألباني ]. وختاماً فعلى المؤمن أن يصبر على البلاء مهما اشتد فإن مع العسر يسراً، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.

جزايرس
منذ 10 ساعات
- جزايرس
ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. الإجابةالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد :فإن ما سمعتِه عن ثواب الاستغفار المذكور إذا كان مقصود صاحبه أن الاستغفار، أو غيره من الأقوال، أو الأفعال التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وتستجلب بها الحسنات لا تضاعف، فهو غير صحيح، بل إن ثواب الطاعة، ومن بينها الاستغفار يضاعف عشر مرات، بل إن التضعيف قد يزيد على سبعمائة، أو أكثر من ذلك، إلى ما شاء الله، فقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم، وغيره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، أو أزيد.قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: قوله تعالى: فله عشر أمثالها، أو أزيد معناه: أن التضعيف بعشرة أمثالها لا بُدّ بفضل الله ورحمته، ووعده الذي لا يخلف، والزيادة بعدُ بكثرة التضعيف إلى سبعمائة ضعف، وإلى أضعاف كثيرة يحصل لبعض الناس دون بعض، على حسب مشيئته سبحانه وتعالى. وقال العراقي في طرح التثريب: وفي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عز وجل عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة وهو صريح في أن التضعيف لا يقف على سبعمائة، بل قد يزيد عليها، لمن أراد الله تعالى زيادته له، وهو أحد القولين في قوله تعالى: والله يضاعف لمن يشاء {البقرة: 261} انتهى. الله أعلم


الشروق
منذ 2 أيام
- الشروق
'موعدنا أمام الله للحساب'!
مأساة قلّ أن يعرف تاريخ البشرية لها مثيلا، تلك التي يعيشها ما يقرب من 2 مليون مسلم في سجن كبير موصد في قلب الأمّة، على مرأى ومسمع ما يقرب من 2 مليار مسلم في هذا العالم! وعلى مرمى حجر من 160 مليون مسلم هم جيران فلسطين! المئات من المستضعفين تحوّلوا إلى هياكل عظمية برزت عظامها تحت الجلود اليابسة، ولم تبق فيها إلا أنفاس ضعيفة، والعشرات يموتون يوميا بسبب الجوع.. مئات الأطفال جفّت دموعهم وخارت قواهم وما عادت بهم قوة على البكاء ولا على إظهار الوجع، ورضع تصرخ أجسادهم النحيلة بلا صوت، لا حليب لا طعام، لا دواء! الأمهات نسين ألمهنّ وجوعهنّ، وهنّ يراقبن بكلّ عجز ما حلّ بأبنائهنّ، يَرين الموت أقرب إلى فلذات أكبادهنّ من كسرة خبز يابسة! أمٌّ تمسك بيد طفلها الصغير وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام ناظريها بسبب الجوع، قبل أن تودّعه بدموعها. هو لم يمت برصاصة أو قذيفة بل مات من الجوع، ضمّت جسده إلى حضنها ضمّة الوداع ولسان حالها يعبّر عمّا عجز عنه لسان مقالها: 'إلى الله وحده المشتكى'.. أمّ أخرى ما عاد في عينيها دموع بعد أن سكبت كلّ مخزون مآقيها، تريد أن تبتسم لكنّها لم تستطع، وهي ترى ابنها الذي تحوّل إلى هيكل عظميّ من الجوع، تراه يأخذ قطعة خبز من أحدهم ليأكلها، بعد ثمانية أيام كاملة من مكابدة الجوع.. نظراتها تشي بحيرتها: هل تفرح أم تبكي؟ وإذا كانت الأمّهات يمتن حسرة وهنّ يودّعن أبناءهنّ الذين يسلمون الأرواح إلى بارئها من الجوع، فإنّ الآباء في غزّة يموتون مرّات ومرّات قهرا أنّهم لم يستطيعوا إنقاذ أبنائهم من شبح الموت جوعا.. كم هو مؤلم أن يرى الأب ابنه ينظر إليه بعين كسيرة دامعة يرجو لقمة تسكت عنه ألم الجوع! وكم هو قاسٍ أن يسمع الأب ابنه يترجّاه أن يحضر له قطعة خبز والأب لا يجد حيلة! ثمّ يرى ابنه قد سكت صوتُه وخارت قواه بسبب الجوع. ثمّ ما يلبث أن يرى فلذة كبده ومهجة روحه يلفظ نفسه الأخير ويميل برأسه ميتا بعد أن يودّع والده بنظرة تقطّع القلب! أحد الآباء في غزّة لم يجد ما يطعم به طفلته الرضيعة، فما كان منه إلا أن أخذ يخرج اللعاب من فمه ويضعه في فم ابنته التي أصيبت قبل ذلك في قصف صهيونيّ.. أب آخر خرج في جنح الليل البهيم يسير بين خيام النازحين في غزة، يبحث عن لقمة يسدّ بها جوع طفله، بعدما حوّل الجوع جسده الصغير إلى هيكل عظمي. ينادي بين النّاس علّه يجد من ينجده بلقمة من طعام، ولكن لا فائدة، فالكلّ يصارع الجوع. في غزّة يستيقظ الأب مذعورًا بعد غفوة قصيرة، ليس على صوت القصف، فصوت القصف أمسى مألوفا، بل على أنين أطفاله من شدة الجوع، يتلفّت من حوله، فلا طعام، ولا حليب، ولا حتى كسرة خبز يسكت بها أنينهم.. في غزة: الجوع أصبح أفظع من الحرب، وأصوات الأطفال الجائعة أشدّ وجعا من أصوات الصواريخ.. في غزة، لا شيء أثقل من انتظار لقمة، ولا شيء أوجع من نظرة طفل جائع! تروي إحدى الفاضلات في غزّة قصّة موقف يفتّت الحجر، فتقول: 'ابن اختي عمره 9 سنوات، أتدرون ماذا قال لي؟ قال: ترجّيت أمي أن تعطيني حصتي من الأكل لآخذها لصديق لي يحفظ معي القرآن.. يريد أن يغيث صديقه الذي ينافسه في حفظ القرآن. يقول الطّفل لأمّه: 3 أيام أذهب إلى حلقة القرآن فلا أجد صديقي، وحينما ذهبت إلى خيمة أسرته، وجدت أنّ صديقي مضت عليه 3 أيام لا يستطيع الوقوف من الجوع، لا يستطيع الحفظ ولا التركيز.. بقي لكم أن تعلموا أنّ هذا الطّفل الذي يريد تقديم حصّته من الأكل لصديقه، حصّته ليست نصف دجاجة أو طبق أرز، حصته كلها هي نص رغيف وصحن عدس صغير'. الصهاينة الجبناء أصبحوا يستخدمون المساعدات القليلة التي يسمحون بدخولها مصائد لقتل الأبرياء، حيث يعلنون عن وجود المساعدات في مكان معيّن، وينشرون قنّاصيهم قريبا من المكان، وحين يحضر النّاس مضطرين لأخذ المساعدات، يتولّى القناصة الأنذال قنصهم، وأحيانا تتدخّل الطائرات المسيّرة لقصف الجوعى، فتختَلط دماؤهم الزّكية بأكياس الطّحين! وحدهم المسلمون قعدوا عن النّصرة! المفارقة التي تملأ القلوب كمدا في هذه المأساة، أنّ المنظّمات الدولية الكافرة شهدت بفظاعة وشناعة ما يحدث في غزّة: وكالة الأونروا، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة العفو الدولية، واليونيسف، ومقررة الأممية للأراضي الفلسطينية… كلّها شهدت بمأساة سكّان غزّة وبجرم اليهود الصهاينة، وحتى الشّعوب الحرّة في البلدان الغربية خرجت في مظاهرات مندّدة بما يحصل في غزّة، بل حتّى بعض اليهود في فلسطين خرجوا قبل أيام في مظاهرة يندّدون فيها بتجويع سكّان غزّة! وحدهم المسلمون صمتوا صمت القبور، إلا من رحم الله منهم، بل إنّ كثيرا من المسلمين ما زالوا يستمتعون بالشّهوات طولا وعرضا في الوقت الذي يموت فيه أطفال غزّة جوعا! في الأردن، جارة فلسطين، انطلقت يوم الأربعاء الماضي الدورة الـ39 لمهرجان جرش للثقافة والفنون، تحت شعار 'هنا الأردن، ومجدُه مستمر'، بمشاركة عدد كبير من المغنين والمغنيات! وكأنّ القوم نسوا حديث النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلمّ-: 'ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه و هو يعلم به'، هذا فيمن ينام شبعان وجاره جائع، كيف بمن يبيت راقصا على وقع الألحان، وجاره يموت جائعا إلى جنبه وهو يعلم؟! أمّا في تونس، فقد انطلقت فعاليات الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي، يوم السّبت قبل الماضي.. وأمّا في المغرب، فالمهرجانات تتوالى وتتعاقب، من مهرجان موازين الماجن الذي انتهت فعاليات دورته العشرين يوم 28 جوان الماضي، إلى مهرجان ثويزا الذي افتتحت دورته التاسعة عشر يوم الإثنين الماضي، إلى مهرجان إفران الذي افتتح دورته السابعة يوم الأربعاء من الأسبوع المنصرم! وفي الجزائر: لا تزال فعاليات ليالي الغناء والتمايل في الكازيف متواصلة على وقع أنّات الجوعى في غزّة.. وفي بلاد الحرمين: يبدو أنّ أنّات أطفال غزّة من الجوع لم تصل أسماع أهل الترف والطّرب، ففعاليات الغناء والرقص لا تزال متواصلة في جدّة والعلا والرياض.. في جدّة مثلا، استُقبلت يوم الخميس الماضي فنانة نصرانية رفقة فنان لبنانيّ، وأحييا ليلة غنائية تحوم حول 'الحبّ والغرام' تمايل فيها المتمايلون، في وقت تتلوّى فيه أمعاء المسلمين في غزّة من الجوع! ليس هذا فقط، رئيس هيئة الترفيه في بلاد الحرمين، وفي أيام يموت فيها أطفال غزّة جوعا بعد أن تموت أمهاتهم حسرة وقهرا، يبشّر العالم يوم الخميس الماضي، بأنّ موسم الرياض القادم سيكون الأقوى عالميا، ويبشّر قبله بانطلاق 'مهرجان الرياض للكوميديا' نهاية سبتمبر المقبل! يتمايل المسلمون في بلاد الإسلام طربا، وينفقون أموالهم على الطرب والترف في وقت أصبح فيه الطّعام في غزّة ينافس الذّهب في ارتفاع أسعاره، بسبب الحصار الذي يضربه الصهاينة وأعوانهم من الأعراب، وبسبب جشع السماسرة الذين سهّل الصهاينة دخولهم وعملهم، حتّى إن تكلفة إطعام شخص واحد في غزّة أصبحت 14 دولار، بعد أن كانت 2 دولار قبل عام. يا الله! لو كانت القلوب حيّة! ما أصعب أن يقول أهل غزّة وهم يخاطبون إخوانهم المسلمين: 'موعدنا أمام الله يوم الحساب! نراكم هناك حيث لا تنفع كلمات ولا بيانات. نحن خصومكم أمام الله. رأيتم دماءنا، سمعتم أنيننا، ورأيتم أطفالنا وهم يموتون من الجوع، ومررتم كأنّ شيئا لم يكن. بل إنّ منكم من ظلّ سادرا في لهوه ولعبه ينتقل بين المهرجانات وينفق أمواله في السهرات'! يتبع بإذن الله…