logo
مع التحول الرقمي... كيف تستعد البنية التحتية لاحتضان ذكاء يتعلّم ويتصرّف؟

مع التحول الرقمي... كيف تستعد البنية التحتية لاحتضان ذكاء يتعلّم ويتصرّف؟

الشرق الأوسطمنذ 5 أيام
لم يعد الذكاء الاصطناعي مقتصراً على النماذج الثابتة أو الاستجابات المبرمجة، بل يبرز نموذج جديد يعيد تعريف كيفية تفاعل الآلات مع البيانات والبيئات والبشر. يُعرف هذا التطور باسم «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» (Agentic AI)، وهو يمثّل أنظمة ذكية لا تكتفي بالتحليل، بل تتصرف وتتعلم وتتأقلم مع مرور الوقت.
في المملكة العربية السعودية، حيث يُعد الذكاء الاصطناعي محوراً أساسياً في «رؤية 2030» والتحول الرقمي، فإن تبنّي «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» يحمل أبعاداً استراتيجية عميقة. لكن مع هذه الإمكانيات الجديدة، يظهر تحدٍ جوهري. هل الأنظمة الحالية التي صُممت لمعالجة البيانات المؤقتة كافية؟
عزيز حيدر المدير العام لدى شركة «فاست داتا» في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا (فاست داتا)
تعتمد النماذج التقليدية للذكاء الاصطناعي على التنبؤ أو التصنيف أو التوليد بناءً على مدخلات ثابتة. وهي نماذج لا تحتفظ بالذاكرة وتعتمد على آلية استجابة للطلب، وتعتمد على بنى تحتية مصممة للاستدلال لا للتفاعل. أما «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» فيقدم طبقة جديدة من الاستمرارية والاستقلالية. يقول المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا في شركة «فاست داتا» VAST Data، حيدر عزيز، خلال حديث خاص مع «الشرق الأوسط»، إن «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» لا يكتفي بالاستدلال، بل يتصرف. ويشرح أنه على عكس النماذج التقليدية التي ترد على الطلبات، فإن «الوكلاء» يحتفظون بالذاكرة، ويتعلمون بمرور الوقت ويعملون باستقلالية.
هذا التغير يُسقط فرضيات قديمة حول إمكانية فصل التخزين عن المعالجة أو التعامل مع البيانات على أنها مؤقتة. ويوضح عزيز أن هذه الفرضيات تنهار عندما يتعلّق الأمر بوكلاء يحتاجون إلى التذكر والتفكير والتصرف بشكل مستمر.
جوهر التحدي يكمن في مفهوم «الذاكرة والسياق». فـ«الوكلاء الأذكياء» يحتاجون إلى بيئات غنية بالسياق ودائمة الاتصال. أي تأخير بين وحدة المعالجة والتخزين وسير العمل يمكن أن يعرقل قدرتهم على اتخاذ القرار.
ويشير عزيز إلى أهمية عمل البنية التحتية بوصفها نظاماً موحداً وآمناً وسريع الاستجابة وغنياً بالسياق. ويقول: «لا يمكن تعديل الأنظمة القديمة أو السحابية المصممة للاستدلال السلبي لتلبي هذه المتطلبات».
وبالنسبة إلى المؤسسات السعودية التي تسعى إلى دمج الخدمات الذكية في مجالات؛ مثل: المدن الذكية، أو الخدمات اللوجيستية، أو الرعاية الرقمية، فإن البنية التحتية يجب أن تتحول من دعم «الذكاء» إلى «تمكين الفعل»، حسب وصفه.
يمثّل «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» نقلة نوعية من النماذج السلبية إلى أنظمة تتعلّم وتتصرّف بشكل مستقل (شاترستوك)
لم يعد بالإمكان التعامل مع الذاكرة بوصفها إضافة. إنها اليوم حجر الزاوية. فـ«الوكيل» الذي يعمل في بيئة حقيقية يجب أن يتذكر ويتعلّم ويستجيب في الوقت الفعلي. وهذا يتطلّب بنية تحتية تضع الذاكرة والبيانات في صلب تصميمها. وحسب عزيز، «الآن يتم التعامل مع الذاكرة والبيانات بصفتها مواطنين من الدرجة الأولى، وليست نتائج ثانوية».
وهذا ضروري بشكل خاص في مشاريع المدن الذكية في السعودية، حيث يجب أن يعمل «الوكلاء» في بيئات مختلطة، من الحساسات والأجهزة إلى مراكز البيانات، وكلها تحت مظلة ذاكرة موحدة ومتصلة بالسياق.
«الذكاء الاصطناعي الوكيلي» لا يعمل في عزلة بل يتعامل مع العالم الحقيقي الغني بالبيانات غير المنظمة؛ مثل: النصوص، والفيديو، والصوت، ومستشعرات «إنترنت الأشياء». هذه ليست مجرد بيانات، بل هي البيئة التي يتحرك فيها الوكلاء. يرى عزيز أن «البيانات غير المنظمة ليست مجرد وقود لـ(الذكاء الاصطناعي الوكيلي)، بل هي البيئة التي يجب أن يدركها ويتفاعل معها».
وبالنسبة إلى القطاعات السعودية التي تعتمد على التحليل اللحظي، سواء في الأمن أو الأتمتة الصناعية أو التفاعل مع العملاء، فإن الحاجة باتت ملحّة إلى أنظمة تلغي التعقيد وتقدّم البيانات بالزمن الحقيقي، دون خطوات وسيطة أو تأخير.
إذا أردنا أن تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بوصفها «وكلاء مستقلين»، فإن البنية التحتية يجب أن تتطور من طبقات منفصلة إلى نظام حي ومترابط. وهو نظام يُوحِّد الحوسبة والتخزين والذاكرة والتنظيم بطريقة متناغمة.
يرى عزيز أن البنية التحتية المستقبلية ستتحرك نحو نماذج المنصات الذكية المستمرة، ويقول: «البيانات لن تُخزّن وتُعالج لاحقاً، بل ستُبث ويتم التفكير بها في الوقت الحقيقي... فكر فيها بوصفها نظاماً حياً، لا بصفتها مجموعة طبقات».
يُعد الأمن والحوكمة عنصرين أساسيين لا بد من تضمينهما منذ البداية عند تشغيل «وكلاء ذكاء مستقلين» (شاترستوك)
مع الاستقلالية تأتي الحاجة إلى المساءلة. حين يتخذ «الوكلاء» قرارات في قطاعات؛ مثل: النقل أو الرعاية الصحية أو التمويل، تصبح الحوكمة أمراً جوهرياً. ويحذّر عزيز من أن «الأمن أمر أساسي، ويجب تضمين الحوكمة في مستوى البيانات والتنظيم منذ البداية... لا يمكنك إضافة الثقة لاحقاً». وبالنسبة إلى المملكة التي تستثمر في سيادة البيانات والثقة الرقمية، يُعدّ إنشاء بنية تحتية مبنية على أسس الامتثال والمراجعة والتصريح أولوية.
يتردد الكثير من المؤسسات في تبني هذا التحول خوفاً من فقدان استثماراتها في الأنظمة القديمة. لكن عزيز يطمئن: «لسنا بصدد مطالبة المؤسسات بهدم أنظمتها، بل يمكن الاحتفاظ بالتطبيقات وسير العمل ومصادر البيانات، وإضافة طبقة ذكية فوقها». هذا النهج التدريجي يُتيح للمؤسسات السعودية تطوير بنيتها التحتية دون تعطيل أعمالها اليومية، مع تحقيق قيمة مضافة فورية من قدرات «الذكاء الاصطناعي الوكيلي».
الكثير من المؤسسات لا تزال عالقة في مرحلة التجريب. والسبب غالباً هو غياب البنية التحتية الملائمة أو الخوف من القفز في المجهول. لكن عزيز يضع خريطة طريق واقعية، قائلاً: «ابدأ بحالة استخدام تمزج بين الإدراك واتخاذ القرار، مثل الدعم الفني المؤتمت أو التوجيه الذكي في سلاسل التوريد... ولا تنظر إلى البنية التحتية والذكاء الاصطناعي بوصفهما مسارَيْن منفصلَيْن».
«الذكاء الاصطناعي الوكيلي» ليس مشروعاً فردياً بل منظومة متكاملة من النماذج والأدوات ومنصات التشغيل التي يجب أن تتكامل معاً. ويصف عزيز المشهد الحالي: «إنه مثل أوركسترا... سيمفونية من الأدوات والطبقات التي يجب أن تعمل بانسجام».
والمملكة العربية السعودية، بتسارع نموها في الاقتصاد الرقمي، قادرة على لعب دور ريادي في هذا التحول من خلال دعم معايير مفتوحة وتكامل المنصات.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرياض تعتمد ضوابط عمرانية جديدة تُلزم باكتمال البنية التحتية قبل البناء
الرياض تعتمد ضوابط عمرانية جديدة تُلزم باكتمال البنية التحتية قبل البناء

العربية

timeمنذ 8 دقائق

  • العربية

الرياض تعتمد ضوابط عمرانية جديدة تُلزم باكتمال البنية التحتية قبل البناء

أقرت أمانة منطقة الرياض، بالتعاون مع وزارة البلديات والإسكان، حزمة من الضوابط والاشتراطات الجديدة لاعتماد المخططات العمرانية في العاصمة، والتي تلزم المكاتب الهندسية والمطورين العقاريين باستيفاء كامل عناصر البنية التحتية والمجال العام قبل الشروع في أعمال البناء، وذلك في خطوة استراتيجية تعكس تحولًا جذريًا في منهجية التخطيط العمراني، وترسخ أسس الاستدامة وجودة الحياة في المدينة. وتشمل الاشتراطات الجديدة تنفيذ أعمال السفلتة والرصف، وإنارة الشوارع، وتمديد شبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والهاتف، إلى جانب استكمال شبكات تصريف السيول، وإنشاء الحدائق، وأعمال التشجير، وتوفير عناصر المجال العام مثل الفراغات المفتوحة، ولوحات تسمية الشوارع، وتخطيط الطرق، وتوفير الأثاث الحضري لتحسين الأماكن العامة، وذلك وفق الأدلة الفنية المعتمدة لدى الأمانة. ويأتي هذا التوجه ضمن جهود أمانة منطقة الرياض لتعزيز الاستباقية في التنمية الحضرية، وتفادي التحديات المتكررة التي كانت تعاني منها النماذج السابقة، ومن أبرزها الحفر المتكرر في الشوارع بعد البناء، والتأخر في إيصال الخدمات، وعدم اكتمال عناصر البيئة الحضرية في مراحلها الأولى. ومن شأن هذه الضوابط أن تسهم في رفع جودة المخططات الجديدة، وتأسيس أحياء متكاملة تلبّي احتياجات السكان، وتعزز من كفاءة استخدام الأراضي، وتدعم زيادة المسطحات الخضراء، ومسارات المشاة والدراجات، ما يُواكب أهداف الأمانة في أنسنة المدينة وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، ويدعم مكانة العاصمة كمدينة حديثة، مرنة، ومستدامة.

«كيان السعودية للبتروكيماويات» تسجل خسائر بقيمة 132 مليون دولار في الربع الثاني
«كيان السعودية للبتروكيماويات» تسجل خسائر بقيمة 132 مليون دولار في الربع الثاني

الشرق الأوسط

timeمنذ 8 دقائق

  • الشرق الأوسط

«كيان السعودية للبتروكيماويات» تسجل خسائر بقيمة 132 مليون دولار في الربع الثاني

ارتفعت خسائر شركة «كيان السعودية للبتروكيماويات» 98.4 في المائة إلى 496 مليون ريال (132.2 مليون دولار)، في الربع الثاني من العام الحالي، بعدما كانت 250 مليون ريال (66.6 مليون دولار) خلال الربع نفسه من العام الماضي. ووفق إعلان الشركة إلى السوق المالية السعودية، الاثنين، فإن صافي الخسارة جاء مدفوعاً بانخفاض متوسط أسعار بيع المنتجات، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة بعض مُدخلات الإنتاج. أما إجمالي الإيرادات فقد ارتفع بنحو 6 في المائة إلى 2.2 مليار ريال (586.6 مليون دولار)، مقابل 2.1 مليار ريال (560 مليون دولار)، خلال الفترة نفسها على أساس سنوي، وذلك بسبب ارتفاع الكميات المبيعة، على الرغم من انخفاض متوسط أسعار بيع المنتجات. وخلال النصف الأول من عام 2025، سجل صافي الخسارة زيادة نسبتها 54.7 في المائة إلى 1.2 مليار ريال (320 مليون دولار)، مقابل خسارة قدرها 821 مليون ريال (219 مليون دولار) في النصف نفسه من 2024.

"أسمنت العربية" توزع 50 مليون ريال أرباحًا عن النصف الأول
"أسمنت العربية" توزع 50 مليون ريال أرباحًا عن النصف الأول

العربية

timeمنذ 8 دقائق

  • العربية

"أسمنت العربية" توزع 50 مليون ريال أرباحًا عن النصف الأول

قرر مجلس إدارة"شركة الأسمنت العربية"(أسمنت العربية) بتاريخ 27 يوليو 2025 توزيع أرباح نقدية بقيمة 50 مليون ريال على المساهمين عن النصف الأول من عام 2025م. وأوضحت الشركة في بيان على "تداول السعودية" اليوم الاثنين، أن عدد الأسهم المستحقة للأرباح 100 مليون سهم، وحصة السهم من التوزيع 0.5 ريال، تعادل نسبة 5% من القيمة الاسمية للسهم. وحددت "أسمنت العربية" تاريخ الأحقية في التوزيعات ليوافق يوم 29 يوليو الحالي وتاريخ التوزيع يوم 14 أغسطس المقبل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store