نشر في الرياض يوم 03 - 05
الأكاذيب والمقالب قديمة، ويعود تاريخها لمئات الأعوام، والفكرة بدأت مع كذبة أبريل، وتاريخها يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، عندما تم التحول من التقويم اليوليالي المنسوب ليوليوس قيصر، إلى التقويم الغريغوري أو الميلادي، الذي بدأه بابا الكنسية الكاثوليكية غريغوري الثالث، وكان العام في التقويم الأول يبدأ بأبريل، وفي الثاني يكون في يناير، وأشخاص كثيرون لم يعرفوا بهذا التغير، واستمروا يحتفلون بالعام الجديد في الأول من أبريل، والتقليد عمره تجاوز ال500 عام، وركز في بداياته على السخرية ممن لم يسمعوا بتغير التقويم، ومن ثم أصبح يوماً عالمياً للكذب بلا قيود.
هذه الكذبات والمقالب في بداية أبريل، تحولت للإعلام والإنترنت بمجرد ظهورهما، وكلاهما قام بنشر أخبار ومقاطع فيديو لخداع جمهوره، والعرب لهم نسخة خاصة بهم في شهر آخر، وفق التقويم الهجري أو القمري، الذي تم اعتمادة لأول مرة كتقويم رسمي، في زمن الخليقة عمر بن الخطاب، أو في العام السابع عشر للهجرة، واعتبر شهر المحرم بداية له، لأنه الشهر التالي لموسم الحج، ولأن هلاله أول هلال ولد بعد بيعة العقبة، وأسماء الأشهر الهجرية اتفق عليها العرب منذ زمن، وتحديداً قبل 150 عاما من الهجرة النبوية، ويمكن وصف رمضان بأنه موسم الأكاذيب والمقالب مجازاً، ولعله يقدم النسخة العربية لكذبة أبريل، والاختلاف يبدو في عدم قصرها على يوم واحد، واستمرارها مفعلة لشهر كامل.
بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن أول كذبة أبريلية مسجلة، كانت في 1698، وجاءت على شكل خبر، يفيد بأن الأسود سيتم غسلها في برج لندن ، وقد صدقه الناس، لوجود حديقة حيوانات في محيط البرج، وحضروا لمشاهدة ما سيحدث، ولكنهم لم يجدوا شيئاً، وفكرة المقالب التلفزيونية، القائمة على الكذب والسخرية، لم تبدأ إلا في أميركا عام 1967، ومن ثم انتقلت إلى المنطقة العربية عام 1983، وكان عرابها الرمضاني الأول الفنان العربي الكبير فؤاد المهندس، وأبطالها من الناس العاديين في الشارع، وقدمت أفكار مقبولة ومحايدة، لم تنتقص من أحد، أو تعتمد على المشاهير كضحايا، مثلما هو الحال في البرامج الحالية، الموجودة في غالبية الدول العربية.
هذه النوعية الجديدة من برامج المقالب والكذب التلفزيوني ميزانياتها عالية، ومعدلات المشاهدة والإعلان فيها مرتفعة، ومعظم مشاهديها من الأطفال والمراهقين، وبعضهم يطبق ما يشاهده على عائلته وأصحابه، والأخطر وصول السادية والواقعية فيها إلى حدود لا يمكن تصورها، وهو ما دفع بعض ضيوفها لرفع قضايا عليها، فقد تسبب في إصابات وكسور لمشاهير، وفي مهاجمة لبؤة لممثلة لبنانية اسمها دومنيك حوراني عام 2016، نتيجة لفقد مروضها السيطرة عليها، ومن أدلة العبثية والتصرفات العشوائية فيها، برنامج مقالب تونسي، قدم في 2021، اسمه أنجلينا 19، وهذا البرنامج طالبت منظمة الصحة العالمية بإيقافه، لاستخدمه شعارها بدون ترخيص، ولأنه يستخف بالجهود الدولية لمواجهة أزمة كورونا، في تلك الأيام، وفيه إساءة لعمل المنظمات الأممية، والبرنامج قام بدعوة شخصيات عامة لإجراء مقابلة تلفزيونية، وتقوم ممثلة شبيهة بالنجمة الهوليودية أنجلينا جولي، بالحضور إلى الأستديو، واقتراح أخذ لقاح كورونا على من تمت استضافتهم، والنجمة معروفة بأنها مبعوثة للأمم المتحدة ، وعندما يأخذ مقدم البرنامج اللقاح، يتظاهر بحدوث أعراض خطيرة عليه لإخافة الضيف، والسابق قد يترك هواجس غير مريحة حول اللقاح، والمعنى أن رد فعل منظمة الصحة العالمية، كانت منطقية بالنظر لسياقها وتوقيتها.
الفيلسوف والمفكر الإغريقي أفلاطون، صاحب المدينة الفاضلة، يعتقد أن الفارق بين المقالب الجيدة والمؤذية، يظهر في تركيز الأولى على الضحك مع الآخر، وهذه إيجابية ولا يوجد فيها مشاكل، بينما تهتم الثانية بالضحك عليه، وتنطوي على إحراجه وامتهان كرامته، وتأثيرها صعب وإن لم يصرح به، وهو تصرف لا تبرره الكوميديا، ويعتقد المختصون في علم الجريمة أن صدمة المقلب انتقلت من سلاح يستخدم في الحروب، إلى عملة اجتماعية يستغلها الناس للإحساس بالتفوق، وليس ضد أعدائهم، وإنما على ضحايا يأتون بهم، ولصالح جمهور يشاهدهم على التلفزيون، أو في منصات السوشال ميديا، أو في المواقع والتطبيقات الإعلامية.
أبو التحليل النفسي، النمساوي سيغموند فرويد، يرى أنه كلما زاد تحضر المجتمعات، ارتفعت العدوانية الموجودة بداخلها، وزادت حاجتها إلى تفريغها عن طريق السخرية والمقالب، وبشكل متطرف وشاذ، ولا تكون نهاياته سعيدة في الغالب، والشاهد ما حدث للأميركية موناليزا بيريز، التي اتفقت مع شريكها على ترتيب مقلب على قناتهم في يوتيوب، عام 2017، هدفه الأول الدخول في مغامرة جريئة، ومعه الحصول على مشاهدات مليونية، وذلك بإطلاق النار على كتاب سميك قبالة صدره، ومن مسافة 30 سنتمتراً، بافتراض أنه سيحميه من الرصاص، واستخدمت في المقلب مسدس من نوع كاليبار عيار خمسين المعروف ب(ديزرت إيغل)، والطلقة بطبيعة الحال، اخترقت الكتاب وقتلت الرجل، وتمت إدانتها والحكم عليها من قبل محكمة مينسوتا الجنائية، وانتهت المزحة بمأساة.. فانتبهوا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الرياض
انتبهوا
الفيلسوف والمفكر الإغريقي أفلاطون، صاحب المدينة الفاضلة، يعتقد أن الفارق بين المقالب الجيدة والمؤذية يظهر في تركيز الأولى على الضحك مع الآخر، وهذه إيجابية ولا يوجد فيها مشاكل، بينما تهتم الثانية بالضحك عليه، وتنطوي على إحراجه وامتهان كرامته، وتأثيرها صعب وإن لم يصرح به، وهو تصرف لا تبرره الكوميديا.. الأكاذيب والمقالب قديمة، ويعود تاريخها لمئات الأعوام، والفكرة بدأت مع كذبة أبريل، وتاريخها يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، عندما تم التحول من التقويم اليوليالي المنسوب ليوليوس قيصر، إلى التقويم الغريغوري أو الميلادي، الذي بدأه بابا الكنسية الكاثوليكية غريغوري الثالث، وكان العام في التقويم الأول يبدأ بأبريل، وفي الثاني يكون في يناير، وأشخاص كثيرون لم يعرفوا بهذا التغير، واستمروا يحتفلون بالعام الجديد في الأول من أبريل، والتقليد عمره تجاوز الـ500 عام، وركز في بداياته على السخرية ممن لم يسمعوا بتغير التقويم، ومن ثم أصبح يوماً عالمياً للكذب بلا قيود. هذه الكذبات والمقالب في بداية أبريل، تحولت للإعلام والإنترنت بمجرد ظهورهما، وكلاهما قام بنشر أخبار ومقاطع فيديو لخداع جمهوره، والعرب لهم نسخة خاصة بهم في شهر آخر، وفق التقويم الهجري أو القمري، الذي تم اعتمادة لأول مرة كتقويم رسمي، في زمن الخليقة عمر بن الخطاب، أو في العام السابع عشر للهجرة، واعتبر شهر المحرم بداية له، لأنه الشهر التالي لموسم الحج، ولأن هلاله أول هلال ولد بعد بيعة العقبة، وأسماء الأشهر الهجرية اتفق عليها العرب منذ زمن، وتحديداً قبل 150 عاما من الهجرة النبوية، ويمكن وصف رمضان بأنه موسم الأكاذيب والمقالب مجازاً، ولعله يقدم النسخة العربية لكذبة أبريل، والاختلاف يبدو في عدم قصرها على يوم واحد، واستمرارها مفعلة لشهر كامل. بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن أول كذبة أبريلية مسجلة، كانت في 1698، وجاءت على شكل خبر، يفيد بأن الأسود سيتم غسلها في برج لندن، وقد صدقه الناس، لوجود حديقة حيوانات في محيط البرج، وحضروا لمشاهدة ما سيحدث، ولكنهم لم يجدوا شيئاً، وفكرة المقالب التلفزيونية، القائمة على الكذب والسخرية، لم تبدأ إلا في أميركا عام 1967، ومن ثم انتقلت إلى المنطقة العربية عام 1983، وكان عرابها الرمضاني الأول الفنان العربي الكبير فؤاد المهندس، وأبطالها من الناس العاديين في الشارع، وقدمت أفكار مقبولة ومحايدة، لم تنتقص من أحد، أو تعتمد على المشاهير كضحايا، مثلما هو الحال في البرامج الحالية، الموجودة في غالبية الدول العربية. هذه النوعية الجديدة من برامج المقالب والكذب التلفزيوني ميزانياتها عالية، ومعدلات المشاهدة والإعلان فيها مرتفعة، ومعظم مشاهديها من الأطفال والمراهقين، وبعضهم يطبق ما يشاهده على عائلته وأصحابه، والأخطر وصول السادية والواقعية فيها إلى حدود لا يمكن تصورها، وهو ما دفع بعض ضيوفها لرفع قضايا عليها، فقد تسبب في إصابات وكسور لمشاهير، وفي مهاجمة لبؤة لممثلة لبنانية اسمها دومنيك حوراني عام 2016، نتيجة لفقد مروضها السيطرة عليها، ومن أدلة العبثية والتصرفات العشوائية فيها، برنامج مقالب تونسي، قدم في 2021، اسمه أنجلينا 19، وهذا البرنامج طالبت منظمة الصحة العالمية بإيقافه، لاستخدمه شعارها بدون ترخيص، ولأنه يستخف بالجهود الدولية لمواجهة أزمة كورونا، في تلك الأيام، وفيه إساءة لعمل المنظمات الأممية، والبرنامج قام بدعوة شخصيات عامة لإجراء مقابلة تلفزيونية، وتقوم ممثلة شبيهة بالنجمة الهوليودية أنجلينا جولي، بالحضور إلى الأستديو، واقتراح أخذ لقاح كورونا على من تمت استضافتهم، والنجمة معروفة بأنها مبعوثة للأمم المتحدة، وعندما يأخذ مقدم البرنامج اللقاح، يتظاهر بحدوث أعراض خطيرة عليه لإخافة الضيف، والسابق قد يترك هواجس غير مريحة حول اللقاح، والمعنى أن رد فعل منظمة الصحة العالمية، كانت منطقية بالنظر لسياقها وتوقيتها. الفيلسوف والمفكر الإغريقي أفلاطون، صاحب المدينة الفاضلة، يعتقد أن الفارق بين المقالب الجيدة والمؤذية، يظهر في تركيز الأولى على الضحك مع الآخر، وهذه إيجابية ولا يوجد فيها مشاكل، بينما تهتم الثانية بالضحك عليه، وتنطوي على إحراجه وامتهان كرامته، وتأثيرها صعب وإن لم يصرح به، وهو تصرف لا تبرره الكوميديا، ويعتقد المختصون في علم الجريمة أن صدمة المقلب انتقلت من سلاح يستخدم في الحروب، إلى عملة اجتماعية يستغلها الناس للإحساس بالتفوق، وليس ضد أعدائهم، وإنما على ضحايا يأتون بهم، ولصالح جمهور يشاهدهم على التلفزيون، أو في منصات السوشال ميديا، أو في المواقع والتطبيقات الإعلامية. أبو التحليل النفسي، النمساوي سيغموند فرويد، يرى أنه كلما زاد تحضر المجتمعات، ارتفعت العدوانية الموجودة بداخلها، وزادت حاجتها إلى تفريغها عن طريق السخرية والمقالب، وبشكل متطرف وشاذ، ولا تكون نهاياته سعيدة في الغالب، والشاهد ما حدث للأميركية موناليزا بيريز، التي اتفقت مع شريكها على ترتيب مقلب على قناتهم في يوتيوب، عام 2017، هدفه الأول الدخول في مغامرة جريئة، ومعه الحصول على مشاهدات مليونية، وذلك بإطلاق النار على كتاب سميك قبالة صدره، ومن مسافة 30 سنتمتراً، بافتراض أنه سيحميه من الرصاص، واستخدمت في المقلب مسدس من نوع كاليبار عيار خمسين المعروف بـ(ديزرت إيغل)، والطلقة بطبيعة الحال، اخترقت الكتاب وقتلت الرجل، وتمت إدانتها والحكم عليها من قبل محكمة مينسوتا الجنائية، وانتهت المزحة بمأساة.. فانتبهوا.

سعورس
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- سعورس
نشر في الرياض يوم 03 - 05
الأكاذيب والمقالب قديمة، ويعود تاريخها لمئات الأعوام، والفكرة بدأت مع كذبة أبريل، وتاريخها يعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، عندما تم التحول من التقويم اليوليالي المنسوب ليوليوس قيصر، إلى التقويم الغريغوري أو الميلادي، الذي بدأه بابا الكنسية الكاثوليكية غريغوري الثالث، وكان العام في التقويم الأول يبدأ بأبريل، وفي الثاني يكون في يناير، وأشخاص كثيرون لم يعرفوا بهذا التغير، واستمروا يحتفلون بالعام الجديد في الأول من أبريل، والتقليد عمره تجاوز ال500 عام، وركز في بداياته على السخرية ممن لم يسمعوا بتغير التقويم، ومن ثم أصبح يوماً عالمياً للكذب بلا قيود. هذه الكذبات والمقالب في بداية أبريل، تحولت للإعلام والإنترنت بمجرد ظهورهما، وكلاهما قام بنشر أخبار ومقاطع فيديو لخداع جمهوره، والعرب لهم نسخة خاصة بهم في شهر آخر، وفق التقويم الهجري أو القمري، الذي تم اعتمادة لأول مرة كتقويم رسمي، في زمن الخليقة عمر بن الخطاب، أو في العام السابع عشر للهجرة، واعتبر شهر المحرم بداية له، لأنه الشهر التالي لموسم الحج، ولأن هلاله أول هلال ولد بعد بيعة العقبة، وأسماء الأشهر الهجرية اتفق عليها العرب منذ زمن، وتحديداً قبل 150 عاما من الهجرة النبوية، ويمكن وصف رمضان بأنه موسم الأكاذيب والمقالب مجازاً، ولعله يقدم النسخة العربية لكذبة أبريل، والاختلاف يبدو في عدم قصرها على يوم واحد، واستمرارها مفعلة لشهر كامل. بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن أول كذبة أبريلية مسجلة، كانت في 1698، وجاءت على شكل خبر، يفيد بأن الأسود سيتم غسلها في برج لندن ، وقد صدقه الناس، لوجود حديقة حيوانات في محيط البرج، وحضروا لمشاهدة ما سيحدث، ولكنهم لم يجدوا شيئاً، وفكرة المقالب التلفزيونية، القائمة على الكذب والسخرية، لم تبدأ إلا في أميركا عام 1967، ومن ثم انتقلت إلى المنطقة العربية عام 1983، وكان عرابها الرمضاني الأول الفنان العربي الكبير فؤاد المهندس، وأبطالها من الناس العاديين في الشارع، وقدمت أفكار مقبولة ومحايدة، لم تنتقص من أحد، أو تعتمد على المشاهير كضحايا، مثلما هو الحال في البرامج الحالية، الموجودة في غالبية الدول العربية. هذه النوعية الجديدة من برامج المقالب والكذب التلفزيوني ميزانياتها عالية، ومعدلات المشاهدة والإعلان فيها مرتفعة، ومعظم مشاهديها من الأطفال والمراهقين، وبعضهم يطبق ما يشاهده على عائلته وأصحابه، والأخطر وصول السادية والواقعية فيها إلى حدود لا يمكن تصورها، وهو ما دفع بعض ضيوفها لرفع قضايا عليها، فقد تسبب في إصابات وكسور لمشاهير، وفي مهاجمة لبؤة لممثلة لبنانية اسمها دومنيك حوراني عام 2016، نتيجة لفقد مروضها السيطرة عليها، ومن أدلة العبثية والتصرفات العشوائية فيها، برنامج مقالب تونسي، قدم في 2021، اسمه أنجلينا 19، وهذا البرنامج طالبت منظمة الصحة العالمية بإيقافه، لاستخدمه شعارها بدون ترخيص، ولأنه يستخف بالجهود الدولية لمواجهة أزمة كورونا، في تلك الأيام، وفيه إساءة لعمل المنظمات الأممية، والبرنامج قام بدعوة شخصيات عامة لإجراء مقابلة تلفزيونية، وتقوم ممثلة شبيهة بالنجمة الهوليودية أنجلينا جولي، بالحضور إلى الأستديو، واقتراح أخذ لقاح كورونا على من تمت استضافتهم، والنجمة معروفة بأنها مبعوثة للأمم المتحدة ، وعندما يأخذ مقدم البرنامج اللقاح، يتظاهر بحدوث أعراض خطيرة عليه لإخافة الضيف، والسابق قد يترك هواجس غير مريحة حول اللقاح، والمعنى أن رد فعل منظمة الصحة العالمية، كانت منطقية بالنظر لسياقها وتوقيتها. الفيلسوف والمفكر الإغريقي أفلاطون، صاحب المدينة الفاضلة، يعتقد أن الفارق بين المقالب الجيدة والمؤذية، يظهر في تركيز الأولى على الضحك مع الآخر، وهذه إيجابية ولا يوجد فيها مشاكل، بينما تهتم الثانية بالضحك عليه، وتنطوي على إحراجه وامتهان كرامته، وتأثيرها صعب وإن لم يصرح به، وهو تصرف لا تبرره الكوميديا، ويعتقد المختصون في علم الجريمة أن صدمة المقلب انتقلت من سلاح يستخدم في الحروب، إلى عملة اجتماعية يستغلها الناس للإحساس بالتفوق، وليس ضد أعدائهم، وإنما على ضحايا يأتون بهم، ولصالح جمهور يشاهدهم على التلفزيون، أو في منصات السوشال ميديا، أو في المواقع والتطبيقات الإعلامية. أبو التحليل النفسي، النمساوي سيغموند فرويد، يرى أنه كلما زاد تحضر المجتمعات، ارتفعت العدوانية الموجودة بداخلها، وزادت حاجتها إلى تفريغها عن طريق السخرية والمقالب، وبشكل متطرف وشاذ، ولا تكون نهاياته سعيدة في الغالب، والشاهد ما حدث للأميركية موناليزا بيريز، التي اتفقت مع شريكها على ترتيب مقلب على قناتهم في يوتيوب، عام 2017، هدفه الأول الدخول في مغامرة جريئة، ومعه الحصول على مشاهدات مليونية، وذلك بإطلاق النار على كتاب سميك قبالة صدره، ومن مسافة 30 سنتمتراً، بافتراض أنه سيحميه من الرصاص، واستخدمت في المقلب مسدس من نوع كاليبار عيار خمسين المعروف ب(ديزرت إيغل)، والطلقة بطبيعة الحال، اخترقت الكتاب وقتلت الرجل، وتمت إدانتها والحكم عليها من قبل محكمة مينسوتا الجنائية، وانتهت المزحة بمأساة.. فانتبهوا.


الشرق الأوسط
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
«موت مدوٍّ يسمعه العالم»... حكاية الصحافية فاطمة حسونة التي وثقت الحياة في غزة حتى لحظاتها الأخيرة
قبل أن تُقتل بغارة جوية إسرائيلية، كتبت الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة على وسائل التواصل الاجتماعي: «إذا مت، أريد موتًا مدوّياً... أريد أثراً يبقى على مدى العصور، وصوراً خالدة لا تدفنها لا الأرض ولا الزمن وكأنها كانت تكتب وصيتها للعالم». فاطمة، البالغة من العمر 25 عاماً، لم تكن مجرد مصورة صحافية في غزة؛ بل كانت شاهداً على الموت والحياة، الدمار والأمل، وسط حرب لا تنتهي. وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست». في أواخر عام 2023، ومع تجدد العدوان الإسرائيلي على القطاع، بدأت بتوثيق يوميات الحرب بكل تناقضاتها: النزوح، فقدان الأحبة، فرحة العيد، الهدوء القصير خلال الهدن. ورغم كل ما أحاطها من خطر، لم تفقد فاطمة شغفها بالحياة والمستقبل. كانت مخطوبة، وتستعد لحفل زفافها في الصيف. كما تلقت قبل وفاتها بيوم واحد فقط، خبراً باختيار فيلم وثائقي عن تجربتها للمشاركة في مهرجان «آسيد كان» السينمائي في فرنسا. لكن الحلم انطفأ سريعاً. في اليوم التالي، قُتلت فاطمة مع أفراد من عائلتها في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلهم في مدينة غزة، وفقاً للجنة حماية الصحافيين، التي أضافت أن المجتمع الدولي فشل في حماية الصحافيين الفلسطينيين، ما أدى إلى تدمير الجسم الصحافي في غزة. برر الجيش الإسرائيلي الضربة بأنها استهدفت عنصراً من كتائب «حماس»، مدعياً اتخاذ خطوات لتقليل خطر إصابة المدنيين. لكن هذه الخطوات لم تحمِ فاطمة، ولم تحمِ العشرات من الصحافيين الفلسطينيين الذين قتلوا في الحرب، والذين تجاوز عددهم 176 وفقاً للجنة حماية الصحافيين، ما يجعل هذا الصراع الأكثر دموية للصحافيين منذ بدء تسجيل البيانات عام 1992. المخرجة الإيرانية - الفرنسية سپيده فارسي، التي أخرجت الفيلم الوثائقي عن فاطمة بعنوان «ضع روحك على يدك وسِر»، وصفتها بأنها كانت «صديقة، أخت، فنانة موهوبة، ومصورة بارعة»، وأضافت أن فاطمة كانت مدركة لخطورة الموقف، وقالت لها ذات مرة: «هذه المرة مختلفة... إنه مستوى آخر من الحرب». كان لفاطمة حضور لافت، حتى في وجه المأساة. نشرت صوراً توثق حياة الناس، وشاركت حكايات عن أصدقائها الذين فقدتهم، كصديقتها المصممة محاسن الخطيب، التي قُتلت أيضاً بغارة. كانت تخشى المصير نفسه، لكنها لم تتوقف عن التصوير، عن توثيق الحياة، عن مقاومة الموت بالضوء والعدسة. نعى مهرجان «آسيد كان» فاطمة بكلمات مؤثرة، قائلاً: «كانت ابتسامتها ساحرة بقدر عزيمتها: توثق، وتصوّر، وتوزع الطعام رغم القصف والحزن والجوع». ورغم معرفتها بصعوبة مغادرة غزة لحضور العرض العالمي لفيلمها، قالت للمخرجة فارسي: « سأذهب، بشرط أن أعود... غزتي بحاجة إليّ». اليوم، لم تعد فاطمة. لكن صوتها لم يُغيّب. صورها، كلماتها، قصتها، كلها تصرخ في وجه الصمت الدولي. أرادت أن يكون موتها مسموعاً، وقد كان. فربما، في ختام هذا الحزن، تولد حياة من عدستها، تظل تصرخ: «غزتي بحاجة إلينا جميعاً».