
15 ألف جزائري مهدّدون بتعليق معاشاتهم من فرنسا
الإجراءات المطبّقة على الجزائريين أقل مرونة مقارنة بالدول الأخرى
استدعاء 50 ألف متقاعد جزائري هذا العام للتحقّق من حياتهم
تتجّه السلطات الفرنسية، خلال العام الجاري 2025، إلى تعليق معاشات 15 ألف متقاعد جزائري يتلقون هذه الأموال من صناديق هذا البلد الأوروبي، في حين أن 50 ألف منهم سيكونون معنيين باستدعاء التحقّق من الحياة عبر إجراءات مختلفة، و60 ألفا كل عام وعلى مدار السنوات الخمس المقبلة.
في هذا السياق، ورد في تقرير لمجلس المحاسبة الفرنسي حول المالية والحسابات العامة والضمان الاجتماعي، يتعلق بتطبيق قوانين تمويل الضمان الاجتماعي، صدر في 26 ماي 2025، اطلعت 'الشروق' على نسخة منه، أن صناديق التقاعد الفرنسية واعتبارا من 2024/2025، شرعت في تنفيذ خطط لتعزيز عمليات الرقابة الميدانية والمستندية (التي تقوم على الوثائق)، في الجزائر والمغرب وتركيا وتونس.
وحسب الوثيقة ذاتها، سيتم استدعاء 50 ألف متقاعد جزائري في العام 2025 للتحقّق من أنهم فعلا ما زالوا على قيد الحياة، على أن يرتفع العدد إلى 60 ألفا بداية من 2026، مشيرة إلى أن الصناديق الفرنسية تعتزم استدعاء كافة المتقاعدين الجزائريين المتواجدين على أرض الوطن في غضون 6 سنوات بمعدل 60 ألف عملية في العام.
ورغم أن الكشف عن حالات التحايل أظهر نسبا أعلى في كل من المغرب وإيطاليا مقارنة بالجزائر، إلا أن السلطات الفرنسية أظهرت تعاملا من نوع خاص فيما يتعلق بالجزائريين، أقل مرونة قياسا بالدول الأخرى التي لها أعدادا كبيرة من المتقاعدين يتلقون معاشات من الصناديق الفرنسية.
وفي هذا الإطار، ورد في التقرير أن المغرب معني فقط باستدعاء 8 آلاف متقاعد سنويا و800 في تركيا وألفين في تونس، للتحقّق من حياتهم.
وشدّد التقرير على أنه يتوقع تعليق صب معاشات 15 ألف متقاعد جزائري في العام الجاري، من الذين لم يخضعوا لمختلف إجراءات الرقابة المستندية عبر الوثائق والعينية (البنوك والقنصليات الفرنسية)، من مجمل 17 ألف متقاعد مقيم في الخارج يتوقع تعليق معاشاتهم الفرنسية.
ويقدّر مجلس المحاسبة الفرنسي، أن حجم الأخطاء أو حالات الغش المرتبطة بمعاشات المتقاعدين الجزائريين المقيمين في الجزائر يتراوح بين 38 و80 مليون يورو، حيث استند في تقديره إلى نتائج عمليات مراقبة ميدانية تتطلب الحضور الشخصي للمتقاعدين، والتي كشفت أن 44 بالمائة من الوفيات لم يتم التصريح بها لدى الصندوق الوطني الفرنسي للتقاعد ضمن عينة تمثل 10 بالمائة من فئة عمرية معينة، وبتطبيق هذا المعدل على جميع الفئات العمرية، قدّرت الخسائر بحوالي 38 مليون يورو.
وفي سيناريو أكثر تشدّدا، افترضت المحكمة أن جميع المتقاعدين الذين لم يستجيبوا للاستدعاءات قد توفوا من دون التصريح بذلك، ما يرفع التقدير الإجمالي للخسائر إلى 80 مليون يورو.
وتحدّث التقرير عن إجراءات باشرتها صناديق التقاعد الفرنسية لتكثيف عمليات الرقابة الميدانية والمستندية (الوثائق) في عدد من الدول، تشمل الجزائر والمغرب وتركيا وتونس، مع اعتماد آلية مشاركة النتائج بين مختلف الأنظمة، وتعليق تلقائي للمعاشات عبر أنظمة المعلومات في حال عدم استجابة المتقاعد للرقابة.
هذا التحوّل الرقمي في تنفيذ العقوبات، يؤكد تقرير مجلس المحاسبة الفرنسي، وخاصة التعليق الآلي للمعاشات، سيفتح الباب أمام ارتفاع كبير في عدد الشكاوى والتظلمات، ما قد يؤدي إلى إرباك القنوات الإدارية الحالية، خصوصا في فروع مثل Carsat، حيث لا يزال عدد من الموظفين غير ملمين بهذه الإجراءات الجديدة.
كما أن إجراءات إعادة فتح الحقوق للمتقاعدين بعد تعليق معاشاتهم لم تحدّد بعد، وفق التقرير، خصوصا أن الصناديق تؤكد أنه لا يمكن استئناف الدفع إلا بعد خضوع المعنيين لرقابة ميدانية جديدة، لكن لا يوجد حتى الآن أي بروتوكول أو نظام معلوماتي يضمن إعادة استدعائهم، مما يجعل العملية عرضة للتقديرات الفردية والتأخير غير المبرر.
وتضمن التقرير اعترافا صريحا بإخضاع المتقاعدين الجزائريين لإجراءات أقل مرونة مقارنة بدول أخرى، مشيرا إلى أن نظام الرقابة المطبّق على معاشات المتقاعدين يعد أقل مرونة قياسا بما هو مطبّق مع متقاعدين من جنسيات أخرى، حيث لا يتم ضمان إعادة استدعاء المتقاعدين الذين لم يلبوا الدعوة الأولى للتحقّق من حياتهم، حتى لو طالبوا بإعادة صرف معاشاتهم.
وتؤكد الوثيقة أن مسؤولية اتخاذ قرار إعادة الاستدعاء تترك حصريا لصندوق Agirc-Arrco، الذي يحتكر تنفيذ الرقابة الميدانية عبر شراكة مع بنك جزائري، بدون إشراك باقي أنظمة التقاعد الفرنسية في القرار، كما أن هذا الصندوق لا يخطط لإعادة استدعاء المتخلفين تلقائيا، بل يطلب منهم تقديم وثائق لإثبات أنهم ما زالوا على قيد الحياة.
وتحدّثت الوثيقة عن إجراء أقره المشرّع الفرنسي منذ سبتمبر 2024، يتمثل في تقنية التعرف على الوجه البيومتري بهدف اكتشاف ملفات توفى أصحابها وما زالوا يتلقون المعاشات، وذلك عبر تطبيق يسمح بالتحقّق من صحة الهوية البيومترية ووجود الشخص فعليا ومطابقة صورته، مشيرة إلى أن هذا النظام موجّه للمتقاعدين الحاملين لبطاقات هوية أو جوازات سفر بيومترية، ويهدف إلى تسهيل الإجراءات وتقليل عدد شهادات الحياة المرسلة وتقليل التكاليف المرتبطة بها.
وفي نهاية 2024، وخلال المرحلة الأولى، استخدم نحو 44 ألف من أصل حوالي 300 ألف متقاعد التطبيق، مع تحميل أقل من 20 ألف شهادة، وكانت الغالبية من الفرنسيين والجزائريين، مع تركيز على الفئة العمرية دون 85 سنة، وسجلت الجزائر وإسبانيا أعلى نسب استخدام للتطبيق بـ19.7 بالمائة و11.3 بالمائة تواليا.
واعتبر التقرير، أن عمليات المراقبة في قنصليات فرنسا بالجزائر تعد ذات جودة أفضل من تلك المنفذة في فروع البنوك، مشيرا إلى أن هذا النوع الرقابي خصّص للملفات المشكوك فيها أو التي يطلب فيها استئناف الدفع بعد فترة تعليق طويلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ يوم واحد
- الشروق
15 ألف جزائري مهدّدون بتعليق معاشاتهم من فرنسا
الإجراءات المطبّقة على الجزائريين أقل مرونة مقارنة بالدول الأخرى استدعاء 50 ألف متقاعد جزائري هذا العام للتحقّق من حياتهم تتجّه السلطات الفرنسية، خلال العام الجاري 2025، إلى تعليق معاشات 15 ألف متقاعد جزائري يتلقون هذه الأموال من صناديق هذا البلد الأوروبي، في حين أن 50 ألف منهم سيكونون معنيين باستدعاء التحقّق من الحياة عبر إجراءات مختلفة، و60 ألفا كل عام وعلى مدار السنوات الخمس المقبلة. في هذا السياق، ورد في تقرير لمجلس المحاسبة الفرنسي حول المالية والحسابات العامة والضمان الاجتماعي، يتعلق بتطبيق قوانين تمويل الضمان الاجتماعي، صدر في 26 ماي 2025، اطلعت 'الشروق' على نسخة منه، أن صناديق التقاعد الفرنسية واعتبارا من 2024/2025، شرعت في تنفيذ خطط لتعزيز عمليات الرقابة الميدانية والمستندية (التي تقوم على الوثائق)، في الجزائر والمغرب وتركيا وتونس. وحسب الوثيقة ذاتها، سيتم استدعاء 50 ألف متقاعد جزائري في العام 2025 للتحقّق من أنهم فعلا ما زالوا على قيد الحياة، على أن يرتفع العدد إلى 60 ألفا بداية من 2026، مشيرة إلى أن الصناديق الفرنسية تعتزم استدعاء كافة المتقاعدين الجزائريين المتواجدين على أرض الوطن في غضون 6 سنوات بمعدل 60 ألف عملية في العام. ورغم أن الكشف عن حالات التحايل أظهر نسبا أعلى في كل من المغرب وإيطاليا مقارنة بالجزائر، إلا أن السلطات الفرنسية أظهرت تعاملا من نوع خاص فيما يتعلق بالجزائريين، أقل مرونة قياسا بالدول الأخرى التي لها أعدادا كبيرة من المتقاعدين يتلقون معاشات من الصناديق الفرنسية. وفي هذا الإطار، ورد في التقرير أن المغرب معني فقط باستدعاء 8 آلاف متقاعد سنويا و800 في تركيا وألفين في تونس، للتحقّق من حياتهم. وشدّد التقرير على أنه يتوقع تعليق صب معاشات 15 ألف متقاعد جزائري في العام الجاري، من الذين لم يخضعوا لمختلف إجراءات الرقابة المستندية عبر الوثائق والعينية (البنوك والقنصليات الفرنسية)، من مجمل 17 ألف متقاعد مقيم في الخارج يتوقع تعليق معاشاتهم الفرنسية. ويقدّر مجلس المحاسبة الفرنسي، أن حجم الأخطاء أو حالات الغش المرتبطة بمعاشات المتقاعدين الجزائريين المقيمين في الجزائر يتراوح بين 38 و80 مليون يورو، حيث استند في تقديره إلى نتائج عمليات مراقبة ميدانية تتطلب الحضور الشخصي للمتقاعدين، والتي كشفت أن 44 بالمائة من الوفيات لم يتم التصريح بها لدى الصندوق الوطني الفرنسي للتقاعد ضمن عينة تمثل 10 بالمائة من فئة عمرية معينة، وبتطبيق هذا المعدل على جميع الفئات العمرية، قدّرت الخسائر بحوالي 38 مليون يورو. وفي سيناريو أكثر تشدّدا، افترضت المحكمة أن جميع المتقاعدين الذين لم يستجيبوا للاستدعاءات قد توفوا من دون التصريح بذلك، ما يرفع التقدير الإجمالي للخسائر إلى 80 مليون يورو. وتحدّث التقرير عن إجراءات باشرتها صناديق التقاعد الفرنسية لتكثيف عمليات الرقابة الميدانية والمستندية (الوثائق) في عدد من الدول، تشمل الجزائر والمغرب وتركيا وتونس، مع اعتماد آلية مشاركة النتائج بين مختلف الأنظمة، وتعليق تلقائي للمعاشات عبر أنظمة المعلومات في حال عدم استجابة المتقاعد للرقابة. هذا التحوّل الرقمي في تنفيذ العقوبات، يؤكد تقرير مجلس المحاسبة الفرنسي، وخاصة التعليق الآلي للمعاشات، سيفتح الباب أمام ارتفاع كبير في عدد الشكاوى والتظلمات، ما قد يؤدي إلى إرباك القنوات الإدارية الحالية، خصوصا في فروع مثل Carsat، حيث لا يزال عدد من الموظفين غير ملمين بهذه الإجراءات الجديدة. كما أن إجراءات إعادة فتح الحقوق للمتقاعدين بعد تعليق معاشاتهم لم تحدّد بعد، وفق التقرير، خصوصا أن الصناديق تؤكد أنه لا يمكن استئناف الدفع إلا بعد خضوع المعنيين لرقابة ميدانية جديدة، لكن لا يوجد حتى الآن أي بروتوكول أو نظام معلوماتي يضمن إعادة استدعائهم، مما يجعل العملية عرضة للتقديرات الفردية والتأخير غير المبرر. وتضمن التقرير اعترافا صريحا بإخضاع المتقاعدين الجزائريين لإجراءات أقل مرونة مقارنة بدول أخرى، مشيرا إلى أن نظام الرقابة المطبّق على معاشات المتقاعدين يعد أقل مرونة قياسا بما هو مطبّق مع متقاعدين من جنسيات أخرى، حيث لا يتم ضمان إعادة استدعاء المتقاعدين الذين لم يلبوا الدعوة الأولى للتحقّق من حياتهم، حتى لو طالبوا بإعادة صرف معاشاتهم. وتؤكد الوثيقة أن مسؤولية اتخاذ قرار إعادة الاستدعاء تترك حصريا لصندوق Agirc-Arrco، الذي يحتكر تنفيذ الرقابة الميدانية عبر شراكة مع بنك جزائري، بدون إشراك باقي أنظمة التقاعد الفرنسية في القرار، كما أن هذا الصندوق لا يخطط لإعادة استدعاء المتخلفين تلقائيا، بل يطلب منهم تقديم وثائق لإثبات أنهم ما زالوا على قيد الحياة. وتحدّثت الوثيقة عن إجراء أقره المشرّع الفرنسي منذ سبتمبر 2024، يتمثل في تقنية التعرف على الوجه البيومتري بهدف اكتشاف ملفات توفى أصحابها وما زالوا يتلقون المعاشات، وذلك عبر تطبيق يسمح بالتحقّق من صحة الهوية البيومترية ووجود الشخص فعليا ومطابقة صورته، مشيرة إلى أن هذا النظام موجّه للمتقاعدين الحاملين لبطاقات هوية أو جوازات سفر بيومترية، ويهدف إلى تسهيل الإجراءات وتقليل عدد شهادات الحياة المرسلة وتقليل التكاليف المرتبطة بها. وفي نهاية 2024، وخلال المرحلة الأولى، استخدم نحو 44 ألف من أصل حوالي 300 ألف متقاعد التطبيق، مع تحميل أقل من 20 ألف شهادة، وكانت الغالبية من الفرنسيين والجزائريين، مع تركيز على الفئة العمرية دون 85 سنة، وسجلت الجزائر وإسبانيا أعلى نسب استخدام للتطبيق بـ19.7 بالمائة و11.3 بالمائة تواليا. واعتبر التقرير، أن عمليات المراقبة في قنصليات فرنسا بالجزائر تعد ذات جودة أفضل من تلك المنفذة في فروع البنوك، مشيرا إلى أن هذا النوع الرقابي خصّص للملفات المشكوك فيها أو التي يطلب فيها استئناف الدفع بعد فترة تعليق طويلة.


الشروق
منذ 6 أيام
- الشروق
ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي
هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم الجمعة 23 ماي، الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على المنتجات الأوروبية المستوردة إلى الولايات المتحدة ابتداءً من 1 جوان، معتبراً أن المفاوضات الجارية 'لا تؤدي إلى أي نتيجة'. وقال ترامب على منصته 'تروث سوشيال' أنه من الصعب جداً التعامل مع الاتحاد الأوروبي، 'الذي تم إنشاؤه في الأساس بهدف الاستفادة من الولايات المتحدة في مجال التجارة'… مفاوضاتنا لا تؤدي إلى أي نتيجة. في هذه الظروف، أوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، اعتباراً من 1 جوان. لا توجد رسوم على المنتجات المصنوعة في الولايات المتحدة'. وكتب ترامب 'حواجزهم (الاتحاد الأوروبي) التجارية القوية، وضرائب القيمة المضافة، والعقوبات السخيفة على الشركات، والحواجز غير النقدية، والتلاعبات النقدية، والدعاوى القضائية غير العادلة وغير المبررة ضد الشركات الأمريكية، وغيرها، أدّت إلى عجز تجاري مع الولايات المتحدة يفوق 250 مليار دولار سنويًا، وهو رقم غير مقبول إطلاقًا.' وسبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن انتقد العجز التجاري الأميركي في التبادلات الثنائية مع أوروبا، مقدّراً إياه بين 300 و350 مليار دولار، وهي الأرقام التي تعارضها المفوضية الأوروبية، مشيرة إلى أن العجز لا يتجاوز 150 مليار يورو (حوالي 160 مليار دولار) في البضائع فقط، و50 مليار يورو فقط عند احتساب الفائض الأميركي في مجال الخدمات. وتسب إعلان ترامب هذا إلى هبوط في الأسواق المالية الاوروبية، مع عودة شبح الحرب التجارية، وفقا لما أفادت به تقارير إعلامية.


إيطاليا تلغراف
٢٢-٠٥-٢٠٢٥
- إيطاليا تلغراف
انقلاب أوروبي ملفت على إسرائيل المنبوذة
إيطاليا تلغراف مصطفى عبد السلام صحافي مصري المتابع لمواقف دول العالم من حرب غزة يلحظ أنّ هناك ما يشبه حالة انقلاب أوروبي على إسرائيل المنبوذة بسبب مجازرها المروعة في غزة وتصاعد حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأنّ هناك حالة غضب أوروبية متصاعدة ضد دولة الاحتلال بسبب جرائمها ضد القطاع، وأنّ دول الاتحاد بدأت تتخلى عن الأساليب الدبلوماسية والشجب والادانات والانتقادات إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية وعقابية لإسرائيل ربما تكون واسعة وموجعة هذه المرة، خاصة وأن اقتصاد دولة الاحتلال يعاني من نزيف حاد وعجز مالي كبير وتدهور في الأنشطة المختلفة. فهناك 17 دولة أوروبية وافقت على مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تعاني عزلة عالمية، وهو ما يزيد فرص فرض عقوبات تجارية على دولة الاحتلال. هذا التحرك دعا الإعلام العبري إلى وصف ما يحدث بأنه بمثابة تسونامي سياسي واقتصادي في أوروبا وعواصم غربية، بسبب ارتكاب إسرائيل جرائم حرب بحق الفلسطينيين، وتوجيه اتهامات لحكومة نتنياهو بأنّها تمارس هواية قتل الأطفال في غزة. ولأنّ العالم لم يعد قادراً على الصمت تجاه المجازر اليومية وحرب التجويع والتدمير والتهجير التي يمارسها الاحتلال ضد أهالي غزة، فقد تحرك وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي لمناقشة مقترح هولندي لإعادة النظر في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل. هناك 17 دولة أوروبية وافقت على مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل التي تعاني عزلة عالمية، وهو ما يزيد فرص فرض عقوبات تجارية على دولة الاحتلال وفي حال إقرار المقترح فإنه يمثل ضربة عقابية عنيفة للاقتصاد الإسرائيلي، إذ إنّ حجم التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بلغ 46.8 مليار يورو في عام 2022، مما يجعل الاتحاد أكبر شريك تجاري لدولة الاحتلال. كما أنّ اتفاقية الشراكة بين الطرفين التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2000، تمنح إسرائيل العديد من الامتيازات في سوق الاتحاد الأوروبي، ومنها السماح بتصدير منتجاتها إلى دول الاتحاد دون دفع رسوم جمركية، أو برنامج 'هورايزون' الذي يتيح لإسرائيل التعاون بشكل واسع مع الاتحاد في مجالات العلوم والتكنولوجيا. وهناك إشارات قوية على توجه أوروبا نحو معاقبة تل أبيب اقتصادياً، فوفق تصريحات مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، فإنّ اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ستخضع للمراجعة في ظل الوضع الكارثي في غزة، وأنّ 'أغلبية قوية' من وزراء خارجية الاتحاد يؤيدون المراجعة لاتفاقية الشراكة في ضوء ما يجري في غزة من مجازر. وعلى مستوى المواقف الثنائية الأوروبية، فإنّ موقف بريطانيا بدا لافتاً في توجيه ضربة قوية للاقتصاد الإسرائيلي، فقد استدعت سفيرة إسرائيل في لندن، وعلّقت مبيعات الأسلحة ومفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل رفضاً لتوسيع حرب غزة، كما فرضت عقوبات على مستوطنين وكيانات في الضفة الغربية مرتبطين بأعمال عنف ضد الفلسطينيين. وشملت العقوبات أفراداً وكيانات منها حركة نحالا، وشركة ليبي للإنشاءات والبنية التحتية المحدودة، ومزرعة كوكو. وانضمت بريطانيا إلى فرنسا وكندا في التحرك اقتصادياً ضد إسرائيل واتخاذ إجراءات ملموسة إذا واصلت حربها بغزة، وذلك ضمن تصاعد الضغوط الدولية على الاحتلال، مع شن حكومة نتنياهو هجوماً عسكرياً جديداً على غزة. تحرك أوروبي ودولي مكثف لمعاقبة إسرائيل اقتصادياً وسياسياً، فهل تنجح الخطوة هذه المرة، أم أنّ جيش الاحتلال سيحرق غزة عن آخرها، وبعدها يبدي العالم الندم، لكن بعد فوات الأوان؟ وكان موقف فرنسا لافتاً أيضاً، فقد دعا وزير خارجيتها جان نويل بارو يوم الاثنين إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على خلفية استمرار جيش الاحتلال في حرب الإبادة ضد أهالي غزة ومنعه إدخال المساعدات إلى القطاع. وجدد بارو تصميم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين. وهذا الموقف مهم إذ إنّ فرنسا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ولها حضورها الدولي. وفي مدريد، خرج علينا رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، بتصريح لافت، قال فيه: 'نحن لن نتبادل التجارة مع دولة تنفذ إبادة جماعية'. وطالبت كلٌّ من إسبانيا وأيرلندا وهولندا بإجراء تحقيق عاجل في ما إذا كانت الهجمات الإسرائيلية على غزة تنتهك الاتفاقيات التجارية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن بنوداً تتعلق بحقوق الإنسان. كما طالبت كل من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا إسرائيل بوقف هجومها العسكري على غزة. بل إن قادة يهود أوروبا خرجوا علينا قبل أيام بتصريح أكدوا خلاله أنّ 'دعم إسرائيل أصبح عبئاً'. وأكد المجلس الأوروبي أنّ المدنيين في غزة يتضورون جوعاً، وحذرت الأمم المتحدة من احتمالية وفاة 14 ألف طفل في غزة خلال 48 ساعة. يصاحب تلك التحركات تحرك مهم من الصندوق السيادي النرويجي، وهو أكبر صندوق استثمار في العالم، بسحب استثماراته من دولة الاحتلال والتي تزيد قيمتها عن ملياري دولار. تحرك أوروبي ودولي مكثف لمعاقبة إسرائيل اقتصادياً وسياسياً، فهل تنجح الخطوة هذه المرة، أم أنّ جيش الاحتلال سيحرق غزة عن آخرها، وبعدها يبدي العالم الحر الندم، لكن بعد فوات الأوان؟