
الجبانة طريق الموت.. شهادات مروعة من الحدود اليمنية السعودية (تقرير)
في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، تتزايد أعداد اليمنيين الذين يخاطرون بحياتهم لعبور الحدود إلى السعودية عبر مسارات تهريب وعرة في محافظة صعدة (شمال اليمن)، بحثًا عن فرص حياة جديدة لكن تلك الرحلة كثيرًا ما تنتهي برصاص حرس الحدود السعودي على أعتاب أمتار من الحلم المنشود.
على امتداد الشريط الحدودي بين محافظة صعدة والمملكة العربية السعودية، يتكرر مشهد الجثث الملقاة في الجبال والوديان، والتي تعود لشبان يمنيين دفعتهم الحاجة والفقر لعبور الحدود بحثًا عن فرصة عمل تغير حياتهم للأفضل، لكنهم وُوجهوا بوابل من الرصاص وقذائف المدفعية.
وتتزايد محاولات التسلل من اليمن إلى السعودية، في ظلّ تدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر، في بلد يمر بأزمة صنفها الأمم المتحدة بواحدة من أكثر الأزمات الإنسانية كارثية في العالم.
مسارات التهريب
تتعدد مسارات التهريب بين اليمن والسعودية، خصوصًا في محافظة صعدة الحدودية ذات التضاريس الجبلية الوعرة، حيث تنشط شبكات التهريب عبر سلاسل جبال شدا ومنبّه وقطابر، مستغلة الممرات الوعرة والمسالك الخفية التي يصعب رصدها أمنياً.
ويعد "طريق الجبانة" بمديرية شدا غربي محافظة صعدة أبرز خطوط العبور غير النظامي وأقصرها مسافة ويشهد حركة نشطة ويومية لعمليات التهريب التي تشمل البشر والقات وحتى السجائر أحيانًا، ويواجه اليمنيون عبر هذه الطريق مخاطر جسيمة، تتراوح بين وعورة الطريق، وانعدام الماء والغذاء، وصولاً إلى مخاطر الاشتباك مع دوريات حرس الحدود السعودي.
وتُعتبر منطقة "الرقو" ثاني ممرات التهريب وتقع في مديرية منبة أقصى غرب محافظة صعدة على الحدود مع السعودية تحديداً على حدود محافظة الداير بني مالك الواقعة شرقي جازان جنوب المملكة، حيث لا يفصل بين هذا الرقو اليمنية والداير السعودية إلا السياج الحدودي ومجرى سيل وادي ضمد، ويوجد بها سوق شهير يعتبر نقطة تجمع وانطلاق المهربين صوب الحدود السعودية.
ويقع ممر آخر للتهريب بين اليمن والسعودية شمال غرب محافظة صعدة وتحديدًا في منطقة "آل مقنع" التابعة لمديرية منبة وهذا الممر معروف بوجود الكثير من حقول الألغام فيه والتي تسببت في مقتل عدد من اليمنيين والأفارقة أثناء محاولتهم التسلل إلى السعودية، وفق ما قال مصدر أمني لـ«الموقع بوست» فضل عدم ذكر اسمه.
وكانت منطقة "آل ثابت" بمديرية قطابر شمال محافظة صعدة، تمثّل سابقًا ممرًا رئيسيًا لتهريب البشر والقات إلى السعودية إلا أن وصول المعارك أليها أدى إلى توقف نشاط التهريب فيها منذ العام 2020 ونتيجة لذلك لجأ المهربون إلى فتح مسارات تهريب بديلة من أبرزها الجبانة، الرقو، وآل مقنع.
خرج ولم يعد
عبدالله سعد، شاب في الرابعة والعشرين من عمره من محافظة المحويت، لم يكمل تعليمه وكان يحلم بفرصة عمل في السعودية يعين بها أسرته الفقيرة. في مارس الماضي، انطلق برفقة مجموعة من أقرانه عبر طرق جبلية وعرة نحو الحدود، لكنه لم يعد أبدًا.
بعد أيام، تسلّمت أسرته جثمانه عبر أحد المهربين، وكان مصابًا بطلق ناري في الرأس. ووفقًا لشهادة أحد الناجين أدلى بها لـ"الموقع بوست"، فإن حرس الحدود السعودي أطلق النار عليهم دون سابق إنذار.
حوادث قتل متكررة
شهادات حصرية لـ"الموقع بوست" من أبناء المناطق الحدودية في محافظتي حجة وصعدة (شمال البلاد)، تؤكد أن حوادث القتل تتكرر بشكل شبه يومي ولا تميز بين الشبان الباحثين عن لقمة العيش، أو من يعملون في مجال التهريب.
"كل يوم نسمع عن شاب قُتل برصاص حرس الحدود السعودي"، يقول عبده العامري وهو ناشط حقوقي من مديرية أسلم بمحافظة حجة، مضيفًا: "الضحايا ليسوا مسلحين بل شبان يافعين كانوا يبحثون عن فرصة للعيش الكريم".
وأشار في حديثه لـ"الموقع بوست" إلى أن آخر الضحايا كان الشاب أحمد سنيدار الشافعي (18 عاماً) من أبناء مديرية أسلم بمحافظة حجة، والذي قُتل في 12 من شهر يونيو الجاري برصاص حرس الحدود السعودي في منطقة الجبانة بمحافظة صعدة الحدودية مع السعودية.
ولفت العامري إلى مقتل أكثر من 200 شخصاً من مديرية أسلم وحدها على يد قوات حرس الحدود السعودي في منطقة الجبانة الحدودية أو كما يسميها "طريق الموت" خلال الفترة بين عامي 2022 و 2025، بعضهم يعمل في تهريب القات.
وكان ناشطون قد أطلقوا هاشتاقًا بعنوان #الجبانة_طريق_الموت، لتوثيق مآسي اليمنيين الذين يسلكون طريق التهريب عبر منطقة "الجبانة" الحدودية بهدف رصد الانتهاكات والضحايا الذين يسقطون بنيران حرس الحدود السعودي أو يفقدون حياتهم بسبب الظروف القاسية في الجبال والوديان.
شهادات مروعة للناجين
محمد مشطا، شاب يبلغ من العمر 25 عامًا من مديرية عبس بمحافظة حجة، نجا بأعجوبة من كمين نصبته قوات حرس الحدود السعودي في يناير 2025، وقُتل البعض من رفاقه كما يروي لـ"الموقع بوست".
ويضيف: "كنا 13 شخصًا نعبر ليلًا عبر جبال رازح وما إن اقتربنا من السياج الحدودي حتى تساقط الرصاص علينا كالمطر. رأيت اثنين من رفاقي يسقطان وفر الباقون بينما اختبأت انا خلف صخرة كبيرة وبقيت هناك أكثر من 5 ساعات بدون ماء أو طعام".
وفي شهادة مماثلة، يقول محمد جابر (30 عامًا)، من أبناء مديرية القناوص بمحافظة الحديدة: "دفعنا للمهرب 2000 ريال سعودي عن كل شخص وقال لنا إن الطريق آمن لكن عند اقترابنا من الحدود السعودية أُطلقت علينا قذيفة وتوفي شاب من محافظة ريمة وأصيب 4 آخرون بشظايا بينما نجوت أنا وابن عمي بأعجوبة".
طرق الموت
تمتلك قوات حرس الحدود السعودي تقنيات مراقبة متطورة، إلى جانب أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، وتعمل هذه القوات على مدار الساعة لحماية الشريط الحدودي من المتسللين، مع تلقيهم أوامر مباشرة بالتعامل الفوري، بما في ذلك استخدام القوة المميتة.
وبحسب شهادات عاملين في التهريب بمحافظة صعدة، لا يكاد يمر يوم من دون ضحايا، بينهم فتيان لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من العمر حيث دفعت ظروف الحياة القاسية الصغار والكبار على حد سواء إلى سلوك دروب محفوفة بالموت.
"ف.م"، أحد المهربين في منطقة الجبانة التابعة لمديرية شدا بمحافظة صعدة يقول إن الحدود اليمنية السعودية أصبحت "مصيدة موت يومية" مؤكدًا أنه رأى بأم عينه جنودًا سعوديين يطلقون النار على مجموعة من الفتيان العزل الذين رفعوا أيديهم في محاولة يائسة لتسليم أنفسهم للقوات السعودية.
ويضيف في تصريح خاص لـ"الموقع بوست" أن البعض يصابون ولا يُسمح لأحد بإسعافهم ويُتركون ينزفون حتى الموت دون أدنى شفقة أو رحمة، مؤكدًا أن ما يجري على الحدود "ليس فقط استهدافًا مباشرًا بل نوع من القتل البطيء المتعمد".
ويشير إلى أن بعض الجثث تظل لأيام دون أن يتمكن أحد من الاقتراب منها خشية الاستهداف، فيما يضطر البعض أحيانًا لدفنها دون معرفة هوية أصحابها في ظل غياب كامل للسلطات المحلية أو المنظمات الحقوقية عن توثيق تلك الانتهاكات.
كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في تقرير نُشر في مارس 2019، عن تعرض عشرات الأطفال اليمنيين الذين يعملون في مجال تهريب القات، لانتهاكات جسيمة من بينها الاعتداء الجنسي من قبل عناصر تابعة لحرس الحدود السعودي.
ونقل التقرير عن عدد من الأطفال الناجين أنهم تعرضوا للاغتصاب والضرب والإهانة أثناء احتجازهم عقب محاولات تهريب فاشلة. وأكدوا أن تلك الاعتداءات وقعت داخل نقاط عسكرية تابعة لحرس الحدود السعودي، قريبة من الشريط الحدودي وجرى إطلاق سراحهم بعد أيام من الاحتجاز، وسط ظروف قاسية ومهينة.
وأشار التقرير إلى أن الأطفال العاملين في التهريب غالبًا ما يتم استغلالهم من قبل شبكات تهريب محترفة، تستغل صغر سنهم للتمويه وتفادي القبض عليهم، ما يجعلهم عرضة لمخاطر جسيمة، ليس فقط من جانب الجهات الأمنية، بل أيضًا من طبيعة الطرق والجبال الخطيرة التي يسلكونها.
ودعت منظمات حقوقية دولية لتوفير الحماية للأطفال اليمنيين من الاستغلال والانتهاك، ووقف استخدامهم في عمليات التهريب، وضمان خضوع المسؤولين عن هذه الجرائم للمساءلة القانونية وفق المعايير الدولية.
ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فقد قُتل المئات من المهاجرين على الحدود السعودية منذ العام 2022، إثر تعرضهم لإطلاق نار مباشر من قبل قوات حرس الحدود السعودي، في ما تصفه المنظمة الحقوقية بـ"القتل الجماعي خارج القانون".
وتداولت منظمات حقوقية، منها هيومن رايتس ووتش، تقارير تفيد بأن السلطات السعودية متورطة في انتهاكات جسيمة، منها استخدام مفرط للقوة ضد مهاجرين يمنيين وأفارقة على حد سواء، حيث تحدثت تقارير في 2023 و2024 عن "عمليات تعذيب ممنهجة" في مراكز احتجاز على الجانب السعودي من الحدود.
وفيما نفت السلطات السعودية الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها"، أكدت الأمم المتحدة عبر المفوضية السامية لحقوق الإنسان أنها تلقت تقارير موثوقة تفيد بمقتل ما يصل إلى 430 مهاجرًا على الحدود في سنة 2022 وحدها.
رغم صدور تقارير حقوقية دولية تدين استخدام العنف المفرط ضد المهاجرين، إلا أن حرس الحدود السعودي لا يزال يستخدم الذخيرة الحية والأسلحة الثقيلة ضد يمنيين وإثيوبيين يحاولون عبور الحدود بطريقة غير نظامية، بحسب ما أكده مركز الهجرة المختلطة (MMC) في تقرير بعنوان "اللامبالاة والإفلات من العقاب".
ووفقًا للتقرير، تشير الشهادات الميدانية والأدلة التي جمعها المركز إلى أن المئات من المهاجرين أغلبهم يمنين لقوا حتفهم أو أصيبوا خلال الأشهر الماضية، فيما وثق المركز مقتل ما لا يقل عن 430 شخصًا وإصابة 650 آخرين خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من عام 2022، في حوادث إطلاق نار عشوائي من قبل القوات السعودية.
واتهم التقرير الصادر عن المركز بتاريخ 5 يونيو/ حزيران 2024، حرس الحدود السعودي باستخدام الرصاص الحي وقذائف المدفعية ضد مجموعات من المهاجرين اليمنيين والأفارقة غير المسلحين، ما أسفر عن مئات القتلى والمصابين.
واستند التقرير إلى شهادات محلية من مناطق حدودية في محافظة صعدة، تشير إلى العثور على مقابر جماعية يُعتقد أنها تضم جثث مهاجرين يمنيين وأفارقة قُتلوا أثناء محاولاتهم اجتياز الحدود السعودية.
ونبه مركز الهجرة المختلطة (MMC) – وهو مركز بحثي تابع لـ"المجلس النرويجي للاجئين" NRC، يركز على تحليلات الهجرة غير النظامية في أفريقيا والشرق الأوسط إلى استمرار الانتهاكات، في ظل غياب المساءلة وتجاهل الدعوات الدولية لوقف العنف عند الحدود السعودية.
وطالبت منظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي مستقل وشفاف في هذه الانتهاكات، وسط اتهامات للمجتمع الدولي بالتغاضي عن جرائم تحدث على مرأى ومسمع، بدافع المصالح السياسية والاقتصادية مع السعودية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
"ما بترجع"... عائلات علوية تفجع بخطف بناتها من شوارع سوريا
"لا تنتظرها لا تنتظر أختك، ما بترجع (لن تعود)"، هذا ما قاله المتصل عبر تطبيق "واتساب" لعائلة امراة اسمها عبير في الـ21 من مايو (أيار) الماضي، بعد ساعات من اختفائها من شوارع مدينة صافيتا السورية. وقال خاطف عبير وشخص آخر عرف عن نفسه في اتصالات ورسائل لاحقة على أنه وسيط، إن المرأة البالغة من العمر 29 سنة ستقتل أو تباع ضمن عمليات الاتجار بالبشر ما لم يدفع أقاربها فدية قدرها 15 ألف دولار. وقالت عبير نفسها في اتصال مع عائلتها بتاريخ الـ29 من مايو من رقم الهاتف نفسه الذي يستخدمه خاطفها، والذي كان يحمل رمزاً عراقياً، "أنا لست في سوريا، كل الكلام إلى جانبي غريب لا أفهمه". واطلعت "رويترز" على الاتصال الذي سجلته الأسرة، إلى جانب نحو 12 مكالمة ورسالة أرسلها الخاطف والوسيط الذي كان يتواصل من رقم هاتف سوري. المستهدفات علويات عبير واحدة من بين ما لا يقل عن 33 امرأة وفتاة من الطائفة العلوية في سوريا تتراوح أعمارهن بين 16 و39 سنة تعرضن، وفقاً لأسرهن، للخطف أو الاختفاء هذا العام في ظل الاضطرابات التي أعقبت سقوط الرئيس السابق بشار الأسد. وقادت الإطاحة بالأسد الذي نشر الخوف في البلاد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد حرب أهلية استمرت 14 عاماً، إلى إطلاق العنان لمواقف عنيفة ضد أقلية العلويين المسلمة التي ينتمي إليها، واتجهت فصائل مسلحة تابعة للحكومة الحالية إلى مهاجمة المدنيين العلويين في مناطقهم الساحلية في مارس (آذار) الماضي، مما أسفر عن مقتل مئات. ومنذ مارس، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي تدفقاً لا يتوقف للرسائل ومقاطع الفيديو التي تنشرها عائلات العلويات المفقودات، يتوسل أقاربهن فيها لمعرفة أية معلومات عنهن. ووفقاً لمراجعة أجرتها "رويترز"، فهناك حالات جديدة تظهر كل يوم تقريباً، من دون أن تتوصل الوكالة لروايات على الإنترنت عن اختفاء نساء من طوائف أخرى. وقالت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في شأن سوريا لـ"رويترز" إنها تحقق في ما يقال إنها حالات اختفاء واختطاف لعلويات بعد تزايد التقارير الواردة هذا العام، وقال متحدث باسم اللجنة، التي تشكلت عام 2011 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان بعد اندلاع الحرب الأهلية، إنها سترفع تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فور انتهاء التحقيقات. فدية بلا عودة ذكر أحد أقارب عبير لـ"رويترز"، أن العائلة اقترضت من الأصدقاء والجيران لجمع فدية قدرها 15 ألف دولار، وحولتها إلى ثلاثة حسابات تحويل أموال مختلفة في مدينة إزمير التركية يومي الـ27 والـ28 من مايو عبر 30 عملية تحويل تراوح المبلغ في كل منها بين 300 و700 دولار، وعرض قريبها إيصالات المعاملات. وأوضح القريب أنه بعد تحويل جميع الأموال وفقاً للتعليمات التي تلقوها، توقف الخاطف والوسيط عن الاتصال وأغلقا هواتفهما، ولا يزال مصير عبير مجهولاً لعائلتها. وأظهرت مقابلات مفصلة مع عائلات 16 من النساء والفتيات المفقودات، أن سبعاً منهن يعتقد أنهن اختطفن، إذ تلقت عائلاتهن طلبات لدفع فدية تتراوح بين 1500 و100 ألف دولار. ومن بين هؤلاء، تلقى أقارب ثلاث مختطفات بينهن عبير رسائل نصية أو صوتية تخبرهم بأنهن نقلن إلى خارج البلاد. ولم تتوافر أية معلومات عن مصير التسع الأخريات، ووفقاً للعائلات، فإن ثماني من العلويات المفقودات الـ16 تقل أعمارهن عن 18 سنة. واطلعت "رويترز" على نحو 20 رسالة نصية ومكالمة ومقطع فيديو من المختطفات وخاطفيهن المفترضين، إضافة إلى إيصالات بعض تحويلات الفدية، إلا أنها لم تتمكن من التحقق من جميع تفاصيل روايات العائلات أو تحديد الأشخاص الذين قد يكونون وراء استهداف النساء أو دوافعهم. واختفت جميع النساء الـ33 في محافظات طرطوس واللاذقية وحماة، التي تقطنها أعداد كبيرة من العلويين، وعاد ما يقرب من نصفهن لديارهن بعد ذلك، إلا أن جميع هؤلاء النساء وعائلاتهن امتنعوا عن التعليق على ملابسات ما حدث وأرجع معظمهم ذلك إلى مخاوف أمنية. السلطات: معظمها مشكلات عائلية قالت غالب الأسر التي أجرت "رويترز" مقابلات معها إنها شعرت بأن الشرطة لم تأخذ قضاياها على محمل الجد عندما أبلغت عن حالات الاختفاء أو الخطف، وإن السلطات لم تجر تحقيقات وافية. ولم ترد الحكومة السورية على طلب للتعليق على هذه القصة. ونفى مدير العلاقات الإعلامية في محافظة طرطوس أحمد محمد خير ما يتردد عن استهداف العلويين، وقال إن معظم حالات اختفاء النساء سببها نزاعات عائلية أو أسباب شخصية وليست عمليات خطف، من دون أن يقدم ما يدعم ما يقوله بأدلة. وأضاف "قد يكون للمختفية مشكلات عائلية مع أهلها وتهرب من البيت أو ربما أهلها يجبرونها على الزواج من أحد وهي لا تريد فتهرب من البيت، ربما تريد أن تشغل بال أهلها وتشعرهم بقيمتها وقد تكون مخطوفة". وتابع قائلاً "هذه الادعاءات المتداولة من دون تحقق، لا تسهم إلا في نشر الذعر وزرع الفتنة ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار، خصوصاً في محافظة طرطوس". وكرر مدير العلاقات الإعلامية في محافظة اللاذقية ما قاله خير، وقال إنه في كثير من الأحيان تهرب نساء مع رجال على علاقة عاطفية بهم، ويختلق الأهل قصص الخطف لتجنب الوصمة الاجتماعية. ورفض مسؤول الإعلام في محافظة حماة التعليق. وأحجم كذلك أحد أعضاء لجنة تقصي الحقيقة، التي شكلها الرئيس السوري أحمد الشرع للتحقيق في عمليات القتل الجماعي للعلويين في المناطق الساحلية في مارس، عن التعليق على حالات النساء المفقودات. وندد الشرع بسفك الدماء بغير وجه حق، واعتبر ذلك تهديداً لمهمته الرامية إلى توحيد أمة أنهكتها الحروب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى إذا كانوا ينتمون للحكومة. اختطفت في طريقها إلى المدرسة قال الناشط الحقوقي السوري يامن حسين الذي يتتبع حالات اختفاء النساء هذا العام، إن معظمها حدث في أعقاب أعمال العنف التي وقعت في مارس. وأضاف أن حالات الاختفاء لم تستهدف، على حد علمه، سوى العلويات فقط، وأن هويات الجناة ودوافعهم لا تزال مجهولة. وتحدث عن انتشار الشعور بالخوف على نطاق واسع بين أبناء الطائفة العلوية التي تمثل فرعاً من المذهب الشيعي، ويشكل العلويون نحو 10 في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية. وذكر حسين أن بعض النساء والفتيات في طرطوس واللاذقية وحماة يتغيبن عن المدرسة، أو الجامعة خوفاً من الاستهداف. وأضاف "هناك نمط متبع، إذ تختفي النساء العلويات في وضح النهار. استهداف نساء الطرف المهزوم هو أسلوب إذلال استخدمه نظام الأسد في السابق، وكذلك قوات المعارضة ضد مهزوميها". وجرى تهجير آلاف العلويين من منازلهم في دمشق، بينما جرى فصل عدد منهم من وظائفهم، أو يتعرضون للمضايقات على نقاط التفتيش من الجنود التابعين للحكومة. وأظهرت المقابلات التي أجريت مع عائلات المفقودات أن معظمهن اختفين في وضح النهار، في أثناء قيامهن بمهمات أو تنقلهن في وسائل النقل العام. وأصغرهن سناً فتاة اسمها زينب، وذكر أحد أفراد أسرة زينب (17 سنة) أنها اختطفت وهي في طريقها إلى المدرسة في بلدة الهنادي في اللاذقية في الـ27 من فبراير (شباط)، وأضاف أن من يشتبه في أنه الخاطف تواصل معهم عبر رسالة نصية لتحذيرهم من نشر صور الفتاة على الإنترنت. وقال الشخص في رسالة نصية أرسلها من هاتف الفتاة يوم اختفائها، "مثل ما نبهتكن صورة ما بدي شوف، أقسم بالله ببعتا بدما". وذكر قريبها أن زينب اتصلت هاتفياً لفترة وجيزة بمنزلها، وقالت إنها لا تعرف إلى أين جرى اقتيادها، وإنها تعاني آلاماً في المعدة قبل انقطاع الخط، وليست لدى العائلة أية فكرة عما حدث لها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) اختطاف أو هرب قال أحد أقارب امرأة أخرى تدعى خزامة لـ"رويترز"، إن مجموعة من خمسة رجال اختطفتها في الـ18 من مارس في ريف حماة وخدروها لتغيب عن الوعي لبضع ساعات خلال اقتيادها بعيداً. واستندت رواية القريب إلى ما قالته خزامة، الأم لخمسة أبناء، بعد عودتها. وذكر أحد أفراد العائلة أن خزامة البالغة 35 سنة أمضت 15 يوماً في الخطف، وخلال هذه الفترة كان الخاطفون يتفاوضون مع الأسرة التي دفعت في النهاية 1500 دولار لضمان إطلاق سراحها، وأضاف أنها عندما عادت للمنزل كانت مصابة بانهيار عصبي. وبعد أيام من اختطاف خزامة، قال أحد أفراد أسرة دعاء عباس البالغة 29 سنة، إن مجموعة من الأشخاص اختطفتها من أمام باب منزلها، وجروها إلى سيارة كانت تنتظر في الخارج وانطلقوا بها بسرعة، وشهد القريب عملية الخطف في بلدة سلحب في حماة. وقال القريب، الذي لم ير عدد الرجال الذين اختطفوا دعاء أو ما إذا كانوا مسلحين، إنه حاول اللحاق بهم على دراجته النارية، لكن السيارة غابت عن نظره. وظهرت ثلاث علويات أبلغن عائلاتهن عن اختفائهن على وسائل التواصل الاجتماعي هذا العام ونفين علناً تعرضهن للخطف، وهؤلاء الثلاثة غير مشمولات في الحالات الـ33 التي أشارت لها "رويترز". ونشرت إحداهن، وهي فتاة في الـ16 من عمرها من اللاذقية، مقطع فيديو على الإنترنت تقول فيه إنها هربت من تلقاء نفسها للزواج من رجل سني، لكن عائلتها ناقضت روايتها، وقالت لـ"رويترز" إنها اختطفت وأجبرت على الزواج من الرجل، وإن السلطات الأمنية أمرتها بالقول إنها ذهبت بمحض إرادتها لحماية خاطفيها. ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق من أي من الروايتين، ولم يرد متحدث باسم الحكومة السورية وسلطات اللاذقية على استفسارات عن هذه المسألة. وبالنسبة إلى العلويتين الأخريين اللتين عادتا للظهور، وهما امرأة (23 سنة) وفتاة (12 سنة)، فقالتا لقنوات تلفزيونية عربية إنهما سافرتا بمحض إرادتهما إلى مدينتي حلب ودمشق على التوالي، إلا أن الأولى ذكرت أنها تعرضت للضرب من رجل في إحدى الشقق قبل أن تهرب. ذكريات قاتمة عن "داعش" سيطر العلويون على المناصب السياسية والعسكرية العليا في سوريا لعقود في ظل حكم عائلة الأسد، وشهد السقوط المفاجئ للأسد في ديسمبر صعود حكومة جديدة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة سنية انبثقت من تنظيم كان تابعاً لتنظيم "القاعدة" قبل فك الارتباط به. وتسعى الحكومة الجديدة جاهدة إلى دمج عناصر عشرات الفصائل المعارضة السابقة، ومن بينهم مقاتلون أجانب، في قواتها الأمنية لملء الفراغ الذي خلفه انهيار الأجهزة الأمنية لنظام الأسد. وقالت أسر عدة تنتمي إليها النساء المفقودات إنها وأسر أخرى كثيرة تخشى سيناريو مرعباً يعاني فيه العلويون مصيراً مماثلاً لما لحق بالأقلية الإيزيدية، على يد تنظيم "داعش" قبل نحو عقد. وبحسب الأمم المتحدة، استعبد التنظيم المتشدد آلاف النساء الإيزيديات جنسياً خلال فترة حكمه التي اتسمت بالإرهاب، وشهدت إعلان قادته خلافة تشمل مناطق واسعة من العراق وسوريا. وتقض مخاوف عدة مضاجع عائلة نغم شادي، وهي امرأة علوية اختفت هذا الشهر، وفقاً لما قاله والدها لـ"رويترز". وقال شادي إن ابنته البالغة من العمر 23 سنة، غادرت منزلها في قرية البياضية بحماة في الثاني من يونيو (حزيران) لشراء الحليب ولم تعد منذ ذلك الحين، مترقباً بألم أي خبر عن مصير ابنته. وأضاف أن عائلته اضطرت إلى مغادرة منزلها السابق في قرية مجاورة في السابع من مارس خلال أعمال العنف ضد العلويين، وقال "ماذا نفعل؟ على الله".


الموقع بوست
منذ يوم واحد
- الموقع بوست
الجبانة طريق الموت.. شهادات مروعة من الحدود اليمنية السعودية (تقرير)
في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، تتزايد أعداد اليمنيين الذين يخاطرون بحياتهم لعبور الحدود إلى السعودية عبر مسارات تهريب وعرة في محافظة صعدة (شمال اليمن)، بحثًا عن فرص حياة جديدة لكن تلك الرحلة كثيرًا ما تنتهي برصاص حرس الحدود السعودي على أعتاب أمتار من الحلم المنشود. على امتداد الشريط الحدودي بين محافظة صعدة والمملكة العربية السعودية، يتكرر مشهد الجثث الملقاة في الجبال والوديان، والتي تعود لشبان يمنيين دفعتهم الحاجة والفقر لعبور الحدود بحثًا عن فرصة عمل تغير حياتهم للأفضل، لكنهم وُوجهوا بوابل من الرصاص وقذائف المدفعية. وتتزايد محاولات التسلل من اليمن إلى السعودية، في ظلّ تدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر، في بلد يمر بأزمة صنفها الأمم المتحدة بواحدة من أكثر الأزمات الإنسانية كارثية في العالم. مسارات التهريب تتعدد مسارات التهريب بين اليمن والسعودية، خصوصًا في محافظة صعدة الحدودية ذات التضاريس الجبلية الوعرة، حيث تنشط شبكات التهريب عبر سلاسل جبال شدا ومنبّه وقطابر، مستغلة الممرات الوعرة والمسالك الخفية التي يصعب رصدها أمنياً. ويعد "طريق الجبانة" بمديرية شدا غربي محافظة صعدة أبرز خطوط العبور غير النظامي وأقصرها مسافة ويشهد حركة نشطة ويومية لعمليات التهريب التي تشمل البشر والقات وحتى السجائر أحيانًا، ويواجه اليمنيون عبر هذه الطريق مخاطر جسيمة، تتراوح بين وعورة الطريق، وانعدام الماء والغذاء، وصولاً إلى مخاطر الاشتباك مع دوريات حرس الحدود السعودي. وتُعتبر منطقة "الرقو" ثاني ممرات التهريب وتقع في مديرية منبة أقصى غرب محافظة صعدة على الحدود مع السعودية تحديداً على حدود محافظة الداير بني مالك الواقعة شرقي جازان جنوب المملكة، حيث لا يفصل بين هذا الرقو اليمنية والداير السعودية إلا السياج الحدودي ومجرى سيل وادي ضمد، ويوجد بها سوق شهير يعتبر نقطة تجمع وانطلاق المهربين صوب الحدود السعودية. ويقع ممر آخر للتهريب بين اليمن والسعودية شمال غرب محافظة صعدة وتحديدًا في منطقة "آل مقنع" التابعة لمديرية منبة وهذا الممر معروف بوجود الكثير من حقول الألغام فيه والتي تسببت في مقتل عدد من اليمنيين والأفارقة أثناء محاولتهم التسلل إلى السعودية، وفق ما قال مصدر أمني لـ«الموقع بوست» فضل عدم ذكر اسمه. وكانت منطقة "آل ثابت" بمديرية قطابر شمال محافظة صعدة، تمثّل سابقًا ممرًا رئيسيًا لتهريب البشر والقات إلى السعودية إلا أن وصول المعارك أليها أدى إلى توقف نشاط التهريب فيها منذ العام 2020 ونتيجة لذلك لجأ المهربون إلى فتح مسارات تهريب بديلة من أبرزها الجبانة، الرقو، وآل مقنع. خرج ولم يعد عبدالله سعد، شاب في الرابعة والعشرين من عمره من محافظة المحويت، لم يكمل تعليمه وكان يحلم بفرصة عمل في السعودية يعين بها أسرته الفقيرة. في مارس الماضي، انطلق برفقة مجموعة من أقرانه عبر طرق جبلية وعرة نحو الحدود، لكنه لم يعد أبدًا. بعد أيام، تسلّمت أسرته جثمانه عبر أحد المهربين، وكان مصابًا بطلق ناري في الرأس. ووفقًا لشهادة أحد الناجين أدلى بها لـ"الموقع بوست"، فإن حرس الحدود السعودي أطلق النار عليهم دون سابق إنذار. حوادث قتل متكررة شهادات حصرية لـ"الموقع بوست" من أبناء المناطق الحدودية في محافظتي حجة وصعدة (شمال البلاد)، تؤكد أن حوادث القتل تتكرر بشكل شبه يومي ولا تميز بين الشبان الباحثين عن لقمة العيش، أو من يعملون في مجال التهريب. "كل يوم نسمع عن شاب قُتل برصاص حرس الحدود السعودي"، يقول عبده العامري وهو ناشط حقوقي من مديرية أسلم بمحافظة حجة، مضيفًا: "الضحايا ليسوا مسلحين بل شبان يافعين كانوا يبحثون عن فرصة للعيش الكريم". وأشار في حديثه لـ"الموقع بوست" إلى أن آخر الضحايا كان الشاب أحمد سنيدار الشافعي (18 عاماً) من أبناء مديرية أسلم بمحافظة حجة، والذي قُتل في 12 من شهر يونيو الجاري برصاص حرس الحدود السعودي في منطقة الجبانة بمحافظة صعدة الحدودية مع السعودية. ولفت العامري إلى مقتل أكثر من 200 شخصاً من مديرية أسلم وحدها على يد قوات حرس الحدود السعودي في منطقة الجبانة الحدودية أو كما يسميها "طريق الموت" خلال الفترة بين عامي 2022 و 2025، بعضهم يعمل في تهريب القات. وكان ناشطون قد أطلقوا هاشتاقًا بعنوان #الجبانة_طريق_الموت، لتوثيق مآسي اليمنيين الذين يسلكون طريق التهريب عبر منطقة "الجبانة" الحدودية بهدف رصد الانتهاكات والضحايا الذين يسقطون بنيران حرس الحدود السعودي أو يفقدون حياتهم بسبب الظروف القاسية في الجبال والوديان. شهادات مروعة للناجين محمد مشطا، شاب يبلغ من العمر 25 عامًا من مديرية عبس بمحافظة حجة، نجا بأعجوبة من كمين نصبته قوات حرس الحدود السعودي في يناير 2025، وقُتل البعض من رفاقه كما يروي لـ"الموقع بوست". ويضيف: "كنا 13 شخصًا نعبر ليلًا عبر جبال رازح وما إن اقتربنا من السياج الحدودي حتى تساقط الرصاص علينا كالمطر. رأيت اثنين من رفاقي يسقطان وفر الباقون بينما اختبأت انا خلف صخرة كبيرة وبقيت هناك أكثر من 5 ساعات بدون ماء أو طعام". وفي شهادة مماثلة، يقول محمد جابر (30 عامًا)، من أبناء مديرية القناوص بمحافظة الحديدة: "دفعنا للمهرب 2000 ريال سعودي عن كل شخص وقال لنا إن الطريق آمن لكن عند اقترابنا من الحدود السعودية أُطلقت علينا قذيفة وتوفي شاب من محافظة ريمة وأصيب 4 آخرون بشظايا بينما نجوت أنا وابن عمي بأعجوبة". طرق الموت تمتلك قوات حرس الحدود السعودي تقنيات مراقبة متطورة، إلى جانب أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، وتعمل هذه القوات على مدار الساعة لحماية الشريط الحدودي من المتسللين، مع تلقيهم أوامر مباشرة بالتعامل الفوري، بما في ذلك استخدام القوة المميتة. وبحسب شهادات عاملين في التهريب بمحافظة صعدة، لا يكاد يمر يوم من دون ضحايا، بينهم فتيان لم يتجاوزوا الخامسة عشرة من العمر حيث دفعت ظروف الحياة القاسية الصغار والكبار على حد سواء إلى سلوك دروب محفوفة بالموت. "ف.م"، أحد المهربين في منطقة الجبانة التابعة لمديرية شدا بمحافظة صعدة يقول إن الحدود اليمنية السعودية أصبحت "مصيدة موت يومية" مؤكدًا أنه رأى بأم عينه جنودًا سعوديين يطلقون النار على مجموعة من الفتيان العزل الذين رفعوا أيديهم في محاولة يائسة لتسليم أنفسهم للقوات السعودية. ويضيف في تصريح خاص لـ"الموقع بوست" أن البعض يصابون ولا يُسمح لأحد بإسعافهم ويُتركون ينزفون حتى الموت دون أدنى شفقة أو رحمة، مؤكدًا أن ما يجري على الحدود "ليس فقط استهدافًا مباشرًا بل نوع من القتل البطيء المتعمد". ويشير إلى أن بعض الجثث تظل لأيام دون أن يتمكن أحد من الاقتراب منها خشية الاستهداف، فيما يضطر البعض أحيانًا لدفنها دون معرفة هوية أصحابها في ظل غياب كامل للسلطات المحلية أو المنظمات الحقوقية عن توثيق تلك الانتهاكات. كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في تقرير نُشر في مارس 2019، عن تعرض عشرات الأطفال اليمنيين الذين يعملون في مجال تهريب القات، لانتهاكات جسيمة من بينها الاعتداء الجنسي من قبل عناصر تابعة لحرس الحدود السعودي. ونقل التقرير عن عدد من الأطفال الناجين أنهم تعرضوا للاغتصاب والضرب والإهانة أثناء احتجازهم عقب محاولات تهريب فاشلة. وأكدوا أن تلك الاعتداءات وقعت داخل نقاط عسكرية تابعة لحرس الحدود السعودي، قريبة من الشريط الحدودي وجرى إطلاق سراحهم بعد أيام من الاحتجاز، وسط ظروف قاسية ومهينة. وأشار التقرير إلى أن الأطفال العاملين في التهريب غالبًا ما يتم استغلالهم من قبل شبكات تهريب محترفة، تستغل صغر سنهم للتمويه وتفادي القبض عليهم، ما يجعلهم عرضة لمخاطر جسيمة، ليس فقط من جانب الجهات الأمنية، بل أيضًا من طبيعة الطرق والجبال الخطيرة التي يسلكونها. ودعت منظمات حقوقية دولية لتوفير الحماية للأطفال اليمنيين من الاستغلال والانتهاك، ووقف استخدامهم في عمليات التهريب، وضمان خضوع المسؤولين عن هذه الجرائم للمساءلة القانونية وفق المعايير الدولية. ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فقد قُتل المئات من المهاجرين على الحدود السعودية منذ العام 2022، إثر تعرضهم لإطلاق نار مباشر من قبل قوات حرس الحدود السعودي، في ما تصفه المنظمة الحقوقية بـ"القتل الجماعي خارج القانون". وتداولت منظمات حقوقية، منها هيومن رايتس ووتش، تقارير تفيد بأن السلطات السعودية متورطة في انتهاكات جسيمة، منها استخدام مفرط للقوة ضد مهاجرين يمنيين وأفارقة على حد سواء، حيث تحدثت تقارير في 2023 و2024 عن "عمليات تعذيب ممنهجة" في مراكز احتجاز على الجانب السعودي من الحدود. وفيما نفت السلطات السعودية الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها"، أكدت الأمم المتحدة عبر المفوضية السامية لحقوق الإنسان أنها تلقت تقارير موثوقة تفيد بمقتل ما يصل إلى 430 مهاجرًا على الحدود في سنة 2022 وحدها. رغم صدور تقارير حقوقية دولية تدين استخدام العنف المفرط ضد المهاجرين، إلا أن حرس الحدود السعودي لا يزال يستخدم الذخيرة الحية والأسلحة الثقيلة ضد يمنيين وإثيوبيين يحاولون عبور الحدود بطريقة غير نظامية، بحسب ما أكده مركز الهجرة المختلطة (MMC) في تقرير بعنوان "اللامبالاة والإفلات من العقاب". ووفقًا للتقرير، تشير الشهادات الميدانية والأدلة التي جمعها المركز إلى أن المئات من المهاجرين أغلبهم يمنين لقوا حتفهم أو أصيبوا خلال الأشهر الماضية، فيما وثق المركز مقتل ما لا يقل عن 430 شخصًا وإصابة 650 آخرين خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من عام 2022، في حوادث إطلاق نار عشوائي من قبل القوات السعودية. واتهم التقرير الصادر عن المركز بتاريخ 5 يونيو/ حزيران 2024، حرس الحدود السعودي باستخدام الرصاص الحي وقذائف المدفعية ضد مجموعات من المهاجرين اليمنيين والأفارقة غير المسلحين، ما أسفر عن مئات القتلى والمصابين. واستند التقرير إلى شهادات محلية من مناطق حدودية في محافظة صعدة، تشير إلى العثور على مقابر جماعية يُعتقد أنها تضم جثث مهاجرين يمنيين وأفارقة قُتلوا أثناء محاولاتهم اجتياز الحدود السعودية. ونبه مركز الهجرة المختلطة (MMC) – وهو مركز بحثي تابع لـ"المجلس النرويجي للاجئين" NRC، يركز على تحليلات الهجرة غير النظامية في أفريقيا والشرق الأوسط إلى استمرار الانتهاكات، في ظل غياب المساءلة وتجاهل الدعوات الدولية لوقف العنف عند الحدود السعودية. وطالبت منظمة العفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي مستقل وشفاف في هذه الانتهاكات، وسط اتهامات للمجتمع الدولي بالتغاضي عن جرائم تحدث على مرأى ومسمع، بدافع المصالح السياسية والاقتصادية مع السعودية.


Independent عربية
منذ يوم واحد
- Independent عربية
سوق الكوكايين العالمية تحطم أرقاما قياسية
بلغت عمليات إنتاج الكوكايين وضبطه واستهلاكه مستويات قصوى جديدة في عام 2023، مع تأجيج أنشطة الجريمة المنظمة بفعل الأزمات، على ما أظهر التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الصادر اليوم الخميس. وأفادت المنظمة التي تتخذ من فيينا مقراً في بيان لها "يُعد الكوكايين أسرع أسواق المخدرات غير القانونية نمواً في العالم". وأضاف المكتب أن الإنتاج المدفوع بزيادة مساحة زراعة الكوكا غير القانونية في كولومبيا "ارتفع بنسبة تناهز 34 في المئة" في عام واحد، وأن عمليات الضبط "ازدادت بنسبة 68 في المئة بين عامي 2019 و2023"، وأن عدد المستخدمين "ارتفع من 17 مليوناً إلى 25 مليوناً في 10 أعوام". وأشار التقرير إلى أن المتاجرين يتوغلون في أسواق جديدة في آسيا وأفريقيا، وأن العنف "الذي كان محصوراً في أميركا اللاتينية سابقاً" بات يتمدد "إلى أوروبا الغربية"، متحدثاً عن "مئات مليارات الدولارات التي يجري التداول بها سنوياً". قالت كبيرة الباحثين في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أنجيلا مي "أصبح الكوكايين رائجاً بين شرائح المجتمع الأكثر ثراء"، مشيرة إلى "حلقة مفرغة" من تزايد الاستهلاك والإنتاج. كذلك وصلت عمليات ضبط منشطات الأمفيتامين إلى مستوى قياسي، إذ شكلت ما يقرب من نصف إجمالي ضبطيات المخدرات الاصطناعية، تليها المواد الأفيونية بما في ذلك الفنتانيل. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأبدى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أسفه لأن "حقبة جديدة من عدم الاستقرار العالمي عززت قوة الجريمة المنظمة ودفعت الاستهلاك إلى مستويات مرتفعة تاريخياً". ويشير التقرير أيضاً إلى مسألة "الكبتاغون"، إذ أدى سقوط بشار الأسد في سوريا في أوائل ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى "حال من عدم اليقين في شأن مستقبل هذا الاتجار". وكان نظام الأسد الذي اتُّهم بتحويل سوريا إلى منصة لإنتاج المخدرات وتهريبها، معروفاً بإنتاجه هذا الأمفيتامين المشتق من دواء مخصص لعلاج مرض النوم القهري أو اضطرابات نقص الانتباه. كشفت السلطات السورية الجديدة عن مخزونات كبيرة من "الكبتاغون" في مستودعات ومنشآت عسكرية سابقة، وصادرت المصانع، لكن المنظمة تؤكد أن هذه الإجراءات لا يبدو أنها عطّلت الإمدادات حتى الآن، إذ تُظهر عمليات الضبط الأخيرة أن هذه المخدرات "لا تزال تتدفق بحرية، لا سيما إلى دول شبه الجزيرة العربية، مما يوحي بطرح مخزونات متراكمة سابقاً في الأسواق أو استمرار الإنتاج في مواقع مختلفة". عام 2023، كان نحو ستة في المئة من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و64 سنة قد تعاطوا المخدرات، مقارنة بنسبة 5,2 في المئة في عام 2013، مع بقاء القنب أكثر المخدرات شيوعاً.