
منهجية التعامل مع حديث المعصوم (ع)
حديث المعصوم (ع) هو تجلٍّ حيٌّ لنور الهداية، وصوتٌ خالدٌ للوحي الإلهي، ومعينٌ لا ينضب من الحكمة والمعرفة، والتعامل مع هذا الحديث المبارك يستدعي خشوع القلب، وتعظيم المقام، والتسلّح بأدب التلقّي والفهم والتبليغ؛ فمن خلال كلماتهم تُستضاء العقول، وتُشفى الأرواح، وتُهتدى القلوب التائهة إلى صراط الله المستقيم. لقد...
حينما نتأمَّل في كلمات المعصومين (عليهم السلام) نشعر بأنَّنا إزاء نورٍ يمتدُّ من عمق السَّماء؛ فحديثهم ليس مجرَّد نصٍّ ديني يُتناقل، وإنَّما هو امتدادٌ حيٌّ لوحي الله (تعالى)، وعدلٌ للقرآن، وصدًى لصوت النبوَّة الذي لم يخفت برحيل الرَّسول الأعظم محمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، بل تجسَّد في صدور أوصيائه المطهرين (عليهم السلام).
لقد أودع الله (سبحانه) في حديثهم من العلم والحكمة ما يعجز عن حمله المَلَكُ المقرَّب، والنبيُّ المرسل، والمؤمن الممتحَن، كما صرَّح بذلك الإمام الصَّادق (عليه السلام)؛ ومن هنا، فإنَّ التَّعامل مع حديثهم لا ينبغي أن يكون كتعاملنا مع النصوص العادية أو الثقافات البشريَّة العابرة، وإنَّما هو تعامل مع تراثٍ إلهيّ له ضوابطه، وآدابه، ومراتب فهمه وتدبّره؛ فكيف نقف على باب كلامهم؟
وكيف نقرأه، ونفهمه، وننقله، ونعمل به؟
هل نأخذ منه ما وافق أذواقنا، ونردُّ ما استغلق علينا؟
أم أن هناك قواعد وضعها الله (تعالى) ورسوله (صلى الله عليه وآله) وأوصياؤه (عليهم السلام) لفهم هذا الحديث العظيم؟
وهل ندرك خطورة التسرُّع في الحكم عليه، كما نحسن اغتنام بركته في الدنيا والآخرة؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال عرض قواعد التلقي، وآداب النقل، فلعلَّنا بذلك نفتح قلوبنا قبل عقولنا على هذا النور، ونسلك السبيل الذي يُرضي الله (تعالى) ورسوله المصطفى (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
حديث المعصوم (عليه السلام) هو نصٌّ مقدَّس، ولا مبالغة في اعتباره عدل القرآن الكريم، إذ يَتَّصف بصفات القرآن، وكما أنَّ القرآن يُحيي القلوب، كذلك تُحييها أحاديثهم (عليهم السلام)؛ عن أبي جعفر (عليه السلام): "يَا فُضَيْلُ، إِنَّ حَدِيثَنَا يُحْيِي الْقُلُوبَ"(1)، وكما أنَّ القرآن الكريم له محكم ومتشابه فكذلك كلماتهم (عليهم السلام)؛ عن الإمام الرضا (عليه السلام): "مَنْ رَدَّ مُتَشَابِهَ الْقُرْآنِ إِلَى مُحْكَمِهِ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، ثمَّ قال (عليه السلام): إِنَّ فِي أَخْبَارِنَا مُتَشَابِهًا كَمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَمُحْكَمًا كَمُحْكَمِ الْقُرْآنِ فَرُدُّوا مُتَشَابِهَهَا إِلَى مُحْكَمِهَا وَلَا تَتَّبِعُوا مُتَشَابِهَهَا دُونَ مُحْكَمِهَا فَتَضِلُّوا"(2).
وكما أنَّ القرآن الكريم يحمل ثقلًا علميًّا؛ فكذلك حديثهم (عليهم السلام)؛ عَنْ أَبِي الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): "إِنَّ حَدِيثَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ شَرِيفٌ كَرِيمٌ ذَكْوَانُ ذَكِيٌّ وَعْرٌ لَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مُؤْمِنٌ مُمْتَحَنٌ قُلْتُ فَمَنْ يَحْتَمِلُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: مَنْ شِئْنَا يَا أَبَا الصَّامِتِ..."(3).
وعن أبي محمَّد (عليه السلام) في تفسيره: "إِنَّمَا مَعنَاهُ أَنَّ المَلَكَ لَا يَحتَمِلُهُ فِي جَوفِهِ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى مَلَكٍ مِثلِهِ، وَلَا يَحتَمِلُهُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى نَبِيٍّ مِثلِهِ، وَلَا يَحتَمِلُهُ مؤمِنٌ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى مُؤمِنٍ مِثلِهِ. إِنَّمَا مَعنَاهُ أَلَّا يَحتَمِلُهُ فِي قَلبِهِ مِن حَلَاوَةِ مَا هُوَ فِي صَدرِهِ حَتَّى يُخرِجَهُ إِلَى غَيرِهِ"(4). ويمكن القول وبثقة تامَّة أنَّ كلامهم داخل ضمن دائرة قوله (تعالى): (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (5)؛ عن حماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي، وحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي، وحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الْحُسَيْنِ، وحَدِيثُ الْحُسَيْنِ حَدِيثُ الْحَسَنِ، وحَدِيثُ الْحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وحَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله، وحَدِيثُ رَسُولِ اللَّه قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ"(6).
المحور الأول: من آثار نص المعصوم (عليه السلام)
إنَّ حديث المعصوم (عليه السلام) ليس كأيّ كلام؛ فهو نفَسٌ من أنفاس النبوَّة، وشعاعٌ من نور القرآن، ودواءٌ يشفي الأرواح كما يشفي الأبدان، وليس عجبًا أن يعلو قدر الراوي لحديثهم على آلاف العابدين، أو أن تُشخَص الأمراض بكلمةٍ من أقوالهم، أو تُرفع الدرجات بمجرد حفظ رواية، أو يُمطر الله (سبحانه) على القلوب من نوره عبر أحاديثهم الشريفة. كيف لا، وهم ورثة علم النبي محمَّد (صلى الله عليه وآله)، ومخازن سرِّ الله (تعالى) في أرضه، وتُراثهم الناطق هو أحد الوجوه التي بها نُحشر يوم القيامة: إمَّا إلى الجنَّة، أو -لا قدر الله (سبحانه)- إلى النَّار، بحسب موقفنا من كلامهم (عليهم السلام)؛ لذلك، سنقف على بعض آثار نصوصهم المباركة، وما تفيض به من رفعةٍ وثوابٍ وشفاءٍ، مستعرضين نماذج حيَّة من بركات الحديث الشريف كما نقلها الثقات من العلماء والمحبِّين؛ لعلَّنا نُدرك أنَّ التعامل مع حديثهم لا يقتصر على كونه علمًا يُلقَّن، وإنما هو حياة تنبض بالمَعنى، وطريقٌ إلى الله (تعالى) يُسلك بنورهم؛ لذا، سنذكر بعض خصائص حديثهم (عليهم السلام):
1ـ يرفع الدَّرجات.
عن أبي عبد الله (عليه السلام): "الرّاويةُ للحَديثِ المُتَفقِّهُ في الدِّينِ أفْضَلُ مِن ألفِ عابِدٍ لا فِقْهَ لَهُ ولا رِوايةَ"(7).
وهذا الحديث الشريف يضع ميزانًا دقيقًا في التفاضل بين العمل والوعي، بين العبادة العاطفية والعبادة الواعية، ويبيِّن أنَّ الرواية عنهم مع الفقه والفهم في الدين رسالةٌ وهداية، وأنّ حامل العلم وناشره، إنَّما يحيي أمَّة ويقود العقول إلى النور، بينما العابد إن لم يكن على بصيرة، قد يعبد على جهل، وقد يضلُّ ويُضِلُّ وهو لا يشعر. والحديث يرسم لنا صورة أنَّ العبادة لا تكتمل إلَّا على نور الفقه، وأنَّ الفقه لا يثمر إلَّا بنشره وتعليمه للناس.
ثمَّ إنَّ قوله "أفضل من ألف عابد" هو بيان لمقام عظيم، حتَّى يُدرك المتلقي أنَّ قيمة العلم في منظومة أهل البيت (عليهم السلام) تُقاس بعمق الأثر والبصيرة والهداية؛ فكم من عابدٍ في التاريخ كان بلا فقه، فكان سببًا في انحرافه أو انحراف غيره، وكم من راويةٍ فقيهٍ ترك بصمته الخالدة في قلوب الناس، وساهم في حفظ الدين ونشر نور أهل البيت (عليهم السلام).
2ـ الشَّفاء من الأمراض البدنية والمعنوية.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إِنَّ ذِكْرَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ شِفَاءٌ مِنَ الْعِلَلِ وَالأَسْقَامِ وَوَسْوَاسِ الرَّيبِ، وَإِنَّ حُبَّنَا رِضَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَالآخِذُ بِأَمْرِنَا وَطَريقَتِنَا وَمَذْهَبِنَا مَعَنَا غَدًا في حَظيرَةِ الْفِرْدَوْسِ، وَالْمُنْتَظِرُ لأَمْرِنَا كَالْمُتَشَحِّطِ بدِمَهَِ في سَبيلِ اللهِ"(8).
وهذا الحديث الشريف يشير إلى أن ذكر أهل البيت (عليهم السلام) دواءٌ فعَّالٌ للعلل البدنية والنفسية، ومنها "وسواس الريب"، أي الشكّ والاضطراب الذي قد يصيب قلب المؤمن، والدواء لذلك هو التعلُّق بكلامهم وسيرتهم، كما يُصرّح الإمام (عليه السلام) بأنَّ محبَّتهم طريق مضمون لرضى الله (تعالى)، ومصداق من مصادق القرب الإلهي.
ويؤكّد النصُّ الشريف أنَّ المعيار الواقعي للفوز بالجنَّة الأخذ بأوامرهم، واتباع نهجهم، والتدين بمذهبهم، وهو ما عبّر عنه الإمام (عليه السلام) بوضوح بقوله: "الآخذ بأمرنا... معنا غدًا في حظيرة الفردوس".
3ـ يضاعف الثَّواب.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "يا جابِرُ، واللَّهِ لَحَديثٌ تُصيبُه مِن صادِقٍ في حَلالٍ وحَرامٍ، خَيرٌ لَك مِمَّا طَلَعَت عليه الشمسُ حتّى تَغرُبَ"(9).
وهذا الرواية تضع معيارًا دقيقًا لأهميَّة العلم المرتبط بأهل البيت (عليهم السلام)، ويُبرز مكانة الحديث الصحيح عنهم، خصوصًا في أبواب الحلال والحرام، وهي المفاصل الدقيقة التي يقوم عليها التديُّن والالتزام الشرعي؛ فالقَسَم بـ "والله" في مطلع الحديث، يؤكد شدَّة اهتمام الإمام الباقر (عليه السلام) بالأمر، وهو إشارة إلى عظمة المضمون وخطورته في ميزان القيم الدينية.
إنَّ الإمام (عليه السلام) لا يتحدَّث هنا عن أيّ علم؛ بل عن علمٍ مأخوذ من "صادق"؛ أي إمام معصوم أو راوٍ موثوق، يوضح حكم الله (تعالى) في مسألة من مسائل الحلال والحرام، وهي من أهمِّ ما ينبغي للمؤمن أن يعرفه ويتقنه ليعبد الله (سبحانه) على بصيرة.
ثمَّ تأتي المفاضلة العجيبة: وأنَّ هذا الحديث الواحد الذي يصيبك من مصدر موثوق، خيرٌ لك من الدُّنيا وما فيها؛ أي كلُّ ما "طلعت عليه الشمس حتَّى غربت" -من أموال، ومناصب، ولذّات، ومباهج الحياة- لا يُقاس في نظر الإمام بثواب، وأثر، وقيمة حديثٍ واحد صحيح يُقرّبك إلى الله (تعالى)، ويضيء لك طريق الحلال والحرام.
وهذا ما يبيِّن أنَّ العلوم الدنيوية كلها، مهما عظُمت، لا ترقى في ميزان الآخرة إلى مرتبة العلم الربَّاني المأخوذ عن حجج الله (تعالى) على الخلق؛ لأنَّ هذا العلم هو الذي يُحدّد لك كيف تعيش، وماذا تأكل، ومتى تصمت، ومتى تنطق، وكيف تعبد... فهو مفتاح رضا الله (تبارك وتعالى)، وباب النجاة.
من بركات الحديث الشريف
نقل المرجع الدِّيني السيد المرعشي النجفي (رحمه الله)... ذات يوم جاء الشَّيخ عبَّاس القمي إلى منزلنا، وكان يومًا حارًا فذهبت لأحضر له كأسًا من الزَّنجبيل، وحينما جئته به رأيت أنني نسيت أن أضع الملعقة ليخلطه قبل شربه، وحينما ذهبت مرَّة ثانية تأخرت قليلًا؛ إذ قمت بغسل الملعقة التي كانت متسخة ولم يكن لدينا غيرها... وحينما عدت إليه رأيته يخلط الشَّراب بإصبعه فبادرني إلى القول: لا تظنني على عجلة لشرب الكأس؛ ولكنني تذكرت بأنني اكتب، وأنقل روايات وأحاديث الأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم)، وظننت أن تكون البركة بإصبعي فيرتفع بها ما أشعر من الحمى. وأضاف السيِّد: وبعد هنيئة وضع الشَّيخ عباس القمي يده على الأخرى: وقال لي: لقد انقطعت الحمَّى (10).
المحور الثَّاني: آداب التعامل مع الرواية.
وإذا كان الحديث الشَّريف يتصف ببعض هذه الصِّفات، فكيف ينبغي لنا أن نتعامل معه؟
وهذه القضية تُعَدُّ من المسائل التي تكثر الابتلاءات بها؛ لذلك، سنذكر بعض الآداب، وأهمَّ القواعد التي لا بدَّ أن تكون معنا حينما نتعامل مع حديث المعصوم (عليه السلام):
أما بالنسبة للقسم الأوَّل؛ فمن هذه الآداب:
1ـ الاهتمام بحديثهم (صلوات الله عليهم) وقراءته، والتَّدبر فيه.
الاهتمام بحديث أهل البيت (عليهم السلام) هو عناية بمصدر من مصادر الهداية الإلهية التي تمثِّل الامتداد الطبيعي لبيان القرآن وتفسيره الواقعي؛ فإنَّ أحاديثهم (صلوات الله عليهم) هي الشرح العملي والتطبيقي للقرآن الكريم، ومن دونه يبقى كثيرٌ من معاني القرآن غامضًا على الأفهام. وقد أكَّدت الروايات أنّ حديثهم عدل القرآن؛ بمعنى أنّه قرينٌ له في الحجية، ومكمّلٌ له في البيان، فلا يُستغنى بأحدهما عن الآخر، والتدبر في كلامهم يُنشئ الفقه والبصيرة في الدِّين، ويُرشد الإنسان إلى الصراط المستقيم في العقيدة والعمل والسُّلوك.
2ـ طبع الأحاديث الشريفة المروية عنهم (صلوات الله عليهم) ونشرها.
ويُعدّ من أسمى صور خدمة الدِّين ونشر نور الهداية؛ لما في ذلك من حفظ تراثهم المبارك، وإيصاله إلى الأجيال المتعاقبة؛ فهذه الأحاديث تتضمَّن سيرتهم العملية، وأخلاقهم الرفيعة، ومعاجزهم التي تُظهر مقامهم الربّاني، وكلُّ ذلك يشكِّل مصدرًا للتربية والاقتداء.
إنَّ طباعة هذا التراث ونشره يمثّل ربطًا للأمَّة بمصادر النور، وتمكينًا للناس من الرجوع إلى الينابيع الأصيلة للمعرفة، بعيدًا عن التحريف والتأويل المنحرف؛ وانطلاقًا من هذه النقطة، فإنَّ طبع هذه الأحاديث يمثِّل عملًا رساليًا، له أثرٌ باقٍ في الدنيا وثوابٌ جزيل في الآخرة؛ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "المُؤمِنَ إذا ماتَ وَتَرَكَ وَرَقَةً واحِدَةً عَلَيها عِلمٌ، تَكونُ تِلكَ الوَرَقَةُ يَومَ القِيامَةِ سِترًا فيما بَينَهُ وَبَيَنَ النَّارِ، وَأعطاهُ اللَّهُ تبارَكَ وَتعالى بِكُلِّ حَرفٍ مَكتوبٍ عَلَيها مَدينَةً أوسَعَ مِنَ الدُّنيا سَبعَ مَرَّاتٍ"(11).
وعن داوود بن قاسم الجعفري قال: عرضت على أبي محمَّد العسكري (عليه السلام) كتاب (يوم وليلة) ليونس، فقال لي: تصنيف من هذا؟ فقلت تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال (عليه السّلام): أعطاه اللهُ بكلِّ حرف نورًا يوم القيامة"(12).
3ـ حفظ أحاديثهم (عليهم السلام).
فإنَّ له دور كبير في رفعة الإنسان في الدنيا والآخرة لما لأحاديثهم (صلوات الله عليهم) من نور يؤثِّر على باطن الإنسان وظاهره؛ والحقيقة أنَّ حفظ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) هو تفاعل روحي وعقائدي يربط الإنسان بمصادر النور الإلهي؛ فهذه الأحاديث الشريفة، بما تحمله من حكمة وهداية، تترك أثرًا عميقًا في قلب الحافظ وسلوكه، فتزكِّي النفس، وتطهّر الباطن، وتنير الطريق في الحياة الدنيا، وهي كذلك سبب في رفعة الدرجات يوم القيامة، كما ورد في الروايات عن فضل حفظ أربعين حديثًا، حيث يُبعث الحافظ عالمًا فقيهًا. ومن جهة أخرى، فإنَّ حفظ الأحاديث يُعدّ من وسائل صيانة الدين؛ فهو حفظٌ للرسالة واستمرارٌ لنبض الإمامة في حياة الأمة، وهو باب من أبواب القرب إلى أهل البيت (عليهم السلام)، ومن خلالهم إلى الله (عزَّ وجلَّ)؛ وقد وردت الرِّوايات الشَّريفة تشجع على حفظ أربعين حديثًا؛ عن أبي عبد الله (عليه السلام): "مَنْ حَفِظَ مِنْ أَحَادِيثِنَا أَرْبَعِينَ حَدِيثًا بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمًا فَقِيهًا"(13).
ويضاف إلى هذه الآداب بعض ما ورد عن العلماء الأعلام؛ ومنها:
- الوضوء والجلوس باتجاه القبلة.
جاء في سيرة العالم الزاهد الشيخ عباس القمي، لم ير مرَّة أنه قد دوَّن حديثًا دون أن يكون على وضوء وطهارة، أو يضع يده على صفحة كتاب أو جلده من دون وضوء، وكان دائمًا عند المطالعة أي كتاب يجلس متجهًا نحو القبلة جاثيًا على ركبتيه (14).
- تقبيل الكتاب.
كان الآخوند فاضل الدربندي يحترم الكتب العلميَّة كثيرًا إلى حد أنَّه كان يقبل كتاب «التهذيب» للشيخ الطوسي (رحمه الله) ونحوه دومًا عند حمله مثلما كان يقبل كلام الله، ويضعه على رأسه، وكان يقول: كتب الأخبار كالقرآن لها احترام (15).
- اختيار المكان المناسب لها.
قال الشَّهيد الثَّاني زين الدِّين بن علي بن الحر العاملي: "...ويراعي الأدب في وضع الكتب باعتبار علومها، وشرفها، وشرف مصنفها فيضع الأشرف أعلى الكلِّ، والأولى أن يكون في خريطة (16) ذات عروة في مسمار أو وتد في حائط طاهر نظيف في صدر المجلس ..."(17).
- بذل الجهد في تدوينها ونشرها.
يقول أحد أقرباء المرجع الدِّيني السيد محمد الشيرازي (رحمه الله): بلغ الأمر بالإمام الشيرازي (رحمه الله) أنَّه من كثرة انعكافه على التَّأليف، والكتابة؛ بحيث أنَّ سبابته عجزت عن أخذ القلم؛ ولذا كان يستفيد من سائر الأصابع الأخرى. ومن جراء الكتابة الكثيرة فقد عجزت أصابعه الأخرى عن أخذ القلم، والكتابة؛ ولذا، لجأ (رحمه الله) إلى التسجيل على "أشرطة الكاسيت"، ثمَّ يدونها البعض على الورق، وقد ألفت بعض مؤلفاته بهذه الكيفية أخريات حياته الشريفة (18).
المحور الثَّالث: قواعد التَّعامل مع الروايات الشريفة.
في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، كما في القرآن الكريم، تتنوّع النصوص بين المحكم والمتشابه؛ والمحكم هو البيِّن الواضح الذي يُفهم بظاهر لفظه، ويُعمل به مباشرة، أمَّا المتشابه فهو ما يحتاج إلى تأملٍ عميق وتفسير دقيق لفهم مراده، وهذا التنوّع هو أسلوبٌ تربويٌ وتشريعيٌ عميق، يربّي العقول على التدبُّر، ويدعو العلماء إلى التسلّح بالأدوات العلمية والرجوع إلى أهل الاختصاص لفهم النصوص؛ إذ ليس كلّ حديث يمكن الأخذ به من دون فهمٍ دقيق لسياقه، ومراده، ودرجة صدوره، وما إذا كان ظاهرًا أو بحاجة إلى تأويل. وهذه الحقيقة تجعلنا نتعامل مع رواياتهم بعين الباحث المتأمِّل، لا السطحي المستعجل، مما يعمِّق علاقتنا بعلمهم، ويصوننا من الانحراف في الفهم أو التَّفسير.
فما هو موقف الإنسان اتِّجاه الروايات التي قد يصعب عليه تقبُّلها أحيانًا؟
الجواب: إنَّ القرآن الكريم والمعصومين (عليهم السلام) قد وضعوا قواعد عديدة للتعامل مع مثل هذه النصوص الشَّريفة؛ وأهمُّها:
القاعدة الأولى: ألَّا نسارع في إنكار هذه الأخبار.
قال الله (سبحانه): (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (19).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "مَنْ رَدَّ حَدِيثًا بَلَغَهُ عَنِّي فَأَنَا مُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا بَلَغَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ لَمْ تَعْرِفُوا فَقُولُوا: اللهُ أَعْلَمُ"(20).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "لَا تُكَذِّبُوا بِحَدِيثٍ أَتَاكُمْ بِهِ مُرْجِئِيٌّ، وَلَا قَدَرِيٌّ، وَلَا خَارِجِيٌّ نَسَبَهُ إِلَيْنَا، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّهُ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ، فَتُكَذِّبُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ عَرْشِهِ"(21).
من الخطأ الكبير أن نردَّ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) لمجرَّد أنَّها لم تدخل عقولنا أو لم نفهمها بشكل مباشر؛ فالأحاديث التي وردت عنهم (صلوات الله عليهم) تحمل في طيَّاتها معاني عظيمة وتوجيهات إلهية عميقة، وقد لا نكون في بعض الأحيان قادرين على استيعابها تمامًا بسبب محدودية معرفتنا أو فهمنا.
إنَّ أهل البيت (عليهم السلام) هم من أرقى مصادر المعرفة في ديننا، وهم يحملون علمًا واسعًا استمدوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وعليه، فإنَّ تقبل رواياتهم والعمل بها يجب أن يكون من منطلق الإيمان العميق بأنَّ ما يخرج عنهم هو جزء من علم الله (تعالى) اللامتناهي. وعندما نجد حديثًا لم نتمكن من استيعابه، يجب أن نتريث ونبحث في معانيه بشكل أعمق بدلًا من ردِّه أو تكذيبه؛ عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَصَرَ عِبَادَهُ بِآيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ: أَلَّا يَقُولُوا حَتَّى يَعْلَمُوا، وَلَا يَرُدُّوا مَا لَمْ يَعْلَمُوا. إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) (22) وقَالَ: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) (23) "(24).
القاعدة الثَّانية: ردُّ الحديث عند عدم العلم به إلى أهله.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ما وَردَ علَيكُم مِن حَديثِ آلِ محمّدٍ صلواتُ اللهِ علَيهِم فلانَتْ لَهُ قُلوبُكُم وعَرَفْتُموهُ فاقْبَلوهُ، وما اشْمَأزَّتْ مِنهُ قُلوبُكُم وأنْكَرْتُموهُ فَرُدّوهُ إلى اللهِ وإلى الرَّسولِ وإلى العالِمِ مِن آلِ محمَّدٍ عليهم السلام"(25).
عندما نواجه حديثًا شريفًا عن أهل البيت (عليهم السلام) لم نفهمه أو لم نكن على يقين من صحته، يجب أن نتذكر أن ردَّ الحديث في هذه الحالة إلى أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم، أو إلى العلماء الموثوقين الذين يمثلون خطَّهم الصحيح، هو الطريق الأنسب؛ قال الله (تعالى): (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (26)؛ فإنَّ العلماء الثقاة هم الذين يستطيعون إضاءة الطريق لنا وتوضيح معاني الأحاديث الشريفة.
إنَّ ردَّ الأحاديث إلى أهل البيت (عليهم السلام) أو العلماء هو علامة على التَّواضع والاعتراف بحدود علمنا، وكذلك يعكس هذا السلوك الإيمان العميق بأنَّ ما نقله أهل البيت (عليهم السلام) هو الحقيقة العظيمة التي يجب علينا أن نتبصر في معانيها ونسعى جاهدين لفهمها بشكل صحيح.
القاعدة الثالثة: التَّوقف عند الشبهات.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "الْوُقُوفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَةِ وتَرْكُكَ حَدِيثًا لَمْ تُرْوَه خَيْرٌ مِنْ رِوَايَتِكَ حَدِيثًا لَمْ تُحْصِه"(27).
عندما نواجه روايات متشابهة أو غير واضحة عن أهل البيت (عليهم السلام)، يتعيَّن علينا التوقف والتأمل، بدلًا من التسرع في إصدار الأحكام أو رفضها؛ فالروايات المتشابهة قد تكون محملة بمعانٍ عميقة أو تحتاج إلى سياق أوسع لفهمها بشكل صحيح، وقد يكون في ظاهرها تعارض؛ لكن فهمها يتطلَّب دراية علمية ودينية دقيقة؛ فأهل البيت (عليهم السلام)، بما لديهم من علم ومعرفة، كانوا يعبرون عن أبعاد مختلفة من الحقيقة، وقد يكون التشابه في بعض الروايات نتيجة لاختلاف السياقات أو الأهداف من الحديث. وفي مثل هذه الحالات، من الضروري أن نستعين بعلماء متخصصين في تفسير الأحاديث ودراستها؛ لأن لديهم القدرة على تمييز المعاني الدقيقة وإزالة أي لبس قد يطرأ عند القارئ غير المتمكن. والتَّوقف هنا لا يعني الجمود أو الركون إلى الشكوك، وإنَّما هو دعوة للتعمق في البحث والتفكير؛ فالتمحيص والتدقيق في الأحاديث المتشابهة يعمق فهمنا لتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) ويوجهنا إلى تفسير دقيق يتماشى مع سياق الدين وفلسفته؛ لذا، فإنَّ احترام الروايات المتشابهة والبحث عنها بروح من التفهم والتواضع هو الطريق الأمثل لفهم أعمق وأكثر صدقًا لهذا التراث العظيم.
القاعدة الرابعة: عرض الحديث على القرآن الكريم وعلى المحكم من رواياتهم الشَّريفة.
عندما نواجه حديثًا عن أهل البيت (عليهم السلام)، فإنَّ من أهم أساليب التحقق من صحته وفهمه هو عرضه على القرآن الكريم وعلى المحكم من روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم، وهذا الأسلوب يعكس تكامل التشريع الإسلامي الذي لا يتناقض فيه القرآن مع السنة النبوية والأحاديث الشريفة.؛ لأنَّ القرآن هو المصدر الأول للتشريع في الإسلام، وإذا كان الحديث يتفق مع ما ورد في القرآن ويؤيده، فإنَّ ذلك يدلُّ على صحته وتوافقه مع المعاني الأساسية للإسلام، وأمَّا إذا كان الحديث يتعارض مع آيات واضحة في القرآن، فإنَّ هذا يستدعي التوقف والتدقيق، وربما يحتاج إلى تفسير أو تأويل يزيل أي لبس.
وأمَّا بالنسبة لعرض الحديث على المحكم من روايات أهل البيت (عليهم السلام)، أي الأحاديث التي تعتبر ثابتة وواضحة في معناها؛ فإنَّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أدرى بما ورد عنهم، وقد رويت العديد من الأحاديث التي تشرح بعضها بعضًا وتوضّح المفاهيم العميقة في الدين؛ وإذا كان الحديث موافقًا للمحكم من رواياتهم، فإنَّه يكتسب مزيدًا من الثقة والمصداقية؛ عن الإمام الرضا (عليه السلام) قيل له تجيئنا الأحاديث عنكم مختلطة؟ قال: "مَا جَاءَكَ عَنَّا فَقِسهُ عَلى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وجَل وأحَادِيثِنَا فَإن كَانَ يَشبَهُهَا فَهُوَ مِنَّا وإن لَم يُشبِهُهَا فَلَيسَ مِنَّا..."(28).
إنَّ حديث المعصوم (عليه السلام) هو تجلٍّ حيٌّ لنور الهداية، وصوتٌ خالدٌ للوحي الإلهي، ومعينٌ لا ينضب من الحكمة والمعرفة، والتعامل مع هذا الحديث المبارك يستدعي خشوع القلب، وتعظيم المقام، والتسلّح بأدب التلقّي والفهم والتبليغ؛ فمن خلال كلماتهم تُستضاء العقول، وتُشفى الأرواح، وتُهتدى القلوب التائهة إلى صراط الله (تعالى) المستقيم.
لقد علَّمنا الأئمة (عليهم السلام) أنَّ من رام نور القرآن الكريم فلا غنى له عن حديثهم (عليهم السلام)، ومن ابتغى مرضاة الله (سبحانه وتعالى) فلا طريق له إلَّا باتّباعهم، ومن أراد النجاة فعليه أن يُقبِل على حديثهم بعقلٍ متفكر، وقلبٍ منفتح، وسلوكٍ صادق.
..............................................
الهوامش:
1. بحار الأنوار: ج2، ص307.
2. نوادر الأخبار: ص94.
3. بصائر الدرجات: ص42.
4. معاني الأخبار: ص188.
5. سورة النجم/ الآية: 3ـ 4.
6. شرح أصول الكافي: ج1، ص335-336.
7. بحار الأنوار: ج2، ص308.
8. تحف العقول: ص115.
9. نوادر الأخبار: ص90.
10. التحفة الصادقية: ص101.
11. بحار الأنوار: ج2، ص307.
12. نوادر الأخبار: ص55.
13. بحار الأنوار: ج2، ص314.
14. سر نجاح الحكماء، 132.
15. المصدر نفسه: ص135.
16. شيء أشبه بالحقيبة.
17. منية المريد: ص193ـ 194.
18. ينظر: القصص الشيرازية: ص61ـ 62.
19. سورة الإسراء/ الآية:36.
20. بحار الأنوار: ج2، ص212.
21. المصدر السابق: ج2، ص212.
22. سورة الأعراف/ الآية: 169.
23. سورة يونس/ الآية: 39.
24. بصائر الدرجات: ص538.
25. بحار الأنوار: ج2، ص189.
26. سورة النحل/ الآية: 43.
27. نوادر الأخبار: ص107.
28. جامع أحاديث الشيعة: ج1، ص64.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النشرة
منذ ساعة واحدة
- النشرة
الهدف والحل
لم يشأ المسيح ان يعطينا الهدف من دون حل، فهو قال لنا ان نلحق به الى حيث هو ذاهب. ولعلمه بضعفنا، ابلغنا اننا لا نستطيع ان نكون معه، ولكنه لم يترك الباب مغلقاً بل اعطانا الحل وهو: المحبة ، وان نحب بعضنا بعضا كما هو أحبّنا. هذا هو السر، ومفتاح الحل لكي نستطيع ان "نذهب حيث هو ذاهب"، والا سنبقى حيث نحن ولن نتمكن من دخول الملكوت. هدف الله هو خلاصنا، ويجب ان يكون هدفنا مطابقا لهدفه، وكلمة السر الوحيدة هي: المحبة...

المركزية
منذ 4 ساعات
- المركزية
افتتاح مؤتمر اليوم العالمي للنحل في الغازية
نظم اتحاد النحالين العرب وثانوية السفير في حرمها في الغازية، برعاية الجامعة العربية المفتوحة، مؤتمر اليوم العالمي للنحل 2025 "التغيرات المناخية وأثرها على تربية النحل: التحديات والحلول"، تحت شعار "حياة النحل..حياة الأرض". جمع المؤتمر الذي تمتد أعماله على مدى يومين، نخبة من الباحثين والأكاديميين والنحالين والمهندسين والمزراعين والخبراء البيئيين وطلاب الثانويات والجامعات. وتضمن محاضرات وندوات وورش عمل تحدث فيها خبراء ومتخصصون، وترافق مع معرض لمنتجات النحل، وإطلاق أول نشيد لـ"اتحاد النحالين العرب". ويجسّد المؤتمر دعم الجامعة العربية المفتوحة للمبادرات العلمية الهادفة والقضايا البيئية والاقتصادية ذات الصلة بالتنمية المستدامة وتعزيز أواصر التعاون بين التعليم العالي والقطاعات المنتجة والمجتمعية ارساءً لمسارات البحث التطبيقي والحلول المستدامة، حيث تلاقى هذا التوجه لدى الجامعة مع أهداف اتحاد النحالين العرب في تطوير مهنة تربية النحل في الوطني العربي والارتقاء بها ، ومع تبني ثانوية السفير " الخضراء " ضمن رسالتها التربوية التربية البيئية فكرًا وسلوكًا وجزءًا لا يتجزأ من منهاجها وأنشطتها. حضر افتتاح المؤتمر: مديرة الجامعة العربيّة المفتوحة - فرع لبنان الدكتورة يارا حمدان العبد الله ممثّلة بالدّكتور أحمد ميقاتي، رئيس اتّحاد النّحّالين العرب الدكتور فتحي السّيّد بحيري وأعضاء في الاتحاد، ممثلون عن قطاعات: النحّالين، المهندسين، المزارعين، ونخبة من الباحثين والأكاديميين والناشطين البيئيّين والفنّانين والشعراء والأدباء والرياضيّين والطلّاب ومحبّي النّحل والطّبيعة. وكان في استقبالهم مدير ثانوية السفير الدكتور سلطان ناصر الدين والهيئة المنظّمة . فقيه افتتح المؤتمر بالنّشيد الوطني ونشيد السّفير وتقديم من الدكتورة رقية فقيه قالت فيه: "ليس أعذب من كون فاض بنعم الله، سماؤه حكايات المطر العاشق، وأرضه حكايات عطاء وجمال أخضر، وما بين الأرض والسّماء روايات من عالم النّحل، أسرار وخفايا، وحياة مدادها السّماء والأرض، ووحده الإنسان كفيل بحفظ منظومة هذا الكون وحفظ عالم النّحل. والنّحل هديّة الله إلى عباده. ووحده الإنسان يجعل المطر حياة، فيزهو الزّعتر والدّحنون، ويزدهي السّرو والسّنديان ، وتغدو حياة النّحل أسطورة عطاء وشفاء". ناصر الدين كلمة ثانويّة السّفير ألقاها مديرها الدكتور سلطان ناصر الدّين فاعتبر أننا" نجتمع اليوم لنعلن أنّ حماية النّحل ليست ترفًا بيئيًّا، بل فريضة وجوديّة"، وقال:" نثمّن جهود اتّحاد النّحّالين العرب، الجهود العلميّة والجهود الميدانيّة، ونقدّر التزامه الدّؤوب في وجه تحديّات تزداد تعقيدًا. أنتم حرّاس النّحل. يا من جعلتم من النّحل هويّة عربيّة جامعة، لكم منّا تحيّة نقيّة كأجنحة النّحل طيّبة كعطر البساتين. هذا المؤتمر العطر يزهو برعاية الجامعة العربيّة المفتوحة الّتي تفتح أبوابها للعلم كما تفتح الزّهرة قلبها للشّمس. رعايتكم تأكيد بأنّ الجامعة ليست مكانًا للتّعليم فحسب، بل شريك حقيقيّ في قضايا الإنسان، والتزام بمدّ جسر حيّ بين المعرفة والواقع ، إذ إنّ المعرفة الأصيلة تكون في خدمة الإنسان والبيئة والأرض. لكم منّا تحيّة ملؤها مودّة خالصة كعسل نحل الزّعتر والخزامى والنّارنج وإكليل الجبل". واعتبر ناصر الدين أن "المدارس والجامعات مدعوّةٌ ، اليوم ، لأن تتجاوز وظيفتها التّقليديّة، لأنّها سفن التّغيير في هذا المدّ العاتي، ولأن تُخرّج أجيالًا يصغون لرسائل الطّبيعة، في قلوبهم حسّ بيئيّ، وفي عقولهم تفكير سامٍ في كائنات الأرض والحفاظ عليها" . ورأى أنّ "تربية الوعي مسؤوليّة توازي تربية النّحل، وأنّ حماية هذا الكائن النّبيل جزء من رسالتنا التّربويّة ومن رؤيتنا لبناء إنسان متصالح مع الطّبيعة". واقترح ناصر الدين في معرض كلمته أن "تدخل النّحلة إلى المناهج التّعليميّة لا كمعلومة بل كقيمة، وأن ننشئ حدائق وحقولًا صديقة للنّحل، وأن نعمل على الحدّ من السّموم الصّامتة القاتلة وأن نعزّز البحث العلميّ المتعلّق بالنّحل في المدارس والجامعات، وأن ننظّم حملات توعويّة مجتمعيّة تحت شعار"حياة النّحل... حياة الأرض" . وختم بالقول : "إنّ النّحل ينادينا بلغة الطّبيعة :" احفظوني تحفظوا توازن الحياة ". فَلْنُصغِ إلى هذا النّداء بقلوبنا وعقولنا . وَلْنحمِ طنين النّحل كي نحميَ نبض الأرض" . نشيد اتّحاد النّحّالين العرب ثم جرى اطلاق أول نشيدَ لـ"اتّحاد النّحّالين العرب" من تأليف الشّاعر محمّد ترحيني، ألحان أحمد ناصر، تسجيل دار البنان ، وإنتاج ثانويّة السّفير. بحيري وتحدث رئيس اتّحاد النّحّالين العرب الدّكتور فتحي السّيّد بحيري فاعتبر أنه " في عالمنا العربي، حيث ازدهرت ثقافة تربية النحل منذ آلاف السنين، تتجلى أهمية هذا الكائن في دعم الزراعة المستدامة، وتعزيز الاقتصاد الريفي، والمحافظة على تراثنا الطبيعي والثقافي". وقال : لكن، ورغم كل هذا العطاء، يواجه النحل اليوم تحديات غير مسبوقة؛ من فقدان الموائل الطبيعية، إلى الاستخدام المكثف للمبيدات، مرورًا بآثار التغيرات المناخية التي تؤثر على دورة الإزهار، وتُربك مواسم الإنتاج، بل وتُهدد بقاء سلالات بأكملها. لقد بات واضحًا للعالم أجمع أن نحل العسل لم يعد مجرد عنصر في البيئة، بل هو مرآة تعكس صحة النظم البيئية برمتها. فإن ازدهر النحل، ازدهرت معه الحياة، وإن اختفى، دقّ ناقوس الخطر على مستقبل التنوع البيولوجي". وأضاف: نحن بحاجة إلى سياسات عربية موحّدة تدعم النحالين، وتُعزز البحث العلمي، وتُشجع على الزراعة الصديقة للنحل، وتُواجه آثار التغير المناخي بمنهج علمي متكامل.كما أننا نؤمن بضرورة تمكين الأجيال الجديدة من أدوات المعرفة البيئية، وتعزيز دور المدارس والجامعات في خلق وعي جماهيري يتبنى حماية النحل كجزء من الهوية البيئية للمجتمعات العربي". ودعا بحيري " لنجعل من هذا اليوم العالمي وقفة وعي وعهد جديد مع الطبيعة، نجدد فيه التزامنا كأفراد ومؤسسات، بأن نكون معاً صوتًا عربيًا رائدًا في حماية النحل، وداعمًا حقيقيًا للتنمية المستدامة". وختم : كونوا أبطال النحل في حقولكم ومدنكم وبيئتكم..ازرعوا زهرة، تحيوا نحلة، وتُنقذوا نظامًا بيئيًا بأكمله". كلمة الجامعة العربية المفتوحة وبعد عرض فيديو بعنوان " تأمّلات على لسان نحلة" من إعداد "ثانوية السفير" ، كانت كلمة راعية المؤتمر، مديرة الجامعة العربيّة المفتوحة الدكتورة يارا حمدان العبد الله ممثّلة بالعميد الدكتور أحمد ميقاتي الذي أعرب عن اعتزاز الجامعة بأن تشارك في رعاية هذا المؤتمر العلمي البيئي المتخصص، إيمانًا منها بالدور الحيوي الذي تضطلع به الجامعات في مواكبة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتقديرًا منها لأهمية قطاع النحل في استدامة النظم البيئية، وصون التنوع البيولوجي، وتعزيز الأمن الغذائي، ودعم الاقتصاد الزراعي المحلي. وقال: لقد تأسست الجامعة العربية المفتوحة على رؤية تنموية وإنسانية رائدة، وضع أسسها صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز (رحمه الله)، قائمة على مبدأ إتاحة التعليم العالي النوعي للجميع، بجودة عالية وكلفة ميسّرة، مع التزام واضح بقيم التنمية المستدامة، وتمكين الأفراد بالمعرفة المستمرة لخدمة مجتمعاتهم. وأضاف: "يأتي انعقاد هذا المؤتمر في مرحلة دقيقة يمرّ بها العالم بأسره، تتجلى فيها آثار التغيرات المناخية بصورة غير مسبوقة، لا سيما في منطقتنا العربية ولبنان، الذي يعاني في هذه المرحلة من العدوان الإسرائيلي الغاشم والمتواصل، خاصة على الجنوب، ما تسبب بأضرار بيئية خطيرة، لحِقت بالتربة والهواء والتنوع البيولوجي وقضت على مساحات شاسعة من الغابات، وأثّرت بشكل مباشرة على النحل كمؤشر بيئي حساس، وعلى إنتاج العسل، وبالتالي على الأمن الغذائي برمّته. وإن رعاية الجامعة لهذا المؤتمر تأتي انسجاماً مع سياستها في دعم مبادرات التنمية المستدامة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين الأكاديمي والمجتمعي، وتكريس ثقافة بيئية مسؤولة". واعتبر ميقاتي، أن هذا المؤتمر " يكتسب أهميته من غنى محاوره العلمية وتنوعها وتكاملها ومن هذه العلاقة المتجانسة والمتناغمة بين الفنون والبيئة، حيث نجد مقاربات إنسانية تُترجم صوت النحل بريشة الفنان وقصيدة الشاعر. وقال: نُثمّن هذه المقاربة التي تجمع بين العلم والعمل، إذ نؤمن أن هذه المؤتمرات تشكّل منابر نوعية لبناء جسور المعرفة وصياغة سياسات بيئية متطورة انطلاقاً من البحث العلمي والتطبيق العملي. نجدّد عهدنا في الجامعة العربية المفتوحة والتزامنا الراسخ بدعم كل مبادرة علمية وإنسانية تضع البيئة في قلب اهتمامها، ونؤمن أن تفعيل دور الجامعات في قضايا الساعة، هو ركيزة أساسية لصناعة التغيير الإيجابي للمجتمعات . متمنين أن يُسهم هذا المؤتمر في فتح آفاق جديدة للحوار والحلول والعمل المشترك". تكريم بعد ذلك كرمت ثانوية السفير ممثلة بمديرها الدكتور ناصر الدين الجامعة العربيّة المفتوحة ممثلة بالعميد الدّكتور أحمد ميقاتي، واتّحاد النّحّالين العرب ممثلاً بالدّكتور فتحي بحيري. وقدم ناصر الدين هديّة إلى كل من كاتب نشيد اتّحاد النّحالين العرب الشّاعر محمّد ترحيني ومقدّمة الاحتفال الدكتورة رقيّة فقيه. معرض "من خيرات الخلية" وفي ختام الجلسة الافتتاحية ، افتتح ممثل راعية المؤتمر الدكتور ميقاتي والدكتور بحيري والدكتور ناصر الدين بمشاركة الحضور معرض "من خيرات الخليّة" وجالوا في أجنحته، حيث تضمن المعرض منتجات النحل من "عسل وطلع ازهار وغذاء ملكي ومراهم ومستحضرات تجميل وأدوات نحالين".


الميادين
منذ 4 ساعات
- الميادين
إصابات بين الفلسطينيين في تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة
أصيب عدد من الفلسطينيين، مساء السبت، في اعتداءات للمستوطنين في أرجاء متفرّقة من الضفة الغربية المحتلة. وأفاد مصدر محلي بأنّ عشرات المستوطنين هاجموا بلدة دير دبوان من مدخلها الشرقي، وحاولوا اقتحامها، حيث تصدّى الأهالي لهم، ما أدّى لعدد من الإصابات الطفيفة في صفوف الفلسطينيين. مستوطنون يحرقون ممتلكات للفلسطينيين على أطراف قرية دير دبوان، شرق رام الله. ذلك، اعتدى مستوطن بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء السبت، على مواطنين بين بلدة نعلين وقرية قبيا، غرب رام الله. وأفاد رئيس بلدية نعلين، يوسف الخواجا، وفق وكالة "وفا" للأنباء، بأنّ مستوطنين هاجموا عدداً من الفلسطينيين في الأراضي الواقعة بين نعلين وقرية قبيا المجاورة، وأجبروهم على مغادرة أراضيهم، وقاموا بإطلاق أغنامهم في المحاصيل الزراعية. وأضاف الخواجا أنّ نعلين تتعرّض لاعتداءات مستمرة من المستعمرين، خاصة من البؤرة الاستعمارية المقامة على أراضي المواطنين في جبل العالم، على أطراف البلدة. بحراسة جيش الاحتلال.. مستوطنون يعتدون على المزارعين في منطقة المرج بين بلدتي نعلين وقبيا، غرب رام الله. اليوم 19:11 اليوم 16:22 وفي وقت سابق من يوم السبت، اقتحمت قوات الاحتلال عدّة مناطق في نابلس وطولكرم في الضفة الغربية، فيما اعتدى مستوطنون على مواطنة بالضرب في مسافر يطا جنوب الخليل. واعتقلت قوات الاحتلال شاباً عقب اقتحام بلدتي عتيل ودير الغصون شمال طولكرم، كما اقتحمت تلك القوات عزبة شوفة بقضاء المدينة. آليات الاحتلال تجوب شوارع وسط مدينة طولكرم. قوات الاحتلال أحد المنازل عقب اقتحام بلدة قبلان جنوب نابلس. وأطلقت قوات الاحتلال النار تجاه المزارعين في سهل بلدة سالم شرق نابلس. وأفادت وسائل إعلام فلسطينية بأنّ مستوطنين من بؤرة "اسخار مان" اعتدوا بالضرب على المواطنة دلال عوض، خلال اقتحامهم خربة الطوبة ودفعوها على الأرض بعد مطاردتها واقتحام مسكنها ما أدى إلى إصابتها برضوض. واستشهد 18 فلسطينياً في اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية خلال أيار/مايو الجاري، وفق مركز معلومات فلسطين "معطي". وأشار المركز إلى أنّه إضافة لعمليات القتل التي ارتكبها الاحتلال بحقّ الفلسطينيين في الضفة الغربية، فقد أصيب 167 فلسطينياً برصاص الاحتلال واعتداءات المستوطنين. وأفاد بأنّه خلال شهر أيار اعتقلت قوات الاحتلال 557 فلسطينياً خلال تنفيذ 1160 عملية اقتحام في أنحاء متفرّقة من الضفة الغربية، إلى جانب إبعاد مواطن واحد على الأقل.