logo
هل تراجعت مجموعات القراءة على السوشيال ميديا؟ (تقرير)

هل تراجعت مجموعات القراءة على السوشيال ميديا؟ (تقرير)

الدستور١٢-٠٥-٢٠٢٥

على مدى السنوات الأخيرة، أصبحت مجموعات القراءة على مواقع التواصل الاجتماعي نافذة مهمّة للمهتمين بالكتب والثقافة، وعوضًا عن الندوات التقليدية وصالونات الأدب، بات في مقدور أي قارئ – في أي مكان – أن ينخرط في مجتمع قرائي متنوع بمجرد نقرة زر، ولكن مع صعود المحتوى المرئي والترفيهي، بدأ البعض يتسائل: هل تراجعت فعلاً أهمية تلك المجموعات؟ أم أنها فقط تتشكل بأسلوب جديد؟.
في هذا التقرير، نستعرض تجارب ثلاث من مؤسسات أشهر مجموعات القراءة في مصر، ونتوقف عند شهادات قراء شباب وجدوا في هذه المجموعات معنى يتجاوز القراءة التقليدية..
مجموعات القراءة جزء من المشهد الثقافي
قالت سارة إبراهيم، مؤسسة جروب "Bookmark"، إن الدافع وراء تأسيس المجموعة كان نابعًا من "احتياج ورغبة شخصية في التواجد ضمن مجتمع يشاركني نفس شغفي بالقراءة، وفي نفس الوقت يساعدني على توسيع معرفتي بكتب وثقافات جديدة".
وأوضحت إبراهيم أن التفاعل في السنوات الأولى من تأسيس "Bookmark" كان ضعيفًا، مشيرة إلى أن "فكرة جروبات القراءة لم تكن واضحة بعد، ولم يكن تأثيرها ظاهرًا بشكل كافٍ، ولكن من بعد جائحة كورونا بدأت الأنظار تتوجه بقوة إلى هذه المجموعات، سواء من قراء أو كُتّاب أو حتى دور نشر، وبدأ يتجلى الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه المجموعات الثقافية".
وأكدت أن رواج المنشورات داخل المجموعة لا يرتبط بمواضيع محددة بقدر ما يرتبط بجودة الكتابة نفسها، قائلة: "في رأيي، ليس هناك موضوعات معينة عليها رواج، بقدر ما هناك كتابة جيدة تجد تفاعلًا وإقبالًا".
وفيما يخص التفاعل، نفت إبراهيم وجود تراجع حقيقي، مؤكدة أن "شكل التفاعل هو الذي تغير فقط"، موضحة: "بدلًا من التعليقات السطحية أو العشوائية، أصبح الأعضاء يأخذون وقتهم في القراءة والرد، وهذا في الحقيقة ليس سلبيًا، بل العكس، لأنه يمنح النقاش عمقًا وصدقًا". وأضافت: "التفاعل يعلو ويهبط بطبيعة الحال حسب الظروف، مثل مواسم السفر أو الانشغال بالعمل، أو حتى حالات الملل من السوشيال ميديا عمومًا، لكن كأرقام وكمجتمع، الجروب لا يزال نشطًا.. كل أسبوع هناك أعضاء جدد، ولا يزال القدامى يشاركون ويتناقشون".
وعن تأثير المحتوى الترفيهي مثل الريلز والبودكاست واليوتيوب، قالت إبراهيم: "لا أرى أي تعارض أو تأثير سلبي لهذا النوع من المحتوى على مجموعات القراءة، بل على العكس، أنا لا أتابعهم من الأساس، لأن الأمر كله يتعلق بفكرة المنصة ومحتواها، ومدى قوة تأثيرها وجاذبيتها، لا بنوع الوسيط".
وشددت على أن التغيير سُنة الحياة، وعلى من يدير أي مجموعة أن يواكب ما يحدث من حوله ويختار الطريقة التي تناسبه وتجعله مرتاحًا، قائلة: "بما إن Bookmark قائم على التطوع، فالمساحة فيه مفتوحة للحرية أكثر، دون ضغوط، وكل شخص يقدم ما يستطيع، وبالطريقة التي يراها مناسبة".
ورأت إبراهيم أن مجموعات القراءة أصبحت "جزءًا من المشهد الثقافي على السوشيال ميديا"، مؤكدة أن هذا ليس أمرًا سلبيًا، بل "واقع يجب التعامل معه بجدية"، مضيفة: "هذه المجموعات ستظل موجودة ما دام هناك شغف حقيقي بالقراءة، وأشخاص قادرون على إنتاج أفكار جديدة، واقعية، وتخاطب الناس بصدق وليس بتصنّع".
واختتمت إبراهيم تصريحها بالتأكيد على أن "المشكلة ليست في وجود جروبات القراءة، وإنما في طريقة إدارتها، ومدى نجاحها في بناء مجتمع صحي يشجع على النقاش والتفكير، بدلًا من أن تتحول إلى سباق تفاعل أو استعراض ثقافي"، مستطردة: "الجروب الناجح هو الذي يخلق حالة حقيقية حول الكتب، حالة تتيح لك اكتشاف الجديد، لا أن تقرأ فقط لإثبات أنك مثقف، وطالما هناك محبون حقيقيون للكتب، يبحثون عن دوائر يشاركون فيها هذا الشغف دون أي مقابل مادي.. ستظل جروبات القراءة حاضرة وفاعلة".
وسيلة ناجحة لخلق شبكة معرفية آمنة تربط القرّاء حول العالم
من جهتها؛ قالت الدكتورة غادة لبيب محمود، مؤسسة صفحة وجروب "Book Garden"، أن فكرة إنشاء المجموعة جاءت بدافع شخصي نابع من حبها للقراءة منذ الطفولة، وهي الهواية التي اكتسبتها من والدها، واستمرّت معها خلال مختلف مراحل حياتها، وإن كان معدل ممارستها قد ارتبط بانشغالاتها الحياتية الأخرى.
وأشارت د. غادة إلى أنها كانت عضوة في مجموعة "قراء مدينتي"، وهي مجموعة مغلقة مخصصة لسكان مدينة "مدينتي"، يتم فيها اختيار كتاب شهري لمناقشته مع الأعضاء بحضور الكاتب أحيانًا، أو بدونه. هذه المناقشات، كما تقول، كانت "ممتعة ومفيدة وتفتح بابًا لتبادل الآراء والتصورات المختلفة حول العمل الأدبي".
وتابعت: "بطلب من أصدقاء وقراء من خارج مدينتي، أنشأت في عام 2022 جروب وصفحة Book Garden كمجموعة عامة مفتوحة تتيح لأي قارئ أو مهتم بعالم الكتب الانضمام والمشاركة، سواء بمراجعات أو ترشيحات، بشرط الالتزام بقواعد الجروب.. أكتب من خلالها مراجعاتي للكتب التي أحببتها، كقارئة هاوية غير متخصصة، في محاولة لنشر الوعي بأهمية القراءة والثقافة في حياتنا".
وأضافت أن حضورها للعديد من الفعاليات الثقافية بالقاهرة، وتفاعل الكتّاب معها خلال طرحها للأسئلة، كان سببًا مباشرًا في دخولها مجال إدارة الحوارات الأدبية، حيث بدأت بمحاورة كتّاب في ندوات عامة، بدعم وتشجيع من أصدقاء الجروب وأعضائه، وبالتعاون مع كيانات ثقافية كبيرة وفاعلة في المشهد الثقافي.
وعن الإقبال على الجروب في بداياته، أوضحت أن التفاعل كان مقتصرًا في البداية على الأصدقاء والمعارف، وأولئك الذين يحضرون الفعاليات على أرض الواقع، لكن سرعان ما تطور الأمر بانضمام قراء من محافظات أخرى، بل ومن خارج مصر، "وجدوا في هذه المساحة الرقمية مكانًا يعبّر عنهم ويرغبون في المشاركة فيه".
وأكدت د. غادة أن أذواق القراء متنوعة، ولا يمكن حصر الرواج في نوع أدبي معين، مشيرة إلى تنوع الاهتمامات بين "الروايات الاجتماعية، التاريخية، النفسية، أدب الجريمة، أدب الرحلات، السير الذاتية، الفانتازيا، الرعب، والكتب النوعية"، كما نفت حدوث أي تراجع في التفاعل، باستثناء فترات موسمية مثل شهر رمضان، الذي يقل فيه معدل القراءة نسبيًا لأسباب معروفة، لكنها أكدت أن التفاعل العام ما زال قويًا.
أما عن المحتوى الترفيهي، فأكدت أنه لا يمثل تهديدًا مباشرًا للمجموعات الثقافية، "لأن المجالين مختلفان تمامًا، وإن كان هناك بعض المحتوى البصري مثل الريلز والبودكاست الذي يتناول الكتب يمكن اعتباره نوعًا من المنافسة، لكنها منافسة إيجابية، تعود بالنفع على القارئ".
وأوضحت أن مجموعة Book Garden سبقت بالفعل إلى إنتاج محتوى مرئي من هذا النوع، مشيرة إلى برنامج "صداقة وكتابة" الذي يسلّط الضوء على الجوانب الإنسانية والاجتماعية في حياة الكتّاب، بعيدًا عن التحليل الأدبي المباشر لأعمالهم، ووصفت هذا النوع من المحتوى بأنه "مكمّل وليس بديلًا".
ومن الأساليب التي أثبتت فاعليتها في تعزيز التفاعل، ذكرت د. غادة إشراك الأعضاء في اتخاذ قرارات الجروب، مثل اختيار الكتب أو المواضيع المطروحة للنقاش، مشيرة إلى أنها تتفاجأ كثيرًا بعمق وثراء إجاباتهم، وتتعلم منهم بشكل شخصي.
وفيما يخص المنصات الرقمية، أوضحت أن لكل منها طبيعته، وقالت: "الفيسبوك يدعم المحتوى الطويل والنقاشات الموسعة، بينما يعتمد إنستجرام على الصور والفيديوهات، لذا من المهم مراعاة طبيعة كل منصة للوصول إلى جمهور أكبر".
وتوقعت د. غادة أن تزداد أهمية مجموعات القراءة في السنوات المقبلة، لما تتيحه من ربط بين القرّاء في مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم، قائلة: "كم من قارئ لا يجد أحدًا في محيطه يشاركه شغفه، ويجد ذلك عبر هذه الجروبات التي توفر له التفاعل والمشاركة، سواء عبر الإنترنت أو على الأرض.. إنها وسيلة فعّالة وآمنة لتبادل المعرفة".
وأكدت أن Book Garden موجودة على جميع المنصات الرئيسية مثل فيسبوك، إنستجرام، يوتيوب، وتيك توك، وتعقد فعاليات واقعية بالتعاون مع كيانات ثقافية كبيرة، وأطلقت البودكاست الخاص بها في موسمه الثاني هذا العام، مع استمرار العمل على تطوير أفكار جديدة تُسهم في الترويج لأهمية القراءة.
واختتمت تصريحها قائلة: "بعض المجموعات تحتاج فقط إلى تطوير شكل المحتوى، أو طرح أفكار جديدة لجذب فئات عمرية مختلفة. ما يميز المشهد هو تنوعه، وكل مجموعة تعمل وفق رؤيتها وأهدافها. شخصيًا، كنت متابعة وفيّة للعديد من هذه الجروبات قبل تأسيس Book Garden، وأدين لها بالكثير، لأنها كانت رفيقة قراءاتي لفترة طويلة، وأتمنى لهم جميعًا دوام النجاح".
مجموعات القراءة تربط القارئ والكاتب والناشر.. والمستقبل لمن يتطور
أكدت مرام شوقي، مؤسسة مجموعة "بوك زون"، أن تأسيس مجموعات القراءة نابع من إيمانها العميق بأن هذه المساحات الافتراضية تمثل نقطة التقاء مهمة لأضلاع مثلث الثقافة: القارئ، الكاتب، والناشر، وهو ما يسهم في خلق جسور من التواصل المباشر والفعال بينهم.
وأوضحت شوقي أن الفكرة نبعت أيضًا من أهمية عرض الكتب والقراءات بطريقة منظمة، مما يسهل على الأعضاء معرفة أحدث الإصدارات من جهة، ويساعد القارئ المبتدئ على الإلمام بأمهات الكتب والتفاعل مع القراء المحترفين من جهة أخرى. كما أشارت إلى أن المجموعات تتيح بث الفعاليات الثقافية مباشرة، خاصة لسكان الأقاليم الذين لا يستطيعون حضورها بسهولة.
وأضافت: "أنشأت جروب بوك زون منذ نحو أربع سنوات بمشاركة الصديقة داليا نصار، وذلك ضمن مبادرة (كتاب يساوي حياة) التي كانت تهدف للتبرع بالكتب وإنشاء مكتبات في دور الأيتام. ومؤخرًا، وبعد خبرة تمتد لست سنوات في إدارة مجموعات القراءة، قررت توسيع نشاط المجموعة ليشمل مراجعات للكتب ولقاءات مع الكتّاب وتنظيم مسابقات وفعاليات، بهدف ربط مثلث الثقافة، ودعم الجيل الجديد أو ما يعرف بـ Gen Z لتوسيع أفقهم الثقافي والاستماع إلى آرائهم وميولهم".
وعن الإقبال في السنوات الأولى، أوضحت شوقي أن "الإقبال كان ضعيفًا في البداية بسبب تركيزنا على كتب الأطفال، لكن مع توسع الفعاليات وتشعب القراءات، زاد التفاعل بشكل ملحوظ". وبيّنت أن كتب التنمية البشرية والتربية كانت من أكثر الكتب رواجًا في البدايات، إلا أن القراءة الآن باتت أكثر تنوعًا.
وحول التفاعل حاليًا، قالت: "على العكس تمامًا، هناك اهتمام كبير بمجموعات القراءة، لأنها تتيح للأعضاء تواصلًا مباشرًا وسهلًا فيما بينهم، وتسهم في تسهيل لقاء الكتّاب عبر البث المباشر. وقد احتلت هذه المجموعات، إلى حد كبير، مكان صفحات الجرائد المطبوعة التي كانت تُعنى بإعلانات الكتب الجديدة".
وفيما يخص المنافسة مع المحتوى الترفيهي المرئي كالفيديوهات القصيرة والبودكاست، أقرت شوقي بتأثير هذه الوسائط، لكنها ترى أن مديري مجموعات القراءة عليهم الاستفادة منها وتطويعها لتقديم محتوى هادف، قائلة: "من المهم أن نواكب تطور السوشيال ميديا، وأن نستغل أدواتها في إثراء القراءة لا في منافستها".
وأكدت أن تطوير أساليب التفاعل داخل المجموعة لم يكن بدافع زيادة التفاعل فقط، بل لجذب جيل جديد يرى في هذه الأنشطة وسيلته المفضلة للتواصل، مضيفة: "جروب بوك زون يركز على جذب شباب القراء، ومن أكثر الوسائل فاعلية التي لاحظناها في هذا السياق هي تنظيم بث مباشر مع الكتّاب، لأن كل قارئ يتمنى التفاعل مع كاتبه المفضل مباشرة".
وتطرقت شوقي إلى تباين التفاعل بين المنصات المختلفة، قائلة: "جيل الشباب يتركز على تيك توك وإنستجرام، بينما يفضل الجيل الأكبر فيسبوك، لذا من المهم ربطهم ببعضهم البعض، واختراق عالم الشباب بمحتوى جذاب وهادف".
وبخصوص مستقبل مجموعات القراءة، شددت على أن الاستمرار مرهون بالتطور، محذرة من أن عدم مواكبة العصر قد يؤدي إلى اندثار هذه المبادرات. وقالت: "المستقبل للشباب ورؤيتهم، والطريق الأمثل هو جذبهم إلى محتوى هادف ولكن بطريقتهم، لا بطريقتنا".
وكشفت شوقي أن مجموعة "بوك زون" تعمل حاليًا على التوسع في المنصات المختلفة، وتخطط لإطلاق مجموعة من الأنشطة الحديثة التي تلائم العصر، مضيفة: "قريبًا سنعلن عن أنشطة جديدة عبر الجروب".
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن استعادة مجموعات القراءة لبريقها يتطلب "تفاعلًا أكبر مع الشباب والمنصات التي يفضلونها، والتواصل معهم بلغتهم ومن خلال وسائلهم المفضلة".
تجارب الشباب داخل المجموعات
نهى محمد، طالبة جامعية في السنة الثالثة بكلية الآداب، تقول: "انضممت لإحدى مجموعات القراءة من سنتين، وحسّيت إنه مش بس مكان ترشيحات، لكنه مساحة حقيقية للنقاش والتفكير".
أما "علي عبد الحميد"، وهو موظف في قطاع خاص، فيؤكد أنه أصبح ينتظر مناقشات الكتب بشكل دوري: "حتى لو مش قرأت نفس الكتاب، النقاشات بتخليني أفكر في حاجات تانية، وبتعلّمني أسمع آراء مختلفة".
وتضيف "جميلة"، صيدلانية في بداية مسيرتها العملية: "انبهرت بتفاعل مجموعات القراءة مع الشباب، ولقاءاتهم المباشرة مع الكتاب، دايمًا بيخلوني حاسة إن القراءة مش مجرد عادة فردية، دي مجتمع كامل بيعيش معاك الفكرة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صنع الله إبراهيم.. الوجه الآخر
صنع الله إبراهيم.. الوجه الآخر

بوابة الأهرام

timeمنذ يوم واحد

  • بوابة الأهرام

صنع الله إبراهيم.. الوجه الآخر

كالعهد به, يهتم السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بكل مايهم الإنسان، مواطنا بسيطا كان أو ذا بصمة واضحة على طريق التنمية والإبداع، وكم كان لاطلاع الرئيس على الحالة الصحية للروائى الكبير صنع الله إبراهيم، ومتابعة ما اتخذته وزارة الصحة والسكان من إجراءات ورعاية طبية شاملة منذ بداية حدوث إصابة المبدع الكبير من أثر طيب فى نفس كل إنسان يعيش على هذه الأرض ويقدر ما أنبتته من مثقفين حقيقيين. ومن لا يعرف من صنع الله إبراهيم إلا وجه الكاتب الدءوب المتفرغ لكتاباته الحرة فقد فاته الكثير، لأن صنع الله كاتب حقيقى تنسجم أفعاله مع كتاباته وأقواله وإن كان مقلا فى الأخيرين إلا أن بصمته واضحة وترجماته فى العالم الغربى تشهد على عمق تأثيره عبر الجغرافيا لا فى بيئته المصرية فقط. بيت صنع الله بمصر الجديدة لطالما كان قبلة الكتاب الشبان قبل الكبار، فلقد رأوا فيه القدوة والمثل والطموح والأمل وبيته على تواضعه يحمل ،بفضل رفيقة عمر صنع الله السيدة ليلى عويس رفيعة الثقافة العاملة بمجال الإرشاد السياحى لفترة طويلة، يحمل مع مئات الكتب الكاسية للجدران، ذوقا رفيعا متسقا مع التراث والحضارة المصرية هاضمة الحضارات. ويرد صنع الله زيارات مريديه بزيارات ودودة حسب الموقف . فطبيعى جدا أن تجده مواسيا أحد الكتاب الذين للتو ظهروا على الساحة الأدبية ولايعرفون لضياء الشهرة سبيلا. تجده فى سرادق العزاء فجأة يشد على الأيدى ويضمد جراح الفراق بكلماته التلقائية البسيطة. ومرة تجده فى تجمع شبابى لمؤازرة كاتب اجتمع عليه أعداء النور والتنوير لسبب أو لآخر ومرة يرسل ألبسة شتوية لكاتب اغترب فى شتاء أوروبا لمجرد حسه الإنسانى المسئول! لم يصدر صنع الله بجرأته « تلك الرائحة» ولا نجمة أغسطس ولا ذات ولا شرف ولا وردة ولا أمريكانلى ولا ... لكنه أصدر شعورا عاما بأن الكاتب الحقيقى موجود وبيانا غير معلن بأن الحسابات الضيقة سعيا للشهرة من أجل الشهرة غير مرحب بها فى عالم أصحاب المبادئ. سقط جسد صنع الله على الأرض وانكسرت عظمة من عظامه لكنه أبدا لم يسقط فى موقف تطلب كلمة حق أو إعرابا عن رأي. ومن ذا الذى ينسى موقفه فى دار الأوبرا المصرية رافضا جائزة كبرى لها شق مادى ضخم هو الذى يصعد سبعة أدوار على الدرج حتى يصل لشقته فإذا مافتح ضلفة خزانة وقعت لأن الأثاث تهالك ويحتاج الى صيانة؟!! من لا يعرف الوجه الآخر لصنع الله الكاتب الإنسان عليه أن يراجع نفسه فهذا رجل قلما نجد مثله ومن هنا كانت لفتة الرئيس مؤثرة وكانت توجيهاته باستمرار المتابعة وتقديم جميع أوجه الرعاية الخاصة للروائى الكبير حتى يتم الله عليه الشفاء فى قلب كل غيور على مبدعى هذا الوطن. صنع الله إبراهيم الذى تعرض فى الأول من مايو الجارى للسقوط بمنزله فانكسر عنق عظمة الفخذ الأيمن، جرى التعامل مع حالته فور وصوله إلى مستشفى معهد ناصر من قبل مجموعة من الاستشاريين الكبار،وكان التدخل الجراحى اللازم، حتى خرج من غرفة العمليات إلى قلوب المنتظرين أمامها.

صنع الله إبراهيم.. عينٌ مفتوحةٌ في غُرفة مُغلقة
صنع الله إبراهيم.. عينٌ مفتوحةٌ في غُرفة مُغلقة

مصرس

timeمنذ 2 أيام

  • مصرس

صنع الله إبراهيم.. عينٌ مفتوحةٌ في غُرفة مُغلقة

كان يمكن لصنع الله إبراهيم أن يكتب بلغةٍ صلبة كالحجر، أو أن يتكئ على صرخاتٍ عاليةٍ تُرضي الجماهير وتُشعل المديح، لكنه، منذ بدايته، اختار أن يمشي في الممر الأضيق، أن يكتفي بوهجٍ خافت، أن يُقيم في النص لا في الواجهة، وأن يصوغ الكتابة كما يصوغُ الناسُ حزنهم: بهدوءٍ، بتوترٍ، بخوفٍ خفيفٍ من أن تُسيء اللغة فهمهم. لم يكن الكاتب الذي يُسلّم نفسه إلى المجاز، بل المجاز هو من كان يزحف نحوه، على أطراف أصابعه، طالبًا ملاذًا في جملةٍ لا تدّعي شيئًا، لكنها تعرف كل شيء. ولد صنع الله إبراهيم في مصر، لكنه وُلِد أكثر من مرة. وُلِد حين فُتح له باب السجن، وولد حين أُغلِق عليه الباب نفسه. وُلِد حين كتب روايته الأولى، وولد حين مُنعت، وولد مرةً ثالثة حين قرأها أحدهم في زاويةٍ ضيقة، بعد أن يئس من الكتب المسموح بها. ذلك أن الكاتب لا يُقاس بعدد الكتب المطبوعة، بل بعدد الأرواح التي وجد فيها نصّه مكانًا، ولو عابرًا، ولو كظلٍّ على جدارٍ لا يراه أحد.في وقتٍ كان يُغري بالزخرفة، اختار صنع الله أن يتقشّف. أن يترك على الورقة البياض أكثر مما يكتب، أن يجعل من الصمت قرينةً للمعنى. لغته ليست جامدة، بل ممسوحة من الغرور، مُجرّدة من الزينة، كأنها جسدٌ خرج من حريق، يحتفظ فقط بما لا يحترق. في رواياته، لا يلهث القارئ خلف التشويق، بل يسير إلى جوار النص، كما يسير بجوار رفيقٍ عائدٍ من منفى طويل، يروي، لا ليبكي، بل ليستعيد شيئًا خفيفًا، كأن يقول: "أنا هنا"، ولو مرة.من رواية تلك الرائحة، بدأ صنع الله يكتب كمن يتلمّس أثر صوته بعد سنواتٍ من الصمت. بطل الرواية عائد من سجن، لكنه لا يحمل خطابًا، ولا بيانًا، بل يحمل فراغًا، نوعًا من الصمت الداخلي، هشاشةً في العين، تردّدًا في الكلمات. كانت تلك الرواية أولى العلامات على أن الكاتب لا يُريد البطولة، بل يريد الإنسان. الإنسان حين يتلفّت حوله فلا يجد إلا الوهم. حين ينظر في المرآة فيرى آخر. حين يقرأ جريدة، فيشعر أن الحياة كلها تُكتب لغيره.ثم جاءت "اللجنة"، ككابوسٍ صغير، مروّض، يُغريك بالدخول فيه حتى حين تعرف أنه بلا مخرج. اللجنة، بما تحمله من غموضٍ وعبث، ليست سلطةً مرئية فقط، بل هي استعارة لكل سلطة خفية، لكل سؤالٍ يُسأل بلا نية للفهم، لكل استجوابٍ يبدأ ولا ينتهي. في هذه الرواية، كان صنع الله كمن يكتب عن الداخل وهو متنكّر بوجه الخارج. كمن يفضح المدينة من خلال مبناها، والقهر من خلال إجراءاته الإدارية. لم يكن ثوريًا بالمعنى المباشر، بل كان حزينًا بعمق، والحزن الحقيقي دائمًا هو شكلٌ ناعمٌ من أشكال التمرّد.في "ذات"، كتب عن امرأةٍ تُراقب العالم من نافذتها، كما تُراقب الأيام نضج الجرح. امرأة تُولد وتشيخ في بلدٍ يتغير دون أن يتبدل، تتحوّل حياتها اليومية إلى مرآةٍ متشققة لبلدٍ لا يتذكر أسماء ناسه. تتقاطع قصتها مع الأخبار، مع الإعلانات، مع النشرات الرسمية، في بناءٍ روائي يشبه دفترَ يومياتٍ تُرك في بيتٍ قديم، وظلّ ينبض رغم الغبار. ولعلّ هذه الرواية، في رقتها العميقة، من أكثر ما كتب صنع الله صدقًا، وأكثرها التباسًا. لم تكن روايةً عن امرأة فقط، بل عن وطنٍ مجروح، عن كائنٍ جماعيٍّ يُقمع بابتسامة.وربما كانت "شرف" ذروة خفوت هذا الألم، رواية ليست صرخة، بل نشيج مكتوم. شاب يُسجن بسبب جريمة شرف، لكنه داخل السجن يكتشف أن الشرف، كفكرة، مجرّد شعارٍ يتكسّر على أول جدار. السجن في الرواية ليس مكانًا فقط، بل هو العالم كما هو، مجرّد من أي زيف، حيث لا سلطة تغطّي نفسها بالحجة، بل تُمارَس كأمرٍ عادي، يومي، لا يحتاج إلى مبررات. وكأن الرواية تقول: لسنا في سجنٍ، بل نحن خارج الوهم. كل ما عداه كان وهْمًا.لكن ما يجعل صنع الله إبراهيم كاتبًا مختلفًا، ليس فقط كتابته عن القهر، بل كتابته من داخله. ليس لأنه عاش السجن، بل لأنه لم يسمح للسجن أن يغادره بسهولة. بقي فيه، مثل حنينٍ ثقيل، لا يُغني، ولا يُنسى. كل كتاباته، على اختلاف مواضيعها، كانت محاولة لاستعادة الصوت وسط الزيف. لم يكتب ليُدهش، بل ليُسائل. لم يكتب ليُعجب، بل ليُوقظ. وحتى حين تُغريك جمله ببساطتها، فإنها تفعل ذلك كما يفعل الجرح حين ينسدل على الجلد بلطف.هو كاتبٌ لا يحب أن يكون محط الأنظار. يكتفي بأن يُقرأ. أن يُشعِر القارئ بأن هناك من يكتب عنه، لا إليه. لم يكن نبيًا، ولم يدّعِ النبوة، لكنه ظلّ وفيًا لما آمن به، حتى وإن تغيّر كل شيء. لم يبع صوته، ولا استبدله بلغةٍ تُرضي هذا الطرف أو ذاك. لم يُساوم، لا على الجملة، ولا على الموقف. وحين رفض جائزة الدولة، لم يكن يصرخ، بل كان يهمس: "الكتابة لا تُكافأ، بل تُصدّق".إن الكتابة، حين تمرّ عبر صنع الله إبراهيم، تتحوّل إلى نوعٍ من التنقيب البطيء في تربة الوعي. ليست عاصفة، بل رياحًا خفيفة، لكنها قادرة على زحزحة الجبال. هو كاتبٌ هشّ، لا لأنه ضعيف، بل لأنه قرر أن يكتب دون أن يتكئ. أن يواجه الخوف بالورقة، لا بالهتاف. أن يصنع من كل جملة طريقًا، ولو ضيّقًا، إلى الفهم.في النهاية، يبقى صنع الله إبراهيم هو ذاك العابر الذي لم يُسلّم نفسه للضوء، بل سار في الممرات الرمادية للكلمات. كتب بيدٍ مرتجفة، لا لأنها خائفة، بل لأنها تُدرك وهن الحقيقة. وكأن كل نصٍ له يقول: لا أعدكم بالخلاص، لكنني أعدكم بأن أروي، كما يروي الناجون، لا ليخلّدوا، بل لئلا تُنسى الحكاية.

فى دورته التاسعة وتحت شعار «علشانك يابلدى»
فى دورته التاسعة وتحت شعار «علشانك يابلدى»

الجمهورية

timeمنذ 5 أيام

  • الجمهورية

فى دورته التاسعة وتحت شعار «علشانك يابلدى»

أعلنت الإدارة العامه لرعايه الطلاب اداره النشاط الثقافي والفني، نتيجة مهرجان الفنون المسرحية لطلاب الجامعة للعام الجامعي ٢٠٢٤- ٢٠٢٥ فى دورته التاسعة تحت شعار «علشانك يابلدى» وبعد اعتماد الدكتور خميس محمد خميس، مشرف قطاع شئون التعليم والطلاب، النتيجه حيث أعلنت لجنة تحكيم العروض المسرحيه بالمهرجان والمشكلة من الدكتور محمد عبد الحليم سرور رئيسا، والأستاذ احمد عبد المنعم عباس عضوا، والأستاذ يوسف عبد الغني النقيب عضوا، وأسفرت النتائج عن الآتي المركز الاول كلية التجارة عن عرض السر للمخرجة أميره خاطر، والمركز الثاني كلية التربية واسم العرض المرقمون للمخرج علي النعماني، والمركز الثالث كلية الحقوق عن عرض كوميديا سوداء للمخرج حسام أحمد. وأشارت الدكتورة شادن معاويه، رئيس جامعة مدينة السادات، إلى أن هذا المهرجان يعد أحد أبرز الفعاليات التي تجمع بين التنافس الشريف والإبداع الفني، وتفتح المجال أمام الطلاب من مختلف الكليات للتعبير عن أفكارهم ومعالجة قضايا مجتمعهم وتعزيز مفهوم وقيم الإنتماء والولاء من خلال العروض المقدمة، مشيدة بحجم المشاركة من الكليات هذا العام، مما يعكس إقبال الطلاب على النشاط المسرحي، وحرصهم على تقديم أعمال وموضوعات مسرحية متميزه، مهنئة الطلاب الفائزين متمنية دوام التوفيق والتميز في كافة المسابقات والفعاليات. وأعرب الدكتور خميس محمد خميس، مشرف قطاع شئون التعليم والطلاب، عن فخره بطلاب الجامعة المتفوقين أكاديمياً وإبداعيا بمختلف الأنشطة، ووجه تحية إجلال وتقدير إلى رواد وأبناء المسرح من الطلاب، مشيدًا بأدائهم المتقن وحماسهم المشهود ومشاركتهم المتميزة، مؤكداً على إلتزام الجامعة بتقديم كافة أشكال الدعم الممكنة لطلابها الموهوبين، بهدف استمرار تفوقهم وتميزهم في كافة المجالات. جدير بالذكر جاءت الجوائز الفردية على النحو التالي:- أفضل نص كلية التجارة مسرحية السر، وثاني أفضل نص المرقمون كلية التربية، وأفضل مخرج المركز الأول علي النعماني عرض المرقمون كلية التربية، وثاني أفضل مخرج أميره خاطر عرض السر كلية التجاره، وأفضل ديكور أدهم إبراهيم عرض المرقمون كلية التربية، وثاني أفضل ديكور محمد صلاح عرض السر كلية التجارة، وأفضل اضاءه مركز أول أدهم إبراهيم عرض المرقمون كلية التربية، وثاني أفضل اضاءه حسين جمال عرض السر كلية التجاره، وأفضل موسيقى مركز أول ماهر كمال عرض السر كلية تجاره، وثاني أفضل موسيقى والحان محمود راشد عرض المرقمون كلية التربية، وأفضل اشعار مركز أول محمد زناتي عرض السر كلية التجارة، ومركز ثاني احمد نجيب عرض المرقمون كلية التربية، وأفضل ممثل أمين العراقي عرض السر كلية تجارة، وثاني أفضل ممثل مصطفى سلامه عرض كوميديا سوداء كلية الحقوق، وثالث أفضل ممثل مينا أدوار عرض السر كلية التجارة، وأفضل ممثله المركز الأول الاء ممدوح عرض المرقمون كلية التربية، وثاني أفضل ممثله دنيا مهران عرض كوميديا سوداء كلية الحقوق، وثالث أفضل ممثله راندا محمد عرض المرقمون كلية التربية . Previous Next تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store