
الهجوم الأوكراني على قواعد روسية يثير مخاوف أميركية
أثار الهجوم الأوكراني المفاجئ الذي استهدف بمسيرات، قاذفات استراتيجية في 4 قواعد جوية روسية، مخاوف في الولايات المتحدة بشأن احتمالات تعرضها لهذا النوع من الهجمات منخفضة التكلفة والتقنية.
ففي ضربة مفاجئة، الأحد، نفذت أوكرانيا هجوماً بطائرات مسيّرة زهيدة التكلفة ألحقت ضرراً بالغاً بالقاذفات الاستراتيجية الروسية، مما اعتُبر أكبر ضربة توجهها كييف، لموسكو منذ بدء الحرب قبل ثلاث سنوات، وتجسيداً مذهلاً لحرب غير متكافئة.
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" أن هذا الهجوم الجوي المباغت أثار سعادة بين داعمي أوكرانيا في واشنطن، لكنه في الوقت ذاته أثار قلقاً بالغاً من أن الولايات المتحدة نفسها باتت معرضة لهذا النوع من الهجمات.
وحذرت الزميلة البارزة في مركز الأمن الأميركي الجديد والمتخصصة في حرب الطائرات المسيّرة والردع النووي ستايسي بيتيجون، من أن "البنتاجون يجب أن يشعر بقلق بالغ"، مشيرة إلى أن هجوماً مشابهاً باستخدام طائرات مسيّرة مخفية داخل حاويات شحن أو شاحنات قد يُنفّذ على الأراضي الأميركية، أو ضد قواعدها الجوية والبحرية في الخارج.
وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة "راند" والمدير السابق لوكالة مشاريع الأبحاث الاستخباراتية المتقدمة جيسون ماثيني: "أي دولة تمتلك قاذفات استراتيجية، أو صواريخ بعيدة المدى ومنصات إطلاق تحت الأرض، أو غواصات نووية، تنظر الآن إلى هذا الهجوم وتفكر بجدية.. وتعرّض ترسانتنا لضربة عبر مجموعة من الطائرات المسيّرة المُخبأة داخل حاوية شحن متنكرة على شكل شاحنة نقل، هو خطر حقيقي لا يمكن تجاهله".
"الإنجاز الأوكراني"
وذكرت "واشنطن بوست" أن "الإنجاز الأوكراني" يُعد أحدث مثال على تصاعد أساليب الهجمات غير المتكافئة، إذ تلجأ قوى أصغر وأضعف إلى تكتيكات غير تقليدية ضد خصوم أقوى.
ومثال على ذلك جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، التي استخدمت صواريخ وطائرات مسيّرة منخفضة الكلفة لتعطيل الملاحة التجارية في البحر الأحمر، ما دفع الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب لشن حملة قصف انتقامية.
وقال الجنرال برايان فينتون، قائد قيادة العمليات الخاصة الأميركية، في إفادته أمام الكونجرس في أبريل: "طبيعة الحرب تتغير بوتيرة أسرع مما رأينا في أي وقت مضى. خصومنا يستخدمون طائرات مسيّرة انتحارية لا تتجاوز كلفتها 10 آلاف دولار، بينما نُسقطها بصواريخ تبلغ كلفة الواحد منها 2 مليون دولار.. هذه المعادلة بين الكلفة والفائدة باتت مقلوبة تماماً".
وقالت "واشنطن بوست" إن هذا الواقع الجديد يُظهر أن القوى الكبرى أيضاً باتت تلجأ لوسائل غير تقليدية، مثل التلاعب بسلاسل التوريد التكنولوجية لإضعاف خصومها.
وفي سبتمبر الماضي، وبينما كانت إسرائيل تتعرض لهجمات عبر حدودها الشمالية، نفذت عملية جريئة بتفجير أجهزة "بيجر" وأجهزة اتصال لاسلكي كانت قد زُرعت لتنفجر عن بُعد، ما أسفر عن خسائر فادحة في صفوف "حزب الله"، وهي خسائر لم يتعاف منها بالكامل حتى اليوم، وربما جنّبت إسرائيل اجتياحاً برياً مكلفاً للبنان.
ووفقاً للجنة التحقيق في تلك الهجمات، لم تتجاوز كلفة العملية بين 400 و500 ألف دولار، بينما قدّرت بعض الدراسات أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 8 تريليونات دولار على حروب ما بعد 11 سبتمبر في أفغانستان، والعراق، ومناطق أخرى.
ومع ذلك، فإن الطائرات المسيّرة، حتى القصيرة المدى منها كتلك التي استخدمتها أوكرانيا داخل روسيا، أصبحت السلاح المفضل في هذا النوع من الحروب، بفضل كلفتها المنخفضة وسهولة الحصول عليها والتحكم بها عن بُعد.
استخدام الأسلحة السيبرانية
ورغم الضجة التي أُثيرت حول استخدام الأسلحة السيبرانية في هذا السياق، كالمخاوف من أن تعطل روسيا شبكات الكهرباء والاتصالات الأوكرانية، إلا أن التأثير الفعلي كان محدوداً حتى الآن.
فالهجوم الجوي المسيّر الذي وقع في روسيا يوم الأحد استغرق 18 شهراً من التخطيط، وتضمن تهريب الطائرات المسيّرة داخل البلاد عبر شاحنات تجارية كانت تقف قرب قواعد جوية عسكرية، حيث تم تفعيلها عن بُعد والتحكم بها لاحقاً.
وأسفر الهجوم عن تدمير ما لا يقل عن 13 طائرة روسية، بينها قاذفات نووية تُعد جزءاً من قوة الردع الاستراتيجي لموسكو، كما أُلحق الضرر بعشرات الطائرات الأخرى.
وقال برادلي بومان، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: "نفس نوعية هذا الهجوم يمكن تنفيذها ضدنا، الولايات المتحدة تنشر قاذفات استراتيجية ومقاتلات عالية القيمة حول العالم، وهي معرضة للخطر".
وخلال أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، واصلت أوكرانيا إبهار المسؤولين الأميركيين، إذ أثبتت كيف يمكن لطائرات مسيّرة رخيصة، بعضها يُصنّع بطابعات ثلاثية الأبعاد أو يُتحكم به عبر أسلاك ألياف بصرية، أن تُستخدم كأسلحة متعددة الوظائف.
وقالت سيليست والندر، مساعدة وزير الدفاع الأميركي للشؤون الدولية في إدارة الرئيس السابق جو بايدن: "يمكن استخدام المسيّرات كجزء من القتال البري، أو كمدفعية، أو كأداة استخباراتية لرصد ساحة المعركة، لكن الجانب الوحيد الذي لم نكن نُقدّره بالكامل هو ما إذا كان من الممكن استخدامها لتهديد القوات الاستراتيجية، وهجوم الأحد جعل هذا الاحتمال واضحاً للغاية".
تسريع الجهود
ويضغط النائب جيسون كرو (ديمقراطي عن ولاية كولورادو) على وزارة الدفاع الأميركية لتسريع جهودها في استخلاص الدروس من استخدام الطائرات المسيّرة والتكنولوجيا الحديثة في أوكرانيا.
وقال كرو، العضو في لجنتي القوات المسلحة والاستخبارات في مجلس النواب: "خلال ثلاث سنوات، انتقلنا من كوننا المدرب الرئيسي لأوكرانيا إلى مرحلة نتعلم فيها منهم أكثر مما نُعلّمهم".
وأضاف أن "هذا الصراع غيّر بالفعل طبيعة الحروب بشكل جذري"، مشيراً إلى أن البنتاجون لا يزال ينفق "مبالغ طائلة" على برامج عسكرية مخصصة لأنماط حروب "كان لها صدى قبل عقود".
وكان ترمب قد أمر في أبريل بإعادة هيكلة شاملة لنظام شراء الأسلحة في وزارة الدفاع، مع التركيز على السرعة والمرونة، لكنه في الوقت ذاته يروّج لمشاريع ضخمة مثل مقاتلة الجيل السادس "إف-47"، ومنظومة الدفاع الصاروخي الجديدة "القبة الذهبية" لحماية الوطن، والتي قال وزير الدفاع بيت هيجسيث إنها ستكلّف 175 مليار دولار، من دون أن يوضح تفاصيل النفقات أو الجدول الزمني لها.
الكلفة الفعلية
وقدّر بعض المحللين أن الكلفة الفعلية قد تتجاوز 2 تريليون دولار خلال 20 عاماً إذا شملت حتى المستوى المتواضع من الدفاعات الفضائية، لكن تأثير الطائرات المسيّرة لا يقتصر على الجانب العسكري، إذ إنها أثارت الذعر أيضاً، وهو تماماً ما يسعى إليه خصم أو جهة إرهابية.
ففي نهاية العام الماضي، أدّت سلسلة من رصد طائرات مسيّرة فوق مواقع حساسة في نيوجيرسي، من بينها منشأة أبحاث عسكرية ونادي ترمب للجولف في بيدمينستر، إلى حالة من الهلع. وعجزت السلطات الأميركية عن تفسير هذه الحوادث أو تحديد سبل التصدي لها.
وقال ديميتري ألبيروفيتش، رئيس مركز "سيلفردو بوليسي أكسيليريتور": "لم نكن نعرف حتى ما هي هذه الأجسام أو من يقف خلفها".
ومن المتوقع أن يوقع ترمب هذا الأسبوع أوامر تنفيذية لتحديث القواعد الفيدرالية التي تحدد الأماكن التي يمكن للطائرات المسيّرة التجارية التحليق فيها قانونياً، وذلك في ضوء الحوادث التي وقعت العام الماضي، كما تهدف هذه الأوامر إلى تعزيز صناعة الطائرات المسيّرة الأميركية، جزئياً من خلال تقييد بيع الطرازات الصينية الجديدة، وهو ما قد تكون له أيضاً تداعيات على تطوير الطائرات المسيرة العسكرية.
والمشكلة الجوهرية، بحسب الجنرال المتقاعد جلين فان هيرك، الذي قاد قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية حتى فبراير 2024، هي أن الحكومة الأميركية تتعامل مع الطائرات المسيّرة داخل البلاد كمسألة تتعلق بإنفاذ القانون، وليس بالأمن القومي.
ويتذكر فان هيرك كيف حلقت طائرات مسيّرة مجهولة الهوية فوق مقاتلات "إف-22 رابتور" المتوقفة في العراء على مدرج قاعدة لانجلي الجوية بولاية فرجينيا، طيلة 17 ليلة في ديسمبر 2023، وسأل: "كم كانت تلك الطائرات عرضة للخطر لو كانت هناك نية عدائية حقيقية؟".
حماية الأجواء
وأشار إلى أن وزارة الدفاع الأميركية ليست مخوّلة بحماية الأجواء داخل الولايات المتحدة من المسيّرات، فصلاحياتها تنحصر في حماية منشآتها، وتنتهي عند أسوارها.
وحتى الطائرات المحفوظة داخل منشآت محصنة يمكن أن تتعرض للخطر عند إخراجها للتشغيل أو التحرك، ووفقاً لتحقيق أجرته صحيفة "واشنطن بوست" باستخدام صور متاحة على "جوجل إيرث"، وُجدت قاذفات "بي-52" النووية تقف في العراء في قواعد "ماينوت" في نورث داكوتا، و"باركسديل" في لويزيانا.
وليست القواعد الجوية وحدها المهددة، إذ تشمل قائمة الأهداف المحتملة أيضا شبكات الطاقة، وموانئ النقل، وأحواض بناء السفن في الولايات المتحدة، والتي يمكن مهاجمتها بطرق غير تقليدية باستخدام مركبات غير مأهولة.
وقال فان هيرك: "لو فكرت بطريقة غير تقليدية، فإن خصماً مثل روسيا أو الصين قد يسعى لاختراق الأراضي الأميركية وبناء سلاحه من الداخل، أو يمكنهم إدخال سفينة شحن محملة بالطائرات المسيرة إلى ميناء مثل لونج بيتش، أو أي مكان قريب من بنى تحتية حيوية، بما في ذلك الموانئ النووية، وسيكون من الصعب جداً رصد ذلك".
وأظهرت دراسة أجرتها الاستخبارات الأميركية عام 2018 أن فعالية تفتيش الحاويات في الموانئ الأميركية "ضعيفة جداً"، وفقاً لمسؤول استخباراتي سابق.
وأوضح أن أجهزة الأشعة التقليدية غير قادرة على مسح الحاويات الواسعة، وأن حتى الأجهزة الحساسة القادرة على رصد المواد عالية الكثافة، كالرؤوس النووية، لا تقدم نتائج مضمونة.
وأضاف المسؤول، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع، أنه حتى لو كان بالإمكان مسح الحاويات بحثاً عن مسيّرات، فإن الشحنات في كثير من الأحيان تُصنف كمعاملات تجارية شرعية متجهة إلى متاجر.
الصين المنتج الأول
وتُعد الصين المنتج الأول عالمياً للطائرات المسيّرة، وقد تستخدم هذه الطائرات في بداية أي صراع محتمل مع الولايات المتحدة حول تايوان، بحسب الخبيرة بيتيجون.
وقالت إن البنتاجون عبّر عن قلقه من هذا السيناريو في منطقة المحيط الهادئ، خصوصاً أن الولايات المتحدة غالباً ما تكدّس طائراتها في العراء ضمن قواعدها الجوية.
وأضافت أن الصين قد تستخدم صواريخها الباليستية المزودة بذخائر عنقودية، أو تلجأ إلى استخدام مسيرات موجهة عن بُعد لتحقيق تأثير مشابه "بتكلفة منخفضة للغاية".
بدوره، قال الجنرال ديفيد ألوين، رئيس أركان سلاح الجو الأميركي، خلال مؤتمر لمركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS): "لطالما عرفنا أننا بحاجة لتحصين قواعدنا"، وأضاف: "لكن في الوقت الحالي، لسنا في الموقع الذي يجب أن نكون فيه".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
أوكرانيا وغزة
رغم الكثير من القضايا الملحة على مستقبل البشرية ؛ فإن حربى أوكرانيا (عدد القتلى والجرحى 400 ألف أوكرانى و780 ألف روسي) وغزة (60 ألفا من القتلى وضعفهم من الجرحي) لا تكفان عن مفاجأة العالم بما تأتيان به من مدهشات. آخرها بدأت حكايته قبل 18 شهرا، عندما بدأ المخططون العسكريون فى كييف فى تصميم هجوم يكون مفاجئا على قاعدة جوية للقاذفات المخصصة لعمليات التدمير التى تلحق بالمدن الأوكرانية وفى المقدمة منها "كييف" العاصمة. كان واضحا أن "المقاومة" الأوكرانية تواجه الكثير من الصعوبات فى الحرب التى بدأت فى 24 فبراير 2022، وبعد استعادة موسكو المبادأة أخذت فى السعى نحو توسيع نطاق احتلالها حتى جاء دونالد ترامب معترضا على المعالجة الأمريكية والأوروبية للحرب بطريقة معاكسة لما كان سائدا عن قيام موسكو بغزو أوكرانيا بالمخالفة لكل الأعراف الدولية، فبات سببها إمكانية انضمام أوكرانيا لحلف الأطلنطي. شكل الرئيس الأمريكى الجديد ضغطا على القيادة الأوكرانية، مؤكدا أنها «لم يعد لديها أوراق تلعب بها» فى حرب عميقة. المسار جاء باستعداد «كييف» للتراجع عن إقليم «كورسك» الروسى الذى احتلته أوكرانيا لكى تبادله بالأراضى المحتلة فى الدونباس، بعد أن تبخرت أحلام زيلينسكى باستعادة إقليم القرم الذى استولت على روسيا فى عام 2024. اعتذر زيلينسكى لترامب وشكر الولايات المتحدة على ما أعطته؛ وأكثر من ذلك التوقيع على اتفاق مع واشنطن على إدارة الثروات النادرة المعدنية الأوكرانية، بحيث تسدد أوكرانيا ديونها الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة. ووسط محاولات ترامب للتوسط فى مفاوضات لوقف إطلاق النار ولو لشهر واحد تلكأت موسكو فى قبوله إذا بأوكرانيا تشن هجوما كبيرا بالطائرات المسيرة على القاعدة الجوية الروسية القريبة من موسكو وتدمر 40 قاذفة قنابل، كان متوقعا أن تصب الجحيم على الأهداف الأوكرانية. المراقبون وصفوا الغارة بأنها كانت "بيرل هاربر" الثانية؛ ولكن إذا أخذنا حرب غزة فى الحسبان فإن مثيلتها كانت هجمة "البيدجر" فى حرب غزة.


العربية
منذ 2 ساعات
- العربية
مفاوضات غزة وأوكرانيا.. رهانات خاسرة
بصرف النظر عما ستؤول إليه المفاوضات الراهنة والخاصة بملفي غزة والمفاوضات الأوكرانية- الروسية، فإن ثمة مؤشرات على أن الإدارة الأميركية لا تملك مقاربة حقيقية، وأن التحرك الأميركي يعتمد دبلوماسية تقليدية، وليست دبلوماسية واقعية تعتمد مبدأ الصفقة والتكلفة والعائد، والتي من المفترض أن تتحرك من خلالها الإدارة الأميركية وعناصرها التي جاءت للبيت الأبيض مع الرئيس الأميركي ترامب ولديهم تصور بتغيير إطار الدبلوماسية الأميركية العتيقة وأسلوبها البيرقراطي. ومع ذلك وبعد مرور عدة أشهر من عمر ولاية ترامب، لم يتم تغيير أي رؤية أو مقاربة للتعامل مع الصراعات في العالم، واتجهت هذه الإدارة إلى العمل على جزئيات مرحلية في الأزمتين غزة/ أوكرانيا لتعقد مسارات التوصل لحلول أو وقف المواجهات الراهنة في ظل ما يجري من صراع ممتد تتواجد فيه أطراف عدة، وارتباطه بالسياق التي يجري فيه الصراع بدرجة أو بأخرى. وفي ظل تنامي المواجهات، واتجاه كل طرف إلى القيام بإجراءات انفرادية حقيقية للتعامل بالنسبة لإسرائيل في غزة، وروسيا في أوكرانيا ما أدى إلى الدوران في حلقة مفرغة، ولهذا لم تستطع الإدارة الأميركية حتى الآن تفكيك أبعاد الصراع أو تجاوزه بصورة أو بأخرى في الفترة الراهنة. ولكن الإشكالية الراهنة بالنسبة للإدارة الأميركية أنها عجزت حتى الآن في إقرار الحل أو فرضه على الأطراف المعنية لأسباب عدة، وهو ما يؤكد أن الإدارة الأميركية في حاجة إلى استراتيجية حقيقية وليس مجرد إجراء اتصالات حول مفاوضات قد تطول. وبرغم بعض الرهانات بأن الرئيس الأميركي ترامب قد يتدخل ويحسم الأمر، وهو أمر مستبعد خاصة، وأنه سيطرح تساؤلات حول ما هو دور الولايات المتحدة فيما هو قادم من تطورات من بينها: هل ستشارك بقوة أمنية ضمن قوات دولية في غزة لتنفذ الإدارة الأميركية مشروعها المعلن في غزة؟ وهل يمكن أن تذهب الولايات المتحدة لإقرار ترتيبات أمنية في أوكرانيا بعد فصل القوات على الأرض؟ وكيف سيتم في ظل ما يجري من مواقف قد يشارك فيها أيضاً قوات أوروبية من حلف «الناتو» أو خارجه؟ هذه التساؤلات قد يفتح الباب أمام أخرى أكبر تتعلق بالدور الاستراتيجي والأمني للولايات المتحدة، أي عكس ما يدعو الرئيس ترامب الذي يريد وقف الصراعات الراهنة وفقاً لمقاربة قد تبدو حالمة في عالم جديد يتشكل على أسس ومقومات مختلفة ربما سيكون في مرحلة انتقالية، وفي اتجاه عالم متعدد الأقطاب سيكون له تأثيره الأكبر على السياسات الأميركية في العالم في الوقت الراهن والمنتظر. لا تزال الإدارة الأميركية تتلمس خطواتها الحقيقية، وفي ظل خيارات صعبة ومعقدة لا تتماشى مع الطرح الخاص بالرئيس الأميركي ترامب، والذي يضطر للعودة إلى فكر الدبلوماسية الأميركية العتيقة لاعتبارات متعلقة بحدود الصراعات في العالم. وإبرام الصفقات التجارية لا يمكن أن يكون صالحاً في الدخول في مفاوضات حول مستقبل الدول، وحياة شعوبها في ظل خطاب إعلامي وسياسي غير واقعي، وهو ما اتضح في جملة تصريحات الرئيس ترامب بشأن شراء غزة، وامتلاك الجذر وإدارة الممرات وغيرها من التصريحات التي تكشف عن عدم إلمام بالكثير من وقائع الأمور وخبرات الدول، وبقواعد القانون الدولي وغيرها من الثوابت والمعطيات التي تتعامل بها الأمم. الإدارة الأميركية لن تكون قادرة على فرض الحلول من أعلى، سواء في ملف غزة، وكذلك المفاوضات مع إيران إضافة إلى ما يجري في تفاصيل المفاوضات الخاصة بالأزمة الروسية الأوكرانية التي دخلت منعطفاً مهماً للتوصل إلى حالة الهدنة المقترحة. الإدارة الأميركية الراهنة ليس لديها حلول سحرية، أو إمكانيات خلاقة للتعامل أو الحسم، وما يجري من محاولات أميركية يفهم في سياق البحث عن دور مركزي وموجه بناء على توجيهات الرئيس ترامب والداعية فعلياً إلى العمل وفق مقاربة متعجلة، وفقاً لتصوراته التي لم تتفهم هيكلية ومفصلية الصراعات في العالم عامة، وفي أزمتي غزة وأوكرانيا خاصة، وهو ما يتطلب مراجعة الإدارة الأميركية لنهج الحلول المقترحة. الأمر يستوجب إدراك أن تفكيك عناصر الأزمات تباعاً سيؤدي إلى إمكانية التوصل لحلول، مع مراعاة أن أي تسوية/ حل لن يكون سهلاً، بل سيمضي في إطار من الخيارات الصعبة التي ستواجه إدارة ترامب في حال تمسكها بآليات التفاوض الحالي ما قد يعوق التوصل إلى حلول حقيقية متماسكة يمكن الارتكان عليها في أي تسوية، وهو ما ينطبق على الترتيبات المقبلة في غزة والتفاهمات الأمنية المقترحة في أوكرانيا، والتي قد تشارك فيها دول «الناتو»، وهو ما يجب تفهم أبعاده من قبل الإدارة الأميركية التي ستدرك أنها لا تملك عصا سحرية في فرض الحل.


الشرق السعودية
منذ 4 ساعات
- الشرق السعودية
ألمانيا: تضرر 10% من قاذفات روسيا الاستراتيجية في الهجوم الأوكراني
قال مسؤول عسكري ألماني كبير إن الهجوم الأوكراني المفاجئ الذي أطلقت عليه كييف اسم عملية "شبكة العنكبوت" واستهدف بمسيرات قاذفات استراتيجية في 4 قواعد جوية روسية، ألحق أضراراً بنحو 10% من أسطول القاذفات الاستراتيجية لموسكو. وأضاف: "الهجوم الأوكراني، استهدف بعض الطائرات الروسية أثناء استعدادها لشن ضربات على أوكرانيا". وذكر الميجر الجنرال كريستيان فرويدنج في تسجيل صوتي على منصة "يوتيوب" اطلعت عليه "رويترز" قبل نشره في وقت لاحق السبت: "وفقاً لتقييمنا، تضررت أكثر من 12 طائرة قاذفات استراتيجية من طراز تو-95، وتو-22، بالإضافة إلى طائرات استطلاع من طراز إيه-50". وأوضح الميجر الذي ينسق المساعدات العسكرية التي تقدمها برلين إلى كييف، وهو على اتصال وثيق مع وزارة الدفاع الأوكرانية، أن "طائرات إيه-50 المتضررة، والتي تعمل بشكل مشابه لطائرات نظام الإنذار المبكر والتحكم (أواكس) التابعة لحلف شمال الأطلسي، كانت على الأرجح لا تعمل عندما جرى استهدافها، إذ تقدم طائرات الإنذار المبكر معلومات دقيقة لساحة المعركة لمركز العمليات الجوية". وأفاد المسؤول العسكري الألماني: "نعتقد أنه لم يعد من الممكن استخدامها كقطع غيار، هذه خسارة، إذ لا يوجد سوى عدد قليل من هذه الطائرات، أما بالنسبة لأسطول القاذفات بعيدة المدى، فقد تضرر بنسبة 10% منه في الهجوم بحسب تقييمنا". وقال مسؤولان أميركيان لـ"رويترز": "الولايات المتحدة تقدر أن الهجوم الأوكراني الجريء بطائرات مسيرة أصاب ما يصل إلى 20 طائرة حربية روسية، ودمر حوالي 10 منها". واعتبر خبراء أن موسكو ستستغرق سنوات لتعويض الطائرات المتضررة بطائرات جديدة. واستبعد فرويدنج حدوث أي تقليص فوري للضربات الروسية على أوكرانيا، مشيراً إلى أن موسكو لا تزال تحتفظ بنحو 90% من قاذفاتها الاستراتيجية التي يمكنها إطلاق صواريخ باليستية وصواريخ كروز بالإضافة إلى إسقاط قنابل. وتابع: "لكن هناك بالطبع تأثير غير مباشر، إذ ستحتاج الطائرات المتبقية إلى القيام بالمزيد من الطلعات الجوية، ما يعني أنها ستُستهلك بشكل أسرع والأهم من ذلك التأثير النفسي الكبير". تكثيف الإجراءات الأمنية واعتبر فرويدنج أن "روسيا كانت تشعر بالأمان في أراضيها المترامية الأطراف، وهو ما يفسر أيضاً سبب عدم وجود حماية كافية للطائرات"، لافتاً إلى أنه "بعد هذه العملية الناجحة، لم يعد هذا صحيحاً، إذ ستحتاج روسيا إلى تكثيف الإجراءات الأمنية". وأشارفرويدنج إلى أن أوكرانيا هاجمت مطارين جويين يبعدان حوالي 100 كيلومتر عن موسكو، بالإضافة إلى مطار أولينيا في منطقة مورمانسك، ومطار بيلايا الجوي بطائرات مسيرة تعمل بمساعدة الذكاء الاصطناعي، مضيفاً أن "هجوماً خامساً على مطار أوكرانيكا الجوي بالقرب من الحدود الصينية فشل". ولفت فرويدنج إلى أن القاذفات التي تضررت كانت جزءاً مما يسمى بـ"الثالوث النووي الروسي" الذي يتيح نشر الأسلحة النووية جواً وبحراً وبراً. تصاعد في أساليب الهجمات وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" أن هذا الهجوم الجوي المباغت أثار سعادة بين داعمي أوكرانيا في واشنطن، معتبرة أن "الإنجاز الأوكراني" يُعد أحدث مثال على تصاعد أساليب الهجمات غير المتكافئة، إذ تلجأ قوى أصغر وأضعف إلى تكتيكات غير تقليدية ضد خصوم أقوى. وذكرت "أسوشيتد برس" أن الهجوم الأوكراني المفاجئ بطائرات بدون طيار، والذي استهدف العديد من القواعد الجوية الروسية، التي تستضيف قاذفات استراتيجية قادرة على حمل رؤوس نووية، كان "غير مسبوق في نطاقه وتطوره وللمرة الأولى وصل إلى سيبيريا في ضربة قوية للجيش الروسي". استهداف الجسر وكانت أوكرانيا، قد أعلنت استهداف جسر يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم، تمر عبره المركبات والقطارات، بمتفجرات زرعت تحت الماء، تسبب في توقف حركة المرور قبل أن تتمكن السلطات الروسية من استئنافها. وهذه العملية، التي أعلن جهاز الأمن الأوكراني مسؤوليته عنها، هي ثاني عملية كبيرة تنفذها أوكرانيا خلال أيام، بعد هجمات بطائرات مسيرة على قواعد جوية في عمق روسيا، الأحد الماضي، تسببت بأضرار في أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسي.