logo
كيف يستعد التنين الصيني لقيادة العالم في 2049؟

كيف يستعد التنين الصيني لقيادة العالم في 2049؟

الجزيرة٠٤-١٢-٢٠٢٤

بحلول عام 2049 ستكون جمهورية الصين الشعبية قد أتمت المئة عام الأولى على تأسيسها بعد اندلاع الثورة الصينية بقيادة الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ عام 1949. الثورة التي أنهت قرنا كاملا من التدخلات الأجنبية يسميه الصينيون "قرن الإهانة"، ابتداء من حرب الأفيون 1839 التي كانت فاتحة لمئة عام أو يزيد من الهزائم التي أدمت جسد الصين، وألقت بها في مهاوي التخلف والتراجع، بعد أن كان الصينيون يرون أنفسهم "مركز العالم" و"بؤرة النور" التي تنطلق منها العلوم والحضارة والفنون.
ويكتسب عام 2049 أهمية خاصة في الخطاب السياسي الصيني وفي الخطط الإستراتيحية للدولة، وهو العام الذي من المفترض أن ينتهي فيه إنجاز أهداف مبادرة " الحزام والطريق" التي تعد أداة الصين الرئيسية لاكتساب الحضور والنفوذ في المسرح العالمي، ومن ثم يذهب كثير من الباحثين إلى أن 2049 سيكون نهاية "قرن الانطلاق" الصيني وبداية "قرن الهيمنة"، أو على الأقل فإن الصين تخطط لذلك.
ويتسق هذا مع ما بشر به الرئيس الصيني، شي جين بينغ ، بعد أشهر من توليه الرئاسة في مارس/آذار 2013، حينما أعلن عن دخول الصين حقبة جديدة، أطلق عليها اسم "الحلم الصيني"، رافعا شعار "التجديد العظيم للأمة الصينية". وقد تمثل حلم "شي" في إستراتيحية قومية جديدة تؤهل لصعود الصين بوصفها دولة مزدهرة وقوية، لينافس الحلم الصيني الوليد "الحلم الأميركي" القديم الذي يعتبرونه آخذا في الأفول جنبا إلى جنب مع القوة الأميركية.
ويشير تقرير، أعده "معهد بروكينغز" الأميركي للأبحاث عام 2020، إلى أن الصين تسير بخطى واثقة نحو تحقيق رؤيتها لعام 2049، خاصة فيما يتعلق بأن تصبح قوة اقتصادية رائدة على مستوى العالم، ويفيد التقرير أن الطموح المتزايد لبكين يدلل في الوقت ذاته على أن الصين لم تعد تقبل بلعب دور إقليمي داعم داخل النظام الدولي الليبرالي كسابق عهدها، بل تتطلع اليوم لمنافسة الزعامة الأميركية العالمية.
لكن طموح بكين لا يتوقف عند التفوق الاقتصادي فحسب، بل ثمة مؤشرات على أن طموحها يمتد ليشمل الجانب العسكري أيضا، هذا ما أشار إليه تقرير نشرته "مؤسسة كارنيغي" للسلام الدولي عام 2020، إذ تناول محاولات بكين فرض النفوذ على الممرات المائية قبالة سواحل الصين، وهو ما وصفه التقرير بتطلعات جيوسياسية تسعى من خلالها بكين إلى اتخاذ تفوقها في محيطها الإقليمي ليكون بمثابة نقطة ارتكاز تنطلق منها لتصبح قوة رائدة عالميا. وهذا إلى جانب مساعي السيطرة على صناعات التكنولوجيا الفائقة، وخطوات ثابتة نحو بناء تحالفات سياسية ودبلوماسية حول العالم لمنافسة نظام التحالفات الذي أسسته الولايات المتحدة الأميركية في عقود هيمنتها المنفردة.
فإلى أي مدى يمكن للطموح الصيني أن يكون واقعا؟ وما أدوات الصين لتحقيق طموحها في الهيمنة عسكريا ورسم ملامح "القرن الصيني"؟
محاكاة الصعود الأميركي.. إعادة دورة التاريخ
ثمة اعتقاد سائد لدى المنظرين الأميركيين بأن الصين تسعى لمحاكاة قصة الصعود الأميركي. فكما هيمنت الولايات المتحدة ابتداء على محيطها الإقليمي في منطقة الكاريبي في القرن الثامن عشر، ثم انطلقت منه إلى الهيمنة العالمية، تريد الصين أن تبدأ مسار صعودها، كذلك، بالهيمنة على بحر الصين الجنوبي.
وليست فقط محاكاة إستراتيحية، بل أيضا محاكاة في بناء مفردات القوة، حيث تسعى الصين إلى تحقيق توازن في ميزان القوى مع الولايات المتحدة، من خلال امتلاك نظائر مماثلة لكافة عناصر القوة العسكرية الأميركية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، وحاملات الطائرات، والأقمار الصناعية العسكرية، وحتى الأسلحة النووية والسيبرانية.
وفي إطار تحقيق هذا الهدف، تعمل الصين على تطوير "ثالوث نووي" مماثل لأنظمة القوة النووية متعددة الأبعاد التي تمتلكها الولايات المتحدة، والتي تمتاز بقدرتها على إطلاق صواريخ باليستية برا وبحرا وجوا، بما يسهم في تحقيق ردع نووي فعال في حالات النزاعات العسكرية.
وفي يناير/كانون الثاني الفائت، نشر اتحاد العلماء الأميركيين تقريرا مطولا يناقش فيه التوسع النووي الصيني، الذي وصفه بأنه أحد أكبر حملات التحديث بين الدول التسع المسلحة نوويا. ويكشف التقرير عن الوتيرة المتسارعة التي تنتهجها الصين لتعزيز ترسانتها النووية بشكل يتجاوز توقعات المسؤولين الأميركيين، الأمر الذي ينبئ ببداية عصر جديد للتسلح النووي، وهو ما حذر منه التقرير السنوي الذي تعده وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) حول القوة العسكرية الصينية، ونُشر في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023.
والأهم، بحسب التقرير الأخير، أن بكين لم تقتصر على تعزيز قدرات جيش التحرير الشعبي وفقا لاستراتيجيتها المعلنة في إطار "الدفاع عن النفس"، بل تجاوزت ذلك بكثير، حيث يُعتقد أنها ركزت على تحليل نقاط الضعف في نظام العمليات الأميركي، وقامت بتطوير أنظمة مصممة لمهاجمتها.
الاستعداد للسيناريو الأسوأ: الحرب النووية!
كان التهديد بالسلاح النووي هو الورقة الرابحة التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد الصين في أكثر من نزاع فائت، أشهرها أزمة تايوان التي اندلعت بين عامي 1954 و1955، وتعرضت على إثرها الصين إلى ضغوط دولية وتهديدات من قبل الولايات المتحدة الأميركية باستخدام الأسلحة النووية.
لكن المفارقة كانت أن هذه التهديدات مثلت نقطة تحول رئيسية في تاريخ الإستراتيحية العسكرية الصينية، إذ دفعت الرئيس الصيني حينذاك، ماو تسي تونغ، إلى الاقتناع بأن الصين لن تكون قادرة على حماية نفسها وحفظ أمنها القومي دون حيازة أسلحة نووية، ونتيجة لذلك جاء الإعلان الأول عن طموحات الصين النووية عام 1955.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 1964، أجرت جمهورية الصين الشعبية أول تفجير لسلاح نووي، لتصبح بذلك الدولة الخامسة التي تنجح في تطوير أسلحة نووية بعد الولايات المتحدة الأميركية و الاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة وفرنسا.
ولا زالت الصين إلى اليوم تسعى لتعزيز ترسانتها النووية دون توقف، ففي عام 2019 أصدر "معهد بروكينغز" الأميركي للأبحاث تقريرا يتنبأ بتصاعد المنافسة النووية بين الولايات المتحدة والصين في السنوات القادمة، ورأى التقرير أن هذا التطور قد يحد من قدرة الولايات المتحدة على تقليل الأضرار في حال نشوب حرب نووية شاملة مع الصين.
وتشير التقديرات الحالية إلى أن الصين بين عامي 2014 و2024 ضاعفت العدد التقديري للرؤوس النووية من 250 إلى حوالي 500 رأس. ووفقا لتقارير صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى حوالي 700 رأس نووي بحلول عام 2027، و1000 بحلول عام 2030، ثم يتجاوز 1500 بحلول عام 2035.
وعلى ما يبدو فإن جهود الردع النووي الصينية قد تركزت أغلب العقود الفائتة على تطوير تكنولوجيا أنظمة الصواريخ الباليستية الأرضية. ولأن التوسع في هذه الترسانة كان بحاجة إلى المزيد من حقول صوامع الصواريخ، توسعت الصين بين عامي 2020 و2021 في بناء 350 صومعة صاروخية جديدة تعمل بوصفها منشآت لإطلاق الصواريخ الباليستية الأرضية عوضا عن الشاحنات المتنقلة على الطرق والتي سادت لفترة طويلة خلال العقود الفائتة. هذا ما رصدته صور الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر بحسب تقرير اتحاد العلماء الأميركيين الذي نُشر في بداية عام 2024.
"رياح الشرق" الصينية.. أكثر ما يؤرق الأميركيين
في ثمانينات القرن الماضي، بدأ الجيش الصيني بناء قوتة العسكرية التي ضمت أكثر من 1200 صاروخ باليستي قصير ومتوسط المدى، يمكن لها أن تصل للقواعد الأميركية الموجودة في تايوان.
لكن ليست تايوان وحدها هي معضلة الصين، حيث يعتقد الجيش الصيني أن الولايات المتحدة تمتلك خط دفاع ثانيا شرق اليابان، وهي جزيرة غوام، التي تضم قاعدة "أندرسون" العسكرية الأكثر أهمية للجيش الأميركي بالمحيط الهادئ، بينما كان الجيش الصيني يفتقر إلى صواريخ ذات مدى طويل لعبور 1900 ميل للوصول إلى غوام، باستثناء بضع مئات من الرؤوس الحربية النووية.
في 2015، أحدث الجيش الصيني نقلة نوعية في ميزان القوى بالكشف عن امتلاكه صواريخ "دونغ فينغ-26″، والتي تتميز بمدى يقدر بـ1900 إلى 2500 ميل بحري (ما بين 3 آلاف و4 آلاف كيلومتر)، وتعني "دونغ فينغ": رياح الشرق.
وفي عام 2016، أصدر البنتاغون تقييما مفاده أن الصاروخ الباليستي متوسط المدى دونغ فينغ -26 الذي طورته بكين سيكون قادرا على تنفيذ هجمات تقليدية ونووية، بدقة عالية، ويمكنه إصابة أهداف أرضية أو بحرية غرب المحيط الهادئ.
وفي تقرير صدر في يوليو/تموز 2017 عن مركز الأمن الأميركي الجديد، قام المؤلفان، توماس شوغارت وخافيير غونزاليس، بمحاكاة هجوم صيني استباقي على القواعد الأميركية في اليابان باستخدام هذا النوع من الصواريخ، ووجدا أن النتائج ستكون مدمرة، حيث يمكن أن "تتعرض جميع المقرات الرئيسية الثابتة والمنشآت اللوجستية للقصف"، وأيضا "قصف كل السفن الأميركية تقريبا الموجودة بميناء اليابان بالصواريخ الباليستية".
كما أن محاكاة شوغارت وغونزاليس توصلت إلى أن معظم المدارج العسكرية ستنهار بالهجوم في حال حدوثه؛ ما يؤدي فعليا إلى إعاقة القوات الجوية الأميركية باليابان.
وفي عام 2020، لعب دخول الصاروخ "دي إف-41 (DF-41)" الخدمة دورا بارزا في تعزيز ترسانة الصواريخ النووية الصينية، إذ يعد واحدا من الصواريخ ذات النطاق الأطول في العالم بمدى يتراوح بين 12 ألف و15 ألف كيلومتر، وتشير بعض التقديرات إلى أن "دي إف-41" يمكنه حمل ما يصل إلى 10 رؤوس حربية، لكن وزارة الدفاع الأميركية تقدر أن بإمكانه حمل 3 رؤوس حربية فقط. ومن ثم يضاهي قدرات الصاروخ الأميركي العابر للقارات الأشهر "مينوتمان 3″، وهو صاروخ يعمل بالوقود الصلب ثلاثي المراحل، يصل مداه إلى 13 ألف كيلومتر، وبإمكانه حمل ما يصل إلى 3 رؤوس نووية.
سور الصين العظيم.. هذه المرة تحت الماء!
يسود اعتقاد لدى الصينيين أن مأساة "قرن الإهانة" الصيني كانت ناجمة عن ضعف القوة البحرية الصينية، فلم تُهاجَم الصين إلا بحرا، ولم تُهزم إلا من قوى آتية عبر البحر، كما حدث مع الأسطول البريطاني في حرب الأفيون، بينما استطاعت إلحاق الخسائر بخصومها عندما كانت المواجهات على البر. ومن ثم تُولي الصين أهمية قصوى بتطوير ترسانتها البحرية، خاصة أن القوة الرئيسية المهيمنة على العالم الآن هي قوة بحر بالأساس.
ولعقود سابقة، كافحت الصين من أجل مضاهاة الأسطول الأميركي الأقوى والأكثر تطورا في العالم، ففي البدء كانت الغواصات الصينية الصاخبة سهلة التتبع مقارنة بالغواصات الأميركية شديدة الهدوء، وهو ما جعل بكين تواجه معضلة كبيرة بسبب سهولة اكتشاف وتتبع غواصاتها بواسطة الغواصات الأميركية. بيد أن عصر الهيمنة الأميركية المطلقة على البحار والمحيطات يبدو أنه في طريقه للزوال، هذا ما أشار إليه تقرير حديث نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
تناول التقرير الجهود التي تبذلها بكين من أجل تقليص الفجوة بين الجيشين الأميركي والصيني، ومن بينها التطور الكبير الذي شهدته تكنولوجيا الغواصات الصينية وقدرات الكشف تحت الماء؛ ما يترتب عليه آثار كبيرة على التخطيط العسكري الأميركي حال اندلاع صراع بين الصين وتايوان.
في بداية عام 2023، أظهرت الصور التي رصدتها الأقمار الصناعية أن الصين أطلقت غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية ومزودة بنظام دفع نفاث بدلا من المحركات المروحية. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يُرصد فيها استخدام الصين لتقنية تقليل الضجيج مشابهة لتلك المستخدمة في أحدث الغواصات الأميركية، بحسب "وول ستريت جورنال".
وأبعد من ذلك، فقد أصبحت منطقة غرب المحيط الهادئ أكثر خطورة على غواصات البحرية الأميركية، وفقا للتقرير، وذلك بعد أن قامت بكين بإنشاء العديد من شبكات الاستشعار تحت الماء في بحر الصين الجنوبي ومناطق أخرى على طول الساحل الصيني، والتي أطلقوا عليها اسم "سور الصين العظيم تحت الماء".
وإجمالا، فقد استطاعت بكين تعزيز المكون البحري في "الثالوث النووي"، حتى أصبح الأسطول الصيني اليوم يتجاوز الأسطول الأميركي من حيث عدد السفن، إذ عملت الصين على مضاعفة عدد سفنها البحرية بين عامي 2014 و2018 بما يفوق إجمالي عدد سفن القوات البحرية الألمانية والهندية والبريطانية والإسبانية مجتمعة.
وفي السنوات المقبلة، من المتوقع أن تطلق الصين فئة جديدة من غواصات الصواريخ البالستية (SSBN)، وهي الغواصة النووية الشبحية "تايب 096 (Type 096)"، والتي تعد إنجازا جديدا، إذ تمتاز الغواصة الحديثة بقدرة أعلى على التخفي من الفئة السابقة "تايب 094″، وتتمتع بمستوى هدوء أعلى بكثير من الغواصات الصينية الحالية. وبحسب بعض التقديرات، يمكن لهذا الضيف أن يحدث تغييرات جذرية قادرة على قلب قواعد اللعبة في المنطقة البحرية المحيطة بجمهورية الصين الشعبية.
منذ سبعينات القرن الماضي، كان العنصر الجوي مهملا بشكل واضح في القوة الإستراتيحية النووية للصين، ويحتل مكانة ثانوية. استمر هذا الوضع حتى عام 2018، عندما أفادت تقارير وزارة الدفاع الأميركية أن القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي قد أعيد تكليفها بمهمة نووية ترتكز بشكل خاص على تطوير القاذفات النووية الإستراتيحية.
أنتجت الصين في السنوات التالية أعدادا كبيرة من القاذفة الإستراتيحية "إتش-6 كي (H-6K)"، وهي نسخة معدلة من القاذفات النووية "إتش-6 (H-6)" التي صممت على غرار القاذفة الروسية "تي يو-16 (Tu-16)" ودخلت الخدمة في خمسينات القرن الماضي.
أسهمت الأجيال الجديدة من سلسلة "إتش-6" في دفع الصين للمقدمة في المشهد الجيوسياسي الآسيوي. وكان منها الإصدار "إتش-6 كي" الذي يمتاز عن الفئة السابقة بمحركات أكثر كفاءة وقدرة على الطيران إلى مدى أعلى يصل إلى 3000 كيلومتر، بالإضافة إلى أن هذه القاذفات بإمكانها التزود بالوقود جوا أثناء الطيران.
صممت طائرة "إتش-6 كي" في المقام الأول لتعمل صائدة للسفن، وذلك لقدرتها على إطلاق صواريخ باليستية على أهداف كبيرة مثل المدمرات وحاملات الطائرات. هذا بالإضافة إلى قدرتها على الاشتباك مع أهداف أرضية وحمل ما يصل إلى 4 صواريخ باليستية، وهو ما يمنح جيش التحرير الشعبي الصيني قدرة على ضرب أهداف بدقة من مسافة بعيدة.
كشفت الصين علنا عن قاذفتها الإستراتيحية الأخرى من طراز "إتش-6 إن (H-6N)" عام 2019، والتي تشكل جزءا من إستراتيحية الدفاع والردع النووي الصيني. تمتاز القاذفة بمدى أعلى يصل إلى 4000 كيلومتر، إلى جانب قدرتها على حمل رؤوس حربية ذات قدرات نووية وأخرى تفوق سرعتها سرعة الصوت.
وفي عام 2016، كانت قد أعلنت الصين أنها بصدد تطوير قاذفة نووية شبحية قادرة على منافسة القاذفة الشبح الأميركية "بي-21 (B-21)"، وظلت المعلومات عن القاذفة الصينية الحديثة محاطة بالسرية حتى عام 2020، عندما بث التلفزيون الصيني لأول مرة صورا للقاذفة الإستراتيجية "إتش-20 (H-20)".
وبحسب المعلومات المتاحة، يصل مداها إلى 8500 كيلومتر. ووفقا لما ذكرته مجلة "لوبوان (Le Point)" الفرنسية، تتمتع بقدرات عابرة للقارات، بالإضافة إلى قدرات نووية وتقليدية، وهو ما يشكل قفزة كبيرة للقوات الجوية الصينية التي اقتصر نطاق عملها لعقود طويلة على المنطقة الإقليمية المحيطة.
ومن المتوقع أن يؤدي تصميم القاذفة الصينية الشبح "إتش-20" العابرة للقارات، بالإضافة إلى الغواصات والصواريخ النووية المتزايدة، إلى استكمال قدرات "الثالوث النووي" الصيني؛ ما يرفع قدرة الصين إلى مستوى يشابه قدرة الولايات المتحدة وروسيا في هذا السياق.
غموض مقصود وتقدم هادئ
في 2006، أعلنت الصين إستراتيجيتها النووية التي نصت على انتهاج سياسة دفاع عن النفس ذات أهداف مزدوجة، تعتمد من جهة على ردع الهجمات النووية الموجهة إليها، ومن جهة أخرى، منع الدول الأخرى من القدرة على إخضاع بكين سياسيا عبر توجيه التهديدات النووية.
ومن ثم يمكن القول إنها تبنت مبدأ "الدفاع النشط"، إذ تعهدت الصين بانتهاج سياسة دفاعية خالصة تنص على عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية تحت أي ظرف من الظروف إلا في حالة الهجوم المضاد.
في حين أشارت الإستراتيجية العسكرية الصينية لعام 2015 إلى ضرورة الاستعداد لحالات الطوارئ المحتملة في المناطق الحدودية المحيطة، مثل تايوان ومنطقة بحري جنوب وشرق الصين، وذلك في إطار عملية إعادة هيكلة القوات البحرية والجوية لجيش التحرير الصيني بحيث تتناسب مع العمليات الدفاعية والهجومية على حد سواء.
أثارت هذه التغيرات الإستراتيجية قلق مسؤولين وخبراء أميركيين، لأنها قد تعني، بصورة ما، تخلي الصين عن عقيدة الدفاع، ويرجّح ذلك توسعها في بناء ترسانة نووية هائلة، وكذلك تصريحات الرئيس شي الذي يشدد على "الحفاظ على المبادرة الإستراتيجية لحماية الأمن القومي بقوة من طرف الصين".
وفي الوقت الذي تؤكد فيه تقارير وزارة الدفاع الأميركية أن الصين تسعى بالفعل لتحقيق تكافؤ نووي مع الولايات المتحدة وروسيا بهدف الحصول على مكانة القوة العظمى على الساحة الدولية، تتمسك الصين في خطابها الرسمي بأن مساعيها لتحديث ترسانتها النووية تتلخص في قلق بكين من تنامي القدرات النووية والصاروخية للبلدان الكبرى إلى درجة تجعلها عاجزة عن الردع النووي إذا تلقت ضربة استباقية.
وفي كل الأحوال، فإن ثمة تخوفات أميركية من أن هذه المساعي من قبل الصين سوف تقوّض قدرة السلاح النووي الأميركي على فرض معادلة السيادة والهيمنة، حيث تحتفظ الولايات المتحدة لنفسها بحق المبادرة باستخدام السلاح النووي أولا، في حين ترفض أن تتجه الصين لمثل هذه العقيدة النووية وأن تظل في إطار المنطق الإستراتيجي الدفاعي.
تبرر الولايات المتحدة هذه المعايير التي تبدو مزدوجة بإضفاء الصبغة الأخلاقية على أهدافها السياسية الخاصة، حيث تروج الولايات المتحدة أن أهدافها في المحيط الإقليمي للصين هو نشر الديمقراطية والأمن الجماعي وحماية تلك الدول الصغيرة من الأيديولوجية الصينية الشيوعية الاستبدادية، في حين يرى الصينيون أن هذا لا يعدو إلا غطرسة أمريكية واحتكار لمفاهيم الرشد السياسي ومحاولة لفرض نموذجها السياسي والقيمي على العالم بالقوة.
وما يبدو هو أن حالة الغموض والارتباك التي تكتنف إستراتيجية بكين هي عمل منظم ومقصود بدقة، إذ تسعى للتسلل بأكبر قدر ممكن من الهدوء لتملأ كل الفراغات التي يخلفها التراجع الأميركي المحتمل، والاستعداد لحالة الانتقال المتوقعة في هيكل القوة داخل بنية النظام الدولي، لتعود الصين كما يراها أهلها "مركز العالم" وأصل حضاراته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرئيس الصيني: اقتصادنا يجب أن يتكيف مع التغيرات الخارجية
الرئيس الصيني: اقتصادنا يجب أن يتكيف مع التغيرات الخارجية

الجزيرة

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

الرئيس الصيني: اقتصادنا يجب أن يتكيف مع التغيرات الخارجية

دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ اليوم الأربعاء إلى اتخاذ إجراءات للتكيف مع التغيرات في الظروف الدولية، وذلك في الوقت الذي تعد فيه البلاد خططها الاقتصادية للسنوات الخمس المقبلة، حسبما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا). وتهز حرب تجارية عالمية أطلق شرارتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسواق المالية وتذكي المخاوف من ركود اقتصادي، إذ يهدد تصاعد الرسوم الجمركية المتبادلة بين أكبر اقتصادين في العالم بتعطيل سلاسل التوريد ومجموعة كبيرة من القطاعات. ونقلت الوكالة عن شي قوله خلال ندوة في شنغهاي حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال الخطة الخمسية الـ15 من 2026 إلى 2030 "من المهم أن تستشرف نظرتنا التغيرات المستقبلية في المشهد الدولي وتأثيرها على الصين". وأضاف "يجب على البلاد أن تضبط هيكلها الاقتصادي وفقا لذلك"، وذلك دون أن تتطرق تصريحاته بشكل مباشر إلى الحرب التجارية الدائرة مع الولايات المتحدة. وتعهد كبار صناع السياسات في الصين بدعم الشركات والعمال الأكثر تضررا من تأثير الرسوم الجمركية الأميركية التي فاقت 100%، وحثوا البلاد على الاستعداد لأسوأ السيناريوهات. وأمس انتقدت الصين الحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأميركي ضدها، مؤكدة أنها لن ترضخ، ودعت المجتمع الدولي للوقوف في وجه التنمر الأميركي وفق تعبيرها. وقالت وزارة الخارجية الصينية في فيديو نشرته باللغة الإنجليزية مع ترجمة للصينية، إن "الانحناء أمام المتنمر أشبه بتجرع السم لإرواء العطش، ويُفاقم الأزمة". ووصفت الصين الولايات المتحدة بأنها "نمر من ورق"، وأشارت إلى أن الواردات والصادرات الأميركية تُشكل أقل من خُمس التجارة العالمية، وأن الولايات المتحدة "لا تُمثل العالم بأسره". وأضافت "لقد أثبت التاريخ أن الرضوخ لا يُؤدي إلا إلى مزيد من التنمر، والصين لن ترضخ". كما دعت الخارجية الصينية في الفيديو دول العالم إلى كسر الهيمنة الأميركية، وتعهدت بأن بكين "ستصمد مهما هبت الرياح، وعلى أحدهم أن يتقدم، حاملاً مشعلاً في يده، ليبدد الضباب وينير الطريق". وقالت الصين في الفيديو "عندما يتضامن باقي العالم تصبح الولايات المتحدة مجرد قارب صغير جانح، ولا شك أن الولايات المتحدة ستواصل التذبذب في مواقفها وممارسة سياسة التشدد". وكان البيت الأبيض أكد في 10 أبريل/نيسان الجاري أن الزيادة الكبيرة في الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على السلع الصينية، ودخلت حيز التنفيذ في اليوم ذاته، ترفع التعريفات الإضافية التي تفرضها واشنطن على بكين إلى مستوى 145%. وأعلن ترامب قبل أسابيع فرض رسوم جمركية، جاء بعضها مربكا في كثير من الأحيان، على دول عديدة منها كندا والمكسيك والصين، مما أثار تقلبات غير مسبوقة في الأسواق وأثر سلبا على ثقة المستثمرين في الأصول الأميركية. وردت الصين بفرض رسوم على السلع الأميركية بنسبة 34%، ثم أعلنت لاحقا زيادة تلك الرسوم الانتقامية لتصل 125%. وأبدى ترامب مؤخرا استعدادا للتفاوض مع الصين بشأن الرسوم الجمركية، وأشارت إدارته الأسبوع الماضي إلى انفتاحها على تهدئة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم التي أثارت مخاوف من حدوث ركود.

زعماء العالم يعقدون اجتماعا للمناخ بغياب الولايات المتحدة
زعماء العالم يعقدون اجتماعا للمناخ بغياب الولايات المتحدة

الجزيرة

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

زعماء العالم يعقدون اجتماعا للمناخ بغياب الولايات المتحدة

شارك عدد من رؤساء الدول والحكومات، من بينهم الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، في اجتماع افتراضي أمس الأربعاء بهدف تجديد الالتزام العالمي بالعمل المناخي، وذلك بغياب الولايات المتحدة، وفق بلومبيرغ. وعُقد الاجتماع الذي استمر ساعتين بمبادرة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. ورغم أهمية الاجتماع غابت الولايات المتحدة عن المشاركة، في وقت تزايد فيه القلق من تراجع الالتزام الأميركي تجاه اتفاقية باريس للمناخ، خاصة بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب منها. لكن صحيفة غارديان نقلت عن مصادر أن واشنطن لم تدعَ إلى الاجتماع. التزام الصين وخلال الاجتماع، شدد الرئيس الصيني على التزام بلاده الثابت بمكافحة تغيّر المناخ ، مؤكدًا أن "الصين لن تتراجع عن جهودها المناخية، ولن تتباطأ عن دعم التعاون الدولي، ولن تتخلى عن هدف بناء مجتمع عالمي بمستقبل مشترك". ولم يُسمِّ الرئيس الصيني الولايات المتحدة أو ترامب، لكنه أشار إليهما بوضوح، لافتا إلى أن الصين "بنت أكبر وأسرع أنظمة الطاقة المتجددة نموًا في العالم، بالإضافة إلى أكبر وأكمل سلسلة صناعية للطاقة الجديدة". وقال شي "على الرغم من أن إصرار بعض الدول الكبرى على اتباع الأحادية والحمائية قد أثّر بشكل خطير على القواعد الدولية والنظام الدولي، فما دمنا نعزز الثقة والتضامن والتعاون، فسنتغلب على الرياح المعاكسة ونمضي قدما بثبات في حوكمة المناخ العالمية وجميع المساعي التقدمية في العالم". وبعد الاجتماع، قال غوتيريش إنه لا يمكن لأي حكومة أو مصلحة في مجال الوقود الأحفوري أن تمنع العالم من السعي نحو مستقبل الطاقة النظيفة. ولم يذكر غوتيريش ترامب بشكل مباشر، لكن تصرفات الرئيس الأميركي طغت بوضوح على الاجتماع. وأتى الاجتماع في وقت يواجه العالم خطر تجاوز حدود الاحتباس الحراري المتفق عليها، إذ سجّل العام الماضي ارتفاعا سنويا بدرجة حرارة فاقت 1.5 درجة مئوية لأول مرة، مع توقعات بوصول هذا الارتفاع إلى 2.6 درجة مئوية بنهاية القرن إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة. خطط وطنية وفي ظل هذه الأرقام المقلقة، أظهرت التقارير أن 19 دولة فقط من أصل 195 موقعة على اتفاقية باريس قدمت مساهماتها الجديدة المحددة وطنيا، وهي خطط وطنية تهدف إلى خفض الانبعاثات حتى عام 2035. ومن بين هذه الدول المملكة المتحدة، كندا، اليابان، البرازيل، الإمارات، والولايات المتحدة، التي قدمت خطتها إبان إدارة جو بايدن. بينما لا تزال كل من الصين والاتحاد الأوروبي في طور الإعداد لتقديم خططهما. وأعلن الرئيس الصيني خلال الاجتماع أن بلاده ستكشف عن خططها المناخية الجديدة قبل انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30)، المقرر عقده في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في مدينة بيليم الأمازونية بالبرازيل. وستشمل هذه الخطة أهدافا شاملة تغطي كافة قطاعات الاقتصاد وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويُتوقع أن يلعب مؤتمر الأطراف الثلاثين دورا حاسما في رسم خارطة طريق طموحة للعمل المناخي، تشمل تعبئة ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنويا لتمويل المناخ في الدول النامية بحلول عام 2035، فضلا عن التزام الدول الغنية بمضاعفة تمويل التكيّف إلى 40 مليار دولار سنويا على الأقل.

الصين وآسيان.. شراكة متنامية على صفيح ساخن
الصين وآسيان.. شراكة متنامية على صفيح ساخن

الجزيرة

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

الصين وآسيان.. شراكة متنامية على صفيح ساخن

"آسيا هي موطننا المشترك، ومستقبلنا يرتبط باستقرارها وتعاون شعوبها"، بهذه الكلمات لخّص الرئيس الصيني شي جين بينغ رؤية بلاده للمنطقة، مؤكدًا أنّ آسيا ليست مجرد جوار جغرافي، بل هي عمق إستراتيجي وحيوي لأمن الصين القومي ومجالها الحيوي في مواجهة التحديات الدولية. تعتبر جمهورية الصين قارة آسيا وخاصة جنوبها الشرقي حلبة الصراع الحقيقية بينها وبين التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، خلال السنوات الأخيرة وربما ميدان المواجهة المقبلة. ومع تزايد الحديث الغربي عن مواجهة الصعود الصيني خاصة في بحر جنوب الصين، تتشكل ملامح صراع ناعم ومعقد بين القوى الكبرى في المنطقة، ومع اشتداد الصراع الدولي على النفوذ، تحولت رابطة (آسيان) إلى ما يشبه ساحة مواجهة وصراع على التحالفات العسكرية والاقتصادية. وفيما تروّج بكين نفسها كـ"شريك اقتصادي تنموي" للرابطة، ترى واشنطن الوجود الصيني خطرًا على مكانة الرابطة العالمية وسيطرتها على المنطقة، في حين تحاول دول الرابطة الموازنة في العلاقة بين الطرفين. علاقات تاريخية واقتصادية شهدت العقود القليلة الماضية تحولًا ملحوظًا في طبيعة العلاقة بين الصين وجيرانها، خاصة دول رابطة "آسيان" التي تحولت إلى قوة اقتصادية متنامية، يُصنف اقتصادها في المرتبة السابعة عالميًا، وتضم 10 دول هي إندونيسيا، وتايلاند، وفيتنام، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وميانمار، وكمبوديا، ولاوس، وبروناي. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول آسيان مجتمعة حوالي 3.86 تريليونات دولار أميركي في عام 2023، مما يضعها ضمن أكبر الكتل الاقتصادية في العالم، كما تُظهر بيانات عام 2023 أن إندونيسيا تصدرت دول الرابطة من حيث الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 1.42 تريليون دولار، تليها تايلاند، سنغافورة، والفلبين. ​ ومنذ عام 2009 أصبحت الصين شريكًا اقتصاديًا لا غنى عنه للرابطة، حيث تجاوز التبادل التجاري بين الطرفين 975 مليار دولار عام 2023، إضافة لتقديمها مشاريع ضخمة في البنية التحتية ضمن مباردة " الحزام والطريق"، وقروضًا بمليارات الدولارات. وتلعب مبادرة "الحزام والطريق" التي أعلن عنها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، دورًا محوريًا في ترسيخ النفوذ الصيني بالمنطقة، حيث تسعى من خلال مشاريع البنية التحتية إلى بناء شبكات لوجستية وتجارية تضمن لها مرورًا آمنًا ومستقرًا لبضائعها نحو المحيط الهندي. وتُعتبر اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وآسيان، الموقعة عام 2010، واحدة من أقوى المحفزات للنمو التجاري بين الطرفين، إذ أزالت كثيرًا من القيود الجمركية وساهمت في تعزيز التعاون الاقتصادي العابر للحدود. وساهم النهوض الصيني في التأثير إيجابيا على دول آسيان، خاصة من خلال نقل الإنتاج من الصين إلى هذه الدول، وزادت صادرات الصين إلى دول آسيان في عام 2023 حوالي 14.2% مقارنة بالعام السابق، واستثمرت الشركات الصينية حوالي 24 مليار دولار في قطاع التصنيع في دول آسيان، مع تركيز كبير على فيتنام وماليزيا. لكن هذا التعاون الاقتصادي، يمتزج بخلافات سياسية عميقة وتاريخية خصوصًا مع دول مثل فيتنام والفلبين وماليزيا، تتنازع مع الصين على السيادة في بحر جنوب الصين، بالإضافة إلى تصاعد المخاوف من الوقوع في "فخ الديون" أو فقدان السيطرة على مشاريع إستراتيجية ممولة من الصين، كما هو الحال في لاوس وكمبوديا، حيث تشير تقارير إلى ارتفاع نسبة الديون الصينية وتنامي النفوذ الاقتصادي لبكين على حساب السيادة الوطنية. لا يقتصر الدور الصيني في آسيان، على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى الجانب السياسي والعسكري، إذ وفرت الصين على سبيل المثال غطاءً سياسيًا ودبلوماسيًا للنظام العسكري في ميانمار، الذي جاء نتيجة انقلاب في فبراير/شباط 2021، وأطاح بالحكومة المدنية المنتخبة بقيادة أونغ سان سو تشي، عبر منع صدور قرارات من مجلس الأمن ضده، ودعمه ضمنيًا في المحافل الدولية بما فيها اجتماعات آسيان، رغم أنها لم تُعلن تأييدها الصريح للانقلاب. وأثار هذا الدعم قلق عدد من دول آسيان، التي رأته يُضعف موقف الرابطة في دفع عملية السلام وإعادة الديمقراطية، ويُعقّد من إمكانية التوصل إلى موقف موحد تجاه ميانمار. وفي عام 2018، اعتُبر موقف الصين من الأزمة السياسية في جزر المالديف -عندما أعلن الرئيس عبد الله يمين حالة الطوارئ واعتقل قضاة المحكمة العليا ومعارضين سياسيين متجاهلا أوامر المحكمة بالإفراج عن السجناء السياسيين- دعما ضمنيا للرئيس، وخلال حكم الرئيس يمين، وقّعت المالديف اتفاقية تجارة حرة مع الصين، ضمن مبادرة "الحزام والطريق".​ التوتر في بحر جنوب الصين تُعد قضية بحر جنوب الصين المحور الأخطر في العلاقة بين الصين ودول آسيان، إذ تدّعي بكين أن لها حقوقا تاريخية على مساحات واسعة في هذه النقطة المائية، أو ما يُعرف بـ"خط التسع نقاط"، الذي يغطي مياهًا في تلك الدول، وتزعم أنّ هذا البحر يُعد تاريخيا جزءا من "التراب الأزرق" وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى المناطق البحرية التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها الوطنية. ويتضمن النزاع مناطق أرخبيل "سبراتلي" وجزر "باراسيل" في بحر جنوب الصين، وهي مناطق تزخر بالموارد الطبيعية، وبينما تطالب الفلبين وماليزيا وفيتنام وبروناي بالسيادة على مناطق متنازع عليها في البحر، تؤكد الصين أنها صاحبة الحق التاريخي على نسبة 90% من جُزره والمياه المحيطة بها. ومنذ عام 2013، عززت الصين من وجودها العسكري في المنطقة عبر بناء جزر صناعية وتحويل الشعاب المرجانية إلى قواعد جوية وبحرية، مزودة بأنظمة دفاع جوي ورادارات ومهابط للطائرات. وتسببت هذه التحركات في احتجاجات متكررة من دول مثل الفلبين، التي حصلت في 2016 على حكم من محكمة التحكيم الدولية في لاهاي، يبطل المزاعم الصينية، لكن بكين رفضت الاعتراف بالحكم. وتبنى الرئيس الفلبيني آنذاك رودريغو دوتيرتي موقفًا براغماتيًا مرنًا تجاه الصين، يظهر حرصه على عدم الإضرار بالعلاقة معها، حيث وصف الحكم بأنه "مجرد ورقة يمكن وضعها في الدرج والعودة إليها لاحقًا"، وأكد أن بلاده لا تستطيع "الدخول في حرب" مع الصين. تعكس هذه المعادلة الحرجة على نطاق أوسع محاولات دول آسيان للمحافظة على التوازن في العلاقة مع الصين، فهي لا تريد مواجهة مع بكين، وفي نفس الوقت لا تريد أيضا أن تتخلى عن سيادتها على المياه المتنازع عليها. أما دول مثل كمبوديا ولاوس، فتبدو أكثر قربًا لبكين، بل تُتهم أحيانًا بأنها "تتحدث باسم الصين" داخل آسيان، مما يثير انقسامًا داخل التكتل نفسه. هذا التباين أضعف قدرة آسيان على اتخاذ مواقف موحدة تجاه الملفات الإقليمية الكبرى، وأدى إلى فتور في مفاوضات طويلة الأمد مع الصين حول مدونة سلوك ملزمة لتنظيم النزاعات في بحر جنوب الصين. دور أميركي في العلاقة لا يمكن الحديث عن العلاقة بين الصين وجيرانها من الدول الآسيوية وخاصة دول آسيان دون أخذ السياسة الأميركية ودورها في المنطقة بالاعتبار، فالولايات المتحدة لا تزال حاضرة بقوة عبر قواعدها العسكرية، وتحالفاتها الإستراتيجية، ووجودها في بحر جنوب الصين، خاصة في الفلبين وتايلاند وسنغافورة، وكذلك عبر مشاريعها في مجالات التكنولوجيا والطاقة. وتحاول الولايات المتحدة حصار الصين في محيطها، وترى أن تحركات بكين تمثل تهديدًا مباشرًا لحرية الملاحة البحرية، وتحاول عبر إستراتيجيات متعددة التصدي لما تصفه بـ"التمدّد الصيني". وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك، أنتوني بلينكن، في قمة آسيان 2024، إن "الولايات المتحدة ستواصل دعم حرية الملاحة والتحليق في منطقة المحيطين الهندي والهادي". وترى الولايات المتحدة واليابان وأستراليا أنّ حرية الملاحة ستكون معرضة للخطر إذا فرضت الصين سيادتها على البحر، الذي يُعتبر ممرًا مائيا رئيسيًا وأهم شرايين التجارة العالمية في يدها. وبدأت واشنطن مع حلفائها من الدول الغربية، تعزيز التحالفات في جنوب شرق آسيا منذ سنوات، مثل التحالف "الرباعي" الذي يضم أميركا واليابان والهند وأستراليا، وتحالف "أوكوس" (AUKUS) الأمني مع بريطانيا وأستراليا، الذي بدأ تنفيذ دوريات بحرية في المنطقة منذ 2015، تحت شعار "حماية حرية الملاحة"، بهدف تعميق التعاون الدبلوماسي والأمني والدفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والعمل على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، في إشارة غير صريحة أيضا إلى الصين. كما أطلقت واشنطن مبادرات بديلة لمبادرة "الحزام والطريق"، والتي تعتبر عنوان النفوذ الاقتصادي والسياسي الصيني، وأبرزها مبادرة "الممر الاقتصادي" التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة العشرين 2023 في نيودلهي، حيث يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ويضم استثمارات في السفن والسكك الحديدية، ويربط الهند أيضا بأنحاء أوروبا، عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل. عسكرة البحر وتدعم الولايات المتحدة جهود دول آسيان في مواجهة المطالب الصينية، حيث تسيّر دوريات بحرية مشتركة مع الفلبين، وتقدم مساعدات عسكرية وتكنولوجية لدول مثل فيتنام وإندونيسيا. وعززت وجودها العسكري والدبلوماسي مع دول "آسيان"، خاصة عبر اتفاقيات دفاع مع الفلبين وتايلاند، وتعاون وثيق مع سنغافورة وفيتنام، وهو ما تراه الصين تهديدًا مباشرًا لأمنها الإقليمي، متهمة واشنطن بأنها تزرع "الفتن البحرية" وتشجع الدول على تحدي المطالب الصينية في بحر جنوب الصين. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 2020، إن الولايات المتحدة أصبحت "أكبر محرك لعسكرة بحر الصين الجنوبي" و"العامل الأكثر خطورة.. في المنطقة". وفي مارس/آذار 2023 حذرت الصين من "الاستفزازات الأميركية" بعد دخول مدمرة أميركية المياه الإقليمية لجزر شيشا الصينية دون إذن،​ وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، حضّت واشنطن بكين على إنهاء أعمالها "الخطرة والمزعزعة للاستقرار" في بحر جنوب الصين بعد اصطدام زورق فلبيني وسفينة لخفر السواحل الصيني قرب منطقة شعاب مرجانية متنازع عليها.​ وأعلنت الفلبين في أغسطس/آب 2024 إجراء مناورات مشتركة مع كل من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، في منطقة بحر جنوب الصين، الأمر الذي ردت عليه الصين بتسيير دوريات مشتركة في المجال البحري والجوي قرب الجزر المرجانية المتنازع عليها مع مانيلا. وبدأت الصين عام 2021، في نشر صواريخ طويلة المدى مضادة للسفن على طول سلسلة الجزر التي تمتد من اليابان إلى تايوان والفلبين، ونشرت قوات قادرة على تنفيذ عمليات في ما تصفه بـ"ما بعد السلاسل الأولى من الجزر"، ما يعني استعدادها لعمليات عسكرية بعيدة المدى. وترى بكين أن السيطرة على بحر جنوب الصين ليس مسألة سيادة فقط، بل مسألة بقاء إستراتيجي، خاصة مع إمكانية تطور النزاع حول تايوان إلى مواجهة أوسع تشمل المنطقة بأكملها. نظرة مستقبلية يبدو أن العلاقة بين الصين وآسيان ستظل رهينة للتوازنات الدقيقة بين الاقتصاد والسياسة، بين المصالح المشتركة والخلافات المتجذّرة، لكنها ستميل على الأرجح باتجاه تحسين العلاقة مع الصين كونها قوة صاعدة ومجاورة، أمام السياسة الانسحابية التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، وسياساته الاقتصادية الشرسة. وتحاول الصين تعزيز استثماراتها مع دول الرابطة والحفاظ على علاقات جيدة دون الوصول إلى مرحلة المواجهة، حيث أعربت في أبريل/نيسان 2023، عن استعدادها لتسريع المشاورات مع دول آسيان بشأن مدونة قواعد السلوك في بحر جنوب الصين، بهدف تقليص احتمالات تفجر الصراعات البحرية في المنطقة، لكنها مع ذلك يمكن أن تواجه مقاومة متزايدة في ظل تنامي المشاعر القومية في بعض الدول وإثارة الخلافات الحدودية. أما آسيان، فسيكون هاجسها المستمر الحفاظ على استقلال قرارها، دون الانجرار إلى محور ضد الآخر، رغم الضغوط المتزايدة من واشنطن وبكين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store