
الفرجة الرمضانية بين النقد السريع والنقد المدفوع
الخط : A- A+
إستمع للمقال
لقد كثر الحديث مؤخـرا على منصات التواصل الاجتماعي حول عدد من الأعمال الدرامية المغـربية عموما، ومنها الأمازيغية بطبيعة الحال، والتي يتم بثها على شاشات القنوات الوطنية العمومية، منذ بداية هذا الشهـر الفاضل، أي الدراما الرمضانية، حسب التعبير الشائع، بحيث ألِف عدد كبير من الجمهور المغـربي، ومنه الأمازيغي، أن يجد فسحته المفضلة والمعتادة في هذه الأعمال، ألا وهي فسحة الفـرجـة والضحـك والمتعة، وهذه المسألة دأب عليها الجمهور المغـربي ما ينيف عن خمسة عقود على الأقـل، أي منذ أيام RTM، واستمر هذا النهج في قنواتنا الوطنية إلى اليوم، وكذلك في قناة تمازيغت منذ تأسيسها سنة 2010 كقناة عمومية عامة ناطقة بالأمازيغية.
وبهذا فقد جـرت العادة، مع استهلال الموسم الرمضاني من كل سنة، على متابعة الجماهير المغـربية، بلهفة وشوق منقطع النظير، للمسلسلات والسيتكـومات ومختلف الأعمال الدرامية والكوميدية ونحـوها؛ وقـد تحكم جل هذه الجماهيـر على هذه الأعمال منذ حلقتها الأولى، فإما أن يكون هذا الحكم إيجابيا أو يكون سلبيا، ويبقى هذا الحكم مصاحبا للعمل رغم تصاعـد أحـداثه ووقائعه، وكأن هذه الحلقة واجهة لكـل عمل، فإن لم ترضي أغلبية الجماهير وتروق أذواقهم منذ الوهلة الأولى، تنطلق سهام النقد من هنا وهناك وتكبر قاعدتها يوما بعد يوم حتى تنال من العمل وتحطّمه، ولهذا تشكّـل هذه الحلقة أكبر تهديد وخطر على كل عمل، فإما أن يستقطب الجمهور العـريض، وإمّا أن تجني عليه مثلما جنت براقش على نفسها أو أهلها.
دراما الجمهور العـريض
قد يعتمد الكثيرون منّا في نقدهـم للأعمال الدرامية أو الكوميدية ونحـوها على معيار الجمهور العريض، بحيث نفترض دائما بأن العمل الناجح أو الجيد هو الذي يستطيع أن يستقطب الجمهور العريض، أو القدر الأكبر من الجمهور، في حين أن الكثير من الأعمال الجيّدة لم تحقق في بدايتها زخـم المشاهدات والمتابعة، ولم يتم اكتشافها وفهمها مبكرا حتى مرّ عليها حيّز من الوقت، وبعد ذلك راجعها عدد كبير من المشاهدين، أو ربما تكتفي بالمشاهـد الذواق، أي المشاهد الفطن أو المتقد الفهم، الذي يستطيع تحليل وفهم غموض ورموز هذه الأعمال، وبالتالي فمسألة الجمهور العريض هي عادة فقط وليست معيارا للحكم على جودة العمل ونجاحه.
رسالة إلى الجمهـور
إنّ الحكم على عمل درامي أو كوميدي من حلقته الأولى، أشبه بكثير من الحكم على الكتاب من غلافه أو على البيت من الواجهة، أو على الإنسان من لباسه؛ لأنّ المسلسلات والسلسلات التلفزية الدرامية والكوميدية، تنبني على تطور الأحداث والشخصيات وتصاعـدها، وعلى الحبكة الرصينة ووحدة أو ترابط السرد وتناسقه وتسلسله، وعبر تداخـل القضايا والوقائع وتشابكها، ونحو ذلك؛ وقد يكون من المجحف الحكم على العمل من حلقته الأولى، عبر اختزاله في هذه الحلقة؛ فالأعمال الناجحة تكون لها مميزات، ومن مميزاتها البناء من الأساس حجـرا بحجـر، وبناؤها متين يصعـب هدمه بمعول النقد مهما بلغت سيول إجحافه.
هذا ما يبدو، من دونما شكّ، في النقد السريع الموجّه لمسلسل 'إلّيس ن وُوشّن' أو 'بنت الذئب' المبثوث بقناة تمازيغت، من حلقته الأولى، بالرغـم من أنه يضم نخبة من الممثلين الكبار ونجوم الشاشة الأمازيغية خاصة، والمغـربية عموما، الذين ساهموا في إنجاح عدد من الأعمال السابقة، من سيتكـومات وأفلام وسلسلات ومسلسلات، ونذكر منها على سبيل المثال مسلسل 'حديدان' و'رمانة وبرطال' و'بابا علي' وغيرها.
ورغم الكفاءة العالية في التمثيل والإخـراج، أي على مستـوى الأداء، وعلى المستوى التقني والفني، وكذلك على مستـوى الجودة والجدة في المضمون والمعالجة، ورغـم قـوة القصة واستلهامها من التراث وأحداث الماضي، من عوالم الميثولوجيا والفانتازيا والتمثلات الذهنية للإنسان الأمازيغي لوجـوده وفضاءاته وعوالمه، إلّا أنّ المسلسل ناله وابل من النقد السريع، مما يشكـك في مصدره ومن يقف وراء التحـريض عليه؛ بحيث أنّ هذا النقد، بطبيعة الحال، أثّـر سلبًا على تحقيق العمل لنسب مشاهدة عالية كما كان متوقعا منه.
نصيحة لابد منها للشركات المنفذة للإنتاج
لا يخفى على كل ذي لباب، أنّ معظم الأعمال الناجحة، إنمّا تحقق لها ذلك لأمور عـديدة أهمّها، أنّها لا تستسهل أذواق واختيارات الجمهور ، وتقدم له محتوى راق، يثمن ثقافتهم، ويرفع من منسوب وعيهم، ويساهـم في تثقيفهم، ويخلق عندهـم نوعا من الارتباك في بعض الأحيان، نتيجة سوء الفهم أو عدم الوضوح، ويترك في نفـوسهم بصمة أثـر بالغة، لأن الدراما في النهاية هي مرآة تطلّ من خلالها المجتمعات على ذواتها، فتعـرّفها على مواطن الخلل لمعالجتها، أو تقدم لها حلولا مواتية، وتحسسها بأهمية القيم والمبادئ الكونية، وتعـرفها بماضيهم وبحياة الأسلاف، لأن هذا الجمهور في البداية وفي النهاية لا يستحـق إلّا الأفضل والأجـود.
إنّ المنافسة الشريفة هي احترام ذوق الجمهور وحسن الاختيار، وتضليل الجمهور عـبـر دعـم نشر الانطباعات السيئة حول أعمال الأغيار، إنما هو ناتج عـن عـدم احترام الجمهور، وفيها إجحاف في حق الغير كذلك، وتبديد لجهود المؤسسات وأموالها، وتبخيس للفنان المغـربي وجهوده، وفيها استهداف لمسيرته؛ فمن لم يوفقه الحظ في إنتاج عمل وتوفق فيه غيره، فليبارك له، ويلتزم الحياد الإيجابي، ويتحين الفرص حتى تأتيه فرصته ليبين آنذاك عن حنكته وقـدرتـه ومهارتـه.
وختاما، كان لزاما أن ننبّه إلى أنّ المواكبة النقدية للأعمال التلفزية الدرامية أو الكوميدية وغيرها، ينبغي أن يتجاوز النقد السريع والنقد الانطباعي للجمهور العـريض، وأن نساهـم في التأسيس للنقد المبني على المعـرفة الأكاديمية الرصينة، لأن الدراما المغـربية مؤخـرا، ومنها الأمازيغية، شهدت تطورا وتغيرا ملحوظا، على مستوى الأداء، وعلى المستوى التقني والفني والموضوعي، وفي جميع المستويات؛ وبدأت تبتعد تدريجيا عن النمطية والمعتاد، لتقدم محتويات ترقى بالإنسان المغـربي عموما، ومنه الأمازيغي، لتخـرجه إلى عوالم الإبداع الحقيقي المنفتح على العالم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الصباح
منذ 6 أيام
- جريدة الصباح
'ثفراي' يتناول تاريخ حضارة الأمازيغ
اختار البرنامج الثقافي 'ثفراي' على قناة 'تمازيغت» تخصيص حلقة منه لتسليط الضوء على «قاشقوش»، موقع واكتشاف أركيولوجي يعيد كتابة تاريخ حضارة الأمازيغ في شمال إفريقيا. وفي حلقة جديدة من 'ثفراي' يفتح محمد شقرون، معده ومقدمه رفقة فريق العمل نافذة خاصة على موقع 'قاشقوش» الأثري، الواقع بمنطقة واد


ناظور سيتي
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- ناظور سيتي
لبنى أجبيلو تمثّل الناظور وتتألق في مهرجان مكناس للدراما التلفزيية
المزيد من الأخبار لبنى أجبيلو تمثّل الناظور وتتألق في مهرجان مكناس للدراما التلفزيية محمد العبوسي شهد مهرجان مكناس للدراما التلفزية حضوراً مميزاً للفنانة الأمازيغية لبنى أجبيلو، التي مثلت مدينة الناظور وطاقم سلسلة 'أوداون تيسرا' (oudaouen tisra – 'للأحذية وجوه')، التي أنتجتها قناة تمازيغت. وقد كانت مشاركتها مناسبة لتسليط الضوء على عمل كوميدي مختلف، يجمع بين الطرافة والهوية، وينقل نبض الحياة اليومية بأسلوب بسيط وذكي. لبنى، التي كانت الوجه الذي تم اختياره لتمثيل السلسلة في المهرجان، شاركت بثقة وروح مرحة، وعكست صدق التجربة التي خاضها الطاقم الفني، برفقة زميليها نوميديا ومحمد بنسعيد، تحت إشراف المخرج الشاب وسام بوزگو. وقد أعربت منذ البداية عن أملها في العودة بتتويج، وقالت: 'لا أريد أن أعود خاوية الوفاض'. وبالفعل، لم يخب أملها. في صنف الكوميديا (سلسلات/سيتكومات)، منحت لجنة تحكيم مهرجان مكناس جائزة أفضل فكرة لسلسلة 'أوداون تيسرا'، اعترافاً بتميزها من حيث المحتوى والطرح الفني. العمل قدّم تصوراً جديداً للكوميديا الأمازيغية، من خلال شخصيات قريبة من الجمهور، وقصص تلامس الواقع بروح ساخرة ونقدية. الحفل شهد أيضاً حضور عدد من الوجوه الفنية البارزة في الساحة الدرامية والكوميدية المغربية، ما أضفى على التظاهرة زخماً فنياً وتبادلاً ثقافياً غنياً. وضمن فعاليات المهرجان، شاركت لبنى أجبيلو في لقاء مفتوح مع الجمهور، حيث أجابت عن الأسئلة بجرأة واحتراف، وعكست صورة مشرفة عن طاقم السلسلة وأبناء مدينة الناظور. تُعد لبنى أجبيلو من الأسماء الفنية اللامعة في الساحة الناظورية، وقد راكمت تجربة مميزة من خلال مشاركاتها المتعددة في المسرح والتلفزيون، حيث أظهرت قدرة كبيرة على تقمص الأدوار وتجسيد شخصيات متنوعة. تتميز بخفة دمها، وعفويتها، وموهبتها الطبيعية، ما جعل منها فنانة قريبة من قلوب الجمهور، وسفيرة حقيقية للفن الأمازيغي.


أخبارنا
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- أخبارنا
جدل واسع يصاحب تعيين "مْقَدْمْ" سلسلة حديدان على رأس مديرية التربية والتعليم بقلعة السراغنة
أثار قرار تعيين الفنان حميد حبيبي مديرا إقليميا لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بإقليم قلعة السراغنة موجة واسعة من الجدل في الأوساط التربوية والإعلامية، وبين المهتمين الذين فاجأهم أن يكون بطل سلسلة "حديدان" الشهيرة، في شخصيته المحبوبة "المقدم"، هو نفسه من يتولى اليوم قيادة الشأن التعليمي على مستوى إقليمي. ويأتي هذا التعيين في سياق الحركية الإدارية التي أطلقتها الوزارة بهدف ضخ دماء جديدة في دواليب التسيير وتحسين الأداء التربوي والإداري على الصعيد المحلي، غير أن خلفياته أثارت تساؤلات عدة حول معايير التعيين وأولويات المرحلة. ولا يعتبر حميد حبيبي، الذي اشتهر في الذاكرة الجماعية المغربية من خلال حضوره الفني اللافت، وافدا جديدا على قطاع التربية والتعليم، بل راكم تجربة مهنية معتبرة في السلك الإداري، حيث شغل سابقا منصب رئيس مصلحة الشؤون القانونية والتواصل والشراكة بالمديرية الإقليمية في الخميسات، وهو المنصب الذي أتاح له الاحتكاك المباشر بتحديات المنظومة وتفاصيلها المعقدة. ويعرف عن حبيبي جمعه بين التكوين الأكاديمي الصلب والتجربة العملية الميدانية، ما يمنحه مؤهلات تدبيرية قد تؤهله لتجاوز الصور النمطية التي قد تلحق به بسبب خلفيته الفنية. وإلى جانب مساره المهني، يمتلك حبيبي رصيدا فنيا محترما، سواء كممثل أو كمخرج وكاتب مسرحي، ما يضفي على شخصيته طابعا متعدد الأبعاد ويجعل منه نموذجا للتلاقي الممكن بين الثقافة والتربية، إذا ما أحسن توظيفه في سياق الإصلاح الذي تنشده الوزارة. ولم يخل تعيين حبيبي من الانتقادات، التي اعتبرها البعض مشروعة في ظل ما تعانيه المنظومة من صعوبات تتطلب حلولا أكثر صرامة ومهنية، بعيدة عن الأسماء اللامعة أو الاعتبارات غير التربوية. وفي انتظار أن يكشف المستقبل عن نجاعة هذا التعيين، يبقى التحدي الأكبر أمام المدير الإقليمي الجديد هو إثبات كفاءته الميدانية بعيدا عن بريق الشخصية التلفزيونية، وربح ثقة الفاعلين التربويين محليا، في وقت تتطلب فيه المرحلة كثيرا من الجدية، والتواصل البناء، والقدرة على إدارة الملفات الحساسة بحكمة ومسؤولية.