
الرضيعة سوار: رحلة معاناة توثّق الجوع والحصار في غزة
في قطاع غزة، يصطف السكان في طوابير للحصول على حصص غذائية شحيحة أو لا شيء على الإطلاق.
هم اعتادوا على زميلي وكاميراته، وهو يُصوّر لـ بي بي سي. يوثّق جوعهم، وموتهم، وعلى لفّ أجسادهم - أو أجزاء منها - بلطف بأكفان بيضاء كُتبت عليها أسماؤهم، إن وُجدت.
على مدار 19 شهراً من الحرب، والآن في ظل هجوم إسرائيلي متجدد، استمع هذا المصور الصحفي في غزة - الذي لن أذكر اسمه حفاظاً على سلامته - إلى صرخات الناجين المُفجعة في ساحات المستشفيات. يبقون الغزيون في ذهنه ليلاً ونهاراً. هو واحد منهم، عالق في نفس جحيم الاختناق.
هذا الصباح، انطلق للبحث عن سوار عاشور، طفلة عمرها خمسة أشهر، أثّر فيه جسدها الهزيل وبكاؤها المنهك في مستشفى ناصر بخان يونس بشدة، عندما كان يصوّر هناك في وقت سابق من هذا الشهر، لدرجة أنه كتب لي ليخبرني أن شيئاً ما قد انكسر بداخله.
كان وزنها يفوق الكيلوغرامين بقليل، في حين يُفترض أن يكون وزن طفلة عمرها خمسة أشهر حوالي 6 كيلوغرامات أو أكثر.
سمع زميلي أن سوار قد غادرت المستشفى منذ ذلك الحين وهي الآن في منزلها. هذا ما دفعه إلى شوارع المنازل المدمرة والملاجئ المؤقتة المصنوعة من القماش والحديد المموج.
يجري بحثه في ظروف صعبة. قبل بضعة أيام، راسلته لأسأله عن أحواله، فأجاب "لست بخير". قبل قليل، أعلن الجيش الإسرائيلي إخلاء معظم مناطق خان يونس... لا نعرف ماذا نفعل - لا يوجد مكان آمن نذهب إليه.
وأضاف "منطقة المواصي مكتظة للغاية بالنازحين. نحن تائهون، ولا ندري ما هو القرار الصحيح في هذه اللحظة.
وجد خيمة بغرفة نوم واحدة، مدخلها ستارة رمادية وسوداء بنقوش زهرية.
في الداخل، ثلاث مراتب، وجزء من خزانة أدراج، ومرآة تعكس ضوء الشمس على الأرض أمام سوار ووالدتها نجوى وجدتها ريم.
سوار هادئة، يحميها وجود أمها بجوارها.
لا تستطيع الطفلة امتصاص حليب الأطفال العادي بسبب رد فعل تحسسي شديد. في ظل ظروف الحرب والحصار الإسرائيلي على وصول المساعدات، هناك نقص حاد في حليب الأطفال الذي تحتاجه.
تشرح نجوى، البالغة من العمر 23 عاماً، أن حالتها استقرت عندما كانت في مستشفى ناصر، لذلك سمح لها الأطباء بتسليمها علبة حليب أطفال قبل عدة أيام.
الآن في المنزل، تقول إن وزن الطفلة بدأ ينخفض مرة أخرى. "أخبرني الأطباء أن سوار تحسنت وأصبحت أفضل من ذي قبل، لكنني أعتقد أنها لا تزال نحيفة ولم تتحسن كثيرا. وجدوا لها علبة حليب واحدة فقط، وبدأت تنفد.
تقول نجوى، بينما يتراقص الذباب أمام وجه سوار، "الوضع حرج للغاية، الحشرات تهاجمها، عليّ أن أغطيها بوشاح حتى لا يلمسها شيء".
تعيش سوار مع أصوات الحرب منذ ولادتها في نوفمبر/ كانون الثاني الماضي. المدفعية، الصواريخ، القنابل المتساقطة - البعيدة والقريبة. إطلاق النار، وهدير طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تحلق في السماء. توضح نجوى أن سوار تفهم ما يحدث حولها: فصوت الدبابات والطائرات الحربية والصواريخ عال جداً، وهي قريبة منهم. عندما تسمع سوار هذه الأصوات، تفزع وتبكي. وإذا كانت نائمة، تستيقظ مذعورة.
يقول الأطباء في غزة إن العديد من الأمهات الشابات يُبَلّغنَ عن عدم قدرتهن على إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية، بسبب نقص التغذية.
المشكلة المُلحّة تكمُن في الغذاء والمياه النظيفة الصالحة للشرب.
عانت نجوى أيضاً من سوء التغذية عند ولادة سوار. ولا تزال هي ووالدتها ريم تجدان صعوبة في الحصول على طعام. وتقول: "لا يمكننا توفير الحليب أو الحفاضات بسبب الأسعار وإغلاق الحدود".
في 22 مايو/ أيار، أكدت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق - وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة - عدم وجود نقص في الغذاء في غزة.
وأضافت أن "كميات كبيرة من أغذية الأطفال والدقيق للمخابز" أُدخلت إلى القطاع في الأيام الأخيرة.
وتصر الهيئة مراراً وتكراراً على أن حماس "تسرق المساعدات"، بينما تقول الحكومة الإسرائيلية إن الحرب ستستمر حتى تدمير حماس وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
ووفقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يُعتقد أن 20 رهينة احتجزتهم حماس في هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ما زالوا على قيد الحياة، وأن ما يصل إلى 30 آخرين قد قُتلوا.
لكن وكالات الإغاثة والأمم المتحدة والعديد من الحكومات الأجنبية، بما في ذلك بريطانيا، رفضت تصريح مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، بأنه لا يوجد نقص في الغذاء.
كما أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تحدث عن وجود "جِياع" في غزة.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كمية المساعدات التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى غزة بأنها "قليلة جداً".
وقال غوتيريش إن الفلسطينيين "يتحملون ما قد يكون أقسى مرحلة في هذا الصراع الوحشي" مع نقص إمدادات الوقود والمأوى والغاز والمياه النقية.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 80 في المئة من غزة الآن إما منطقة عسكرية إسرائيلية أو منطقة مهددة بالقصف.
إن الإنكار وتعبيرات القلق والإدانات واللحظات التي بدت وكأنها نقاط تحول، كلها مرت واختفت طوال هذه الحرب. الثابت الوحيد، هو معاناة سكان غزة - البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، مثل نجوى وابنتها سوار.
تقول نجوى: "لا نفكر المرء في المستقبل ولا في الماضي. لا نفكر سوى في الحاضر وكيف ننجو من هذه الأوضاع".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 5 ساعات
- BBC عربية
من هو محمد السنوار، الذي أعلن نتنياهو "مقتله"؟
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء مقتل محمد السنوار، "أحد أبرز المطلوبين لإسرائيل" والشقيق الأصغر لزعيم الحركة الراحل يحيى السنوار. وإلى الآن لم يصدر رد عن حركة حماس حول إعلان نتنياهو. فمن هو محمد السنوار؟ منذ مقتل يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واغتيال محمد الضيف، قائد أركان كتائب القسام الذراع العسكري للحركة، تصاعدت التكهنات بشأن هيمنة محمد السنوار على قرار الحركة في القطاع في ظل استمرار الحرب في غزة منذ ما يقرب من عام ونصف، واستمرار المفاوضات بهدف التوصل لاتفاق لتبادل الرهائن والسجناء والمعتقلين بين إسرائيل وحماس. ويُعدّ محمد السنوار من أبرز القادة العسكريين في كتائب القسام، ويتمتع بنفوذ واسع داخل الأطر التنظيمية في غزة، إذ شغل سابقاً مناصب قيادية أمنية، وكان من المقربين إلى شقيقه يحيى، ما عزز من احتمالات طرح اسمه كخليفة محتمل. وعلى مر السنين، حاولت إسرائيل استهدافه خمس مرات، ولكن وفقاً لتقارير، لم تنجح تلك المحاولات، كما ارتبط اسمه بعملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وبأدوار عسكرية في حرب غزة الحالية. ورغم ندرة المعلومات المتوفرة من المصادر العربية والفلسطينية حول شخصية محمد السنوار، ووفقاً لما أفاد به صحفيون فلسطينيون في حديث مع بي بي سي، فإن قلة المعطيات تعود إلى طبيعته العسكرية وتحركه بعيداً عن الأضواء، إلا أن المعلومات التالية هي المتوفرة حوله. مولده ونشأته وُلد محمد السنوار عام 1975 في خان يونس، وكان حينها شقيقه يحيى قد بلغ الثالثة عشرة من عمره، هُجّرت عائلتهما من قرية قرب عسقلان عام 1948 واستقرت في جنوب غزة. في عام 1991، سجن محمد السنوار في إسرائيل مدة تسعة أشهر في سجن كتسيعوت "للاشتباه بنشاطه الإرهابي". تقول صحيفة جيروزاليم بوست، إنه ومع تزايد خطورة هجمات حماس على إسرائيل منذ عام 2000 وما بعده، ازدادت الثقة في محمد ومكانته، بمساعدة السمعة التي اكتسبها كونه "شقيق يحيى"، وهي سمعة تعززت خلال فترة وجود يحيى في السجون الإسرائيلية. وتوطدت علاقته بقادة ميدانيين أصبحوا فيما بعد شخصيات رئيسية، مثل محمد ضيف، وسعد العرابيد، وآخرين شاركوا في تطوير القدرات العسكرية لحماس، وعمل معهم جنباً إلى جنب، بحسب الصحيفة. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، كان محمد السنوار من بين المسؤولين عن اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006، الأمر الذي أدى في النهاية إلى إطلاق سراح شقيقه يحيى في صفقة أفرج فيها عن شاليط مقابل 1027 سجين فلسطيني. ومنذ عقود، يعيش محمد السنوار متوارياً عن الأنظار، لتجنب القبض عليه أو اغتياله من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية. "رجل الظل" عمل متخفياً لفترة طويلة لذا أطلق عليه رجل الظل واكتسب خبرة عملياتية فأصبح عنصراً أساسياً في الاستراتيجية العسكرية في حماس. ولم يكن كثيرون يعرفون محمد السنوار قبل أن يتم الكشف عن صورته وهو داخل سيارة في نفق ضخم بالقرب من معبر بيت حانون/ إيريز في فيديو نشره الجيش الإسرائيلي نهاية عام 2023. "أكثر قسوة من يحيى" مصادر عسكرية إسرائيلية وصفت محمد السنوار بأنه "أكثر قسوة" من شقيقه يحيى. وذكرت المصادر: "لن تجد حدثاً رئيسياً في البناء العسكري لحماس على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية لم يشارك فيه محمد السنوار، شغل منصب قائد خان يونس، وهو منصب رفيع المستوى، وحتى القادة الذين خلفوه خضعوا لتأثيراته. من المهم أن نفهم أنه كان ممثل الضيف على الأرض، يتحدث مع المقاتلين وقادة الألوية والكتائب، مما زاد من نفوذه". وتضيف المصادر: "كان شديد الولاء للضيف، ولم يضعف موقفه قط، وكان الجميع يعلم أن أي قرار يتخذه يحظى بدعم الضيف، وهي ميزة تمتع بها محمد كثيراً". مفاوضات الرهائن والسجناء وذكرت وسائل إعلام عربية وإسرائيلية، أن المباحثات الرامية إلى التوصل لهدنة في غزة مؤخراً "لم تتعثر" بشكل كامل، لكن محمد السنوار، "الذي يتدخل في تلك المفاوضات، أظهر مواقف أكثر تشدداً مقارنة بشقيقه الراحل يحيى السنوار". وتشير التقديرات إلى أن محمد "لا يشارك فقط في جهود الحرب الحالية، بل أيضاً في المفاوضات مع إسرائيل بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين"، كما أن له دوراً كبيراً في بناء الأنفاق في غزة. إعادة بناء حماس قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن "محمد السنوار يعيد بناء الحركة بتجنيد مقاتلين جدد في قطاع غزة، مما يدفع إسرائيل نحو حرب استنزاف". وذكرت الصحيفة أن "حركة حماس تعرضت لضربة قوية في الخريف الماضي بعد اغتيال يحيى السنوار، لكن الحرب المستمرة على القطاع خلقت أيضاً جيلاً جديداً من المقاتلين، وملأت غزة بالذخائر غير المنفجرة التي تعيد الحركة تصنيعها إلى قنابل تستخدمها في معاركها المستمرة بالقطاع". ونقلت الصحيفة عن اللواء الإسرائيلي المتقاعد عامير عفيفي قوله: "تعد حملة التجنيد والقتال المستمر تحت قيادة محمد السنوار تحدياً جديداً لإسرائيل"، مشيراً إلى أن "وتيرة إعادة بناء حماس لقدراتها أسرع من وتيرة القضاء عليها من قبل الجيش الإسرائيلي". وأكد عفيفي أن محمد السنوار "يدير كل شيء" وأنه "محور جهود إحياء حماس"، وقال إنه بعد اغتيال يحيى السنوار، قرر مسؤولو الحركة في الخارج "تشكيل مجلس قيادة جماعية بدلاً من تعيين رئيس جديد، لكن مقاتلي حماس في غزة لم يمتثلوا، ويعملون الآن بشكل مستقل تحت قيادة السنوار الأصغر" على حد قوله.


BBC عربية
منذ 6 ساعات
- BBC عربية
"ضربوني لأنني كنت أحمل الكاميرا.. رأيت الموت بعيني"
في سرير بمجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله، يسترجع الصحافي الفلسطيني عصام الريماوي، مصوّر وكالة "الأناضول" التركية، لحظات الاعتداء العنيفة التي كادت أن تودي بحياته أثناء تغطيته الميدانية لاعتداءات المستوطنين في قرية المغير. يقول، وهو جالس على سرير المستشفى ورأسه ملفوف بضماد أبيض: "كنت أوثق مشهداً مؤلماً آخر. المستوطنون يحرقون محاصيل أهالي قرية المغير، أمام أعين أصحاب الأرض، كنت أرتدي سترة الصحافة، والكاميرا معلّقة على عنقي٬ وكل شيء كان يدل أنني صحافي، لكن ذلك لم يمنعهم من الهجوم عليّ". بينما كان في طريقه عائداً إلى مركبته، فوجئ بعشرات المستوطنين يركضون نحوه، ويقول: "هجموا عليّ بالعصي والحجارة. صرخت بأعلى صوتي: 'أنا صحافي! أنا صحافي!'، لكنهم لم يتوقفوا، بدا الأمر وكأنهم قرروا معاقبتي فقط لأنني كنت أوثق جرائمهم". ويتابع بصعوبة: "أحدهم اقترب من الخلف وضربني بقوة على رأسي. بعدها، كل شيء اختفى. فقدت الوعي لثلاث ساعات تقريباً. عرفت لاحقاً أن المسعف الذي أنقذني أبلغ الطاقم الطبي أنني كنت في حالة موت سريري". ويقول بصوت متهدّج: "لقد سرقوا كاميراتي... لا أعلم إلى أين أخذوها". الاعتداء لم يترك جسده كما كان، حيث أصيب بعدة جراح، وأبلغه الطبيب أنه أُصيب بارتجاج في الدماغ، وعشر غرز في مؤخرة رأسه، وكسور في يده اليسرى، ورضوض مؤلمة في كتفه. ويتابع من غرفته بالمستشفى، حيث يتلقى الرعاية المكثفة: "الأطباء أخبروني أنني بحاجة للبقاء هنا خمسة أيام على الأقل، تحت المراقبة الطبية، حتى يتأكدوا من استقرار حالتي". ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الريماوي للإصابة خلال عمله الصحافي، ويقول: "هذه المرة الرابعة عشرة، أُصبت سابقاً بالاختناق، والرصاص المطاطي، والضرب، لكن هذه المرة كانت الأقسى... شعرت أنني لن أعود. رأيت الموت بعيني". ينهي عصام: "رغم كل شيء، سأواصل نقل الحقيقة. الكاميرا سلاحي، وما زلت متمسكاً بها... حتى لو حاولوا كسرها وكسر إرادتي، التغطية مستمرة". في الضفة الغربية، ذكر مؤشر حرية الصحافة في تقريره أنّ "الصحفيين تعرضوا لانتهاكات واسعة من جانب السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، خاصةً مع تكثف الضغوط الإسرائيلية منذ بداية الحرب، وزيادة اعتقالات الصحفيين وعرقلة عملهم"، بحسب التقرير. وردّت إسرائيل أكثر من مرة على مقتل صحفيين في حرب غزة قائلة إنها تستهدف صحفيين "تابعين لحماس" وإنّ بعضهم "ينتحلون صفة عاملين في الإعلام". بجانب الريماوي، أصيب في وقت سابق الثلاثاء، 12 صحفياً فلسطينياً، برضوض وحالات اختناق إثر اقتحام الجيش الإسرائيلي مدينتي نابلس (شمال) وبيت لحم (جنوب). ** ولم تُعلّق السلطات الإسرائيلية على هذه الحادثة حتى لحظة نشر هذا المقال.


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
"إسرائيل ترتكب جرائم حرب" - إيهود أولمرت في عرض الصُحف
في جولتنا اليوم بين الصحف، نستعرض معكم عدداً من مقالات الرأي حول حكومة بنيامين نتنياهو، وموقف حُلفاء إسرائيل في الخارج بل ومواقف سياسيين في الداخل الإسرائيلي، من سياسات تلك الحكومة في قطاع غزة. ونستهل جولتنا من هآرتس الإسرائيلية والتي نشرت مقالاً بعنوان "كفى، طفح الكيل! إسرائيل ترتكب جرائم حرب"، بقلم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت. وبدأ أولمرت بالقول إن حكومة إسرائيل تشنّ حالياً حرباً بلا غاية، وبلا أهداف أو تخطيط واضح، وبلا فُرَص للنجاح. ورأى أولمرت أن إسرائيل منذ قيام دولتها لم تشنّ مثل هذه الحرب، قائلاً إن "العصابة الإجرامية" التي يرأسها بنيامين نتنياهو جاءت بسابقة لا مثيل لها في تاريخ إسرائيل في هذا الصدد. واعتبر أولمرت أن العمليات العسكرية الأخيرة في غزة لا علاقة لها بأهداف الحروب المشروعة، إنما هي "حرب سياسية خاصة" ونتيجتها المباشرة هي تحويل قطاع غزة إلى "منطقة كوارث إنسانية". ولفت رئيس الوزراء السابق إلى الاتهامات القوية التي وُجّهتْ، على مدار العام الماضي من حول العالم، إلى حكومة إسرائيل بسبب مسلكها العسكري في غزة، والتي تضمّنتْ اتهامات بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب. "الحلقة المُفرَغة للحرب" وقال أولمرت إنه، سواء في نقاشات عامة جرتْ داخل إسرائيل أو على منصّات دولية، رفض تلك الاتهامات بقوة رغم أنه لم يخشَ انتقاد الحكومة الإسرائيلية. ودافع أولمرت بالقول إن إسرائيل لم تكن ترتكب جرائم حرب في غزة، وإذا كانت هناك أعمالُ قتْلٍ كثيرة قد وقعتْ، فإن أياً منها لم يكن بأوامر رسمية من الحكومة باستهداف مدنيين عشوائيا. ونوّه أولمرت إلى أن أعداداً كبيرة من المدنيين الأبرياء قد سقطوا قتلى في غزة، على نحو يصعب تبريره أو قبوله – لكن كل هذه الأعداد كانت نتيجة "الحلقة المُفرَغة للحرب" على حدّ تعبيره. ورأى أولمرت أن هذه الحرب المستعرة في غزة كان ينبغي أن تنتهي في مطلع عام 2024، قائلاً إنها مستمرة بلا مبرر، وبلا أي هدف واضح ولا رؤية سياسية لمستقبل غزة والشرق الأوسط بشكل عام. وقال أولمرت إن الجيش الإسرائيلي، المكلّف بتنفيذ أوامر الحكومة، تصرّف في العديد من الوقائع بقسوة وبعدوانية مُفرِطة – إلا أنه فعل ذلك بدون أي أوامر أو تعليمات أو توجيهات من قيادة عسكرية باستهداف مدنيين عشوائياً. "وعليه، وعلى حدّ علمي حتى ذلك الوقت، لم تكن هناك جرائم حرب قد ارتُكبت"، وفقاً لصاحب المقال. "قبل أنْ تنبذنا الأمم ونُستدعى أمام الجنائية الدولية" واستدرك أولمرت بالقول "إن ما نفعله الآن في غزة هو حرب تدمير: وقتْل إجراميّ للمدنيين بطريقة عشوائية ووحشية لا حدود لها". وأضاف أولمرت: "ونحن إذْ نفعل ذلك، لا نفعله بسبب فقداننا السيطرة في قطاع محدّد، ولا بسبب انفعالات مُفرِطة من جانب بعض الجنود في بعض الوحدات القتالية، إنما نفعل ذلك نتيجة لسياسة حكومية – غير مسؤولة وخبيثة ومتعمّدَة". وأكّد أولمرت: "نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب". ولفت رئيس الوزراء السابق إلى أن هناك أصواتاً تتعالى بالفعل من حكومات صديقة لإسرائيل تنادي باتخاذ تدابير ملموسة ضد حكومة نتنياهو. وتوقّع أولمرت لتلك الأصوات أن تتعالى أكثر وأكثر، لكنه في الوقت ذاته أعرب عن خشيته أن تكون النتيجة هي "عقاب ملموس موجّه ضد دولة إسرائيل" وليس ضد حكومة نتنياهو - متمثلاً في عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مُضرّة. وقال أولمرت إنه يعتقد أن "حكومة نتنياهو هي عدوّ داخليّ لدولة إسرائيل"؛ معتبراً أن هذه الحكومة أعلنت الحرب على دولة إسرائيل وسُكانها. ورأى أولمرت أن "أياً من الأعداء الخارجيين لإسرائيل على مدى الـ 77 عاماً الماضية لم يُلحق بها ضرراً أكبر من ذلك الضرر الذي ألحقه بها ائتلاف نتنياهو الحاكم الآن – بما اشتمل عليه من شخصيات مثل إيتمار بن غفير، و بتسلئيل سموتريتش". واختتم أولمرت بالقول: "لقد حان الوقت لكي نتوقف، قبل أنْ تنبذنا الأمم ونُستدعى أمام المحكمة الجنائية الدولية بتُهمة ارتكاب جرائم حرب، وليس معنا دفاع جيد. 'يكفي هذا، لقد طفح الكيل!'". أفعال الحكومة الإسرائيلية "لا يمكن الدفاع عنها" وننتقل إلى صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، حيث نطالع مقالاً بعنوان "أوروبا بحاجة إلى تصعيد الضغط على نتنياهو"، لمحرّر الشؤون الخارجية بالصحيفة جدعون راخمن. واستهلّ راخمن بالقول إنه عندما شنّتْ حماس هجوماً وحشياً ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، سارع قادة أوروبا إلى التعبير عن تضامنهم مع الدولة اليهودية، لكنْ بعد 20 شهراً، نشأتْ "فجوةٌ من عدم الفهم" بين أوروبا وإسرائيل. ولفت الكاتب إلى انتقاد كل من بريطانيا، وفرنسا وكندا توسُّع إسرائيل في حربها على غزة، واصفةً الوضع الإنساني في القطاع بأنه "لا يُطاق". ونوّه صاحب المقال إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أصبح مُعرّضاً لخطر الاعتقال إنْ هو سافر إلى المملكة المتحدة أو معظم دول الاتحاد الأوروبي – وذلك بسبب إصدار الجنائية الدولية اتهاماً ضده. ورأى راخمن أن أقوى مبرِّر لزيادة الضغوط على حكومة نتنياهو هو أنّ "شبح الجوع لا يزال يلاحق الناس في قطاع غزة"، على حدّ تعبير الكاتب الذي لفت إلى تحذير الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر بأن حوالي 470 ألف شخص في خطر، وأن "الغالبية العظمى من الأطفال في غزة يواجهون الحرمان الشديد من الطعام". ولفت الكاتب في هذا الصدد، إلى أن "الاستئناف المحدود لدخول المساعدات الذي سمحتْ به إسرائيل لا يُزيح الخطر عن المدنيين الغزيين". وأكد صاحب المقال أن الأوروبييين ينبغي أن ترتفع أصواتهم على نحو أكثر جرأة، قائلا إن هذا الضغط على حكومة نتنياهو يمكن أن يكون مُجدياً. وهنا، نوّه راخمن إلى أن هذه الحكومة الراهنة في إسرائيل لم تعُد تمثّل رأي غالبية السكان الإسرائيليين؛ مشيراً إلى استطلاع رأي حديث يُظهر أن 61 في المئة من الإسرائيليين يرغبون في إنهاء الحرب واستعادة الرهائن – في مقابل 25 في المئة فقط من الإسرائيليين يدعمون سياسة هذه الحكومة بالتوسّع في القتال واحتلال قطاع غزة. ولفت الكاتب إلى أن رئيسَي الوزراء الإسرائيليَين السابقين إيهود باراك وإيهود أولمرت (من يسار ويمين الوسط السياسي الإسرائيلي) قد أدانا حكومة نتنياهو بعبارات أقوى من تلك التي استخدمها الساسة الأوربيون أنفسهم. ورصد راخمن قول كثيرين في اليمين الإسرائيلي إن الانتقادات الأوروبية لإسرائيل هي متجذّرة في التاريخ الأسود للقارة العجوز فيما يتعلق بمعاداة السامية، "لكنّ هذا الطرح قد مضى زمنُه"، على حدّ تعبير الكاتب. ولفت صاحب المقال إلى أن أوروبا على مدى العقود الماضية، دأبتْ على كسر العُزلة الاقتصادية والثقافية التي تعانيها إسرائيل في محيطها الشرق أوسطي، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل. وعليه، رأى راخمن أن اتّهام هذه الدول الأوروبية ذاتها بدعْم السفّاحين وقَتلة الأطفال – هو "فِريَة دموية"، كما يروق لنتنياهو أن يقول بحسب الكاتب. واختتم راخمن بالقول إن الأوروبيين لطالموا أبدوا استعدادهم للدفاع عن إسرائيل ضد أعدائها، لكنّ "ما تأتيه حكومة إسرائيل من أفعال في غزة اليوم لا يمكن الدفاع عنه". "صبْر أقرَب الحُلفاء بدأ ينفد" ونختتم جولتنا من نيويورك تايمز الأمريكية، والتي نشرت تحليلاً بعنوان "تصريحات ترامب بخصوص غزة تعكس تزايُداً في عُزلة إسرائيل"، لمراسل الصحيفة في القدس باتريك كينغزلي. وقال كينغزلي إن أقرب حلفاء إسرائيل ظلّوا على مدى شهور يتفادون الانضمام لموجة انتقادات عالمية ضد الحرب الإسرائيلية في غزة، "لكن هؤلاء الحلفاء الآن – بما فيهم الإدارة الأمريكية- يبدو أن صبرَهم بدأ ينفد". ورأى الكاتب أن ذروة ضغوط هؤلاء الحلفاء على إسرائيل تمثّلتْ في دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد الماضي إلى "إنهاء الحرب في غزة بأسرع ما يمكن". ولفت كينغزلي إلى أن هذا الموقف من جانب ترامب "يتناقض" مع موقفه في يناير/كانون الثاني الماضي لدى عودته للبيت الأبيض – عندما وضع اللوم على حماس، لا على إسرائيل، في استمرار الحرب في غزة. "فضلاً عمّا كان يُبديه ترامب آنذاك من حِرصٍ على الظهور في جبهة موحَّدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو"، وفقاً للكاتب. ولفت الكاتب إلى موقف الحكومة الإسرائيلية "المتحَدّي" لمواقف حُلفاء إسرائيل الغربييين، مشيراً في هذا الصدد إلى تصريح أدلى به وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن بلاده ستتخذ "تدابير أحادية" حال واجهتْ مزيداً من التهديدات الأوروبية. كما لفت الكاتب إلى استمرار القوات الإسرائيلية في التقدّم في غزة، والسيطرة على نحو 40 في المئة من أراضي القطاع، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين. وأشار كينغزلي في هذا الصدد إلى موقف نتنياهو "المتحَدّي" أيضاً للحلفاء الغربيين، واتهامه بريطانيا، وكندا وفرنسا بـ "تعضيد حماس". "لكن، في الداخل الإسرائيلي، يُنظَر إلى هذه التحركات بأنها خطوات على صعيد العُزلة الدبلوماسية"، وفقاً للكاتب.