
«الرحيل».. قصة تؤسس للسرد النسوي
بعض الأعمال الأدبية تكون بمثابة علامات بارزة في مسيرة أي كاتب، هي لحظة إبداعية لها بريقها الخاص وأثرها في تجربة المؤلف، سواء كانت قصة أو قصيدة أو رواية وغير ذلك من أنماط الكتابة الإبداعية، بحيث لا يشار إلى كاتب معين إلا ويتذكر له الناس النص الأكثر مركزية في مؤلفاته، وذلك ما يسمى بالنصوص الأساسية.
قصة «الرحيل»، للكاتبة الرائدة شيخة الناخي، وهي من الأعمال الأكثر شهرة في الإمارات، وربما الخليج، كانت بمثابة بداية قوية للمؤلفة، حيث يعد هذا النص هو التأسيسي في مجال السرد القصصي بالنسبة للنساء الكاتبات، إذ إن شيخة الناخي هي أول امرأة تقوم بنشر قصة قصيرة في الدولة، وهي هذا النص «الرحيل»، ومن هنا فهو يمتلك خصوصية بالنسبة للكاتبة وللقراء في ذات الوقت، ولئن كانت بعض الأعمال تشكل محطة ومنعطفاً مهماً للمؤلف، فإن «الرحيل» كانت نقطة الانطلاق الأولى، لكن أهمية هذا العمل القصصي لا تُختزل فقط في كونه مثل نقطة البداية للسرد النسائي في الإمارات، بل للقيم والأبعاد الجمالية، والأسلوبية اللافتة للكاتبة في توظيف العديد من التقنيات السردية، وكذلك في الفكرة نفسها التي تشير إلى قوة الالتقاط عند الكاتبة.
*فكرة
منذ الوهلة الأولى جاء العمل منسجماً مع عنوانه الذي صمم كعتبة نصية تسعى لتهيئة القارئ لفكرة وموضوع السرد وهو «الرحيل»، الذي يتضمن مشاعر الوداع والفقد وغير ذلك من أحاسيس طغت على روح النص وتسللت إلى المتلقي، وعمقت الكاتبة هذه الفكرة من خلال مقدمة العمل التي جاء فيها: «الحياة سفينة تعوم فوق بحر غامض عجيب، لا أمان له، يصوّر لك الأحلام حلوةً كخيوط أشعة شمس الغروب الذهبيّة اللامعة المرسلة عبر أطياف الشفق الأحمر الخلّاب، يدغدغ قلوب العاشقين، ويزيد من هيامهم، ويصوّر لهم الأحلام في إطار من خيال متجدّد، كلّما غاب عنهم عاد حاوياً أحلامهم العذبة.. وتارةً تجد هذه السفينة في يمّ هادر ثائر، يأتي على كلّ شيء، يجرفه بتياره الغاضب، لا يرحم ركّابها»، ولعل هذا المقطع يعطي القارئ تلخيصاً لفكرة الحياة نفسها كسفينة تمضي بنا في بحر الحياة كرحلة يخوضها الجميع، حيث إن فكرة الفراق والرحيل أساسية في مسيرة البشر وتفاصيلهم اليومية.
تتحدث القصة عن حكاية حب جمعت بين علياء وسعيد، عشق مختلف فلا سبيل للقاء غير لحظات عابرة، وذلك بسبب الواقع الاجتماعي في ذلك الوقت؛ حيث العادات والتقاليد، وهو حب حكم عليه بالموت لأن سعيد، على خلاف علياء، من أسرة فقيرة فكان مصيره الرفض، وكان لذلك أثره في علياء التي عاشت في ظل الكآبة حتى مماتها المروع، لتضعنا الكاتبة أمام رحيل مركب، الأول هو المتعلق بوداع الحبيب الذي أعلن استسلامه وخروجه من حياة محبوبته، والثاني قصة رحيل علياء نفسها عن الدنيا، ولئن كانت هذه الفتاة هي من تجرعت مرارة الفقد في الحالة الأولى، فإن بطل المأساة الثانية هو الأب الذي فجع برحيل ابنته في مشهد مؤثر، فالقصة تقودنا عبر طرق سهلة ولطيفة نحو قضايا النساء بعقد مثل هذه المواجهة المأساوية الملحمية بين الأب وابنته.
*أسلوب سردي
على الرغم من أن النص هو الأول للكاتبة، فإنه حمل العديد من التقنيات التي أكدت تمكن المؤلفة من أدواتها، خاصة فيما يتعلق بالاختزال والتكثيف، فعلى الرغم من أن الحكاية محرضة على ذكر الكثير من التفاصيل وتوظيف المشهديات والصور وربما الحواريات كذلك، فإن المؤلفة نجحت في عملية التكثيف وصولاً إلى المعنى عبر لحظات وومضات محتشدة بالمعاني الإنسانية، ما جعل السرد يحتفظ بالأبعاد الجمالية والفكرية معاً، حيث مرت الكاتبة من ثقل لحظة موت بطلة الحكاية بحادثة سير وهي تحاول اللحاق بمحبوبها، عبر دعوة المتلقي إلى التأمل في الدوافع الإنسانية وفي الأقدار التي تحكم مصير البشر.
كذلك برعت الكاتبة في رسم الشخصيات ومنها شخصية البطلة نفسها التي تقاتل من أجل حبها رغم القهر والظروف، بالتالي هي نموذج إيجابي لم يستسلم، وفي المقابل كانت هناك شخصية سلبية وهي التي جسدها سعيد الذي لم يفعل الكثير من أجل محبوبته فقد أعلن الرحيل، بينما هناك شخصية هي الأكثر تعقيداً تجمع بين المحبة والتسلط في ذات الوقت، وهي التي جسدها الأب، كما نجحت الكاتبة في توصيل المشاعر المتناقضة عبر وصف أحاسيس علياء وتصوراتها عن الحياة، ما يخلق نوعاً من التعاطف مع قضيتها وموقفها، ولعل النقطة الأكثر إشراقاً في النص تطور القصة نفسها من لحظات هادئة إلى قمة الصراع الذي أخذ أشكالاً وأبعاداً متنوعة.
*سيرة
كتبت شيخة الناخي قصة الرحيل عام 1970، وشاركت بها في مسابقة للكتابة الإبداعية التي نظمتها وزارة الشباب والإعلام حينها لتشجيع الأقلام الناشئة على الكتابة، ففازت هذه القصة بالمركز الأول، وكان ضمن لجنة تحكيم المسابقة الراحل الدكتور نجيب الكيلاني، ونشر النص في عدد من المجلات مثل «أخبار دبي»، و«صوت المرأة»، في الشارقة، وترجمت إلى العديد من اللغات، ثم نشرت القصة ضمن مجموعة قصصية تحمل ذات الاسم عام 1992 صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 38 دقائق
- صحيفة الخليج
مهرة الحوسني.. مبدعة تحول كرب النخيل إلى لوحات
العين: سارة البلوشي ضمن مبادرة «قطوف دلما» تحت رعاية برنامج موهبتي لدائرة الثقافة والسياحة، تضيء مهرة عزيز الحوسني، أول معرض فني لها في «متحف دلما». لم تكن بداية الطالبة الإماراتية سهلة في عالم الفن، إذ تقدمت للمرة الأولى للالتحاق ببرنامج «موهبتي»، عام 2017، تحت رعاية دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، ولم تقبل حينها.. لكنها لم تستسلم، بل عدّت التحدي فرصة للنمو والتطوير، وإيمانها بموهبتها وثقتها بنفسها دفعاها للمحاولة مرة أخرى عام 2018، لتبدأ مسيرة فنية مميزة. وأبدعت مهرة الحوسني، في تجسيد الهوية الإماراتية، عبر أعمالها الفنية، منذ انضمامها إلى البرنامج، وتميزت بإعادة تدوير الخامات التراثية، مثل كرب النخيل، والحجر، ورمل البحر والأقمشة، وتحويلها إلى تحف فنية تعبّر عن روح الإماراتية والموروث الوطني. وعام 2024 مثلت الإمارات في الدورة الفنية الدولية في فيينا، حيث نالت أعمالها إعجاب الحضور، بفرادتها وعمقها الثقافي. وفي 2025 أقامت أول معرض فني لها في «متحف دلما»، ضمن مبادرة «قطوف دلما» حيث برزت أعمالها بروح التراث والهوية. ومهرة الحوسني نموذج مضيء لجيل الشباب الإماراتي الذي يجمع بين الموهبة والهوية، ويجسّد رؤية القيادة في دعم المواهب الوطنية وتمكينها للوصول إلى العالمية. وعبر مشاركاتها المحلية والدولية، ترسخ مكانتها فنانةً شابةً تمثل الإمارات بفخر على الساحة الثقافية والفنية.


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
«ليوا للرطب» يستقبل 3.2 أطنان في يومه الأول
وأسفرت النتائج عن فوز عبيد سعيد نصيب خميس المزروعي بالمركز الأول، وجاء في المركز الثاني ورثة عبد الله حاده عبد الله المر، وفي المركز الثالث سيف صياح سالم طماش المنصوري، وحل في المركز الرابع سعيد حموده خميس العرياني. وفي المركز الخامس موزة محمد عفصان المزروعي، وخصصت اللجنة المنظمة للمهرجان 15 جائزة لمسابقة «أكبر عذج» بقيمة 234 ألف درهم.


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
«تعاونية الأسماك» تطلق مبادرة «صياد الحمرية»
أطلقت جمعية الحمرية التعاونية لصيادي الأسماك بالتعاون مع نادي الحمرية الثقافي الرياضي وهيئة الشارقة للثروة السمكية، مبادرة «صياد الحمرية» ضمن فعاليات الأسبوع الثالث من برنامج صيف الشارقة الرياضي «عطلتنا غير» تحت شعار «أنا المجتمع»، بحضور سالم المحرزي، مدير هيئة الشارقة للثروة السمكية، وجمال الشامسي، رئيس جمعية الحمرية التعاونية لصيادي الأسماك، وحارب سلطان بن حارب المهيري، نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية. واستهدفت المبادرة فئة الناشئة المنتسبين للبرنامج، وخاض المشاركون تجربة ميدانية ثرية بدأت بزيارة لجمعية الحمرية التعاونية لصيادي الأسماك بهدف التوعية بطرق الصيد المحلية والإطلاع على أدوات وممارسات الصيد التقليدية بما يعزز من ارتباطهم بالبيئة البحرية ومهن الأجداد.