
الفتاوى بالقانون.. هل رسبت مصر في اختبار تجديد الخطاب الديني؟
على مدار عقود، يستيقظ المصري وينام ويولد ويموت على فتوى، وما بين النوم والاستيقاظ آلاف الفتاوى التي حولت الحياة المدنية المتحضرة إلى حياة دينية غارقة في الرجعية والمظهرية. وخرجت أجيال متعاقبة معتقدة أن هذه هي سنة الحياة، وأن الحياة المنزوعة الفتوى، إلا في الحالات التي تحتاج إليها بالفعل، هي حياة الكفار والخارجين عن الملة.
مر ما يزيد على عقد منذ أسقط المصريون حكم جماعة الإخوان المسلمين، سقط حكم الجماعة عام 2013، لكن استمر، بل واستقوى حكم الفتوى، أي فتوى، وتحكمها في حياة الغالبية. وبين دفاع المؤسسات الدينية الرسمية عن هيمنة الفتاوى باعتبارها حماية للأخلاق وتقويماً للسلوكيات وحفظاً للعائلات، ودفاع المؤسسات والجمعيات غير الرسمية وهواة إطلاق الفتاوى ومحترفيها الذين صنعوا علمهم بأنفسهم، وقع المصريون في شباك ملايين الفتاوى التي أحكمت خيوطها حولهم، بعدما سيطر الفكر الثقافي الديني الرجعي، وغلبة الفتوى على سطوة العلم والقانون والتعليم والتربية وحتى الطب والهندسة والسياحة والاقتصاد والسياسة والمال.
القاعدة العريضة من المصريين سلمت مقاليد أمورها لمطلقي الفتاوى، سواء من أصحاب الشأن الرسمي، أم غير الرسمي. وكما أن هناك اقتصاداً رسمياً أبنيته واستثماراته وأرقامه وعدد العاملين فيه معروفة، وآخر غير رسمي ربما يفوقه قوة وسطوة، لكن حقائقه غائبة وحقيقته مطموسة وأعداد العاملين فيه غير معروفة، هناك قطاع إفتاء رسمي له مقر ويعمل فيه مشايخ وعملاء معروفة أسماؤهم، هناك أيضاً قطاع إفتاء غير رسمي يعمل فيه كل من هب ودب، واعتقد في نفسه أنه عالم دين، وتقوى من سطوته وتعزز من انتشاره الشبكة العنكبوتية بمنصاتها الرقمية البعيدة من العين القريبة إلى القلب ونقرة البحث والتفاعل.
فوضى الفتاوى
وبدلاً من إعادة التفكير في هيمنة الفتاوى على مجالات الحياة غير الدينية، وتخليص العلم والعمل والبحث والفن من قبضة إقحام الدين، والعودة لقواعد الدولة المدنية، حيث القوانين تنظم الحياة وتحكم العلاقات بين البشر، وقصر الدين وفتاواه على الشؤون الدينية، اتضح أن أفكار تجديد الخطاب الديني وتنقيحه وتطهيره، وتنظيم فوضى الفتاوى وتوغلها وتغولها تدور في تأسيس مزيد من الأذرع الإفتائية وتدشين عدد أكبر من معاهد تعليم قواعد الفتوى وتخصيص قدر أوفر من الإحصاءات والدراسات والأرقام لرصد العدد المتنامي من الفتاوى، والنسبة المتعاظمة من المفتين، والتفاخر بأن منصات الإفتاء الرسمية في طريقها نحو الهيمنة والتفوق على مثيلاتها من غير الرسمية.
وأصبح جزء معتبر من نشاط المؤسسات الدينية الرسمية موجهاً في السنوات القليلة الماضية للمقارنة بين فتاوى القطاع (أي المؤسسات الدينية الرسمية)، وفتاوى القطاع الخاص (الجماعات والجمعيات والهواة). مقارنة الأعداد، ورصد المحتوى، وتحليل نسبة التطرف إلى الاعتدال، وغيرها صارت دليلاً سياسياً وبرهاناً اجتماعياً وتلويحاً ثقافياً بأن الفتوى تعود لأصولها.
وبين مرصد لمراقبة الفتاوى التي تدعو إلى العنف، ونشرة للتحذير من الجماعات التي تطلق فتاوى بغير العلم، وتخصيص خطوط هواتف ساخنة وأكشاك متنقلة وبعثات متحركة لتلقي أسئلة طالبي الفتوى، مضت جهود المؤسسات الدينية الرسمية لا لاستعادة قبضتها على عالم الفتوى فقط، بل لتأكيد توسع قاعدة الفتوى لتشمل كل كبيرة وصغيرة، وهو ما يعني سطوة رجال الدين على السلطة بصورة أو بأخرى.
بحسب أرقام "ستاتيستا" المتخصص في بحوث الإنترنت، تحل مصر في المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بلغ عدد المستخدمين المصريين نحو 51 مليون مصري. أي من هؤلاء يجد بدلاً من الفتوى 100 أو 1000 بدقة زر. من حكم قراءة القرآن في الباص، إلى حكم دراسة علوم الفضاء في الغرب، إلى حكم الزواج بثانية أو ثالثة من دون إخبار الأولى، يدق المستخدم سائلاً سؤالاً أو باحثاً عن فتوى، فيجيبه بدلاً من المفتي 100. المستخدم العادي لا ينقب في أصل المفتي، أو يبحث في الجماعة أو الجامعة التي ينتمي إليها.
مفتي مصر السابق شوقي علام يعلو نجمه هذه الأيام متحدثاً عن فوضى الفتاوى، ومحذراً من عشوائية المفتين غير الرسميين. قال في حديث تلفزيوني قبل أسابيع قليلة إن فوضى الفتاوى من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية، وأن تصدر غير المؤهلين للإفتاء يؤدي إلى التمزق والتفرق بين المسلمين، لا سيما مع انتشار الفتاوى غير المنضبطة بدافع حب الشهرة أو الانتقام من المجتمع.
وقال علام إن علماء الدين أجمعوا عبر التاريخ على ضرورة أن يكون المفتي عالماً متجرداً يخاف الله، ملتزماً مقاصد الشريعة، مشدداً على أن الفتوى المنضبطة تستوجب فهم الواقع والوعي بتغيراته، لتحقيق التوازن بين الأحكام الشرعية ومتطلبات العصر.
كلام معقول، بحسب ما يرى تيار غير قليل من المصريين. التيار المقابل واقع في غرام الفتاوى المتشددة والآراء الدينية الغارقة في الجمود والرجعية، ولا يرضى عنها بديلاً. تيار آخر قليل العدد، غير مرئي إلا لنفسه، غير مسموع باستثناء آهاته وتأوهاته على السوشيال ميديا وفي جلسات المقاهي المنزوية. إنه تيار المطالبين بفض الاشتباك بين هيمنة الفتوى وبين أكل الناس وشربهم وملبسهم وتعليمهم وعملهم ومولدهم ومماتهم، أو بمعنى آخر تخليص رقاب المصريين وقلوبهم وعقولهم وتفاصيل حياتهم من قبضة رجل الدين، لا سيما المتخصص في الإفتاء.
ما سبق يفسر انقسام الساحة الشعبية هذه الآونة بين تيار "متدين" مرحب بتقنين الفتوى وتنظيمها وضبط منابعها، وآخر "متدين جداً" لا يقبل بغير الجمود والرجعية والتشدد في الفتاوى بديلاً، وقلة مندثرة أصيبت بصدمة حين علمت أن التنظيم يعني "احتكار" الفتوى وتأميم منابعها، وأن مسألة توغل التفسيرات الدينية على تفاصيل الحياة ودس رجل الدين أنفه في اختيارات المسلم في غرفة نومه وحمامه وعلاجه وباصه ومقهاه ليست على رادار الدولة أو الحكومة أو المؤسسات الدينية الرسمية غير وارد.
ليس هذا فقط، بل إن الجدل، أو الشد والجذب الوحيد الموجود على الساحة حالياً يدور بين المؤسسات الدينية الرسمية حول من منها الأولى بالفتوى!
حصر إصدار الفتوى
قبل أيام، أقر البرلمان المصري قانون تنظيم إصدار الفتوى، إنه القانون الأول الذي ينظم إصدار الفتوى في مصر، ولا يتعلق أي من بنوده بالأسئلة السخيفة أو تحصيل الحاصل أو غير المنطقية التي يصر بعض منهم على سؤالها لرجال الدين. كما لا يتطرق إلى صحوة فتوية يترفع فيها رجال الدين الأسوياء الوسطيون عن الهيمنة على حياة الناس بفتاوى غرف النوم وقاعات الجلوس ودهاليز العمل والعلاج، عبر وضع حدود واضحة لمهمة الفتوى وعمل المفتي لا تخرج عن إطار الجوانب الدينية البحتة.
بحسب التقرير الصادر عن البرلمان المصري، يهدف القانون إلى التصدي لنشر فتاوى مغلوطة أو متشددة أو متساهلة، وضمان الالتزام بنشر الفتاوى الشرعية الصادرة من الاختصاصيين، والحماية من الفتاوى المتطرفة أو غير الصحيحة، وذلك بعد انتشار ظاهرة فوضى الفتاوى عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من دون سند فقهي أو شرعي، مما يثير خلافات واسعة وجدلاً كبيراً بين المواطنين".
ينص القانون على كل ما من شأنه أن يضمن حصر إصدار الفتوى على الجهات بعينها، والتفرقة بين الفتوى الشرعية والإرشاد الديني، وتوضيح الفروق بين الفتاوى الشرعية العامة التي تتعلق بالشأن العام وتلك المتصلة بالأفراد. كما يلزم وسائل الإعلام بعدم نشر أو بث أية فتوى صادرة من غير الجهات المختصة أو استضافة أشخاص من غير المنوط بهم رسمياً الإفتاء في برامج أو فقرات، وخرق هذا النص يعرض الشخص أو الأشخاص للعقوبات الجنائية، التي تصل إلى الحبس والغرامة.
الجدل الأكبر والأكثر إثارة الناجم عن قانون تنظيم فوضى الفتاوى وتعدد مصادرها لا يدور حول مدى احتياج المصريين لملايين الفتاوى، أو جدوى سؤال "الشيخ" عن حكم استخدام العقل في البحث العلمي، أو تزويج الطفلة ابنة 10 أعوام، أو ضرب الزوجة بقلم رصاص، مقارنة بحاجتهم مثلاً إلى التعليم والعمل والتفكير النقدي والأفكار الابتكارية والعلاج والانفتاح على العالم وغيرها.
الجدل يعكس صراعاً، أو فلنقل منافسة، مكتومة، وربما قديمة بين المؤسستين الدينيتين الأبرز: الأزهر ووزارة الأوقاف. موضوع الخلاف هو تعريف من المختص بإصدار الفتوى الشرعية؟ الأزهر متحفظ على السماح لأئمة الأوقاف بإصدار الفتاوى، ووزارة الأوقاف ترى أن الأئمة من أبناء الأزهر، ومن ثم لديهم القدرة نفسها على إصدار الفتوى.
الكاتب الصحافي حمدي رزق، الذي مثل الهيئة الوطنية للصحافة في اجتماعات لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب الخاصة بمناقشات مشروع تنظيم الفتاوى انتقد غياب ممثل الأزهر عن الاجتماع قبل حل المشكلة مع الأوقاف، وذلك بعد رفض القانون جملة بتوجيه من هيئة كبار العلماء. وقال رزق إن رفض الهيئة للقانون في حينها سببه "رغبتها في الحق الحصري للفتوى، وإصرار على أنه حق تهبه لمن تشاء بإذن وسماح منها، وذلك باعتبارها المرجعية العظمى والولاية الكبرى، ولا تعقيب عليها"، مضيفاً "ومنطوق رفضنا، رفض هذا الحق الحصري، ما سميناه ومسجل في المناقشات احتكار الفتوى، والتغول على فضيلة الاختلاف، والشخصانية التي بنيت عليها آلية تسمية المفتين الجدد"، وأشار رزق إلى أن القانون الجديد حبذ الجميع صدوره لتنظيم الفتوى لا احتكارها.
واعتبر رزق "فوضى الفتاوى"، أي تعدد مصادر صدورها من كل من هب ودب، أهون من "فتنة الفتاوى" حيث الجهتين الدينيتين الرسميتين الأساسيتين الأزهر والأوقاف في صراع على حق إصدار الفتاوى، وقال "لقد واجه الشعب فوضى الفتاوى بملاحقة منكراتها حتى ألزم أصحابها الصمت والخجل من أنفسهم، فلم يعد هناك صوت لأصحاب فتاوى إرضاع الكبير أو نكاح البهيمة أو مضاجعة الزوجة المتوفاة أو ضرب الزوجة لتأديبها أو زواج الأطفال أو ختان الإناث أو تحريم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم، لا بمحاكماتهم القضائية وسجنهم، إنما بمقارعتهم الحجة الشعبية الحضارية"، مضيفاً "أما فتنة الفتاوى، فلا طاقة لنا بها".
في آخر جلسات البرلمان، جرى تعديل المادة المتعلقة بـ"المختصين بإصدار الفتوى"، وأصبحت كالتالي: "يختص بإصدار الفتاوى الشرعية العامة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية"، مع إضافة لجان الفتوى في وزارة الأوقاف، وذلك مع تحديد شروط لعضوية هذه اللجان، وأهمها اجتياز اختبارات تضعها هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر.
يظل الخلاف بين المؤسستين الدينيتين (الذي جرى حله في البرلمان) لا علاقة له من قريب أو بعيد بفكرة الدولة المدنية التي تدور في رؤوس الأقلية، أو التعامل مع "فوضى الفتاوى" باعتبارها فوضى تغول الدين على الدنيا، أو توغل المشايخ في حياة الناس. كان خلافاً حول رغبة جهة (الأزهر) في حصر الإفتاء عليها، ورغبة أخرى (الأوقاف) في المشاركة في كعكة الإفتاء، وتقرر تقاسمها، لكن مع هيمنة الأزهر حيث في حال حدوث تعارض في الفتوى الواحدة بين الجهتين، يرجح رأي الأزهر. بمعنى آخر، تأكد حق الأزهر الحصري في الفتوى، لكن بتصرف.
الكلمة الأخيرة للأزهر
وبين حق الأزهر "الحصري" في إصدار الفتاوى، الذي جرت هندسته ليفسح مجالاً صغيراً لأئمة وعلماء وزارة الأوقاف، شرط أن تبقى الكلمة الأخيرة للأزهر، وإصرار وزارة الأوقاف أن تحافظ على نصيبها في حق إصدار الفتاوى، وفرحة الجماهير الغفيرة بالاتفاق بين الجهتين، واعتبار القانون الجديد علامة مضيئة على طريق قص أظافر التطرف ومنع جنوح الإرهاب الفكري المرتدي عباءة الدين وتوحيد مصدر الفتاوى المتحكمة في حياة وممات ملايين المصريين على مدار ما يزيد على نصف قرن، نسي الجميع أو تناسى جزئية: وهل المصريون في حاجة إلى كل هذه الفتاوى؟
في نهاية العام الماضي، هيمن خبر عنوانه "104 ملايين فتوى و180 مليون تفاعل رقمي حصاد دار الإفتاء في عام" على وسائل الإعلام، وذلك من باب التفاخر وعلى سبيل الرضا بالإنجاز. وجاء في الخبر "عام جديد من الإنجازات أضيف إلى مسيرة دار الإفتاء التي عززت ريادتها الإفتائية لخدمة مصر، وبناء الوعي المجتمعي، وتصحيح المفاهيم الدينية، والتصدي للتحديات التي تواجه المجتمع، إضافة إلى دعم الاستقرار المجتمعي وتعزيز القيم الدينية الداعمة لتقدم المجتمع وحفظ أمنه الفكري"، مستعرضاً أرقام العام المذهلة، التي شهدت كثر من 1.4 مليون فتوى شفهية وهاتفية ومكتوبة ورقمية.
تساؤل بعض منهم عن الجدوى من مثل هذا العدد، أو السر وراء اللجوء إلى المفتي لسؤاله عن علاج أو حساب أو زواج أو استثمار، بدلاً من اللجوء للطبيب أو المحاسب أو المستشار الأسري أو البنك أو الخبير كل في مجاله، عادة يقابل بحائط صد للفكرة وسد للنقاش.
ما طرحه الكاتب عادل نعمان، على سبيل المثال في مقالته متسائلاً ومستنكراً، "هل نحن في حاجة إلى كل هذه الفتاوى؟" لم يؤد إلى إجابات بقدر ما فجر استنكارات واستهجانات، وفي أفضل الأحوال، تجاهلات، تساءل "وصل بنا الحال إلى هذا الحد حتى وصلت الفتوى إلى أواني الطبخ والبهارات؟ شيخ ينتمي لدار الإفتاء ينصح سائلة بألا يسمع صوتها الرجال قدر المستطاع، وكانت تسأله عن حكم تعليم الطبخ بصوتها فقط من دون صورة على يوتيوب؟ وفتوى جواز استخدام بهار جوز الطيب في بهارات الطعام بالنسبة المعقولة؟".
الدولة المدنية "بعبع" القاعدة العريضة التي تعتقد، أو جعلها خطاب ديني ساد لعقود تعتقد، أنها مرادف الدولة غير المتدينة، لكنها في نظر قلة قليلة من المصريين هي تلك التي تفصل بين الطب والهندسة والتدريس والاقتصاد والسياسة والحب والزواج والاستثمار وكرة القدم والمقهى والباص، وبين إصرار الناس ورضا رجال الدين، الرسميين والمستقلين والهواة، على إقحام ما يراه الشيخ فلان أو علان في كل ما سبق. وهي الدولة التي لا تتصل كثيراً أو قليلاً، أو فلنقل لا تتحقق أو يقترب منها المصريون بقانون توحيد إصدار الفتاوى.
القانون يوحد جهة، أو بالأحرى جهتي الإصدار، لكنه لا يكبح جماح الإصدار وتوغله وتمدده وتوسعه. قبل سنوات قليلة، طرح الطبيب والكاتب خالد منتصر تساؤلاً استنكارياً حول سبب إقحام دار الإفتاء في مسألة علمية معملية طبية بحتة هي التجارب السريرية، كتب "زفت إلينا وسائل الإعلام خبر أن دار الإفتاء والحمد لله حسمت قضية التجارب السريرية، وكأنه فتح علمي وانتصار بحثي عظيم، لكن الحقيقة أن من يحسم الأمر ليس دار الإفتاء أبداً، وهي ليست جهة اختصاص على الإطلاق في تلك المشكلات الطبية، والفتاوى الدينية لا مكان لها في البحوث الطبية. ويكفي ما حدث في ختان البنات عندما اعتمد مؤيدو الختان على فتوى الشيخ جاد الحق، وهو شيخ الأزهر السابق، وابتعدوا من أنها جريمة طبية، وأدخلونا في معترك هذا حديث ضعيف أم حديث صحيح؟ ويكفينا أيضاً أن قانون زرع الأعضاء لم يفعل منذ صدوره في 2011".
وعرج منتصر إلى طوفان الفتاوى، الذي يغرق المصريين، فوصفه بـ"اللجوء المزمن للفتاوى الطبية والتفاخر بالمليون فتوى سنوياً"، وأنه "علامة مرض اجتماعي وفكري وعقلي، لا علامة صحة وعافية أبداً"، مستنتجاً أن "الدولة المدنية الحقيقية تلجأ في الطب إلى رأي الأطباء فقط، ولا دخل لرجال الدين في تلك القضايا".
ويبقى القانون الجديد في مصر علاجاً لعسر هضم الفتاوى الثقيلة والعنيفة والجانحة، لكنه لا يداوي التخمة الناجمة عن تعاطي أعداد كبيرة منها بسرعة وعلى فترات زمنية متقاربة ومن دون حاجة حقيقية إليها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 5 أيام
- Independent عربية
الفتاوى بالقانون.. هل رسبت مصر في اختبار تجديد الخطاب الديني؟
على مدار عقود، يستيقظ المصري وينام ويولد ويموت على فتوى، وما بين النوم والاستيقاظ آلاف الفتاوى التي حولت الحياة المدنية المتحضرة إلى حياة دينية غارقة في الرجعية والمظهرية. وخرجت أجيال متعاقبة معتقدة أن هذه هي سنة الحياة، وأن الحياة المنزوعة الفتوى، إلا في الحالات التي تحتاج إليها بالفعل، هي حياة الكفار والخارجين عن الملة. مر ما يزيد على عقد منذ أسقط المصريون حكم جماعة الإخوان المسلمين، سقط حكم الجماعة عام 2013، لكن استمر، بل واستقوى حكم الفتوى، أي فتوى، وتحكمها في حياة الغالبية. وبين دفاع المؤسسات الدينية الرسمية عن هيمنة الفتاوى باعتبارها حماية للأخلاق وتقويماً للسلوكيات وحفظاً للعائلات، ودفاع المؤسسات والجمعيات غير الرسمية وهواة إطلاق الفتاوى ومحترفيها الذين صنعوا علمهم بأنفسهم، وقع المصريون في شباك ملايين الفتاوى التي أحكمت خيوطها حولهم، بعدما سيطر الفكر الثقافي الديني الرجعي، وغلبة الفتوى على سطوة العلم والقانون والتعليم والتربية وحتى الطب والهندسة والسياحة والاقتصاد والسياسة والمال. القاعدة العريضة من المصريين سلمت مقاليد أمورها لمطلقي الفتاوى، سواء من أصحاب الشأن الرسمي، أم غير الرسمي. وكما أن هناك اقتصاداً رسمياً أبنيته واستثماراته وأرقامه وعدد العاملين فيه معروفة، وآخر غير رسمي ربما يفوقه قوة وسطوة، لكن حقائقه غائبة وحقيقته مطموسة وأعداد العاملين فيه غير معروفة، هناك قطاع إفتاء رسمي له مقر ويعمل فيه مشايخ وعملاء معروفة أسماؤهم، هناك أيضاً قطاع إفتاء غير رسمي يعمل فيه كل من هب ودب، واعتقد في نفسه أنه عالم دين، وتقوى من سطوته وتعزز من انتشاره الشبكة العنكبوتية بمنصاتها الرقمية البعيدة من العين القريبة إلى القلب ونقرة البحث والتفاعل. فوضى الفتاوى وبدلاً من إعادة التفكير في هيمنة الفتاوى على مجالات الحياة غير الدينية، وتخليص العلم والعمل والبحث والفن من قبضة إقحام الدين، والعودة لقواعد الدولة المدنية، حيث القوانين تنظم الحياة وتحكم العلاقات بين البشر، وقصر الدين وفتاواه على الشؤون الدينية، اتضح أن أفكار تجديد الخطاب الديني وتنقيحه وتطهيره، وتنظيم فوضى الفتاوى وتوغلها وتغولها تدور في تأسيس مزيد من الأذرع الإفتائية وتدشين عدد أكبر من معاهد تعليم قواعد الفتوى وتخصيص قدر أوفر من الإحصاءات والدراسات والأرقام لرصد العدد المتنامي من الفتاوى، والنسبة المتعاظمة من المفتين، والتفاخر بأن منصات الإفتاء الرسمية في طريقها نحو الهيمنة والتفوق على مثيلاتها من غير الرسمية. وأصبح جزء معتبر من نشاط المؤسسات الدينية الرسمية موجهاً في السنوات القليلة الماضية للمقارنة بين فتاوى القطاع (أي المؤسسات الدينية الرسمية)، وفتاوى القطاع الخاص (الجماعات والجمعيات والهواة). مقارنة الأعداد، ورصد المحتوى، وتحليل نسبة التطرف إلى الاعتدال، وغيرها صارت دليلاً سياسياً وبرهاناً اجتماعياً وتلويحاً ثقافياً بأن الفتوى تعود لأصولها. وبين مرصد لمراقبة الفتاوى التي تدعو إلى العنف، ونشرة للتحذير من الجماعات التي تطلق فتاوى بغير العلم، وتخصيص خطوط هواتف ساخنة وأكشاك متنقلة وبعثات متحركة لتلقي أسئلة طالبي الفتوى، مضت جهود المؤسسات الدينية الرسمية لا لاستعادة قبضتها على عالم الفتوى فقط، بل لتأكيد توسع قاعدة الفتوى لتشمل كل كبيرة وصغيرة، وهو ما يعني سطوة رجال الدين على السلطة بصورة أو بأخرى. بحسب أرقام "ستاتيستا" المتخصص في بحوث الإنترنت، تحل مصر في المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بلغ عدد المستخدمين المصريين نحو 51 مليون مصري. أي من هؤلاء يجد بدلاً من الفتوى 100 أو 1000 بدقة زر. من حكم قراءة القرآن في الباص، إلى حكم دراسة علوم الفضاء في الغرب، إلى حكم الزواج بثانية أو ثالثة من دون إخبار الأولى، يدق المستخدم سائلاً سؤالاً أو باحثاً عن فتوى، فيجيبه بدلاً من المفتي 100. المستخدم العادي لا ينقب في أصل المفتي، أو يبحث في الجماعة أو الجامعة التي ينتمي إليها. مفتي مصر السابق شوقي علام يعلو نجمه هذه الأيام متحدثاً عن فوضى الفتاوى، ومحذراً من عشوائية المفتين غير الرسميين. قال في حديث تلفزيوني قبل أسابيع قليلة إن فوضى الفتاوى من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية، وأن تصدر غير المؤهلين للإفتاء يؤدي إلى التمزق والتفرق بين المسلمين، لا سيما مع انتشار الفتاوى غير المنضبطة بدافع حب الشهرة أو الانتقام من المجتمع. وقال علام إن علماء الدين أجمعوا عبر التاريخ على ضرورة أن يكون المفتي عالماً متجرداً يخاف الله، ملتزماً مقاصد الشريعة، مشدداً على أن الفتوى المنضبطة تستوجب فهم الواقع والوعي بتغيراته، لتحقيق التوازن بين الأحكام الشرعية ومتطلبات العصر. كلام معقول، بحسب ما يرى تيار غير قليل من المصريين. التيار المقابل واقع في غرام الفتاوى المتشددة والآراء الدينية الغارقة في الجمود والرجعية، ولا يرضى عنها بديلاً. تيار آخر قليل العدد، غير مرئي إلا لنفسه، غير مسموع باستثناء آهاته وتأوهاته على السوشيال ميديا وفي جلسات المقاهي المنزوية. إنه تيار المطالبين بفض الاشتباك بين هيمنة الفتوى وبين أكل الناس وشربهم وملبسهم وتعليمهم وعملهم ومولدهم ومماتهم، أو بمعنى آخر تخليص رقاب المصريين وقلوبهم وعقولهم وتفاصيل حياتهم من قبضة رجل الدين، لا سيما المتخصص في الإفتاء. ما سبق يفسر انقسام الساحة الشعبية هذه الآونة بين تيار "متدين" مرحب بتقنين الفتوى وتنظيمها وضبط منابعها، وآخر "متدين جداً" لا يقبل بغير الجمود والرجعية والتشدد في الفتاوى بديلاً، وقلة مندثرة أصيبت بصدمة حين علمت أن التنظيم يعني "احتكار" الفتوى وتأميم منابعها، وأن مسألة توغل التفسيرات الدينية على تفاصيل الحياة ودس رجل الدين أنفه في اختيارات المسلم في غرفة نومه وحمامه وعلاجه وباصه ومقهاه ليست على رادار الدولة أو الحكومة أو المؤسسات الدينية الرسمية غير وارد. ليس هذا فقط، بل إن الجدل، أو الشد والجذب الوحيد الموجود على الساحة حالياً يدور بين المؤسسات الدينية الرسمية حول من منها الأولى بالفتوى! حصر إصدار الفتوى قبل أيام، أقر البرلمان المصري قانون تنظيم إصدار الفتوى، إنه القانون الأول الذي ينظم إصدار الفتوى في مصر، ولا يتعلق أي من بنوده بالأسئلة السخيفة أو تحصيل الحاصل أو غير المنطقية التي يصر بعض منهم على سؤالها لرجال الدين. كما لا يتطرق إلى صحوة فتوية يترفع فيها رجال الدين الأسوياء الوسطيون عن الهيمنة على حياة الناس بفتاوى غرف النوم وقاعات الجلوس ودهاليز العمل والعلاج، عبر وضع حدود واضحة لمهمة الفتوى وعمل المفتي لا تخرج عن إطار الجوانب الدينية البحتة. بحسب التقرير الصادر عن البرلمان المصري، يهدف القانون إلى التصدي لنشر فتاوى مغلوطة أو متشددة أو متساهلة، وضمان الالتزام بنشر الفتاوى الشرعية الصادرة من الاختصاصيين، والحماية من الفتاوى المتطرفة أو غير الصحيحة، وذلك بعد انتشار ظاهرة فوضى الفتاوى عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من دون سند فقهي أو شرعي، مما يثير خلافات واسعة وجدلاً كبيراً بين المواطنين". ينص القانون على كل ما من شأنه أن يضمن حصر إصدار الفتوى على الجهات بعينها، والتفرقة بين الفتوى الشرعية والإرشاد الديني، وتوضيح الفروق بين الفتاوى الشرعية العامة التي تتعلق بالشأن العام وتلك المتصلة بالأفراد. كما يلزم وسائل الإعلام بعدم نشر أو بث أية فتوى صادرة من غير الجهات المختصة أو استضافة أشخاص من غير المنوط بهم رسمياً الإفتاء في برامج أو فقرات، وخرق هذا النص يعرض الشخص أو الأشخاص للعقوبات الجنائية، التي تصل إلى الحبس والغرامة. الجدل الأكبر والأكثر إثارة الناجم عن قانون تنظيم فوضى الفتاوى وتعدد مصادرها لا يدور حول مدى احتياج المصريين لملايين الفتاوى، أو جدوى سؤال "الشيخ" عن حكم استخدام العقل في البحث العلمي، أو تزويج الطفلة ابنة 10 أعوام، أو ضرب الزوجة بقلم رصاص، مقارنة بحاجتهم مثلاً إلى التعليم والعمل والتفكير النقدي والأفكار الابتكارية والعلاج والانفتاح على العالم وغيرها. الجدل يعكس صراعاً، أو فلنقل منافسة، مكتومة، وربما قديمة بين المؤسستين الدينيتين الأبرز: الأزهر ووزارة الأوقاف. موضوع الخلاف هو تعريف من المختص بإصدار الفتوى الشرعية؟ الأزهر متحفظ على السماح لأئمة الأوقاف بإصدار الفتاوى، ووزارة الأوقاف ترى أن الأئمة من أبناء الأزهر، ومن ثم لديهم القدرة نفسها على إصدار الفتوى. الكاتب الصحافي حمدي رزق، الذي مثل الهيئة الوطنية للصحافة في اجتماعات لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب الخاصة بمناقشات مشروع تنظيم الفتاوى انتقد غياب ممثل الأزهر عن الاجتماع قبل حل المشكلة مع الأوقاف، وذلك بعد رفض القانون جملة بتوجيه من هيئة كبار العلماء. وقال رزق إن رفض الهيئة للقانون في حينها سببه "رغبتها في الحق الحصري للفتوى، وإصرار على أنه حق تهبه لمن تشاء بإذن وسماح منها، وذلك باعتبارها المرجعية العظمى والولاية الكبرى، ولا تعقيب عليها"، مضيفاً "ومنطوق رفضنا، رفض هذا الحق الحصري، ما سميناه ومسجل في المناقشات احتكار الفتوى، والتغول على فضيلة الاختلاف، والشخصانية التي بنيت عليها آلية تسمية المفتين الجدد"، وأشار رزق إلى أن القانون الجديد حبذ الجميع صدوره لتنظيم الفتوى لا احتكارها. واعتبر رزق "فوضى الفتاوى"، أي تعدد مصادر صدورها من كل من هب ودب، أهون من "فتنة الفتاوى" حيث الجهتين الدينيتين الرسميتين الأساسيتين الأزهر والأوقاف في صراع على حق إصدار الفتاوى، وقال "لقد واجه الشعب فوضى الفتاوى بملاحقة منكراتها حتى ألزم أصحابها الصمت والخجل من أنفسهم، فلم يعد هناك صوت لأصحاب فتاوى إرضاع الكبير أو نكاح البهيمة أو مضاجعة الزوجة المتوفاة أو ضرب الزوجة لتأديبها أو زواج الأطفال أو ختان الإناث أو تحريم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم، لا بمحاكماتهم القضائية وسجنهم، إنما بمقارعتهم الحجة الشعبية الحضارية"، مضيفاً "أما فتنة الفتاوى، فلا طاقة لنا بها". في آخر جلسات البرلمان، جرى تعديل المادة المتعلقة بـ"المختصين بإصدار الفتوى"، وأصبحت كالتالي: "يختص بإصدار الفتاوى الشرعية العامة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية"، مع إضافة لجان الفتوى في وزارة الأوقاف، وذلك مع تحديد شروط لعضوية هذه اللجان، وأهمها اجتياز اختبارات تضعها هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر. يظل الخلاف بين المؤسستين الدينيتين (الذي جرى حله في البرلمان) لا علاقة له من قريب أو بعيد بفكرة الدولة المدنية التي تدور في رؤوس الأقلية، أو التعامل مع "فوضى الفتاوى" باعتبارها فوضى تغول الدين على الدنيا، أو توغل المشايخ في حياة الناس. كان خلافاً حول رغبة جهة (الأزهر) في حصر الإفتاء عليها، ورغبة أخرى (الأوقاف) في المشاركة في كعكة الإفتاء، وتقرر تقاسمها، لكن مع هيمنة الأزهر حيث في حال حدوث تعارض في الفتوى الواحدة بين الجهتين، يرجح رأي الأزهر. بمعنى آخر، تأكد حق الأزهر الحصري في الفتوى، لكن بتصرف. الكلمة الأخيرة للأزهر وبين حق الأزهر "الحصري" في إصدار الفتاوى، الذي جرت هندسته ليفسح مجالاً صغيراً لأئمة وعلماء وزارة الأوقاف، شرط أن تبقى الكلمة الأخيرة للأزهر، وإصرار وزارة الأوقاف أن تحافظ على نصيبها في حق إصدار الفتاوى، وفرحة الجماهير الغفيرة بالاتفاق بين الجهتين، واعتبار القانون الجديد علامة مضيئة على طريق قص أظافر التطرف ومنع جنوح الإرهاب الفكري المرتدي عباءة الدين وتوحيد مصدر الفتاوى المتحكمة في حياة وممات ملايين المصريين على مدار ما يزيد على نصف قرن، نسي الجميع أو تناسى جزئية: وهل المصريون في حاجة إلى كل هذه الفتاوى؟ في نهاية العام الماضي، هيمن خبر عنوانه "104 ملايين فتوى و180 مليون تفاعل رقمي حصاد دار الإفتاء في عام" على وسائل الإعلام، وذلك من باب التفاخر وعلى سبيل الرضا بالإنجاز. وجاء في الخبر "عام جديد من الإنجازات أضيف إلى مسيرة دار الإفتاء التي عززت ريادتها الإفتائية لخدمة مصر، وبناء الوعي المجتمعي، وتصحيح المفاهيم الدينية، والتصدي للتحديات التي تواجه المجتمع، إضافة إلى دعم الاستقرار المجتمعي وتعزيز القيم الدينية الداعمة لتقدم المجتمع وحفظ أمنه الفكري"، مستعرضاً أرقام العام المذهلة، التي شهدت كثر من 1.4 مليون فتوى شفهية وهاتفية ومكتوبة ورقمية. تساؤل بعض منهم عن الجدوى من مثل هذا العدد، أو السر وراء اللجوء إلى المفتي لسؤاله عن علاج أو حساب أو زواج أو استثمار، بدلاً من اللجوء للطبيب أو المحاسب أو المستشار الأسري أو البنك أو الخبير كل في مجاله، عادة يقابل بحائط صد للفكرة وسد للنقاش. ما طرحه الكاتب عادل نعمان، على سبيل المثال في مقالته متسائلاً ومستنكراً، "هل نحن في حاجة إلى كل هذه الفتاوى؟" لم يؤد إلى إجابات بقدر ما فجر استنكارات واستهجانات، وفي أفضل الأحوال، تجاهلات، تساءل "وصل بنا الحال إلى هذا الحد حتى وصلت الفتوى إلى أواني الطبخ والبهارات؟ شيخ ينتمي لدار الإفتاء ينصح سائلة بألا يسمع صوتها الرجال قدر المستطاع، وكانت تسأله عن حكم تعليم الطبخ بصوتها فقط من دون صورة على يوتيوب؟ وفتوى جواز استخدام بهار جوز الطيب في بهارات الطعام بالنسبة المعقولة؟". الدولة المدنية "بعبع" القاعدة العريضة التي تعتقد، أو جعلها خطاب ديني ساد لعقود تعتقد، أنها مرادف الدولة غير المتدينة، لكنها في نظر قلة قليلة من المصريين هي تلك التي تفصل بين الطب والهندسة والتدريس والاقتصاد والسياسة والحب والزواج والاستثمار وكرة القدم والمقهى والباص، وبين إصرار الناس ورضا رجال الدين، الرسميين والمستقلين والهواة، على إقحام ما يراه الشيخ فلان أو علان في كل ما سبق. وهي الدولة التي لا تتصل كثيراً أو قليلاً، أو فلنقل لا تتحقق أو يقترب منها المصريون بقانون توحيد إصدار الفتاوى. القانون يوحد جهة، أو بالأحرى جهتي الإصدار، لكنه لا يكبح جماح الإصدار وتوغله وتمدده وتوسعه. قبل سنوات قليلة، طرح الطبيب والكاتب خالد منتصر تساؤلاً استنكارياً حول سبب إقحام دار الإفتاء في مسألة علمية معملية طبية بحتة هي التجارب السريرية، كتب "زفت إلينا وسائل الإعلام خبر أن دار الإفتاء والحمد لله حسمت قضية التجارب السريرية، وكأنه فتح علمي وانتصار بحثي عظيم، لكن الحقيقة أن من يحسم الأمر ليس دار الإفتاء أبداً، وهي ليست جهة اختصاص على الإطلاق في تلك المشكلات الطبية، والفتاوى الدينية لا مكان لها في البحوث الطبية. ويكفي ما حدث في ختان البنات عندما اعتمد مؤيدو الختان على فتوى الشيخ جاد الحق، وهو شيخ الأزهر السابق، وابتعدوا من أنها جريمة طبية، وأدخلونا في معترك هذا حديث ضعيف أم حديث صحيح؟ ويكفينا أيضاً أن قانون زرع الأعضاء لم يفعل منذ صدوره في 2011". وعرج منتصر إلى طوفان الفتاوى، الذي يغرق المصريين، فوصفه بـ"اللجوء المزمن للفتاوى الطبية والتفاخر بالمليون فتوى سنوياً"، وأنه "علامة مرض اجتماعي وفكري وعقلي، لا علامة صحة وعافية أبداً"، مستنتجاً أن "الدولة المدنية الحقيقية تلجأ في الطب إلى رأي الأطباء فقط، ولا دخل لرجال الدين في تلك القضايا". ويبقى القانون الجديد في مصر علاجاً لعسر هضم الفتاوى الثقيلة والعنيفة والجانحة، لكنه لا يداوي التخمة الناجمة عن تعاطي أعداد كبيرة منها بسرعة وعلى فترات زمنية متقاربة ومن دون حاجة حقيقية إليها.


العربي الجديد
منذ 7 أيام
- العربي الجديد
الرحلات السياحية الرخيصة.. كيفية تحصيل رحلة بتكاليف بسيطة
يعتقد نحو 68% من المسافرين حول العالم بأن تكاليف الرحلات السياحية تحد من إمكانية القيام برحلات متعددة خلال العام، وبحسب بيانات نشرتها مؤسسة ستاتيستا (Statista) فإن هذه التكاليف، خاصة بعد ارتفاع أسعار وقود الطائرات، وتزايد تكاليف المعيشة في الكثير من الدول، تجعل من الصعب على السياح أو الراغبين بالسياحة الانتقال من مكان إلى آخر. صحيح أن تكاليف المعيشة قد ترتفع بشكل كبير، لكن شغف السفر لا يبدو أنه يتراجع. فالسفر بميزانية محدودة لم يعد يعني التخلي عن كل المتعة أو الرفاهية، بل يعني الإنفاق بذكاء. وسواء كنتم تخططون لرحلة فردية بحقيبة ظهر أو عطلة مع الأصدقاء أو رحلة رومانسية أو عطلة عائلية، فإن هذه النصائح العملية ستُبقي نفقاتكم منخفضة وتجاربكم لا تُنسى. وإليكم في ما يلي دليلا شاملا حول كيفية السفر بميزانية محدودة خلال عام 2025. الرحلات السياحية خلال فترة الركود التوقيت هو العامل الحاسم في سعر التذاكر، وفي الحصول على أسعار إقامة رخيصة نسبيا، إذ إن أشهر ذروة السفر تعني ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، وتكاليف إقامة أعلى، ومواقع سياحية مزدحمة. بدلا من ذلك، ينصح دائما بالابتعاد عن مواسم الذروة، فعلى سبيل المثال ترتفع الأسعار خلال فترة الصيف، لكن في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، تنخفض الأسعار بشكل لافت في جميع دول العالم، أضف إلى ذلك، تنخفض الأسعار في فترات معينة، ففي الربيع يمكن الحصول على سياحة رخيصة في أوروبا، على عكس دول الخليج التي تشهد ارتفاعا بسبب مناخها المعتدل. في فصل الصيف، يمكن لمحبي دول الخليج زيارتها، بأسعار رخيصة والحصول على صفقات رائعة في الفنادق. سياحة وسفر التحديثات الحية السياحة في ألبانيا... كثير من المناطق الطبيعية بأسعار بسيطة أضف إلى ذلك، يساعد التخطيط المسبق أيضا في الحصول على أسعار مناسبة. قد تبدو عروض اللحظات الأخيرة فرصة استثنائية لا تعوض لكنها نادرا ما تكون الخيار الأكثر ملاءمة للميزانية. غالباً ما يضمن حجز الرحلات والإقامة مسبقا أفضل الأسعار. ينصح السائح باستخدام مواقع مقارنة الرحلات مثل "سكاي سكانر" (Skyscanner) أو "غوغل فلايت" (Google Flight). يمكن أن تساعدكم المرونة في تحديد تواريخ السفر والوجهات على الحصول على عروض غير متوقعة. رحلات السفر ليلاً يعتقد الكثيرون بأن الانتقال من مكان إلى آخر خلال الرحلة السياحية، يجب أن يكون خلال النهار، لاكتشاف الطرقات وما تحتويه من آثار أو معالم طبيعية، ولكن لتوفير الأموال ينصح بالسفر ليلا في القطارات، أو الطائرات الداخلية، إذ تكون عادة الأسعار رخيصة بنحو ضعفي السعر الطبيعي من جهة، ومن جهة ثانية، يمكن للسياح توفير أموال الفندق للإقامة، إذ توفر بعض القطارات خاصة في أوروبا، وغيرها من الدول التي تعتمد على القطارات وسيلةَ انتقال أو سفر، غرفا صغيرة، أو أسرة صغيرة يمكن بها للمسافر قضاء الليلة. من جهة ثانية، تعد الرحلات عبر الطائرات ليلاً خيارات جيدة، خاصة للرحلات الداخلية بين المناطق، إذ يمكن توفير ما لا يقل عن 70% مقارنة بالأسعار خلال النهار، ويمكن السفر بأسعار تبدأ من 40 دولاراً ليلاً عبر رحلات الطائرات. البحث عن برامج تبادل العمل تقدم برامج تبادل العمل فرصة رائعة للسياح، للانغماس في حياة السكان التقليديين وتوفير الأموال وفي بعض الأوقات كسب أموال إضافية. تقوم هذه الفكرة على أساس العمل مقابل الإقامة والحصول على وجبات مجانية. تساعد منصات مثل "وورك أواي" (Workaway) و"ووف" (WWOOF) في ربط المسافرين بمضيفين يقدمون تجارب فريدة مثل العمل في المزارع، أو تدريس اللغة الإنكليزية، أو المساعدة في بيوت الشباب. سياحة وسفر التحديثات الحية الإقامة السياحية المجانية في غرف فندقية عبر طرق مبتكرة.. تعرّف إليها تقدم هذه المنصات التي تضم ما لا يقل عن نصف مليون مشارك سنويا، فرصا للقيام بعدة مشاريع، من ضمنها على سبيل المثال الانخراط إما في الأعمال الزراعية في البلد السياحي، أو القيام بمشاريع خاصة بالسياحة البيئية، أو حتى الانغماس في المشاريع الشبابية للتطوير وتنمية المناطق الفقيرة. يساعد هذا النوع في السياحة في الانخراط ببرامج ثقافية واقتصادية والحصول على الأموال لقاء العمل خلال فترة الصباح، والقيام بجولات سياحية في المساء. الرحلات السياحية الجماعية هل تسافر مع الأصدقاء أو العائلة؟ يمكنك تقسيم التكاليف على كل شيء، من الإقامة إلى سيارات الأجرة والوجبات. غالبا ما يمنحك السفر الجماعي اقتطاعات، سواء كانت إقامة مشتركة على "إير بي إن بي" (Airbnb) أو سعرا جماعيا للأنشطة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تقسيم النفقات يعني أنك تستطيع تحمل تكاليف بعض الأشياء معا دون الشعور بالذنب.


العين الإخبارية
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
الإمارات ترسم مستقبل النقل النظيف في الشرق الأوسط
تتجه دولة الإمارات بسرعة لتصبح رائدة «ملهمة» في مجال السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط. واعتبر تقرير نشره موقع "ريست أوف وورلد" إن الأهداف المناخية الطموحة، وتوسع البنية التحتية لمحطات الشحن، وتوفر مجموعة متزايدة من السيارات بأسعار متنوعة، يسهم في دفع هذه الثورة الكهربائية. وشكّلت السيارت الكهربائية 13% من إجمالي مبيعات السيارات في عام 2023، وفقًا لأحدث بيانات وزارة الطاقة والبنية التحتية، مرتفعة من 3.2% في 2022 و0.7% فقط في 2021. وقد بيع نحو 260,000 مركبة جديدة في دولة الإمارات عام 2023، بحسب بيانات شركة "ستاتيستا" الألمانية. تحول أخضر ويعكس هذا التحوّل حقيقة إن التنقلات الخضراء باتت جزءًا أساسيًا من استراتيجية الدولة للتنويع الاقتصادي والاستدامة. وتهدف الإمارات إلى أن تشكل السيارت الكهربائية 50% من إجمالي السيارات على الطرق بحلول عام 2050، بحسب وزارة الطاقة والبنية التحتية. ووفق موقع Rest of World: "دولة الإمارات ملتزمة بشدة بالتحول نحو مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة. فالأسعار تنخفض، والطلب يرتفع، والبنية التحتية تتوسع بسرعة". وبلغ عدد السيارت الكهربائية والهجينة في الدولة أكثر من 147,000 مركبة حتى عام 2023، في حين ارتفعت تسجيلات السيارت الكهربائية وحدها بأكثر من 25% سنويًا. أما في عام 2024، فقد بلغ إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في الدولة 316,000 وحدة. وقد تتجاوز الإمارات هدفها لعام 2050 قبل الموعد المحدد، نظرًا لسرعة الابتكار واهتمام المستهلك، بحسب أليساندرو تريكامو، المسؤول عن قطاع النقل والخدمات في شركة "أوليفر وايمان" في دبي. وأضاف: "إذا كانت النرويج، وهي أيضًا دولة نفطية كبرى، استطاعت أن تصل إلى أكثر من 96% من مبيعات السيارات الجديدة من السيارت الكهربائية، فلا يوجد سبب يمنع الإمارات من تحقيق ذلك". طلب مرتفع والطلب على السيارت الكهربائية في الدولة مرتفع بالفعل: ما يقرب من ثلثي السكان يرغبون بجعل السيارت الكهربائية وسيلتهم الرئيسية للتنقل بحلول عام 2025، وفقًا لمسح مشترك أجرته شركة الفطيم، أكبر موزع للسيارات في الإمارات، وشركة "يوغوف" البريطانية لأبحاث السوق. وقال بول ويليس، رئيس شركة الفطيم، إن "النمو السريع في تبنّي مركبات الطاقة الجديدة يمثل مرحلة جديدة ومثيرة في مشهد التنقل داخل الإمارات". وأضاف: "حقيقة أن الإمارات تعمل بنشاط على تنويع اقتصادها المعتمد على النفط تمهد الطريق نحو التحول الكهربائي وتقليل الانبعاثات في مختلف القطاعات، بما في ذلك النقل". وتعود جذور الطفرة في قطاع السيارت الكهربائية إلى المبادرات المناخية الطموحة في الدولة. ففي يناير/كانون الثاني 2017، أطلقت الإمارات "استراتيجية الطاقة 2050"، وتبعتها في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بمبادرة "الحياد المناخي 2050"، وكلاهما يهدف إلى خفض الانبعاثات وزيادة حصة الطاقة النظيفة إلى 30% بحلول عام 2031. وقال ويليس: "إنه مزيج من انخفاض التكاليف، وزيادة الوعي المناخي، والسياسات الحكومية. ولكن بشكل متزايد، يتعلق الأمر بالأداء أيضًا. فالسيارت الحديثة توفر قيادة سلسة وهادئة مع عزم فوري وميزات تقنية متقدمة تجذب المستهلكين المهتمين بالتكنولوجيا". لقد تغيّرت نظرة المستهلكين للمركبات الكهربائية بشكل كبير، وأصبحوا ينجذبون إلى التصاميم العصرية، والميزات المتقدمة، وراحة القيادة الفائقة، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الملكية والصيانة، والوعي البيئي المتنامي، بحسب تريكامو. منتجات متنوعة وتقدّم الفطيم مجموعة متنوعة من السيارت الكهربائية تشمل علامات مثل تويوتا ولكزس، بالإضافة إلى علامات صينية مثل BYD وGAC Aion، مما يجعل السيارات الكهربائية في متناول شريحة أوسع من السكان. وتساعد الطرازات الجديدة مثل BYD Sealion 7 والنماذج الهجينة مثل Lexus LX 700h الشركة في الحفاظ على نمو مزدوج الرقم يتماشى مع أهداف الإمارات. لكن القصة الحقيقية لا تتعلق باستبدال النفط، بل بخلق توازن ومرونة في اقتصاد مستعد للمستقبل، كما قال معتز لويس، الرئيس التنفيذي لشركة "سمارت موبيليتي إنترناشونال"، وهي موزع مركبات كهربائية مقره الإمارات. وأضاف: " السيارت الكهربائية والهيدروجينية ستلعب دورًا متزايدًا في المرحلة المقبلة". ورغم أن أسعار الوقود في الإمارات لا تزال أقل بنحو 20% من متوسط الأسعار في الولايات المتحدة، وفقًا لحساباتRest of World، إلا أن السيارت الكهربائية تجذب المستهلكين بسبب انخفاض تكاليف التشغيل على المدى الطويل، وتلاشي القلق بشأن المدى بفضل توسع البنية التحتية للشحن، بحسب لويس. وفي مايو/أيار 2024، أطلقت وزارة الطاقة والبنية التحتية مشروع "UAEV" بالشراكة مع شركة "اتحاد للماء والكهرباء"، لبناء شبكة شحن وطنية. ومن المتوقع أن تضم الدولة 1,000 محطة شحن عامة بحلول نهاية 2030، العديد منها سيكون من نوع الشحن السريع. وتمتلك هيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) حاليًا حوالي 740 نقطة شحن منتشرة في المدينة، وتهدف إلى زيادتها إلى 1,000 محطة بنهاية العام. وتخطط الفطيم لتوفير 10% من نقاط الشحن في الدولة بحلول 2030 عبر خدمة Charge2Moov، وهي حل متكامل للشحن في المنازل والشركات. حوافز حكومية وفي السنوات الثلاث الماضية، قدمت دولة الإمارات حوافز عديدة لأصحاب السيارات الكهربائية، مثل الشحن المجاني، ومواقف مجانية، وبطاقات عبور ذكية، إلى جانب سياسات تُلزم المطورين بتوفير بنية تحتية جاهزة للسيارات الكهربائية في المشاريع الجديدة، وتمويلات خضراء مبتكرة. ويقول لويس: "نشهد الآن توجهاً أكثر تنظيمًا ومؤسسيًا. الأمر لم يعد مجرد حوافز مؤقتة، بل يتعلق بالبنية التحتية والاستدامة طويلة الأمد". وقد لاقت هذه المزايا صدى لدى المستهلكين، إذ ينفق مالكو السيارت الكهربائية ربع ما ينفقه مالكو السيارات التقليدية على الوقود، بحسب ويليس، كما أن تكاليف الصيانة أقل بكثير نتيجة قلة الأجزاء المتحركة وفترات الخدمة الأطول. وقد بدأت شركة Smart Mobility بالفعل بتوفير مركبات كهربائية موسّعة المدى (REEVs)، وهي مركبات تمتلك محركات كهربائية ومولدات داخلية تتيح مدى يتجاوز 1,000 كيلومتر. ولم تطرح أي شركة أخرى في الشرق الأوسط مثل هذه السيارات حتى الآن. تدوير البطاريات وسيصبح تدوير البطاريات وإعادة استخدامها أمرًا بالغ الأهمية مع تزايد حجم أسطول السيارات الكهربائية. وتعمل حكومة دولة الإمارات مع شركة "بيئة" لإطلاق أول منشأة لإعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية والهجينة في الدولة. ومن الإجراءات الإضافية التي ستعزز التحول الكهربائي: فرض حد أدنى لنقاط الشحن في محطات الوقود والمراكز التجارية، وتشجيع المزيد من الشركات على دخول سوق الشحن، وفرض رسوم ازدحام. إن التحول نحو الكهرباء يحدث بسرعة تفوق توقعات الجميع. وبحلول نهاية عام 2025، قد تبدو سيارات البنزين وكأنها بقايا من الماضي، تمامًا مثل ركوب الخيل. aXA6IDgyLjI2LjIyMy4xMTUg جزيرة ام اند امز CR