
"يا غايب".. فضل شاكر يروي طفولة قاسية شكلت مصيره المعقد
مادة درامية مثيرة للجدل، هكذا يمكن وصف رحلة النجم اللبناني فضل شاكر من بريق عالم الفن إلى الاعتزال ثم العودة للغناء مرة أخرى، وهو ما جعل أخباره مادة ثرية للعرض الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، فنحن لسنا معتادين على مشاهدة فنان يتحول من آسر للقلوب والأذان إلى رجل تطارده العدالة.
تلك الرحلة هي ما حاول مسلسل "يا غايب" استعراضها عبر مزيج من التوثيق الواقعي والدراما وكثير من صدق الإحساس الذي اشتهر به فضل.
عودة جريئة
بشجاعة وصخب، عاد الفنان فضل شاكر إلى الشاشة بشخصه، عبر المسلسل الوثائقي "يا غايب" المتاح عبر منصة شاهد، ليسرد على الجمهور حكايته، لا باعتباره الفنان المشهور الذي طالما انتظر الجمهور أغنياته، وإنما الإنسان العادي الذي لوعته الحياة وأذاقته حلاوتها، لكنها أيضا أوقعته بفخ اختبارات لم يحسن الاختيار فيها.
ينتمي العمل إلى فئة الـ "دوكيودراما" ويسير في خطين دراميين، الأول وثائقي يظهر به فضل ليقص حكايته كما عاشها ويراها، إضافة إلى ظهور أفراد من عائلته وأصدقائه وجهات القضاء والمحامين الذي يعقبون على قصته بآرائهم الخاصة/المتخصصة.
أما الثاني فهو خط فني عن صحفية، ستيفاني عطالله تحاول عمل تقرير عن فضل وفي سبيل ذلك تنبش ماضيه وتحاور عائلته، بل وتسعى للوصول إليه هو نفسه لمزيد من المصداقية في ظل محاولتها عدم إطلاق أي أحكام مسبقة قدر الإمكان، مما أتاح للجمهور فهما أعمق لتفاصيل حياة نجمهم المفضل ومشاهدته عن قرب كإنسان وأب وليس فقط كفنان.
لعبة الموت والحياة
يبدأ العمل بشرارة الحب التي انطلقت على أسطح المخيم بين فضل خلال المراهقة مع زوجته الحالية نادية، وكيف كافحا معا وأصرا على الزواج رغم صغر سنهما، لكن بالعودة إلى طفولته تبدو الأمور أكثر تعقيدا وحساسية.
نشأ فضل في أسرة فقيرة بين أب محب للفن والغناء وأم مكلومة تشكو من ضيق الرزق وشظف العيش، ورغم تعلقه الشديد بأبيه، تقرر الأم اختياره دون بقية إخوته لإلحاقه بدار أيتام لتخفيف الحمل عن الأسرة.
هذه المأساة تركت في قلب فضل جرحا غائرا وثقبا هائلا بحجم الخذلان، فضلا عن أنها تجبره على اختبار أشياء لم يكن ليختبرها أبدا لو عاش في كنف عائلته.
ورغم ادعائه الغفران والتسامح، لكن من خلال حواراته داخل المسلسل وإعرابه المستمر عن شعوره الدائم بالوحدة، وأن ما من رفيق أو قريب له بالحياة، نتأكد كيف تجرع اليتم صغيرا رغم وجود والديه على قيد الحياة، والأهم كيف أثر ذلك على اختياراته وطريقته باتخاذ القرارات المصيرية وحده دون الرجوع لأحد.
يظل فضل في دار الأيتام حتى وفاة والده، قبل أن يعود إلى أسرته وتخيره والدته بين العمل بأي حرفة يدوية أو الرجوع إلى الدار فيختار العمل، وفعلا يتنقل بين كثير من الأشغال إلى أن يكتشف أحد معارفه حلاوة صوته فينصحه بالاتجاه للغناء وهنا تتغير حياته بالتدريج.
من الملهاة إلى المأساة
ورغم الصعوبات التي يلقاها بأول الطريق وبعض مشكلات التعاقد والشروط الجزائية التي تمنعه من الغناء فترة، لكنه يعرف كيف يتغلب عليها لتزدهر أموره فنيا وماديا، ما يظهر في حفلاته الفنية المكتظة عن آخرها بجمهور يهتف باسمه بحماس ومحبة.
ولأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، يتبدد كل شيء إثر بعض الأحداث السياسية والتصريحات غير الموفقة من فضل على الملأ، ثم رغبته في اعتزال الفن.
وهو ما يقوده بعد فترة إلى السقوط في درب الجماعات الدينية المتشددة وتحديدا الداعية اللبناني أحمد الأسير ومن ثم يصبح مطاردا من العدالة ومطالبا بأحكام قضائية غيابية، أبرزها الحكم الغيابي بالسجن 15 عاما في قضية "أحداث عبرا" مما دفعه إلى الاختباء في مخيم عين الحلوة حتى يومنا هذا.
حين تتقاطع الإنسانية مع الدين والسياسة
يمكن اعتبار العمل بمثابة تأمل في الدور الذي تلعبه الوسائط الفنية في رسم صور الشخصيات العامة وتشكيل وعي الجمهور، وكيف يمكن للمعلومات المنقوصة أن تتسبب بإقصاء أبطالها. حيث يضع الوثائقي فضل شاكر في منطقة محايدة تعيد طرح الماضي مع تخفيف حدة المواقف والقرارات ومحاولات حثيثة لاستعطاف قلوب الجمهور.
أما على المستوى الفني، يحسب للعمل ابتعاده عن التوثيق الجاف من خلال مزج التمثيل الواقعي بخط درامي متخيل تمثل في شخصية الصحفية، مما أضفى على العمل بعض الإثارة والحيوية.
لكن، كان بالإمكان تعميق هذا الجانب عبر تقديم تساؤلات أكثر نقدية بدلا من الاكتفاء بمحاولات البطلة المستميتة الوصول إلى البطل دون أن تحمل موقفا فكريا ناقدا لما تكشفه، مما قلل من عمقها كركيزة درامية موازية.
أتاح الجمع بين السرد الوثائقي والمشاهد التمثيلية للمشاهد فهم أعمق لتفاصيل حياة فضل شاكر، مع إتاحة مساحة للأهل والأصدقاء للتعبير عن جوانب مختلفة من شخصيته، مما أضفى مصداقية وثراء على العمل.
وقد نجح الإخراج في المزج بانسيابية وتوازن الجانب الواقعي في الجزء الفني المعتمد على "الفلاش باك"، كذلك أحسن توظيف الإضاءة والديكور للتعبير عن المتغيرات الجارية سواء على المكان نفسه أو الأشخاص وصراعاتهم الداخلية.
وقدم غالبية الممثلين أدوارهم جيدا، خاصة الطفل ريان حمو الذي لعب دور فضل صغيرا ونجح في تجسيد مشاعره بين مرارة الانكسار والوحدة، والممثل عزام الشبعان في المراهقة الذي اتسم أداؤه بالحيوية.
بينما حاول الممثل عماد عزمي تقديم الصراعات الداخلية المريرة التي اعترت فضل خلال شبابه وأوج تألقه، ولكن جانبه الصواب بضع مرات وجاء الأداء سطحيا، كذلك عاب العمل الإطالة والتكرار في بعض المشاهد مما أصاب الجمهور بالملل في بعض الحلقات.
غير أن أهم الأدوات الفنية في العمل كانت الموسيقى التصويرية التي لعبت دورا محوريا في المسلسل كإحدى مفردات السرد، بداية من عناوين الحلقات التي اقتبست من أسماء أغنيات فضل شاكر مثل "يا غايب" و"ضحكت الدنيا".
ومرورا بالأغنيات ذاتها التي استخدمت مقاطع منها ضمن الأحداث بتوزيعاتها الأصلية القديمة للعب على وتر الذكريات من جهة ومن جهة أخرى الإقرار بحالة البطل باعتبارها صدى لحاله وأفكاره حينذاك.
ثم تقديمها بتوزيعات جديدة للكشف عن المشاعر الداخلية الجديدة للبطل من إحساس بالندم والاشتياق لعالم الفن وقبول الجمهور، وهو ما خلق حالة من التوازن وعزز الحالة الشعورية للمتفرج.
"يا غايب" عمل وثائقي-درامي لبناني من تسع حلقات، يأتي كتركيبة فنية تجمع بين التوثيق والدراما، حيث يروي الفنان اللبناني فضل شاكر قصته بنفسه للمرة الأولى.
إعلان
ورغم محاولات العمل نزع القداسة عن بطله، يقع "يا غايب" أحيانا في فخ التبرير الشعوري، لكنه يظل تجربة فنية وإنسانية مثيرة للتفكير عن هشاشة النجم، ومآلات الشهرة.
العمل إخراج فاطمة راتشا شحادة، وتأليف نور المجبر، وبطولة فضل شاكر، ستيفاني عطالله، عماد عزمي، طلال الجردي، سميرة الأسير، وعزام الشبعان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 31 دقائق
- الجزيرة
وزير الخارجية السوري يتباحث مع العفو الدولية ودعوات لإصلاحات حقوقية
أجرى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مباحثات في دمشق مع وفد من منظمة العفو الدولية تناولت قضايا حقوقية مشتركة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية. وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت قبل نحو أسبوعين إلى اتخاذ خطوات فورية وملموسة نحو تحقيق العدالة ومعرفة الحقيقة والتعويض لمعالجة إرث البلاد المدمر من الانتهاكات، وأن تطبّق فورا إصلاحات تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان لمنع وقوع المزيد من الانتهاكات. وشدّدت المنظمة على وجوب إشراك الضحايا وذويهم في مسار العدالة وكشف مصير المختفين قسرا، ومحاسبة جميع المسؤولين عن الجرائم عبر محاكمات عادلة وشفافة، مع ضرورة إصلاح قطاعي القضاء والأمن بما يتوافق مع المعايير الدولية. وذكرت المنظمة في تقريرها الأخير أن أمام الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع فرصة حاسمة لطي صفحة الماضي وضمان عدم تكرار الانتهاكات. أفريقيا. ويأتي اللقاء في إطار سعي الإدارة السورية للحصول على دعم دولي وإقليمي لمعالجة آثار 53 عاما من حكم عائلة الأسد تميزت بالقمع والاضطهاد.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
الأمم المتحدة تكشف أزمة بقاء بغزة ولندن تطالب إسرائيل بوقف الحرب
قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن الناس -نصفهم أطفال- يواجهون في غزة أزمة بقاء، من جهته قال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي إن استهداف فلسطينيين قرب مركز توزيع مساعدات لا يطاق. وبحسب المكتب الأممي، فإن أكثر من 632 ألف شخص أجبروا على النزوح مرة أخرى منذ 18 مارس/آذار الماضي. وفي وقت سابق اليوم الأحد، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن أكثر من 200 فلسطيني وصلوا إلى المستشفيات، بينهم 49 شهيدا و5 حالات موت سريري ونحو 30 حالة حرجة، بقصف إسرائيلي استهدف فلسطينيين كانوا متوجهين إلى مركز توزيع للمساعدات تديره شركة أميركية غرب مدينة رفح جنوبي قطاع غزة. وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الاحتلال الإسرائيلي حوّل موقع توزيع المساعدات من نقاط للإغاثة الإنسانية إلى مصايد للقتل الجماعي، في حين اعتبرت منظمة " أطباء بلا حدود" أن إسرائيل تستخدم المساعدات أداة لتهجير السكان قسرا. من جهته، اعتبر وزير الدفاع البريطاني أن استهداف فلسطينيين قرب مركز توزيع مساعدات لا يطاق ويعزز وجوب أن توقف إسرائيل عمليتها، مشيرا إلى أنه تم إبلاغ نظيره الإسرائيلي بهذا الموقف. وأضاف هيلي أن على إسرائيل فتح البوابات لدخول المساعدات إلى المدنيين الفلسطينيين. وشدد على ضرورة أن تبدأ إسرائيل بالعمل على المفاوضات للتوصل إلى سلام طويل الأمد. إعلان وأوضح أن بلاده تقدم كل الدعم للجهود الأميركية القطرية المصرية لاستعادة وقف إطلاق النار في قطاع غزة. واستأنفت إسرائيل العدوان على غزة يوم 18 مارس/آذار الماضي بعد أن انقلبت على اتفاق وقف إطلاق النار، وأسفرت غاراتها منذ ذلك الوقت عن استشهاد أكثر من 4117 شخصا وإصابة أكثر من 12 ألفا، وفقا لوزارة الصحة في القطاع. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال حرب إبادة -وفق توصيف خبراء دوليين- على سكان قطاع غزة، وقد استشهد خلالها أكثر من 54 ألف فلسطيني وأصيب 124 ألفا، وشُرد كل سكان القطاع تقريبا وسط دمار لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مديرة دائرة المختبرات الطبية بغزة: نحتاج بشكل عاجل إلى إدخال وحدات دم من الخارج
ناشدت مديرة دائرة المختبرات الطبية وبنوك الدم بغزة، سحر غانم -في مقابلة مع قناة الجزيرة- المجتمع الدولي بتوفير وحدات دم وأدوات فحص وحفظ الدم من الخارج -بشكل عاجل-، وقالت إن هناك حاجة ماسة للدم في ظل تزايد أعداد الجرحى والمصابين. وقالت إنهم يواجهون نقصا في أرصدة بنوك الدم في كل المستشفيات ب قطاع غزة ، بسبب الطلب المتزايد نتيجة الأعداد الكبيرة من الجرحى والمصابين والمحتاجين لنقل الدوم بشكل دوري. وأوضحت غانم أن سوء التغذية في القطاع أثر بشكل كبير على عدد المتبرعين بالدم، ورغم ذلك يواصل الناس تبرعهم بالدم منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وكشفت أن عدد المتبرعين بالدم قليل جدا، مما يضطرهم لإطلاق مناشدات مستمرة للتبرع في كافة مستشفيات القطاع، مشيرة إلى أنهم يستهلكون يوميا عددا كبيرا من وحدات الدم من الأرصدة سواء في مجمع ناصر الطبي أو في الشفاء وفي كل المستشفيات العاملة في القطاع. كما قالت إن الحاجة الماسة والكبيرة للتبرع بالدم تجبرهم على سحب الدم من المتبرعين حتى لو لم تنطبق عليهم المعايير اللازمة لشروط التبرع بالدم، لافتة إلى أن المتبرعين مصابون في الغالب بفقر الدم، وهذا ممنوع وفقا للمعايير العالمية. شح وحدات الدم وعن الاحتياجات العاجلة، قالت مديرة دائرة المختبرات الطبية وبنوك الدم بغزة إنهم يحتاجون في الوقت الحالي إلى إدخال وحدات دم من الخارج ودعم القطاع الصحي ببنوك الدم في وزارة الصحة، وتوفير الاحتياجات اللازمة لسحب وحدات الدم وأرصدة مخزون أكياس الدم، وكشفت أنهم لا يملكون أكياس الدم أو مواد لفحص هذه الوحدات وتجهيزها ونقلها إلى المصابين والجرحى. وناشدت بإدخال المساعدات والأغذية اللازمة والضرورية لتحسين الوضع الصحي في القطاع، وتحسين أوضاع الناس ليستطيعوا التبرع بالدم. ومن جهته، أكد مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية -في مقابلة مع قناة الجزيرة- أن كثيرا من المرضى والجرحى يعانون بسبب شح وحدات الدم. كما أعلنت وزارة الصحة في غزة أن المصابين الذين سقطوا في المجزرة الإسرائيلية اليوم الأحد في رفح جنوبي قطاع غزة بحاجة عاجلة لوحدات الدم. وناشد مستشفى ناصر بغزة بدوره المواطنين التبرع بالدم على مدار الساعة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن أعدادا هائلة من الجرحى تتوافد على المستشفى، مما أدى إلى استنزاف وحدات الدم بشكل شبه كامل.