
دعاء الصباح اليوم الإثنين 21-7-2025.. أذكار صباحية قصيرة للتحصين
دعاء الصباح اليوم الإثنين 21-7-2025.. أذكار صباحية قصيرة للتحصين
وتنشر "الدستور" في هذا التقرير أدعية الصباح اليوم الإثنين 21-7-2025، مكتوبة بخشوع وطمأنينة، تجمع بين التحصين، والرزق، وتفريج الهم، والتوكل على الله.
أدعية الصباح اليوم الإثنين
1.
اللهم إني أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك، أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك.
2.
اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر.
3.
اللهم إني أسألك خير هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره، وبركته، وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده.
4.
اللهم اجعل صباحي هذا فرجًا لكل هم، وشفاءً لكل مريض، واستجابة لكل دعاء، وتوفيقًا لكل ساعٍ في رزقه.
5.
اللهم ارزقني سعة صدر، وراحة قلب، ونور عقل، ويسّر أمري، وفرّج همي، واغنني من فضلك، ولا تحوجني لأحد سواك.
6.
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك، ويسّر لي رزقي، وبارك لي في وقتي وجهدي وصحتي.
7.
يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
8.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم، وأتوب إليه. (ثلاثًا)
9.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون.
أذكار صباحية قصيرة اليوم الإثنين للتحصين
• حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (7 مرات)
• بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم (3 مرات)
• أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق (3 مرات)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة النبأ
منذ ثانية واحدة
- شبكة النبأ
شذرات من حياة الإمام الحسن بن علي (ع)
اجتمع فيه نور النبوة وعزم الإمامة، فكان ثاني أئمة أهل البيت، وسيد شباب أهل الجنة مع أخيه، ودليلًا على أن الرفق أحيانًا أبلغ من السيف، وأن الإصلاح يحتاج إلى بصيرة، لا مجرد قوة. عاش الإمام في قلب العاصفة، ومات مسمومًا، لكنه انتصر في معركة التاريخ، حيث بقيت سيرته... الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، هو سبط رسول الله صلى الله عليه وآله، وأول ثمرة من ثمار بيت النبوة بعد فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين. وُلد في المدينة المنورة في النصف من شهر رمضان عام ثلاثة للهجرة، فكان مولده بهجة لقلوب المسلمين، وفرحًا لرسول الله الذي استقبله بالأذان والإقامة، وحنكه بريقه الطاهر، وسمّاه 'حسنًا' بإلهام من السماء. عاش الإمام الحسن في كنف جده النبي، وتربّى على مائدة الوحي، وتخلق بأخلاق الرسالة. وكان قريبًا إلى قلب الرسول، يحمله على كتفه، ويقول: «اللهم إني أحبه فأحبه». وقد عاش الإمام سبع سنوات في ظل الرسول، ثم في كنف والده الإمام علي، ينهل من علمه وتقواه. عرف الإمام الحسن بالحلم والسماحة، وسُمي بكريم أهل البيت، لما عرف عنه من كرم وجود، وكان من أعلام الهدى، وركنًا من أركان الدين، شهد مع والده الفتن الكبرى، وكان له دور بارز في تثبيت أركان الدولة الإسلامية. وحين آلت إليه الخلافة بعد شهادة أمير المؤمنين، وجد نفسه أمام أمة منقسمة، تتربص بها الفتن، وتنهشها الأطماع. فلم يكن السلام الذي عقده مع معاوية ضعفًا أو هزيمة، بل كان ميثاقًا لحقن دماء المسلمين، وحفظًا لوحدة الأمة، مقدِّمًا بذلك درسًا في القيادة الحكيمة، والتضحية من أجل مصلحة الدين. وقد امتُحن الإمام بظلم شديد، حتى انتهى به الأمر إلى أن يُغتال بالسم، شهيدًا في سبيل الله، مظلومًا مهضومًا، تاركًا وراءه تراثًا من المواقف العظيمة والمبادئ الخالدة، التي ما زالت تُلهم الأحرار والصالحين. دوره في خلافة الإمام علي عليه السلام بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واكبت حياة الإمام الحسن أحداثًا جسامًا عصفت بالأمة، وكان فيها شاهدًا ومشاركًا، خاصة في عهد والده الإمام علي عليه السلام. فقد شارك في المشورة السياسية، والحملات العسكرية، لا سيما في معارك الجمل وصفين والنهروان، حيث كان يتولى الراية أحيانًا، ويخطب في الناس دفاعًا عن الحق. ويفهم من وصية الإمام علي عليه السلام له بأنه 'أعلم أهل زمانه، وأفضلهم حلمًا، وأشدهم خشية لله'، واعتبره الوريث الشرعي للإمامة من بعده، فبايعه الناس بالخلافة بعد استشهاد الإمام علي سنة 40 هـ. وكان عمر الحسن حينها سبعًا وثلاثين سنة. ورغم مكانته السامية، وجد الإمام الحسن نفسه أمام أمة متشرذمة، أنهكتها الحروب والانقسامات، وظهرت الفتن في العراق، حتى في أوساط جيشه، ما جعله أمام خيارين: مواصلة القتال، أو الحفاظ على وحدة الأمة. الصلح مع معاوية – خيار الحكيم الشجاع أدرك الإمام الحسن عليه السلام أن الحرب مع معاوية ستؤدي إلى حمام دم لا ينتهي، خاصة بعد أن اخترق معاوية جيشه بالمال والدعاية، واشترى ذمم القادة، حتى تخلّى عنه بعض أقرب الناس. وكان الجيش الكوفي قد فقد الحماسة، وأصابه الوهن والتخاذل. ولم يكن صلح الإمام الحسن استسلامًا أو تراجعًا، بل كان موقفًا شجاعًا لحقن الدماء وصيانة ما تبقى من الدين. لقد اشترط الإمام بنودًا تحفظ حقوق أهل البيت، أهمها أن لا يُعيِّن معاوية أحدًا من بعده، وأن لا يتعرض لأتباع الإمام، وأن يُترك الأمر بعده شورى بين المسلمين. وافق معاوية على الشروط ظاهريًا، لكنه نكث بها جميعًا. ومع ذلك، بقي الإمام الحسن وفيًا لعهده، صابرًا على الغدر، رابط الجأش، يؤدّي دوره كإمام من موقعه، ويواصل بثّ الوعي في الأمة من خلال العلم والإرشاد. مناقب الإمام الحسن ومكارمه تميز الإمام الحسن عليه السلام بعبادته وورعه، وكان إذا توضأ ارتجف لونه من خشية الله. حج خمسًا وعشرين حجة مشيًا على قدميه، وكان يُبهر الناس بجوده، إذ أعطى كل ما يملك في سبيل الله مرات عديدة، حتى أنه قسّم ماله نصفين في سبيل الله أكثر من مرة. أما حلمه، فقد ضُرب به المثل. كان يتعامل مع المسيئين إليه بأدب جمّ وخلق عظيم، حتى روِي أنه مرّ عليه رجل من أهل الشام، شتمه وشتم أباه، فاستقبله الإمام بوجه طلق، وقال له: 'أظنك غريبًا، إن كنت جائعًا أشبعناك، وإن كنت فقيرًا أغنيناك'، حتى بكى الرجل وقال: 'الله أعلم حيث يجعل رسالته'. شهادته ومظلوميته لم يُتح للإمام الحسن أن يعيش طويلًا بعد الصلح، فقد استُشهد مسمومًا سنة 50 هـ، بعد أن دسّ إليه معاوية السمّ عن طريق زوجته 'جعدة بنت الأشعث'، مقابل وعد بالزواج من يزيد، وهو ما لم يتحقق. ظل الإمام يعاني آلام السمّ أيامًا، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة شهيدًا مظلومًا، كما كان جده وأبوه من قبله. ورفض بنو أمية أن يُدفن إلى جوار جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، فدُفن في البقيع، وشيّعه أخوه الإمام الحسين في جنازة مهيبة، وسط دموع المحبين، وغضب المؤمنين. الإرث الخالد للإمام الحسن خلّف الإمام الحسن تراثًا خالدًا في السيرة الإسلامية، فقد أثبت أن الإمامة ليست فقط موقفًا سياسيًا، بل رسالة ربانية تقوم على الرحمة، والحكمة، والتضحية. إن صلحه لم يكن خنوعًا، بل وعيًا عميقًا بما تقتضيه مصلحة الدين في ظرف ملتهب. كما ترك وراءه مدرسة في العطاء، وحلمًا لا نظير له، وثباتًا في مواجهة التخاذل. وقد بقي اسمه رمزًا للسمو الروحي والقيادة الهادئة التي تدفع الشر بالحكمة، وتواجه الفتن بالحلم. وأخيراً: كان الإمام الحسن بن علي عليه السلام رجلًا اجتمع فيه نور النبوة وعزم الإمامة، فكان ثاني أئمة أهل البيت، وسيد شباب أهل الجنة مع أخيه، ودليلًا على أن الرفق أحيانًا أبلغ من السيف، وأن الإصلاح يحتاج إلى بصيرة، لا مجرد قوة. لقد عاش الإمام في قلب العاصفة، ومات مسمومًا، لكنه انتصر في معركة التاريخ، حيث بقيت سيرته عنوانًا للحكمة، وسُمي بـ«كريم أهل البيت» بحق، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.


شبكة النبأ
منذ ثانية واحدة
- شبكة النبأ
الاستعداد للسفر الطويل في مواعظ الإمام الحسن (ع)
فلا تسوف في القيام بالأعمال الصالحة، ولا تتأخر عن فعل الخير، ولا تؤجل أداء الحقوق إلى أصحابها، وتزود بالتقوى، وبادر إلى العمل الصالح، وسارع إلى فعل الخيرات قبل حلول الأجل؛ فالسعيد من اتعظ بالعِبَر، واعتبر بالأثر، وسارع إلى التوبة والاستغفار حتى يكون جاهزًا للسفر الطويل في أي لحظة نودي... من روائع الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) مواعظه البليغة التي تحث على الاستعداد للسفر الطويل في إشارة إلى عالم الآخرة، والانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن الدنيا الزائلة إلى الدنيا الخالدة. ومن هذه المواعظ المؤثرة ما روي عنه (عليه السلام) أنه قال: «اسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ، وَحَصِّلْ زَادَكَ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَطْلُبُ الدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُكَ»[1] في هذا النص تعبير بلاغي رائع وعميق، إذ شبَّه الإمام الموت بالسفر، لأنه انتقال من مكان إلى آخر، ولكن من مكان مؤقت وهو الدنيا إلى مكان دائم وهو الآخرة، وهذا السفر الطويل الذي لا رجعة بعده يحتاج إلى تحصيل أحسن أنواع الزاد وأفضلها حتى ينال النعيم في مقره الخالد بعد انتقاله إليه. ويشير الإمام في هذه الموعظة البليغة وغيرها إلى عدة نقاط مهمة، وهي: 1- الاستعداد للرحلة الطويلة إذا أراد الإنسان أن يسافر ولو سفرة قصيرة يأخذ معه كل ما يحتاجه من متاع وأغذية وأغراض يحتاجها في سفره، فكيف إذا كان سفره طويلًا وبلا رجعة؟! يحتاج إلى تحصيل الزاد الجيد، والذي يبقى أثره ويدوم نفعه، وكما قال الإمام: «اسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ، وَحَصِّلْ زَادَكَ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِكَ» ومن أجل تحصيل زاد السفر الطويل عليه أن يأخذ بأحسن الزاد وأنفعه وهو زاد التقوى ويلتزم بلوازمه، قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[2]. ولذا من المهم للغاية أن يخطط المرء لآخرته، ويستعد لملاقاة ربه في أي وقت، فيعمل ما يقدر عليه من الباقيات الصالحات بما يبقى نفعه ويدوم أجره، ويجهز من زاد العمل الصالح ما يستطيع من فعل الخيرات والمبرات، وإتيان الأعمال الصالحة. 2- عدم الاغترار بالدنيا إن الدنيا دار فانية زائلة، وهي دار ممر وليست بمقر دائم؛ فالمغرور من غرته، والمفتون من فتنته، وهي دار بلاء وفتنة، فلا تخلو من المنغصات والمحن والابتلاءات، والإنسان المؤمن عليه ألا يغتر ببهارجها وزينتها ومتاعها، وعليه الاستعداد لرحلة الإقلاع منها ومن دون رجعة، وقد ورد عنه (عليه السلام) أنه قال: «إنَّ الدُّنيا دارُ بَلاءٍ وفِتنَةٍ، وكُلُّ ما فيها إلى زَوالٍ، وقَد نَبَّأَنَا اللَّهُ عَنها كَيما نَعتَبِرَ، فَقَدَّم إلَينا بِالوَعيدِ كَي لا يَكونَ لَنا حُجَّةٌ بَعدَ الإِنذارِ، فَازهَدوا فيما يَفنى، وَارغَبوا فيما يَبقى»[3] فلأنها تفنى، وكل ما فيها إلى زوال على العاقل الحصيف أن يزهد فيها، وألا يلهث خلف حطامها، ولا يركن إلى خدعها ومكائدها، قال تعالى محذرًا من الاغترار بالدنيا: (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) بل كونوا على يقظة من الاستغراق فيها، ونسيان الآخرة، فيفاجئكم الموت من حيث لا تحتسبون. وعلى المرء ألا يغتر بهذه الدنيا؛ لأنه محاسب على كل شيء يعمله فيها، فقد ورد عنه: «اعْلَمْ أَنَّ فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ، وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ، وَفِي الشُّبُهَاتِ عِتَابٌ»[4] ففي الحلال حساب؛ بمعنى أنه سيسأل عن الحلال كيف اكتسبه؟ وكيف أنفقه؟ وكيف تعامل معه؟ وفي الحرام عقاب، فلكل ذنب عقاب، ولكل معصية جزاء من جنسه؛ وفي الشبهات عتاب إذا لم يتوقف المرء عند الشبهة، فالمؤمن كامل الإيمان من يتوقف عن فعل أي شيء يشتبه به أو يشك فيه، وإلا عرَّض نفسه للعتاب والملامة في يوم الحساب. وأسلم القلوب ما طهرت من الشبهات، فقد قال: «أسلَمُ القُلوبِ ما طَهُرَ مِن الشُّبُهاتِ»[5] فمن يطهر نفسه من كل شبهة، ويتوقف عن اقتحام كل ما يشتبه فيه فهو سليم القلب، ولا خوف عليه إن جاءه الموت بغتة؛ وأما من امتلأ قلبه بالحرام، وبطنه من الحرام، وماله من الباطل فعليه أن يخاف إن جاءه الموت؛ لأن حسابه عسير، وقلبه سقيم، ونفسه مريضة بالمحرمات والموبقات. 3- ترطيب القلوب من فوائد الاستعداد للرحيل من الدنيا: ترطيب القلب بذكر الله تعالى، واستذكار الآخرة، وأما من يغفل عن آخرته، وينسى ربه فإن قلبه يكون قاسيًا كالحجارة أو أشد، قال تعالى: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[6]، ويقول تعالى متوعدًا أصحاب القلوب القاسية: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[7]. إن الإنسان بحاجة ماسة إلى تليين قلبه بذكر الله، والارتباط بالخلق عزَّ وجلَّ، وذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، وعدم الغفلة عن الآخرة، والاعتبار بالمواعظ والعِبَر. 4- الاستعداد للموت على الإنسان ألا يغفل عن الآخرة، وأن يتذكر الحقيقة الساطعة وهي: قدره أن يموت في يوم من الأيام؛ فلا يركض وراء الدنيا، فإن الموت أسرع منه كما أشار الإمام (عليه السلام) بقوله: «وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَطْلُبُ الدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُكَ» فخذ من الدنيا بقدر حاجتك، فقد قال الإمام الحسن (عليه السلام): «فَأَنْزِلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ خُذْ مِنْهَا مَا يَكْفِيكَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا كُنْتَ قَدْ زَهِدْتَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ حَرَاماً لَمْ يَكُنْ فِيهِ وِزْرٌ، فَأَخَذْتَ كَمَا أَخَذْتَ مِنَ الْمَيْتَةِ، وَإِنْ كَانَ الْعِتَابُ فَإِنَّ الْعِتَابَ يَسِيرٌ»[8]. واعلم أن ما تبذله من جهد كبير من أجل جمع الأموال الزائدة عن حاجتك إنما تخزنها لغيرك، يقول: «اعْلَمْ أَنَّكَ لَا تَكْسِبُ مِنَ الْمَالِ شَيْئاً فَوْقَ قُوتِكَ إِلَّا كُنْتَ فِيهِ خَازِناً لِغَيْرِكَ»[9] فلا تلهث وراء الدنيا حتى تنسى الآخرة، ولا تجعل الدنيا تسيطر عليك، ولا تكن عبدًا للمال، بل اجعله في خدمتك ومن أجلك، وأنفق مما أنعم الله عليك على أهلك وعائلتك ومجتمعك، واعمل ما يمكنك من أعمال نافعة وصالحة بحيث تكون صدقة جارية لك حتى بعد رحيلك. وحتى لا يغفل المرء عن الآخرة عليه دائمًا أن يتذكر الموت، وأن يعمل ما ينفعه في آخرته وإن كان عليه ألا ينسى نصيبه من الدنيا كما قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)[10] وكلما صغرت الدنيا في عين الإنسان رغب أكثر في الآخرة، بينما من تكون الدنيا أكبر همه، ومبلغ غايته فإنه يغرق أكثر في متاع الدنيا، وينسى الموت الذي لا مفر منه، فيخسر آخرته، وقد أشاد الإمام الحسن (عليه السلام) بصديق له لأنه كان ينظر إلى الدنيا بعدم اهتمام، فقد قال الإمامُ الحسنُ (عليه السلام): «أيّها الناسُ، إنّما أُخبِرُكُم عن أخٍ لي كانَ من أعظَمِ الناسِ في عَينِي، وكانَ رأسُ ما عَظُمَ به في عَينِي صِغَرُ الدنيا في عَينِهِ»[11]. والمؤمن يحسب خطواته بدقة، ويترقب في كل لحظة أن يطرق بابه هادم اللذات، ومفرق الأحباب، فيبادر مسرعًا إلى العمل الصالح قبل قدوم الأجل، وتحصيل التقوى قبل نفاد الوقت المحدد للبقاء في دار الفناء، وقد حثَّ الإمام الحسن (عليه السلام) على ذلك بقوله: «اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَجِدُّوا فِي الطَّلَبِ وَتُجَاهَ الْهَرَبِ، وَبَادِرُوا الْعَمَلَ قَبْلَ مُقَطَّعَاتِ النَّقِمَاتِ وَهَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا وَلَا تُؤْمَنُ فَجِيعُهَا وَلَا تَتَوَقَّى فِي مَسَاوِيهَا، غُرُورٌ حَائِلٌ، وَسِنَادٌ مَائِلٌ، فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللَّهِ بِالْعِبَرِ، وَاعْتَبِرُوا بِالْأَثَرِ، وَازْدَجِرُوا بِالنَّعِيمِ وَانْتَفِعُوا بِالْمَوَاعِظِ، فَكَفَى بِاللَّهِ مُعْتَصِماً وَنَصِيراً، وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً، وَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً، وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالًا»[12]. فلا تسوف في القيام بالأعمال الصالحة، ولا تتأخر عن فعل الخير، ولا تؤجل أداء الحقوق إلى أصحابها، وتزود بالتقوى، وبادر إلى العمل الصالح، وسارع إلى فعل الخيرات قبل حلول الأجل؛ فالسعيد من اتعظ بالعِبَر، واعتبر بالأثر، وسارع إلى التوبة والاستغفار حتى يكون جاهزًا للسفر الطويل في أي لحظة نودي عليه بالإقلاع من هذه الدنيا الفانية إلى عالم الآخرة الباقية. ............................................. الهوامش [1] بحار الأنوار: 44/139/6. [2] سورة البقرة: 197. [3] التوحيد: ص 378 ح 24، المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 31. [4] بحار الأنوار: ج 44، ص 138 – 139، ح 6. [5] تحف العقول: 235. [6] سورة البقرة: 74. [7] سورة الزمر: 22. [8] بحار الأنوار: 44/139/6. [9] بحار الأنوار: 44/139/6. [10] سورة القصص: 77. [11] بحار الأنوار: 66/ 294/ 24. [12] بحار الأنوار: 75/ 109/ 20.


شبكة النبأ
منذ ثانية واحدة
- شبكة النبأ
جيل يبحث عن الحقيقة.. فاحذروا أن يسبقكم الإلحاد إليه
دور المربِّي، والأب، والأم، والمبلِّغ هو مسؤوليَّة عظيمة لا تحتمل التَّأخير أو التَّهاون، فكلٌّ منهم مدعوّ ليكون حصنًا فكريًا يحمي أبناءنا من موجات الإلحاد النَّاعم التي تتسلل بخفاء لتنتزع من أرواحهم بوصلة الإيمان ومعالم الهويَّة. فلنصغِ إلى أسئلتهم بقلوب رحيمة، ونرافقهم في رحلتهم نحو الفهم بثبات ورفق، ونغرس فيهم... في زاوية من زوايا غرفته، يجلس مراهق غارق في الصَّمت، يحدِّق في السَّقف وكأنَّما يسائله عن معنى وجوده. تساؤلات كبرى تتقاذفها عزلته: من أنا؟ وهل هناك من يسمعني غير هذا الفراغ الصَّامت؟ ها هو يُقلِّب هاتفه المحمول، باحثًا عن إجابات بين المقاطع القصيرة والعناوين اللافتة؛ فإذا به شيئًا فشيئًا يغرق في تيَّارات الشَّكِّ والتَّشكيك، لا تأتيه في هيئة عدوٍّ للدِّين؛ ولكن تتسلَّل إليه متزيِّنةً بأقنعة برَّاقة تحمل أسماء مثل "العقلانيَّة" و"الحريَّة في التَّفكير"، فيما هي تمهِّد له طريق الضَّياع من دون أن يشعر. ذلك ما يسمَّى اليوم بـ"الإلحاد النَّاعم"؛ موجة فكريَّة لا تهاجم الإيمان بصوت مرتفع؛ لكنَّها تنزعه من القلوب بهدوء، وتُقصي الله (تعالى) عن المشهد بتهميشه وتقديم الدِّين على أنَّه عبء، لا يتماشى مع "العصر"، ولا يجيب عن تساؤلات العقل الحديث. ويظهر في هيئة محاضرات علميَّة، ومشاهد دراميَّة، وتعليقات ساخرة، ومعلومات مبسَّطة تغزو أذهان الشَّباب عبر وسائل التَّواصل، وتدخل بسلاسة إلى وجدانهم، حتَّى يُصبح الله (سبحانه) فكرة قديمة لا حاجة لها. وتتَّضح خطورة هذا الإلحاد المتخفي حين يستهدف مرحلة المراهقة؛ تلك المرحلة المفصليَّة التي تتكوَّن فيها الهويَّة، وتبدأ فيها النَّفس بالتَّمرُّد على المألوف، والتطلُّع إلى معنى أعمق للوجود؛ فهذه المرحلة ساحة خصبة لصراع خفيّ بين الإيمان والشَّك، وبين الحاجة إلى الانتماء والجرأة على الرَّفض، وبين صوت الفطرة الذي يبحث عن الله (جلَّ جلاله)، وهمسات العالم الرَّقمي الذي يروِّج للفصل بين الإنسان وربِّه (تبارك وتعالى). وينبغي التنبه إلى حقيقة أننا في هذا الصِّراع، لا يكفي أن نلوم مَنْ يسأل؛ وإنَّما ينبغي أن نصغي إليه ونفهم دوافعه، حتَّى لا تُختطف عقول السَّائلين إلى فضاءات التَّيه؛ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: "بَادِرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ الْمُرْجِئَةُ" (1)؛ أي علِّموهم منذ نعومة أظفارهم، ومع أوائل تفتح عقولهم وتمييزهم، حديثَ أهل البيت (عليهم السلام)، واغرسوا في قلوبهم حبَّ الأئمة ومعرفة التَّشيُّع، قبل أن تمتدَّ إليهم أيدي الضَّلال، وقبل أن تُشوّه فطرهم النَّقية بأباطيل المخالفين، فإنّ النفوس إذا استُدرجت إلى الباطل صعب ردّها عنه بعد ذلك. المحور الأوَّل: ملامح الإلحاد النَّاعم في حياة المراهقين. حين نتأمَّل في بعض العوالم التي تحتضن المراهق اليوم، ندرك أنَّه يعيش وسط فضاء إعلامي وثقافي كثيف، لا يُطرح فيه سؤال عن الله (تعالى)، وينشأ –من حيث لا يدري– على اعتياد الغياب الإلهي؛ فالإلحاد النَّاعم لا يقتحم ذهنه على هيئة أطروحة فلسفيَّة صارمة، وإنَّما يتسلَّل بخفَّة إلى تفاصيل حياته اليوميَّة، فيتخفَّى في ألعابه، وأفلامه، وأحاديثه العابرة، ويزرع الشَّك في صورة ترفيه، ويجتثُّ القداسة متزيِّنًا بشعارات "العلم" و"الحريَّة". وهكذا إذا دققنا في ألعاب الفيديو الحديثة يغيب الله (تعالى)، ويُستبدل بالإنسان ذاته؛ ذلك، البطل الخارق الذي يغيِّر مصير العالم، أو الكائن المتطوّر الذي يخلق الحضارات ويهزم قوانين الطَّبيعة. وأمَّا في أفلام الخيال العلمي والأنيمي، يُقدَّم الإنسان بوصفه المخلِّص الأوحد، أو تُبنى العوالم من دون حاجة لخالق، ولا نحتاج إلَّا لتقنيات تُنتج المعجزات. وبهذا التَّصوير، يُزرع في وعي المراهق أنَّ الكون مكتفٍ بذاته، وأنَّ الحياة تمضي ولا نحتاج إلى إله يُعبد أو يُتَّبع. ويزداد خطر هذا التَّسلل بشكل كبير حين تخلو السَّاحة الفنيَّة والشَّبابيَّة ممَّن يجسد الإيمان في صورته الجذَّابة والملهمة، فتغيب القدوة الدِّينيَّة التي تحمل في ملامحها جمال الفكر وروعة الإبداع. ونادرًا ما يلتقي المراهق، عبر الإعلام أو منصَّات التَّواصل، بشخصيَّة تجمع بين التَّدين والوعي والإبداع، شخصيَّة تشعره بأنَّ الإيمان هو سبيل للنضج والتَّفرد. ومع غياب هذه القدوات، يبدأ في ترسيخ فكرة خاطئة مفادها أنَّ التَّدين مرادف للتَّخلف، وأنَّ الله (تعالى) غائب عن معادلات النَّجاح والسَّعادة. ويرافق هذا كلّه حملة ناعمة تبثُّ المفاهيم الماديَّة على أنَّها التَّحرر والتَّقدُّم، فكلُّ حديث عن الدِّين يبدو ثقيلًا، وكلُّ إشارة للوحي تبدو كأنَّها قيدٌ على العقل. وتُقدَّم اللذَّة الفوريَّة على أنَّها المعنى الأسمى للوجود، فيما تصبح القيم والأخلاق مسألة نسبيَّة لا تتجاوز المزاج والرَّغبة. ويُتوَّج هذا المسار بخطاب يرفع من شأن العقل؛ لكنَّه عقل منقطع عن نوره الأصيل. ويُقال للمراهق: فكِّر، من دون أن يُرشد إلى كيفيَّة التَّفكير، أو إلى الميزان الذي يُميِّز به بين الصَّواب والزَّلل. فيُترَك عقله يدور في فراغه الخاص، مطالبًا بأن يصوغ وحده منظومة الأخلاق والحقيقة، من غير هدى ولا مرجعيَّة. وحين تأتي اللحظة التي يعجز فيها العقل عن الإجابة، لا يجد القلب مأوى أو طمأنينة؛ إذ إنَّ الوحي، الذي كان يمكن أن يكون النُّور والملاذ، قد أُقصي منذ البدء. إنَّ هذه الملامح مترابطة في صناعة واقع ثقافي يهمِّش الله (تعالى) بذكاء، ويشكِّل عقل المراهق على نمط لا ينكر الدِّينَ صراحة؛ وإنَّما يجعله غريبًا عن وجدانه. المحور الثَّاني: لماذا المراهق أكثر عرضة لهذا النَّوع من الإلحاد؟ ليس من قبيل الصدفة أن يكون المراهق هو الهدف الأوَّل لسهام الإلحاد النَّاعم؛ فهذه المرحلة العمريَّة هي زلزلة فكريَّة وشعوريَّة، يتغيَّر فيها موقع الذَّات من التَّبعيَّة إلى الاستقلال، وتبدأ فيها الأسئلة بالاصطفاف خلف جبهة الشَّكِّ، باحثة عن هويَّة ومعنى ومكان في هذا العالم المتسارع. في هذه المرحلة الحسَّاسة، يتطلَّع المراهق إلى الانفصال عن وصاية الكبار، والسَّير على درب خاص نحو الذَّات؛ فالمراهق يسعى لتأكيد ذاته عبر الاختيار، حتَّى لو خالف السَّائد. وهذا الميل للاستقلال يجعل كثيرًا من المسلَّمات –ومنها الإيمان الدِّيني– موضع تساؤل؛ لأنَّ النَّفس المراهقة ترى في قبولها بلا مراجعة نوعًا من التَّبعيَّة. وهنا، يتلاقى هذا الميل الطبيعي مع نَفَس الإلحاد النَّاعم، الذي يقدِّم الشَّكَّ على هيئة ذكاء، ويصوّر التَّمرد على شكل تحرُّر فكري. إضافة إلى ذلك، فإنَّ المراهقة هي السن التي تتفجَّر فيها الأسئلة الكبرى: من خلقني؟ وما هدفي؟ وهل ما أراه من ظلم في العالم يتوافق مع وجود إله عادل؟ … وإذا لم يجد المراهق إجابات صادقة، عميقة، ومحترِمة لعقله من بيئته القريبة –الأسرة، والمدرسة، والمجتمع– فإنَّ أوَّل من يمدُّ له يد "الإجابة" سيكون الإعلام المفتوح، أو صانع محتوى يستند إلى منطق ظاهري جذَّاب؛ لكنَّه مسموم. وتزداد الخطورة حين تكون الأرضيَّة الدِّينيَّة التي نشأ عليها هشَّة، إمَّا لأنَّها قامت على التَّلقين لا الفهم، أو لأنَّها ركَّزت على الطقوس من دون المعنى، أو لأنَّها لم تُشبع الجانب العاطفي والفكري معًا. ولا يمكن إغفال أثر ضغط الأقران، وهو من أعمق المؤثِّرات في تشكيل وجدان المراهق؛ فحاجته إلى الانتماء لمجموعة تمنحه شعور القبول والقيمة قد تدفعه للتخلي عن قناعاته، أو على الأقل إخفائها. فإن شعر أنَّ تمسّكه بها سيجعله يبدو "متخلِّفًا" أو "خارج العصر"، بدأ بالتراجع عنها خجلًا لا اقتناعًا. وفي هذه النقطة لا يحتاج الإلحاد النَّاعم إلى جدلٍ عقلي معقَّد، ويكفيه أن يُلبس الإيمان ثوب "الموضة القديمة"، وأن يُقدَّم كسر الحدود بوصفه حريَّة، لا التزامًا. وهكذا، ينحرف المسار بهدوء، ولا يحتاج إلى صخب النقاشات الفلسفيَّة أو إعلانات الكفر، وإنَّما بانسحاب صامت من ساحة الإيمان، اسمه: اللامبالاة. إنَّ قابليَّة المراهق للوقوع في شباك الإلحاد النَّاعم تعبير عن عمق إنساني يبحث عن المعنى. لكن إذا لم نحط هذا العمق بالعناية، وإذا لم يجد المراهق من يرافقه بلطف في رحلة الأسئلة، فإنَّ من سيجالسه – عاجلًا أو آجلًا – هو من يقدِّم له أجوبة جذَّابة؛ ولكنَّها ملوثة بالمغالطات؛ وفي هذا المجال قال الإمام عليٌّ (عليه السلام): "وَإِنَّمَا قَلْبُ الْـحَدَثِ كَالأَرْضِ الْـخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ"(2). المحور الثَّالث: العلامات التَّحذيريَّة على بداية الانجراف. في مسيرة المراهقين الفكريَّة، ثمَّة إشارات دقيقة قد تدلُّ على بداية انزلاقهم نحو ممر الإلحاد النَّاعم، ولا تتطلَّب بالضَّرورة صراخًا أو انكشافًا صريحًا؛ لكنَّها علامات صامتة تنذر بحالة من التَّوتر النَّفسي والفكري. والانتباه إلى هذه العلامات تتيح لنا التَّدخل المبكِّر قبل أن تتعمَّق الهوة بين المراهق وإيمانه؛ ومن أبرز هذه العلامات، الأسئلة الوجوديَّة الحادَّة التي تبدأ تستفز ذهنه بحدَّة، مثل: من خلق الله؟ أو لماذا يسمح الله بوجود الشَّر والظلم في العالم؟ وهذه الأسئلة في كثير من الأحيان دليل على حالة من الحيرة والتَّحدي الفكري الطَّبيعي؛ لكنَّها تصبح إنذارًا حين تُطرح بلا قدرة على التَّواصل معها أو الإجابة عليها بطريقة توضح حكمة الإيمان وتثبِّت اليقين. وممَّا يزيد من هذه المؤشرات النُّفور المتزايد من المظاهر الدِّينيَّة، أو حتَّى السخريَّة منها. وقد يتحوَّل التَّردد الأوَّلي في أداء العبادات إلى رفض واضح، أو مواقف تهكميَّة من الطقوس والاحتفالات الدِّينيَّة. وهذه السخريَّة التي بدأت أوَّلًا كملاحظةٍ تهكُّميَّة، تتحوَّل إلى جدار عازل بين المراهق والإيمان، تعبيرًا عن انزعاج يحاول التَّملُّص من قيودٍ يراها ثقيلة. كما أنَّ الانغماس في العزلة الإلكترونيَّة، وتبديد الوقت بين وسائل التَّواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونيَّة، ومتابعة المحتوى المتنوِّع، يُعدُّ من الإشارات الدَّالة؛ خاصَّة حين يصبح المراهق غير مكترث للعبادات أو حتَّى للعلاقات الاجتماعيَّة الواقعيَّة، ويزداد تعلُّقه بعالمٍ افتراضي يقدِّم له إجاباتٍ مبسَّطة أو يمنحه ملاذًا مؤقَّتًا، فتكون هذه مؤشِّرًا خطيرًا يستدعي التَّدخُّل. وممَّا يلفت الانتباه الإعجاب المتزايد بشخصيات ملحدة أو مشككة، خاصَّة إذا كان هذا الإعجاب يرافقه تقليد لأقوالهم، أو نشر محتواهم، أو الدِّفاع عن أفكارهم. وهنا تبدأ عمليَّة تحول الهويَّة الفكريَّة إلى ما يشبه التَّبني الكامل لمبادئ الإلحاد النَّاعم. إنَّ هذه العلامات مجتمعة، أو حتَّى بوجود بعضها فقط، تستدعي منَّا اليقظة، والحوار المفتوح، والتَّواصل الصَّادق، والرعاية الفكريَّة، كي لا يُترك المراهق وحده يبحر في عواصف شكوكه، ويواجه إغراءات الإلحاد النَّاعم بلا مرشد أو ملجأ. المحور الرَّابع: كيف نحمي عقول المراهقين؟ 1. تربويًّا: حماية عقول المراهقين من الانجراف إلى الإلحاد النَّاعم تبدأ من بيئة تربويَّة صادقة ومرنة، تنبني على أسس العلاقة الإنسانيَّة الحقيقيَّة، لا على التَّسلط أو الإملاء؛ فالمراهق، في مرحلة البحث عن الذَّات، يحتاج قبل كلِّ شيءٍ إلى أن يشعر بأنَّ هناك من يسمعه ويفهمه، ومن يصغي إليه بصدر رحب ويمنحه حريَّة التَّعبير عن أفكاره ومشاعره. لذلك، من الضروري أن تقوم العلاقة بين المراهقين وأولياء أمورهم أو معلميهم على الصَّداقة والاحترام المتبادل. وليست الصَّداقة هنا تفريطًا في الانضباط، وإنَّما وسيلة لفتح قنوات الحوار وكسر الحواجز التي قد تمنع التَّواصل الصَّادق؛ فعندما يشعر المراهق أنَّ صوته مسموع، وأنَّ أفكاره تلقى تقديرًا لا استهزاءً أو قمعًا، ينمو لديه شعور بالأمان الفكري، ويصبح أكثر استعدادًا للمشاركة والانفتاح بدلًا من الانغلاق والانكفاء. ولا ينبغي النَّظر إلى تساؤلات المراهق على أنَّها تمرد سلبي، وإنَّما يُفترض التَّعامل معها، وأنَّها علامة صحيَّة على وعي متنامٍ وحبٍّ للاستكشاف. ومن المهم تشجيعه على طرح الأسئلة والسَّعي لفهم الإجابات، مع توجيهه إلى أنَّ الهدف من السُّؤال هو الوصول إلى الفهم الحقيقي، لا لفت الانتباه أو إثبات التَّفوق. كما ينبغي إعادة ربط الدِّين بمشاعر الحبِّ والرَّحمة، لا أن يُقدَّم من خلال الخوف وحده؛ فالكثير من المراهقين الذين ابتعدوا عن الدِّين كانوا يحملون تصوّرات قاسية ترتبط بالعقاب والجمود، فلم يروا في الإيمان سبيلًا إلى السَّكينة أو مصدرًا للقوَّة النَّفسيَّة، وغابت عنهم معاني الطَّمأنينة، وثقلت أرواحهم بما ظنُّوه تقييدًا لا تحريرًا. وهذا يتنافى مع جوهر الدَّعوة الإلهيَّة التي قال عنها (تعالى): (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (3)؛ فالحكمة والموعظة الحسنة تفتح القلوب، وتعيد للإيمان وجهه المشرق الذي يطمئن الأرواح ولا ينفِّرها. 2. فكريًّا: إلى جانب التَّربيَّة، يحتاج المراهق إلى دعم فكري يُمكِّنه من مواجهة الأسئلة التي تملأ ذهنه، وأوهام الإلحاد النَّاعم التي تحاول إقناعه بأنَّ الدِّين "غير منطقي" أو "غير متجدد"؛ لذلك، من الضَّروري أن نقدَّم له أجوبة عقلانيَّة واضحة؛ لكنَّها عميقة في معناها، وتخاطب عقله وتُثبِّت إيمانه بطريقة غير تقليديَّة، تتجاوز الحفظ والاقتباس إلى الفهم الحقيقي. مثلاً، يمكن أن نبدأ بالحديث عن "دليل النِّظام" على وجود الله (تعالى)؛ لأنَّه لا يحتاج إلى تعقيد فلسفي أو تأمُّلات بعيدة، ويكفي أن نفتح أعيننا على ما حولنا، فنرى أنَّ هذا العالم –بكلِّ تفاصيله الكبيرة والدَّقيقة– يخضع لنظام دقيق وتناسق مدهش، لا يمكن أن يكون وليد الصُّدفة أو نتاج الفوضى. ويمكن صياغته وطرحه بالصورة الآتية: أوَّلًا: المنطق البسيط لهذا الدَّليل يعتمد هذا الدَّليل على ثلاث مقدِّمات مترابطة يسهل على أيِّ عقل إدراكها: - هذا العالم منظَّم. - وكل منظَّم لا بدَّ له من منظِّم. - إذًا: هذا العالم يحتاج إلى منظِّم. بهذه البساطة، ينكشف أمام العقل أنَّ النِّظام الذي نراه ليس عبثًا، ولا بدَّ أن يكون وراءه خالق حكيم. ثانيًا: ما المقصود بالنِّظام؟ النِّظام هو التَّناسق، والانسجام، والتَّوازن، والغاية أن تعمل أجزاء مختلفة، أو كائنات متعدِّدة، في توافق مذهل يؤدِّي إلى هدف محدد. سواء كان ذلك في تركيبة شجرة واحدة تتكامل فيها الجذور مع الجذع والأوراق، أو في التَّفاعل العجيب بين النَّباتات والبشر؛ إذ يعطينا النَّبات الأوكسجين ونمنحه ثاني أكسيد الكربون. وهذه العلاقات إشارات بليغة إلى نظام يربط الوجود كلَّه بخيطٍ واحد من التَّقدير. لا يحتاج الإنسان إلى مختبر ليُدرك ذلك؛ بل نظرة متأمّلة تكفي. من حركة الشَّمس والكواكب بدقَّة متناهية تسبب تعاقب الليل والنَّهار، وتنوع الحياة، وتوازن الأنظمة البيئيَّة، وسير الحياة وفق قوانين ثابتة لا تختلّ. ثمَّ إذا استخدم الإنسان أدواته العلميَّة، ازداد إدراكه عمقًا، من خلال علوم الفلك والفيزياء والكيمياء والأحياء؛ فكل ما حولنا ينطق بلغة: النِّظام المحكم. 2. كلُّ منظَّم يحتاج إلى منظِّم: العقل لا يقبل أن يوجد نظام دقيق بلا مُنظِّم، تمامًا كما لا يمكن تخيُّل قصيدة جميلة بلا شاعر، أو بيتٍ متماسك بلا مهندس. فكيف نقبل بوجود هذا الكون البديع –الذي يفوق كلَّ ما نعرفه من التَّعقيد والدقَّة– بلا خالق حكيم؟ الصدفة لا تنتج إلَّا الفوضى. وأمَّا أن تنتج قوانين دقيقة وثوابت علميَّة منضبطة ومترابطة، فهذا ما يرفضه العقل السَّليم؛ وإليك أمثلة أكثر واقعيَّة وأقرب للحياة اليوميَّة توضح أنَّ الصُّدفة لا تنتج إلَّا الفوضى، وأنَّ النِّظام والدِّقة لا يكونان إلَّا بفعل مبدع ومدبر: - مثال من المطبخ: تخيَّل أن تدخل مطبخًا فوضويًا مليئًا بالمواد الغذائية: طحين، وماء، وملح، وخضار، وزيت... ثمَّ تترك هذه المكونات على حالها من دون أن يتدخل أحد. هل تتوقع أن تتحوَّل بالصُّدفة إلى صحن مرتب من الطعام؟ الجواب: كلا. وإنَّما ستكون النَّتيجة الحتميَّة تعفن المكونات بمرور الوقت، وانبعاث الرَّوائح الكريهة؛ وهذا ما تفعله الصُّدفة: فوضى وفساد. وأمَّا (الطَّبخة الجيِّدة) فلا تظهر إلَّا بتدخّل طاهٍ (النِّظام)، يخطط، ويطبِّق خطوات دقيقة. - ترتيب الغرفة: لو دخلت إلى غرفة نوم فوضويَّة، فيها ملابس مبعثرة، وكتب مقلوبة، وأوراق على الأرض، ثمَّ أغلقت الباب أيَّامًا. هل تتوقَّع أن تعود فتجد الغرفة مرتبة، والسَّرير مفروش، والكتب مصطفَّة في المكتبة؟ - الكتابة والطباعة: ضع أمامك علبة مليئة بأحرف مقطعة من المجلَّات، ثمَّ قم بهزِّها ورمي الأحرف على الأرض. كم مرَّة يجب أن تكرر هذه العمليَّة حتَّى تتكون أمامك جملة مفيدة مثل: "العقل لا يقبل الفوضى"؟ والجواب: لن يحدث ذلك حتَّى لو كررت المحاولة مليون مرَّة. - مثال من حياتنا اليومية: عندما ترى إشارات المرور تعمل بدقَّة (الأحمر، الأصفر، الأخضر)، والسيارات تقف وتتحرك بانضباط، فإنَّك تعلم أنَّ هناك من برمج هذه الإشارات ونظَّم الشَّوارع. فهل يمكن لعقلك أن يتقبل أنَّ هذا الانضباط وُلد من صدفة؟ أبدًا؛ لأننا نعلم أنَّ النظام علامة على وجود عقل منظم. وخلاصة هذه الأمثلة الواقعيَّة: في كلِّ تجربة من حياتنا، نرى أنَّ الصدفة تؤدِّي إلى فوضى، وأنَّ النِّظام لا يتحقق إلَّا بتدبير؛ فإذا كنَّا نرفض أن تكون غرفة مرتبة أو طبق طعام من صنع الصدفة، فكيف نقبل أن يكون الكون بكلِّ دقته وقوانينه وحياته قد نشأ من لا شيء وبلا عقل مدبر؟ رابعًا: النَّتيجة الحتميَّة. حين نجمع بين الملاحظة الحسيَّة التي تكشف عن النِّظام، والحكم العقلي الذي يقضي بأنَّ كلَّ نظام لا بدَّ له من مُنظِّم، فإنَّ النتيجة المنطقيَّة والبدهيَّة تكون: هذا العالم لا يمكن أن يكون قائمًا بذاته أو صنيعة المصادفة؛ وإنَّما لا بدَّ له من خالق عليم، قدير، حكيم، هو الذي نظَّم خلقه بهذا الإحكام والتَّدبير. وهكذا يُصبح الكون كلُّه كتابًا مفتوحًا، وكلُّ ظاهرة فيه آية تدلُّ على الله (تعالى). وهذا ما عبَّر عنه القرآن الكريم في آيات متعدِّدة، منها قوله (تعالى): (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (4). وقوله (سبحانه): (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ) (5). وفي كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إشارات واضحة إلى هذا الدَّليل كقوله (عليه السلام): "وَلَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ، وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، وَلَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ، وَالْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ، أَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ؟ وَأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ، وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَالْبَشَرَ، انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ، وَلَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا، وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا، مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ، وَلَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ، وَلَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا فِي عُلْوِهَا، وَسُفْلِهَا وَمَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا، وَمَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتعالى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا، وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا، لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ، وَلَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ، وَلَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ، وَغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ وَالثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ"(6). وقد أملى الإمام الصَّادق (عليه السلام) على تلميذه المفضَّل، عددًا من الأنظمة وما فيها من أسرار وحكم وعجائب، من أجهزة الإنسان والحيوانات الأخرى، والطُّيور والحشرات، والفلك وما يحصل من تغيُّرات، والنَّباتات وأسرار اختلافها، والأمراض وأدويتها، ثمَّ الموت والفناء، فراجع كتاب (توحيد المفضل). بالإضافة إلى ذلك، يجب تعليم المراهق كيف يكتشف المغالطات الفكريَّة المنتشرة في وسائل الإعلام ومواقع التَّواصل، مثل التَّحايل على المنطق، والتَّضليل بأسئلة مغلقة، و"التَّشكيك المزيف" الذي يسعى إلى التَّشويش. ويمكن تقديم هذه الأدوات بطريقة شبابيَّة، مثلًا عبر ورش فكريَّة، أو نقاشات تفاعليَّة، أو حتَّى ألعاب ذهنيَّة تُنمِّي القدرة النَّقديَّة. وبهذه الطَّريقة، يصبح المراهق مسلحًا بمعرفة حقيقيَّة، يعتمد على الفهم والمراجعة الشَّخصيَّة، فيقف أمام تيار الإلحاد النَّاعم بثقة ووعي، ويحافظ على دينه وهويته وسط عواصف الفكر المعاصر. 3. إعلاميًّا: في عصرٍ تتصدَّره وسائل الإعلام والتَّواصل الاجتماعي، بات من الضَّروري أن نُعيد تقديم الرِّسالة الدِّينيَّة بروحٍ جديدة، تواكب ذائقة المراهقين وتنبض بلغتهم. ولم يعد الأسلوب التَّقليدي وحده كافيًا، وإنَّما نحتاج إلى محتوى شبابي ينبض بالصدق والحيويَّة، يجسِّد الدِّين ويزرع محبَّته في نفوس المراهقين، فيرونه قريبًا من واقعهم، منسجمًا مع تطلُّعاتهم، ومصدرًا للإلهام والطَّمأنينة لا عائقًا أو عبئًا. إنَّ إنتاج مواد دينيَّة بأسلوب عصري -مثل الفيديوهات القصيرة، والبودكاست، والقصص الواقعيَّة، والرَّسائل التَّحفيزيَّة- يمنح الدِّين صوتًا قريبًا منهم، وصورة أكثر واقعيَّة؛ فالمراهق يحتاج إلى من يُريه كيف يكون الدِّين مصدرًا للمعرفة، والطَّمأنينة، والتَّميُّز في عالم سريع التَّغيُّر. وبهذه الطَّريقة، يصبح الإيمان قوَّة تقوده إلى النَّجاح في حياته المعاصرة. وكذلك، من المهم أن نكشف للمراهقين عن الأساليب الشَّيطانيَّة التي تُمرَّر من خلالها الأفكار الإلحاديَّة النَّاعمة، عن طريق تحليل ترفيهي واعٍ، يُساعدهم على رؤية ما وراء الكلمات الجذَّابة والشِّعارات البرَّاقة. ونزوّدهم بأدوات عقليَّة ونقديَّة تُعينهم على فهم ما يُقدَّم لهم بعيون يقِظة، نُظهر لهم كيف تُستخدم الإثارة، والتَّضخيم، وانتقاء المعلومات لخلق تأثير نفسي مُضلِّل، من دون أن يحمل قوَّة منطقيَّة حقيقيَّة. كما أنَّ إبراز النَّماذج العلميَّة المؤمنة، سواء من صفحات التَّاريخ أو من رموز الواقع المعاصر، يُساهم في تحطيم الصُّورة النَّمطيَّة التي توحي بأنَّ التَّقدُّم العلمي يتعارض مع الإيمان. وحينما يقرأ المراهق عن علماء كبار جمعوا بين التفوّق في العلم وعمق الإيمان، ويرى كيف كان إيمانهم دافعًا للتَّأمل والبحث لا عائقًا أمامه، يدرك أنَّ الدِّين ليس نقيضًا للعقل. بهذه الأدوات الإعلامية المعاصرة، نعيد ترميم الجسر بين المراهق والدِّين، فنُريه أنَّ الإيمان ليس عبئًا ولا رجعيَّة. وهو بصيرة ووعي، وقوَّة تمنحه الثَّبات وسط عالم يعجُّ بالضَّجيج والتَّناقضات. وفي نهاية المطاف، لا بدَّ من التَّأكيد على أنَّ دور المربِّي، والأب، والأم، والمبلِّغ هو مسؤوليَّة عظيمة لا تحتمل التَّأخير أو التَّهاون، فكلٌّ منهم مدعوّ ليكون حصنًا فكريًا يحمي أبناءنا من موجات الإلحاد النَّاعم التي تتسلل بخفاء لتنتزع من أرواحهم بوصلة الإيمان ومعالم الهويَّة. فلنصغِ إلى أسئلتهم بقلوب رحيمة، ونرافقهم في رحلتهم نحو الفهم بثبات ورفق، ونغرس فيهم أنَّ الإيمان نور يحررهم من التَّيه، وأنَّ التَّساؤل الصَّادق يقود إلى بصيرة أعمق ومعرفة أنقى. .......................................... الهوامش: (1) الكافي (دار الحديث): ج ١١، ص 443. (2) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج١٦، ص٦٦. (3) سورة النحل/ الآية: 125. (4) سورة النمل/ الآية: 88. (5) سورة آل عمران: 190. (6) نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبده: ج2، ص335-336.