من آيسف إلى العالم: أنا سعودي، إذًا أنا موجود بفكر لا يُستنسخ
هذا النجاح القيّم، الذي جعل المملكة تتبوأ المركز الثاني عالميًا بعد أمريكا في عدد الجوائز الكبرى، ليس حدثًا عابرًا؛ بل هو أبلغُ ردٍّ على كذبة «الجاهزية الفكرية» المُلوّثة بالعنصرية الثقافية. لقد تبدّدت آثار الظلمة حين خاض شبابٌ سعوديون حاملين هممًا علمية وابتكاراتٍ نوعية – غمار منافسات عالمية شارك فيها أكثر من ألفي متسابق من سبعين دولة. إن تحقيق 23 جائزة كبرى خاصة (14 كبرى و9 خاصة) في مسابقة آيسف 2025، يقدم شهادة واضحة: أن الابتكار والبحث العلمي لا غنى لهما عن الإبداع الكامن لدى الناشئة العربية، حين يتم توفير العوامل الحقيقية لتمكينه.
يأتي هذا الإنجاز بمثابة برهانٍ ماديّ على دحض الخرافات الفكرية. فشعارات من قبيل «الآخرون وحدهم يُفكّرون ونحن تابعون» تتهاوى أمام أرقام ملموسة. فقد أكدت مؤسسة «موهبة» أن المملكة حصدت 23 جائزة عالمية في آيسف 2025، منها ثلاث جوائز ترتيبية في المراتب الأولى والثانية والثالثة، ليجسّد بذلك العقل السعودي مهاراتٍ وفّرها دعمٌ علمي ومؤسسي متكامل.
ولئن قد يسارع البعض إلى التقليل من هذا الإنجاز باعتباره «من نصيب تلاميذ النخبة فقط»، فإن التاريخ الحديث يبيّن أن ريادة الباحثين تتكاثر حين تتوفر البيئة الخصبة. والحقائق تُشير إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة في عدد الجوائز الكبرى، وهو مركز لم يكن ليتأتّى دون تغيير حقيقي في السياسات والاستثمار في العقول.
التساؤل عن سبب هذا الإبداع، إذا كان «العقل العربي لا يفكر»، يقع على عاتقنا، ويجب أن نجيب عليه: العقلُ السعودي أبدى فكرَه عندما وُفّرت له الفرصة. في نهاية المطاف، هل يُمكن لأي ثقافة أن تزدهر دون إعطاء «الآخر» حرية التفكير؟ بالعكس، ربما كان ذهابُ العقل السعودي خلف ستار الجمود نتيجة غياب الإيمان بقدراته، لا نقصًا في ذاته. اليوم، تُناقض الإنجازات الواقعية تلك الأسطورة الجاهزة: قدرات أبناء الوطن قائمة، والبيئة المشجعة تصنع الفارق.
ولا يمكن فهم هذا التقدم بمعزلٍ عن السياسات التي منحت الشباب منصّةً ودعمًا هائلًا. فنجاح فريق العلوم المتقدّم في آيسف لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج مؤسساتٍ ترعى المواهب على مستوى عالمي. فقد شكّل برنامج «موهبة» وشركاؤه بيئةً خصبة للمبدعين الصغار والكبار. ومن خلال مشاركة سنوية منذ عام 2007، صارت السعودية صاحبة سجل حافل، إذ ارتفع رصيدها في آيسف إلى 183 جائزة إجمالًا (124 جائزة كبرى و59 جائزة خاصة).
ويُبرز الأمين العام لمؤسسة موهبة، الدكتور خالد الشريف، أن هذا الإنجاز هو «تتويج لتكامل جهود موهبة ووزارة التعليم وشركائهما، ويعكس ما تتمتع به أدمغة الوطن من كفاءات واعدة تسهم في بناء مستقبل مزدهر في مجالات العلوم والابتكار». بمعنى آخر، إن الاستثمار الحكومي في برامج الموهوبين والابتكار – من خلال الهيئات التعليمية والتقنية والاقتصادية يصنع جيلًا واعيًا يُنير آفاق المعرفة.
هذا الدعمُ الحكومي يتجسّد أيضًا في الرؤية الاستراتيجية 2030، التي وضعت التعليم والبحث ركائز أساسية. فقد خصّصت المملكة 2.5% من الناتج المحلي للبحث والتطوير بحلول عام 2040، وأنشأت هيئات ووزارات متخصصة في البيانات والذكاء الاصطناعي وتعزيز الاقتصاد المعرفي، ليسدّ ذلك الجسر بين التعليم والابتكار، ويجعل من الشباب السعودي رأس حربة في مجال العلوم المستقبلية.
تجلّت هذه الرؤية كذلك في تأسيس جامعات بحثية مرموقة، كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومراكز تكنولوجية متطوّرة، بالإضافة إلى شراكات دولية في مجالات علوم المستقبل ك الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطاقة النظيفة. كل هذا جعل الطالب السعودي «يخوض ساحة الابتكار مُسلّحًا بثقة وطنية وإمكانات مادية»، فيتحوّل شغفه بالعلوم إلى نتائج ملموسة على المنصة العالمية.
ما يعلو فوق الكلمات هو قوةُ البيئة المُنشِّئة للفكر. فأبحاث علم النفس التربوي تُشير إلى أن تنشئة الإبداع تعتمد على توفير بيئة تعليمية غنية بالتشجيع والموارد. فالشغف ينبت من أرضٍ خصبةٍ للفضول، ونظرة الثقة بالقدرة تُحفّز الدماغ على اكتشاف حلول جديدة. وعندما يُعطى الطفلُ السعودي الثقة والقدرة على التجربة والخطأ عبر مختبرات حديثة ومسابقات تشجع البحث – تتفتّح مواهبه وتُترجَم على أرض الواقع.
ولا يخفى الأثر المعرفي والجمعي لهذه الإنجازات؛ فحصول الطلاب السعوديين على جوائز عالمية في مجالات متنوّعة (مثل الكيمياء، والهندسة البيئية، والأنظمة المدمجة، والطاقة، والطب الحيوي) يُظهر عمقًا فكريًا واسعًا يتغذى على علوم حديثة ودراسات متطوّرة. إنه تجسيدٌ لمفاهيم مثل «القدرة الذاتية» و«عقلية النمو» التي تحدث عنها علماء النفس؛ فالإيمان بقدرة الفرد على التعلّم والتطور، مع الدعم الخارجي، يُفضي إلى نتائج تتجاوز التوقعات. لقد أصبح الطالب السعودي غير قانعٍ بأن يُقلّد؛ بل صار صانعًا، يعيد تشكيل الصورة النمطية ذاتها.
في هذا الإطار، يتوافق ما تحقق مع رؤية فلاسفة التعليم والمعرفة: أن كل أمة تُشرّع لعلمائها فضاء التجريب والتفكير الحرّ، تسبق غيرها في عولمة العلوم – تمامًا كما فعل أبناؤنا في آيسف هذا العام.
وليس التحدي المحلي وحده ما يصنع هذه الانطلاقة؛ بل إن العالم كله يمر بتحوّل تكنولوجي عميق. إننا في الثورة الصناعية الخامسة، حيث تُعاد صياغة المفاهيم: التقنية الرقمية والذكاء الاصطناعي صارا ناظمَيْن أساسيّيْن للتغيير. فقد أصبح التحوّل الرقمي والربط الذكي للبيانات يُغيّر من شكل الاقتصاد والمجتمع، كما أن الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والواقع الافتراضي غاصت في شرايين حياتنا اليومية.
في هذا السياق، لا يعنينا إن كان «الآخر» قد فكّر أولًا بل إننا جزء من المخيال العالمي الجديد. إنجازاتنا في آيسف تأتي تزامنًا مع هذه الصورة: فنحن لا نختلق عوالم جديدة فحسب، بل نستثمر في أخطر الأدوات الحديثة. مشاريع طلابنا تتجه نحو مجالات مثل الهندسة البيئية، والمواد المتقدمة، والأنظمة المدمجة، والطاقة النظيفة، والطب الجزيئي؛ وهي مجالات تقنيّة معرفية تقودها اليوم الثورة الخامسة للذكاء الصناعي.
ولهذا لا غرابة أن يعلن الخبراء عن توسع البرامج التعليمية السعودية لتشمل تعليم «الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل» منذ المراحل الابتدائية. فالعقل السعودي، مُسلّحًا بهذه التقنيات، يثبت أنه يقف على خندق التغيير كما يقف على ساحة الإبداع. وفيما تتسارع ثورات التكنولوجيا الكبرى، تأتي مشاركتنا في آيسف كبصمة واضحة: نحن اللاعبون النشيطون في عصر المعرفة، ولسنا المتفرجين.
ومع هذا الفرح الوطني، يجب أن نبقى واعين؛ فالبصمة العلمية على منصّة دولية لا تعني أننا بلغنا الغاية النهائية. بالعكس، هذه الإنجازات المشرقة تُرينا الطريق نحو مزيدٍ من العطاء والتحسين.
فالمملكة، وإن حققت هذا الازدهار، تحتاج دومًا إلى تطوير المنظومة التعليمية؛ إذ إن وصول واحدٍ من كلّ مئة موهوب إلى العالمية لا يعني استفادة الجميع، ولا يغطي طموحاتنا. وهنا تبرز أهمية النقد الذاتي. فلا بد أن نعترف بأن مسار الإصلاح لا يزال طموحًا مفتوحًا: من تطوير المناهج لجعل التفكير النقدي أداة يومية، إلى تعليم كيفية إنشاء التجارب العلمية، وضمان فرص البحث لكلّ تلميذٍ فضولي.
إننا إذ نرفع رؤوسنا بفخرٍ لهذا الانتصار، ندرك أنه لن يكون زيارةً عابرة على أطلال الماضي. بل هو فصلٌ في ملحمةٍ حضارية بدأت منذ قرون، مع خلفاء وأئمةٍ ربطوا بين العقل والإيمان. واليوم، بينما تعيش البشرية تقاطعًا بين العلم والإنسانية في الثورة الصناعية الخامسة، يثبت العقل السعودي، بما لديه من شغف وريادة، أنه شريكٌ فاعل في بناء المستقبل.
فلتظلّ هذه الجوائز ثمارًا لجهودٍ مشتركة تتجدد كل يوم، ولتبقَ رؤانا تتسع لحلمٍ أرحب، يُقرّ بأن العقل إذا أُتيحت له الفرصة، فإنه ينبوعٌ لا ينضب من الإبداع والمعرفة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ 11 ساعات
- سعورس
من آيسف إلى العالم: أنا سعودي، إذًا أنا موجود بفكر لا يُستنسخ
هذا النجاح القيّم، الذي جعل المملكة تتبوأ المركز الثاني عالميًا بعد أمريكا في عدد الجوائز الكبرى، ليس حدثًا عابرًا؛ بل هو أبلغُ ردٍّ على كذبة «الجاهزية الفكرية» المُلوّثة بالعنصرية الثقافية. لقد تبدّدت آثار الظلمة حين خاض شبابٌ سعوديون حاملين هممًا علمية وابتكاراتٍ نوعية – غمار منافسات عالمية شارك فيها أكثر من ألفي متسابق من سبعين دولة. إن تحقيق 23 جائزة كبرى خاصة (14 كبرى و9 خاصة) في مسابقة آيسف 2025، يقدم شهادة واضحة: أن الابتكار والبحث العلمي لا غنى لهما عن الإبداع الكامن لدى الناشئة العربية، حين يتم توفير العوامل الحقيقية لتمكينه. يأتي هذا الإنجاز بمثابة برهانٍ ماديّ على دحض الخرافات الفكرية. فشعارات من قبيل «الآخرون وحدهم يُفكّرون ونحن تابعون» تتهاوى أمام أرقام ملموسة. فقد أكدت مؤسسة «موهبة» أن المملكة حصدت 23 جائزة عالمية في آيسف 2025، منها ثلاث جوائز ترتيبية في المراتب الأولى والثانية والثالثة، ليجسّد بذلك العقل السعودي مهاراتٍ وفّرها دعمٌ علمي ومؤسسي متكامل. ولئن قد يسارع البعض إلى التقليل من هذا الإنجاز باعتباره «من نصيب تلاميذ النخبة فقط»، فإن التاريخ الحديث يبيّن أن ريادة الباحثين تتكاثر حين تتوفر البيئة الخصبة. والحقائق تُشير إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد الولايات المتحدة في عدد الجوائز الكبرى، وهو مركز لم يكن ليتأتّى دون تغيير حقيقي في السياسات والاستثمار في العقول. التساؤل عن سبب هذا الإبداع، إذا كان «العقل العربي لا يفكر»، يقع على عاتقنا، ويجب أن نجيب عليه: العقلُ السعودي أبدى فكرَه عندما وُفّرت له الفرصة. في نهاية المطاف، هل يُمكن لأي ثقافة أن تزدهر دون إعطاء «الآخر» حرية التفكير؟ بالعكس، ربما كان ذهابُ العقل السعودي خلف ستار الجمود نتيجة غياب الإيمان بقدراته، لا نقصًا في ذاته. اليوم، تُناقض الإنجازات الواقعية تلك الأسطورة الجاهزة: قدرات أبناء الوطن قائمة، والبيئة المشجعة تصنع الفارق. ولا يمكن فهم هذا التقدم بمعزلٍ عن السياسات التي منحت الشباب منصّةً ودعمًا هائلًا. فنجاح فريق العلوم المتقدّم في آيسف لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج مؤسساتٍ ترعى المواهب على مستوى عالمي. فقد شكّل برنامج «موهبة» وشركاؤه بيئةً خصبة للمبدعين الصغار والكبار. ومن خلال مشاركة سنوية منذ عام 2007، صارت السعودية صاحبة سجل حافل، إذ ارتفع رصيدها في آيسف إلى 183 جائزة إجمالًا (124 جائزة كبرى و59 جائزة خاصة). ويُبرز الأمين العام لمؤسسة موهبة، الدكتور خالد الشريف، أن هذا الإنجاز هو «تتويج لتكامل جهود موهبة ووزارة التعليم وشركائهما، ويعكس ما تتمتع به أدمغة الوطن من كفاءات واعدة تسهم في بناء مستقبل مزدهر في مجالات العلوم والابتكار». بمعنى آخر، إن الاستثمار الحكومي في برامج الموهوبين والابتكار – من خلال الهيئات التعليمية والتقنية والاقتصادية يصنع جيلًا واعيًا يُنير آفاق المعرفة. هذا الدعمُ الحكومي يتجسّد أيضًا في الرؤية الاستراتيجية 2030، التي وضعت التعليم والبحث ركائز أساسية. فقد خصّصت المملكة 2.5% من الناتج المحلي للبحث والتطوير بحلول عام 2040، وأنشأت هيئات ووزارات متخصصة في البيانات والذكاء الاصطناعي وتعزيز الاقتصاد المعرفي، ليسدّ ذلك الجسر بين التعليم والابتكار، ويجعل من الشباب السعودي رأس حربة في مجال العلوم المستقبلية. تجلّت هذه الرؤية كذلك في تأسيس جامعات بحثية مرموقة، كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومراكز تكنولوجية متطوّرة، بالإضافة إلى شراكات دولية في مجالات علوم المستقبل ك الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطاقة النظيفة. كل هذا جعل الطالب السعودي «يخوض ساحة الابتكار مُسلّحًا بثقة وطنية وإمكانات مادية»، فيتحوّل شغفه بالعلوم إلى نتائج ملموسة على المنصة العالمية. ما يعلو فوق الكلمات هو قوةُ البيئة المُنشِّئة للفكر. فأبحاث علم النفس التربوي تُشير إلى أن تنشئة الإبداع تعتمد على توفير بيئة تعليمية غنية بالتشجيع والموارد. فالشغف ينبت من أرضٍ خصبةٍ للفضول، ونظرة الثقة بالقدرة تُحفّز الدماغ على اكتشاف حلول جديدة. وعندما يُعطى الطفلُ السعودي الثقة والقدرة على التجربة والخطأ عبر مختبرات حديثة ومسابقات تشجع البحث – تتفتّح مواهبه وتُترجَم على أرض الواقع. ولا يخفى الأثر المعرفي والجمعي لهذه الإنجازات؛ فحصول الطلاب السعوديين على جوائز عالمية في مجالات متنوّعة (مثل الكيمياء، والهندسة البيئية، والأنظمة المدمجة، والطاقة، والطب الحيوي) يُظهر عمقًا فكريًا واسعًا يتغذى على علوم حديثة ودراسات متطوّرة. إنه تجسيدٌ لمفاهيم مثل «القدرة الذاتية» و«عقلية النمو» التي تحدث عنها علماء النفس؛ فالإيمان بقدرة الفرد على التعلّم والتطور، مع الدعم الخارجي، يُفضي إلى نتائج تتجاوز التوقعات. لقد أصبح الطالب السعودي غير قانعٍ بأن يُقلّد؛ بل صار صانعًا، يعيد تشكيل الصورة النمطية ذاتها. في هذا الإطار، يتوافق ما تحقق مع رؤية فلاسفة التعليم والمعرفة: أن كل أمة تُشرّع لعلمائها فضاء التجريب والتفكير الحرّ، تسبق غيرها في عولمة العلوم – تمامًا كما فعل أبناؤنا في آيسف هذا العام. وليس التحدي المحلي وحده ما يصنع هذه الانطلاقة؛ بل إن العالم كله يمر بتحوّل تكنولوجي عميق. إننا في الثورة الصناعية الخامسة، حيث تُعاد صياغة المفاهيم: التقنية الرقمية والذكاء الاصطناعي صارا ناظمَيْن أساسيّيْن للتغيير. فقد أصبح التحوّل الرقمي والربط الذكي للبيانات يُغيّر من شكل الاقتصاد والمجتمع، كما أن الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والواقع الافتراضي غاصت في شرايين حياتنا اليومية. في هذا السياق، لا يعنينا إن كان «الآخر» قد فكّر أولًا بل إننا جزء من المخيال العالمي الجديد. إنجازاتنا في آيسف تأتي تزامنًا مع هذه الصورة: فنحن لا نختلق عوالم جديدة فحسب، بل نستثمر في أخطر الأدوات الحديثة. مشاريع طلابنا تتجه نحو مجالات مثل الهندسة البيئية، والمواد المتقدمة، والأنظمة المدمجة، والطاقة النظيفة، والطب الجزيئي؛ وهي مجالات تقنيّة معرفية تقودها اليوم الثورة الخامسة للذكاء الصناعي. ولهذا لا غرابة أن يعلن الخبراء عن توسع البرامج التعليمية السعودية لتشمل تعليم «الذكاء الاصطناعي ومهارات المستقبل» منذ المراحل الابتدائية. فالعقل السعودي، مُسلّحًا بهذه التقنيات، يثبت أنه يقف على خندق التغيير كما يقف على ساحة الإبداع. وفيما تتسارع ثورات التكنولوجيا الكبرى، تأتي مشاركتنا في آيسف كبصمة واضحة: نحن اللاعبون النشيطون في عصر المعرفة، ولسنا المتفرجين. ومع هذا الفرح الوطني، يجب أن نبقى واعين؛ فالبصمة العلمية على منصّة دولية لا تعني أننا بلغنا الغاية النهائية. بالعكس، هذه الإنجازات المشرقة تُرينا الطريق نحو مزيدٍ من العطاء والتحسين. فالمملكة، وإن حققت هذا الازدهار، تحتاج دومًا إلى تطوير المنظومة التعليمية؛ إذ إن وصول واحدٍ من كلّ مئة موهوب إلى العالمية لا يعني استفادة الجميع، ولا يغطي طموحاتنا. وهنا تبرز أهمية النقد الذاتي. فلا بد أن نعترف بأن مسار الإصلاح لا يزال طموحًا مفتوحًا: من تطوير المناهج لجعل التفكير النقدي أداة يومية، إلى تعليم كيفية إنشاء التجارب العلمية، وضمان فرص البحث لكلّ تلميذٍ فضولي. إننا إذ نرفع رؤوسنا بفخرٍ لهذا الانتصار، ندرك أنه لن يكون زيارةً عابرة على أطلال الماضي. بل هو فصلٌ في ملحمةٍ حضارية بدأت منذ قرون، مع خلفاء وأئمةٍ ربطوا بين العقل والإيمان. واليوم، بينما تعيش البشرية تقاطعًا بين العلم والإنسانية في الثورة الصناعية الخامسة، يثبت العقل السعودي، بما لديه من شغف وريادة، أنه شريكٌ فاعل في بناء المستقبل. فلتظلّ هذه الجوائز ثمارًا لجهودٍ مشتركة تتجدد كل يوم، ولتبقَ رؤانا تتسع لحلمٍ أرحب، يُقرّ بأن العقل إذا أُتيحت له الفرصة، فإنه ينبوعٌ لا ينضب من الإبداع والمعرفة.


الرياض
منذ 2 أيام
- الرياض
100 برنامج إثرائي لصيف 2025
تُعد البرامج الإثرائية إحدى المبادرات الأساسية في منظومة مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة» لرعاية وتمكين الموهوبين؛ وتهدف إلى تنمية معارف الطلبة ومهاراتهم الشخصية والعلمية، عبر بيئات تعليمية متقدمة تتعاون فيها المؤسسة مع جامعات ومراكز تعليمية وبحثية مرموقة داخل المملكة وخارجها؛ بهدف بناء جيل علمي وطني يسهم في مسيرة التنمية والابتكار. وأعلنت «موهبة» أن برامجها الإثرائية لصيف 2025، تشمل أكثر من 100 برنامج نوعي، تُقام حضوريًا و-عن بُعد-، في 26 مدينة بمختلف مناطق المملكة، في إطار حرصها على تطوير قدرات الطلبة الموهوبين وتوسيع نطاق الوصول لهم في جميع المناطق. وأوضحت أن البرامج الإثرائية تستهدف طلبة التعليم العام، من الصف الثالث الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية. وعقدت «موهبة»، لقاءً تحضيريًا لرؤساء ورئيسات البرامج الإثرائية، وشارك في اللقاء أكثر من 100 من رؤساء البرامج من مختلف مناطق المملكة، بهدف تعزيز جاهزيتهم وتنسيق الجهود لضمان تقديم تجربة تعليمية إثرائية متكاملة ومتميزة للطلبة الموهوبين في مختلف المسارات الأكاديمية والبحثية. يذكر أن برامج موهبة الإثرائية شهدت في صيف 2024 إقبالًا كبيرًا تجاوز 13,000 طالب وطالبة، في مؤشر على تنامي الوعي المجتمعي بأهمية الاستثمار في العقول الشابة وتوجيهها نحو التميز والإبداع.

سعورس
منذ 2 أيام
- سعورس
جوائز «آيسف».. تدعم مسار التوجه للتنوع الاقتصادي
تنمية رأس المال البشري إن الفوز بتسع جوائز خاصة في "آيسف 2025" ليس مجرد احتفاء بإنجازات فردية لطلاب سعوديين متفوقين، بل هو بمثابة شهادة حية على نجاح الاستراتيجيات الوطنية في اكتشاف ورعاية المواهب الشابة في المجالات العلمية والهندسية. هؤلاء الطلاب، الذين أظهروا براعة في تخصصات متنوعة وحيوية لاقتصاد المستقبل مثل الكيمياء المتقدمة، والهندسة البيئية المستدامة، وعلوم المواد التي تدخل في شتى الصناعات، والأنظمة المدمجة التي تمثل جوهر الثورة الصناعية الرابعة، والطاقة المتجددة التي تضمن أمن واستدامة الموارد، والعلوم الطبية الانتقالية التي تعد بمستقبل واعد في الرعاية الصحية، يمثلون كنزًا استراتيجيًا للمملكة. إن امتلاك قاعدة متينة من الشباب المبتكر والمتخصص في هذه المجالات يقلل بشكل كبير من الاعتماد على الخبرات الأجنبية المكلفة، ويفتح الباب أمام توطين الصناعات المتقدمة ونقل التقنية. هؤلاء الطلاب، بعد إكمال تعليمهم العالي وتخصصاتهم الدقيقة، سيكونون قادرين على قيادة فرق البحث والتطوير في الشركات والمؤسسات السعودية، وإطلاق مشروعاتهم الخاصة القائمة على الابتكار، والإسهام الفعال في بناء اقتصاد متنوع وقائم على المعرفة، إن الاستثمار المستمر في تطوير مهاراتهم وتوفير البيئة المحفزة لهم سيضمن تحويل هذه المواهب الفذة إلى قادة ومبتكرين ورواد أعمال يسهمون في تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي للمملكة على المدى الطويل؛ لأن هذا الإنجاز يؤكد أن المملكة تسير بخطى واثقة نحو بناء جيل قادر على المنافسة عالميًا وقيادة التحول الاقتصادي المنشود. تعزيز ثقافة البحث يتجاوز التأثير الاقتصادي لفوز الطلاب السعوديين بجوائز "آيسف" حدود الإنجاز الفردي ليشمل تعزيز ثقافة البحث العلمي والابتكار في المجتمع السعودي ككل. هذا النجاح الباهر يخلق نماذج ملهمة للشباب الآخرين، ويحفزهم على الانخراط في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) بشغف أكبر. عندما يرى الطلاب أن أقرانهم قادرون على تحقيق مثل هذه الإنجازات العالمية من خلال البحث العلمي والمشروعات الابتكارية، فإن ذلك يغير من نظرتهم إلى هذه المجالات ويجعلها أكثر جاذبية وطموحًا. إن خلق بيئة مجتمعية تقدر العلم والابتكار وتشجع عليهما يؤدي إلى زيادة الوعي بأهمية البحث العلمي في حل المشكلات وتطوير حلول جديدة للتحديات التي تواجه المملكة في مختلف القطاعات. هذه الثقافة تدفع بالمزيد من الاستثمارات في البحث والتطوير سواء من القطاع الحكومي أو الخاص، وتشجع على إقامة شراكات بين المؤسسات الأكاديمية والشركات لتحويل الأفكار البحثية إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق، وعلى المدى الطويل، فإن ترسيخ ثقافة الابتكار يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وتطوير صناعات جديدة ذات قيمة مضافة عالية، وخلق فرص عمل نوعية، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي على المستوى العالمي. هذا الإنجاز هو خطوة مهمة نحو بناء مجتمع مبدع ومنتج يساهم في تحقيق التنمية المستدامة. دعم التنويع الاقتصادي إن التنوع في المجالات التي فاز فيها الطلاب السعوديون بجوائز "آيسف 2025" يحمل دلالات عميقة تتوافق مع أهداف رؤية 2030 في تنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على النفط. فالمشروعات المتميزة في مجالات الطاقة المتجددة تسهم في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية وتطوير قطاع طاقة نظيف ومستدام، حيث تدعم الابتكارات في الهندسة البيئية جهود الحفاظ على الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية الخضراء. أما الإنجازات في علم المواد والأنظمة المدمجة فهي أساس لتطوير صناعات متقدمة وغير نفطية. وفي مجال العلوم الطبية الانتقالية، تفتح الآفاق لتطوير قطاع الرعاية الصحية والصناعات الدوائية. هؤلاء الطلاب، من خلال تركيزهم على هذه المجالات الحيوية، يمثلون قوة دافعة لتحقيق أهداف التنويع الاقتصادي، إن دعمهم وتوجيههم نحو تطوير مشروعاتهم وتحويلها إلى شركات ناشئة أو دمجها في القطاعات الاقتصادية الناشئة سيسهم في خلق قطاعات اقتصادية جديدة ومستدامة توفر فرص عمل واعدة وتسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. هذا الإنجاز يؤكد على أن الاستثمار في المواهب الشابة وتوجيهها نحو المجالات الاستراتيجية يمثل استثمارًا مباشرًا في تحقيق أهداف رؤية 2030 وبناء اقتصاد مستقبلي أكثر تنوعًا ومرونة واستدامة. تعزيز مكانة المملكة إن تحقيق تسع جوائز خاصة في معرض "آيسف"، وهو أكبر وأعرق مسابقة علمية للطلاب على مستوى العالم، يمثل إنجازًا استثنائيًا يعزز بشكل كبير من مكانة المملكة على الخريطة العالمية للعلوم والابتكار، فهذا النجاح الباهر يرسل رسالة قوية إلى العالم بأن المملكة تمتلك طاقات شبابية مبدعة وقادرة على المنافسة في أصعب المحافل العلمية، تلك السمعة المتنامية كمركز للابتكار والتميز العلمي تجذب اهتمام المستثمرين الدوليين والشركات التكنولوجية الكبرى، مما يفتح الباب أمام شراكات استراتيجية واستثمارات أجنبية مباشرة في القطاعات ذات التقنية العالية. كما أن هذا الإنجاز يعزز من جاذبية المملكة كوجهة للباحثين والعلماء المتميزين، ويسهل من تبادل الخبرات والمعرفة مع المؤسسات العلمية والبحثية الرائدة حول العالم. على المدى الطويل، فإن بناء صورة قوية للمملكة كمركز إقليمي وعالمي للعلوم والابتكار يسهم في تعزيز قدرتها التنافسية على المستوى الدولي، ويفتح أسواقًا جديدة للمنتجات والخدمات السعودية المبتكرة، ويعزز من دور المملكة في مواجهة التحديات العالمية المشتركة من خلال البحث العلمي والتعاون الدولي. دور مؤسسة "موهبة" ووزارة التعليم إن النجاح اللافت للطلاب السعوديين في "آيسف 2025" هو تتويج لجهود مستمرة واستراتيجية متكاملة تقودها مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" ووزارة التعليم، هذه الشراكة الفعالة التي بدأت منذ عام 2007 بمشاركة المملكة في هذا المعرض العالمي، أثمرت عن تراكم رصيد كبير من الجوائز، بلغ حتى اليوم 169 جائزة، هذا الرقم يعكس الالتزام الراسخ من قبل هذه المؤسسات الوطنية برعاية واكتشاف المواهب الشابة وتوفير البرامج التعليمية والتدريبية المتخصصة التي تمكنهم من تطوير قدراتهم ومهاراتهم البحثية والابتكارية. إن الاستثمار المستمر في تطوير المناهج الدراسية التي تشجع على التفكير النقدي وحل المشكلات، وتوفير البيئة التعليمية المحفزة للإبداع والابتكار، وتقديم الدعم والتوجيه للطلاب الموهوبين من خلال برامج "موهبة" المتنوعة، هو الضمان لاستدامة هذا التدفق من الكفاءات الشابة المتميزة. هذا النهج الاستراتيجي يؤكد على أن المملكة تولي أهمية قصوى لبناء جيل المستقبل القادر على قيادة التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار، وأن الاستثمار في رأس المال البشري الموهوب هو حجر الزاوية في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة للمملكة. تجاوز التأثير الاقتصادي لفوز الطلاب السعوديين حدود الإنجاز الفردي