logo
اشتباك الهيمنة والضمائر: الحالة الذهنية الإسرائيلية بعد غزة

اشتباك الهيمنة والضمائر: الحالة الذهنية الإسرائيلية بعد غزة

الجزيرةمنذ 2 أيام

بين فوهة البندقية وصدع الروح
منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، برزت مجدداً مفارقة لا تهدأ في داخل المجتمع الإسرائيلي: التزامه الظاهري بسياسة الردع العسكري، مقابل ما يمكن تسميته "تململ الضمير الجماعي".
ليست هذه المفارقة وليدة اللحظة، لكنها هذه المرة أشد فتكاً، لأن أصداء الحرب لم تتوقف عند حدود الأنقاض في غزة، بل تسربت إلى الداخل الإسرائيلي نفسه، ككابوس أخلاقي لا يمكن قمعه بالإعلام ولا تخديره بالدعاية.
يبدو أن إسرائيل، في سعيها لتثبيت هيمنتها عبر القوة الغاشمة، تصطدم بجدار داخلي يتصدع من الأسئلة لا من القنابل: من نكون حين نقصف البيوت؟ ماذا يعني "أمننا" حين يتأسس على موت الآخر؟ هل يمكن لدولة أن تنتصر ميدانياً وتنهزم أخلاقياً في اللحظة ذاتها؟
صورة جندي إسرائيلي يحمل قاذفة في زقاق ضيق، وخلفه جثة لامرأة أو رضيع، لم تعد مشهداً عابراً في وعي الإسرائيلي العادي؛ وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار السردي
قوة بلا معنى: حين تتحول الهيمنة إلى خواء أخلاقي
في الحرب الأخيرة، بدا واضحاً أن إسرائيل لم تعد تخوض معاركها فقط ضد "عدو خارجي" بل أيضاً ضد "معنى داخلي" متآكل.. كثافة التدمير، واستهداف المدنيين، ومشاهد المجازر التي تناقلها العالم، لم تعد أحداثاً قابلة للطمس في الأذهان الإسرائيلية. ولأول مرة منذ عقود، بدأت تتسلل إلى الحيز العام أصوات -وإن خافتة- تتساءل عن معاني "السيطرة" و"الردع" و"أخلاقيات الحرب".
تتجلى أزمة إسرائيل الراهنة في كونها باتت تسعى إلى حماية وهم التفوق، بينما تنهار سرديتها الأخلاقية من الداخل. الهيمنة، حين تمارس بلا أفق، تصبح عبئاً روحياً، وتتحول من منطق سيطرة إلى مظهر هش يُفضح مع كل صرخة طفل تحت الركام.
إعلان
السردية تنهار: غزة كمرآة قاتلة
ما لم تدركه المؤسسة السياسية الإسرائيلية هو أن غزة، وإن كانت محاصرة جغرافياً، قد تحولت إلى مرآة ثقيلة تفرض على الإسرائيليين مواجهة ذواتهم؛ وكلما اشتدت آلة القتل، اتسع الشرخ في الرواية التي تروج للجيش الأكثر أخلاقية في العالم.
صورة جندي إسرائيلي يحمل قاذفة في زقاق ضيق، وخلفه جثة لامرأة أو رضيع، لم تعد مشهداً عابراً في وعي الإسرائيلي العادي؛ وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار السردي.. بات الصراع اليوم بين صورة الدبابة وصورة الجثة، بين لحظة الزهو العسكري ولحظة الخزي الأخلاقي.
التشقق النفسي: جبهات داخلية تغلي
في الداخل الإسرائيلي، ترتفع أصوات من فئات أكاديمية ونفسية تشير إلى ارتفاع معدلات القلق، والاكتئاب، والمشاعر الأخلاقية المربكة في صفوف الجنود والمجتمع.. هؤلاء لم يعودوا واثقين مما يدافعون عنه. الكوابيس لا تأتي من صواريخ المقاومة، بل من مشاهد البيوت المنهارة التي شاهدوها أثناء تنفيذ "المهمات".
الجندي العائد من غزة -كما تروي شهادات متعددة- لا يعود كما ذهب! ليس فقط لأن الحرب تترك آثارها، بل لأن ما يُطلب منه تنفيذه لم يعد ينسجم حتى مع الحد الأدنى من القيم، التي يدعي المجتمع الإسرائيلي الالتزام بها. هذا ما نسميه بـ"اشتعال الضمير المؤجل"، لحظة الانفجار النفسي والأخلاقي التي تهدد تماسك الداخل أكثر من أي هجوم خارجي.
النكوص إلى العنف: حين يفشل العقل تلجأ الدولة إلى النار
بدل أن تتوقف إسرائيل لمراجعة سرديتها، اختارت الانكفاء إلى الداخل والاستماتة في تثبيت صورتها بالقوة. هذا النكوص إلى العنف هو بحد ذاته دليل انهيار.. الدولة الواثقة لا تحتاج إلى مجازر كي تثبت شرعيتها، أما الدولة التي تفقد الثقة في ذاتها، فإنها تضاعف جرعات القتل لعلها تُصمت الأصوات التي تنبع من باطنها.
الهجوم على غزة لم يكن استعراضاً للقوة فقط، بل كان أيضاً قمعاً داخلياً لرعب من الذات. ولهذا لا يمكن قراءة المشهد إلا باعتباره صراعاً نفسياً في ذاتٍ استعمارية تحاول النجاة من مرآة غزة التي تكشف عريها الإنساني والأخلاقي.
إن اشتباك الهيمنة والضمائر هذا لا يمكن أن يُحسم بالدبابات، بل بتفكيك الذات الاستعمارية من الداخل، وهو ما يبدو أن إسرائيل تتهرب منه، بينما يطاردها يوماً بعد آخر
هل تتفكك إسرائيل من داخلها؟
ما تعيشه إسرائيل اليوم ليس مجرد مأزق سياسي أو أزمة "أمنية"، بل هو اختلال في المعنى؛ فالدولة التي قامت على السردية التاريخية للنجاة والحق، تجد نفسها محاطة بالأسئلة الوجودية بعدما أصبحت غزة -لا تل أبيب- هي مركز ثقل السرد الأخلاقي في المنطقة.. والسؤال إذاً لم يعد: هل تنتصر إسرائيل عسكرياً؟ بل: هل يمكن لمجتمع أن يبقى متماسكاً وهو يغتال المعنى في كل قصف، ويصادر الضمير في كل عملية؟
إعلان
إن اشتباك الهيمنة والضمائر هذا لا يمكن أن يُحسم بالدبابات، بل بتفكيك الذات الاستعمارية من الداخل، وهو ما يبدو أن إسرائيل تتهرب منه، بينما يطاردها يوماً بعد آخر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أمير قطر والرئيس الأميركي يبحثان خفض التصعيد بين إسرائيل وإيران
أمير قطر والرئيس الأميركي يبحثان خفض التصعيد بين إسرائيل وإيران

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

أمير قطر والرئيس الأميركي يبحثان خفض التصعيد بين إسرائيل وإيران

أفاد بيان للديوان الأميري القطري بأن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، تلقى اتصالا هاتفيا اليوم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال بيان الديوان الأميري القطري إنه جرى خلال الاتصال بحث آخر التطورات ومستجدات الأوضاع في المنطقة، لا سيما ما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأضاف أن الأمير الشيخ تميم شدد خلال الاتصال على ضرورة العمل على خفض التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية. وذكر البيان أن الرئيس الأميركي أكد استعداد واشنطن للمشاركة في مساعي حل الأزمة حفاظا على الأمن والاستقرار الإقليمي. قطر تستنكر الهجوم الإسرائيلي وكانت وزارة الخارجية القطرية عبّرت، في بيان، عن إدانتها الشديدة واستنكارها البالغ للهجوم الإسرائيلي على إيران، واعتبرته انتهاكا صارخا لسيادة إيران وأمنها، وخرقا واضحا لقواعد ومبادئ القانون الدولي. وعبّرت قطر عن بالغ قلقها إزاء هذا التصعيد الخطير، الذي يأتي في سياق نمط متكرر من السياسات العدوانية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وتعرقل الجهود الرامية إلى خفض التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية. إعلان وشددت على ضرورة تحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته القانونية والأخلاقية لوقف هذه الانتهاكات الإسرائيلية بشكل عاجل. كما أكدت الخارجية القطرية أن رئيس الوزراء وزير الخارجية أجرى اتصالات مع وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن وإيران. هذا وأفادت وزارة الخارجية القطرية بأن الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أجرى اليوم اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بحثا خلاله آخر المستجدات في المنطقة، لا سيما الهجوم الإسرائيلي على إيران. كما أفادت وزارة الخارجية القطرية، في بيانات منفصلة، بأن الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني أجرى اتصالين آخرين مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، ووزير الخارجية في سلطنة عمان بدر بن حمد بن حمود البوسعيد. وأضافت الوزارة أن الشيخ محمد عبد الرحمن آل ثاني تلقى اتصالا من وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وآخر من أيمن الصفدي نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين في المملكة الأردنية. وأكدت أنه بحث خلال تلك الاتصالات آخر المستجدات في المنطقة، خصوصا الهجوم الإسرائيلي على إيران، مؤكدا "إدانة دولة قطر الشديدة واستنكارها البالغ للهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، باعتباره انتهاكا صارخا لسيادة إيران وأمنها، وخرقا واضحا لقواعد ومبادئ القانون الدولي". وشنت إسرائيل في وقت مبكر من صباح الجمعة هجمات على إيران، وقالت إنها استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وقادة عسكريين في بداية عملية لمنع طهران من صُنع سلاح نووي.

إصابة نائب تركي باعتداءات على نشطاء "قافلة الصمود" في مصر
إصابة نائب تركي باعتداءات على نشطاء "قافلة الصمود" في مصر

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

إصابة نائب تركي باعتداءات على نشطاء "قافلة الصمود" في مصر

أصيب النائب التركي عن حزب هدى بار، فاروق دينتش، خلال مشاركته في مسيرة "قافلة الصمود" المطالبة بفتح معبر رفح الحدودي في مصر. وأكد الحزب أن حالته الصحية مستقرة، محذرا من تعرض النشطاء، وبينهم مواطنون أتراك، لاعتداءات خطيرة تهدد سلامتهم. ودعا الحزب السلطات التركية للتدخل العاجل وتحذير القاهرة من استمرار هذه الهجمات. يأتي ذلك بعد انتشار مشاهد تظهر اعتداء بلطجية على النشطاء المتواجدين في مصر والذين أتوا للتضامن للمطالبة برفع الحصار عن غزة ضمن "قافلة الصمود". وأدت الاعتداءات إلى وقوع عدد من المصابين من بين النشطاء بينهم النائب التركي. احتجاز وترحيل وكانت السلطات المصرية قامت أمس الجمعة باحتجاز أو ترحيل المزيد من الرعايا الأجانب الذين كانوا يسعون للانضمام إلى المسيرة العالمية إلى غزة، وذلك بعد ساعات من إيقاف قافلة "الصمود" التي انطلقت من تونس عند أبواب مدينة سرت الليبية بحجة انتظار الموافقة الأمنية. ووصل مئات النشطاء الأجانب إلى مصر هذا الأسبوع للمشاركة في المسيرة العالمية إلى غزة، وهي مبادرة تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء حصارها للقطاع الفلسطيني. وقد رحلت السلطات المصرية العشرات منهم، في حين يواجه آخرون الترحيل، حسبما قال منظمون ومصادر أمنية وأخرى. وقال المنظمون إن أشخاصا من 80 دولة يستعدون لبدء المسيرة نحو معبر رفح المصري مع غزة، وأكدوا أن السلطات المصرية رحلت بعضهم أو احتجزتهم في المطار. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن بيان للمنظمين أن 40 مشاركا بالمسيرة العالمية إلى غزة تم إيقاف مسيرتهم على بعد حوالي 45 كيلومترا شرق العاصمة القاهرة، ومنعوا من التحرك، كما صودرت جوازات سفر المشاركين وفقا لبيان للمنظمة. وأكد المنظمون في بيانهم أنهم "حركة سلمية وتحترم القوانين المصرية" داعين البعثات الدبلوماسية إلى التدخّل من أجل السماح للمسيرة بالاستمرار. وتضم "المسيرة العالمية إلى غزة" نحو 4 آلاف مشارك من 50 بلدا. وكان من المقرّر -بحسب المنظمين- أن تعبر بالحافلات منطقة سيناء، للوصول لمدينة العريش الواقعة على بعد أكثر من 350 كيلومترا شرق القاهرة، على أن يواصل المشاركون طريقهم سيرا على الأقدام لمسافة 50 كيلومترا وصولا إلى الجانب المصري من رفح. وتتكون القافلة التي انطلقت من تونس من 1500 شخص على الأقل، بينهم ناشطون وداعمون من الجزائر وتونس وموريتانيا، مع توقع انضمام المزيد من ليبيا. وتضم هذه القافلة قرابة 20 حافلة وزهاء 350 سيارة، ضمن تحرك شعبي تضامني لدعم نحو 2.4 مليون فلسطيني محاصرين في غزة. وقد توالت خلال الأيام القليلة الماضية مبادرات لكسر الحصار عن غزة، وقطع العلاقات مع إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية – احتجاجا على الحرب على غزة. وقد تفاقمت أزمة القطاع الفلسطيني الإنسانية منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر في الثاني من مارس/آذار الماضي، مانعة إدخال الغذاء والدواء والمساعدات والوقود، بينما يصعد جيشها حدة الإبادة الجماعية التي يرتكبها بحق فلسطينيي القطاع. وبدعم أميركي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 182 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.

مسؤول إيراني كبير: سنستهدف قواعد الدول التي تدافع عن إسرائيل
مسؤول إيراني كبير: سنستهدف قواعد الدول التي تدافع عن إسرائيل

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

مسؤول إيراني كبير: سنستهدف قواعد الدول التي تدافع عن إسرائيل

كشف مسؤول إيراني رفيع المستوى لشبكة "سي إن إن" الأميركية، مساء الجمعة، عن ان طهران ستكثف هجماتها ضد إسرائيل، وتوعد بأن بلاده ستستهدف القواعد الإقليمية لأي دولة تقدم الدعم لها. وأضاف المسؤول أن " إيران تحتفظ بحقها – بموجب القانون الدولي – في الرد الحاسم على هذا الكيان"، وهدد قائلا "أي دولة تحاول الدفاع عن إسرائيل في مواجهة العمليات الإيرانية، ستعتبر قواعدها ومواقعها الإقليمية أهدافا جديدة لطهران". وكانت مصادر أميركية وإسرائيلية قد أفادت في وقت سابق أمس الجمعة بأن الجيش الأميركي ساهم في اعتراض صواريخ إيرانية أُطلقت باتجاه إسرائيل. كما نقلت "سي إن إن" عن مصدر إسرائيلي أن دولًا أخرى في المنطقة شاركت أيضًا في دعم منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية. وكشف الحرس الثوري الإيراني عن استخدامه "منظومات وصواريخ ذكية ذات دقة عالية" في "عملية الوعد الصادق 3" التي أطلقها ردا على الضربات الإسرائيلية الواسعة فجر أمس الجمعة. وقد قُتلت إسرائيلية جراء سقوط صاروخ إيراني وسط إسرائيل في وقت مبكر من فجر اليوم السبت، وفق القناة الـ12 الإسرائيلية، في حين ارتفع عدد مصابي القصف الإيراني إلى 70 إسرائيليا، وسط حديث عن دمار غير مسبوق في منطقة تل أبيب الكبرى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store