
د. حمد الكساسبة : هل الإحلال المحلي للواردات هو المفتاح لتقليل العجز التجاري في الأردن؟
يُعد العجز التجاري في الأردن ضغطًا مزمنًا ومستمرًا على الاقتصاد الوطني، حيث تتجاوز الواردات الصادرات عامًا بعد عام. وما يلفت الانتباه أن جزءًا كبيرًا من هذه الواردات، وخصوصًا المنتجات الزراعية، والحيوانات الحية، وبعض السلع الصناعية، يمكن إنتاجه محليًا بجودة تنافسية وتكلفة معقولة، دون المساس بحرية أو رفاهية المستهلك. تشير بيانات عام 2024 إلى أن واردات الأردن تجاوزت 24 مليار دولار، منها على الأقل 3.5 إلى 5 مليارات دولار سلع لها بدائل محلية واضحة وقابلة للتطوير.
يرى البعض أن الاستيراد أرخص بسبب ندرة المياه في الأردن. لهذا الرأي بعض الصحة، خاصة في القطاعات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، لكنه لا يبرر الاعتماد الكلي والثقيل على الواردات في جميع الحالات. فهناك العديد من المنتجات مثل الأعشاب، والزيتون، والدواجن، والتي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه، ويمكن زراعتها باستخدام أنظمة ري حديثة أو المياه المعالجة والمُعاد تدويرها، مما يجعل الإنتاج المحلي أكثر جدوى في العديد من القطاعات، مع تقليل الأثر البيئي وزيادة الأمن الغذائي.
من المهم التمييز بين الإحلال المحلي الكامل والجزئي. فليس الهدف استبدال كل الواردات بشكل فوري، بل تحقيق إحلال تدريجي ومدروس في السلع القابلة للإنتاج محليًا. قد تحقق بعض القطاعات الزراعية والصناعية نسب إحلال تصل إلى 70%، بينما تظل النسبة أقل في قطاعات أخرى. هذه المقاربة تضمن الواقعية والمرونة، وتُبقي على جودة وتنوع الخيارات المتاحة للمستهلك.
وفي ظل التحولات العالمية، يمكن للإحلال المحلي أن يندمج مع أهداف التحول نحو الاقتصاد الأخضر، من خلال استخدام مصادر الطاقة المتجددة في الإنتاج، واعتماد أنظمة ري موفرة، وتوسيع استخدام المياه المعالجة. هذا يضمن تقليص الأثر البيئي وتعزيز التكيف المناخي، ويجعل الإنتاج المحلي جزءًا من التزامات الأردن البيئية والاقتصادية.
ومع ذلك، فإن تطوير الإنتاج المحلي لا يخلو من تحديات حقيقية، منها ارتفاع تكاليف الطاقة وأسعار الوقود، وضعف التمويل المتاح للمزارعين والصناعيين، ونقص التنسيق الفعّال بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وقلة الإرشاد والدعم الفني والتقني. كما أن البيروقراطية واللوائح غير المرنة تعيق التوسع في الإنتاج المحلي. وللتغلب على هذه العقبات، يلزم وجود خطة دعم شاملة وواضحة تشمل التسهيلات الائتمانية، وتحسين البنية التحتية، ودعم مدخلات الإنتاج في القطاعات ذات الأولوية للإحلال، بالإضافة إلى برامج تدريبية وتوعوية للمزارعين والصناعيين.
في هذا السياق، يصبح الإحلال المحلي أداة اقتصادية ذكية، وليست انعزالية، تعزز الاستقلال الاقتصادي وتخلق فرصًا صناعية وزراعية مستدامة. يمكن توجيه مشتريات الجهات الحكومية—مثل المستشفيات، والمدارس، والمؤسسات العسكرية—نحو المنتجات المحلية المعتمدة ذات الجودة العالية. كما يجب تفعيل أدوات السياسة التجارية لحماية المنتجين المحليين، بالتعاون والتنسيق مع القطاع الخاص، وبما يتوافق مع اتفاقيات التجارة الدولية والالتزامات القانونية.
إذا نُفّذت سياسة الإحلال المحلي بجدية خلال ثلاث سنوات، فقد يصل حجم البدائل المحلية إلى مليار دولار في السنة الأولى، ويتزايد تدريجيًا ليصل إلى 3.5 إلى 5 مليارات دولار بحلول السنة الثالثة. هذا التحول سيقلل فاتورة الاستيراد بشكل ملموس، ويقوي الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي، ويدعم استقرار الدينار الأردني، ويوفر آلاف فرص العمل الجديدة في القطاعين الزراعي والصناعي، ويعزز النمو الاقتصادي الوطني بمعدل إضافي يتراوح بين 1 إلى 1.5 نقطة مئوية سنويًا، وفقًا لتقديرات أولية واقعية.
من المهم الإشارة إلى أن تقليص فاتورة الاستيراد من خلال الإحلال المحلي سيكون له أثر مباشر في تعزيز الحساب الجاري، ودعم الاستقرار النقدي، وزيادة الثقة في العملة الوطنية. وكلما تقلصت الحاجة إلى تمويل العجز التجاري بالاقتراض أو استنزاف الاحتياطي الأجنبي، كلما زادت قدرة الأردن على مواجهة الصدمات الخارجية وتحقيق استقرار اقتصادي أوسع.
تبنت دول مثل المغرب ومصر استراتيجيات مماثلة بنجاح. فالمغرب دعم قطاعات الزراعة والصناعة بشكل مكثف للحد من الفجوة التجارية، بينما عززت مصر مؤخرًا إنتاجها الغذائي والدوائي لتقليل الواردات وتعزيز أمنها الاقتصادي، مع تبني إجراءات تحفيزية للمنتجين المحليين وشروط تحفيز التصدير.
من الجدير بالذكر أن هذه السياسة لا تتعارض مع اتفاقيات التجارة الحرة الدولية، طالما تم تنفيذها ضمن قواعد واضحة وشفافية كاملة. فقد اتبعت دول ذات اقتصاديات مفتوحة مثل المغرب وتركيا إجراءات مشابهة لحماية صناعاتها الوطنية وتقليل عجزها التجاري، مع الحفاظ على الانفتاح التجاري والتنافسية العالمية.
المفتاح يكمن في التعامل مع هذه السياسة كأداة متوازنة تعمل على تنظيم السوق بما يحقق العدالة الاقتصادية والاستدامة البيئية والاجتماعية، دون فرض قيود تعيق حرية المستهلك أو تقلص خياراته. بل تضمن استمرارية الخيارات ضمن نظام اقتصادي أكثر استقرارًا وعدلاً. ويتطلب نجاح هذه السياسات إرادة سياسية واضحة، وتنسيقًا مؤسسيًا قويًا بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وشراكة وطنية حقيقية، ورؤية استراتيجية واضحة تعيد بناء الثقة في الاقتصاد المحلي وتعزز قدرته التنافسية.
إن بناء قاعدة إنتاج محلية قوية ليس ترفًا اقتصاديًا، بل ضرورة وطنية ملحة لضمان الاستقرار النقدي والمالي، وتعزيز فرص التوظيف، وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام. وهو خطوة عملية نحو اقتصاد أكثر توازنًا، يقوم على الإنتاج والشراكة بدلاً من الاستهلاك والاعتماد على الخارج. ــ الراي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوكيل
منذ ساعة واحدة
- الوكيل
ترامب يسكب غضبه في كأس البرازيل هذه المرة .. تفاصيل
10:23 م ⏹ ⏵ تم الوكيل الإخباري- تدخل العلاقات بين البرازيل والولايات المتحدة مرحلة توتر غير مسبوقة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في الأول من أغسطس، فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على عدد من السلع البرازيلية. اضافة اعلان ويشير تقرير صحفي إلى أن الخطوة جاءت بعد يومين فقط من اختتام قمة مجموعة بريكس في ريو دي جانيرو، حيث أثار القرار الأمريكي ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والاقتصادية في البرازيل، التي رأت فيه محاولة مباشرة للضغط على سيادتها والتأثير على توجهاتها الاستراتيجية. ويؤكد التقرير أن الرسوم الجديدة ليست مجرد إجراء اقتصادي، بل تعكس استياء واشنطن من النجاحات الدبلوماسية التي حققتها برازيليا خلال قمة بريكس، إضافة إلى اتهامات ترامب للحكومة البرازيلية الحالية بممارسة "اضطهاد سياسي" ضد الرئيس السابق جاير بولسونارو، الحليف الأيديولوجي له، والذي يواجه محاكمة بتهمة محاولة الانقلاب في أواخر 2022. كما هدد الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على البرازيل، إلى جانب الهند، بسبب استمرار العلاقات التجارية مع روسيا. ويؤكد أنه لم تتأخر البرازيل في الرد، حيث أعلن الرئيس لولا دا سيلفا في 10 يوليو أنه سيفرض رسوماً مماثلة إذا لم تتراجع واشنطن عن قرارها، ورفض مبررات ترامب حول العجز التجاري، مشيراً إلى أن فائض الولايات المتحدة مع بلاده ارتفع بنسبة 131.2% بين عامي 2023 و2024. ورغم لهجة التحدي التي استخدمها الرئيس، برزت في الأوساط الحكومية مواقف أكثر مرونة، حيث دعا نائب الرئيس جيرالدو ألكمين ووزير المالية فرناندو حداد إلى التفاوض بدلاً من التصعيد، وهي استراتيجية مزدوجة توظف الصراع إعلامياً لتعزيز موقف لولا داخلياً ودولياً، مع إبقاء باب الحوار مفتوحاً. ويشرح التقرير أن البرازيل تعتمد على روسيا كمصدر رئيسي للأسمدة (30% من وارداتها)، ما يجعل من الصعب الاستجابة لمطالب واشنطن بقطع أو تقليص التعاون مع موسكو. كما تعتبر الصين الشريك التجاري الأول للبرازيل منذ 2009، بحجم تبادل يتجاوز 150 مليار دولار سنوياً، ما يمنح برازيليا دعماً اقتصادياً وسياسياً لتبني سياسة خارجية متعددة الأقطاب.


رؤيا
منذ 2 ساعات
- رؤيا
سموتريتش: لا يهمني سكان غزة وآمل باحتلالها الكامل غدًا
سموتريتش: لا يهمني سكان غزة ويجب خنق حماس اقتصاديا ومنعها من الحصول على المساعدات سموتريتش: تكلفة الحرب وصلت حتى الآن إلى نحو 81 مليار دولار سموتريتش: آمل أن نتخذ غدا قرارا بالهجوم على غزة كلها واحتلالها وأن نقضي على حماس عسكريا أطلق وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، سلسلة تصريحات عدائية، قال فيها إن "سكان غزة لا يهمونه"، مؤكدًا أن هدفه هو خنق حركة حماس اقتصاديًا ومنعها من الحصول على أي مساعدات إنسانية. وفي حديثه عن الأوضاع المالية، أعلن سموتريتش أن تكلفة الحرب على قطاع غزة تجاوزت حتى الآن 300 مليار شيكل (نحو 81 مليار دولار أمريكي)، مشيرًا إلى أنه يعمل على إعداد ميزانية بديلة لتمويل المساعدات بنفسه، في حال اضطرت حكومة الاحتلال لمنع دخول الشاحنات التي قد تصل إلى حماس. وأضاف: "آمل أن نتخذ غدًا قرارًا بشن هجوم شامل على قطاع غزة واحتلاله بالكامل، بهدف القضاء على حماس عسكريًا". وفيما يخص المواقف الدولية، قال سموتريتش إن أوروبا وحماس واليسار الإسرائيلي يمارسون ضغوطًا كبيرة لوقف الحرب، لكنه أكد أنه يبذل كل ما في وسعه لحسمها وإنهائها بالقوة.


خبرني
منذ 3 ساعات
- خبرني
خطة استثمارية تاريخية.. أبل تعزز اقتصاد أمريكا بـ600 مليار دولار
خبرني - ستستثمر شركة أبل 100 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة بما يرفع إجمالي تعهد إنفاقها إلى 600 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة، حسبما أعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض الأربعاء. وفقا لوكالة "فرانس برس" سيتم الإعلان الذي تحدثت عنه أولا وسائل إعلام أمريكية، رسميا عن القرار في وقت لاحق الأربعاء خلال فعالية في البيت الأبيض مع الرئيس دونالد ترامب. وكانت أبل قد أعلنت في فبراير/شباط أنها ستنفق أكثر من 500 مليار دولار في الولايات المتحدة وتوظف 20000 شخص، في قرار سارع ترامب إلى تبنّيه كإنجاز شخصي. وقالت الشركة العملاقة ومقرها في سيليكون فالي إن القرار يمثل "أكبر التزام إنفاق في تاريخها"، وجاء في وقت كانت شركات التكنولوجيا تتسابق على الهيمنة في مجال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. وأتى ذلك الإعلان استكمالا لخطط كشفت عنها في 2021 الشركة التي أسسها ستيف جوبز، عندما قالت إنها ستستثمر 430 مليار دولار في الولايات المتحدة وتضيف 20000 وظيفة في السنوات الخمس المقبلة. وقال ترامب، الذي دفع الشركات الأمريكية للتصنيع داخل الولايات المتحدة من خلال فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين، إن الفضل في هذا الاستثمار يعود لإدارته. وسجّلت أبل في نهاية يوليو/تموز أرباحا فصلية بلغت 23.4 مليار دولار متجاوزة التوقّعات، رغم أنها تواجه تكاليف أعلى نتيجة الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها ترامب. والرسوم الجمركية في جوهرها ضريبة تدفعها الشركات المستوردة للبضائع إلى الولايات المتحدة، ما يعني أن أبل تتحمّل هذه الرسوم على أجهزة هواتف آيفون وغيرها من المنتجات أو المكونات التي تستوردها من الخارج. أعلنت شركة أبل يوم الخميس مبيعات وأرباحا فاقت التوقعات كثيرا ما يدل على أن جهودها لإعادة توجيه سلسلة التوريد العالمية، بعيدا عن حرب ترامب التجارة، نجحت حتى الآن. وقالت أبل إنها حققت إيرادات بلغت 94.04 مليار دولار في الربع الثالث من السنة المالية المنتهية في 28 يونيو/حزيران، بزيادة 10% تقريبا عن العام السابق متجاوزة توقعات المحللين البالغة 89.54 مليار دولار وفقا لبيانات مجموعة بورصات لندن. وارتفعت مبيعات هواتف آيفون، المنتج الأكثر مبيعا للشركة، 13.5% إلى 44.58 مليار دولار متجاوزة توقعات المحللين التي بلغت 40.22 مليار دولار. كانت أبل تصنع هواتف آيفون في الهند ومنتجات مثل أجهزة ماك وأبل ووتش في فيتنام، ثم تصدرها إلى الولايات المتحدة. لكنها غيرت هذه الاستراتيجية لتتجنب رسوما جمركية مرتفعة على الواردات الأمريكية. وبحسب بيزنس إنسايدر، تعيد شركة أبل النظر في سلسلة توريدها لمواجهة التكاليف المرتبطة بالرسوم الجمركية. وأصبح طلب الرئيس دونالد ترامب بتصنيع أجهزة أيفون أمريكية الصنع مصدر قلق لشركة أبل. ولتجنب تكاليف الرسوم الجمركية الباهظة الناتجة عن التصنيع في الصين، تعمل شركة التكنولوجيا العملاقة على زيادة إنتاجها في الهند لتصنيع المزيد من أجهزة آيفون الأمريكية خارج المنطقة التي كانت تعتمد عليها بشكل كبير في السابق. ووفقًا لتقديرات شركة الأبحاث كاناليس في تحليل سابق، شكلت الهواتف الذكية المُجمّعة في الهند 44% من واردات الولايات المتحدة في الربع الثاني، بزيادة عن نسبة 13% التي كانت سائدة خلال الفترة نفسها من عام 2024. وقال الرئيس التنفيذي لشركة أبل تيم كوك خلال مكالمة الأرباح في الأول من مايو/أيار "بالنسبة لربع يونيو/حزيران، نتوقع أن تكون الهند هي بلد المنشأ لغالبية أجهزة آيفون المباعة في الولايات المتحدة". وتبحث شركة تصنيع أجهزة آيفون أيضًا عن خيارات أمريكية لسلسلة توريدها.