
أ. د. هاني الضمور : موسى لا يزال يتكلم وفرعون يغيّر وجهه
أخبارنا :
في البدء كانت الكلمة، لا السلاح، ولا القنبلة، ولا الجدار. وقف موسى عليه السلام أمام فرعون لا وفي يده درع، ولا وخلفه جيش، بل في قلبه نور، وعلى لسانه صدق. قالها كما يقول الطفل الحقيقة الأولى: «إنا رسول رب العالمين.» لم يقدم أوراق اعتماد، لم يستأذن عرشًا، ولا انتظر موافقةً على طلبه. لقد تحدث باسم الذي لا يحتاج وسطاء. في تلك اللحظة لم يكن فرعون رجلاً على عرش، بل كان صورةً متجددة من كل من ظنّ أن الأرض له، والناس عبيده.
واليوم، يتكرر المشهد دون أن ينتبه العالم. موسى لا يزال يأتي، بصور متعددة. قد يكون طفلاً في غزة يصرخ بعيونه وهو تحت الأنقاض، أو شجرة زيتون تُقتلع من ترابها في جنين، أو قبة مهددة في القدس، أو مسنًا يُسحل أمام باب بيته في الخليل، أو جثمانًا يُحتجز فلا يدفن. وفرعون لا يزال حاضرًا، يغيّر وجهه بين العواصم، يرتدي بذلات رسمية، يبتسم للكاميرات، يوقّع على «سلام» يُنقض تحت جنازير الدبابات. في هذا المشهد، لم تعد إسرائيل مجرد قوة احتلال، بل صارت النموذج المعاصر للغطرسة التي تغضب الله، لأنها تقتل النفس بغير حق، وتُهين الضعيف، وتبني فوق أطلال الآخرين ما تُسميه وطنًا، فيما هو عند الله خراب لا يُرضيه.
قصف المستشفيات لا يرضي الله، ولا يرضى به من في قلبه ذرّة من ضمير. حرمان الجرحى من العلاج، دفن الأطفال تحت الركام، تهجير العائلات قسرًا، إذلال الأحياء والأموات كل هذا ليس فقط ظلمًا سياسيًا أو جريمة إنسانية، بل ذنبٌ عظيم عند الله، لا تسعه محاكم الدنيا.
السحر هذه المرة ليس حبالًا تتحرك، بل شاشات تُسيّر، ومنصات تغسل الدماء وتعيد صياغة الأكاذيب بلغة محايدة. كل ما حولنا مدرّب على أن يجعل الباطل يبدو معقولًا، وأن يصوّر المظلوم مجرمًا، وأن يقدّم القاتل كحارس للسلام. لكن المعجزة لم تكن يومًا كثرة أتباع، بل نقاء موقف. لم يكن موسى مدعومًا بإعلام، ولا محاطًا بخبراء استراتيجيات، ومع ذلك حين ألقى عصاه، ابتلع اليقين كل الخدع. وما زالت العصا تُلقى في هذا العالم، بصيغ مختلفة، في مقالة لا تُنشر، في فيديو يُحجب، في طفلٍ يُبتر ولا يُذكر، لكنها تظل تلقف ما صنعوا، وإن بدا أنهم فوقها ظاهرون.
وما أجمل السحرة حين سجدوا. كانوا جزءًا من الكذبة، أدوات في يد الطاغية، فلما رأوا الحقيقة، لم يجادلوا، بل سجدوا. وفي عالم اليوم، يحدث الأمر ذاته بهدوء وخفاء. صحفيون يستقيلون لأنهم لم يعودوا يحتملون تزوير الحقائق. نشطاء يصرخون في وجه المنظومة لأنهم عرفوا أن الصمت خيانة. يهود أحرار يرفعون صوتهم ضد إسرائيل، لا ككراهية دينية، بل كاحترام حقيقي لما تبقى من إنسانية في هذا العالم. الضمير لا يموت، فقط يحتاج إلى لحظة صدق ليعود.
لسنا بحاجة إلى معجزات تنشق بها البحار، نحن فقط بحاجة إلى صدق لا ينهار أمام الازدحام. الحقيقة لا تصرخ، بل تنتظر من ينظر إليها بعين لا يغطيها الخوف، ومن يردد مع موسى تلك العبارة التي لا تموت: «كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.» لم يكن هذا إعلان انتصار، بل إعلان يقين. وفي زمن تتداخل فيه الألوان، وتختلط فيه الأصوات، ويقف فيه العالم متفرجًا على نزيف مستمر، نحتاج لهذا اليقين أكثر من أي وقت مضى.
ما حدث بين موسى وفرعون ليس حكاية ماضية، بل اختبار مستمر. في كل موقف نخوضه، في كل خبر نصدقه، في كل صمت نرتضيه، هناك نسخة من العصا تنتظر أن نلقيها، وهناك نسخة من فرعون تراقب، وهناك ضمير، قد يكون ساحرًا، قد يكون خائفًا، لكنه إن صدق، سيسجد.
موسى لم يكن نبيًا فقط كان ضوءًا يعرّي الطغيان.
وفرعون لم يكن خصمًا فقط بل مِرآة نختبر فيها عدالة قلوبنا.
وإسرائيل اليوم، بجرائمها، لا تقتل شعبًا فقط، بل تُوقظ فينا سؤالًا أزليًا:
إلى أي جهة تميل حين يُلقى الحق في الساحة؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوكيل
منذ ساعة واحدة
- الوكيل
وفيات الأحد 15-6-2025
الوكيل الإخباري- انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم الأحد 2025/6/15: اضافة اعلان عبدالكريم أمين مرعي جعفر منصور محمد الحمود سالم العناقرة رضا موسى رضا عودة محمد مصطفى عبدالحليم الداود ليلى نجيب ايليا مجد الدين عثمان ناصيف

عمون
منذ 2 ساعات
- عمون
محمد إبراهيم الكركي .. الأمين المخلص رجل الدولة البار
تحية تليق بالمقام، ووقارٌ ينسجم مع من حمل على كاهله أمانة العدل والرحمة في آنٍ واحد، نرفعها إليكم بمداد من التقدير والإجلال، وأنتم تسيرون في نهجٍ اختطّه الهاشميون الميامين، نهجٌ قوامه خدمة الناس، وصون كراماتهم، وإعلاء كلمة الحق في حضرة الوطن. لقد كنتم وما تزالون مثالاً ناصعًا للرجل المسؤول، الوفي لوطنه، الساعي لخير شعبه، والمترفع عن زخارف المناصب حين تحوّلت أيديكم إلى أدوات عمل، وأعينكم إلى بوصلة لا تحيد عن نبض المواطن، صغيرًا كان أم كبيرًا، بعيدًا كان أم قريبًا. وإنّ ما تقومون به من جهود مضنية في الديوان الملكي، هذا القلب النابض بالأمل والعدل، لهو شاهد عدل على ما فيكم من نُبل الشمائل، وحُسن الطوية، وسداد الرأي. وإنّنا إذ نكتب هذه الكلمات، فإنّما نكتبها لا تزلفًا، بل اعترافًا بجميل صنعكم، وإقرارًا بدوركم المحوري في تيسير شؤون الناس، ومدّ جسور الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. فمنكم تعلمنا أنّ المناصب لا تُقاس برنين الألقاب، بل بعُمق الأثر، وأنّ التواضع حين يقترن بالقوة، يصنع الهيبة والهيكل معًا. لقد تجسدت فيكم مقامات الرجال، وتجلّت على أيديكم صنائع المعروف، فكنتم صوت الحكمة في الميدان، ويد الإصلاح في أوقات الشدة، وركن الأمان لمن ضاقت به السبل. وها أنتم تواصلون الليل بالنهار، لا تكلّون ولا تملّون، لأنكم من أولئك الذين نذروا أنفسهم للوطن، واختاروا أن يكونوا حيث يجب أن يكون الصادقون. ختامًا، نسأل الله أن يبارك في جهودكم، ويزيدكم رفعة وعلوّ شأن، وأن تبقوا كما عهدناكم، عنوانًا للإخلاص، وصورة مشرقة من صور الخدمة العامة النبيلة في ظل القيادة الهاشمية المظفرة.


أخبارنا
منذ 2 ساعات
- أخبارنا
زياد ارميلي يكتب : وجهة نظر: خارطة الطريق الإلهية: نصرة الحق واندحار الباطل.
أخبارنا : في ظلّ مشاهد القتل والتنكيل والإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهلنا في غزة، وفي خضم الضربات الصهيونية لإيران الآن ومع اشتداد الاضطراب السياسي والاقتصادي والأخلاقي في أنحاء العالم، لا يسع المتأمل إلا أن يقف وقفة عميقة أمام هذه الأحداث المتسارعة التي تموج بالألم، وتثير الحيرة في القلوب. غير أن من ينظر بعين الإيمان، ويقرأ التاريخ بمنهج السنن الربانية، يدرك أن ما يحدث ليس وليد الصدفة ولا فوضى بلا غاية، بل هو تدبير إلهي دقيق، يمهد لخارطة طريق ربانية، تنصر فيها كلمة الحق، ويكسر فيها جبروت الباطل، وإن طال الأمد. قال تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ. إن تراكم المظالم، وتفشي الظلم، وتخاذل القوى العالمية عن نصرة المظلومين، كلها ليست مؤشرات على انهيار الحق، بل على قرب تحقق وعد الله، فحين تشتد الظلمة، يكون الفجر أقرب. وإن من السنن الربانية الثابتة أن الظلم لا يدوم، وأن الباطل لا ينتصر، مهما امتلك من أدوات القوة والبطش. يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ. وما يحدث اليوم من تحالفات كبرى، وحروب بالوكالة، وضربات مباشرة كما نرى في المواجهة الإيرانية الصهيونية، ليس إلا ضمن مشهد عالمي كبير تتسارع فيه الأحداث، وتتكشّف فيه الحقائق، ويُصفّى فيه الصف، حتى لا يبقى إلا من قال: ربنا الله، وثبت على الحق. ومن خلال التركيز على البعد الإيماني، فإن هذه المحن هي في حقيقتها منح ربانية لمن أحسن قراءتها، فهي توقظ القلوب، وتدعو الأمة للرجوع إلى الله، وتوحيد الصفوف، وتجديد العهد مع الدين. إنها تربية جماعية قاسية، لكنها ضرورية قبل النصر، وقد قال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ. هذه وجهة نظري التي أؤمن بها: أن ما نراه من اشتداد الأزمات ليس عبثاً، بل هو جزء من تدبير رباني سابق لظهور الحق، وتمييز أهل الصدق من أهل التلون، وتهيئة الأرض لمرحلة فاصلة. وإن لله عز وجل سنن لا تتبدل، ووعداً لا يخلف، قال تعالى: "وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. فلنثبت على الحق، ولنحسن الظن بالله، فإن النصر آت، وإن طال الطريق، ولن يغلب عسر يرافقه وعد من رب العالمين: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. وأجمل ما قرأت الآن وما يعزز وجهة نظري في هذا الإتجاه ما قاله السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الآن إن اللعبة بدأت ونصلي من أجل إسرائيل تعليقا على بدء إسرائيل هجوما على إيران. ثقوا تماما أحبتي ان إسرائيل إلى زوال وزوالها بات وشيكا.