
هنية.. حارس الوصايا الثقيلة للياسين والرنتيسي
نظّمت الجامعة الإسلامية بغزة حفل تأبين يليق بمقامه، واحتشدنا في ملعبها الكبير، نتنقّل بين صور الشيخ ولافتات العزاء، نبحث عن عزاءٍ في وجوه بعضنا، كان المشهد أكبر منّا جميعاً، وفي تلك اللحظة كنا ننتظر الكلمة المزلزلة للرئيس الجديد لحماس، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وقد اعتلى المنصة بصفته الخليفة المباشر للياسين.
من يعرف الرنتيسي يعرف صوته الهدّار وخطاباته الرنانة، لكن تلك اللحظة كانت مختلفة؛ كان يقف على منصة الشهادة، يحمِل إرث الياسين ويخاطب شعباً تحت النار، وحين دوّى صوته كالأسد الهصور، جاءنا بوعد ووصية ووعيد :"لو رحل الرنتيسي والزهار وهنية ونزار ريان والجميع… والله لن نزداد إلا لحمةً وحبّاً، نحن الذين تعانقت أيادينا على الزناد في الدنيا، وغداً ستتعانق أرواحنا في رحاب الله".
تلك الكلمات حفرت نفسها في ذاكرتي كما لو كانت عهداً شخصيّاً، وأنا أقف بين الجموع، أستشعر رهبة اللحظة وحرارة الوصية، فلم يكن ذلك تأبيناً عادياً، بل كان إعلاناً بأن المقاومة تورث دمها ووصاياها قبل أن تورث مواقعها.
لم تمر سوى خمسة وعشرين يوماً على ذلك المشهد المهيب في ملعب الجامعة الإسلامية، حتى تكررت الفاجعة على نحو يوجع الذاكرة؛ خبر عاجل يقتحم البيوت ويثقب القلوب: استشهاد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في قصف صهيوني استهدف سيارته في شوارع غزة، وعادت أقدامنا إلى نفس الملعب، إلى نفس المنصة التي لم تُنزَل منذ تأبين الشيخ الياسين، أتذكر أنني دخلت حرم الجامعة بخطوات ثقيلة، وبين جدرانها علّقت عشرات الصور للرنتيسي، وفور أن وقعت عيني على إحداها، وجدتني أقف في جمودٍ عجيب؛ كأن الصورة تتنفس، وقطرات العرق تلمع على جبينه، وأنفاسه تتسارع بعد رحلة شاقة من الجهاد، كانت لحظة اختلط فيها وجع الفقد بشرف الانتماء، وأدركت أن قيادة حماس تكتب فصولها بالحبر الأحمر وحده.
لم تُعلن الحركة عن قائدها الجديد في ذلك الوقت؛ كانت تعلم أنّ رصاص الاحتلال يطارد الأسماء كما يطارد الظلال، ولكننا كنّا نرى في الميدان أن الوصايا حيّة، والقيادة لم تغب، وإن توارت خلف السرية الثقيلة، ذلك الفراغ لم يكن فراغاً حقيقياً، بل كان فراغ الصدمة الذي سرعان ما ملأته عزيمة الميدان وهدوء القيادة التي تُعيد ترتيب الصفوف بعيداً عن الأضواء.
منذ تلك اللحظات، تبلورت أمام أعيننا مدرسة القيادة الممهورة بالدم؛ قيادة تعرف أن موقعها على لائحة الاغتيال ليس نهاية، بل بداية لمرحلة جديدة من المقاومة، ومن بين تلك الظلال كان يلمع اسم إسماعيل هنية، الذي لم يعلن قائداً رسمياً يومها، لكنه صار في وعي الميدان حارس الوصايا الثقيلة ووارث طريق الشهداء.
بينما كانت غزة تلملم جراحها بعد رحيل الرنتيسي، كانت القيادة تتنفس خلف ستار السرية، فلم يكن اسم إسماعيل هنية يعلَن رسمياً يومها، لكننا كنّا نراه بين الصفوف والمنابر والميدان، قائداً صامتاً في زمن الضجيج، يحرس خط النار ويمسك بخيوط الداخل والخارج بحذرٍ وصبرٍ طويل.
أتذكّر مرة سمعت فيها صوته في مهرجان جماهيري بعد الاغتيالات الكبرى؛ كنت أقف بين الحشود، أستعيد رهبة منصة التأبين، فإذا بصوته يخرج هادراً حازماً، يرسل رسالةً بحجم التاريخ: "لن نعترف بإسرائيل"، فلم يكن تصريحاً عابراً، بل طلقة سياسية خرقت معادلات المنطقة، رسالة إلى العواصم البعيدة قبل أن تكون تهديداً للعدو القريب، ويومها شعرت أنّني أقف على عتبة لحظة نادرة، لحظة ترى فيها قائداً يترجم الوصايا إلى سياسة، والسياسة إلى رصاص محتمل.
لم يكن إسماعيل هنية قائداً تقليدياً يرفع صوته في كل موقف أو يلهث وراء الأضواء، بل كان مزيجاً فريداً من الهدوء العلني والحركة الخفية، كان يطلّ على الجماهير بابتسامة ثابتة ونبرة متزنة، بينما تُدار خلف الستار حسابات دقيقة تُوازن بين أعباء الميدان وتعقيدات السياسة، هذا المزاج الهادئ لم يكن استكانة، بل كان غطاءً لصلابة لا تنكسر؛ إذ جمع بين رجل المنبر الذي يعرف كيف يخاطب شعباً تحت النار، ورجل الميدان الذي لا يسمح للكلمة أن تُفصل عن دماء الشهداء، ومن بين حصارٍ خانق أراد أن يخنق غزة، صنع مساحةً جديدة للمناورة، حوّل فيها الضيق إلى رافعة نفوذ إقليمي، حتى غدت غزة – رغم نزيفها – مركز ثقل يُعيد رسم إيقاع الاشتباك مع الاحتلال، في شخصيته اجتمع ما كان يظنه البعض متناقضاً: اللين في الهيئة، والصلابة في الموقف؛ الصمت في العلن، والجرأة في القرار؛ حتى صار نموذجاً لمدرسة قيادة تُبنى على رصانة الكلمة وصلابة البندقية في آن واحد.
كنت أشعر، وأنا أرى هنية على المنصة أو أتابع تصريحاته، أنني أمام قائد يعرف أن المعركة أطول من أعمار القادة، كان قائدٌ يربّي جنوده على قاعدةٍ واحدة: "إن رحلنا، فالوصايا على أكتافكم، والبنادق على الزناد"، ولذلك صارت قيادة هنية جسراً بين دماء الياسين والرنتيسي واستمرارية الميدان، مدرسةً توازن بين الرصاص والكلمة، السرية والعلنية، الحصار والمناورة
مرت السنوات، وكبرت غزة على الجراح، لكنّ صورة ذلك الشاب القائد الذي كان يقف على المنصات بهدوئه المهيب لم تفارق ذاكرتي، كلما تابعت مشاهد الميدان، شعرت أن هنية لم يكن مجرد قائد مرحلة، بل حلقة حيّة في سلسلة مقاومة لا تنكسر، في كل اغتيالٍ جديد لقائدٍ من قادة القسام، كانت وصايا الياسين والرنتيسي تعود حارّة كما سمعناها أول مرة، وكنت أراقب هذا التكرار الموجع بفخرٍ وحزنٍ معاً: رحيل الأجساد لا يوقف سيرة المقاومة، بل يضاعف حضورها، حتى حين يغيب القائد، تبقى كلماته على المنصة تسكن أذن الميدان وتعيد توجيه البوصلة.
رحيل هنية لم يُغلق صفحة من صفحات المقاومة، بل فتح باباً أوسع لخلودها، فقد ترك خلفه ما هو أثبت من موقعٍ تنظيمي أو لقب سياسي؛ ترك مدرسةً قائمة على وصايا الدم، حيث تتحول كلمات المنصة إلى عقيدة يومية، ويصير الخطاب الجماهيري جزءً من عدّة المقاتل في الميدان، ولم يكن خلوده في صورته أو في اسمه فحسب، بل في قدرته على أن يجعل من كل جولة مواجهة امتداداً طبيعياً لمسيرة الياسين والرنتيسي، وحتى بعد غيابه ظلّت غزة تتصرّف كما لو أنه حاضر بين صفوفها، تُقاتل وتفاوض، وفق القاعدة التي أرساها: أن القيادة زائلة، لكن المقاومة باقية، ومن هنا صار اسم هنية ليس مجرد فصل في كتاب المقاومة، بل خيطاً ناظماُ يربط دماء المؤسسين بالرصاصة التي لا تزال تخرج من غزة حتى اليوم.
مدرسة هنية صنعت خلود السيرة المقاومة في ثلاثة أبعاد:
استمرارية الميدان: البنادق لم تصمت يوماً، بل ازدادت تنظيماً وانضباطاً.
ذاكرة المنصة: خطاباته حملت وصايا الدم وربطت المقاتل بالجمهور، والسياسة بالرصاص .
إعادة إنتاج المقاومة: كل اغتيالٍ كان إعلان ولادة لمرحلةٍ أشد صلابة
.
وأنا أستعيد تلك اللحظات من سنوات الجامعة، أدرك أنّ هنية ترك خلفه ما هو أعظم من اسمه: ترك مدرسة قيادة لا تُقاس بعدد التصريحات أو صور المهرجانات، بل بعدد البنادق التي واصلت إطلاق النار بعد رحيله، وفي آخر مرة وقفت فيها أمام صورة شهيدٍ في حرم الجامعة الإسلامية، شعرت أن المكان نفسه صار محراباً للذاكرة؛ صور القادة تراقبنا، وعيونهم كأنها تقول: أكملوا الطريق.
برحيل إسماعيل هنية، لم تخسر المقاومة قائداً بقدر ما رسّخت معادلة البقاء بعد الغياب، لقد أثبت أن المشروع المقاوم لا يُختزل في الأفراد مهما كانت رموزيتهم، بل يقوم على منظومة تعيد إنتاج نفسها بالدم والتجربة، ترك هنية وراءه ما هو أبعد من الوصايا؛ ترك بنية صلبة تجعل الفراغ مستحيلاً والانكسار وهماً، وحوّل غياب القائد من تهديد إلى فرصة لتجديد القيادة وتحصين الميدان.
لقد أعاد هنية تعريف وظيفة القيادة في زمن الاحتلال: ليست إدارة اللحظة فحسب، بل هندسة الوعي الجمعي على أن المقاومة قدر لا يُلغى باغتيال ولا يُكسر بحصار، ولهذا، فإن كل صاروخ ينطلق من غزة لا يحمل فقط دوي الحديد والنار، بل يوقّع باسم مدرسة كاملة من القادة الذين أثبتوا أن موتهم لا يعني نهاية المعركة، بل بدايتها المتجددة.
إن الأرض التي أنجبت الياسين والرنتيسي وهنية تعرف جيداً معادلتها الوجودية: يمضي القادة بأجسادهم، وتبقى المقاومة هي القائد الحقيقي، ويبقى مشروعهم أعند من الصواريخ التي أطلقوها، ورسّخ هنية بدمه أنّ اغتياله لم ينهِ المعركة، بل ثبّت القاعدة بأنّ كل اغتيال هو ولادة جديدة للمقاومة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 26 دقائق
- مصرس
إدارة ترامب تتراجع عن ربط تمويل للولايات المتحدة بموقفها من إسرائيل
أظهر بيان تراجع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن موقفها بشأن مطالبة المدن والولايات الأمريكية بعدم مقاطعة الشركات الإسرائيلية حتى تكون مؤهلة للحصول على التمويل الخاص بالتأهب للكوارث، فيما تم حذف السياسة السابقة من موقعها الإلكتروني. وحذفت وزارة الأمن الداخلي بيانها الذي كان ينص على أن الولايات يجب أن تقر بأنها لن تقطع "العلاقات التجارية مع الشركات الإسرائيلية على وجه التحديد" كي تكون مؤهلة للحصول على التمويل.وأفادت "رويترز" في وقت سابق، أن هذا الشرط ينطبق على 1.9 مليار دولار على الأقل تعتمد عليها الولايات في تغطية تكاليف معدات البحث والإنقاذ ورواتب مديري الطوارئ وأنظمة الطاقة الاحتياطية ونفقات أخرى، وذلك وفقا لما ورد في 11 إشعارا بشأن المنح.ويمثل هذا تحولا بالنسبة لإدارة ترامب، التي حاولت في السابق معاقبة المؤسسات التي لا تتبع وجهات نظرها حيال إسرائيل أو معاداة السامية، وفقا لسكاي نيوز.كان الاشتراط يستهدف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وهي حملة هدفها ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.وعلت أصوات مؤيدي الحملة في عام 2023 بعدما ردت إسرائيل على هجوم حركة حماس عليها بشن حملة عسكرية على قطاع غزة.وقالت تريشا مكلوكلين المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي في بيان صدر في وقت لاحق: "تظل منح الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ محكومة بالقانون والسياسة الحالية وليس باختبارات سياسية حاسمة".وذكرت الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ، التي تشرف عليها وزارة الأمن الداخلي، في إشعارات المنح التي نُشرت يوم الجمعة أن على الولايات اتباع "شروطها وأحكامها" حتى تكون مؤهلة للحصول على تمويل الاستعداد للكوارث.كانت هذه الشروط تتطلب الامتناع عن ما وصفته الوكالة "بالمقاطعة التمييزية المحظورة"، وهو مصطلح يعرَّف بأنه رفض التعامل مع "الشركات التي تنفذ أنشطة في إسرائيل أو تتعامل معها".ولا تتضمن الشروط الجديدة، التي نُشرت في وقت لاحق يوم الإثنين، هذه اللهجة.


وكالة أنباء تركيا
منذ 31 دقائق
- وكالة أنباء تركيا
أردوغان وأرطغرل.. وقيامة الأمة (مقال)
حين تلاقت بصيرتي بين شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان، ومسلسل 'قيامة أرطغرل'، استوقفني سؤالٌ واحدا: هل نحن أمام رجلٍ من لحم ودم؟ أم أننا نشهد أطيافًا من تاريخٍ حيّ يُبعث في أمةٍ تنتظر من ينهض بها من الرماد؟ ولعل من تابع مقالاتي السابقة، سيجد أنني كنت – ومنذ سنوات – أرددها بثقة: أردوغان هو حفيد أرطغرل، ومتمم قيامة الأمة. تلك لم تكن مبالغة عاطفية، بل قراءة بصيرة لخط متصل في التاريخ، حيث تتلاقى العزائم، وتتسلسل الرسالات، من السيف إلى القرار، ومن الكهف إلى القصر، ومن الفارس إلى السياسي. أرطغرل حمل الراية وأسس الطريق… وأردوغان أكمل المسير. دراما تُعلّمنا كيف تُبنى الأمم كثيرون رأوا في مسلسل 'أرطغرل' مجرّد ملحمة درامية جميلة، أو ترفًا بصريًا في ليالي الشتاء الطويلة. أما أنا، فقد رأيت فيه مدرسةً مكتملة الأركان، تَصنع أمةً، وتَبعث في قلوب أبنائها الإيمان بالرسالة، والعزم على بناء المستقبل. لقد تابعت المسلسل كاملًا ثلاث مرات، لا ترفًا، بل تربويًّا، فكريًّا، ووجدانيًّا، مع أولادي وأسرتي، لأنني مؤمن بأن هذا العمل ليس تسليةً، بل تربيةٌ بالدراما، ونهضةٌ عبر الشاشة. كان أرطغرل في تلك المشاهد فارسًا لا يهدأ له جواد، وقائدًا لا يغفل له قلب. جعل من راية العقيدة وشرف السيف عنوانًا، وفتح الطريق أمام الدولة التي ستصير ذات يوم إمبراطوريةً تدق أبواب فيينا. ومن خلفه، كان يطلّ علينا وجه شيخٍ وقور، رجلٌ جمع بين نور العلم وصفاء القلب، العالم الرباني محمد أمين سراج – طيّب الله ثراه – الذي لم يكن مجرد مرشد روحي لأبطال المسلسل، بل كان بوصلةً أخلاقية وفكرية لأجيال الأمة التي نسيت دور العلماء الربانيين في ترميم المجتمعات وبناء الأوطان. أرطغرل يصنع القيامة، وأردوغان يُتمّها في عصرنا، لا أرى أحدًا يجسّد امتداد ذلك المشهد التاريخي مثل الرئيس رجب طيب أردوغان. الرجل الذي خرج من أزقة إسطنبول، لا بلباس سلطاني، بل برداء الخدمة، وبقلبٍ عامر بالإخلاص. أحببته لأنه صادقٌ في وطنيته، مخلصٌ في توجّهه، جمع بين عمق الرؤية وصرامة القرار، بين دمعة أمينة أردوغان، وسيف 'درع الفرات'. إننا أمام قائدٍ يتجاوز القوالب الجاهزة؛ لا شعارات رنانة، ولا ارتجال سياسي. بل قرارات محسوبة، ورؤية ناضجة. لم يكن مجرّد رجل دولة، بل مشروع أمّة. وحين نتأمل خطابه وفعله، نلمح فيه سيرة أرطغرل نفسه: ثبات في الشدائد، ورحمة بالضعفاء، ورفض مطلق لأي تقسيم أو تفريط. فنٌّ يصنع الأمة… لا يضيعها عندما درسنا الأدب، تعلّمنا أن للفن رسالتين: إما أن يبني الإنسان، أو يدمّره. وقد قلت مرارًا: 'أعطني فنًّا محترمًا، أعطك شعبًا عظيمًا'. وما المسلسل التاريخي الناجح إلا أداة تربية عميقة، تُشكل ذوق الجماهير، وتبني الهوية. أليست المسرحيات عبر التاريخ مناراتٍ للفكر والتوجيه؟ وهكذا أصبحت الدراما المعاصرة ساحةً للتأثير والتغيير. مسلسل أرطغرل، لم يكن دعوة للحرب، بل دعوة للكرامة. لم يكن تجميلًا للماضي، بل إضاءةً للحاضر واستشرافًا للمستقبل. فيه مدرسة في القيادة، والتضحية، والعدل، والأنوثة المحتشمة المقاتلة، والجيش المؤمن، والإيمان الراسخ، والعمل المتقن، والتوكل على الله… كل هذا في قالب مشوّق يزرع فينا معنى القيامة من جديد. التحالف التركي – العربي… جسر النهضة الجديدة وإذا كانت الأمة تشهد اليوم إرهاصات البعث والنهوض، فإن التقارب التركي العربي لم يعد مجرّد مصلحة آنية، بل تحوّل إلى حجر الزاوية في مشروع 'قيامة الأمة'. لقد أدركت تركيا، بقيادة الرئيس أردوغان، أن لا نهضة مستقلة في أمة مقسّمة، وأن تحصين الداخل لا يكون إلا بتقوية العمق العربي الإسلامي. ومن هنا، نشأ تحالف استراتيجي مع دول ذات وزن وقيمة روحية وميدانية: قطر: الشريك الأقرب، والداعم الثابت لقضايا الأمة، والمناصر الأبرز للعدالة والحرية. الكويت: التي توازن بين الحكمة والكرم السياسي، وتؤدي دورًا إنسانيًا رائدًا. ليبيا: حيث وقفت تركيا إلى جانب الحكومة الشرعية ضد الفوضى والانقلاب. الصومال: نموذج الدعم التركي المتكامل: أمني، تنموي، تعليمي. وسوريا، القلب النابض للأمة: آن الأوان أن يعود هذا البلد الجريح إلى حضن العدل والحرية، وأن تُمنح الثورة السورية – وأحرارها – الدعم اللازم لصناعة سوريا جديدة، موحّدة، مستقلة، خالية من الاحتلالات والتقسيم والاستبداد. إن دعم سوريا ليس خيارًا سياسيًا، بل هو واجب شرعي واستراتيجي وأخلاقي لكل من يسعى لنهضة الأمة وتكامل قواها. نحو قيامة جديدة نعم، أحببتُ أردوغان… لأنه أحب أمته، وأحب دينه، فرفعه الله. وأحببت أرطغرل، لأنه قاد قومه في زمن الشتات، فجعل منهم أمة. واليوم، تتجلّى بينهما صورة متكاملة، لنهضة حقيقية، وقِيامَةٍ تستحق أن تُكتب بحبر الشهداء وعرق الأبطال.


24 القاهرة
منذ ساعة واحدة
- 24 القاهرة
«من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله».. الإفتاء توضح معنى الحديث الشريف
كشفت دار الإفتاء، معنى الحديث الشريف: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عملُه»، وإذا كان المقصود من ذلك إحباط أجر جميع الصلوات وسائر أعمال البر أو أجر صلاة العصر فقط. حديث من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وفي فتوى سابقة لها عبر موقعها الرسمي، قالت دار الإفتاء، إن نص العلماء على أن حصول ما قد يبطل الطاعات بالمعاصي إنما يكون بحصول ما يفسدها في عينها من دخول أمرٍ مذمومٍ عليها؛ كالرياء وابتغاء السمعة، أو عدم الإخلاص فيها أو الفساد في النية، لا بحصول المعصية في طاعة أخرى مستقلة عنها، أو في جنسٍ آخر من الطاعات. وأشارت إلى قول الإمام الآمِدِيُّ في "أبكار الأفكار" (4/ 385-386، ط. دار الكتب والوثائق القومية-القاهرة) في الردِّ على شبهة القائلين بكون المعصية محبطةً للأعمال مطلقًا: [إن التقابل بين الطاعة والمعصية: إنما يتصور في فعلٍ واحدٍ بالنسبة إلى جهةٍ واحدةٍ، بأن يكون مطيعًا بعينِ ما هو عاصٍ مِن جهة واحدة، وأما أن يكون مطيعًا في شيء، وعاصيًا بغيره، فلا امتناع فيه، كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات... كالصلاة، والصوم، والحج، وغيره بالصحة، ووقوعها موقع الامتثال، والخروج عن عهدة أمر الشارع؛ مع حصول معصية في غيرها، بخلاف ما يقارن الشرك منها، وإجماع الأمة دلَّ على ذلك، وعلى هذا: فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية، وأن يكون مثابًا على هذه ومعاقبًا على هذه... فإنَّ التعظيم والإهانة إنما يمتنع اجتماعهما من شخصٍ واحدٍ لواحدٍ، إن اتحدت جهةُ التعظيم والإهانة، وإلا فبتقدير أن يكون مُعَظَّمًا من جهة، مهانًا مِن جهةٍ، مُعَظَّمًا مِن جهةِ طاعته، مهانًا مِن جهةِ معصيته؛ فلا مانع فيه] اهـ. وتابعت : قد تجلى ذلك الفهم واتضح لدى العلماء من خلال شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوارد في الحثِّ على أن تُصلَّى صلاةُ العصر في وقتها والتحذير من أن تركها يحبط عملها، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".. والمراد من الحديث كما فهمه علماء الأمة: هو أنه قد خسر أجر هذه الصلاة بخصوصها والذي يحصل عليه مَن يصليها في وقتها، لا أجر غيرها من الصلوات ولا غيرها من الأعمال. ما حكم صلاة من صلى شاكًّا في دخول الوقت؟.. الإفتاء تجيب دعاء قيام الليل للفرج.. الإفتاء توضح حكم الصلاة بعد الوتر قال الإمام ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (14/ 125، ط. أوقاف المغرب): [حبط عمله، أي: حبط عمله فيها فلم يحصل على أجر من صلاها في وقتها، يعني: أنه إذا عملها بعد خروج وقتها فَقَدَ أَجْرَ عملها في وقتها وفضله، والله أعلم، لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات وسائر أعمال البر، أعوذ بالله من مثل هذا التأويل فإنه مذهب الخوارج] اهـ. وقال الإمام النَّوَوِيُّ في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 126، ط. دار إحياء التراث العربي): [الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم] اهـ. وقال الـمُلَّا عَلِيُّ الْقَارِيُّ في "مرقاة المفاتيح" (2/ 529، ط. دار الفكر): [قد حبط (عمله) أي: بطل كمال عمل يومه ذلك إذ لم يثب ثوابًا موفرًا بترك الصلاة الوسطى، فتعبيره بالحبوط وهو البطلان للتهديد قاله ابن الملك. يعني: ليس ذلك من إبطال ما سبق من عمله... بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه، لا سيما في الوقت الذي تقرر أن يرفع أعمال العباد إلى الله تعالى فيه] اهـ.