logo
محللون: مستقبل نووي إيران بات غامضا وإسرائيل ستعتمد التعامل العسكري

محللون: مستقبل نووي إيران بات غامضا وإسرائيل ستعتمد التعامل العسكري

الجزيرةمنذ 14 ساعات

لم تعد مهتمة بالتوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة و إيران بقدر اهتمامها بالحفاظ على حقها في ضرب أي تحرك إيراني مستقبلي لإحياء البرنامج النووي بعدما كسرت حواجز لطالما منعتها من ذلك، كما يقول محللون.
في الوقت نفسه، لم يعد معروفا ما إذا كانت إيران ستقبل بالعودة لطاولة المفاوضات بعد الضرر الكبير الذي طال منشآتها النووية جراء الضربات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة، أم ستمضي سرا في تطوير سلاح نووي بعدما أثبت لها الواقع عدم جدوى المفاوضات.
فقد أكد المدير العام ل لوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي أنه لا أحد يعرف مصير مخزون اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب بعد الضربة الأميركية الأخيرة، وأنه لا يمكن محو تقدم طهران النووي بالسبل العسكرية وإنما بالاتفاق معها.
ولا توجد تقديرات قاطعة لدى الوكالة الدولية بشأن مصير برنامج إيران النووي بعد الضربة الأميركية، لكن غروسي يحاول من خلال هذه التصريحات منع إقصاء الوكالة الدولية من اتفاق أميركي إيراني مستقبلي، حسب ما قاله أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسني عبيدي، خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر".
كما يحاول غروسي دق ناقوس خطر احتمالية غياب الرقابة بشكل تام عن منشآت إيران النووية في حال قرر الإيرانيون الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ، ومن ثم وضع هذا الملف كملف رئيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنعقد في سبتمبر/أيلول المقبل، برأي عبيدي.
في الوقت نفسه، قال رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان ، إن الحرب مع إيران انتهت بطعم مر ودون التوصل لاتفاق، وهو أمر يتماشى مع حديث غير معلن داخل مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية بأن البرنامج تأخر سنوات للوراء لكنه لم يدمر بالكامل، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى.
ورغم صورة الانتصار التي يتم ترسيخها في العقلية الإسرائيلية، فإن الغصة -كما يقول مصطفى- تكمن في قرار وقف إطلاق النار لم يشمل أي شيء آخر يتعلق بالبرنامج النووي.
ولأن إسرائيل كانت تريد إنهاء الحرب باتفاق يخضع إيران تماما ويلزمها بالتخلي تماما عن أي طموحات نووية مستقبلية، فإن ما تم التوصل إليه ليس كافيا بالنسبة للإسرائيليين خصوصا مع عدم معرفة مصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم الإيراني عالي التخصيب، وفق مصطفى.
لذلك، فإن ما جرى كان معركة في حرب لم تنته بعد، وظهر جليا في تصريحات بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد ديفيد برنيع ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ، التي قالوا فيها علنا إن إسرائيل ستضرب أي تحرك إيراني مستقبلي لإحياء البرنامج النووي، حسب قول مصطفى.
والأمر المهم الذي يجب الانتباه إليه في كلام غروسي -كما يقول مصطفى- هو أن إسرائيل بنت سرديتها السابقة حول نية إيران امتلاك سلاح نووي على تقارير الوكالة الدولية للطاقة، ومن ثم فإنها ربما تستخدم هذه التحذيرات الجديدة للقيام بالأمر نفسه.
فقد تجاوز غروسي -كما يقول عبيدي- دوره كحارس لمنع امتلاك إيران سلاحا نوويا إلى لعب دور سياسي عندما قدم تقريرا يدين طهران قبل أيام من ضربها، وهو ما يجعل الإيرانيين يتساءلون عن جدوى التعاون مع الوكالة مجددا.
إيران قد تفاوض أميركا
لكن الإيرانيين حققوا هدفا مهما من خلال هذه الجولة وهو أنهم حوّلوا النقاش من كميات اليورانيوم عالية التخصيب إلى الحديث عن إعادة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة مما يعني تخفيف الضغط عليهم في أمور أخرى.
ولا يزال التفاوض خيارا إستراتيجيا لإيران -وفق عبيدي- الذي يرجح أنها لن تعول على أوروبا التي تحاول إيجاد مخرج سياسي للعمل العسكري الأميركي الإسرائيلي الأخير، وأنها قد تعود للتفاوض مع الولايات المتحدة.
فقد عوّلت إيران على الأوروبيين لسنوات ثم وجدت الولايات المتحدة تقصف منشآتها النووية دون حتى إخبار الدول الأوروبية بأنها ستفعل، ومن ثم سيكون التفاوض مع واشنطن الخيار الأكثر واقعية لأن رفض التفاوض سيزيد الشبهات حول نواياها النووية، كما يقول عبيدي.
وفي حين كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبار مسؤوليه تدمير برنامج طهران النووي، قالت مجلة "نيوزويك" إن صور أقمار صناعية جديدة التُقطت أمس الجمعة أظهرت تصاعدا في أعمال البناء والحفر في منشأة فوردو النووية الإيرانية التي قصفتها الولايات المتحدة بقنابل خارقة للتحصينات فجر 22 يونيو/حزيران الجاري.
ووفقا للصحفي المتخصص في العلاقات الدولية محمد السطوحي، فإن كلام نيوزويك "يزيد من اللغط حول ما نتيجة الضربة الأميركية للمنشآت النووية التي يقول ترامب إنه أنهاها بينما هناك من يقول إن هذا الأمر غير ممكن علميا ولا عمليا، وإن الممكن فقط هو تأخيره لشهور أو لسنوات".
وفي حال لم يكن برنامج إيران قد انتهى بالفعل، فإن هذه الضربة ربما تدفع الإيرانيين لتطوير سلاح نووي على غرار كوريا الشمالية التي لا يستطيع أحد الاقتراب منها، كما يقول السطوحي.
وعلى هذا فإن السؤال المهم حاليا هو: على أي شيء سيتم التفاوض إذا قبلت إيران بالعودة للطاولة؟ كما يقول السطوحي، الذي لفت إلى أن ترامب الذي تمسك بصفر تخصيب يورانيوم في المفاوضات التي سبقت الحرب، إلى الحديث الآن عن ضرب أي منشأة إيرانية تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة.
ومن المهم جدا -برأي السطوحي- النظر إلى أن التهديد لم يعد يخيف إيران كما كان في السابق بعدما تمكنت من إثبات قدرتها على قصف عموم إسرائيل، فضلا عن قصفها قاعدة "العديد"، والذي كان رمزيا لكنها لوّحت من خلاله بردود أكثر قسوة مستقبلا.
ولعل هذا الخوف من الذهاب أبعد من الردود الرمزية هو ما دفع ترامب للحديث عن ضرورة وقف الحرب بعد قصفه منشآت إيران النووية فورا، لأنه يعتقد أن الهجمات الخاطفة يمكن تجاوز تداعياتها على عكس الحروب الطويلة.
أما إسرائيل التي كانت تعتقد قبل الحرب أن إيران على وشك امتلاك سلاح نووي، فإنها تعتقد الآن أن الأمر أصبح يحتاج سنوات، لكنها تخشى تحول طهران إلى تصنيع سلاح سري، برأي مصطفى.
ومن ثم "لا تريد إسرائيل التوصل لاتفاق حاليا وإنما تريد مزيدا من العقوبات وعزل طهران لأنها تعتقد أن هذا سينتهي بإسقاط النظام ومعه الخطر النووي"، برأي مصطفى.
في الوقت نفسه، يرجح مصطفى أن تسعى تل أبيب أيضا "لاكتساب حرية أكبر في التعامل عسكريا مع أي عمل نووي إيراني مستقبلي، بعدما خلقت لنفسها مساحة في سماء إيران بطريقة تشبه ما فعلته في لبنان".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

21 شهيدا في غزة والاحتلال يمهد لمجازر جديدة شمالا
21 شهيدا في غزة والاحتلال يمهد لمجازر جديدة شمالا

الجزيرة

timeمنذ 21 دقائق

  • الجزيرة

21 شهيدا في غزة والاحتلال يمهد لمجازر جديدة شمالا

استشهد 21 فلسطينيا، بينهم 5 من منتظري المساعدات، وأصيب عدد آخر اليوم الأحد في مناطق متفرقة من قطاع غزة بقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي "أمر" بإخلاء أجزاء من شمال القطاع. وسقط شهداء منتظري المساعدات شمالي مدينة رفح أثناء انتظارهم للحصول على طرود الإغاثة. وأفادت مصادر طبية في مستشفى المعمداني باستشهاد 5 فلسطينيين في قصف إسرائيلي استهدف منزلا ف ي حي التفاح شرقي مدينة غزة، كما أدى قصف مسيرة إسرائيلية على سوق الزاوية بحي الدرج شرقي المدينة إلى سقوط شهيد وجرح عدد آخر. وفي وقت سابق اليوم، قال مستشفى المعمداني إن طفلين شهيدين (عامان و3 أعوام) وعددا من المصابين وصلوا المستشفى بفعل قصف من الطيران الحربي الإسرائيلي على منزل يعود لعائلة عزام في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة فجر اليوم. وقالت مصادر "مجمع ناصر الطبي" إن 5 فلسطينيين، بينهم طفلان وامرأتان، استشهدوا في قصف من مسيرة إسرائيلية استهدف خيمة نازحين غربي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. وفي مدينة غزة أيضا، أصيب عدد من الفلسطينيين جراء استهداف مسيرة إسرائيلية خيمة تؤوي نازحين قرب مفترق السامر وسط المدينة، وفق المصدر نفسه. وشهدت بلدة جباليا ومحيطها وحي التفاح شرقي مدينة غزة ليلة عنيفة، إذ نسف الجيش الإسرائيلي عدة مبان وقصف ودمر مباني أخرى، مع تواصل القصف المدفعي في المنطقتين، وفق مصادر محلية وشهود عيان. وبالتزامن مع تلك الاعتداءات، ارتكب جيش الاحتلال المزيد من المجازر ووجه اليوم الأحد إنذارا لإخلاء شمالي قطاع غزة، محذرا الفلسطينيين في أجزاء من مدينة غزة والمناطق القريبة من تحرك وشيك. ودعا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ، في بيان نشر على منصة "إكس" إلى جانب خارطة لشمالي القطاع، سكان منطقة مدينة غزة وجباليا وغيرهما إلى "التوجه جنوبا فورا إلى منطقة المواصي". وقال في منشورة إن القوات الإسرائيلية"تعمل بقوة شديدة جدا في هذه المناطق المذكورة، وهذه الأعمال العسكرية سوف تتصاعد وستشتد وستمتد.. لتدمير قدرات المنظمات الإرهابية". ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تواصل إسرائيل -بدعم أميركي- شن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، أسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من 186 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود تحت الأنقاض. وتتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على كامل أنحاء قطاع غزة الذي دمرته الحرب التي دفعت بسكانه البالغ تعدادهم 2.4 مليون نسمة إلى النزوح مرارا وسط ظروف إنسانية صعبة جعلته على حافة المجاعة.

جنرال التغريدات.. كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الذي وعد بحرق طهران
جنرال التغريدات.. كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الذي وعد بحرق طهران

الجزيرة

timeمنذ 34 دقائق

  • الجزيرة

جنرال التغريدات.. كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الذي وعد بحرق طهران

هناك الكثير من التناقضات بين تل أبيب وطهران ربما تفوق في وضوحها الخلافات التي تشغل الصراع بين إسرائيل وإيران. فتل أبيب هي مدينة مستحدثة طرأت على التاريخ مطلع القرن الماضي، حيث بدأ تأسيسها في زمان الانتداب البريطاني فوق أرض فلسطين المحتلة على أطراف مدينة يافا، قبل أن تتوسع على حساب المدينة الأصلية والقرى الفلسطينية التي هُجِّر أهلها، لتصبح أول مدينة لليهود في العصر الحديث، وعاصمتهم الأولى. وفي المقابل فإن طهران مدينة عريقة تعود جذورها إلى عدة قرون مضت (رغم أنها لم تتطور إلى مركز إداري وسياسي إلا في القرن الثامن عشر)، في حين أنها تنتمي إلى محيط جغرافي أكثر عراقة تعاقبت عليه الدول والإمبراطوريات المتوارثة على مدار آلاف السنين منذ ممالك عيلام القديمة، مرورا بالساسانيين والأخمينيين وصولا إلى العصر الحديث. وبينما تنبسط جغرافيا تل أبيب أمام البحر الذي ترتفع عن مستواه خمسة أمتار بتعداد سكاني لا يتجاوز نصف مليون شخص، تتحصن طهران بسلسلة جبال شاهقة الارتفاع، متربعةً على سفوحٍ يصل ارتفاعها إلى 1900 متر فوق سطح البحر، وتزدحم بأكثر من 14 مليون نسمة. في وسط مباني تل أبيب الحديثة، وفي مخبأ مُحصَّن تحت الأرض، تُوهِم الشاشات المكتظة الجالسين أمامها أن الآلة قادرةٌ على حسم الحرب إلى حدٍّ نسي فيه هؤلاء أنَّ الأرض التي يختبئون في باطنها هي التي تمتلك كلمة الحسم. وعبر شاشة صغيرة بين تلك الشاشات، انفلتت تغريدة حربية شديدة اللهجة، يتوعد فيها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بحرق طهران، في الوقت الذي انطلقت فيه الطائرات الإسرائيلية لتصب حمولاتها المتفجرة فوق عشرات المواقع في العاصمة الإيرانية. ولكن بعد 12 يوما من السجال الناري، لم تحترق طهران كما توعد كاتس، ونزل سكانها إلى الشوارع للاحتفال عقب إعلان وقف إطلاق النار، وبينهم كان يمشي رجلٌ أشيب، يعتمرُ قبعة "بيسبول" سوداء، يصافح الجموع بابتهاج، كان ذلك إسماعيل قآني قائد فيلق القدس، الذي نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" خبر مقتله في ضربة إسرائيلية قبل أيام. في المقابل، شاهد العالم الصواريخ الإيرانية وهي تضيء سماء تل أبيب كاسرة الكثير من الأساطير حول "أرض إسرائيل" الآمنة وسمائها المنيعة. هذه هي الحرب الأولى التي يكون فيها يسرائيل كاتس في موقع عسكري رفيع المستوى منذ بداية تاريخه السياسي، وهي حرب تليق مجرياتها ونتائجها برصيده "الفقير" تماما، فالرجل يشترك مع رئيس وزرائه في ضآلة تاريخهما العسكري مقارنةً مع مَن سبقهما في قيادة الحروب التي خاضتها إسرائيل. وبينما ينحدر الرجلان من منبت شرق أوروبي، ويعتنقان معا النمط نفسه في ممارسة الحرب، يبدو أنهما يشتركان فيما هو أكثر من ذلك بكثير. التغريدات بديلا عن مواجهة الموت وُلد يسرائيل كاتس عام 1955 في مدينة عسقلان المحتلة لأبوين جاءا من منطقة ماراموريش برومانيا. وهكذا وجد كاتس نفسه جزءا من مجتمع اليهود المهاجرين من رومانيا إلى إسرائيل، والمحملين بتاريخٍ من الاضطهاد الذي مارسه عليهم النظام الشيوعي الروماني قبل الهجرة إلى "أرض الميعاد". يحمل مجتمع اليهود الرومانين في إسرائيل إرثا طويلا من الحكايات حول "المقايضة"، حيث قايض بهم النظام الحاكم في رومانيا إسرائيل مقابل المال والبرسيم وآليات الزراعة، وحتى الثيران والخنازير. وعلى مدار أربعة عقود فرضت فيهما الحكومتان تعتيما شاملا على جميع التفاصيل في تلك العلاقة الغريبة. كان النظام في رومانيا يقايض مواطنيه اليهود مع الحكومة الإسرائيلية مقابل 120 دولارا للشخص، وقد بلغت عوائد هذه العملية ما بين عام 1948-1952 قرابة 15 مليون دولار، حسبما أوردت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فضلا عن أولئك الذين تمت مقايضتهم مقابل صفقة خنازير أدارها رجل الأعمال اليهودي "هنري جاكوبير" (Henry Jacober). وفي الإجمال، يبلغ تعداد اليهود من أصول رومانية في إسرائيل قرابة 400 ألف نسمة، لا يزالون يرون في قوميتهم الرومانية سببا للزهو رغم كل شيء، وضمن هذا النسيج الاجتماعي المتفاخر بنخبويته، دفع الزوجان كاتس بابنهما إلى الجامعة العبرية التي تحمل رمزية "الطلائعية الصهيونية" كونها تأسست قبل إقامة الدولة الصهيونية بـ23 عاما وتُعد المهد الأول لصناعة "الهوية الوطنية الإسرائيلية" من خلال اعتماد اللغة العبرية لغةً للتدريس والمعاملات في الجامعة. لم تخلُ فتوة كاتس من أعمال متهورة ربما تفسر "عدوانيته" المتزايدة في شيخوخته، فقبل أكثر من أربعين عاما، احتجز كاتس رئيس الجامعة رافائيل مشولام في غرفته على خلفية احتجاجات عنيفة ضد إدارة الجامعة لسماحها بانتساب طلبة فلسطينيين من المدن المحتلة وظهورهم في حرمها، حينها أوقفته الجامعة عن ممارسة النشاط الطلابي لمدة عام كامل. كان دخول كاتس الأول إلى السياسة الإسرائيلية عام 1998 بديلا لإيهود أولمرت في عضوية الكنيست عن حزب الليكود ، حيث عمل في عدة لجان، منها الشؤون الخارجية والأمن، والمالية، والقانون والدستور والعدالة، والداخلية والبيئة. كما عمل في لجنة الالتماسات العامة، واللجنة المشتركة لميزانية الأمن، واللجنة الخاصة لمناقشة قانون جهاز الأمن، وشغل أيضا منصب رئيس مؤتمر حزب الليكود. وبحلول عام 2003، تولى حقيبته الوزارية الأولى في وزارة الزراعة ضمن حكومة أرييل شارون. وعقب تلك الولاية، بدأت تُوجَّه إلى كاتس اتهامات بالفساد لمحاباته أفرادا من عائلته بمنحهم مناصب حكومية وامتيازات، مستغلا موقعه الوزاري، وكما هو حال نتنياهو شريكه الحالي في الحرب، أفلت من تلك الاتهامات وواصل تقدمه في مناصبه الحكومية متوليا حقيبة المواصلات ثم وزارة الاستخبارات قبل أن يتولى منصب وزير الخارجية لأول مرة عام 2019. بعدها شغل كاتس حقائب المالية ثم الطاقة والبنية التحتية قبل أن يعود لوزارة الخارجية مجددا مطلع عام 2024. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، عُيَّن كاتس في منصب وزير الدفاع بعد إقالة نتنياهو لسلفه يوآف غالانت. في رحلته الحافلة بـ"التطرف السياسي"، لم يدّخر كاتس أي فرصة كان يمكنه من خلالها محاولة محو ما هو "عربي" وإثبات ما هو "عبري"، ففور استلامه حقيبة وزارة المواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، أصدر قرارا بتغيير اللافتات على الطرق لتحمل أسماء المناطق بالعبرية، وتكون الترجمة إلى الإنجليزية والعربية حرفيةً عن العبرية، دون كتابة الأسماء العربية الأصلية للمناطق. لكن هذا "العدوان الثقافي" لم يُجْدِ نفعا في منع المقاومين الفلسطينيين من تنفيذ هجمات على تلك الطرق ضد الإسرائيليين؛ جنودا ومستوطنين. حاول كاتس أيضا من خلال الكنيست تشريع قانون لترحيل عائلات المقاوِمين، عدا عمّا عُرف عنه من تشدد في رؤيته تجاه قطاع غزة بلغت حد الانسحاب من حكومة شارون عام 2004 لدى إعلان الأخير خطة فك الارتباط والانسحاب من القطاع، وحين دار الزمان دورته، عاد كاتس ليهدد بضم أجزاء من قطاع غزة إذا لم تطلق حماس سراح الأسرى في أعقاب السابع من أكتوبر. وبينما يطلق يديه في كتابة تغريدات التعازي بالجنود القتلى في كمائن المقاومة في قطاع غزة، يصمُّ كاتس أذنيه عن كل النداءات التي يوجهها الجنود ومن خلفهم المجتمع الإسرائيلي استجداءً لوقف الحرب، بدلا من المزيد من تغريدات التعازي التي تُذيل بالخاتمة ذاتها: لتكن ذكراهم مباركة! وإن بدا كاتس في كلماته متباهيا بصورة لا تتوقف بقوة إسرائيل، فإنه بدلا من مخاطبة مجتمعه المستنزف فيما يخص "قضية الرهائن" وما تبعها من أزمات ولّدتها المواجهة مع إيران، يتجه ليخاطب الفلسطينيين في غزَّة داعيا إياهم للخروج في الاحتجاج لطرد حماس من القطاع في الوقت ذاته الذي يقتل فيه جيشه أسراه ويفشل في استعادتهم، فيما يبدو أنه مستوى جديد من "الفقر الفكري" الذي تواجهه إسرائيل منذ بداية الحرب. وإمعانا في التردي السياسي، اختار كاتس أن ينسب مطالب إطلاق سراح أسرى الاحتلال إلى عشرات من أهالي بيت لاهيا، الذين ادّعى خروجهم في احتجاج للمطالبة بطرد حماس من غزة والإطلاق الفوري لسراح "الرهائن" الإسرائيليين. ساطعٌ على السفح.. معتمٌ على القمة يواجه كاتس في منصبه الجديد تحديات غير مسبوقة في مسيرته المهنية، أظهرت فقره ومحدوديته مقارنة بأسلافه. فما بين حرب لم تتوقف في غزة، وصراع داخلي مستمر منذ أزمة الإصلاحات القضائية، ثم تداعيات فشل السابع من أكتوبر، والسجال حول تجنيد الحريديم والتهديد بحل الكنيست وتحركات المستوطنين بضم الضفة الغربية، وصولا إلى الحرب مع إيران. هذه المائدة المزدحمة بالقضايا الصعبة لربما كانت تحتاج إلى وزير أكثر خبرة وتمرسا، لكن نتنياهو وحده لم يرَ ذلك. فكل ما يريده رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل هو وزير حربٍ يتناغم مع قراراته بما يُمكِّن نتنياهو من الحفاظ على حكومته، وتمرير القرارات التي يريدها في إدارة الحرب دون أن يواجه شخصيات عسكرية وازنة تعارضه كما كان الأمر في حالة غالانت الذي أُقيل من الحكومة على خلفية دعمه لتجنيد الحريديم. يُعد الولاء لنتنياهو إذن هو المؤهل الأكبر لكاتس في منصبه الجديد. وفيما يبدو فإن الرجل يعوّض فقره المهني بإطلاق المزيد من تصريحات التهديد والبطش والتخويف شديدة اللهجة، بخلاف تهديده بـ"حرق طهران"، فقد توعد أعداء إسرائيل بقوله: "إذا رفع الأعداء يدا ضد دولة إسرائيل مرة أخرى فسوف تُقْطَع تلك اليد"، فضلا عن استخدامه لغة متعجرفة يحاول من خلالها الإيحاء بأن بقاء الساسة والرموز في المنطقة مرهون بسماح إسرائيل بذلك، ومثال هذا ما قاله حول التهديد باغتيال المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، حيث قال: "رجل كهذا لا يمكن أن نسمح له بالبقاء". لم تمضِ أيام طويلة حتى أعلن كاتس نفسه أن إسرائيل لم تجد فرصة متاحة لاغتيال خامنئي. ولم يكن المرشد الإيراني وحده الحاضر على قائمة تهديدات كاتس، فقد وجَّه نيران كلماته الغاضبة ضد نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، بقوله: "إسرائيل فقدت صبرها تجاه الإرهابيين الذين يهددونها. إذا ارتكبت أفعال إرهابية، فلن يبقى حزب الله"، كما أطلق تهديدات مماثلة ضد قادة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية. هذا الإسراف في التصريحات والتهديدات يُذكِّر بمَثَلٍ فرنسي يقول: "ساطعٌ على السفح، معتمٌ على القمة"، وهو مَثَل استخدمه المنظر الحربي كلاوزفيتز كنايةً عن أن أكثر القادة الحربيين إخفاقا على مدار التاريخ كانوا هم الأكثر تهوّرا في بداياتهم العسكرية. وهنا تكمن المفارقة التي يجسّدها كاتس باندفاعه في التصريحات، فهو يريد أن يحطم ويحرق ويفعل الأفاعيل بخصومه، بينما لم تتجاوز خدمته في الجيش ثلاثة أعوام هي مدة تجنيده ما بين عامي 1973-1977، التي لم يصل فيها إلى مواقع متقدمة وحساسة عسكريا تؤهله لامتلاك ذلك النوع من الخبرة الذي حازه جنرالات إسرائيليون سابقون ممن شغلوا منصب وزير الدفاع، وأقرب مثال هو سلفه يوآف غالانت الذي يمتلك خبرة عسكرية متقدمة تزيد على خمسة وثلاثين عاما، أي أكثر من عشرة أضعاف تجربة كاتس العسكرية. وبين ما تفرضه المعركة على الأرض من ظروف متغيرة، وبين التصريحات والتهديدات عالية السقف، يبدو وكأن كاتس يحاول أن يبني مجده العسكري في السبعين من عمره في أكثر مراحل تاريخ إسرائيل حرجا، وهو يفعل ذلك بينما يتلقى مفاجآت عسكرية متتالية ليس فقط على جبهة إيران، ولكن أيضا في قطاع غزة الذي تخوض فيه إسرائيل الحرب منذ أكثر من 20 شهرا دون أي أفق لتحقيق وعود كاتس ونتنياهو بإرجاع الرهائن عبر المزيد من الضغط العسكري. سيف من خشب وفي خضم لغة التهديد هذه، لم يفلح كاتس في اتخاذ قرارات على قدر الكلمات التي يطلقها بتمجيد مطلق لقوَّة إسرائيل، كما لا يزال عاجزا عن أن يغرس في جنوده الجرأة على المواجهة في ميدان المعركة بما يكفي لئلا يهربوا بآلية ثقيلة من مقاتل بسلاح بسيط يحاول بيده أن يفتحها، كما ظهر في الفيديو الذي نشرته كتائب القسام لاستهداف حافلة الجنود الصهاينة في خان يونس مؤخرا. وبدلا من ذلك اكتفى وزير الدفاع بتعزية عائلات هؤلاء الجنود عبر حسابه على منصة "إكس"، واصفا إياهم بالمقاتلين الشجعان الذين قُتلوا وهم يدافعون عن دولة إسرائيل ويسعون لتحرير الرهائن. يحب كاتس التعبير عن نفسه كثيرا عبر مواقع التواصل على ما يبدو، لكن تعليقات الإسرائيليين عليه كثيرا ما تكون صادمة لكبريائه. في تغريدة له عبر حسابه على منصة X حول المواجهة مع إيران، تلقى كاتس العديد من الردود الساخرة من الإسرائيليين، وأخرى كانت لاذعة كتلك التي وصفته بالخادم لمصالح حزبية ضيقة بدلا من أن يكون خادما لمصالح الدولة العليا. وتساءلت صاحبة التغريدة ذاتها متهكمة: "مَن أنت؟ معلق على الإنترنت؟ إنك وزير الدفاع بحق السماء!". لا تقتصر ردود الأفعال ضد كاتس على مواقع التواصل، لكنها تضرب صفوف الجيش الذي يقوده. ففي مطلع يونيو/حزيران الحالي، نشرت "الغارديان" البريطانية تقريرا قالت فيه إن أربعين ضابطا في الجيش أرسلوا رسالة إلى نتنياهو يرفضون فيها الاستمرار في الخدمة في الحرب الأبدية التي يخوضها ضد قطاع غزة، لأنهم يرون أنها لا تهدف إلا لاستمرار نتنياهو في الحكم، ولم يعلق كاتس على تلك الرسالة. يرى كاتس ويسمع ما يقوله ضباط وجنود جيشه الغاضبون، ومنهم أعضاء في وحدة 8200 الأكثر نخبوية في الجيش، حيث يقولون: "قد قُتل بالفعل العديد من الرهائن جراء تفجيرات جيش الدفاع الإسرائيلي.. فيما تواصل الحكومة التضحية بحياتهم"، لكنهم لا يملكون القدرة أو الصلاحية للإجابة عن مطالبتهم. بخلاف تبعيته المطلقة لنتنياهو شبرا بشبر وذراعا بذراع، فإن رجل الحروب في إسرائيل اليوم هو صاحب أيادٍ ناعمة اعتادت نعيم الحياة الدبلوماسية، حيث ربطات العنق والياقات المكوية بعناية، أكثر مما ألفت الإمساك بالسلاح في الميدان. بينما يتخذ من موقعه الوزاري أداة لتحقيق إملاءات نتنياهو لاستمرار القتال، يواصل الجيش تحت قيادة كاتس خسارة جنوده في جبهات القتال بينما تضربه الانقسامات والدعوات لوقف الحرب، ويتمزق من خلفها المجتمع الإسرائيلي بأسره. وعلى نحوٍ ما، فإن هذا يُذكِّر بما أورده "جايمس غليك" في كتابه "نظرية الفوضى"، مقتبسا أغنيةً فولكلوريةً أميركيةً تقول: "بسبب مسمارٍ سقطت حدوة حصانٍ، وبسبب حدوةٍ تعثّر حصانٌ، وبسبب حصانٍ سقط فارسٌ، وبسبب فارسٍ خُسِرت معركةٌ، وبسبب معركةٍ فُقِدت مملكةٌ"، مبرهنا أنه "في العلم، كما في الحياة، فالحوادث المُتسلسلة تصل إلى نقطةٍ حرجة، بحيث يتضخّم بعدها أثر الأشياء الصغيرة".

إعلام إسرائيلي: خلافات داخل الجيش لمواصلة حرب غزة وكتائب القسام فاعلة
إعلام إسرائيلي: خلافات داخل الجيش لمواصلة حرب غزة وكتائب القسام فاعلة

الجزيرة

timeمنذ 36 دقائق

  • الجزيرة

إعلام إسرائيلي: خلافات داخل الجيش لمواصلة حرب غزة وكتائب القسام فاعلة

نقل موقع "والا" العبري عن مصادر مطلعة وجود خلافات في أوساط الجيش الإسرائيلي حول مسار الحرب في قطاع غزة، مشيرة إلى انقسام في الآراء بين من يدفع باتجاه مواصلة العمليات العسكرية ومن يرى ضرورة التوجه نحو إنهاء الحرب. وفي السياق نفسه، ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن الجيش سيعرض -الأحد المقبل- أمام المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) خيارات متعددة بشأن غزة، تتراوح بين استكمال احتلال القطاع أو التوصل إلى صفقة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس). ومن المتوقع أن يبلغ رئيس الأركان إيال زامير الوزراء بأن الجيش يقترب من تحقيق أهدافه المعلنة. كتائب حماس لا تزال فاعلة وفي تقرير منفصل، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن قادة عسكريين إسرائيليين أن كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- لا تزال فاعلة وتنتشر من خان يونس إلى مدينة غزة وضواحيها، وهو ما يعكس صعوبة المهمة العسكرية رغم مرور أشهر على بدء العدوان. وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع سلسلة عمليات هجومية نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال داخل قطاع غزة، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجنود الإسرائيليين. وفي مؤشر على التكلفة النفسية للحرب، نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن والدة أحد الجنود الذين يقاتلون في غزة قولها: "لا يمكن أن تقضي سنة في غزة دون أن تخرج مصابا نفسيا"، في تعبير عن تنامي القلق داخل المجتمع الإسرائيلي من آثار المعركة الطويلة على الجنود وأسرهم. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل -بدعم أميركي- حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، أسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من 186 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود تحت الأنقاض. كما تواصل إسرائيل غلق معابر غزة منذ الثاني من مارس/آذار الماضي بشكل محكم أمام شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود، ولا تسمح إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، في حين يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يوميا كحد أدنى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store