
اعتقال 14 شخصاً لعزفهم الموسيقى في أفغانستان
تابعوا عكاظ على
ألقت سلطات طالبان القبض على 14 شخصاً في ولاية تخار بشمال أفغانستان، بتهمة «عزف الموسيقى» والغناء خلال تجمع خاص، وفق ما أعلنته الشرطة الإقليمية، ما أثار جدلاً واسعاً حول استمرار القيود الثقافية المفروضة منذ سيطرة طالبان على السلطة في أغسطس 2021.
ووفقاً لبيان صادر عن الشرطة الإقليمية في ولاية تخار، تم اعتقال الأفراد الـ14 ليلة الخميس في العاصمة الإقليمية، طالبان - شهر، بعد أن «استغلوا الليل للتجمع في منزل خاص، حيث عزفوا الموسيقى وأدوا أغاني»، في انتهاك واضح للقوانين التي تمنع مثل هذه الأنشطة، ولم يوضح البيان ما إذا كان المعتقلون قد أُطلق سراحهم أم لا، أو ما العقوبات التي قد يواجهونها، لكن مثل هذه الاعتقالات غالباً ما تُتبع بتوبيخ علني أو عقوبات أخرى.
تُعد هذه الواقعة جزءاً من حملة مستمرة تشنها طالبان ضد الموسيقى في الأماكن العامة والخاصة، إذ تُحظر العروض الموسيقية الحية، والتشغيل في المطاعم، والسيارات، أو وسائل الإعلام مثل الراديو والتلفزيون، وأفادت تقارير إعلامية أن السلطات صادرت الآلات الموسيقية المستخدمة في التجمع.
ومنذ سيطرتها على السلطة في أغسطس 2021، فرضت حكومة طالبان سلسلة من القوانين واللوائح، إذ تُعتبر الموسيقى، باستثناء الشعر الإسلامي والأناشيد الصوتية غير المصحوبة بآلات، من المحرمات في ظل هذا النظام، كما كان الحال خلال حكم طالبان الأول بين 1996 و2001.
هجرة جماعية للموسيقيين
وأدت القيود التي فرضتها حكومة طالبان إلى هجرة جماعية للموسيقيين الأفغان، الذين فروا إلى دول مثل باكستان، إيران، وأوروبا، خوفاً من الاضطهاد أو بسبب فقدان مصادر رزقهم في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة.
أخبار ذات صلة
ووفقاً لتقارير إعلامية، شجعت طالبان الموسيقيين على تحويل مواهبهم إلى أناشيد دينية أو شعر إسلامي، لكن هذا العرض قوبل برفض واسع من الفنانين الذين يرون في ذلك محاولة لمحو التراث الثقافي الأفغاني الغني، وتُظهر منشورات على منصة «إكس» استياءً شعبياً من هذه القيود، إذ وصف مستخدمون الاعتقالات بأنها «هجوم على الحرية الشخصية» و«محاولة لإسكات الفرح».
وتُشير تقارير منظمات حقوقية، مثل منظمة العفو الدولية، إلى أن طالبان تستخدم الاعتقالات التعسفية لقمع الأصوات المعارضة، بمن في ذلك الصحفيون، النشطاء، وحتى الأفراد العاديون الذين ينخرطون في أنشطة ثقافية محظورة، ويُضاف إلى ذلك تزايد التوترات مع دول الجوار، مثل باكستان، التي تتهم طالبان بعدم السيطرة على الجماعات المسلحة، ما يعقد الوضع السياسي والاجتماعي في أفغانستان.
غضب ضد عمليات التضييق
وأثارت الاعتقالات موجة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، إذ عبر مستخدمون على «إكس» عن استيائهم من استهداف طالبان أنشطة ثقافية بسيطة مثل الغناء، وكتب أحد المستخدمين: «طالبان تحاول إعادة أفغانستان إلى العصور الوسطى»، بينما دعا آخرون إلى تدخل دولي لحماية الحريات الثقافية. وفي المقابل، دافع بعض المؤيدين لسياسات طالبان عن الاعتقالات، معتبرين أن الموسيقى «تتعارض مع القيم الإسلامية».
ولم تصدر طالبان تعليقاً رسمياً إضافياً حول مصير المعتقلين، لكن الحادث يُسلط الضوء على التحديات التي تواجه المجتمع الأفغاني في ظل القيود المتصاعدة، ويُتوقع أن تستمر هذه السياسات في إثارة التوترات الداخلية، خصوصاً مع استمرار الأزمة الاقتصادية التي تجبر العديد من الأفغان على البحث عن مخرج من خلال الفن والثقافة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 2 ساعات
- الشرق السعودية
الشاعر السوري جعفر العلوني وقصائد بحبر ملتهب
منذ الصفحات الأولى من ديوان "خريطة تحترق"، الصادر حديثاً عن دار الساقي في بيروت، يعلن الشاعر والمترجم السوري المقيم في إسبانيا جعفر العلوني، عن تموضعه في قلب الحريق، وفي داخل "خريطة" ملتهبة تدور حولها القصائد. في قصيدة "صديق الموت"، يفتتح الشاعر المشهد برجل يسير في فضاء مشحون بالغياب، يبحث عن اسمه، عن صوته، عن مكان يحتمل الحياة. لكن الشعر وحده، كما يقول، لا يتركه وحيداً. القصيدة هنا ليست تعبيراً فحسب، بل وسيلة إنقاذ، ومخرجاً للطوارئ. يتّخذ العلوني من التنقّل والهجرة رمزاً للتشظّي، ومن الرحلة مجازاً للتعبير عن الذات العربية المشتتة، التي لا تسكن إلا الخرائط أو القصائد. يقول: "رجل المسافات جاءَ متعباً من كثرة الموت على كتفه/ جاء متعباً من ثقل الحياة في صدره/ ها أنا، رجل المسافات، أعود من حيث لا عودة/ لا وقت له، لا مكان، لا قلب ولا دم". في القسم الثاني من الكتاب، يظهر العنوان "توقّعات الأبراج للإنسان العربي"، وهو ضرب من الهجاء الكوني، حيث يتحوّل كل برج إلى صورة رمزية للواقع العربي، من الحمل، القربان الدائم على مائدة السلطان، إلى الأسد، المحاصر في أحجية الدين والسياسة، مروراً بـالعذراء التي لا تعيش إلا على هامش جسدها، والعقرب الجندي الذي يلسع الجميع باسم النظام. إنها ليست قراءة ساخرة للمصير العربي المعلّق ككرة طائرة في الهواء، بل تراجيديا معلّقة على قوس المعنى. كل برج يحمل عبء أمةٍ هاوية، وكل طالع يشبه نشرة أخبار عاجلة عن مستقبل عربي صعب. "هكذا أروي حياتي لنفسي" هو عنوان القسم الثالث، وفيه يتفجّر النص إلى شظايا نثرية، يتداخل فيها كل شيء. هنا، لا يكتب العلوني قصيدةً بقدر ما ينقّب عن ذاته في ركام اللغة والزمن والذاكرة. إننا لا نقرأ شاعراً يكتب سيرته الذاتية، بل نواجه كائناً يعيش بين الرماد والقصيدة، بين الهامش والهوية، وبين الحب والغياب. ينكسر الزمن في هذا القسم، كما تنكسر المرآة، فلا تتبع القصائد ترتيباً كرونولوجياً أو سردياً، بل تتناثر في شكل شذرات أشبه بـنصوص يومية، اعترافات، ومونولوجات داخلية. هذه ليست مجرد تجزئة شكلية، بل تعبير عن تفكك الذات نفسها، وعن العيش فيما يشبه المنفى الوجودي الدائم، حتى داخل اللغة الأم. الآخر حاضر دائماً في الكتاب، ويظهر عبر صوت أنثوي لا يسمّيه الشاعر، بل يمرّ كظلّ، كذاكرة، كاحتمال حياة لم تكتمل. هذا الصوت ليس أنثوياً فحسب، بل رمز لكل ما كان يمكن أن ينقذ، ويمنح اتزاناً في فوضى الحياة العربية. في القسم الأخير، "تحوّلات آلية"، يذهب العلوني إلى أقصى درجات التجريب الشعري، ليطرح قصيدة ميتاشعرية تقف على تخوم التحوّل البشري – التقني، حيث يتفكك الجسد، وتتحلّل اللغة، وتُستبدل الحواس بالشرائح، والعاطفة بالدوائر الإلكترونية. في هذا السياق، يتحوّل الحب من تجربة مرتبطة بعوالم الجسد، إلى معادلة اتصال بين مَخرج ومدخل. اللمسة تُستبدل بـ"الإرسال"، والقبلة تصبح "أرشيفاً"، والحضن "مسار بيانات". بهذا التفكيك اللغوي، يعيد العلوني صياغة العلاقة بين الخالق والمخلوق، بين اللغة والإلكترون، بين الحبر والنبضة الرقمية. وكأنه يسأل: هل ما يخلق الحياة الآن هو الإله أم الآلة؟ وهل نحن بشر حقاً أم برمجيات قابلة للتحميل؟ يذكر أن جعفر العلوني شاعر ومترجم سوري مقيم في إسبانيا. من ترجماته إلى العربية: "الجمالية في الفكر الأندلسي" (2024)، "شاعر من تشيلي" (2022)، "تجريد الفن من النزعة الإنسانية" (2013). ومن ترجماته إلى الإسبانية: "ديوان الشاعرات العربيات المعاصرات" (2017)، "أول الجسد آخر البحر" (2021)، "بين الثابت والمتحول" (2023)، "أدونيادا" (2023).


عكاظ
منذ 6 ساعات
- عكاظ
عبدالله الغذامي: مَنْ ليس له قضيّة عبثيّ وزائدة دوديّة
تابعوا عكاظ على من اللافت لنظر الراصد للمشهد الثقافي في عالمنا العربي، تباين أنماط المثقفين؛ بين من يعيش لنفسه، ومن يهب ذاته ومجهوداته لقضايا عدة، وبين من يحاول الجمع بين قضيّة يدافع عنها ويتمسك بها، ويمنح نفسه حقها من المتعة والراحة واللذة. وفي هذا الصدد أكد الناقد الثقافي الدكتور عبدالله الغذامي أن المسألة لا ترد عنده تحت عنوان المفترض، ولا عنوان الواجب، أو المستحب، بل هي أكبر من كل هذه الافتراضات، فالكائن الذي ليس له قضيةٌ لن يكون كائناً سويّاً، وإنما هو كائنٌ عبثي وزائدة دودية -حسب مصطلحات الطب-، لافتاً إلى أن أي إنسان يحتاج لتحفيز عبر صيغ ما يجب، وما يستحب، ولن يكون حقاً مثقفاً، ولن يكون موظفاً يستحق مرتبه، ولن يكون مزارعاً تجود عليه أرضه بالثمر إلا صاحب قضيّة. وقال صاحب النقد الثقافي: أنا وأنت أبناء جيلٍ كانوا فلاحين أو تجاراً، وهاتان مهنتان بشريتان من أعمق مهن البشرية، والفلاح والتاجر لا ينجحان إلا لأنهما أصحاب قضية، أدناها أن يعيش حياة شريفة هو وأهله؛ ليتفادى الوقوع في مساس الحوج. وأضاف: ويحٌ لأي مثقف يزعم لنفسه صفة التثقف إن احتاج التنبيه على ما يجب وما يستحب. وزاد: نعم هناك مستهترون يعيشون اللذة، ولا يعنيهم غير لذتهم، لكن هؤلاء ليسوا مقياساً لأي معنى، ويظلون موضع بحث وتفكر بما أنهم غير أسوياء. أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;}


عكاظ
منذ 11 ساعات
- عكاظ
ياسر مدخلي: المسرح يعاني.. ومقاولوه يبحثون عن مكاسبهم
/*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} حاكم الشارقة يسلّم مدخلي جائزة المسرح. مدخلي مع الإعلامية خديجة الوعل في ديوانية القلم الذهبي. مدخلي في أحد اجتماعات جمعية المسرح والفنون الأدائية. فريق مسرحية صادق النمك. جمعٌ من المثقفين في ديوانية القلم الذهبي. مع ناصر القصبي. للكاتب المسرحي مدير الإدارة التنفيذية لـ«ديوانية القلم الذهبي» ياسر مدخلي حضوره الإبداعي، والإداري. أنشأ مبادرة «مسرح كيف» الأولى من نوعها في قطاع المسرح منذ 25 عاماً، وحقق خلالها العديد من الجوائز، ونالت أعماله اهتماماً من الباحثين الأكاديميين داخل المملكة وخارجها. وهنا نحاور تجربة لها رؤية وخبرة، حول شؤون وشجون «أبو الفنون»، فإلى نصّ الحوار: • لماذا أنشأت «مسرح كيف»؟ •• «كيف» سؤال عن الطريقة، والبحث المستمر، وتحقيق الجودة مقابل الكم، و«كيف» تمثّل أسلوب التجربة الذي أصبح سمة هذا الكيان الذي أثبت حضوره كفريق يعمل بشكل مؤسسي ويمتلك حوكمة متفوقة، إضافة إلى أن «كيف» تعبّر عن المنهج العلمي وراء التجارب التي جذبت الجمهور، ولفتت اهتمام المتخصصين. وطيلة الأعوام الماضية حققنا استدامة ثقافية نوعية، ونقدم اليوم مخرجاتنا بجرأة ورصانة كقوالب مبتكرة نقترحها على جمهور المسرح المحلي ومتطلعين إلى جمهور وصناع المسرح العالمي. • ماذا أنتج؟ وما تأثيره؟ •• نفذنا من خلال «مسرح كيف» وبدعم ذاتي، عدداً من الدورات التدريبية التي صقلت العديد من المواهب المسرحية في مجالات مثل الكتابة والتمثيل والإنتاج، وأنتجنا كل الأعمال التي وطدت العلاقة مع الجمهور، ومن خلال هذه العروض قدمنا تجارب علمية منهجية، وكمخرج وباحث توصلنا لفهم أعمق للجمهور. • ماذا يعني فهم الجمهور؟ وهل المسرحي بمعزل عنه؟ •• إن ما يعانيه المسرح في العالم اليوم هو أن المبدع والمنتج يعتمدان في تصميم وصناعة المسرح على ذائقتهما، وقناعتهما، وتوقعاتهما، بعيداً عن دراسة المتلقي المستهدف ومتجاهلاً لدراسة السوق، وحتى نستطيع حل هذه الإشكالية علينا أن ندرك بفهم شامل المنطقة المشتركة بين صانع العرض ومستهلكه، لنقدم عرضاً مسرحياً قابلاً للتلقي وناجحاً مع الجمهور وجاذباً باستمرار ومحققاً للتأثير المسرحي، وبإشراك الجمهور استطعنا أن نوظّف مسرحنا لخدمة المجتمع. • لماذا لديك حساسية من المسرح التجاري، وتطلق على من يتبناه «مقاول»؟ •• أعتقد أن من أدوار المسرح مساعدة الجمهور على الشعور بالسعادة والتفاؤل والأمل والاستمتاع بالجمال، وأيضاً اكتساب الجمهور عدة قيم؛ منها التعايش والتقبّل والولاء والتكاتف بين أفراد المجتمع. والمقاولون الذين يعملون في المسرح يبحثون عن مصلحتهم التجارية ومكاسبهم فحسب، ولا يقدمون دوراً ثقافياً أو حضارياً يسهم في تشكيل إرث فني إبداعي في هذا المجال، لذلك أجد أن موقفي ضد مقاولات المسرح هو بسبب تغييب جزء كبير من المسرحيين الذين توقفوا بشكل أو بآخر عن تقديم أعمال مسرحية ذات قيمة إبداعية عالية، ما جعل المسرح دون أثر اجتماعي، كما تفعل مباراة كرة قدم مثلاً. • ما رؤيتك للكتابة المسرحية؟ •• أؤمن بأهمية تكوين الشخصية الإبداعية للكاتب. دائماً أحاول من خلال كتاباتي أن أقدم أسلوباً يحفّز القارئ على النقاش ويتيح له مساحة لطرح التساؤلات، ورغم أن المسرح العربي متعدد الثقافات والمرجعيات والحاجات، إلا أنه يشترك في القيم والقضايا الإنسانية وشغفنا بالحكايات، لذلك يكون طرح القضايا المشتركة بحاجة ماسة إلى لغة يمكنها التعبير عن مساحة أكبر وزمن أطول لتتلاءم هذه النصوص وهذه الأعمال. وأعتقد أنني أجتهد في تقديم أعمالي بأسلوبي الخاص الذي يتمكن من خلاله النص أن يصل إلى أبعد من البيئة التي أعيش فيها. • من يقف وراء أسماء أعمالك؟ هل هي عفوية، أم أن للعنوان نصيباً من الاشتغال على العمل؟ •• طبعي التأني في إخراج وتنقيح النص والكتابة، مراحل لا تتوقف على مسوّدة واحدة أو اثنتين لأنني دائم الكتابة والتحرير والتعديل على النصوص. واختيار اسم النص دائماً ما يشغلني، ليكون معبراً بشكل جيد ومشوقاً أيضاً، وأنا في الدورات التدريبية في الكتابة أؤكد على أهمية العنوان لتحفيز المخرج والمنتج والقارئ لبدء التواصل مع النص، لذلك أعتقد أنه جزء من أسلوب الكاتب وشخصيته، ومن الذكاء أن نختار اسماً مميزاً لأنه بطاقة عبور باتجاه الآخر، وعتبة أولى للحكاية وأداة تسويقية مؤثرة. • لماذا تميل للتمرُّد على القواعد وتتفنن في كسرها؟ •• ليس تمرُّداً، وإنما محاولة لصياغة التجربة التي أبحث فيها عن شكل يخدم أهدافها، فهذه التجارب هي التي تجعلني أعيد اختبار القواعد، وأبدأ في ابتكار أسلوب مواكب للتغيير الطارئ على المبدع والمتلقي، لذلك فإن كسر القواعد لم يكن هدفاً بذاته وإنما هو وسيلة لمساعدتي على اختبار قواعد جديدة بالبحث العلمي، ولي مع «مسرح كيف»، تجربة مسرحية تختبر فرضية أو تساؤلاً محدداً، والمسرح الذي لا يقدم تجربة مسرح بائد. • كيف وجدت «الكوميديا الارتجالية التفاعلية»؟ •• كانت تجربة «صادق النمك» قائمة على الارتجال، ولم يكن الهدف من الارتجال تقديم ممثل بارع، بل كانت الفكرة كيف نستطيع جعل الجمهور ممثلاً جيداً بإتاحة الفرصة للمشاركة، وهذا ينطلق من كون التفاعل أصبح هوس المتلقي، من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تمنحه فرصة التعبير عن الإعجاب وإعادة النشر ومشاركة المحتوى، والمتلقي اليوم يصنع المحتوى. والمسرح يواجه تحدياً مع التطبيقات والهواتف الذكية التي ترافق الإنسان في كل مكان وتعوضه عن التعامل مع الإنتاج التقليدي للإعلام والثقافة، وبالذات المحتوى الدرامي الذي يطرح في المنصات المختلفة، لذلك صنعت قالب «الكوميديا الارتجالية التفاعلية» كي نستفيد من فكرة التفاعل التي يهتم بها المجتمع، والارتجال ابن اللحظة التي تقدم جوهر الإنسان وتعبّر عن شيء ما في داخله، لذلك كانت فرصة لإطلاق مشاعر الناس ومواقفهم من خلال دور يقدمونه داخل العرض، وكانت كل المداخلات تعبّر عن قبول الجمهور، ومحاولة التداخل تجاوزت عدد الفرص الموجودة في العرض. • بماذا تواجه النقد؟ وما موقفك من النقاد؟ •• أعتقد أن النقد إحدى الركائز لنمو أي إنتاج إبداعي، ومهمة النقد تبدأ بالملاحظة ثم تحاول التوجيه والتوثيق وتقدم القراءة للإبداع، ثم يصبح الناقد أيقونة، عندما يكسب ثقة المبدعين والجمهور، وتقف حركة النقد وإنتاجه على مسوؤلية الحارس الذي يحقق الأمان الإبداعي، ومن خلاله يتم إبراز التجارب الجديدة، وإيقاف المهازل التي ربما تنحدر بالفن والأدب والفكر، لكن النقد اليوم للأسف غاب أو -على أحسن تقدير- انحدر بسبب تعنت النقاد وشراسة أساليبهم، وعدم مواكبتها المشهد الإبداعي، فحاجتنا للنقد لا تقل عن حاجتنا إلى وجود المبدعين، لأن النقد حالة متوازية ومتجدده تشجع المميز وتقوم المتعثر وتحاكم السيئ. • ما موقفك من المهرجانات الكثيرة؟ أم أنك لا تدعى إليها؟ •• الكثرة أو القلّة ليس لها تأثير جوهري، فالمضمون هو الغاية وليس المهرجان نفسه، وتنوع المهرجانات مهم وكثرتها مهمة، ولكن إذا كانت مضامين هذه المهرجانات متشابهة، وضعيفة، أو كانت تدار بأساليب تقليدية أو متحيزة، أو لديها أجندة تؤثر على هدفها الإبداعي فأعتقد بأنها تؤثر سلباً على العمل الفني، لذلك وجود المهرجانات مهم، والتنوع أهم ويجب ألا نغفل أهمية اعتماد واختيار تحكيم وإدارة المهرجانات بطريقة مهنية وفق معايير واضحة وشفافة لتحقق تكافؤ الفرص وتعزز التنافسية بين المبدعين وتبرز التجارب المهمة والأسماء التي تستحق الاحتفاء. • ما الذي دفعك إلى الاستقالة من مجلس إدارة جمعية المسرح والفنون الأدائية؟ •• بدأت عملي في مجلس إدارة جمعية المسرح والفنون الأدائية المهنية منذ ثلاثة أعوام ونصف تقريباً، وكنت مع زملائي الأعزاء بقيادة رئيس مجلس الإدارة الفنان القدير ناصر القصبي نعمل على تأسيس أرض صلبة انطلاقاً من الحوكمة بصياغة عدد ضخم من السياسات الداخلية واللوائح والأدلة والتشريعات وتنظيم مهمات للجمعية بإستراتيجية واضحة تعنى بالجانب المهني، وترتقي بالممارسين، وتعزز الثقافة والوعي في قطاع المسرح والفنون الادائية، وانتهيت من كل المهمات التي كُلفت بها ولم يعد لوجودي ارتباط واضح يستحق بقائي، وللأعزاء في المجلس كل التقدير على فترة أعتبرها تاريخية لتأسيس منظمة مهنية تحافظ على المبدعين وترعى مصالحهم وتنمي أعمالهم وتحمي حقوقهم. • ما القرار الذي تحتاج إليه جمعية المسرح لتقدم أثراً ملموساً في الميدان؟ •• كون الجمعية اليوم ذات شخصية اعتبارية وتخصص مهني، نتوقع من المسرحيين الكثير، وأتمنى أن تقوم بدورها، في ضبط ممارسة المهن المسرحية وتتيح الفرصة المشجعة للممارسين في قطاع المسرح وقطاع الفنون الأدائية، وهو جهد كبير بحاجة إلى أن يكون للجمعية موارد مالية مستدامة، وأن تركز مهماتها وأعمالها على الجانب المهني، والزملاء الكرام في مجلس الإدارة يقومون بجهد عظيم، في المهمات التي ما زالوا يعملون عليها، وسواء كنت في المجلس أو كنت خارج المجلس، وسواء كنا أعضاء اليوم في الجمعية أو خارج الجمعية، يجب أن يكون لنا دور نقوم به بدافع وطني ليكون مسرحنا قائماً وقوياً ومنتجاً ومؤثراً ومواكباً للرؤية الطموحة التي تحققها البلاد. • ألا تبالغ بوصف المسرح بالناضج في ظل النقص الحاد في البنية التحتية وغياب لائحة المهن الفنية؟ •• لدينا مسرحيون، وليس لديهم مسرح، هذه حقيقة، إلا أن هذا لا يجعلنا ننكر ببساطة ما قام به المسرحيون خلال العقود الماضية، وحققوا حضوراً قوياً ومهماً في المحافل الدولية، وعندما تمكنوا من تقديم أعمالهم أقبل عليهم الجمهور، وبالأثر والأرقام حقق المسرحيون دوراً كبيراً في الجنادرية، ومسرح الأمانة، ومهرجانات المناطق والجامعات، والعروض المذهلة في بوليفارد رياض سيتي بدعم هيئة الترفيه، وفي المقابل جمهورنا متعطش ويكاد حضور المسرح يفاجئ الجميع في كثير من الأعمال، إلا أن الإستراتيجية التي تلغي وجود القطاع الخاص، أو لا تشجعه على الاستثمار، خطة ناقصة، وإن لم تُعِق المسرحيين عن مزاولة شغفهم والمساهمة في تشكيل حراك مسرحي ينافس محلياً ودولياً. • متى يستعيد «أبو الفنون» في بلادنا كامل عافيته؟ •• عندما يقترب صانع القرار من المبدع، ويلبي احتاجاته، ويؤمّن له الأدوات الكافية، من التشريعات والحقوق والواجبات والبنى التحتية البسيطة والمعقدة سيستطيع النجاح في الوصول إلى الجمهور ويؤثر فيه. فالمسرحيون هم العتبة الأولى لدعم الحركة المسرحية، وتجسير العلاقة بين الأجيال، وتنمية الفرق ومنحها صفة اعتبارية ستجعلنا أمام سوق مغرٍ يجذب رؤوس الأموال ويحرك المياه الراكدة في قطاع بكر لم يتجرأ المستثمر على اكتشاف الفرص الربحية التي تنتظره والمسرح السعودي قادر برغم ما يعتريه من ظروف، فهو حاضر في منصات التتويج، وفي أبحاث الدراسات العليا، وفي المهرجانات المختلفة، ويقدم اليوم بلغات عديدة. • ماذا عن اهتماماتك الأخرى؟ •• كل اهتماماتي وهواياتي تتضاءل أمام المسرح، لا شك أني أحب الرسم والتصوير وكتابة الشعر والخط، ومن يزور مكتبي يُفاجأ بأن هناك زاوية للرسم، وأخرى للنحت، وعلى طاولتي لوحات للخط، ومسوّدات عديدة للمسرح، وبعض القصائد هنا وهناك. المسرح دفعني لاكتساب هوايات عدة، وتعلم الموسيقى، والاهتمام بالتخطيط الهندسي، والتعمق في فنون الإدارة والمشاريع، والتعرف على تجهيزات الإضاءة والخدع البصرية. • هل ينجح الفنان في إدارة العمل الثقافي؟ •• إدارة العمل الثقافي شاقة، لأنها تقدم خدماتها لمبدعين يمتلكون القدرة على ممارسة أعمالهم بشكل مستقل، وهذا يصعّب الأمر من ناحية، فكيف تجذب شخصاً قادراً على الاستغناء عنك؟ وفي المقابل كيف تحقق تطلعات الأفراد بمختلف أذواقهم واتجاهاتهم وطموحاتهم؟ نجاح الإدارة الثقافية يحتاج نكران الذات، فالمدير يجب أن يستفيد من تجاربه وخبراته في الميدان الثقافي، ولكن عليه ألا يسمح لذائقته أن تؤثر على صناعة قراره، وأن يتجنب التحيز لمن يحبهم ويحب أعمالهم، وفي المقابل عليه أن يقدم الخدمة بعدالة حتى مع من يختلف معهم أو ربما كانوا خصوماً له في يوم من الأيام. • ألا تخشى على ياسر «الكاتب» من «الإداري»؟ •• علينا أن نخشى من «الكاتب» على «الإداري» وليس العكس، فعندما تؤثر الذائقة والمصالح على القرار تسقط المهنية، وأعتقد أن نفقد كاتباً فهذه خسارة لفرد، لكن خسارة إداري ستجعل القطاع كله يعاني وتختل موازين الإبداع ونفقد ثقة المبدع في المجال. • أين المسرحيون من «ديوانية القلم الذهبي»؟ هل يتنكر ياسر لرفاق الدرب؟ •• موجودون، لكن يجب أن نضمن التنوع والفرصة للجميع، ومهما تنكر المثقف للآخر، فلا أحد يقدر على إلغاء أحد، و«ديوانية القلم الذهبي» ليست لأصدقائي ورفاق الدرب كما تقول، لكنها على مسافة عادلة من الجميع، وأسعدني أن الديوانية انفردت بالاحتفاء باليوم العالمي للمسرح، وجمعت أصغر ممثل مبتدئ بأكبر فنان قدير، وكان لقاء رائعاً وإيجابياً، وأدهشتني الطاقة الإيجابية في المسرحيين الحاضرين بتنوع أعمالهم وأساليبهم وتخصصاتهم، وكانوا سبباً في نجاح ذلك اللقاء، ولم يتوقف بعضهم عن زيارة الديوانية والمشاركة في اللقاءات اليومية بين المثقفين. • ماذا منحتك إدارتك للديوانية؟ وماذا اختزلت منك؟ •• فرصة مذهلة للتعرف على عدد كبير من القطاعات المختلفة، والاهتمام بها جميعاً على حد سواء، وقراءة المشهد الثقافي بعمق أكثر، والنظر من زوايا جديدة والوقوف على مسافة واحدة من كل القطاعات. «ديوانية القلم الذهبي» تجبرني يومياً على البحث عن المثقفين لأنهم الفئة المستهدفة باختلاف مشاربهم واهتماماتهم، ولكني أجد أنها تستحق أن أمنحها الأولوية أنا وكل زملائي العاملين في خدمة هذه المبادرة بإشراف ودعم المستشار تركي آل الشيخ، لأنها مشروع مختلف تماماً وفريد من نوعه من حيث الشكل والفكرة والمضمون. وحتى نكون منصفين فإن التجربة في بدايتها، ويجب ألا يغرينا الثناء، وإذا كانت الديوانية نجحت في وقت قياسي فمسؤوليتي وزملائي المحافظة على النجاح خدمة للإبداع الوطني، وتقديراً لثقة من اختارنا وامتثالاً لتوجيهاته. • ما دور ومهمات «ديوانية القلم الذهبي»؟ •• كما أُعلن سابقاً؛ «ديوانية القلم الذهبي» ملتقى يومي للأدباء والمثقفين، تحتوي على أكثر من 2000 كتاب متنوعة التخصصات، ومعتزل للكتابة، وخلوة للقراءة، وصالة للضيافة اليومية، وجلسات خارجية، وفي كل يوم يتعرف الزوار على بعضهم ويخلقون حواراتهم المهنية، وأصبحنا نساعد الجميع على اللقاء بناشرين لطباعة الروايات والكتب المختلفة، ومنتجين لمناقشة مشاريع سينما ومسلسلات، ومخرجين يبحثون عن نصوص مسرحية وسيناريوهات. • لماذا يتم توجيه دعوات لشعراء وكُتّاب بصفة دورية؟ •• الدعوة فقط للقاء الأسبوعي تقديراً للأدباء والمثقفين، وتعريفهم على بيئة تجمعهم يومياً، وخلق أجواء محفزة على الإبداع والحوارات الإثرائية عن تجاربهم ووجهات نظرهم. • ماذا يتمخض عن هذه اللقاءات؟ •• أتمنى أن ننجح في جعلها فرصة نوعية لالتقاء أجيال مختلفة ومبدعين من قطاعات عدة يمارسون بكل حرية حواراً حضارياً لتشكيل موقف من الحالة الإبداعية وظروفها وتطلعاتهم تجاهها، وخلق طاقة إيجابية اعتزازاً بالأمل الذي صنعته السعودية للعالم عموماً والوطن خصوصاً، وهذه الأجواء نجحت في توطيد علاقات مليئة بالود وتقبل الاختلافات واحتفاء بالواعدين وتقدير للرموز وتشجيع للأفكار لتخرج إلى النور. أخبار ذات صلة