اقتصاد السعادة
فالشعوب السعيدة تدفع الضرائب، لكنها تتمتع بخدمات عامة وبنية تحتية أفضل، وتكون الحكومة فعّالة ليكون هناك قطاع عام منتج وقطاع خاص مبادر وقوي، وقوى بشرية مبدعة ومبتكرة وريادية.
والشعوب التي صُنّفت أكثر سعادة، مثل الدنمارك وسويسرا والنرويج، حسب المبادرة التي أطلقتها الأمم المتحدة عام 2012، فلقد كانت الضرائب فيها مرتفعة على المواطنين، لكن مستوى الحرية الفردية المتزنة التي يشعر بها المواطن كان أعلى، وكان هناك توازن يعيشه المواطن بين حياته العملية وحياته الاجتماعية، وكانت هناك ثقة عالية من المواطنين بحكومتهم.
والمواطن في تلك الدول، الذي يستطيع أن يحصل على حرية تحديد مساره الاجتماعي والعملي والسلوكي الموزون، والأكاديمي العلمي والمهني، وهذا مختلف كلياً عن المواطنين الذين يعيشون في ظل دولة ريعية، يُجبره مستوى دخله على تحديد نوعية المدرسة التي يستطيع أن يُدرس أبناءه فيها، ومدى الضغوطات الدراسية على توفير مسار أكاديمي مناسب لأبنائه في ظل تدني مستوى التدريس أو التفاوت بين التحصيل الأكاديمي للفرص المتاحة والتنافسية الأصح، مما يجعل المواطن يبحث عن مصادر دخل مساندة ومساعدة، بالعمل ليل نهار، أو بالغش أو بالفساد وغيره، بدلاً من السعي بعمله للإبداع والابتكار والريادة، أو عمل مشروع خاص به.
فالشعب السويسري، مثلاً، تمتلك دولته الكثير من الشركات الكبرى، وبالتالي لديها اقتصاد قوي، وتُنافس تلك الشركات بقية الشركات، مثلاً صناعة الشوكولاتة وصناعة الساعات وغيرها، حيث يصل دخل الفرد فيها إلى 50 ألف دولار سنوياً على الأقل، مع توفر كافة خدمات البنية التحتية شبه مجاناً، سواء النقل أو الكهرباء والمياه وغيرها.
ولا يوجد فيها صراعات داخلية ومناكفات اجتماعية، وتتجنب المشاركة في الصراعات المختلفة، وتهتم بالرعاية الصحية لمواطنيها، وتهتم بالكبار والصغار لتُقدّم أفضل رعاية صحية ومستقرة وآمنة، لذلك لديهم الديمقراطية الحقيقية.
إننا جميعاً، كبشر، فاعلون، وقادرون على العطاء والإنتاج والإبداع والابتكار والتعاون المشترك المثمر، وقادرون على الانضباطية والالتزام، ودفع الضرائب الموزونة، ودفع المخالفات المُحقة، مقابل تقديم أعلى مستوى من الخدمات من قبل الحكومة، ليَلمس المواطن السعادة الحقيقية، ويكون هناك نمو اقتصادي حقيقي مستدام بكل مؤسساتها ومُنشآتها.
فـ»اقتصاد السعادة» هو الدراسة الكمية والنظرية للسعادة، والوجدان الإيجابي والسلبي، والرفاهية، وجودة الحياة، والرضا عن الحياة، حيث يرتبط ذلك بعلم النفس والاجتماع والصحة.
وهناك الدول التي تعمل جاهدة على تفعيله وتطويره بشتى الأساليب والإمكانات، وليس البحث فقط عن الهدف المادي، فكل مواطن ينشر السعادة ويبحث عنها، بل يبحث مفاتيحها (مفتاح السعادة)، علينا أن نجده وننميه، فـما سر وجودنا إن لم نسعَ للبحث عن السعادة؟ ، فهي تنبع من داخل الإنسان، وهو ما يحقق الرضا الفردي والطمأنينة على نفسه وأهله، من حيث توفر المقومات الأساسية من مستوى المعيشة المُقنع، من صحة وتعليم، رغم كل الأزمات والصعوبات.
فلا بد وأن نتعاون على توفير ما يمكن أن نوفره من بيئة آمنة غير ملوثة، تُحقق السعادة، وليس إشباعاً لغايات ليس لها سقف أو حدود أو أفكار خاطئة، بل الرضا، والصحة النفسية، والقناعة الذاتية، فهي مرتبطة بالطبيعة الاجتماعية للكائن البشري.
ودولة لبنان، رغم كل الأزمات والصراعات الداخلية والخارجية، قررت تعيين وزير للسعادة، علماً أنه قد هاجر منها الآلاف من المواطنين بحثاً عن السعادة في دول أُخرى، لكن مثل هذا القرار كان لا بد منه ليكون خطوة جدية نحو التغيير، لا أن يكون ديكوراً سياسياً يُجمّل المشهد القاتم، وأن يكون بداية لوعي جديد بأن الإنسان ليس مجرد رقم في معادلة اقتصادية، بل إنسان يبحث عن الكرامة، والأمن، والطمأنينة، في بلد أصبحت فيه الكهرباء والماء لمن تتوفر لديه الرفاهية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


السوسنة
منذ 4 ساعات
- السوسنة
الفخّ الصيني
رغم أن قمة «البريكس» لم تكن بالمستوى المتوقع، من حيث المشاركة، بعد أن غاب الرئيسان الصيني والروسي، فإنها في كل مرة تعقد تقلّب مواجع الغرب، وتذكّر بأن ثمة قوى أخرى في العالم، تقف بالمرصاد لاقتناص الفرص. فرض رسوم على من ينضم إلى أجندة بريكس من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، دفاعاً عن الدولار الذي «يجب أن يبقى ملكاً»، ليس وحده الإشارة على الانزعاج. فكل دول البريكس في كفة، والصين وحدها في أخرى.«ها نحن نعض أصابع الندم. لقد ساعدناهم في الاستيلاء على التكنولوجيا التي ابتكرناها»، يقول المتخصص الفرنسي في الشؤون الصينية إيمانويل فيرون.منذ العقد الأول من القرن الحالي، والدول الغربية تتداول في الغرف المغلقة حول ما يجب فعله في مواجهة الصين، بعد أن بدأت مئات الشركات الغربية تجد نفسها مجبرة على الانسحاب من أرض ظنتها «إلدورادو لا ينضب معينها». ما يزعج ليس تقدم الصين، وسبقها المذهل، وإنما استقلاليتها واستغناؤها عن الغرب. بات بمقدور الصين أن تصنّع قطارات سريعة تتفوق بشكل كبير على القطارات الغربية. هذا يعني ليس فقط أنها تتمدد لتنسج بسككها طريق الحرير الجديد، وإنما أن تصدّر من دون منافس كبير. وكما القطارات التي انطلق أولها من بكين إلى شنغهاي عام 2011 ومن يومها لم يتوقف، كذلك الطائرات، التي انتهت من الحبو وأخذت تطير، وقريباً تصبح منافساً لـ«بوينغ» و«إيرباص»، ومثلها الصواريخ والسيارات، بعد أن احتلت الصين سوق البطاريات من دون أي منازع.التحقيق الرهيب الذي بُث على الإنترنت تحت عنوان «الطريقة الصينية في غزو العالم» يتتبع الاستراتيجية المحكمة للرئيس الصيني دينغ شارو بينغ منذ عام 1975، حتى قبل أن يتولى السلطة، حين زار فرنسا لأسبوعٍ واطلع على أهم التكنولوجيات النووية. هذه الخطة هي التي طبقها أسلافه، التي تجعل الغرب يشعر اليوم بأنه وقع في الفخ الصيني.أظهرت الصين للغرب منتصف السبعينات أنها دولة فقيرة، بكثافة سكانية مربكة، وتحتاج مساعدة، ولن تتردد في دفع الثمن. فرصة استثمارية لا تردّ في بلد بحجم قارة. طلب دينغ شاو بينغ أن تأتي المصانع والشركات الغربية إلى بلاده، مبدياً الرغبة في الانفتاح على الغرب. عندما تمت الموافقة، اشترطت بكين أن تكون المصانع بشراكة مع جهات محلية. تبين في ما بعد أن الذين وُظفوا في المصانع، ليسوا عمّالاً كما تم التعريف بهم، وإنما مهندسون على درجة عالية من المهارة والتكوين العلمي. هؤلاء تمكنوا من تخطي الخُبث الغربي.الغرب الذي افتتح مئات المصانع، وسال لعابه على الكعكة الصينية، لا بل وتنافس على ساحة اعتبرها باقية إلى أمد بعيد، لم يزود الصين بأحدث تقنياته، كما وعد. حتى بالسيارات كان يحتفظ بالموديلات الأحدث لنفسه، ويقدم للصينيين الجيل الذي يسبق. لكن المهندسين الذين زُرعوا في المصانع، لم يتعلموا فقط بل فاقوا أساتذتهم وأضافوا، وتمكنوا من الاجتهاد بشكل غير متوقع، هذا ترجموه وهم يشيدون قطاراتهم السريعة.ثورة 1989 جاءت للغرب باب فرج. ظن أن حلم الديمقراطية عند الشباب الصيني سيكون كافياً لقلب الطاولة. لكن السلطة ضربت بيد من حديد، وفرقت محتجي ساحة «تيا نان من» بالقوة، وهو ما تحول إلى حجة للغرب، ليفرمل تعاونه الصناعي والتكنولوجي مع الصين، وقد بدأ يتحسس تكاليفه المستقبلية الباهظة.لكن سرعان ما عاد الجميع إلى بكين، متجاهلين مخاوفهم مع انهيار جدار برلين، وزوال الخطر الشيوعي. صارت الصين جزءاً من السوق العالمية، منخرطة في منظمة التجارة، مقترضة من البنك الدولي. الرئيس نيكولا ساركوزي الذي زار خلال عهده الصين وعقد اتفاقاً بثمانية مليارات دولار لبناء أربعة مراكز نووية عالية التقنية، اعتقد أنه سيبقى متقدماً في السباق. وهل على القوي أن يخشى من ضعيف قد يسبقه بعد خمسين عاماً. ألن يكون هو الأوفر حظاً بكل ما له من معرفة وتفوق، في البقاء في المقدمة؟ لعله الغرور، أو ثقة زائدة، جعلت الغرب كله يبقى حذراً، لكنه لا يقاوم الاستثمارات الكبرى التي فتحت أمامه في الصين.يقول جنرال سابق في الجيش الشعبي اسمه كولونيل ليو مينغ فو: «نحن تلامذة مجتهدون. نتعلم بسرعة. نستوحي ونجعل أكبر منافسينا شريكاً لنا، لنتعلم بأفضل الطرق».ما يقال بصوت مرتفع، كانت تخفيه الصين، وتقدم نفسها أمةً مهيضةً. لهذا يردد الأوروبيون بحسرة، وهم يتحدثون عن تجربتهم المريرة: «لقد خُدعنا».في خطاب له أمام طلاب جامعة بكين، قال الرئيس تشي جينبينغ: «إن دبلوماسية الصين تشبه (لعبة الغو)». هي أقدم لعبة عرفتها الصين. على عكس الشطرنج، لا تقوم على طرد العدو وقتله بالضربة القاضية. المطلوب محاصرة الخصم من الأطراف والتقدم تدريجياً وببطء إلى نقطة المركز. في هذه الأثناء، يكون اللاعب الماهر قادراً على احتلال مساحات وهو يتقدم بهدوء باتجاه الوسط. هذا يتطلب خطة مسبقة، ورؤية شمولية لرقعة اللعب، ثم التحلي بالصبر وإدارة الوقت للسيطرة، والوصول إلى الهدف.


خبرني
منذ 5 ساعات
- خبرني
عملة بتكوين تسجل مستوى قياسيا مرتفعا جديدا مقتربة من 112 ألف دولار
خبرني - ارتفعت عملة بتكوين إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق مقتربة من مستوى 112 ألف دولار في وقت متأخر من الأربعاء، مدعومة بتزايد الإقبال على المخاطرة واستمرار الطلب من المؤسسات.


خبرني
منذ 6 ساعات
- خبرني
النفط يتراجع بعد ارتفاع مفاجئ في مخزونات الخام الأميركية
خبرني - تراجعت أسعار النفط، الأربعاء، وسط تقييم المستثمرين لأثر الزيادة المفاجئة في مخزونات الخام الأميركية الأسبوع الماضي، والذي تجاوز تأثيرات هجمات على ممرات الشحن في البحر الأحمر وتوقعات بانخفاض إنتاج النفط في الولايات المتحدة. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 20 سنتا، أو 0.29%، إلى 69.95 دولارا للبرميل بحلول الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش. كما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 24 سنتا، أو 0.35%، إلى 68.09 دولار للبرميل. وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية الأربعاء إن مخزونات الخام في الولايات المتحدة ارتفعت الأسبوع الماضي بينما انخفضت مخزونات البنزين ونواتج التقطير. وأوضحت أن مخزونات الخام ارتفعت 7.1 مليون برميل إلى 426 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الرابع من تموز، مقارنة مع توقعات المحللين في استطلاع أجرته رويترز بالانخفاض 2.1 مليون برميل.