
نقابة الصحفيين المصريين: ما يحدث في غزة إبادة جماعية بالتجويع وصمت العالم شراكة في الجريمة
وقالت النقابة في بيان شديد اللهجة: "باسم الأطفال الذين يلفظون أنفاسهم الأخيرة تحت وطأة الجوع، وباسم الدماء التي تُزهق أمام شاحنات المساعدات، نُدين بأقصى العبارات جريمة التجويع الممنهج التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي بلغت مرحلة الإبادة الجماعية المنظمة، بمشاركة أمريكية، وتخاذل دولي، وصمت عربي يُخجل التاريخ."
أرقام صادمة: غزة تموت جوعًا
أشار البيان إلى أن المجاعة التي تضرب قطاع غزة تسببت حتى الآن في استشهاد أكثر من 900 فلسطيني، بينهم 71 طفلًا، فيما سُجلت أكثر من 6000 إصابة نتيجة إطلاق النار المباشر على المدنيين المنتظرين عند نقاط توزيع المساعدات.
وسُجلت 18 حالة وفاة يوميًا في يوليو فقط بسبب الجوع وسوء التغذية، في حين يواجه 650 ألف طفل خطر المجاعة، ويحتاج 112 طفلًا يوميًا إلى دخول المستشفيات لعلاج الهزال الحاد، وسط عجز شبه تام في القطاع الصحي. كما تواجه 60 ألف امرأة حامل خطر فقدان حياتهن أو حياة أجنّتهن نتيجة انعدام الغذاء والرعاية.
سياسة ممنهجة لا أخطاء فردية
أكدت النقابة أن هذه الجرائم لا تندرج ضمن "أخطاء عسكرية"، بل تعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة للتطهير العرقي، عبر استخدام التجويع سلاحًا جماعيًا، وتحويل معابر المساعدات – خاصة معبر رفح – إلى مصائد موت، حيث استُشهد المئات أمام شاحنات الغذاء، أبرزهم ضحايا مجزرتي السودانية وزيكيم في يوليو.
وقالت النقابة إن ما يجري يمثل "فصلًا جديدًا في الإجرام يفوق النازية"، حيث يُقتل الفلسطينيون أمام أنظار العالم، بينما تُمنع وكالات الإغاثة من إيصال المساعدات، وتُمنع الأمم المتحدة من إعلان المجاعة رسميًا رغم تحقق شروطها (20% من السكان في مجاعة حادة، و30% من الأطفال بهزال شديد).
خمسة مطالب عاجلة من نقابة الصحفيين المصريين إلى محاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي والداعمين الأميركيين أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية و"الإبادة بالجوع"، مع توثيق هذه الجرائم ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
وطالبت بضرورة فتح معبر رفح فورًا ودخول المساعدات دون شروط، باعتباره شريان الحياة الوحيد في غزة، وإنهاء استخدامه كسلاح ضد المدنيين، وقطع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني ووقف كافة أشكال التطبيع والتعاون، سياسيًا وتجاريًا، باعتبار استمرار العلاقات مشاركة في الجريمة، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية والدول الداعمة للاحتلال، كأداة ضغط شعبي حتى وقف المجزرة الجارية.
دعت النقابة لى تحرّك إعلامي عربي ودولي واسع لتوثيق المجازر، وتعميم تقارير عن جرائم الاحتلال في الصحف العالمية والبرلمانات، والتصدي لآلة التزييف والتعتيم الإعلامي.
دعوة مفتوحة للضمير العالمي
واختتمت النقابة بيانها قائلة: "إن موت الطفل الفلسطيني جوعًا ليس رقمًا... إنه إعدام مباشر للضمير الإنساني. وما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد عدوان عابر، بل جريمة إبادة شاملة تُمارس على مرأى ومسمع العالم. فإما أن تتحرّكوا اليوم، أو تسجلوا في صفحات التاريخ كأول حضارة سمحت بإبادة شعبٍ عبر التجويع."
وأضاف البيان: "غزة لا تختبر فقط صمود أهلها... إنها تمتحن إنسانيتكم أنتم. فهل نختار جميعًا الخذلان، أم نقف أخيرًا أمام مرآة التاريخ؟"
المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القاهرة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
عندما يجوع الكرام
مما أذكره إبان الانتفاضة الأولى؛ أي انتفاضة الحجارة، أن مجموعة من الصحافيين الاجانب قد وصلوا إلى قطاع غزة باستضافة بعض الصحافيين الغزيين، وبمجرد ان تجاوزوا حاجز "ايرز" وأصبحوا بين أزقة مخيم الشاطئ تحديداً، قال أحدهم وهو يخرج رأسه كاملاً بل نصف جسمه العلوي من نافذة السيارة، ويلوّح بذراعه لأطفال الحجارة: أهل غزة لا يجوعون، الحاويات ممتلئة بالقمامة ومعظمها تحتوي على بقايا طعام. هذه الملاحظة لفتت نظر الصحافي الأجنبي، وقد كانت الانتفاضة في أوجها، وكان يمكن وصف الشوارع وقتها بأنها شوارع من نار، وحيث تدور المعارك بين حجارة الأطفال وجنود يطلقون نحوهم القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، وكان اللجوء للرصاص الحي هو الخطوة الأخيرة، ورغم ان الموت قد دخل معظم بيوت الغزيين بقتل أحبتهم وأقربائهم، ورغم إجراءات حظر التجوال الطويلة فإن دخول الغذاء لم يتوقف، كما لم تتوقف حركة الإنتاج المحلي، لذلك فقد ظلت حاويات القمامة على ناصية كل شارع او زقاق تطفح ببقايا الطعام من خضار وفاكهة خصوصاً، بل إن أصحاب المطاعم كانوا يرمون ببقايا الفول المطبوخ والحمص المسلوق ومخلوط الفلافل ليلاً في حاويات القمامة بسبب فائض الإنتاج مقابل الاستهلاك. أذكر أن أبي ذات يوم، ضرب كفاً بكف وبكل قلق، وقال لأمي: يجب أن نشتري المزيد من أكياس الطحين، ولاحظوا وقتها أننا كنا نقوم بتخزين الطحين على سبيل المؤن الشهري للأسرة، وكانت زنة كل كيس 50 كيلو جراماً، وكان ابي يصف كيس الطحين بأنه "أبو خط أحمر" لكنه شعر في ذلك اليوم بأننا لا نمتلك عدداً كافياً من أكياس الطحين، ويجب ان يلحق مخزون العائلة بكيسين او أكثر، وذلك بعد ان استمع إلى دعوة القائد المرحوم فيصل الحسيني من خلال إذاعة مونت كارلو الناطقة بالعربية إلى العصيان المدني في الضفة الغربية وقطاع غزة، للتأثير على الاقتصاد الإسرائيلي ضمن واحدة من صور النضال الشعبي. اذا كان علينا ان نتذكر الخير الوفير في قطاع غزة فذلك يجب ان يحدث كل لحظة، ونحن نرى صور المجوعين لا الجائعين، واذا كان علينا ان نصف أهل غزة فهم أهل الكرم، وأذكر أن من طباعهم حين يسكن جار جديد بيتاً مجاوراً فمن الضروري ان يعد له الجيران القدامى وليمة غداء على حساب كل واحد لمدة سبعة أيام، لأنهم يرون ذلك من باب الترحيب به واكرامه، ولأن الجار الجديد يكون مشغولاً بنقل الأثاث وترتيب معيشته الجديدة، فلن تجد زوجته وقتاً للطبخ، ولذلك تتعارف الجارات القديمات مع الجارة الجديدة بتقديم وجبة غداء يومية مدة سبعة أيام. يجب علينا ان نتداول بيننا صوراً وأشكالاً لكرم أهل غزة ونستذكر الولائم والليالي الملاح التي كانوا يحتفلون بها بالقريب والبعيد والغريب، ويحيون المناسبات السعيدة ويحترمون ويبجلون حزن الآخرين، فيعدون الطعام لأهل الميت على مدى ثلاثة أيام، ويبالغون في اكرام "آل جعف"، وتشتهر في بيت حانون وبيت لاهيا خصوصاً في الولائم التي يعدونها لأهل الميت، والتي تعدها النسوة في بيوتهن، ولا يقمن بشراء الأطعمة الجاهزة والمعلبة على سبيل إظهار المزيد من الحب والتقدير والمشاركة. إذا كنا نرى مظاهر الجوع والموت الذي بدأ يستشري بين أهل غزة بسبب سياسة تجويعهم ضمن حرب الجوع، فيجب ان نتذكر ونطالع الصور التي تعبر عن الخير الوفير من خضار وفاكهة ومزارع وورود وبضائع منتجة في غزة ذاتها، وحيث قاربت غزة ان تحقق الاكتفاء الذاتي في الكثير من السلع التي يستوردها العالم، بل انها لم تتوقف عن هذا الحد، بل قامت بتصدير الكثير من المنتجات الغزاوية ذات الجودة العالية التي أصبحت تشتهر بها لدول العالم، وأصبحت هذه المنتجات تنافس في جودتها الكثير من الأسماء اللامعة في عالم الأغذية والسلع الاستهلاكية. يجب ان نتذكر حين نرى جوع الكرام ان غزة كانت ترسل المساعدات للعالم حين كان فقيراً، ولكثير من الدول التي كانت ناشئة، ويحتفظ الكثيرون بوثائق ومستندات قديمة تثبت ذلك، وان كانت تلك الوثائق مهترئة وقد عفا عليها الزمن، فهي رسالة لكل العالم ان الكريم سيبقى كريماً مهما جار عليه الظالمون، وان ما تمر به غزة سيكون سحابة صيف سرعان ما تمر، ويزهر الخير مجدداً في أرض الخير.

جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
ما زال الإقليم على أبواب هاوية أكبر!
يحلو لأشدّ المتحمّسين، والمُعجبين بـ»الانتصارات» الأميركية الإسرائيلية أن يتحدثوا بأريحيّةٍ يُحسدون عليها عن إقليم مزدهر، خالٍ من «الأذرع» الإيرانية، أو أذرعٍ لم تعد تمتلك القدرة على إيقاف مسار هذا الازدهار، وهو المقصود بـ»الشرق الأوسط الجديد». لا يختلف هذا التقييم عن التقييم الأميركي الإسرائيلي لا في الشكل ولا في المضمون، وهو في الواقع ليس سوى الصدى لما يتحدث عنه دونالد ترامب، ولما يكرّره بنيامين نتنياهو، صُبح مساء، على مسامع المجتمع الإسرائيلي، ويُمنّي به النفس، ويُفسّر به الدوافع الكبيرة لاستمرار الحروب التي يشنّها، وتدافع هذه الحروب على جبهات متعدّدة، بحيث ما إن تهدأ نسبياً وجزئياً جبهة حتى تشتعل أخرى حتى يخال للمراقبين أن القرار الإسرائيلي المنسّق مع الإدارة الأميركية في جوهره هو استمرار الحرب بلا توقُّف، وافتعال المعارك، والبحث عن كل ما من شأنه تأمين هذا المسار. توجد قاعدة فقهية تقول: إذا طرأ الاحتمال سقط الاستدلال. فإذا كانت أميركا ومعها دولة الاحتلال قد حقّقتا مثل هذه «الانتصارات» فعلاً، فما هي الحاجة لاستمرار هذه الحروب؟ وما هي الحاجة لافتعال المزيد منها؟ أحد الاحتمالات على الأقل أن تكون هذه «الانتصارات» وهمية وواهية. أو أنها «أنصاف انتصارات»، أو حتى انكسارات يتمّ التعويض عنها بالادّعاءات والتصريحات الإعلامية. ففي الملفّ الإيراني تحديداً بدأت أوروبا بتحديد مسار تفاوضي مع إيران خوفاً من بقاء الملف النووي تحت الأرض، وخوفاً من أن يتحوّل إلى كل ما ترغب به إيران، وبالطريقة وبالشكل الذي يناسبها هي، وينسجم مع تطلّعاتها هي، ووفق مصالحها قبل أي مصالح أخرى. وإيران ليست مُستاءة من التصريحات والتبجُّحات الأميركية، وتلك الإسرائيلية حول «التدمير»، بل إنها مسرورة بها، وذلك لأنها تخفّف من الضغوط عليها للتفاوض، طالما أنه تم «تدمير» ما كان يتم التفاوض عليه! وفي الملفّ العسكري لم يعد أحد في هذا العالم يصدّق أميركا أن البرنامج الصاروخي الإيراني الذي كان يعمل حتى الساعة الأخيرة من الحرب بكفاءة عالية من حيث قوة التدمير، ومن حيث دقّة الإصابات قد تم تدميره. ويتحدث كل مراقبي الملفّ العسكري الإيراني أن إيران تعمل على مدار الساعة لإعادة بناء دفاعاتها الجوي بالاعتماد على صناعاتها العسكرية، وبالاعتماد على دعم صيني وروسي وباكستاني مُعلن. ثم لماذا يصرّح ترامب بأنه قد يُعاود الهجوم على إيران، طالما أن أميركا قد حقّقت انتصاراً «رائعاً» كما يصف ترامب كل أفعاله؟ لا حاجة كبيرة للحديث عن جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) اليمنية لأن الردود الإسرائيلية على ما تقوم به ضد دولة الاحتلال، وما تقوم به من فرض حصار حقيقي في البحر الأحمر عليها قد تحوّل إلى نوعٍ من «الضربات» الأقرب إلى رفع العتب منها إلى ردود جدّية. وفي لبنان يكاد موضوع «أولوية» سحب سلاح «حزب الله» اللبناني أن يُسحب من التداول بعد أن اكتشف اللبنانيون فجأةً أن ما يضمره نظام «الدواعش» المتحوّرين في دمشق لبلادهم ليس سوى وصفة مضمونة لحرب أهلية جديدة، حتى لا نذهب إلى توصيفات أكبر وأكثر وأخطر. أما في سورية، وهي البلد الذي سقط نظامها السابق على هيئة هدّية من السماء فإن النظام «المدوعش والمتدوعش» فيها فقد كل توازنه عند أوّل منعطف. قالوا له في «باكو»، وقالوا له بصريح العبارة: ها نحن نرفع عنك كل قيد، فقد تم «تبييض» «النصرة» من حركة إرهابية على قوائم الإرهاب إلى «عماد» لقيام نظام جديد يُعهد إليه بلعب أدوار «إقليمية» لإخضاع أعداء أميركا وحلفائها الإسرائيليين والعرب، و»لتأديب» كل من تسوّل له نفسه الوقوف في وجه هذا الحلف الذي يسمّى الشرق الأوسط، حتى وإن كانت دولة الاحتلال تلعب دور المُهيمن، ويلعب النظام العربي دور القبول بمجرّد بقائه في إطار هذا الحلف وعدم تهديده بصورة مباشرة في هذه المرحلة على الأقل، والنتيجة حتى الآن فشل وتذابح في الساحل وفي السويداء السوريتين. وأما في غزّة فقد تعطّلت «عربات جدعون»، ويراوح الاجتياح الإسرائيلي في مكانه، وتوقّفت الهجمات البرّية البربرية بصورة شبه تامّة، وطار النصر الحاسم الذي وعد به نتنياهو ووزير جيشه، ولم تتمّكن «العربات» من حماية جنودها، وتتالي أعداد القتلى والجرحى كل يوم، ويعلن قادة وجُناة الجيش ويصرخون ويستصرخون المجتمع الإسرائيلي بالضغط لوقف الحرب الهمجية، والذهاب إلى صفقة بعد أن فقد الجيش زمام المبادرة، وأصبح يغامر بالغوص في رمال غزّة، من دون خطط عملية، أو أهداف خارج نطاق القتل والإجرام، وجرى استبدال «كامل» خطط «النصر الحاسم» بالتجويع القاتل في تحوّلٍ دراماتيكي نحو أشكال أشدّ من الإبادة الجماعية، والتي تتمثّل بالموت الجماعي، وخلق تشوُّهات خطيرة على صحّة السكان المدنيين على المدى المتوسط والبعيد، إضافةً إلى أعداد الذين يموتون، أو هم مرشّحون للموت جرّاء هذه المسغبة. تبدو دولة الاحتلال وكأنها تربح المعارك هنا وهناك، ولكنها تخسر الحرب في الواقع، والسبب بسيط هو أنها عندما «تربح» فإنها لا تحسم، والملفّات لم تحسم بالجملة لأنها لم تحسم بصورةٍ منفردة، وعندما تراوح النتائج المترتبة على هذه المعارك مكانها، أو تستنفد أغراضها دون حسم بأي اتجاه سوى اتجاه القوة والإجرام والبطش، فإن المعارك نفسها تتحوّل إلى عبء كبير، وذلك لأن الاستمرار بها لا يضيف سوى الأعباء الجديدة، وتوقفها لا يحمل في طيّاته سوى فتح ملفات داخلية حارقة. واضح لكل من لديه القدرة على القراءة السياسية الجادّة والموضوعية أن منطقة الشرق الأوسط هي الحصن الأخير لأميركا، إن كان لجهة الثروات أو الموقع أو الممرّات، وواضح أن «الترامبية» قد خسرت كل معاركها الداخلية ضد جماعات التكنولوجيا ممثلة بـ «إيلون ماسك»، وواضح أن ترامب يواجه ضغوطات شديدة من لوبيات مختلفة تحدّ من قدرته على المضيّ قدماً في مشروع «أميركا العظيمة»، وواضح أن الدولة العميقة ما زالت تقاوم مع أن علماء على قدرٍ كبير من سعة المعرفة والاطلاع لا يراهنون كثيراً على هذه المقاومة، إلّا أن المحصّلة النهائية التي تبلورت حتى الآن أن أميركا ليس أمامها سوى هذا الإقليم لإحداث الفرق في مستقبل «الترامبية» كلّها، إذ لا أمل لديه في مواجهة روسيا والصين. عند هذه الحدود من تطوّر الأحداث في الإقليم لم يحسم شيء نهائياً، والحروب التي وضعت أوزارها مؤقّتاً لم تؤدّ إلى ميلٍ كافٍ أو نهائي في كفّة الميزان، والمراوحة لن تؤدّي ألا إلى المزيد من المراوحة السلبية، ولهذا ليس أمام «الترامبية» سوى أن تستمر مؤقّتاً بإشعال الحروب الصغيرة، والتهديد بالحروب الكبيرة أملاً بالحصول على نتائج تمكّنها من تحقيق درجة أو أخرى من النجاح، أو الادّعاء به على الأقلّ. وما يسري على «الترامبية» يسري بصورةٍ أكبر، وبصورة أشدّ وأكبر على دولة الاحتلال، خصوصاً أن الفشل بالحسم في الحالة «الترامبية» أشدّ وطأة، وبما لا يُقاس. نقطة قوّة التوجهات الأميركية والصهيونية كلّها تكمن في الانخراط الأعمى للنظام العربي، وحتى الإسلامي إذا جاز التعبير في كلّ المخطّطات والتوجّهات لتحقيق أهداف هذا التحالف الأميركي الصهيوني «الغربي»، وهو ما يحوّل المراوحة الأميركية والصهيونية، وربّما الفشل والعجز إلى حالة إنجاز، وقد يحوّلها إلى نجاحات معيّنة. الحروب التي هدأت قليلاً، والتي ربّما تهدأ مؤقّتاً حتى في القطاع ليست سوى مقدّمات لحروب طاحنة، أهلية ووطنية، شاملة وعامّة ستطال الجزء الأكبر من المشرق العربي، وكل حرب أو معركة منها ستشعل أخرى وتدخل على خطوط جديدة، وعلى معارك جديدة، حتى أن مصطلح استراحة المحارب سيكون وصفاً شكلياً ليس إلّا.

جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
هل تتحدى الإرادة الدولية جرائم إسرائيل في غزة؟
تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وتزهق المجاعة أرواح مزيدٍ من الأطفال والمدنيين، إلى جانب الذين يفقدون حياتهم يومياً بفعل آلة القتل والتدمير الإسرائيلية الوحشية، ناهيك عن الخسائر الإضافية في الأرواح في ظل تعطيل المنظومة الصحية في القطاع. فقد جاءت تحذيرات من قبل أكثر من ١٠٩ منظمات للمساعدات الدولية بأن الوضع في غزة وصل إلى 'الجوع الجماعي' خلال الأسابيع الأخيرة. وحسب بيانات فلسطينية رسمية، فقد أكثر من ٦٠ ألف فلسطيني حياته، وأصيب ضعف هذا العدد، نتيجة القتل المباشر من قبل قوات الاحتلال، ناهيك عن آلاف المفقودين. يأتي ذلك بالإضافة إلى خسارة مئات الأطفال حياتهم نتيجة تفاقم مستوى المجاعة في غزة، ومقتل مئات آخرين، في مصائد الموت، التي نصبها الاحتلال والشركات الأميركية المتعاونة معه، بحجة توزيع الاحتياجات الإنسانية الأساسية لسكان القطاع، بدلاً من المؤسسات الدولية. يأتي ذلك في ظل استمرار مماطلة إسرائيل بوقف الحرب، ومواصلة خداعها للعالم، وذلك بتظاهرها المشاركة في مفاوضات فضفاضة لوقف إطلاق النار، بينما تشدد حصارها على المدنيين العزل لقتل أكبر عدد منهم، وتزيد توسعها في غزة وسيطرتها على مساحات إضافية، وتزيد من أوامر إخلاء المدنيين، وتحصرهم في أماكن ضيقة محددة، وتمسح أي أثر لوجودهم، بتدمير كامل لبيوتهم في مناطق عديدة في القطاع. طالبت ٢٥ دولة في بيان، يوم الاثنين الماضي، ومعظمها دول أوروبية، من بينها إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، إسرائيل بوقف الحرب على غزة فوراً، ورفع القيود المفروضة على دخول المواد الغذائية الأساسية إلى القطاع. وشددت تلك الدول على رفضها التهجير القسري وأي إجراء يحدث تغييرا ديمغرافيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعبّرت الدول الموقّعة على البيان، والتي انضمّ إليها بعد ذلك ثلاث دول أوروبية أخرى، عن استعدادها «لاتخاذ إجراءات إضافية لدعم وقف فوري لإطلاق النار في غزة». حمل البيان توقيع ٢٤ دولة أوروبية معظمها من بين دول الاتحاد الأوروبي الـ٢٧، بالإضافة إلى كندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان، وامتنعت دول مثل ألمانيا والمجر عن التوقيع على البيان. كما صدر بيان للاشتراكية الدولية في ذات اليوم حول الأزمة الإنسانية في غزة والضفة الغربية، وهي منظمة دولية، تأسست في العام ١٩٥٠، وتضم في عضويتها حالياً أكثر من ١٦٠ حزباً ومنظمة من جميع أنحاء العالم. واعتبر هذا البيان أن استخدام الجوع كسلاح في الحرب هو أمر غير مقبول، ودعا لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة الكارثة الإنسانية في غزة. لم يأت هذا التطور في المواقف الرسمية للدول الغربية الرافض لاستمرار الحرب الإسرائيلية في غزة جديداً، فقد عكس التصويت في الجمعية العامة ومجلس الأمن منذ بداية الحرب، إجماع الموقف الرسمي الدولي على رفض مواصلة إسرائيل حربها المدمرة على القطاع. فقد صدر عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة عدد من القرارات طالبت جميعها بوقف الحرب. صدرت تلك القرارات بالأغلبية، لكن الملفت هو تطور تلك الأغلبية، والإجماع الدولي لصالح وقف الحرب. في ٢٧ تشرين الأول في العام ٢٠٢٣، أي بعد شن إسرائيل حربها على غزة بأيام، دعمت ١٢١ دولة القرار رقم ES 10/21 بينما امتنعت ٤٤ دولة عن التصويت، وعارضته ١٤ دولة أخرى. بعد ذلك وبأقل من شهرين صدر قرار آخر عن الجمعية رقم ES 10/22 بموافقة ١٥٣ دولة، وامتناع ٢٣ دولة عن التصويت، ورفضته ١٠ دول أخرى. وبعد عام صدر قرار آخر، رقمه A/ES 10/26 دعمته ١٥٨ دولة، وامتناع ١٣ دولة فقط، بينما عارضته ٩ دول. وصدر في شهر حزيران الماضي قرار آخر عن الجمعية يحمل نفس المطالب القرارات السابقة، بموافقة ١٤٩ دولة، وامتناع ١٩ دولة، ومعارضة ١٢ دولة أخرى. وبغض النظر عن الضغط الذي مارسته إدارة الرئيس دونالد ترامب على دول العالم، وذلك بعد وصوله للحكم، فإن الأغلبية المطلقة لهذه الدول طالبت بوقف حرب الإبادة والقتل والتجويع والتهجير في غزة، استجابة لمواقف شعوبها. كان هناك عدة محاولات أيضاً لاستصدار قرار من مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية في غزة، ما يعكس أيضاً إجماع دول مجلس الأمن جميعها، باستثناء الولايات المتحدة، إلا أنها أحبطت بسبب الدعم المطلق الأميركي لإسرائيل باستخدام الفيتو ٦ مرات، منذ بداية الحرب الإسرائيلية. وفي ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٣، دعا مشروع مُقدّم من البرازيل لوقف إطلاق نار فوري وفتح الممرات الإنسانية، ولكن المشروع سقط بعد استخدام الولايات المتحدة الفيتو، رغم تأييد ١٢ دولة له، من مجموع ١٥ دولة، وامتناع دولتين عن التصويت. وفي ٨ كانون الأول في العام ٢٠٢٣، جاء مشروع قرار آخر مقدم من الدول العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وافقت عليه ١٤ دولة، أحبط بالفيتو الأميركي. وفي ٢٠ شباط من العام ٢٠٢٤، رفعت الجزائر مشروعاً جديداً في المجلس يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني، أيدته ١٣ دولة، بينما امتنعت بريطانيا عن التصويت، وأسقطته الولايات المتحدة مرة أخرى. وفي ٢٠ تشرين الثاني في العام ٢٠٢٤ طرحت الدول العشر غير الدائمة في المجلس مشروع قرار جديداً يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإدخال الاحتياجات الإنسانية، تم تأييده من قبل ١٤ دولة، وأسقطه الفيتو الأميركي. وفي ٤ حزيران ٢٠٢٥ طرحت الدول الأعضاء غير الدائمة في المجلس مشروعاً دولياً جديداً يدعو لوقف إطلاق نار فوري وغير مشروط ودائم، وإتاحة وصول المساعدات دون عوائق إلى جميع أنحاء القطاع، إلا أنه أحبط كالمشاريع السابقة، رغم تأييده من قبل ١٤ دولة أيضاً. وتقف الولايات المتحدة سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة متحدية الإرادة الدولية، الداعية لوقف القتل والإبادة والتجويع والتشريد في غزة، متبنية في ذلك موقف إسرائيل. ورغم ذلك طرحت الولايات المتحدة مشروعَي قرارين في ذات الشأن، أُسقطا بفعل الفيتو الروسي والصيني. فقد جاء مشروع قرار أميركي في ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٣ يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني مؤقت ووصول مساعدات وإطلاق محتجزين في غزة، إلا أنه سقط، بسبب الفيتو الروسي والصيني. وفي ٢٢ آذار ٢٠٢٤ طرحت الولايات المتحدة مشروع قرار آخر لوقف إنساني لإطلاق النار، إلا أنه أُفشل أيضاً بفعل فيتو من قبل روسيا والصين. واعتبر البلدان أن المشاريع الأميركية تنحاز لإسرائيل، ولم تتضمن إدانة واضحة للانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة، ولم تطالب بوقف شامل ونهائي لإطلاق النار، ولم تدع لمحاسبة إسرائيل على استخدام القوة المفرطة والتجويع. اعتبر السفير الروسي في مجلس الأمن أن مشاريع القرارات الأميركية «تبيّض صفحة إسرائيل في العدوان المستمر على غزة'. ورغم ذلك سمحت الولايات المتحدة بخروج قرار واحد عن مجلس الأمن، جاء برقم 2728 في ٢٥ آذار ٢٠٢٤، ودعا إلى وقف فوري للقتال خلال شهر رمضان، بعد تصاعد الانتقاد الدولي للولايات المتحدة، وتوجه الحلفاء الغربيين لوقف إطلاق النار، وتحركات تشريعيين ديمقراطيين أميركيين واضطرابات في الشارع الأميركي دعماً لوقف الحرب في غزة، فسمحت الولايات المتحدة بإخراج قرار توافقي عن المجلس، لم يستخدم عبارة 'وقف إطلاق نار دائم'، ولم يتضمن أي إدانة مباشرة لإسرائيل. تقع مسؤولية حماية الفلسطينيين من الجرائم المقترفة بحقهم من قبل دولة الاحتلال على المجتمع الدولي ومؤسساته. وتعد الأمم المتحدة المنظمة الدولية التي جاءت لصون الأمن والسلم الدوليين، اللذين انتُهكا بشكل فاضح خلال هذه الحرب، وهو ما أكدت عليه تحقيقات وتقارير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. ولأن مجلس الأمن هو الجهة المخولة بالتحرك العملي لمعاقبة المعتدي وتحقيق الأمن، ولأن الولايات المتحدة تعطل القرار بالتحرك لردع إسرائيل، فقد تقع المهمة الآن صراحة على عاتق الجمعية العامة، المكلفة أيضاً مع مجلس الأمن بتحقيق هذه المهمة. ففي ظل منظومة دولية لم تنجح دائماً في تحقيق العدالة والسلم والأمن الدوليين، أي في تحقيق المهمة الأصلية التي جاءت من أجلها، بسبب قواعد رسّخها الميثاق، ترجح الاعتبارات السياسية وتوازن المصالح بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تنبهت الجمعية العامة لذلك في خمسينيات القرن الماضي، وأصدرت قراراً يعرف بـ «الاتحاد من أجل السلام». رغم أن هذا القرار جاء بمبادرة من الولايات المتحدة، للخروج من أزمة تعطيل عمل مجلس الأمن في تحقيق الأمن والسلم الدوليين خلال تلك الفترة، تجنباً لفيتو الاتحاد السوفيتي. ورغم أن هذا القرار استخدم خلال الحرب الباردة، فإنه يمكن أن يعكس اليوم قرار الإجماع الدولي بشكل ديمقراطي، بما تحيد الفيتو الأميركي في مجلس الأمن. تستطيع دول العالم بشكل فردي أو جماعي أو مؤسسي عبر الجمعية العامة التحرك الفوري لردع إسرائيل وفرض وقف الحرب والمجاعة والقتل بحق الفلسطينيين. يمكن لتلك الدول التلويح بعقوبات دبلوماسية واقتصادية وحتى عسكرية، من خلال قرار الاتحاد من اجل السلام، أو حتى بدونه، دون الحاجة للعودة لمجلس الأمن، والاكتفاء بتحقيق العدالة من خلال إجماع الإرادة الدولية الملتحمة من أجل تحقيق العدالة. إن العالم الحر اليوم أمام اختبار صعب، فإما أن ينجح في إرساء الأمن السلام في فلسطين، ومنح الثقة بمنظومة المؤسسات الدولية والقوانين والمعاهدات، وإما أن يثبت فشل تلك المنظومة وصوريّتها، بخدمتها فقط لمصالح الدول الكبرى، التي وضعت تلك المنظومة.