logo

هذه الحرب: لماذا وإلى أين؟

جريدة الاياممنذ 8 ساعات

لم يعد يُجدي، الآن على الأقل، الحديث عن الخدعة الإسرائيلية، وكيف أنها انطلت على الإيرانيين في جانب أمن الشخصيات القيادية العسكرية والأمنية الذين تم اغتيالهم، ولا مجموعة العلماء الذين تمّت تصفيتهم بما يشبه السهولة مع الأسف.
لا أقلّل من أهمية عنصر التفوّق الاستخباري الإسرائيلي ــ وهذه مسألة بات من واجب الجميع أن يعترف بها، ويعمل على أساسها ــ ولا يجوز كذلك أن تتمّ الاستهانة بحجم الاختراق «الغربي» على الصعيد الاستخباري للدولة الإيرانية، وتوظيف هذا الاختراق في خدمة المخطّطات الإسرائيلية المباشرة على مستوى الفعل العمليّاتي المباشر، لكن كل ذلك شيء، وانطلاء الخدعة على الجانب الإيراني شيء آخر.
ومع إقراري المسبق بأن الذهنية «الفارسية» أكثر حنكة من الذهنية العربية، وأبعد تجربة ومثابرة في الإيمان العميق «بالتراكم»، والانشداد أكثر، وبما لا يُقاس بالبناء، وليس بالاستبناء، إلّا أن العقلية «الشرقية» عموماً، بما فيها «الفارسية» تبقى تعاني من قصور كبير لجهة «الانخداع» بسبب الطابع «القيمي» للذهنية الشرقية مهما كانت درجة إيمانها بالعلم، ومعطياته، وجدلية المنطق المتحكّم بآليات وقوانين فعله وتأثيره.
وما دمنا نتحدّث عن الخداع الذي تبْرع دولة الاحتلال فيه، وهو خداع متجرّد وبالكامل من كلّ قيم الكون والبشرية، ولصيق بصورة عضوية بالذهنية الإجرامية التي تبرّر لنفسها هذا الإجرام بالاعتبارات السياسية العملية، وبالدوافع والاعتبارات الأيديولوجية المغرقة في استعلائيّتها وعنصريّتها. ما دُمنا نتحدث عن هذا الخداع فإن الأسباب التي ساقتها دولة الاحتلال، وعلى لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو هي بحدّ ذاتها خداع مركّب أكثر بكثير من أيّ خداع آخر.
فالتذرّع باقتراب إيران من إنتاج القنبلة النووية هو كذبة ساذجة، وكونها ساذجة لا يعني أنها غير قابلة للتسويق، وخصوصاً في المجتمع الإسرائيلي الذي يحبّ في قرارة نفسه أن تسوّق عليه، كما أن «الغرب» كلّه، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية ــ الشريك في الخدعة الإسرائيلية هو الآخر يحبّ ويرغب أن تسوّق عليه هذه الكذبة، ويستطيبها برحابة صدر، إضافة إلى جملة واسعة من الاستطابات العربية المعروفة.
والحقيقة أن إيران طالما أنها أعلنت، وبعظمة لسانها أنها تجاوزت نسبة الـ 60% في التخصيب، وطالما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية على علم ودراية بوصولها إلى هذه النسبة، وبالتالي معرفة العالم «الغربي» كلّه بها، فهذا يعني بكلّ بساطة أن تصنيع القنبلة كان في متناول إيران قبل موعد الهجوم الإسرائيلي عليها، وأغلب الظنّ أن الأمر سيظلّ في متناولها بعد هذا الهجوم. بل على العكس مما تقوله دولة الاحتلال، فإن الهجوم يمكن أن يسرّع من ذهاب إيران إلى تصنيعها.
وحتى الحديث الإسرائيلي الموارب عن أن الدولة العبرية استبقت اجتماع العاصمة العُمانية (مسقط) لكي لا يتم الاتفاق مع أميركا على إطار، وبالتالي يصبح صعباً على دولة الاحتلال مهاجمة البرنامج النووي الإيراني، وحتى الحديث عن هذا الأمر هو كذبة أكبر، لأن أميركا، وعلى لسان رئيسها دونالد ترامب نفسه قد كذب على الهواء مباشرة، وشارك بصورة مباشرة في الخدعة، وكان واقفاً على أدقّ تفاصيلها، ولم يرمش له جفن حتى الآن، وقام بهذا الدور المشين بخسّة لا تليق بعميل استخبارات من الصفوف المتوسّطة، وهي مسألة لا تليق بالشعب الأميركي، ولا بالدولة الأميركية.
هنا نأتي إلى السبب الحقيقي لهذا الهجوم، أو لهذه الحرب، بل وإلى هذه الخدعة، ولمشاركة ترامب إلى جانب نتنياهو بها.
السبب الحقيقي لهذا الهجوم، وهذه الحرب، وهذا «الاستعجال»، وهذه المشاركة الأميركية الإسرائيلية بها، وعلى هذا المستوى، وبهذه الصورة الفاضحة والمفضوحة هو الوضع وما كان قد وصل إليه في قطاع غزّة. نعم هكذا، وهكذا بالضبط:
بعد سلسلة العمليات العدوانية الأخيرة في القطاع، وبعد أن ضجّ العالم كلّه بمستوى الإجرام الذي وصلت إليه دولة البطش والإجرام الإسرائيلي من قتل وإبادة وتجويع، وبعد بدء مجاهرة الدول الغربية على المستوى الرسمي، والتي هي من عظام الرقبة في تحالفها التاريخي، ودعمها التقليدي لدولة الاحتلال، وبعد أن وصلت أميركا نفسها إلى قناعة راسخة بأن الانتصار الإسرائيلي بالمعنى الذي تحدثت عنه الأخيرة وحكومتها الفاشية، وبعد كل ما قدم لها من دعم وسلاح وغطاء سياسي.. بعد كل ذلك تبيّن أن «عربات جدعون» لا يمكنها أن تسير أكثر في «خطّة» القضاء على المقاومة الفلسطينية، وتجريدها من سلاحها، وأن على دولة الاحتلال وعرباتها أن تدخل في غمار، وفي مغامرة معارك ليس من شأنها سوى تعميق العجز والفشل الإسرائيلي، وتوريطها في حرب جديدة استنفدت عملياً كل الأهداف التي كانت قابلة للتحقيق، وأصبح من أشدّ أنواع المقامرة المضيّ قدماً بها.
ولم تقتصر مسألة الصعوبة هنا على الاستنفاد الذي أشرنا إليه للتوّ، وإنما تحوّلت الاحتياجات اللوجستية، وكذلك الموارد البشرية لخوضها إلى معضلة كبيرة، بأبعاد سياسية داخلية إسرائيلية تفجيرية.
وقد رأينا ما كانت قد وصلت له الأمور من تمرّدات داخل الائتلاف اليميني الفاشي نحو الذهاب والتوجّه لحل الكنيست.
برأيي المتواضع، تمّ الاتفاق بين نتنياهو وترامب في مكالمة الـ 40 دقيقة الشهيرة، وتم توزيع الأدوار، بما في ذلك الكلام المخادع الذي قاله الأخير، والوشوشة التي قام بها نتنياهو لقادة «الحريديم»، وهكذا تمّ الذهاب إلى هذه الحرب بعد أن تمّ تمهيد الأرض كاملة لها، إن كان على مستوى الصيغة التعجيزية التي طرحها ستيف ويتكوف، والتي كان يتوقع عدم قبول حركة «حماس» بها لأنها كانت أقرب إلى صيغة الاستسلام، أو كان على صعيد بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي هو فضيحة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وأثبتت من خلال هذا البيان أنها وفية «لتقاليدها» في لعب دور الجاسوس الرخيص لـ»الغرب» في هذا المجال.
كما تمهّدت الأرضية بالكامل عندما استطاع نتنياهو أن يعيد «توحيد» «المعارضة» خلف قرار الذهاب إلى هذه الحرب، بكل خفّة وتفاهة ظهرتا عليها.
دليلي السّاطع على أن أميركا ودولة الاحتلال وصلتا معاً إلى استنتاج موحّد حول أن وقف إطلاق النار في غزّة سيشكل إعلان هزيمة على كل حال هو استخدام أميركا لـ»حق النقض» لأن فيه مطالبة بوقف إطلاق نار، وحرية إدخال المساعدات، وهما السلاحان الوحيدان اللذان كانا قد تبقّيا في أيديهما، ولم يكونا في الواقع يملكان غيرهما.
هذا هو يا كرام سبب هذه الحرب.
أما إلى أين؟ فالمسألة على أعلى درجات التعقيد.
واضح أن جولتها الأولى قد كانت لمصلحة دولة الاحتلال، إن كان على مستوى النجاح في مسألة الاغتيالات للقيادة الأولى المحيطة بـ»المرشد» خامنئي، والنواة الصلبة في الجانب السياسي، وليس العسكري والأمني فقط من القيادة الإيرانية، وواضح، أيضاً، أن الضربات الأولى قد حققت نجاحات لا يُستهان بها في تدمير معيّن من المفاعلات المعروفة على كلّ حال.
لكن الحرب بدأت بالتغيّر التدريجي لوجهة جديدة بعد أن عاودت إيران الرجوع إلى الميدان المباشر بعد أقلّ من 20 ساعة فقط.
سنعالج مجرياتها في مقالات قادمة، لكن تسجيل بعض النقاط المفصلية منها أصبح ضرورياً في قراءة مآل هذه الحرب، وإلى أين ستنتهي وكيف؟
بعد الضربة كان على إيران أن تجيب عن سؤالين، وهما: الإرادة والقدرة. أجابت إيران بـ(نعم) كبيرة على مستوى إرادة المواجهة، وأجابت بصورة مُرضية على مستوى القدرات في اليوم الأوّل من ردّها، وبصورة أكثر إقناعاً في مساء أول من أمس (السبت)، وليلة أمس (الأحد).
تبيّن حتى الآن أنها تمتلك تفوّقاً مبهراً في القدرة على تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وخدعتها وخادعتها بتقنية تتّسم بالتفوّق، إن كان لجهة سرعة الانقضاض، أو التوقيت المتطابق مع عمل المسيّرات.
وعملياً يمكن القول، إن التفوّق الجوي الحربي الإسرائيلي الآن يقابله تفوّق صاروخي إيراني يستطيع الوصول إلى الأهداف الإسرائيلية بدرجة من الدقّة لا تقلّ عن وصول الطائرات الحربية الإسرائيلية، ما يحوّلها إلى حرب تقاصف للمدن والمنشآت والمرافق وبعض الأحياء السكنية حسب وجود المؤسسات المستهدفة على الجانبين، وهذه المسألة ليست في مصلحة دولة الاحتلال، التي لديها احتياط وحيد وهو التدخل الأميركي المباشر.
هذه المسألة مستبعدة لأنها الآن لا يوجد لديها عناصر تفوّق حاسمة، ثم إن التهديد الباكستاني هو تهديد جدّي، وهو من المؤكّد بإيحاء صيني، وهو يلبّي مصالح الباكستان إن كان خوفها من التحرّش «الغربي» بها مستقبلاً، أو في تخوّفها من نصرة «الغرب» للهند عليها.
تبيّن أن أكبر عدوّ للشعب الإسرائيلي هو الحركة الصهيونية لأنها تضحّي به على مذبح المصالح السياسية، وتبيّن أن أميركا ليس لديها مشكلة للتضحية به من أجل مصالحها ولكن المشكلة أنّه لم يدرك بعد هذه الحقيقة.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات في "المزرعة الغربية" شمال رام الله
جيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات في "المزرعة الغربية" شمال رام الله

جريدة الايام

timeمنذ ساعة واحدة

  • جريدة الايام

جيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات في "المزرعة الغربية" شمال رام الله

جيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات في "المزرعة الغربية" شمال رام الله الإسعاف الإسرائيلي: مقتل 4 أشخاص جراء الهجوم الصاروخي على إسرائيل الإسعاف الإسرائيلي يعلن مقتل 3 أشخاص وإصابة 67 في أعقاب إطلاق صواريخ إيرانية على إسرائيل فجر اليوم وسائل إعلام عبرية: عالقون تحت الأنقاض في حيفا وسائل إعلام إسرائيلية: الجبهة الداخلية تحقق في حادث خطير وقع داخل غرفة محصنة في بتاح تكفا القناة 14 الإسرائيلية: تضرر شبكة الكهرباء في مناطق سقوط الصواريخ الإيرانية وسط إسرائيل الإسعاف الإسرائيلي: 4 قتلى وأكثر من 100 إصابة جراء القصف الإيراني الأخير قصف إسرائيلي وإطلاق نار يستهدف المواطنين المجوّعين خلال انتظارهم المساعدات في رفح إصابة مواطنيْن جراء اعتداء قوات جيش الاحتلال عليهما بالضرب المبرح في مخيم عسكر الجديد وسائل إعلام إسرائيلية: صاروخ إيراني تسبب في تدمير ملاجئ في بتاح تكفا

بنيامين نتنياهو يسعى إلى تفتيت المجتمع الغزي ، بقلم : د. ماهر الشريف
بنيامين نتنياهو يسعى إلى تفتيت المجتمع الغزي ، بقلم : د. ماهر الشريف

شبكة أنباء شفا

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة أنباء شفا

بنيامين نتنياهو يسعى إلى تفتيت المجتمع الغزي ، بقلم : د. ماهر الشريف

بنيامين نتنياهو يسعى إلى تفتيت المجتمع الغزي ، بقلم : د. ماهر الشريف منذ بدء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، صدرت تصريحات من مسوؤلين إسرائيليين يعربون فيها عن أملهم في التمكن من نقل الحكم المحلي في القطاع إلى عشائر أو عائلات كبيرة. ومع الضعف الذي أصاب سيطرة حركة 'حماس' على القطاع المنكوب، برزت عصابات مسلحة تقوم بنهب المساعدات الإنسانية وإعادة بيع السلع المسروقة في السوق السوداء. ولعدة أشهر، نددت منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة بـتواطؤ جيش الاحتلال الإسرائيلي مع هذه العصابات المسلحة، التي لم تردع طبيعتها الإجرامية الحكومة الإسرائيلية عن استخدامها لإشعال صراع داخل المجتمع الغزي والسعي إلى تفتيته. ميليشيا مسلحة تنشط في محافظة رفح بمباركة جيش الاحتلال في أواخر شهر أيار/مايو الفائت، نقلت صحيفة 'هآرتس' عن مصدرين خبراً عن نشاط ميليشيا مسلحة تطلق على نفسها اسم 'القوات الشعبية'، وهدفها المعلن هو 'حماية السكان من الإرهاب المتفشي، ومنع سرقة المساعدات، ومكافحة الفساد'، وذلك بمباركة، بل ودعم، جيش الاحتلال الإسرائيلي. وأكدت صور على وسائل التواصل الاجتماعي بروز هذه المليشيا، إذ أظهرت 'أشخاصاً مسلحين بلباس عسكري وخوذ يوقفون سيارات تابعة للأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي'. وكانت صحيفة 'هآرتس' قد كشفت قبل ذلك عن أنشطة جماعة تُطلق على نفسها اسم 'جهاز مكافحة الإرهاب' تعمل شرق رفح بين محوري موراغ وفيلادلفيا، في منطقة أعلنها جيش الاحتلال منطقة محظورة على المدنيين. وتضم هذه الجماعة، بحسب بعض المصادر، ما بين 100 إلى 300 مسلح ينشطون بموافقة ضمنية من جيش الاحتلال. وفي الأسابيع الأخيرة، أطلقت هذه الجماعة صفحتين على فيسبوك 'نشرت فيهما رسائل معادية لحماس والسلطة الفلسطينية، وروجت لجهود ميليشياتها في توفير الأمن وتوزيع المساعدات على المدنيين'، مظهرة مقاتليها وهم 'يرتدون زياً جديداً وخوذات وسترات تحمل شارات مثل العلم الفلسطيني'. وفي يوم الثلاثاء في 3 حزيران/يونيو الجاري، نشرت الجماعة مقطع فيديو جديداً يُظهر قواتها وهي تقيم مخيماً وتدعو الفلسطينيين النازحين إلى التوجه نحو المخيم 'لتلقي الطعام والمأوى والحماية'. كما أظهر الفيديو 'توزيع مئات أكياس الدقيق والطرود الغذائية'. وحددت صحيفة 'هآرتس' موقع المخيم باستخدام صور الأقمار الصناعية، التي أظهرت '16 خيمة قيد الإنشاء في منطقة خضعت لسيطرة الجيش الإسرائيلي المباشرة لفترة طويلة – بين محوري موراغ وفيلادلفيا، على بُعد حوالي خمسة كيلومترات شمال شرق معبر كرم أبو سالم'. من هو ياسر أبو شباب ؟ يتزعم هذه الميليشيا شخص يدعى ياسر أبو شباب، معروف عنه أنه تاجر مخدرات وينتمي إلى عائلة بدوية في رفح، نشر صورة له على صفحته على فيسبوك تحمل عبارة 'ياسر أبو شباب – القوات الشعبية'، وجاء في وصف الصفحة، باللغتين الإنكليزية والعربية: 'صوت الحق ضد الإرهاب من أجل وطن آمن للجميع'. كما أظهرت صورة أخرى على صفحته مقاطع فيديو 'لرجال مسلحين ببنادق، يرتدون خوذات عسكرية وسترات واقية من الرصاص تحمل شارات العلم الفلسطيني، وهم يسيطرون على حركة المرور على شارع صلاح الدين في رفح'. وشوهد أحد أفراد جماعته وهو 'يقيم نقطة تفتيش في رفح، على طريق كانت تمر منه مركبات الأمم المتحدة'. وجاء في التعليق: 'لمحة عن تأميننا تسع شاحنات دقيق من برنامج الغذاء العالمي، كما قمنا بتأمين خمس شاحنات محملة بالأدوية والأغذية للأطفال'. وبينما حاول ياسر أبو الشباب أن ينفي عنه تهمة العمالة لإسرائيل والتعاون مع جيش الاحتلال، إذ زعم في منشور على فيسبوك: 'لم نكن ولن نكون أداة في يد الاحتلال، ولن نقبل أن يُستخدم اسمنا لأغراض مشبوهة'، واتهم وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر 'ادعاءات كاذبة بأن قواتنا الشعبية تلقت أسلحة من الاحتلال'، واصفاً هذه الاتهامات بأنها 'محاولة واضحة لتشويه صورة قوة شعبية ولدت من رحم المعاناة'، وموضحاً أن الأسلحة التي بحوزة جماعته 'بسيطة للغاية' وتأتي من 'دعم أبناء شعبنا، وغذاء أطفالهم، وتبرعات السكان والشباب الذين لم يكن أمامهم خيار سوى حماية المساعدات من النهب'! بينما زعم ياسر أبو شباب ذلك، أكد أمجد الشوا، مدير الشبكة الفلسطينية للمنظمات غير الحكومية، أن هذا الرجل 'معروف في قطاع غزة، إذ هو، مع جماعته المسلحة، أغلق الطرق واستولى على المساعدات الإنسانية الواردة، وأقام حواجز على طريق صلاح الدين، واختطف شاحنات لسرقة الدقيق، من بين أمور أخرى؛ كان مسجوناً بتهم مختلفة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولكن عندما بدأ الجيش الإسرائيلي بقصف السجون، أُطلق سراحه'. وتابع أمجد الشوا: 'من الواضح أن هذا الشخص محميّ من قِبل الجيش الإسرائيلي، كونه يعمل في منطقة أعلنها محظورة؛ هناك جماعات مسلحة أخرى تنهب المساعدات الإنسانية، إلى جانب أبو الشباب؛ الإسرائيليون هم من يحددون مسارات قوافل المساعدات الإنسانية، وبالتالي يرسلونها مباشرةً إلى قطاع الطرق'. وتزعم شهادات جمعتها صحيفة 'هآرتس' في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 من منظمات إنسانية غير حكومية في غزة أن الجيش الإسرائيلي 'سمح لمجموعات من اللصوص بابتزاز الأموال من قوافل المساعدات الإنسانية الداخلة إلى غزة'. في الوقت نفسه، نقل موقع 'نافذة مصر' الإخباري عن مذكرة للأمم المتحدة أن 'الجيش الإسرائيلي سمح لهذه الجماعات المسلحة بعرقلة قوافل المساعدات وتحويل مسارها'. ووفقاً لأحد سكان غزة، فإن إسرائيل 'تريد أن تجعل من أبو شباب ظاهرة، وأن تُظهر وجود قوة معارضة لحماس، وأنها تحمي المساعدات الإنسانية؛ هذه دعاية إسرائيلية' . وقد وصف 'المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية' ياسر أبو شباب بأنه زعيم 'عصابة إجرامية تعمل في منطقة رفح ومتهم بنهب شاحنات المساعدات في غزة'، وأضاف أنه 'كان مسجوناً سابقاً لدى حماس بتهمة تهريب المخدرات'. ووفقاً لمايكل ميلشتاين، الخبير في الشؤون الفلسطينية في 'مركز موشيه ديان' في تل أبيب، فإن ياسر أبو شباب 'قضى فترة في السجن في غزة، وندد به زعماء العشائر مؤخراً ووصفوه بأنه متعاون ويقود عصابة إجرامية'. وأشار إلى أن الشاباك والجيش 'ظنا أن تحويل هذه الميليشيا إلى وكيل لهما، وتزويدهما بالسلاح والمال، فكرة ممتازة'. بينما أعلنت حركة 'حماس' أن هذه المجموعة 'اختارت طريق الخيانة والسرقة'، ودعت المدنيين 'إلى التصدي لها'. أما المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو، العائد لتوه من قطاع غزة، فقد أعرب عن استغرابه الشديد من تصرّف حكومة بنيامين نتنياهو قائلاً: 'هذه الميليشيا تابعة لشخص يُدعى ياسر أبو شباب: هذا الرجل زعيم عصابة تربطه صلات بإسرائيل وعلاقة وثيقة بداعش؛ في سياق حرب إبادة جماعية، كيف يُمكن لهذه الجماعة التكفيرية المسلحة أن تعمل وسط أنقاض غزة، وتزرع الرعب، وتسرق الطعام، بينما يُطلق الجيش الإسرائيلي النار على كل ما يتحرك، وتراقب الطائرات المسيّرة كل شيء؟'. بنيامين نتنياهو يقر بدعم ميليشيا فلسطينية وتسليحها في 5 حزيران/يونيو الجاري، أكد أفيغدور ليبرمان وزير الأمن السابق، وزعيم حزب 'إسرائيل بيتنا'، في حديث لإحدى الإذاعات أن إسرائيل 'سلّحت منظمات فلسطينية معارضة لحماس في قطاع غزة'، وقال: 'الحكومة الإسرائيلية تنقل أسلحة إلى مجموعة من المجرمين والمنحرفين الذين ينتمون إلى داعش، بناءً على تعليمات رئيس الوزراء'. وبحسب ليبرمان، نُفذت هذه العملية 'بموافقة نتنياهو، لكن من دون أن تمر عبر مجلس الوزراء'، موضحاً أن 'رئيس جهاز الشاباك كان على علم بالأمر، لكنه لا يعرف إلى أي مدى أُبلغ رئيس الأركان بذلك'. ولم ينفِ بنيامين نتنياهو هذه الاتهامات، إذ قال عن الجماعة التي يقودها ياسر أبو شباب: 'قمنا بتفعيل عشائر معارضة لحماس، ما السيئ في ذلك؟ هذا أمر جيد، فهذا ينقذ أرواح جنود إسرائيليين'، وردّ مكتبه على الوزير السابق أفيغدور ليبرمان بتصريح ورد فيه: 'إن إسرائيل تعمل على هزيمة حماس بوسائل مختلفة، بناءً على توصية جميع قادة الأجهزة الأمنية'. وفي مؤتمر صحفي عُقد يوم الجمعة في السادس من الشهر الجاري، أكّد العميد إيفي ديفرين، المتحدث باسم جيش الاحتلال، أن جيشه 'يُؤيّد تزويد الميليشيات في قطاع غزة بالأسلحة'، وقال: 'نعمل بطرق مُختلفة ضد حكومة حماس، التي يُعدّ انهيارها أحد أهدافنا الحربية'، مضيفاً أنه 'لتحقيق ذلك، نستخدم مجموعة من الأساليب، [لكن] لا يُمكنني قول المزيد'. بيد أن كشف أفيغدور ليبرمان أثار احتجاجات واسعة داخل صفوف المعارضة الإسرائيلية، إذ كتب رئيس حزب 'الديمقراطيين' يائير غولان على موقع 'إكس': 'نتنياهو يروج الآن لمفهوم جديد خطير: تسليح ميليشيا غزية مرتبطة بداعش'، مضيفاً: 'نتنياهو خطر على أمن إسرائيل، هذا ليس خطأً معزولاً، إنه خطأ ممنهج؛ نتنياهو يبيع أمن إسرائيل مقابل يوم واحد فقط في السلطة'. أما رئيس حزب 'يوجد مستقبل' يائير لبيد، فكتب على الموقع نفسه: 'نتنياهو يُزوّد الآن منظماتٍ مقربة من تنظيم الدولة الإسلامية في غزة بالأسلحة، كل ذلك دون استعداد أو تخطيط استراتيجي، مما سيؤدي إلى كوارث جديدة' . من جهته، صرّح سفير عربي يوم الخميس في 5 حزيران/يونيو الجاري لصحيفة 'تايمز أوف إسرائيل'، شريطة عدم الكشف عن هويته: 'لقد رفض نتنياهو بالفعل التعاون مع السلطة الفلسطينية في الماضي، لأن ذلك كان سيتطلب التحرك نحو حل سياسي، وهو يطبق المنطق نفسه اليوم'، محذراً من أن تسليح بعض أفراد العشائر في غزة 'لن يؤدي إلا إلى مزيد من تجزئة الفلسطينيين، ويزيد من خطر سيناريو شبيه بالصومال، مع ظهور منطقة خارجة عن القانون تسيطر عليها ميليشيات متنافسة'. بينما نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله: 'إن استخدام الشاباك للعشيرة كان وارداً فقط لأن نتنياهو منع المؤسسة الأمنية من أي مبادرة تُشرك السلطة الفلسطينية في إدارة الأمن في غزة'، ذلك 'إن السماح بوجود السلطة الفلسطينية في القطاع – الذي يدعم حل الدولتين – من شأنه أن يُهدد بإسقاط حكومة نتنياهو، بالنظر إلى العداء الذي أظهره بن غفير وسموتريتش تجاهها'، كما أن نتنياهو نفسه يعارض أي دور للسلطة الفلسطينية و'يساوي بينها وبين حماس، ويرفض فكرة إسناد الأمن إلى جهات فاعلة أجنبية'. تكريس الانقسام الفلسطيني سياسة إسرائيلية ثابتة يُنظر إلى موقف رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية باعتباره امتداداً لسياسة ثابتة انتهجها، بصورة خاصة، حزب 'الليكود' منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين، عندما قام بتشجيع شبكة من العملاء والمتعاونين مع الاحتلال على تشكيل 'روابط القرى' في الضفة الغربية المحتلة لتمرير مشروع 'الإدارة المدنية'، وإضعاف نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية ورؤساء البلديات الوطنيين المتعاونين معها. وفي الفترة نفسها تقريباً، نظرت الحكومة الإسرائيلية، بصورة إيجابية، إلى صعود التيار الذي مثّلته 'جماعة الأخوان المسلمين' في قطاع غزة، الذي اعتبرته آنذاك أقل خطراً عليها من منظمة التحرير الفلسطينية، وغضت الطرف عن قيام بعض أفراد هذا التيار بافتعال مواجهات مع المؤسسات القريبة من المنظمة، ومع الكتل الطلابية للفصائل المنضوية في نطاقها. 'لقد اعتقدنا أن الإسلام المعتدل أفضل من النزعة القومية العلمانية'، هذا ما صرّح به، في سنة 1981، يتسحاق سيغف الحاكم العسكري السابق لقطاع غزة لصحيفة 'نيويورك تايمز'. وبعد سنة 2007، بذلت حكومة بنيامين نتنياهو تحديداً جهوداً مكثفة من أجل تكريس الانقسام السياسي بين حركتَي 'فتح' و 'حماس'، والانقسام الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، للحؤول دون تمكين الفلسطينيين من تبني استراتيجية كفاحية موحدة وإقامة سلطة واحدة تحكم الضفة والقطاع على طريق منع قيام دولة فلسطينية مستقلة. وكما قضت القوى الوطنية في الضفة الغربية المحتلة على مشروع 'روابط القرى' وهو في مهده، فإن من المفترض أن يقوم زعماء العشائر في القطاع المنكوب بنزع الغطاء عن العصابات الإجرامية المسلحة التي ينتمي إليها أفراد من عشائرهم وإدانتها، وخصوصاً أن بنيامين نتنياهو يدّعي زوراً بأنه يدعم 'عشائر' ويسلحها وليس عصابات إجرامية وضعت نفسها في خدمة الاحتلال ومشاريعه. ومما سيساعد على إحباط مخطط الاحتلال الجديد هذا، وعزل هذه العصابات، أن تتوافق حركة 'حماس' مع منظمة التحرير الفلسطينية على تصوّر مشترك لإدارة المفاوضات والصراع مع الاحتلال في آن معاً، وأن تتجاوب مع تطلعات الجمهور الغزي الذي لم يعد قادراً على تحمل المزيد من المعاناة في مواجهة أشكال القتل والتجويع والتدمير. – د. ماهر الشريف – باحث ومؤرخ في مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت

3 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مدينة غزة
3 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مدينة غزة

شبكة أنباء شفا

timeمنذ ساعة واحدة

  • شبكة أنباء شفا

3 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مدينة غزة

شفا – استُشهد ثلاثة مواطنين، مساء اليوم الأحد، في قصف للاحتلال الإسرائيلي على مدينة غزة. وأفاد مراسلنا بأن قوات الاحتلال استهدفت مجموعة من المواطنين قرب مدرسة دار الأرقم في حي التفاح بمدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة وإصابة آخرين. ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على قطاع غزة، أسفر عن استشهاد 55,362 مواطنا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 128,741 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم. شاهد أيضاً شفا – أصبح استخدام البيانات لفهم تفاصيل الحياة واكتشاف جوانب الجمال نهجا عصريا يعكس تنمية …

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store