logo
أكثر 10 شعوب بالعالم استهلاكًا للخيار.. والأردن والمغرب ضمن كبار المُصدّرين

أكثر 10 شعوب بالعالم استهلاكًا للخيار.. والأردن والمغرب ضمن كبار المُصدّرين

الجزيرة٢٠-٠٧-٢٠٢٥
يشكّل الخيار أحد الخضراوات الأساسية على المائدة العالمية، إذ يدخل في إعداد العديد من الأطباق ويُعدّ عنصرًا رئيسيًا في الأنظمة الغذائية الصحية، ويتميّز بغناه بمضادات الأكسدة التي تحمي الخلايا وتقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
بحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، بلغ الإنتاج العالمي من الخيار ومخلل الخيار نحو 98 مليون طن في عام 2023، تتصدّر الصين قائمة الدول المنتجة بإجمالي يتجاوز 77 مليون طن سنويًا.
حجم سوق الخيار العالمي
قُدّر حجم سوق الخيار ومخلل الخيار عالميًا بنحو 3.07 مليارات دولار أميركي خلال عام 2023، وفقًا لمنصة "شركة أبحاث السوق المستقبلية". ومن المتوقع أن ينمو إلى 3.17 مليارات دولار في عام 2024، ليصل إلى نحو 4.5 مليارات دولار بحلول عام 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 3.24% خلال الفترة من 2025 إلى 2035.
ويجمع هذا السوق بين العراقة في الاستخدامات والطلب المعاصر على الأغذية الصحية، مما يخلق بيئة ديناميكية تتداخل فيها النضارة مع النكهة والراحة. كما أدى تنامي الاهتمام بالوجبات الخفيفة الصحية وتجارب الطهي العالمية إلى بروز الخيار ومخلل الخيار كعنصرين متعددي الاستخدام في الأنظمة الغذائية حول العالم.
فشرائح الخيار الطازج تدخل في السلطات والسندويشات، بينما تضفي المخللات نكهة مميزة على أطباق اللحوم الباردة والوجبات الجاهزة.
الابتكارات واتجاهات المستهلكين تدفع تطور السوق
دفعت مجموعة من التحولات والابتكارات التكنولوجية قطاع الخيار ومخللاته نحو مرحلة جديدة من النمو، ومن أبرزها بحسب منصة "ريسيرتش أند ماركتس":
الزراعة العمودية والزراعة الدقيقة: أسهمتا في تحسين معدلات الإنتاج وكفاءة استخدام الموارد، مما أتاح التوريد المستمر على مدار العام، وخفض الآثار البيئية. هذه التطورات تستجيب لحاجات المستهلكين الذين أصبحوا أكثر وعيًا واهتمامًا بتتبّع مصدر المنتج وشفافيته.
اتساع أنماط الحياة النباتية والأنظمة الغذائية الصحية: أدت إلى زيادة الطلب على المنتجات منخفضة السعرات والمرطّبة، ما جعل من الخيار ومخللاته خيارًا شائعًا ضمن فئة الأغذية الصحية.
قنوات التوزيع الحديثة: أسهمت منصات البيع بالتجزئة متعددة القنوات، والتوزيع المباشر للمستهلك، في توسيع الوصول وتقليص سلاسل التوريد.
تحليلات البيانات والتسويق الرقمي: تُستخدم حاليًا لفهم سلوك المستهلك وتطوير المنتجات والحملات الإعلانية بناءً على معطيات فورية، ما يعزز القدرة التنافسية ويعيد تشكيل القيمة المضافة في السوق العالمي.
أكبر 10 شعوب مستهلكة للخيار ومخلل الخيار في العالم
تُعد الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أكثر البلدان استهلاكًا للخيار ومخلل الخيار. فقد بلغت قيمة الاستهلاك الأميركي نحو 1.4 مليار دولار أميركي خلال عام 2023.
وفيما يلي قائمة أكبر 10 دول استهلاكًا للخيار ومخللاته خلال 2023، وفقًا لبيانات البنك الدولي (القيمة مقدرة بالدولار الأميركي):
الولايات المتحدة: 1.4 مليار دولار.
ألمانيا: 819 مليون دولار.
المملكة المتحدة: 311.2 مليون دولار.
هولندا: 139.8 مليون دولار.
بولندا: 126.1 مليون دولار.
فرنسا: 108.8 ملايين دولار.
بلجيكا: 76.4 مليون دولار.
جمهورية التشيك: 76 مليون دولار.
كندا: 64.1 مليون دولار.
السويد: 54.4 مليون دولار.
أكبر 10 دول مصدّرة للخيار ومخلل الخيار في العالم
تتصدر إسبانيا قائمة الدول المصدرة للخيار ومخلله، بقيمة صادرات فاقت مليار دولار أميركي في عام 2023. كما برزت بعض الدول العربية، من بينها الأردن والمغرب، ضمن كبار المصدرين العالميين.
وبحسب بيانات البنك الدولي، جاءت قائمة أكبر 10 دول مصدرة للخيار ومخللاته خلال 2023 كما يلي:
إسبانيا: 1.1 مليار دولار.
المكسيك: 804.3 ملايين دولار.
هولندا: 594.2 مليون دولار.
كندا: 532.5 مليون دولار.
تركيا: 75.8 مليون دولار.
اليونان: 71.3 مليون دولار.
الولايات المتحدة: 59.3 مليون دولار.
بلجيكا: 55.6 مليون دولار.
الصين: 45.6 مليون دولار.
الأردن: 35.3 مليون دولار.
وقد احتل المغرب المرتبة الثانية عشرة بصادرات قُدرت بنحو 27 مليون دولار، مما يعكس حضورًا عربيًا ملحوظًا في السوق العالمي.
أكبر 5 دول منتجة للخيار في العالم
تحتكر الصين موقع الريادة عالميًا في إنتاج الخيار، بحجم إنتاج يفوق 77 مليون طن سنويًا، وهو ما يتجاوز 3 أرباع الإنتاج العالمي.
وبحسب بيانات "وورلد ببيوليشن ريفيو" لعام 2022، فإن أكبر 5 دول منتجة للخيار هي:
الصين: 77.3 مليون طن.
تركيا: 1.9 مليون طن.
روسيا: 1.6 مليون طن.
المكسيك: 1.1 مليون طن.
أوزبكستان: 904 آلاف طن.
أكبر 5 دول عربية مُصدّرة للخيار ومخلل الخيار
تنتشر زراعة الخيار في دول عربية عديدة، وتُوجَّه الكميات الفائضة إلى الأسواق الإقليمية والعالمية. ووفقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2023، فإن قائمة أكبر الدول العربية المُصدّرة جاءت على النحو التالي:
الأردن: 35.3 مليون دولار.
المغرب: 27 مليون دولار.
مصر: 1.4 مليون دولار.
السعودية: 1.2 مليون دولار.
الإمارات العربية المتحدة: 424 ألف دولار.
أكبر 5 دول عربية مُستوردة للخيار ومخلل الخيار
في المقابل، تستورد عدة دول عربية الخيار ومخللاته لسد الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج المحلي. وفيما يلي أكبر 5 دول عربية مستوردة في عام 2023، حسب بيانات البنك الدولي:
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عبر "أصدقاء التربة".. علماء ينتجون قمحا غنيا بالحديد والزنك
عبر "أصدقاء التربة".. علماء ينتجون قمحا غنيا بالحديد والزنك

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

عبر "أصدقاء التربة".. علماء ينتجون قمحا غنيا بالحديد والزنك

في وقت تتزايد فيه التحديات المرتبطة بسوء التغذية ونقص العناصر الدقيقة في الحبوب التي تشكل الغذاء الأساسي لملايين البشر في العالم، كشفت دراسة حديثة عن إمكانية تحسين القيمة الغذائية للقمح، من دون اللجوء إلى الأسمدة أو التعديلات الجينية، بل بالاستعانة بكائنات دقيقة تقيم شراكة قديمة مع جذور النباتات، وهي فطريات التربة. في ال دراسة التي نشرت يوم 23 يوليو/تموز في مجلة "بلانتس، بيبول، بلانيت"، سلط باحثون الضوء على قدرة فطريات تعرف علميا باسم الفطريات الجذرية التكافلية -اتحاد تكافلي بين فطر ونبات- على زيادة تركيز الزنك والفوسفور في بذور قمح الخبز، وهو النوع الأكثر استهلاكا عالميا. من المختبر إلى المزرعة رغم أن القمح مصدر رئيسي للغذاء في كثير من الدول، فإن قيمته الغذائية تراجعت تدريجيا بفعل الزراعة المكثفة واستنزاف التربة، ووفقا للمؤلفة المشاركة في الدراسة ستيفان واتس-فاوكس الباحثة في علم النبات بجامعة أديلايد في أستراليا: "هنا تبرز أهمية هذه الدراسة التي توفر، للمرة الأولى، دليلا عمليا على إمكانية تحسين القمح بطريقة طبيعية وآمنة غذائيا". وتوضح واتس-فاوكس في تصريحات للجزيرة نت "اكتشفنا أن الاستفادة من العلاقة التبادلية بين جذور القمح وهذه الفطريات يمكن أن تعزز امتصاص العناصر الدقيقة من دون زيادة في المركبات المثبطة مثل الفيتات، وهي أحماض مضادة للتغذية، وتعيق امتصاص الزنك والفوسفور في الجسم". أجرى الفريق تجارب على صنف تجاري من القمح في ظروف خاضعة للرقابة، حيث تم تلقيح التربة بنوعين من الفطريات الجذرية التكافلية. وبعد نمو المحصول، قارن الباحثون محتوى الحبوب من العناصر المعدنية ومركبات الفيتات مع حبوب من نباتات لم تتعرض للتلقيح الفطري. كانت النتائج لافتة، بحسب الدراسة، إذ ارتفعت نسبة الزنك والفوسفور بشكل واضح، في حين لم يطرأ أي ارتفاع على مستويات الفيتات التي تعيق امتصاص المعادن، وذلك يعني تحسنا في توافر الزنك والحديد للجسم. يعني أن المغذيات أصبحت أكثر قابلية للامتصاص في الجسم، وهي نقطة حاسمة عند الحديث عن الأمن الغذائي وجودة التغذية. وتوضح الباحثة أن "ليس كل ارتفاع في المغذيات يعني استفادة غذائية. فالأهم أن تكون هذه العناصر متاحة حيويا. لقد تحقق ذلك فعلا في هذا النموذج". بديل مستدام للأسمدة؟ تكمن قوة هذه التقنية الجديدة في أنها لا تعتمد على الأسمدة الاصطناعية، ولا تتطلب تعديلات جينية أو تقنيات زراعة عالية التكلفة، بل تقوم على تفعيل علاقة طبيعية بين النبات والتربة، لطالما تطورت عبر آلاف السنين، لكنها لم تستثمر بما يكفي في الزراعة الحديثة. تقول واتس-فاوكس إن هذه الشراكة الحيوية المهملة قد تكون مفتاحا لإنتاج محاصيل أكثر تغذية واستدامة في آن واحد، خصوصا في المناطق التي يصعب فيها توفير الأسمدة أو تعاني من تدهور التربة. وتشير الباحثة إلى وجود تحديات عملية، فحتى الآن تم اختبار التقنية في بيئات محدودة وتحت ظروف مخبرية. ويجري الفريق حاليا تصميم تجارب ميدانية على نطاق أوسع، تشمل أنواعا مختلفة من التربة والمناخات الزراعية. ويخطط الفريق البحثي لاختبار التلقيح الفطري في حقول حقيقية داخل أستراليا، ثم التوسع إلى مناطق أخرى في آسيا وأفريقيا، حيث تتفاقم أزمات التغذية ويكثر الاعتماد على القمح كغذاء أساسي. وتؤكد الباحثة أن الأمر لا يتعلق فقط بإنتاج قمح غني بالمغذيات، بل أيضا بفهم المنظومة البيئية ككل، من التربة إلى المحصول إلى المستهلك.

كيف يسهم التغير المناخي في انتشار الأوبئة والجوائح؟
كيف يسهم التغير المناخي في انتشار الأوبئة والجوائح؟

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

كيف يسهم التغير المناخي في انتشار الأوبئة والجوائح؟

تشير دراسة جديدة إلى أن الظروف المناخية، من ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة معدلات هطول الأمطار السنوية، وندرة المياه، تسهم في زيادة احتمالات تفشي الأوبئة والأمراض الحيوانية المنشأ الجديدة بوتيرة سريعة في مختلف أنحاء العالم. وأكدت الدراسة التي نُشرت في مجلة "ساينس أدفانس" أن التغيرات المناخية التي تؤدي بدورها إلى تغيرات بيئية كاستخدام الأراضي، والتعدي البشري على المناطق الحرجية، وزيادة الكثافة السكانية، وفقدان التنوع البيولوجي، كلها عوامل تزيد من مخاطر انتشار الأمراض. وقدمت الدراسة خريطة عالمية ومؤشرات لمخاطر الأوبئة الخاصة بكل دولة وقدراتها على الاستعداد والاستجابة للتهديدات الحيوانية المنشأ. وأشارت إلى أن تلك العوامل جعلت الأوبئة والجوائح الناجمة عن انتقال مسببات الأمراض من الحيوانات إلى البشر، والانتشار الحيواني، أكثر تواترًا. وجمع الباحثون بيانات عن تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ المُدرجة على قائمة الأولويات لدى منظمة الصحة العالمية خلال الفترة من 1975 إلى 2020، اعتمادًا على بيانات الشبكة العالمية للأمراض المعدية والوبائيات. كما حددت الدراسة 9 أمراض حيوانية المنشأ تتمثل في العدوى التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر وذات قدرة عالية على التسبب في حالات طوارئ صحية عامة حادة. ومن بينها: فيروس زيكا، وإيبولا، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس). بشكل عام، يوجد أكثر من 200 مرض حيواني المنشأ معروف، تنتقل عندما يعبر العامل المُمْرِض، مثل الفيروسات أو البكتيريا أو الطفيليات أو الفطريات، من الحيوان إلى الإنسان، سواء من خلال اللدغات، أو ملامسة الدم، أو اللعاب، أو البراز. ومن أبرز الأمثلة على هذه الأمراض: داء لايم، وداء الكلب، وإنفلونزا الطيور، وكوفيد-19 الذي استبعدته الدراسة. وحسب الدراسة، يتزايد عدد الأمراض الحيوانية المنشأ الجديدة بوتيرة سريعة بفعل جملة عوامل يأتي على رأسها المناخ. وتزدهر أيضا مسببات الأمراض، وكذلك الحيوانات التي تحملها، في المناخات الدافئة والرطبة. ويُعد الاتصال المتكرر بين البشر والحيوانات عاملا رئيسيا آخر. فعندما يعيش الناس بالقرب من مناطق ذات تنوع بيولوجي غني، مثل الغابات، يزداد خطر انتقال الأمراض. وحدّد الباحثون 131 تفشيا مرتبطا بأمراض ذات قابلية للتحول إلى أوبئة أو جوائح، خلال الفترة المذكورة، واستخدموا بيانات الأقمار الاصطناعية لتحديد 9 عوامل خطر محتملة تسهم في انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ، معظمها مرتبطة بتغير المناخ وتأثيراته. ومن بين هذه العوامل: الحد الأقصى السنوي لدرجة الحرارة، والحد الأدنى السنوي لدرجة الحرارة، وعجز المياه، وإجمالي هطول الأمطار السنوي، وكثافة الثروة الحيوانية، وتغير استخدام الأراضي، والتغير في القرب بين البشر والغابات، وفقدان التنوع البيولوجي، والكثافة السكانية البشرية. وحلّلت الدراسة كيف تؤثر العوامل البيئية والمناخية المختلفة على خطر تفشي الأمراض، حيث اعتمد المؤلفون على نموذج تنبؤي قائم على تقنيات التعلم الآلي لدمج هذه المتغيرات. وخلصت النتائج إلى أن معدل تفشي الأمراض في أميركا اللاتينية يعد الأكبر بنسبة 27.1%، تليها أوقيانوسيا بنسبة 18.6%، وآسيا بنسبة 6.9%، وأفريقيا بنسبة 5.2%، ثم وأوروبا بنسبة 0.2%، وأميركا الشمالية بنسبة 0.08%. كما وجدت الدراسة أن ما يصل إلى 20% من السكان في العالم يعيشون في مناطق ذات مخاطر متوسطة، بينما يعيش 3% في مناطق ذات مخاطر عالية وعالية جدا. وبيّنت النتائج أن التغيرات المناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة هطول الأمطار يرفعان من احتمالات انتقال العدوى، إذ إن العوائل الطبيعية للمُمْرِضات تتكيّف غالبا مع البيئات الحارة والرطبة، خصوصا في المناطق الاستوائية. كما وجد الباحثون أن ندرة المياه مرتبطة بأعلى خطر لتفشي الأمراض، ربما بسبب تجمع الحيوانات حول مصادر المياه القليلة المتبقية، مما يسهل انتقال المُمْرِضات، أما الظروف القاحلة للغاية فقد تؤدي إلى انقراض العوائل، وبالتالي توقف انتشار المُمْرِض. وأكدت الدراسة أن إزالة الغابات وتغير استخدام الأراضي يزيدان من فرص التواصل بين البشر والحيوانات البرية، مما يفتح الباب لانتقال مسببات الأمراض. وترتبط أيضا الكثافة السكانية، سواء للبشر أو للماشية، بزيادة احتمال تفشي الأمراض الحيوانية المنشأ، إذ تسهّل هذه الكثافة انتقال المُمْرِضات وانتشارها.

أراك كإنسان لا كعادة يومية!
أراك كإنسان لا كعادة يومية!

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

أراك كإنسان لا كعادة يومية!

منذ اللحظة الأولى التي يلتقط فيها الطفل نظرة أمه، تبدأ أناه بالتكوّن، ليس لأنه يكتشف نفسه في المرآة البيولوجية لجسدها، بل لأنه يشعر لأول مرة أن وجوده له صدى في قلب آخر. توماس أوغدن، أحد أبرز منظّري علم النفس العلائقي، يرى أن الإنسان لا يولد مكتملًا، بل يتشكل في الفراغ بينه وبين الآخر، في ذلك "الصدع" الغامض الذي يجعلنا نبحث عن الحبّ لا كمجرد طقس عاطفي، بل كحاجة وجودية تكشف لنا أننا موجودون حقًّا. لكن المأساة تبدأ حين يتحوّل هذا الآخر، الذي يفترض أن يكون نافذة إلى المعنى، إلى عادة يومية؛ مجرد حضور جسدي رتيب، أو صدى متكرر بلا حياة. هنا يتسلّل الفراغ القاتل: نرى الجسد ولا نرى الإنسان، نسمع الصوت ولا نسمع النداء الخفي، نشعر بالوجود الفيزيائي لكن الغياب العاطفي يبتلعنا. الصدع الذي يولّد العطش وفقًا لأوغدن، في كتاباته عن "الفضاء التحليلي الثالث" (The Analytic Third)، كل علاقة حقيقية تنبني على هذا التوتر الدائم: الحاجة إلى الآخر مقابل الخوف من فقدان الذات فيه. حين يتحوّل الآخر إلى عادة، فإن الصدع الذي كان في الأصل فضاءً يولّد الإبداع والحب يتحول إلى هاوية صامتة! بدل أن يذكّرنا الآخر بوجودنا، يغدو مرآة ميتة، فنشعر أننا نختفي من داخلنا. لنتخيل مثالًا بسيطًا: زوجان يعيشان معًا منذ عشر سنوات، في الصباح يضع كل منهما فنجان القهوة أمام الآخر بلا كلمة، نظراتهما تمر فوق الطاولة مثل دخان بلا نار، لا توجد خلافات كبيرة، لكن لا شيء حيًّا يربطهما! كل يوم يتكرّر المشهد، حتى يصير الآخر مجرد "عادة"، حضورًا آليًّا يذكّرنا بأننا لم نعد نرى الإنسان الذي أمامنا، ولا نُرى نحن أنفسنا. هذا الصدع، الذي يبدو بسيطًا، يولّد أكثر أشكال الوحدة قسوة: الوحدة في حضور الآخرين.. لا وحدة الفراغ، بل وحدة التآلف الميّت. الإنسان فينا يولد من الاحتكاك أوغدن يشدّد على أن الحب الحقيقي، وكل مشاعرنا الإنسانية العميقة، لا يمكن أن تزدهر إلا عبر الاحتكاك بالآخر الحيّ، لا ذلك الاحتكاك الجسدي أو العاطفي وحده، بل احتكاك يوقظ فينا إحساسنا بأننا مرئيون؛ أن هناك من يرانا في هشاشتنا وفي قوتنا، في ترددنا وفي رغباتنا غير المكتملة. إعلان في الحياة اليومية، نلمس ذلك في لحظات نادرة: صديق ينظر إلينا بعمق حين نتحدث عن ألم خفي، طفل يضحك فجأة فنشعر أن العالم استعاد ألوانه، أو حتى غريب في قطار يلتقط بصدق نظرة ضياعنا. هذه اللحظات تعيد ترميم الصدع، تجعلنا نشعر أننا لسنا مجرد كيانات وظيفية تؤدي دورًا في روتين الحياة. لماذا نبحث عن الحب من جديد؟ كل هذا يفسر لماذا، رغم انغماسنا في علاقات "مستقرة"، يبقى في داخلنا عطشٌ ملحّ للتعارف، للاجتماع، للعثور على الآخر الذي يوقظنا.. ليس بحثًا عن خيانةٍ أو هروبٍ، بل عن إعادة ولادة، عن استعادة تلك الشرارة الأولى التي تجعلنا نشعر أننا أحياء. ربما لهذا السبب، ترى في مقاهي المدن العيونَ تبحث، حتى لو كانت الأصابع منشغلة بهواتف ذكية.. كل شخص يحمل في داخله نداءً صامتًا: "أرني أني أكثر من جسد حاضر، أكثر من دور أؤديه، أكثر من عادة يومية". العودة إلى الرؤية حين نتعامل مع الآخر كإنسان، لا كعادة، نعيد فتح الفضاء الذي تحدث عنه أوغدن: فضاء يولّد الحب، والفهم، والإبداع، ويعيد ترميم الصدع. لكن هذا يتطلب شجاعة، لأن رؤية الآخر حقًّا تعني أيضًا أن نكشف هشاشتنا نحن، أن نتخلى عن أمان العادة ونقترب من خطر الحياة الحقيقية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store