
الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟
تلك المفارقة بين المشهد التلفزيوني وصورة الأطفال الذين ينهارون جوعا تختصر ملامح مقاربة إسرائيلية باتت تستخدم فيها "الدبلوماسية الإنسانية" كأداة سياسية لتخفيف الضغط الدولي من دون أي نية حقيقية لإنهاء الكارثة.
فالحكومة الإسرائيلية -وفق تحليل الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث"- لا تسعى فعليا إلى تخفيف معاناة الغزيين، بقدر ما توظف "بروباغندا" الإسقاطات الجوية لتنفيس الغضب الدولي والشعبي ضدها، لا سيما مع تفاقم الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
هذه المسرحيات الإنسانية، التي تُنفّذ على مرأى العالم، لا تمثّل سوى "قطرة في بحر" الاحتياجات الأساسية لقطاع يتضور جوعا، ويحتاج إلى مئات الشاحنات يوميا وليس حفنات من المساعدات المتساقطة في مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال.
المقاربة الإسرائيلية لا تُقاس هنا بحجم المساعدات بل بغاياتها السياسية، فبدلا من فتح المعابر البرية وتمكين الأمم المتحدة من توزيع المساعدات بفعالية، تلجأ تل أبيب إلى منهج التفاف إنساني يمنحها مظلّة لمواصلة حربها، ويمنع عنها مزيدا من العزلة الدولية.
الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي يرى أن إسرائيل وجدت في هذه الخطوة وسيلة لتقديم "صورة مقابل صورة"، مقابل صور المجاعة التي حرّكت الضمير العالمي، خصوصا مع بروز مؤشرات على تململ حتى داخل إسرائيل.
وما يبدو ظاهريا مبادرة إنقاذية، يخفي -وفق تحليل الشوبكي- رسالة تفاوضية مزدوجة: مفادها أن إسرائيل ما زالت تمسك بزمام اللعبة، وأنها مستعدة للحديث مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقط في سياق صفقات الأسرى، وليس لإدارة شؤون غزة أو رفع الحصار.
بهذا المعنى تتحول المساعدات إلى أدوات تكتيكية في يد تل أبيب، تُستخدَم حين تشتد الضغوط، وتُسحب حين تنتفي الحاجة إليها.
ولا تقف الازدواجية عند إسرائيل، بل تشمل أيضا الموقف الأميركي، الذي يتجلى في تصريحات الرئيس دونالد ترامب ، إذ يعرب عن "قلقه" من المجاعة في قطاع غزة، ثم لا يتخذ أي خطوات ملموسة لتسهيل تدفق المساعدات.
ويذهب السفير الأميركي السابق بيتر غالبريث إلى أن الولايات المتحدة -بقيادة ترامب- تتصرف أحيانا بلا انتظام أو معنى، فتارة تشكك في وجود مجاعة، وتارة تطالب بإنهائها، بينما الواقع على الأرض يؤكد استمرار الحصار والتجويع بلا هوادة.
غالبريث اعتبر أن إسقاط المساعدات من الجو وسيلة غير فعالة، بل عبثية، خاصة إذا قورنت بوفرة المساعدات المخزنة خلف المعابر المغلقة، ويحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تعقيد الوضع الإنساني لرفضها التعاون مع الأمم المتحدة وحرمان مسؤوليها من دخول القطاع.
كما أشار إلى أن الإصرار الأميركي على إبقاء ملف المساعدات خارج أيدي الأمم المتحدة يعكس تحالفا ضمنيا مع إسرائيل في إدارة التجويع كوسيلة ضغط سياسي.
وعلى وقع هذه الممارسات، تتنامى مؤشرات التغير في الرأي العام الغربي، فكما يلفت الشوبكي، باتت الصور الآتية من غزة تصنع رأيا عاما مستقرا، لا مجرد موجات غضب مؤقتة، وهو ما قد يؤثر على تشكيل نخب سياسية مستقبلية في دول غربية طالما وقفت خلف إسرائيل.
لكن هذا التحول -رغم أهميته- يفتقر حتى الآن إلى التأطير الفلسطيني والعربي الذي يترجمه إلى ضغط منظم وفعّال على مراكز القرار الدولية.
وبدأت التقارير الأممية والحقوقية بدورها تكسر جدار الصمت داخل إسرائيل، فمنظمة "بتسيلم" ذاتها وصفت ما يجري بأنه إبادة جماعية، في سابقة بالغة الدلالة على عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بشأن أخلاقيات الحرب.
واعتبر غالبريث أن هذا الموقف من داخل إسرائيل يعكس تصدعا في رواية تل أبيب الرسمية، ويضيف ثقلا أخلاقيا لحملة الاتهامات الدولية الموجهة لها.
ورغم كل هذا الزخم، فلا تزال العدالة الدولية في موقع المتفرج، فمحكمة الجنايات الدولية، ورغم إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، فلم تتمكن من المضي قدما في تنفيذها.
ويعزو الحيلة هذا العجز إلى المظلة الأميركية التي تمنح نتنياهو الحصانة السياسية، بل وتدفع الكونغرس إلى تقنين العقوبات ضد القضاة أنفسهم، وهذا السلوك، وفق المحلل ذاته، يفضح مدى انحراف واشنطن عن مبادئ العدالة، ويجعل من إسرائيل "دولة فوق القانون" قادرة على ارتكاب الجرائم من دون محاسبة.
وفي حين تبدو الدعوات إلى محاسبة إسرائيل مجرد تكرار لمواقف إعلامية مألوفة، يعكس حديث غالبريث شيئا من الأمل، مستشهدا بتجربة يوغوسلافيا السابقة، إذ تمكنت العدالة الدولية من ملاحقة مجرمي الحرب رغم التشكيك الواسع حينها، لكنه يقر بأن الطريق طويل، وأن النيات وحدها لا تصنع العدالة.
كل ذلك يعيد طرح سؤال أساسي: هل المساعدات فعلا إنقاذ للمدنيين أم غطاء لإطالة أمد المجزرة؟ وتتضح الإجابة مع استمرار القتل اليومي في غزة، فكما يرى الشوبكي، فإن النخب الإسرائيلية الحاكمة لا تكترث لصورتها، بل تؤمن أن "أهداف الحرب" تبرر كل الوسائل، بما في ذلك إدارة المجاعة بحنكة سياسية.
وعليه، فإن "الدبلوماسية الإنسانية" لم تعد تعبيرا عن التزام أخلاقي أو قانوني، بل باتت أداة ناعمة في خدمة أجندة عسكرية تواصل سحق قطاع بأكمله، وفق ما خلص إليه محللون في حديثهم للجزيرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 21 دقائق
- الجزيرة
نقاش حاد بين نتنياهو وزامير بشأن احتلال غزة
قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن نقاشا حادا جرى بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- ورئيس أركان الجيش إيال زامير خلال مشاورات أمنية، اليوم الثلاثاء، بشأن احتلال قطاع غزة. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن نتنياهو طلب من رئيس الأركان عرض خطته لاحتلال غزة في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية، فغضب زامير وقال إنه عرضها بالفعل. ووفقا للهيئة، فقد قال زامير "لماذا تهاجمونني وتسربون أخبارا ضدي في خضم الحرب؟ ولماذا يكتب ابنك ضدي؟"، في إشارة إلى منشور كتبه يائير نجل نتنياهو ينتقد فيه رئيس الأركان. ورد نتنياهو بالقول "لا تهدد بالاستقالة عبر الإعلام، لا أقبل أن تهدد في كل مرة بالاستقالة إذا لم نقبل خططك. وابني يائير إنسان راشد ومسؤول عن نفسه". خطط نتنياهو ويأتي هذا الخلاف مع تلويح حكومة نتنياهو بتنفيذ خطط عسكرية جديدة ضمن حرب الإبادة في قطاع غزة، قد تتضمن احتلال القطاع بأكمله أو احتلال مدينة غزة ومخيمات المنطقة الوسطى أو تطويقهما وتنفيذ عمليات في مناطق يُعتقد بوجود أسرى إسرائيليين فيها، وفقا لما أوردته عدة تقارير إسرائيلية. وقالت القناة الـ13 الإسرائيلية إن نتنياهو قال لرئيس الأركان إن المستوى السياسي هو من يقرر بخصوص احتلال قطاع غزة بالكامل. وردّ رئيس الأركان بالقول إن "احتلال غزة سيكون مصيدة إستراتيجية وخطرا على الرهائن"، وفقا للقناة. في الوقت نفسه، نقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن مصدر قوله إن رئيس الأركان يعارض احتلال غزة بالكامل "لكن ذلك لا يعني أنه لن ينفذه إذا تقرر ذلك". من ناحية أخرى، نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن مصادر أن رئيس الأركان ينوي توصية المجلس الوزاري المصغر باتخاذ قرار بتطويق مدينة غزة وتنفيذ عمليات خاصة فيها من دون احتلالها. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي -بدعم أميركي- حرب إبادة على سكان قطاع غزة أسفرت حتى الآن عن استشهاد أكثر من 61 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 150 ألفا وتشريد سكان القطاع كلهم تقريبا، وسط دمار لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية ، وفقا لما وثقته تقارير فلسطينية ودولية. ووصل تجويع الفلسطينيين في غزة جراء الحصار الإسرائيلي وحرب الإبادة إلى مستويات غير مسبوقة في الآونة الأخيرة وفق تقارير محلية ودولية إذ تزايدت الوفيات جراء سوء التغذية والجفاف، وبلغ العدد الإجمالي 189 شهيدا بينهم 95 طفلا وفقا للمصادر الطبية بالقطاع.


الجزيرة
منذ 21 دقائق
- الجزيرة
"تايمز": طائرات تجسس بريطانية تساعد إسرائيل للعثور على الأسرى
قالت صحيفة "تايمز" البريطانية اليوم الثلاثاء إن الطائرات التجسسية البريطانية تواصل طلعاتها فوق غزة لمساعدة إسرائيل في العثور على محتجزين إسرائيليين. ونقلت عن مصادر حكومية تأكيدها أن المعلومات الاستخباراتية التي جُمعت من مختلف الجهات البريطانية في المنطقة، بما في ذلك سلاح الجو الملكي، تُسلم إلى الجيش الإسرائيلي للحصول على معلومات آنية عن الأسرى. وأعلنت الحكومة البريطانية في وقت سابق دعمها لنشاط إنقاذ "المحتجزين" المستمر، وتسيير رحلات مراقبة فوق شرق البحر المتوسط ، تتضمن "العمل في المجال الجوي فوق إسرائيل وغزة". وقال الجنرال المتقاعد تشارلي هيربرت، الذي خدم في الجيش لمدة 35 عاما: "من السهل القول إنهم يسلّمون معلومات استخباراتية بغرض العثور على المحتجزين، لكن في الواقع من المرجح أن تُستخدم هذه المعلومات أيضا لاستهداف حماس وغيرهم." وقالت التايمز إن الطائرات المستخدمة في الطلعات في أجواء غزة هي "شادو آر1" (Shadow R1) التي أقلعت من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في أكروتيري بقبرص، ونفذت مئات الطلعات الجوية فوق غزة. موضحة أن تلك الطائرات مزودة بتقنيات إلكترونية وبصرية متقدمة تسمح بمسح دقيق للشوارع والمباني والقوافل. وأفادت الصحيفة أن التقنية المستخدمة متقدمة بما يكفي لفحص قوافل المركبات، والشوارع، والمباني السكنية، وحتى تكبير تحركات محددة. وأوضحت أن وزارة الدفاع البريطانية شددت على أن الهدف من هذه الطلعات هو جمع معلومات استخباراتية للمساعدة في العثور على الرهائن، وليس دعم الضربات العسكرية أو تحديد أهداف للهجوم. وقالت إن الوزارة رفضت الكشف عن أنواع الطائرات الأخرى المشاركة في المهمة، رغم تأكيد استمرار العمليات الجوية. وتأتي هذه العمليات وسط تقارير عن مجاعة متزايدة في غزة، وظهور الرهائن في مقاطع فيديو بحالة صحية متدهورة، مما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى التفكير في خطة عسكرية جديدة لتحريرهم، رغم وجود معارضة داخلية لهذه الخطوة. ووصلت العلاقات البريطانية الإسرائيلية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد أن فرضت حكومة حزب العمال عقوبات على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرف، وأعلنت أنها ستعترف بدولة فلسطينية إذا لم تحسن إسرائيل الأوضاع في قطاع غزة. وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إنه "مذعور ومشمئز" من الاستهداف "البشع" للفلسطينيين الجائعين الباحثين عن الطعام من قبل الجيش الإسرائيلي، وهدد بفرض عقوبات إضافية. ويقدر عدد المحتجزين في قطاع غزة بـ55 شخصا، من بينهم 20 ما زالوا على قيد الحياة، في حين يُعتبر 35 آخرون في عداد الموتى وفقا للتأكيدات الرسمية الإسرائيلية. وتظاهر آلاف الإسرائيليين وسط مدينة تل أبيب للضغط على الحكومة، لإنجاز صفقة تبادل تلبية لدعوات من عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة. وذكرت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين أن 60 ألف إسرائيلي تظاهروا وسط تل أبيب مطالبين بإبرام صفقة لإعادة الأسرى لدى المقاومة في غزة.


الجزيرة
منذ 21 دقائق
- الجزيرة
لاريجاني أمينا لمجلس الأمن القومي الإيراني
أفادت وسائل إعلام إيرانية بتعيين علي لاريجاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي، بموجب مرسوم أصدره الرئيس مسعود بزشكيان ، اليوم الثلاثاء، في إطار تغييرات أمنية وإستراتيجية بعد الحرب الإسرائيلية على إيران في يونيو/حزيران الماضي. ويحل لاريجاني محل علي أكبر أحمديان الذي شغل هذا المنصب منذ عام 2023. يشار إلى أن لاريجاني هو كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي ، وقد كان أمينا لمجلس الأمن القومي من 2005 إلى 2007 ثم ترأس مجلس الشورى (البرلمان) لمدة 3 دورات متتالية من 2008 إلى 2020. وقررت إيران يوم الأحد الماضي إحياء مجلس الدفاع الذي يعود إلى حقبة حرب العراق في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك لمراجعة الخطط الدفاعية وتعزيز قدرات قواتها المسلحة بشكل مركزي. ويرأس الرئيس الإيراني كلا من مجلس الدفاع والمجلس الأعلى للأمن القومي. وشنت إسرائيل حربا على إيران لمدة 12 يوما، حيث استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية ومدنية واغتالت قادة عسكريين كبارا -بينهم قائد الحرس الثوري ورئيس هيئة الأركان- وعلماء نوويين بارزين، وردّت إيران بسلسلة من الهجمات الصاروخية التي خلفت دمارا غير مسبوق في عدة مدن إسرائيلية. وانضمت الولايات المتحدة إلى الحرب بقصف المواقع النووية الإيرانية في فوردو وأصفهان ونطنز، وأكدت طهران أنها ستحاسب واشنطن على هذه الضربات مستقبلا.