
هكذا تحاول إسرائيل تقويض قدرة غزة على التعافي
لم تبقَ إستراتيجية لم تستخدمها دولة الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني، بل طبقت العديد من الإستراتيجيات بشكل متزامن من أجل إخضاع المجتمع الفلسطيني في غزة، عبر تقويض مقومات الحياة، والقدرة على التعافي بعد الحرب المدمرة.
تقويض قدرة غزة على التعافي
بعد 15 شهرًا من العدوان الإسرائيلي على غزة أصرّ المفاوضون الفلسطينيون- بشكل ينمّ عن إدراكهم مخططات الاحتلال- على أن يشمل اتفاق وقف إطلاق النار بروتوكولًا إنسانيًا يشمل دخول 600 شاحنة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، و200 ألف خيمة، و60 ألف كارافان، ودخول المعدات الثقيلة من أجل إزالة الركام وانتشال الجثث، والسماح بخروج 150 جريحًا بشكل يومي من معبر رفح على الأقل، ودخول كميات كافية من الوقود بمعدل 50 شاحنة على الأقل يوميًا لتشغيل المستشفيات والمخابز.
بالرغم من مرور أسبوعَين على سريان وقف إطلاق النار، لم تسمح إسرائيل إلا بدخول 4% من احتياجات قطاع غزة من الخيام، ولم تسمح بدخول أي كارافان، كما لا تزال تمنع دخول المعدات الثقيلة التي تمسّ الحاجة إليها من أجل إزالة الركام. فهناك حوالي 14 ألف مفقود في غزّة، ويتوقع أن آلاف الجثث موجودة تحت الأنقاض.
وحتى هذه اللحظة لم تسمح سوى بـ5% من شاحنات الوقود المفترض إدخالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، كما لم تسمح إلى الآن بإعادة تأهيل المستشفيات التي دمرتها، وهي أكثر من 30 مستشفى. ولا تزال العديد من مرافق المستشفيات الميدانية بما فيها 8 مستشفيات ميدانية تركية مخزنة في مدينة العريش، لم يسمح الاحتلال الإسرائيلي بدخولها.
ورغم نص الاتفاق على خروج 150 جريحًا بشكل يومي للعلاج في الخارج، سمحت إسرائيل بخروج حوالي 44 فقط يوميًا. وهناك عدد من الجرحى توفوا أثناء انتظار السماح لهم بالخروج من معبر رفح.
من الواضح أن هناك نية إسرائيلية مبيتة لإعاقة عملية تعافي قطاع غزة وإبقاء الأوضاع الكارثية وإعاقة عملية إعادة الإعمار من أجل الاستمرار في ابتزاز السكان عبر البعد الإنساني؛ لتحقيق مكاسب سياسية إسرائيلية وهذه بحد ذاتها جريمة حرب في القانون الدولي الإنساني.
إن مليوني إنسان في قطاع غزة لا يزالون يعانون من آثار الكارثة والإبادة الجماعية، وهناك حاجة ملحة لتوفير المأوى لهم، ولذلك لا بدَّ أن تضغط المؤسسات الدولية والدول الإقليمية على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وإبعاد هذا الملف عن الأهداف العنصرية للحكومة الإسرائيلية.
على الدول الإقليمية الكبرى، بما فيها الوسطاء، مسؤولية كبيرة في هذا الصدد. وقد ساهم العديد منها في إرسال الكثير من المساعدات الإنسانية التي دخل بعضها إلى القطاع، لكن الجزء الأكبر منها لا يزال ممنوعًا من الدخول، وهذا يوجب أن تمارس تلك الدول الكثير من الضغوط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل إدخال المساعدات والانتقال إلى الجولة الثانية من المفاوضات.
إن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية ومنع دخول المساعدات الإنسانية ومستلزمات الإيواء التي تم الاتفاق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، هو مقدمة لجعل واقع غزة أكثر سوءًا بما يمهد الطريق لخطط اليمين الصهيوني لتهجير سكان القطاع.
إن هذا الواقع يحتم تحرك الوسطاء لإجبار إسرائيل على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، كما لا بدَّ أن يكون هناك تحرك جماعي للدول العربية والإسلامية بالتعاون مع كافة الجهات الدولية من أجل تشكيل حالة ضغط على إسرائيل ومنعها من تنفيذ هذه الخطط العنصرية.
لقد جاء الإصرار الصهيوني على تقويض قدرة غزة على التعافي بعد جملة من الإستراتيجيات التي استهدفت مقدرات المجتمع الغزي بشكل ممنهج خلال 15 شهرًا، وفيما يلي نشير لأبرز هذه الإستراتيجيات.
إستراتيجيات استهداف مقدرات المجتمع في غزة
قيدت إسرائيل الوصول إلى الماء والغذاء والكهرباء والطاقة والوقود، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي المستقيل يوآف غالانت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، "نفرض حصارًا كاملًا على قطاع غزة لا كهرباء لا طعام ولا ماء ولا غاز… كل شي مغلق".
دمرت إسرائيل كل البنى التحتية للقطاع الصحي وللصرف الصحي وهدمت مئات آلاف المنازل، ودمرت بشكل كامل 34 مستشفى، ومنعت دخول الوقود لتشغيل المرافق الصحية المتبقية، ومنعت لوقت طويل إدخال اللقاحات لمكافحة الأمراض، وبعد ضغوط كثيرة من مؤسسات دولية سمحت بدخول لقاحات مكافحة شلل الأطفال. ويمنع الاحتلال أيضًا دخول معدات الطاقة الشمسية أو البطاريات أو الأجهزة الطبية بشكل متعمد.
إسرائيل دمرت 927 من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية في القطاع مما أدى إلى توقف الحياة التعليمية، وتدمير ما يقدر بـ 70% من البنية التعليمية. وقد فاقت خسائر قطاع التعليم أكثر من 800 مليون دولار. وقتلت إسرائيل أكثر من 94 من أساتذة الجامعات ومئات المعلمين.
دمرت إسرائيل عشرات المصانع في إطار سعيها لتقويض الاقتصاد المحلي، ولا تزال تمنع دخول السلع الأساسية والمواد الخام وتفرض الكثير من القيود على حركة التجارة، وعلى الجانب المالي يمنع الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة دخول السيولة النقدية اللازمة لتشغيل البنوك وتحريك عجلة السوق في قطاع غزة، مما يساهم في تأخير التعافي الاقتصادي، ويعزز المشاكل المالية للمواطنين والتجار.
التفكيك الاجتماعي لمجتمع غزة كان هدفًا إسرائيليًا حيث عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي على استهداف كافة المؤسسات المجتمعية، فقصفت البلديات، وعملت على خلق انقسامات في قطاع غزة، ودمرت المساجد والكنائس. كما اغتالت إسرائيل عددًا كبيرًا من رجال الإصلاح والمخاتير ورموز المجتمع الفلسطيني في غزة.
طبقت إسرائيل إستراتيجية الحرمان من الحرية والتنقل للفلسطينيين في غزة. احتلت إسرائيل وسط القطاع ومنعت المواطنين لمدة 15 شهرًا من التنقل بين شمال وجنوب غزة بحرية وكانت تقتل كل من يحاول المرور.
إستراتيجية التهجير القسري. لقد كان من الواضح جدًا أن إسرائيل عملت على تدمير كل شيء في غزة من أجل أن تجعلها غير قابلة للعيش، وقد عملت على إجبار الناس على مغادرة منازلهم في كثير من المناطق، كما عمل الكثير من المستوطنين على نشر خطط حول مشاريع الاستيطان المستقبلي في قطاع غزة. وقد كان أبرز الخطط التي عمل عليها وفشلت هي "خطة الجنرالات" التي كانت مبنية على حصار وتدمير شمال القطاع لتهجير سكانه إلى الجنوب.
استهداف الهوية الثقافية في غزة عبر تدمير العديد من المعالم التاريخية والثقافية، كالمراكز الرئيسية لميادين المدن، ومبنى الأرشيف المركزي في بلدية غزة، مما أدى لفقدان آلاف الوثائق، ومبنى البرلمان الفلسطيني الذي أنشيء في عام 1958.
إعلان
أحدثت دولة الاحتلال الإسرائيلي دمارًا كبيرًا في غزة، ولكنها لم تكسر إرادة الشعب هناك، ولكن النظرة الواقعية تشير إلى تضرر كافة مرافق الحياة، ومن أجل مواجهة هذا الواقع ومواجهة مخططات الاحتلال لا بد من تعزيز الصمود المجتمعي عبر بناء شبكات تضامن داخلية وخارجية والضغط من أجل تحسين وصول الخدمات الأساسية، وعلى المجتمع الدولي والمنظومة الإقليمية مسؤولية كبيرة في هذا الصدد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


زنقة 20
منذ 14 دقائق
- زنقة 20
جلالة الملك يوشّح 353 شرطياً وشرطية بأوسمة ملكية سامية
زنقة20| علي التومي احتضن المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، يوم السبت 24 ماي، حفلاً لتوشيح 353 شرطياً وشرطية، من الممارسين والمتقاعدين، بأوسمة ملكية سامية أنعم بها عليهم جلالة الملك محمد السادس، نصره الله. وأشرف المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، على تسليم هذه الأوسمة، في مراسم جماعية ترسيخاً لقيم الوفاء والعرفان. وفي كلمته بالمناسبة، أكد حموشي أن هذا التكريم يعكس العناية المولوية السامية التي يوليها جلالة الملك لأسرة الأمن الوطني، مشيداً بالتزام عناصرها وتفانيهم في خدمة الوطن، مشيرا إلى أن هذا التوشيح يجسد النضج المهني للموظفين المنعم عليهم، ويُحمّلهم مسؤولية تأطير وتكوين الأجيال الأمنية القادمة.


صراحة نيوز
منذ 14 دقائق
- صراحة نيوز
الملك عبدالله الأول.. سيرة قائد ومؤسس نقش اسمه في ذاكرة وطن
صراحة نيوز – يُعدّ الملك عبدالله الأول بن الحسين، طيب الله ثراه، واحدًا من أعظم رجالات العرب في العصر الحديث، ومؤسس الدولة الأردنية الحديثة، الذي وضع اللبنات الأولى لنهضتها، ورسّخ أسس الاستقلال والسيادة، في مرحلة مفصلية من تاريخ المنطقة. ولد الملك عبدالله الأول في مكة المكرمة عام 1882، وهو الابن الثاني للشريف الحسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى. نشأ في بيت هاشمي عريق، وتشبع بروح العروبة والإصلاح، وكان من أبرز الداعين لوحدة الأمة العربية واستقلالها عن الحكم العثماني. قاد الملك عبدالله قوات الثورة العربية الكبرى إلى بلاد الشام، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وصل إلى مدينة معان عام 1920، وبدأ منها مشروع تأسيس إمارة شرق الأردن. وفي عام 1921، تم إعلان إمارة شرق الأردن تحت قيادته، ليبدأ عهد جديد في بناء مؤسسات الدولة وتثبيت دعائم الحكم. على مدار ثلاثة عقود، قاد الملك عبدالله الأول عملية بناء الأردن، فوضع أولى اللبنات في الإدارة، والجيش، والتعليم، والبنية التحتية. عمل على ترسيخ مفهوم الدولة القانونية، وأنشأ مجلس الأمة، كما دعا إلى تعزيز الحياة البرلمانية، فكان دستور عام 1952 ثمرة تلك الجهود، الذي لا يزال حتى اليوم من أهم دساتير المنطقة. وكان من أبرز إنجازاته تحقيق الاستقلال التام للمملكة الأردنية الهاشمية عام 1946، بعد نضال سياسي طويل مع سلطات الانتداب البريطاني، حيث تم إعلان قيام المملكة وتنصيبه أول ملوك الأردن، ليُلقب بـ'المؤسس'. عرف الملك عبدالله الأول بحكمته السياسية، وسعة أفقه، وقدرته على التفاوض والتواصل مع مختلف القوى الإقليمية والدولية. سعى دائمًا إلى الدفاع عن القضية الفلسطينية، فكان له دور محوري في الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948، والتي شارك فيها الجيش العربي الأردني بكل شجاعة. وفي 20 تموز 1951، اغتيل الملك عبدالله الأول أثناء دخوله المسجد الأقصى في القدس لأداء صلاة الجمعة، ليترجل فارس الاستقلال في لحظة مهيبة، ويترك خلفه إرثًا من العزة والسيادة، استكمله أبناؤه وأحفاده في مسيرة لا تزال مستمرة حتى اليوم.


صراحة نيوز
منذ 14 دقائق
- صراحة نيوز
المكتب الإعلامي: استشهاد 220 صحفيًا منذ بدء العدوان على غزة
صراحة نيوز ـ أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، اليوم السبت، أن عدد الصحفيين الذين استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتفع إلى 220 شهيدًا. وأوضح المكتب في بيان صحفي أن هذا العدد يأتي في ظل استمرار الاستهداف المباشر للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تغييب الحقيقة والتعتيم على الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين في غزة. وأضاف البيان أن الصحفيين في القطاع يعملون في ظروف شديدة الخطورة، ويمارسون مهنتهم بإمكانيات محدودة جدًا، في وقت يتعرض فيه القطاع لحصار خانق وقصف مستمر طال جميع مناحي الحياة، بما في ذلك المقرات الإعلامية. وأكد المكتب الإعلامي أن استمرار استهداف الصحفيين يُعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والإنسانية التي تضمن حماية الصحفيين أثناء النزاعات، داعيًا المؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة إلى التدخل العاجل لوقف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها. واختتم البيان بالإشادة بتضحيات الصحفيين الفلسطينيين الذين وصفهم بـ'جنود الحقيقة'، مشيرًا إلى أن دماءهم ستبقى شاهدة على حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.