أحدث الأخبار مع #اليمينالصهيوني


الميادين
منذ 2 أيام
- سياسة
- الميادين
تصدّعات داخلية في جدران الغيتو الإسرائيلي، ما الدلالات!
يحتدم الجدل داخل "إسرائيل" وتتصاعد الخلافات مع استمرار الحرب الإسرائيلية التدميرية على القطاع والتي باتت، وفق غالبية كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، حرباً سياسية تخدم زمرة اليمين الصهيوني الحاكم وأجندته المتطرّفة. بلغ الجدل ذروته هذا الأسبوع عقب تصريحات زعيم حزب "الديمقراطيين" الإسرائيلي المعارض، يائير غولان، والتي أثارت ردود فعل غاضبة داخل الحكومة والمعارضة على السواء. صعّد غولان هجومه على الحكومة الإسرائيلية واصفاً إياها بـ "العاجزة" و"المليئة بأشخاص عديمي الأخلاق الذين تتملكهم مشاعر الانتقام"، مشدّداً على أنها "تشكّل خطراً على وجود إسرائيل"، وختم غولان أنّ "الدولة العاقلة لا تشنّ حرباً على المدنيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تضع لنفسها هدف ترحيل السكان". اللافت المهم في هذه التصريحات، التي سبقتها تصريحات مشابهة لوزير الحرب الأسبق موشيه "بوجي" يعلون والتي وصف فيها ما يرتكبه "الجيش" الإسرائيلي في غزة بالتطهير العرقي، ليس فقط توقيتها وسياقاتها، بل في أنها تؤسس لتهشيم جدار الإجماع الصهيوني حول سردية "الجيش الأكثر أخلاقية"، إذ ظلّ المجتمع الإسرائيلي لسنوات طويلة يحتمي خلف هذه الشعارات وهو يرتكب الفظائع، حتى باتت تشكّل جدراناً دفاعية سميكة في الوعي الإسرائيلي يصعب على أحد أن يخترقها أو أن يتمرّد عليها. وكأنّ هذه "المعازل" أشبه بآليات دفاعية تلجأ إليها الشخصية الإسرائيلية لتحمي نفسها من ردود الفعل التي يثيرها سخط العالم وانتقاده وألم الضحايا وصراخهم، ولتخلّص نفسها من وطأة الشعور بالذنب والندم. ولعلّ أهم مظاهر سيكولوجيا هذا "الغيتو" الإسرائيلي تتبدّى في حالة عدم اكتراث الرأي العامّ الإسرائيلي بكلّ ردود الفعل التي تثيرها أعمال القتل والتجويع الجماعي لآلة القمع الإسرائيلية في قطاع غزة. وفي هذا السياق، يبدو جلياً أنّ التنشئة السياسية والأيديولوجية الإسرائيلية لها آلياتها التي تقوم على التعبئة والاستنهاض، كما أنها تركّز على أهمية شعور الفرد، وكذلك المجموعة، بالاضطهاد. وبهذا، يتشكّل نمط سلوكي لدى الإسرائيلي يقوم من خلاله بإزاحة القلق وحلّ الأزمة عن طريق التغاضي عن المشاعر "الغيرية"، وإنكارها وإلقاء المسؤولية على الضحية نفسها. اليوم 10:45 22 أيار 12:29 لذلك، لا مجال للتساهل أو التعاطف والرحمة عند الإسرائيلي، لأنّ المجتمع الذي يعيش فيه يقرّر سلوكيّاته بما يخدم "آلية الجمع"، وكلما وهنت هذه "الآليات الدفاعية" وبرزت علامات تأنيب ضمير، ولو فردية طفيفة، عملت الحكومات والأحزاب والإعلام والمؤسسات الإسرائيلية الموازية على استنهاضها، ومن يجرؤ على الخروج عنها يُنعت بالخيانة أو بـ "اليهودي الكاره لنفسه"، وكلّ من يندمج ويتماهى مع هذه الآلية، يصبح بطلاً أو مواطناً صالحاً. ومن هنا يمكننا فهم حجم ردود الفعل الغاضبة وغير المسبوقة من تصريحات يائير غولان أو أولمرت ويعالون، حتى وصل الأمر بتحميلهم مسؤولية حادثة القتل لاثنين من الدبلوماسيين الإسرائيليين في الولايات المتحدة يوم أمس الخميس، إذ صرّح بن غفير "أنّ معادي السامية في العالم يستمدّون القوة من السياسيين الأشرار في إسرائيل"، واتهم جولان "بالإدلاء بافتراءات دموية معادية لإسرائيل". كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عدم تهاون "إسرائيل" مع تصريحات يائير جولان، ضدّ "إسرائيل وجيشها"، مؤكداً أنّ الافتراءات الدموية المعادية للسامية ضدّ "إسرائيل" هواية جولان، وأنّ يائير جولان إرهابيّ يحاول عرقلة تحقيق أهداف الحرب ويهدّد أمن جنودنا"، مؤكداً أنّ "من شبّه إسرائيل بالنازية ويشوّه سمعتها وجيشها خلال الحرب يجب نبذه". من جهته، دعا زعيم حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس غولان إلى التراجع والاعتذار لمقاتلي "الجيش" الإسرائيلي، معتبراً تصريحاته متطرّفة وكاذبة. هذه الثقافة الانغلاقيّة التي لا تتصالح ولا تتهاون بالمطلق مع نقد السردية الإسرائيلية السائدة، خاصة إذا ما أتت من داخل "المعزل"، تهدف إلى حفظ "التميّز الأخلاقي الإسرائيلي" وإدامته، وفرضه على المجتمع الدولي، حيث الانغلاق هو مدخل الاصطفاء والمحافظة على البقاء، وهو ما يعني ضمناً رفض الاعتراف بالآخرين، أي "الأغراب"، أو "الأغيار" وآلامهم والاكتفاء بالتعامل معهم كأضداد مختلفين، فهم شعوب من الدرجة الثانية، وهم خارج دائرة القداسة، وليس ثمّة ما يمنع هدر حقوقهم أو قتلهم في حال تعارضت مصالحهم مع مصالح "شعب الله المختار". وقد باتت هذه التعاليم اللاإنسانية تُقتبس وتُردّد علناً في "إسرائيل"، لتبرير اغتيال الفلسطينيين وقتلهم والتنكيل بهم وطردهم من فلسطين. في كلّ الأحوال، المؤكّد أنّ تصريحات جولان أحدثت شرخاً كبيراً داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي يعاني أصلاً من الانقسام ويتحرّك في اتجاهات مختلفة. كما أنّ أهمية هذه التصريحات لا تنبع فقط من مضمونها، أو من مصدرها، حيث تصدر، وفي سابقة غير معهودة في المجتمع الإسرائيلي وفي خضمّ الحرب، من مسؤولين إسرائيليين سياسيين وعسكريين سابقين، بل من إمكانية الاستدلال بها في المنابر السياسية والقضائية الدولية لأغراض المساءلة والملاحقة الجنائية، على قاعدة "من فمك أدينك" وهي مفارقة لافتة في هذا السياق. كما أنّ اللافت أيضاً، أنّ الحكومة الإسرائيلية التي دعت إلى التهجير والتجويع، اعتادت أن تواجه الانتقادات الخارجية بكيل تهمة "معاداة السامية" لمنتقديها في محاولة لإخافتهم وإسكاتهم، لم تتوانَ كذلك عن استخدام الديباجات ذاتها حول "معاداة السامية" مع اليهود، خصومها من الداخل، في تناقض فاضح فجّ يعرّي ويجرّد هذه الفزّاعة من معناها، فكيف للسامي "المختار" أن يُعادي ذاته..! خلاصة القول يبدو أنّ الأسوار، بشقّيها المادي والمعنوي، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الانعزال والاستعلاء في المجتمع الإسرائيلي، لم تعد متينة بما يكفي لتحمي أولئك الذين يتحصّنون داخلها من شرور وممارسات العقلية الإسرائيلية العنصرية، ويبدو أنّ تصدّعات كبيرة ومؤثّرة تصيب جدران رواية "الاصطفاء والأخلاقية" من الداخل، ولم يعد يُجدي نفعاً التعامل مع خصوم الداخل بمنطق الغيتو والانعزال أو الإقصاء، وهو ما عبّرت عنه عضو الكنيست ميراف كوهين من حزب "يش عتيد" حين غرّدت أنّ "نتنياهو يواصل تشغيل ماكينة التحريض، وأعتقد أنّ هذا التحريض، وكلّ هذه الأكاذيب، وكلّ نظريات المؤامرة عن خيانة من الداخل، ستنتهي بجريمة قتل".


إيطاليا تلغراف
١١-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
هكذا تحاول إسرائيل تقويض قدرة غزة على التعافي
إيطاليا تلغراف محمود الرنتيسي باحث وله عدة دراسات ومقالات لم تبقَ إستراتيجية لم تستخدمها دولة الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني، بل طبقت العديد من الإستراتيجيات بشكل متزامن من أجل إخضاع المجتمع الفلسطيني في غزة، عبر تقويض مقومات الحياة، والقدرة على التعافي بعد الحرب المدمرة. تقويض قدرة غزة على التعافي بعد 15 شهرًا من العدوان الإسرائيلي على غزة أصرّ المفاوضون الفلسطينيون- بشكل ينمّ عن إدراكهم مخططات الاحتلال- على أن يشمل اتفاق وقف إطلاق النار بروتوكولًا إنسانيًا يشمل دخول 600 شاحنة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، و200 ألف خيمة، و60 ألف كارافان، ودخول المعدات الثقيلة من أجل إزالة الركام وانتشال الجثث، والسماح بخروج 150 جريحًا بشكل يومي من معبر رفح على الأقل، ودخول كميات كافية من الوقود بمعدل 50 شاحنة على الأقل يوميًا لتشغيل المستشفيات والمخابز. بالرغم من مرور أسبوعَين على سريان وقف إطلاق النار، لم تسمح إسرائيل إلا بدخول 4% من احتياجات قطاع غزة من الخيام، ولم تسمح بدخول أي كارافان، كما لا تزال تمنع دخول المعدات الثقيلة التي تمسّ الحاجة إليها من أجل إزالة الركام. فهناك حوالي 14 ألف مفقود في غزّة، ويتوقع أن آلاف الجثث موجودة تحت الأنقاض. وحتى هذه اللحظة لم تسمح سوى بـ5% من شاحنات الوقود المفترض إدخالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، كما لم تسمح إلى الآن بإعادة تأهيل المستشفيات التي دمرتها، وهي أكثر من 30 مستشفى. ولا تزال العديد من مرافق المستشفيات الميدانية بما فيها 8 مستشفيات ميدانية تركية مخزنة في مدينة العريش، لم يسمح الاحتلال الإسرائيلي بدخولها. ورغم نص الاتفاق على خروج 150 جريحًا بشكل يومي للعلاج في الخارج، سمحت إسرائيل بخروج حوالي 44 فقط يوميًا. وهناك عدد من الجرحى توفوا أثناء انتظار السماح لهم بالخروج من معبر رفح. من الواضح أن هناك نية إسرائيلية مبيتة لإعاقة عملية تعافي قطاع غزة وإبقاء الأوضاع الكارثية وإعاقة عملية إعادة الإعمار من أجل الاستمرار في ابتزاز السكان عبر البعد الإنساني؛ لتحقيق مكاسب سياسية إسرائيلية وهذه بحد ذاتها جريمة حرب في القانون الدولي الإنساني. إن مليوني إنسان في قطاع غزة لا يزالون يعانون من آثار الكارثة والإبادة الجماعية، وهناك حاجة ملحة لتوفير المأوى لهم، ولذلك لا بدَّ أن تضغط المؤسسات الدولية والدول الإقليمية على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وإبعاد هذا الملف عن الأهداف العنصرية للحكومة الإسرائيلية. على الدول الإقليمية الكبرى، بما فيها الوسطاء، مسؤولية كبيرة في هذا الصدد. وقد ساهم العديد منها في إرسال الكثير من المساعدات الإنسانية التي دخل بعضها إلى القطاع، لكن الجزء الأكبر منها لا يزال ممنوعًا من الدخول، وهذا يوجب أن تمارس تلك الدول الكثير من الضغوط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل إدخال المساعدات والانتقال إلى الجولة الثانية من المفاوضات. إن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية ومنع دخول المساعدات الإنسانية ومستلزمات الإيواء التي تم الاتفاق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، هو مقدمة لجعل واقع غزة أكثر سوءًا بما يمهد الطريق لخطط اليمين الصهيوني لتهجير سكان القطاع. إن هذا الواقع يحتم تحرك الوسطاء لإجبار إسرائيل على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، كما لا بدَّ أن يكون هناك تحرك جماعي للدول العربية والإسلامية بالتعاون مع كافة الجهات الدولية من أجل تشكيل حالة ضغط على إسرائيل ومنعها من تنفيذ هذه الخطط العنصرية. لقد جاء الإصرار الصهيوني على تقويض قدرة غزة على التعافي بعد جملة من الإستراتيجيات التي استهدفت مقدرات المجتمع الغزي بشكل ممنهج خلال 15 شهرًا، وفيما يلي نشير لأبرز هذه الإستراتيجيات. إستراتيجيات استهداف مقدرات المجتمع في غزة قيدت إسرائيل الوصول إلى الماء والغذاء والكهرباء والطاقة والوقود، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي المستقيل يوآف غالانت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، 'نفرض حصارًا كاملًا على قطاع غزة لا كهرباء لا طعام ولا ماء ولا غاز… كل شي مغلق'. دمرت إسرائيل كل البنى التحتية للقطاع الصحي وللصرف الصحي وهدمت مئات آلاف المنازل، ودمرت بشكل كامل 34 مستشفى، ومنعت دخول الوقود لتشغيل المرافق الصحية المتبقية، ومنعت لوقت طويل إدخال اللقاحات لمكافحة الأمراض، وبعد ضغوط كثيرة من مؤسسات دولية سمحت بدخول لقاحات مكافحة شلل الأطفال. ويمنع الاحتلال أيضًا دخول معدات الطاقة الشمسية أو البطاريات أو الأجهزة الطبية بشكل متعمد. إسرائيل دمرت 927 من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية في القطاع مما أدى إلى توقف الحياة التعليمية، وتدمير ما يقدر بـ 70% من البنية التعليمية. وقد فاقت خسائر قطاع التعليم أكثر من 800 مليون دولار. وقتلت إسرائيل أكثر من 94 من أساتذة الجامعات ومئات المعلمين. دمرت إسرائيل عشرات المصانع في إطار سعيها لتقويض الاقتصاد المحلي، ولا تزال تمنع دخول السلع الأساسية والمواد الخام وتفرض الكثير من القيود على حركة التجارة، وعلى الجانب المالي يمنع الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة دخول السيولة النقدية اللازمة لتشغيل البنوك وتحريك عجلة السوق في قطاع غزة، مما يساهم في تأخير التعافي الاقتصادي، ويعزز المشاكل المالية للمواطنين والتجار. التفكيك الاجتماعي لمجتمع غزة كان هدفًا إسرائيليًا حيث عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي على استهداف كافة المؤسسات المجتمعية، فقصفت البلديات، وعملت على خلق انقسامات في قطاع غزة، ودمرت المساجد والكنائس. كما اغتالت إسرائيل عددًا كبيرًا من رجال الإصلاح والمخاتير ورموز المجتمع الفلسطيني في غزة. طبقت إسرائيل إستراتيجية الحرمان من الحرية والتنقل للفلسطينيين في غزة. احتلت إسرائيل وسط القطاع ومنعت المواطنين لمدة 15 شهرًا من التنقل بين شمال وجنوب غزة بحرية وكانت تقتل كل من يحاول المرور. إستراتيجية التهجير القسري. لقد كان من الواضح جدًا أن إسرائيل عملت على تدمير كل شيء في غزة من أجل أن تجعلها غير قابلة للعيش، وقد عملت على إجبار الناس على مغادرة منازلهم في كثير من المناطق، كما عمل الكثير من المستوطنين على نشر خطط حول مشاريع الاستيطان المستقبلي في قطاع غزة. وقد كان أبرز الخطط التي عمل عليها وفشلت هي 'خطة الجنرالات' التي كانت مبنية على حصار وتدمير شمال القطاع لتهجير سكانه إلى الجنوب. استهداف الهوية الثقافية في غزة عبر تدمير العديد من المعالم التاريخية والثقافية، كالمراكز الرئيسية لميادين المدن، ومبنى الأرشيف المركزي في بلدية غزة، مما أدى لفقدان آلاف الوثائق، ومبنى البرلمان الفلسطيني الذي أنشيء في عام 1958. أحدثت دولة الاحتلال الإسرائيلي دمارًا كبيرًا في غزة، ولكنها لم تكسر إرادة الشعب هناك، ولكن النظرة الواقعية تشير إلى تضرر كافة مرافق الحياة، ومن أجل مواجهة هذا الواقع ومواجهة مخططات الاحتلال لا بد من تعزيز الصمود المجتمعي عبر بناء شبكات تضامن داخلية وخارجية والضغط من أجل تحسين وصول الخدمات الأساسية، وعلى المجتمع الدولي والمنظومة الإقليمية مسؤولية كبيرة في هذا الصدد.


الجزيرة
١٠-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
هكذا تحاول إسرائيل تقويض قدرة غزة على التعافي
لم تبقَ إستراتيجية لم تستخدمها دولة الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني، بل طبقت العديد من الإستراتيجيات بشكل متزامن من أجل إخضاع المجتمع الفلسطيني في غزة، عبر تقويض مقومات الحياة، والقدرة على التعافي بعد الحرب المدمرة. تقويض قدرة غزة على التعافي بعد 15 شهرًا من العدوان الإسرائيلي على غزة أصرّ المفاوضون الفلسطينيون- بشكل ينمّ عن إدراكهم مخططات الاحتلال- على أن يشمل اتفاق وقف إطلاق النار بروتوكولًا إنسانيًا يشمل دخول 600 شاحنة مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، و200 ألف خيمة، و60 ألف كارافان، ودخول المعدات الثقيلة من أجل إزالة الركام وانتشال الجثث، والسماح بخروج 150 جريحًا بشكل يومي من معبر رفح على الأقل، ودخول كميات كافية من الوقود بمعدل 50 شاحنة على الأقل يوميًا لتشغيل المستشفيات والمخابز. بالرغم من مرور أسبوعَين على سريان وقف إطلاق النار، لم تسمح إسرائيل إلا بدخول 4% من احتياجات قطاع غزة من الخيام، ولم تسمح بدخول أي كارافان، كما لا تزال تمنع دخول المعدات الثقيلة التي تمسّ الحاجة إليها من أجل إزالة الركام. فهناك حوالي 14 ألف مفقود في غزّة، ويتوقع أن آلاف الجثث موجودة تحت الأنقاض. وحتى هذه اللحظة لم تسمح سوى بـ5% من شاحنات الوقود المفترض إدخالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، كما لم تسمح إلى الآن بإعادة تأهيل المستشفيات التي دمرتها، وهي أكثر من 30 مستشفى. ولا تزال العديد من مرافق المستشفيات الميدانية بما فيها 8 مستشفيات ميدانية تركية مخزنة في مدينة العريش، لم يسمح الاحتلال الإسرائيلي بدخولها. ورغم نص الاتفاق على خروج 150 جريحًا بشكل يومي للعلاج في الخارج، سمحت إسرائيل بخروج حوالي 44 فقط يوميًا. وهناك عدد من الجرحى توفوا أثناء انتظار السماح لهم بالخروج من معبر رفح. من الواضح أن هناك نية إسرائيلية مبيتة لإعاقة عملية تعافي قطاع غزة وإبقاء الأوضاع الكارثية وإعاقة عملية إعادة الإعمار من أجل الاستمرار في ابتزاز السكان عبر البعد الإنساني؛ لتحقيق مكاسب سياسية إسرائيلية وهذه بحد ذاتها جريمة حرب في القانون الدولي الإنساني. إن مليوني إنسان في قطاع غزة لا يزالون يعانون من آثار الكارثة والإبادة الجماعية، وهناك حاجة ملحة لتوفير المأوى لهم، ولذلك لا بدَّ أن تضغط المؤسسات الدولية والدول الإقليمية على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وإبعاد هذا الملف عن الأهداف العنصرية للحكومة الإسرائيلية. على الدول الإقليمية الكبرى، بما فيها الوسطاء، مسؤولية كبيرة في هذا الصدد. وقد ساهم العديد منها في إرسال الكثير من المساعدات الإنسانية التي دخل بعضها إلى القطاع، لكن الجزء الأكبر منها لا يزال ممنوعًا من الدخول، وهذا يوجب أن تمارس تلك الدول الكثير من الضغوط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل إدخال المساعدات والانتقال إلى الجولة الثانية من المفاوضات. إن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الإنسانية ومنع دخول المساعدات الإنسانية ومستلزمات الإيواء التي تم الاتفاق عليها في اتفاق وقف إطلاق النار، هو مقدمة لجعل واقع غزة أكثر سوءًا بما يمهد الطريق لخطط اليمين الصهيوني لتهجير سكان القطاع. إن هذا الواقع يحتم تحرك الوسطاء لإجبار إسرائيل على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، كما لا بدَّ أن يكون هناك تحرك جماعي للدول العربية والإسلامية بالتعاون مع كافة الجهات الدولية من أجل تشكيل حالة ضغط على إسرائيل ومنعها من تنفيذ هذه الخطط العنصرية. لقد جاء الإصرار الصهيوني على تقويض قدرة غزة على التعافي بعد جملة من الإستراتيجيات التي استهدفت مقدرات المجتمع الغزي بشكل ممنهج خلال 15 شهرًا، وفيما يلي نشير لأبرز هذه الإستراتيجيات. إستراتيجيات استهداف مقدرات المجتمع في غزة قيدت إسرائيل الوصول إلى الماء والغذاء والكهرباء والطاقة والوقود، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي المستقيل يوآف غالانت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، "نفرض حصارًا كاملًا على قطاع غزة لا كهرباء لا طعام ولا ماء ولا غاز… كل شي مغلق". دمرت إسرائيل كل البنى التحتية للقطاع الصحي وللصرف الصحي وهدمت مئات آلاف المنازل، ودمرت بشكل كامل 34 مستشفى، ومنعت دخول الوقود لتشغيل المرافق الصحية المتبقية، ومنعت لوقت طويل إدخال اللقاحات لمكافحة الأمراض، وبعد ضغوط كثيرة من مؤسسات دولية سمحت بدخول لقاحات مكافحة شلل الأطفال. ويمنع الاحتلال أيضًا دخول معدات الطاقة الشمسية أو البطاريات أو الأجهزة الطبية بشكل متعمد. إسرائيل دمرت 927 من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية في القطاع مما أدى إلى توقف الحياة التعليمية، وتدمير ما يقدر بـ 70% من البنية التعليمية. وقد فاقت خسائر قطاع التعليم أكثر من 800 مليون دولار. وقتلت إسرائيل أكثر من 94 من أساتذة الجامعات ومئات المعلمين. دمرت إسرائيل عشرات المصانع في إطار سعيها لتقويض الاقتصاد المحلي، ولا تزال تمنع دخول السلع الأساسية والمواد الخام وتفرض الكثير من القيود على حركة التجارة، وعلى الجانب المالي يمنع الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة دخول السيولة النقدية اللازمة لتشغيل البنوك وتحريك عجلة السوق في قطاع غزة، مما يساهم في تأخير التعافي الاقتصادي، ويعزز المشاكل المالية للمواطنين والتجار. التفكيك الاجتماعي لمجتمع غزة كان هدفًا إسرائيليًا حيث عملت دولة الاحتلال الإسرائيلي على استهداف كافة المؤسسات المجتمعية، فقصفت البلديات، وعملت على خلق انقسامات في قطاع غزة، ودمرت المساجد والكنائس. كما اغتالت إسرائيل عددًا كبيرًا من رجال الإصلاح والمخاتير ورموز المجتمع الفلسطيني في غزة. طبقت إسرائيل إستراتيجية الحرمان من الحرية والتنقل للفلسطينيين في غزة. احتلت إسرائيل وسط القطاع ومنعت المواطنين لمدة 15 شهرًا من التنقل بين شمال وجنوب غزة بحرية وكانت تقتل كل من يحاول المرور. إستراتيجية التهجير القسري. لقد كان من الواضح جدًا أن إسرائيل عملت على تدمير كل شيء في غزة من أجل أن تجعلها غير قابلة للعيش، وقد عملت على إجبار الناس على مغادرة منازلهم في كثير من المناطق، كما عمل الكثير من المستوطنين على نشر خطط حول مشاريع الاستيطان المستقبلي في قطاع غزة. وقد كان أبرز الخطط التي عمل عليها وفشلت هي "خطة الجنرالات" التي كانت مبنية على حصار وتدمير شمال القطاع لتهجير سكانه إلى الجنوب. استهداف الهوية الثقافية في غزة عبر تدمير العديد من المعالم التاريخية والثقافية، كالمراكز الرئيسية لميادين المدن، ومبنى الأرشيف المركزي في بلدية غزة، مما أدى لفقدان آلاف الوثائق، ومبنى البرلمان الفلسطيني الذي أنشيء في عام 1958. إعلان أحدثت دولة الاحتلال الإسرائيلي دمارًا كبيرًا في غزة، ولكنها لم تكسر إرادة الشعب هناك، ولكن النظرة الواقعية تشير إلى تضرر كافة مرافق الحياة، ومن أجل مواجهة هذا الواقع ومواجهة مخططات الاحتلال لا بد من تعزيز الصمود المجتمعي عبر بناء شبكات تضامن داخلية وخارجية والضغط من أجل تحسين وصول الخدمات الأساسية، وعلى المجتمع الدولي والمنظومة الإقليمية مسؤولية كبيرة في هذا الصدد.