
تصدّعات داخلية في جدران الغيتو الإسرائيلي، ما الدلالات!
يحتدم الجدل داخل "إسرائيل" وتتصاعد الخلافات مع استمرار الحرب الإسرائيلية التدميرية على القطاع والتي باتت، وفق غالبية كبيرة في المجتمع الإسرائيلي، حرباً سياسية تخدم زمرة اليمين الصهيوني الحاكم وأجندته المتطرّفة.
بلغ الجدل ذروته هذا الأسبوع عقب تصريحات زعيم حزب "الديمقراطيين" الإسرائيلي المعارض، يائير غولان، والتي أثارت ردود فعل غاضبة داخل الحكومة والمعارضة على السواء. صعّد غولان هجومه على الحكومة الإسرائيلية واصفاً إياها بـ "العاجزة" و"المليئة بأشخاص عديمي الأخلاق الذين تتملكهم مشاعر الانتقام"، مشدّداً على أنها "تشكّل خطراً على وجود إسرائيل"، وختم غولان أنّ "الدولة العاقلة لا تشنّ حرباً على المدنيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تضع لنفسها هدف ترحيل السكان".
اللافت المهم في هذه التصريحات، التي سبقتها تصريحات مشابهة لوزير الحرب الأسبق موشيه "بوجي" يعلون والتي وصف فيها ما يرتكبه "الجيش" الإسرائيلي في غزة بالتطهير العرقي، ليس فقط توقيتها وسياقاتها، بل في أنها تؤسس لتهشيم جدار الإجماع الصهيوني حول سردية "الجيش الأكثر أخلاقية"، إذ ظلّ المجتمع الإسرائيلي لسنوات طويلة يحتمي خلف هذه الشعارات وهو يرتكب الفظائع، حتى باتت تشكّل جدراناً دفاعية سميكة في الوعي الإسرائيلي يصعب على أحد أن يخترقها أو أن يتمرّد عليها.
وكأنّ هذه "المعازل" أشبه بآليات دفاعية تلجأ إليها الشخصية الإسرائيلية لتحمي نفسها من ردود الفعل التي يثيرها سخط العالم وانتقاده وألم الضحايا وصراخهم، ولتخلّص نفسها من وطأة الشعور بالذنب والندم. ولعلّ أهم مظاهر سيكولوجيا هذا "الغيتو" الإسرائيلي تتبدّى في حالة عدم اكتراث الرأي العامّ الإسرائيلي بكلّ ردود الفعل التي تثيرها أعمال القتل والتجويع الجماعي لآلة القمع الإسرائيلية في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، يبدو جلياً أنّ التنشئة السياسية والأيديولوجية الإسرائيلية لها آلياتها التي تقوم على التعبئة والاستنهاض، كما أنها تركّز على أهمية شعور الفرد، وكذلك المجموعة، بالاضطهاد.
وبهذا، يتشكّل نمط سلوكي لدى الإسرائيلي يقوم من خلاله بإزاحة القلق وحلّ الأزمة عن طريق التغاضي عن المشاعر "الغيرية"، وإنكارها وإلقاء المسؤولية على الضحية نفسها. اليوم 10:45
22 أيار 12:29
لذلك، لا مجال للتساهل أو التعاطف والرحمة عند الإسرائيلي، لأنّ المجتمع الذي يعيش فيه يقرّر سلوكيّاته بما يخدم "آلية الجمع"، وكلما وهنت هذه "الآليات الدفاعية" وبرزت علامات تأنيب ضمير، ولو فردية طفيفة، عملت الحكومات والأحزاب والإعلام والمؤسسات الإسرائيلية الموازية على استنهاضها، ومن يجرؤ على الخروج عنها يُنعت بالخيانة أو بـ "اليهودي الكاره لنفسه"، وكلّ من يندمج ويتماهى مع هذه الآلية، يصبح بطلاً أو مواطناً صالحاً.
ومن هنا يمكننا فهم حجم ردود الفعل الغاضبة وغير المسبوقة من تصريحات يائير غولان أو أولمرت ويعالون، حتى وصل الأمر بتحميلهم مسؤولية حادثة القتل لاثنين من الدبلوماسيين الإسرائيليين في الولايات المتحدة يوم أمس الخميس، إذ صرّح بن غفير "أنّ معادي السامية في العالم يستمدّون القوة من السياسيين الأشرار في إسرائيل"، واتهم جولان "بالإدلاء بافتراءات دموية معادية لإسرائيل".
كما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عدم تهاون "إسرائيل" مع تصريحات يائير جولان، ضدّ "إسرائيل وجيشها"، مؤكداً أنّ الافتراءات الدموية المعادية للسامية ضدّ "إسرائيل" هواية جولان، وأنّ يائير جولان إرهابيّ يحاول عرقلة تحقيق أهداف الحرب ويهدّد أمن جنودنا"، مؤكداً أنّ "من شبّه إسرائيل بالنازية ويشوّه سمعتها وجيشها خلال الحرب يجب نبذه". من جهته، دعا زعيم حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس غولان إلى التراجع والاعتذار لمقاتلي "الجيش" الإسرائيلي، معتبراً تصريحاته متطرّفة وكاذبة.
هذه الثقافة الانغلاقيّة التي لا تتصالح ولا تتهاون بالمطلق مع نقد السردية الإسرائيلية السائدة، خاصة إذا ما أتت من داخل "المعزل"، تهدف إلى حفظ "التميّز الأخلاقي الإسرائيلي" وإدامته، وفرضه على المجتمع الدولي، حيث الانغلاق هو مدخل الاصطفاء والمحافظة على البقاء، وهو ما يعني ضمناً رفض الاعتراف بالآخرين، أي "الأغراب"، أو "الأغيار" وآلامهم والاكتفاء بالتعامل معهم كأضداد مختلفين، فهم شعوب من الدرجة الثانية، وهم خارج دائرة القداسة، وليس ثمّة ما يمنع هدر حقوقهم أو قتلهم في حال تعارضت مصالحهم مع مصالح "شعب الله المختار". وقد باتت هذه التعاليم اللاإنسانية تُقتبس وتُردّد علناً في "إسرائيل"، لتبرير اغتيال الفلسطينيين وقتلهم والتنكيل بهم وطردهم من فلسطين.
في كلّ الأحوال، المؤكّد أنّ تصريحات جولان أحدثت شرخاً كبيراً داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي يعاني أصلاً من الانقسام ويتحرّك في اتجاهات مختلفة. كما أنّ أهمية هذه التصريحات لا تنبع فقط من مضمونها، أو من مصدرها، حيث تصدر، وفي سابقة غير معهودة في المجتمع الإسرائيلي وفي خضمّ الحرب، من مسؤولين إسرائيليين سياسيين وعسكريين سابقين، بل من إمكانية الاستدلال بها في المنابر السياسية والقضائية الدولية لأغراض المساءلة والملاحقة الجنائية، على قاعدة "من فمك أدينك" وهي مفارقة لافتة في هذا السياق.
كما أنّ اللافت أيضاً، أنّ الحكومة الإسرائيلية التي دعت إلى التهجير والتجويع، اعتادت أن تواجه الانتقادات الخارجية بكيل تهمة "معاداة السامية" لمنتقديها في محاولة لإخافتهم وإسكاتهم، لم تتوانَ كذلك عن استخدام الديباجات ذاتها حول "معاداة السامية" مع اليهود، خصومها من الداخل، في تناقض فاضح فجّ يعرّي ويجرّد هذه الفزّاعة من معناها، فكيف للسامي "المختار" أن يُعادي ذاته..!
خلاصة القول يبدو أنّ الأسوار، بشقّيها المادي والمعنوي، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الانعزال والاستعلاء في المجتمع الإسرائيلي، لم تعد متينة بما يكفي لتحمي أولئك الذين يتحصّنون داخلها من شرور وممارسات العقلية الإسرائيلية العنصرية، ويبدو أنّ تصدّعات كبيرة ومؤثّرة تصيب جدران رواية "الاصطفاء والأخلاقية" من الداخل، ولم يعد يُجدي نفعاً التعامل مع خصوم الداخل بمنطق الغيتو والانعزال أو الإقصاء، وهو ما عبّرت عنه عضو الكنيست ميراف كوهين من حزب "يش عتيد" حين غرّدت أنّ "نتنياهو يواصل تشغيل ماكينة التحريض، وأعتقد أنّ هذا التحريض، وكلّ هذه الأكاذيب، وكلّ نظريات المؤامرة عن خيانة من الداخل، ستنتهي بجريمة قتل".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ ساعة واحدة
- الميادين
نائب أميركي يدعو لقصف غزة نووياً.. والجبهة الشعبية: جريمة حرب
دانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التصريحات "الإجرامية والفاشية" التي أطلقها النائب الجمهوري الأميركي، راندي فاين، والتي دعا فيها بشكلٍ صريح إلى قصف قطاع غزة بالسلاح النووي، واعتبر القضية الفلسطينية "قضية شريرة"، وهاجم الثقافة الفلسطينية داعياً إلى "استسلام كامل ودحر شامل". وقالت الجبهة، في بيان لها، إن هذه التصريحات الخطيرة "التي تنضح بالكراهية والفاشية"، ليست مستغربة من "نائب متصهين ينتمي إلى حزب دأب على دعم الاحتلال والتغطية على جرائمه". اليوم 19:59 اليوم 17:26 "من غير المقبول أن يشهد العالم بأسره إبادة شعب #فلسطين من دون أن يقابل ذلك تحدٍّ شعبي عالمي حقيقي".العضو المؤسس في شبكة الجالية الفلسطينية في أميركا مناضل حرز الله للميادين.#الميادين الجبهة الشعبية أن الدعوة إلى إبادة شعب أعزل عبر سلاح نووي "هي جريمة حرب مكتملة الأركان، لا تختلف في فظاعتها عن أبشع الجرائم النازية والأمبريالية، وتؤكد أن هذه العقلية الأميركية المتطرفة لم تغادر بعد منطق الإبادة الاستعمارية". وكان النائب الجمهوري، صرّح خلال مقابلة أجراها مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، الخميس الفائت، قائلاً: "حقيقة الأمر هو أن القضية الفلسطينية هي قضية شريرة"، وتابع قائلاً: "في الحرب العالمية الثانية، لم نتفاوض على استسلام النازيين، ولم نتفاوض على استسلام اليابانيين، قصفنا اليابانيين مرتين نووياً للحصول على استسلام غير مشروط، ويجب أن يكون الأمر نفسه هنا في غزة". In response to the horrific killing of Israeli embassy staff in Washington, a Republican Congressman went on Fox News and suggested Gaza be 'nuked" like Hiroshima and Nagasaki.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
غوتيريش: المساعدات المصرح بها لغزة "ضئيلة للغاية"
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تصريح، اليوم الجمعة، إن "على إسرائيل بصفتها قوة احتلال أن توافق على السماح بدخول وتسهيل المساعدات اللازمة إلى قطاع غزة". وتابع غوتيريش أن 80% من مساحة قطاع غزة صنفتها "إسرائيل" إما منطقة عسكرية أو منطقة خاضعة لأمر بإخلائها. ولفت الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن المساعدات المصرح بها لغزة حتى الآن "ضئيلة للغاية" بينما هناك حاجة إلى تدفق كبير للإمدادات. اليوم 09:57 22 أيار وأكد غوتيريش أن الأمم المتحدة لن تشارك في أي خطة لا تحترم القانون الدولي والمبادئ الإنسانية والنزاهة والاستقلال والحياد. وفي السياق، اعتبرت وكالة "الأونروا"، في تصريح صحفي، اليوم الجمعة، أن المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة "لا تكفي"، وأنها "أشبه بإبرة في كومة قش". وشددت الوكالة على أن التدفّق المنتظم والفعّال والمستمرّ للمساعدات هو السبيل الوحيد لمنع تفاقم الكارثة الحالية، مشيرةً إلى أن الحد الأدنى المطلوب هو 500 إلى 600 شاحنة يومياً، تُدار من خلال الأمم المتحدة، بما في ذلك "الأونروا". ورأت "الأونروا" أنه "لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ من مشاهد المساعدات الثمينة وقد تُنهَب أو تُسرق"، لافتةً إلى أن سكان غزة تعرّضوا للتجويع والحرمان من أبسط الأساسيات، بما في ذلك المياه والأدوية، لأكثر من 11 أسبوعاً. وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد اتهمت "إسرائيل"، قبل يومين، باستخدام إمدادات المساعدات، التي أكدت المنظمة أنّها "غير كافية بشكل مثير للسخرية"، للادعاء برفع الحصار عن قطاع غزة، واصفةً كمية المساعدات التي سمحت "إسرائيل" بدخولها إلى قطاع غزة بـ"ستار دخاني للتظاهر بأن الحصار قد انتهى".


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
نتنياهو يعلن موعد تسلم زيني رئاسة "الشاباك" رغم ما أثاره قرار التعيين من انقسامات
أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، اليوم الجمعة، أن رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" الجديد ديفيد زيني سيتولى منصبه الشهر المقبل. وقال نتنياهو، بعد تعيين زيني على رأس "الشاباك"، إن "رئيس الوزراء مسؤول عن أمن الدولة، وخصوصاً خلال حرب متعددة الجبهات". 22 أيار 20 أيار وسيتولى زيني مهامه خلفاً لرونين بار، الذي قال إنه سيتنحى في 15 حزيران/ يونيو ، بعد خلافات حادة مع نتنياهو الذي حاول إقالته في آذار/ مارس قبل وقف القرار بأمر قضائي مؤقت من المحكمة العليا. وقضت المحكمة العليا الشهر الماضي بأن الإقالة غير قانونية. وعيّن نتنياهو، زيني كرئيس مقبل لجهاز "الشاباك"، من دون إبلاغ رئيس هيئة الأركان إيال زامير، الذي علم بالقرار "في اللحظة الأخيرة"، وعلى الرغم من موقف المستشارة القانونية للحكومة، التي قررت أنّ نتنياهو ممنوع من تنفيذ هذه الخطوة. وقالت المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف-ميارا، إنّ "رئيس الحكومة تصرف خلافاً للتوجيه القانوني، وهناك تخوف جدي من أنّه تصرف وهو في وضع تضارب مصالح"، مشيرةً إلى أنّ "عملية التعيين معيبة".