
مريم وابنة الفنان محمود صايمة: رسالة من قلب آخر العنقود
جو 24 :
كتب عاطف أبو حجر ، - في زحمة الأيام، حين تضيق الدنيا ويشتد الحنين، لا يبقى للإنسان سوى الذكرى؛ نبضًا في القلب، وألمًا في الذاكرة.
وفي صباحٍ مشحونٍ بالوجع النبيل، جمعتني محادثة صادقة مع مريم محمود صايمة، ابنة الفنان الأردني الراحل محمود صايمة، زميلي وصديقي الذي جمعني به زمن من المحبة والاحترام والعمل الفني المشترك.
كان من أبرز لقاءاتنا مشاركته المؤثرة في برنامجي "سوا بتهون"للإعلامي يزن خواص، كما لا أنسى مشاركته الظريفة في مقلب الكاميرا الخفية الذي صورناه سويًا. يومها، لم يغضب، بل ضحك أولًا، وصافحنا كعادته رجلًا ودودًا طيب النفس، كبير القلب.
واليوم، وأنا أصغي إلى مريم وهي تحكي وجعها بصدق، شعرت أنني لا أستمع إلى ابنة تتحدث عن أبيها فحسب، بل إلى شهادة حية على فنان أردني أصيل، وهب فنه وحياته لوطنه، ورحل في صمت نبيل.
قالت لي مريم، بصوتٍ يفيض بالشجن والذكرى:
"كنتُ آخر العنقود، مدللته، كنت أذهب معه إلى التصوير وأجلس إلى جوار الكاميرات أراقبه وهو يُمثّل...
كان حنونًا، يُصلي، كريمًا، يُحب الناس جميعًا، وبيته دائمًا مفتوح.
بعد وفاته، شعرتُ بأن الدنيا ضاقت، غاب السند، وغابت الراحة.
حتى الراتب الذي كان يصلنا من النقابة، انخفض من مئة وتسعين إلى ثمانين دينارًا.
عملتُ في صناعة الحلويات فقط لأتمكن من الاستمرار."
كلماتها، رغم بساطتها، كانت مؤلمة بصدقها، نابعة من قلبٍ موجوعٍ يفتقد لا الحنان فقط، بل الكرامة المهددة في ظل واقع اقتصادي قاسٍ.
ليست قصة مريم وحدها، بل قصة كثير من أبناء الفنانين، وقصة من قدّموا لهذا الوطن البسمة والفرح، وانتهى بهم المطاف دون سند.
ولذا، فقد طلبت مريم أن أُوصل رسالتها إلى أصحاب القرار، إلى من بيدهم تقدير من خدموا الوطن برسالة فنية راقية.
رسالة مريم محمود صايمة
باسمي أنا، مريم محمود صايمة، أتوجّه بهذه الكلمات المفعمة بالألم والفخر بوالدي، رحمه الله، إلى: رئيس الوزراء، رئيس الديوان الملكي، وزير الثقافة والإعلام، مدير مؤسسة الإذاعة والتلفزيون،و نقيب الفنانين الأردنيين.
كان والدي، رحمه الله، فنانًا أردنيًا أصيلًا، أحب فنه ووطنه بإخلاص، وكان مثالًا للإنسان الطيب، الحنون، الخلوق، القريب من الله، الملتزم بالصلاة، المعطاء بلا حدود.
لم يكن فنانًا فحسب، بل كان أبًا استثنائيًا، صديقًا، وسندًا حقيقيًا. وكنتُ أنا "آخر العنقود"، كنت روحه ورفيقته، وكان كل عالمي.
رافقت والدي في رحلته الفنية منذ نعومة أظفاري، كنت شاهدةً على إبداعه، على تعبه، على التزامه برسالته.
لكن، بعد وفاته، واجهتنا ظروف قاسية، وانقطع بنا الطريق، وانخفض راتبه التقاعدي من مئة وتسعين إلى ثمانين دينارًا شهريًا، وهو ما لا يكفي حتى لأبسط مقومات الحياة.
اضطررتُ لبدء مشروع صغير في مجال الحلويات فقط لأُكمل حياتي بكرامة.علما انه "عندي علاج طبيعي، ولا أملك تأمينًا صحيًا، وعندي فعلًا مشكلة في العمود الفقري، ولا أستطيع إكمال علاجي."
رسالتي اليوم دعوة للتقدير، لا لي فقط، بل لكل فنان خدم الوطن بإخلاص، وقدم عمره للفن والثقافة، أن يتم تأمين حقوقه وكرامته، وألا يُترك من خدم الوطن يُواجه العجز وحده.
رحم الله والدي، وأسكنه فسيح جناته، وجعل من ذكراه بوابة للرحمة والإنصاف.
خاتمة
هذه ليست مجرد كلمات، بل نداء من ابنةٍ تحمل في قلبها حب والدها، وتوجعها فجيعة الرحيل، وتكسرها قسوة الغياب وقسوة العيش معًا.
هذه قصة محمود صايمة، الفنان، الإنسان، الأب، والذكرى الحيّة في قلوبنا.
وهي أيضًا دعوة صريحة لردّ الوفاء بالوفاء، وتكريم من أغنوا وجداننا ومسرحنا ووعينا.
لعلها تصل إلى الضمير، قبل أن تصل إلى الملفات الرسمية.
ولعلها توقظ القلوب، قبل أن تعبر المكاتب.
تابعو الأردن 24 على
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

السوسنة
منذ ساعة واحدة
- السوسنة
بشير البكر… مسافرا بين قصائد وأمكنة
غادر بيته بحثا عن بلاد، بحثا عن ضوء يمحو العتمة التي عاش فيها، وطاف في الأرجاء، بين مدن ومطارات، بين حياة مرئية وأخرى في الخفاء، طال التّرحال ولم يستقرّ به مقام. ركب حافلات وقطارات وطائرات، عاش بين منفى وآخر، بين رحيل وترحال، قابل أشخاصا من المشاهير، وجالس كبار الكتّاب، مثلما قابل آخرين مرّوا عليه من دون أن يتركوا ذكرى، ولم يكن في حاجة إلى كاميرا من أجل توثيق ألبوم ذكريات، بل كان يحفظ الوجوه والأسماء في الذاكرة. طاف بين البقاع، بين قارات ثلاث، وأدرك في الختام أن خروجه من البيت إنّما الغاية منه البحث عن قصيدة، عن الشعر. أدرك أن الأدب هو البلاد التي يرجوها، وقد طال انتظاره من أجل الوصول إليها. فالأدب بلاد لا ترسمها حدود، بل ترسمها المخيلة، وهي أوسع البلدان في أرض الله الشاسعة. ذلك ما يحكيه بشير البكر في «بلاد لا تشبه الأحلام» (نوفل، 2025).في هذا الكتاب حيث السرد يصير قصيدة، وحيث القصيدة هي سيرة صاحبها، والرحلة هي الوجه الآخر من حياة الإنسان. في هذه السيرة يروي المؤلف أشياء عاشها وأخرى تمنّى أن يعيشها، ويكتب بلغة عذبة عن مشقّة أن تصير كاتبا من سوريا، حيث لا يعرف إلى أي أرض يعود ولا بأي تاريخ يفاخر. ولكن بشير البكر في جولاته، لم يتخلّ عن ذكرى الأمكنة في الحسكة، يتذكّر ما حصل له في حلب أو ما جاورها، يتذكّر سوريا أخرى تختلف عن سوريا في الزّمن الحاضر. فقد غادر بلاده في الواقع، وظلّ يعود إليها في المنام. غادر المكان من غير أن يكفّ عن اشتياق دفين إليه. لم يقطع الحبل السرّي الذي يوصله إلى أمكنة الصّبا، لكن الأمكنة تعددت في وقت لاحق، وصار يعيش خارج المكان، يؤسس بلدا له في جنّة الشعر. وكأنه يخبر القارئ أن الشاعر مثل الكاتب عليه أن يتحمّل لعنة، أن يرضى بقدر مثل أقدار الإغريق، الذين كانوا يبتكرون آلهة من أجل الانتقام منها، وكذلك الحال في أكثر من بلاد عربية، نلد شعراء كي نتبرّأ منهم، كي نحيلهم إلى سنوات من الجمر والتّيهان. نعرضهم إلى النّفي ثم نحمّلهم وزر اختيار المنافي.وفي هذا الكتاب لا يتوقّع القارئ أن يصادف سيرة عادية، كتبت بطريقة خطية، بل هي سيرة متشظية، لا يحكمها معيار الزمن أو ترتب الأحداث والوقائع، بل يحكمها تدفّق الذكريات، فالمؤلف لم يحصر نفسه في خطة كتابة، لم يتّكل على برنامج معدّ سلفا، ولم يخضع إلى بروتكول في تسويد الورق، بل خاض بحثه عن «بلاد لا تشبه الأحلام» متحرّرا من الأرشيف، متكلا على صلابة الذاكرة، فمن الأحداث ما يظهر ثم يخبو، قبل أن يعود في وقت لاحق، ومن الأسماء من يظهر ويختفي، في كتابة تربط بين الخرائط والجغرافيات، بين بلاد عربية وأخرى أوروبية، في سيرة تحكي عن هشاشة الإنسان في عالم لم يرأف بالكتّاب، وهي سيرة تكسر أفق توقّع القارئ، وتجعله مستعدا للاحتمالات عندما ينتقل من فصل لآخر. ولكن الشيء الأكيد الذي لا يتخلى عنه بشير البكر في هذه السيرة، هو إصراره على كتابة تعنى بالشعر، وتجعل منه عمادا في مغامرته السردية. في هذه السيرة الرّوائية قد يمتزج الواقع بالمتخيل، لكن اللغة التي كتبت بها واحدة لا تتغيّر.يتذكّر بشير البكر طفولته، في صحراء وبادية، عندما كان يرافق والده في خرجات برية، أو عندما كان يطارد الذّئاب، لكن الذئاب تحوّلت إلى بشر، ويكتب: «وحين حزمت حقيبتي عن عدّة كتب ودفاتر وقميص وبنطلون، كانت الذئاب ببدلات مرقّطة تنتشر في كلّ مكان. بقيت تلازمني حتى عبرت الحدود». وبعدما كان يطادر الذئاب صارت الذئاب نفسها تطادره، بعدما تحوّلت إلى بشر، تطارده في مناماته. لم يشعر بأمان في البلاد التي ولد وكبر فيها، ووجد صيغة للأمان في الأسفار. ساوره قلق من الاستقرار وعثر على طمأنينة في اللااستقرار. فقد غادر طفولته، وكفّ عن مطاردة الغزلان والأرانب والثعالب، وصار مشغولا بمطاردة الأمكنة.من بيروت إلى نيقوسيا، ومن باريس إلى لندن، ثم عودة أخرى إلى حواضر عربية، تلاه رجوع إلى ديار أوروبية. هكذا هي الحال التي عاش فيها المؤلف، لا يمكث في مكان إلا ليغادره، لا يمكث في مدينة من أجل تجوال، بل من أجل أن يجعل منها منجم ذكريات. هذه الذكريات تراكمت وأحالته إلى تدوين سيرته في كتاب. مبتدأ هذه السيرة هي سوريا، التي غادرها وهو يرى «خيط الدّم الذي يسيل فوق الخريطة». فقد تنبّأ بالمصير، الذي سوف تصل إليه بلاده، ومع أن سوريا قد شرعت في الخروج من محنتها، فإن الضريبة كانت فادحة، لأن أمثال بشير البكر بالمئات، من شعراء وكتّاب سكنوا المنافي. يبحثون مثله عن بلاد لهم لا تشبه الأحلام، من غير أن يفلحوا في مفارقة بلاد الطفولة. يتحايلون على الحنين بالمضي في الكتابة، وفي توسيع نطاق الحلم. هذه الطفولة التي عاشها المؤلف مثل غيره، طفولة معجونة بوجوه من العائلة ووجه آخرين رافقوه في شغف القراءة، أو في محبة المغامرة، كما إن هذه الطفولة المعجونة بالحكايات والخرافات سوف تسقي مخيلة الكاتب وتجعله يحلم بأفاق أبعد من الحسكة وحلب وبيروت.«بلاد لا تشبه الأحلام» هي مغامرة في الأمكنة وفي السرد، هي سفر في القصائد وفي المنافي، هي سيرة تجتاز الحدود الجغرافية، مثلما تجتاز اللغة، كتبها المؤلف «بشغف الباحث عن أثر نادر» وهو يرفع رأسه إلى سماء عالية كالأحلام، يعبرها السنونو في كلّ الفصول. فهو كتاب يقترح سيرة بديلة، لا يتقمّص فيها دور الضحية ولا يبكي على أطلال، بل يجعل من الاغتراب تجربة إنسانية، لا يهتم بوصف الأمكنة بقدر الاهتمام بوصف حالات نفسية، تاركا وراءه سرابا مديدا. وتحوّل التشرد إلى كلمات، والكلمات إلى كتاب، نقرأ فيه محنة كتاب سوري في الأزمنة الراهنة، وصعوبة العثور على بلاد تشبه البلاد التي تنمو فيها الأحلام.

عمون
منذ 3 ساعات
- عمون
زفاف قصي نايف الحياري
عمون - هنأ ابـناء عشــيرة الحـيارات ابن عمهم قصي نايف الدوجان الحــياري بمناسبة زواجه. بارك الله لكم وبارك عليكم وجمع بينهما في خير..


العرب اليوم
منذ 5 ساعات
- العرب اليوم
أحمد السقا يكشف موقفه من الزواج مُجدّداً
خلال لقائه في برنامج "تفاعلكم" المذاع على قناة "العربية"، كشف الفنان أحمد السقا عن موقفه من فكرة الزواج مرة أخرى، بعد إعلان انفصاله الأخير عن الإعلامية مها الصغير بعد زواج دام سنوات، كاشفاً عن أصعب لحظة مرت عليه في حياته. وقال السقا إنه لا يفكر حالياً في الزواج، معلّقاً: "دلوقتي لأ، أنا لسه طازة معرفش الله أعلم وأنا عندي عيالي أهم حاجة". وعن أصعب لحظة مرت عليه في حياته، قال السقا إنها لحظة دفن صديق عمره سليمان عيد، بحيث رفض المشاركة في دفنه وشعر وقتها أنه يدفن نفسه. وأكد السقا في اللقاء أنه تعلّم دفن الموتى من جدّه، عندما كان طالباً في الأولى إعدادي، حيث قال: "الوحيد اللي مقدرتش أدفنه سليمان عيد والكل استغرب، قلتلهم هدفن نفسي؟! ده أخويا 26 سنة مسبناش بعض يوم واحد". وأضاف: "الموت الحقيقة الوحيدة في الدنيا، مش شر زي ما الناس بتقول، ودفن الموتى ليه بروتوكول، وكل وفاة ليها طريقة، وربنا أراد أتعلّمها". وبسؤاله عما إذا أوصى أحداً بدفنه، أجاب السقا مازحاً: "أعتقد لما أموت معروف عني الجدعنة فأنا هدفن نفسي". قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :