
هل ينزلق الشرق الأوسط إلى حرب شاملة؟
لا شيء ينبئ بأن الحرب الإيرانية الإسرائيلية ستضع أوزارها قريباً، في ظلّ إدراك الطرفَين أن تداعياتها ستغيّر معادلة القوة والنفوذ في الإقليم. وإذا كانت دولة الاحتلال قد أبانت تفوّقها الاستخباري والتكنولوجي، فإن إيران نجحت (نسبياً) في إرباك قدرتها على تحمّل التكاليف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولعلّ هذا ما يفسّر التعتيم الإعلامي الشديد في إسرائيل على المواقع التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية. على أن استمرارية هذا النجاح الإيراني باتت مشروطةً بعدم انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب، وهو احتمالٌ بات ضعيفاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع الأسبوع الحالي.
يمثّلُ البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً لدولة الاحتلال. ويحظى تفكيكه بإجماع النُّخب الإسرائيلية بمختلف مكوّناتها. وعلى الرغم من التنازلات التي قدّمتها إيران، لا سيّما الاتفاق النووي المبرم في 2015، إلا أن دولة الاحتلال ما فتئت تعتبر ذلك تكتيكاً، تتوخّى إيران من خلاله التسويف وربح الوقت في انتظار اللحظة الموعودة التي تصبح فيها قوةً نوويةً مُهابَةً في الإقليم. في ضوء ذلك، أحدث ميزانُ القوى الجديد، الذي تشكّل في الإقليم عقب اغتيال الأمين العام الأسبق لحزب الله، حسن نصر الله، والانتكاسة التي تعرّض لها الحزب في الغضون، وسقوط نظام بشّار الأسد، الذي كان حليفاً استراتيجياً لإيران، وتفكّك ما كان يعرف بمحور المقاومة، أحدث ذلك كلّه بيئةً إقليميةً جديدةً سمحت لإسرائيل بإعادة تقييم التهديد الذي يمثّله النووي الإيراني بالنسبة إليها.
نجحت إيران في استيعاب تداعيات ما سمتها دولة الاحتلال ''الضربة الاستباقية''، فقد كان مؤلماً بالنسبة إليها فقدان نخبة من قياداتها العسكرية والأمنية وعلمائها وخبرائها النوويين، وضربُ عدة منشآت نووية وعسكرية ومواقع إطلاق الصواريخ، لكنّها، في الوقت نفسه، نجحت في نقل المعركة، أو على الأقلّ جزء منها، إلى العمق الإسرائيلي، وهو ما يعدُّ اختباراً عسيراً لعقيدة الجيش الإسرائيلي، الذي خاض معظم حروبه، مع محيطه العربي، بعيداً من عمقه الاجتماعي، الذي ينبغي أن يبقى مؤمَّناً، بما يتّسق مع السردية الصهيونية التي وعدت اليهود بدولة ومجتمع آمنَيْن يعيشون فيها. كانت لافتة مشاهد الدمار والرعب التي عاشتها مدن وبلدات إسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، نتيجة الهجوم الذي شنّته إيران بالصواريخ والمسيّرات، نجح عددٌ غير يسير منها في اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي وضرب أهدافها.
إيران طبّقت بالحرف استراتيجية ''أحسن طريقة للدفاع هي الهجوم"، بمعنى أنها أدركت أن انتكاسة معظم حلفائها في الإقليم تعدُّ فرصةً تاريخيةً لن تتكرّر بالنسبة لدولة الاحتلال، ليس لضرب مشروعها النووي فقط، بل أيضاً لضرب جبهتها الداخلية، بشكلٍ يفسح المجال أمام انتفاضة شعبية في وجه نظام الملالي، يؤججُها وضعٌ اقتصاديٌّ ومعيشيٌّ متدهور ناجمٌ عن العقوبات الاقتصادية الغربية، وارتفاع تكاليف السياسات الإيرانية في الإقليم. أدركت إيران ذلك، وبات الهجوم على العمق الإسرائيلي الورقة الوحيدة التي تتجنّب من خلالها، أولاً حدوثَ شرخ داخلي قد لا تتحمّل تداعياته في هذه الظرفية الدقيقة، وثانياً إعادةَ موضعة موقعها في مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة، بعد أن تكون دولة الاحتلال قد أخفقت في استخلاص العوائد السياسية من هجومها عليها.
يتوقف مآل المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل على مدى قدرة الطرفَين على الاستمرار في تحمّل التكاليف الاقتصادية والسياسية الناجمة عن الحرب، مع الأخذ بالاعتبار أن دولة الاحتلال تتمتّع بدعم أميركي وغربي كامل على صعيد ضرورة وأد التطلّعات النووية الإيرانية، بما يحافظ على تفوّقها العسكري (الاستراتيجي) في الإقليم. ليس في مصلحة دولة الاحتلال وقف الحرب، لأن ذلك سيكون (وفق المنظور الإسرائيلي) انتكاسةً استراتيجيةً، وسيمنح إيران هامشاً آخرَ لربح مزيد من الوقت، وتحسين موقعها التفاوضي في مواجهة الولايات المتحدة.
بيد أن هذه الصورة قد تتغيّر كلّياً إذا ما قرّرت الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها لإيران. ذلك أن انضمامها إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية على إيران قد يؤدّي إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة في امتداد رقعة الشرق الأوسط.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
حين تتحوّل الأجهزة الأمنية عبئاً على النظام
أطلّ شاه إيران من طائرته، التي حملته عام 1979 خارج قصره، على الحشود المجتمعة لإسقاط نظامه، سائلاً: "كلّ هؤلاء ضدّي؟"، مع العلم أن منظّمة الاستخبارات والأمن القومي (سافاك) كانت من أهم أجهزة الاستخبارات في العالم. فهل فشل هذا الجهاز (على جبروته) في رصد إرهاصات الثورة وقمعها في مهدها، كما تفعل الأجهزة الأمنية للأنظمة الشمولية؟ أم أنه تآمر على إخفاء تنامي قوة المعارضة؟ (مع العلم أن جهاز استخبارات الشاه حُلّ مع نجاح الثورة الإيرانية). لعلّ هذا لسان حال القيادة الإيرانية وهي ترى هذا الاختراق الأمني الكبير: "كلّ هؤلاء الخونة في بيوتنا؟"، مع العلم أن جهاز الاستخبارات الحالي لا يُدير عملياتٍ ضخمةً وواسعة النطاق في الخارج فقط، في دول مختلفة، منها لبنان وسورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، بل أنشأ مؤسّساتٍ تحبس أنفاس الإيرانيين في الداخل. بل بلغت وزارة الاستخبارات درجةَ إحداث رقم ثلاثي يمكن لكلّ مواطن إيراني أن يتّصل به للإبلاغ عن أيّ نشاط مشبوه. وأعلنت الاستخبارات الأميركية، حسب تقرير المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن أجهزة الاستخبارات التابعة للوزارة تضمّ عشرات آلاف من الموظّفين. مع ذلك، حدث الاختراق بشكل واسع، وكان شبه مستحيل. الآن مع الاختراق العميق لصفوفها، تقوم الأجهزة الاستخباراتية بتصفيات عشوائية. فلا الوقت ولا الظرف مناسبان للتحقيق في المسؤول عن الاختراقات. إيران تآكلت من الداخل، ولا يمكن إلقاء اللوم على استعداد "العملاء" للخيانة، بقدر ما هي تداعيات نظام قمع فضّل الحفاظ على أسسه على حساب الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو درسٌ لا ينفكّ يتكرّر لكلّ الأنظمة؛ أن قمع الشعوب لن ينفعها معه (في الأيام السوداء) لا حلفاء خارجيون ولا أموال مكدّسة، لأن انهيار الأنظمة يأتي من الداخل. أمّا الحسابات الإقليمية والدولية فستخذلها عند أول فرصة، وهذا ما حدث مع بشّار الأسد، فسقوطه كان سهلاً للغاية عام 2011، لولا التدخّل الأجنبي الذي أسنده إلى حين انتفت الحاجة إليه. وإذا كنا نظّن أن الهجوم على إيران انطلق اليوم فنحن على خطأ، لأنه بدأ منذ سنوات، وساهم فيه الخطأ الإيراني القاتل بدخول الأزمات المجاورة وخوض حروبٍ بالوكالة مع أطرافٍ تخوض الحروب أيضاً بالوكالة، ما أسهم في خلخلة البناء الاستخباراتي، وانكشاف أماكن نشاط القادة وعيشهم ومراكز القوة العسكرية. ولأن تجاوز البناء المعقّد للدولة الأمنية الإيرانية ليس بهذه السهولة، بُنيت الحرب على مراحل، وبدأت بتحييد حزب الله أقوى أسلحة إيران الإقليمية، الذي كان شوكةً في خاصرة إسرائيل، وكان من الضروري إضعافه باغتيال قادته، ثمّ إسقاط جبهة سورية نهائياً لمنع إيران من استعمالها ضدّها. وهكذا جُرّدت من أذرعها ومن عيونها وآذانها بالتدريج. كلّ ما كان ينقص السيناريو شخص أهوج مثل دونالد ترامب في رأس البيت الأبيض، لتعيث إسرائيل في الأرض فساداً. رغم أنه صعد على أكتاف خطابٍ انتخابيٍّ يدعو إلى الانشغال بالداخل الأميركي، بدل خوض الحروب في العالم. لكنّه وجد الحلّ، أن يموّل الحرب من أطرافٍ غير بلاده، حتى يُسكِت الأصوات التي قد تتحدّث عن كلفة الحرب، فملأ جيوبه في جولته الخليجية، وعاد فرحاً غير قلق من شيء، ليعطي الضوء الأخضر لعمليات الحساب والعقاب، والتحييد والتهديد. عامل آخر كانت تنتظره إسرائيل، مدى صلابة الرأي العام العالمي تجاه عنفها الدموي، وكانت حربها في غزّة بمثابة الضوء الأخضر لهذا الرأي، الذي بارك الإبادة، ولم يحرّك ساكناً للضغط على إسرائيل. ولو فعل، لأوقفت حربها على غزّة على الفور، فهي، رغم مظهرها الجنوني المسعور، قائمة على ضوء أخضر عالمي لأميركا بتصفية ما زرعته من نزاعات الشرق الأوسط، كي لا يتبقّى سوى شرق أوسط ناعم عديم الشوك، تتمدّد فيه إسرائيل كما تشاء، بعد أن حقّقت أكبر اختراق في تاريخها حين طبّعت مع دولٍ في العلن مثل الإمارات، وتحت الطاولة مع السعودية. لقد تجاوزت الرفض السياسي والديني والشعبي، ولم يعد أمامها سوى إيران، لتقطع رؤوس الشرق الأوسط يانعةً أو كامنةً، وليت من تبقّى يعتبر.


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
معركة إيران أم معركتنا؟
إذا قال دونالد ترامب علناً إنه قرّر تأجيل الهجوم الأميركي على إيران، فالراجح أنه يكون قد اقترب من شن العدوان سرّاً وخلسة وغدراً، والظن أن طهران تعي ذلك جيداً. يتعامل العالم مع شخصٍ فقير سياسيّاً وأخلاقيّاً يقود الإمبراطورية الاستعمارية الأكبر في اللحظة الراهنة بعقلية قرصانٍ محترف، يتظاهر بالكمون إذا رغب في الانقضاض، ويتحدّث عن السياسة بإفراط قبل أن يمارس البلطجة ويرتكب جريمة، وهو ما يفعله مع إيران منذ دعاها إلى التفاوض في عُمان، وأشاع مناخاً من التفاؤل السياسي الناعم، بينما كان في الواقع ينفّذ واحدةً من أبشع عمليات الاستدراج والخداع، متوهّماً أنه يخدّر طهران بجرعةٍ مدمّرةٍ من مذهبات الحذر، ثم يرسل الإشارة إلى كلبه العقور كي ينقض خلسًةً وغدراً وينفذ عدواناً شاملاً، ثم يتعرّى من كل أقنعته وأرديته الدبلوماسية ليصفّق للجريمة، ويشيع أنها كسرت إيران ولن تقوم لها قائمة بعد اليوم. ما حدث أن طهران، بعد اغتيال الطبقة العليا من القيادات العسكرية والعلماء، لملمت جراحها ونهضت من تحت الركام، وأظهرت قوتها العسكرية والنفسية والأخلاقية، وبتصاعد تدريجي دقيق أثبتت قدرتها القتالية دفاعاً وهجوماً، وأذاقت المعتدي ما لم يكن يتوقعه في أسوأ كوابيسه، لكن الأهم أنها تركت العالم في حالة انكشافٍ كاملٍ من دون مساحيق أو أقنعة، ليتّضح أن الإمبراطوريات الكبرى لا تزال تغوص في وحل الزمن الاستعماري الاستعلائي، محتفظة بالنظرة القديمة للشرق. هنا تُستعاد مجدّداً مفردات المعاجم التي حسبناها بليت واندثرت، لتفاجئنا ألمانيا الفلاسفة العظام والتنويريين الكبار بأنها لا تزال هناك عالقة في "سيكولوجيا الحملة"، لكنها هذه المرّة تأخذ طوراً "صهيو صليبيّاً" فتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن مصدر ألماني إن "مستشار ألمانيا جدّد لنتنياهو دعمه الحملة، لكنه أكّد ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي" هو الشخص نفسه الذي أظهر امتنانه للقذارة الصهيونية العظيمة في الحرب على إيران. لم يقتصر هذا الانكشاف على الغرب الاستعماري القديم، بل طال أيضاً حكومات الشرق وريثة المستعمرات القديمة، إذ لا تختلف"سيكولوجيا التبعية والرضوخ" عن مثيلتها عند الأسلاف الذين كانوا يعلفون خيل المستعمر ويجلسون تحت قدميه في حروب المحورين، طلباً لرضا المنتصرين وطمعاً في منحهم، إذ ينسلّون من أجداث تاريخ الهوان مرّة أخرى ويحضرون كما استحضرهم شاعر عربي رحل كمداً وقمعاً، محمد عفيفي مطر، إذ يكتب: أرضك مفترقُ تتّسع به أرض الأغيار/ وتعبرُه أمم وجيوش للأقوى/ وعبيد الأقوى ميراث أنت لمن يرثون. يطال الانكشاف الكيان الصهيوني أيضاً ليظهر في صورته الحقيقية، قطعة من أسطول الاستعمار القديم تركت في هذه الأرض عن تخطيطٍ محكم لتؤدّي الوظيفة الإمبريالية القديمة، بطريقةٍ عصريةٍ تماماً في إلزام الشرق عصور التخلف والتبعية وحلب ثرواته بأسلوب عصري أيضاً يتخذ مرّة اسم الشراكة، وأخرى يعطونه مسمّى التحالف، الذي يحعل الجميع أسرى العلاقة الشاذّة مع كيان يحتل الجغرافيا والتاريخ، ويريد أن يصبح وصيّاً على الشرق الجديد. هنا معضلة إيران التي بقيت وحيدًة تمثل الشرق الأوسط كما خلقه الله وعاش فيه أهله الأصليون، قوة إقليمية جذورها ممتدّة في عمق تاريخ المشرق، قرّرت أن تقوم بما كان يجب أن يقوم به العرب، لكنهم تقاعسوا عنه، بسعادةٍ تليق بالمنتحرين بحبوب الهلوسة، وسلّموا أمرهم لكيانٍ لقيطٍ تحت لافتاتٍ زائفة وشعارات فاسدة، مثل التي أخرج بها أنور السادات مصر من معادلات الإقليم، وظلت تتردّى حتى باتت تنتظر من العدو"مكافأة عجز" في صورة شحنة غاز طبيعي، ليظهر مجرم الحرب بنيامين نتنياهو على المسرح، ليعلن"بعد قيام إسرائيل واجهنا عالما عربيا موحدا وفرقناه تدريجيا". الآن لم تبق إلا إيران تتصدّى لمشروع ابتلاع المنطقة في جوف ترامب المسكون بالحلم الكهنوتي القديم، وتابعه الصهيوني الغارق في أوهامه التلمودية. إيران الآن تخوض معركتنا التي هربنا منها.


BBC عربية
منذ 3 ساعات
- BBC عربية
هل كانت إيران على بُعد أشهر من إنتاج قنبلة نووية؟
ضربت إسرائيل عدة منشآت نووية في إيران ضمن حملة جوية واسعة النطاق، وصفها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنها ضرورية "لدحر التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل". فبعد أن ألحقت الموجة الأولى من الهجمات يوم الجمعة أضراراً بمنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم واغتالت علماء نوويين بارزين، صرّح نتنياهو بأن إسرائيل تحركت لأنه "حال عدم إيقافها، فقد تتمكن إيران من إنتاج سلاح نووي في وقت قصير جداً". وحذر قائلاً: "قد يستغرق الأمر عاماً. وقد يستغرق بضعة أشهر". وقال عباس عراقجي وزير الخارجية الإيراني، يوم الأحد، إن إسرائيل "تجاوزت خطاً أحمر جديداً في القانون الدولي" بمهاجمتها مواقع نووية، وإن إيران أطلقت صواريخ وطائرات مسيرة باتجاهها رداً على ذلك. ويصرّ عراقجي على أن البرنامج النووي الإيراني سلمي، وأن عقيدة بلاده تقوم على "الإيمان الراسخ بحظر الأسلحة النووية وعدم شرعيتها". وهناك اعتقاد واسع النطاق بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، على الرغم من أنها لا تؤكد ذلك أو تنفيه. هل هناك أدلة على أن إيران تمتلك برنامجاً للأسلحة النووية؟ عندما استُهدف نطنز، قال نتنياهو إن إسرئيل "ضربت قلب برنامج التسلح النووي الإيراني"، وإن العلماء النوويين الذين قتلتهم كانوا "يعملون على القنبلة الإيرانية". وصرّح الجيش الإسرائيلي بأنه جمع في الأشهر الأخيرة معلومات استخباراتية تُظهر إحراز "تقدم ملموس" في جهود النظام الإيراني لإنتاج مكونات أسلحة مُعدّة لقنبلة نووية، بما في ذلك نواة معدنية من اليورانيوم ومُحفّز مصدر نيوتروني لإحداث الانفجار النووي. في المقابل، صرّحت كيلسي دافنبورت، مديرة سياسة منع الانتشار النووي في جمعية الحد من الأسلحة الأمريكية، لبي بي سي يوم الجمعة، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي "لم يُقدّم أي دليل واضح أو قاطع على أن إيران على وشك التسلح النووي". وتابعت: "إيران في حالة عجز نووي شبه منعدم منذ أشهر"، في إشارة إلى الوقت الذي ستستغرقه إيران للحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة إذا رغبت في ذلك. وأضافت أن "التقديرات التي تشير إلى أن إيران قد تُطوّر سلاحاً نووياً بدائياً في غضون بضعة أشهر ليس جديداً". وقالت إن بعض الأنشطة النووية الإيرانية قد تُستخدم لتطوير قنبلة نووية، إلّا أن الاستخبارات الأمريكية خلُصت إلى أن إيران ليست منخرطة في أعمال تسليح رئيسية. وفي مارس/ آذار الماضي، قالت تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، للكونغرس بأن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بلغ "أعلى مستوياته"، وأنه "غير مسبوق بالنسبة لدولة لا تملك أسلحة نووية". ومع ذلك، قالت غابارد إن أجهزة الاستخبارات الأمريكية "تواصل تقييمها بأن إيران لا تصنع سلاحاً نووياً، وبأن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لم يأذن ببرنامج الأسلحة النووية الذي علقه في عام 2003". ماذا نعرف عن البرنامج النووي الإيراني؟ لطالما أكدت إيران أن برنامجها النووي سلمي تماماً، وأنها لم تسعَ قط إلى تطوير سلاح نووي. ومع ذلك، فقد توصل تحقيقٌ أجرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مدى عقدٍ من الزمان إلى أدلةً على أن إيران أجرت "مجموعةً من الأنشطة ذات الصلة بتطوير جهازٍ نوويٍّ متفجر" منذ أواخر الثمانينيات وحتى عام 2003، حين أوقفت المشاريع التي كانت تُعرف باسم "مشروع آماد". واستمرت إيران في بعض أنشطتها حتى عام 2009، عندما كشفت القوى الغربية عن بناء منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض. لكن بعد ذلك لم تظهر "مؤشرات موثوقة" على تطوير أسلحة، وفقاً للوكالة. وفي عام 2015، توصلت إيران إلى اتفاق مع ست قوى عالمية، قبلت بموجبه قيوداً على أنشطتها النووية، وسمحت بمراقبة صارمة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل تخفيف العقوبات المُرهِقة. وفُرِضت القيود الرئيسية على إنتاج إيران لليورانيوم المخصب، الذي يُستخدم في صنع وقود المفاعلات النووية، وكذلك في صنع الأسلحة النووية. وشملت هذه القيود عدم تخصيب اليورانيوم فوق درجة نقاء 3.67 في المئة، وتشغيل أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول فقط، التي تُدوّر غاز سادس فلوريد اليورانيوم بسرعات عالية للغاية، بالإضافة إلى وقف التخصيب في منشأة فوردو تحت الأرض. ومع ذلك، فقد انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق خلال ولايته الأولى عام 2018، قائلاً إنه لم يُسهم إلا قليلاً في وقف مسار امتلاك قنبلة نووية، وأعاد فرض العقوبات الأمريكية. وردّت إيران بانتهاكات متزايدة للقيود، لا سيما تلك المتعلقة بالتخصيب. فإلى جانب إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، استخدمت أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً واستأنفت التخصيب في فوردو. وفي اليوم السابق لشن إسرائيل حملتها الجوية، أعلن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المؤلف من 35 دولة، رسمياً انتهاك إيران لالتزاماتها بمنع الانتشار النووي، وذلك لأول مرة منذ 20 عاماً. وقالت إيران إنها سترد على القرار بإنشاء منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم في "موقع آمن" والاستعاضة عن أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول في فوردو بأجهزة من الجيل السادس. ما هو الضرر الذي ألحقته إسرائيل بالبنية التحتية النووية الإيرانية؟ في الجمعة الماضية، قال الجيش الإسرائيلي إن جولته الأولى من الغارات الجوية ألحقت أضراراً بقاعة أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض في نطنز، بالإضافة إلى البنية التحتية الحيوية التي تُمكّن الموقع من العمل، دون تقديم أي دليل. وصرح رافائيل غروسي بأن الهجوم دمّر الجزء العلوي من محطة تخصيب الوقود التجريبية (بي إف إي بي)، حيث كانت سلاسل أجهزة الطرد المركزي تُنتج اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60 في المئة، كما دمّر البنية التحتية الكهربائية في الموقع. وأضاف أنه رغم عدم وجود أي دليل على وقوع هجوم مادي في قاعة الطرد المركزي تحت الأرض التي تضم جزءاً من منشأة تخصيب الوقود التجريبية والمنشأة الرئيسية لتخصيب الوقود، إلا أنه من المرجح أن يكون الضرر الذي لحق بالبنية التحتية الكهربائية قد أثر بشكل كبير هناك. وقال لبي بي سي: "تقييمنا يشير إلى أنه مع هذا الانقطاع المفاجئ في التيار الكهربائي، يُرجَّح بقوة أن تكون أجهزة الطرد المركزي قد تضررت بشدة، إن لم تُدمَّر بالكامل". وأضاف: "حدثت أضرار داخلية بالموقع، ولم تُدمَّر بشكل مباشر نتيجة هجوم مادي أو ضربة فيزيائية". جدير بالذكر أن أجهزة الطرد المركزي آلات هشة ودقيقة التوازن، وأي مشكلة صغيرة، كانقطاع التيار الكهربائي، قد تجعلها تدور بشكل خارج عن السيطرة، فقد تصطدم أجزاؤها ببعضها البعض وتتسبب في إتلاف سلسلة كاملة من أجهزة الطرد المركزي. أشار غروسي أيضاً إلى وجود تلوث إشعاعي وكيميائي في الموقع، إلّا أن مستوى النشاط الإشعاعي في الخارج ظلّ دون تغيير وفي مستوياته الطبيعية. وأوضح أن خطر الإشعاع هناك -الذي يتكون أساساً من جسيمات ألفا-، يمكن التحكم فيه بفعالية من خلال التدابير الوقائية المناسبة، كأجهزة التنفس الصناعي. وبيّن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن أربعة مبانٍ دُمرت في هجوم منفصل يوم الجمعة الأسبوع الماضي، على مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية، وهي المختبر الكيميائي المركزي، ومحطة تحويل اليورانيوم، ومحطة تصنيع وقود مفاعل طهران، ومنشأة لتحويل سادس فلوريد اليورانيوم إلى معدن اليورانيوم، كانت قيد الإنشاء. وأضاف أن مستويات الإشعاع خارج الموقع، كما هو الحال في نطنز، لا تزال دون تغيير. وقال الجيش الإسرائيلي إن غارة أصفهان "أدت إلى تفكيك منشأة لإنتاج اليورانيوم المعدني، وبنية تحتية لإعادة تحويل اليورانيوم المخصب، ومختبرات، وبنية تحتية إضافية". وفيما يتعلق بأصفهان، صرّح غروسي لبي بي سي بوجود "مواقع تحت الأرض أيضاً، لا يبدو أنها تأثرت". وفي منشأة فوردو، قال إن "الأضرار المسجلة محدودة للغاية، إن وُجدت". ونقلت وكالة أنباء "إسنا" الإيرانية شبه الرسمية عن متحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (إيه إي أو آي) قوله يوم السبت الماضي، إن "أضراراً محدودة لحقت ببعض المناطق" في فوردو إثر هجوم إسرائيلي. مع ذلك، لم يؤكد الجيش الإسرائيلي تنفيذ أي ضربات هناك. وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الأربعاء بتلقيها معلومات تفيد باستهداف منشأتين لإنتاج أجهزة الطرد المركزي، وهما ورشة تيسا كرج ومركز أبحاث طهران. وأضافت: "في موقع طهران، أُصيب مبنى كان يُستخدم لتصنيع واختبار دوارات أجهزة الطرد المركزي المتطورة. وفي كرج، دُمّر مبنيان كانا يُستخدمان لتصنيع مكونات مختلفة لأجهزة الطرد المركزي". وصرّح الجيش الإسرائيلي بأن طائراته المقاتلة ضربت مواقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي، بالإضافة إلى "مواقع بحث وتطوير تابعة لمشروع تطوير الأسلحة النووية للنظام الإيراني". وقالت دافنبورت إن الضربات على نطنز من شأنها أن تزيد من "مدة الوصول إلى القدرة النووية" لدى إيران، لكن "لن يكون لدينا صورة واضحة عن مدى سرعة استئناف إيران للعمليات هناك أو ما إذا كانت إيران قادرة على تحويل اليورانيوم حتى تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى الموقع". وتوقعت استهداف فوردو إذا أرادت إسرائيل عرقلة البرنامج النووي الإيراني، موضحة بقولها "ما دام موقع فوردو قيد التشغيل، فإن إيران لا تزال تمثل خطراً وشيكاً لانتشار الأسلحة النووية. لدى طهران خيار زيادة التخصيب إلى مستويات صالحة لصنع الأسلحة في الموقع أو تحويل اليورانيوم إلى موقع غير مُعلن". ومع ذلك، بُني موقع فوردو في عمق جبل لحمايته من الغارات الجوية، والولايات المتحدة وحدها هي التي تمتلك قنابل تقليدية "خارقة للتحصينات" قادرة على تدميره. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن العملية ستستمر "لأي عدد من الأيام يتطلبه الأمر للتخلص من هذا التهديد"؛ لكن هذا هدف غير واقعي، وفقاً لدافنبورت. وأضافت: "الضربات قادرة على تدمير المنشآت واستهداف العلماء، لكنها لا تستطيع محو المعرفة النووية الإيرانية. إيران قادرة على إعادة البناء، وبسرعة أكبر الآن من الماضي بفضل تقدمها في تخصيب اليورانيوم".