logo
أفرغتَ يا أبا الوليد؟

أفرغتَ يا أبا الوليد؟

صحيفة الشرقمنذ 2 أيام
372
كلمةٌ لو وُزِنت بثقل الأرض بيانًا، لرجحتها حكمةً وسكينةً ومهابة، لم تكن تلك الكلمة مشهدًا عابرًا في سيرة المصطفى ﷺ، بل كانت درسًا نُقِش في الأرض لأهل الرسالة، ليُعلّمهم كيف يقفون على باب العقول، لا ليكسروها، بل ليطرقوها بلُطف النبوة، وهدوء اليقين، وصبر الواعين.
جلس أبو الوليد عُتْبة بن ربيعة – السياسيّ العريق، والبلاغيّ الفصيح – أمام النبي ﷺ، لا ليُحاور، بل ليُساوم.
أراد أن يشتري الصمت بالنفوذ، وأن يُسكت الوحي بالعرض المغري، وأن يبدّل الرسالة بعرشٍ على الرمال!
‏‏ جلس بنفَس السياسة، وحنكة البيان، وخبرة المفاوضات، لكنّه لم يكن يعلم أنه يجلس بين يدي من أوتي جوامع الكلم، وأوتي معها سكينة الجبل حين تُزمجر العاصفة.
قال عتبة ما شاء، ومضى كما أراد، ونثر على الطاولة كل أوراق الصفقات: مالٌ، ومُلك، ونساء، وجاه، وسلطان.
لكنّ محمداً ﷺ، ما نطق، ولا اعترض، بل تركه حتى أفرغ كلّ ما في جُعبته. ثم التفت إليه، بكل السكينة التي يورثها الإيمان، وبكل الهيبة التي يصوغها اليقين، وقال: «أفرغتَ يا أبا الوليد؟»
فيا من تظن أن الحق لا يُقال إلا بصوتك، تأمّل سكون النبوة في حضرة الباطل! تأمل تلك الكلمة فإنها ليست مجرّد عبارة، بل هي ميزانُ عقول، ودرسُ حياة، ومنهجُ دعوة.
لقد أبانت لنا هذه الكلمة أن الاستماع ليس ضعفًا، بل حُكمٌ من فوق، وأن الحوار لا يُختطف بالصراخ، بل يُبنى على توقير العقل، واحترام الوقت، وإعطاء الفرصة لكل فكرة أن تخرج، حتى تُرى على حقيقتها، ويُكشف غُثاؤها من ذهبها.
من لا يُمهّد لسماع خصمه، لا يُمكن أن يُقيم عليه حجة. ومن لا يصبر على كلام الآخر، لا يملك قلبًا يَسعُه، ولا عقلًا يُقنعه، ولا نفسًا تُحاوره.
الاختلاف في الإسلام ليس لعنة، بل سنة كونية (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُم)
لكنّ الفتنة تنشأ حين لا يُحسن الناس أدبَه. حين لا يصبرون حتى «يفرغ» من يُحدّثهم، ولا يُمهلونه حتى يُتمّ حجّته، ولا يُنصتون إليه إلا ليسقطوه، لا ليفهموه.
حينها تصير الكلمات رصاصًا، والمواقف سكاكين، وتُختزل الدعوة إلى تصنيفٍ وتبديعٍ وتكفيرٍ، وتضيق الأرض بمَن فيها.
ولذلك، فإنّ أولى خطوات النجاة من فتنة الاختلاف هي في أدب الاختلاف، لا في كتمه.
وإنّ من رحمة الله بالأمة أن جعل في سيرة نبيها ﷺ هذا الموقف العظيم، ليكون ميزانًا لا يزيغ، وأصلًا لا ينقض.
فيا من تمسك بزمام الحجة، لا تمضِ فيها بعجلة، بل قف، وقل لصاحبك: «أفرغت؟»، ثم أنصت له، واعلم أن من لم يُحسن الإصغاء، لم يُحسن البيان، ومن لم يُتقن السكوت، لم يُجِد الدعوة.
«أفرغتَ يا أبا الوليد؟»
جملةٌ تختصر الدعوة، وتختبر الأخلاق، وتُفرز من يصلح للبناء، ومن يصلح للهدم.
فليتنا نُعيدها لا جُملةً في الألسنة، بل خلقًا في القلوب، وليتنا نُعلّم أبناءنا كيف يُنصتون، قبل أن يُحسنوا الرد، وليصبح اختلافنا ميزة، لا مِعولًا للهدم.
ولنُوقن، كما أيقن محمدٌ ﷺ، أن الحقّ لا يُخاف عليه من حوار، وأن الباطل لا ينجو من سكوت، وأن النور يعلو، وإن صمت.
فهل نقدر – في زمن الضجيج – أن نقول:»أفرغتَ يا أبا الوليد؟» ثم نُعلّم الناس كيف يختلفون؟ وكيف يتناصحون؟ وكيف يُحاورون دون أن يهدموا الجسور؟
مساحة إعلانية
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بشاير الأحبابي الأولى على القطريات في مدرسة آمنة بنت وهب: أنوي التخصص في الشؤون الدولية لخدمة الوطن
بشاير الأحبابي الأولى على القطريات في مدرسة آمنة بنت وهب: أنوي التخصص في الشؤون الدولية لخدمة الوطن

صحيفة الشرق

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الشرق

بشاير الأحبابي الأولى على القطريات في مدرسة آمنة بنت وهب: أنوي التخصص في الشؤون الدولية لخدمة الوطن

محليات 0 عبرت الطالبة بشاير علي الأحبابي عن سعادتها بتفوقها في الثانوية العامة، مؤكدةً أن هذا الإنجاز هو ثمرة جهد طويل وإيمان راسخ بأن «لكل مجتهد نصيب». وأضافت: «كانت رحلتي مليئة بالدروس والتحديات، وأشكر الله أولًا على هذا التوفيق، ثم أوجه الشكر لوالديَّ وأسرتي الكريمة على دعمهم المتواصل، بالإضافة إلى الكادر التعليمي في مدرستي ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي». وأشارت بشاير إلى أنها تطمح لمواصلة مسيرتها التعليمية والانضمام إلى جامعة قطر، حيث تنوي التخصص في الشؤون الدولية لخدمة وطنها الغالي. كما وجهت الطالبة نصيحة لزملائها المقبلين على الثانوية العامة، قائلة: «أنصحهم بتنظيم الوقت ووضع جدول دراسي يومي، وحضور الحصص الدراسية بانتظام، مع اختيار المسار الدراسي الذي يناسبهم لتحقيق التميز». وتوجهت بشاير برسالة شكر وامتنان لأسرتها، ولجميع معلميها، وكادر وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي على حرصهم المستمر في توفير الدعم والموارد اللازمة لتفوق الطلاب.

فعلاً سيد الخلق
فعلاً سيد الخلق

صحيفة الشرق

timeمنذ 3 ساعات

  • صحيفة الشرق

فعلاً سيد الخلق

138 علي محمد يوسف المحمود إن زيارته عليه الصلاة والسلام، محمد سيد الخلق وشفيعنا يوم الدين، أمر لا شك فيه حيث التقت كل القلوب المؤمنة به والمحبة لسماع سيرته والتلذذ بها حيث تخفق لها كل القلوب بهجةً وفرحاً يغمرها، حيث تلتقي كل الاجساد اصحاب مختلف اللغات واللهجات والمناطق من المعمورة في الشرق والغرب وجميع الجهات، حيث تجدها متوجهة للسلام عليه جاءت من كل تلك الجهات رغم أنها لم تره ولكن وعدت بأنها ان تمت الأخذ بما جاء به عليه الصلاة والسلام ستكون بجواره في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ومن خلال هذا الأمر الذي تغلغل في الأنفس المؤمنة به حق الإيمان لأنه جاء برسالةٍ نزل بها الأمين على الرسالة جبريل عليه السلام وصدق بها كل صاحب عقل متفتح بأن للكون رباً ليس له ثان هو الواحد الأحد جل في علاه، فكم ترى الجموع تتوافد للسلام عليه حتى تكون قريبةً منه في ذلك اليوم الذي يسعد فيه كل إنسان آمن برسالة التوحيد فالجموع التي وجدتها تحققت تلك الدعوة التي امر بها ربنا سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام، وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (صدق الله العظيم) فعلاً جموع تبصر أولها ولا ترى آخرها في زيارة رسولنا الكريم والسلام عليه لأنها دعوة منه من صلى علي صلاةً واحدةً صلى الله عليها بها عشرة، يا لها من مكرمة لكل فردٍ يكون بجواره في مسجده الشريف الذي ذكر عليه الصلاة والسلام انه من المساجد التي تشد لها الرحال ولكل من يسير على ذلك له مضاعف من الأجر والثواب. فكم تنطق ألسنة الحضور الله الله الله ونبيه محمد على الصلاة والسلام بلسان عربي واحد رغم اختلاف لغاتهم ولهجاتهم ولكن بهذا تنطق بلغةٍ عربيةٍ واحدة. فكم هذه الرسالة وحدت الأنفس والألسن لتنطق بلغةٍ واحدة وتجمعهم في احياناً في مكانٍ واحد او أي مكان يتواجدون فيه على هذه البسيطة. ان من يقومون على العناية وخدمة هذا المكان لهم خير من يؤدي مهمته حفظهم الله وبارك في جهودهم فسيد البشر يستحق منا كل خير لأنه وضعنا على الصراط المستقيم فنرجو ان يكون في العليين عند رب العالمين، والمكان يمتاز بكل العناية والنظافة والأمان لكل من وطئت قدماه هذا المكان الطاهر التي تتشرف بوجود جسد سيد الخلق فيها، فما يجب علينا نحنُ الزوار إلا أن نكون خير من يحسن الزيارة لخير البشر ويبدأ بالسلام عليه والصلاة عليه لأننا من الموعودين بخير الجزاء ومضاعفة الأجر جراء ذلك وكم نحنُ بحاجةٍ لهذا في ذلك اليوم الموعود، فالكل منا يتهاتف زائر ومقيم لنيل الدرجة العليا بالقرب من سيد خلق الله. فكل سبل الراحة وجدت حتى نؤدي واجبنا تجاه خالقنا وتجاه رسولنا الكريم والحمد لله، فعلاً طيبة الطيبة التي استقبلته مرحباً بخير عاد. وصدق عليه الصلاة والسلام: عندما قال سيأتي اقوام من بعدكم هم أحبابي وأنتم أصحابي حيث لم يروني ولكنهم صدقوا بما جئتّ به، او كما قال عليه الصلاة والسلام. أرجو أن نكون من أحبائهِ، فالصلاة بمسجده تضاعف الركعة للألف والتقرب منه بالصلاة عليه تكون من أحبابه فهل يوجد أفضل من هذه المكانة والدرجة في زيارته عليه الصلاة والسلام. مساحة إعلانية

فن العيش بامتنان
فن العيش بامتنان

صحيفة الشرق

timeمنذ 3 ساعات

  • صحيفة الشرق

فن العيش بامتنان

111 تخيّل أنك تخرج إلى الشارع وترى الأنوار موشوشة والشوارع غير واضحة. تخيّل أن تأكل الكبسة أو البيتزا- حسب تفضيلك- وتشعر بأن الطعام بلا طعم وكأنه ماء. تخيّل أن تسافر وفي كل مرة لا تستمتع بوقتك وترجع لتقول بإنك تحتاج إجازة بعد الاجازة. تخّيل أن ما قلته هو واقع وليس خيالاً للكثير من الناس. الكثير من الناس يقضون يومهم دون أن يشعروا بحرارة الشمس أو برودة الطقس على جلودهم. الكثير يأكلون ويشربون دون أن يستطعموا ما يأكلونه أو يشربونه. الكثير يخرجون إلى النزهة أو لحضور فيلم في السينما ليرجعوا إلى بيوتهم ضجرين وكأنهم لم يخرجوا قبل قليل. ما السبب؟ قد يعود ذلك إلى الكثير من الأسباب ولكن من أبرز الأسباب الذي سأعرج عليه هنا، هو الافتقار إلى الامتنان وتقدير النعم. الكثير لا يشعر بقيمة ما يملكه وما يعيشه وهذا يجعلهم لا يشعرون بحلاوة الحياة. والدليل عندما نرى انسانا فاقدا لعينه او ساقه أو يده، ويعيش حياته بسعادة، وانسانا يملك عائلته وماله وصحته ولا يزال تعسا. شكر الله والشعور بالامتنان والتقدير اليومي يزيد من سعادة الانسان ويُحسّن من جودة الحياة. الشعور بالامتنان يعزز الطاقة الإيجابية لدى الانسان ويساعده في المضي في الأوقات الصعبة. كيف يمكن للإنسان أن يزيد شعوره بالامتنان في الحياة ليشعر بطعم الحياة من جديد؟ يمكن الشعور بالامتنان عبر كتابة قائمة امتنان يومية مكونة من خمس نقاط على الأقل بأشياء يمتن لها الانسان في حياته وأن يحاول ألا يعيد هذه القائمة في اليوم التالي بل وأن يجد أمورا جديدة يمتن لها، كأن يكتب مثلاً، أنا أمتن أني أستطيع كل يوم أن أذهب وأمشي إلى عملي بدون صعوبات. كما يستطيع الانسان أن يُدخل في محادثاته مع الناس أمورا يمتن لها عندما تأخذ الاحاديث منحى سلبيا، كأن يقول إن تذمر هو أوغيره عن عائلته: الحمد لله أن لدي عائلة تحيط بي ! يجب أن يكون الشكر والشعور بالامتنان أسلوب حياة، ولذلك يحتل الحمد مكاناً كبيراً في ديانتنا الإسلامية. عندما نحمد الله ونشكره على ما نملكه وإن كان قليلا نرتاح ونشعر بطعمه وحلاوته، لأننا نفهم بأننا قد نفقده في أي وقت فقد قال الله تعالى: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» (آل عمران: 140) وقال في موضع آخر: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (26). ولذلك نقدّر كل ما نملكه ونتمسك به ونثق بالله ونتوكل عليه، ونعرف بأن حتى أسوأ أيامنا هي خيّرة وعظيمة لأنها من الله. مساحة إعلانية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store