logo
ثمن التوسع: من أوكرانيا إلى غزة

ثمن التوسع: من أوكرانيا إلى غزة

المغرب اليوم٠٧-٠٤-٢٠٢٥

هل هناك روابط في الفكر الاستراتيجي الليبرالي بين أوكرانيا وغزة؟ بين فكرة السيطرة على غزة، وضم كل من أوكرانيا وجورجيا إلى حلف «الناتو» ضمن عملية التوسع شرقاً؟
تعرفت على هذا النمط من التفكير عام 1997، عندما كنت أعمل أستاذاً للسياسة بجامعة جورج تاون في كلية السياسة الخارجية، حيث كانت هذه الكلية هي مرآب الخارجين من الإدارة الأميركية والمنتظرين للدخول ضمن إدارة أخرى... وكان طبيعياً أن تلتقي أنتوني ليك مستشار الأمن القومي في إدارة كلينتون، أو مادلين أولبرايت، وغيرهما من قادة التفكير بتوسعة «الناتو» في البداية ليشمل دول التشيك والمجر وبولندا من أجل ما سمَّاها ليك «توسعة المجتمع الأطلسي». ولكن كان يحسب لأنتوني ليك أنه كان يرى أن فكرة توسيع «الناتو» يجب أن تُبنَى على «التوسع والانخراط» (enlargement and engagement) وعدم انقطاع الحوار مع روسيا. كان هذا في الجزء الثاني من عقد التسعينات في القرن الماضي، وكانت الجامعة معملاً لهذه الأفكار، تستمتع فيها إلى محاضرات ونقاشات لا تنتهي، وكلها كانت دعايةً لتوسيع «الناتو»، رغم وجود قلة عاقلة من أساتذة السياسة حينها مَن حذَّروا من خطورة هذه التوسعة، ولكن القصة استمرَّت وتَوسَّع «الناتو» ليشمل دول البلقان، ومن بعدها دولاً جديدة على أعتاب روسيا مثل: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وذلك في عام 2004.
في عام 2008، وفي مؤتمر بوخارست فُتحت شهية «الناتو» لضم كل من أوكرانيا وجورجيا للحلف رغم اعتراض دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا، ومع ذلك سار الموضوع قدماً بضغط أميركي، بعد ذلك جاء الرد الروسي بضم جزيرة القرم عام 2014، ثم الحرب الشاملة على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، والورطة مستمرة إلى الآن.
ولكن ما علاقة ذلك بما يجري في منطقتنا والعدوان الإسرائيلي على غزة وجيرانها؟ إضافة إلى التوسُّع على الأرض في فلسطين؟
العلاقة تبدو واضحة بالنسبة لي! بالقرب من مكتب أنتوني ليك في جورج تاون، كان هناك فريق آخر من إدارة كلينتون يتحدَّث عن حل القضية الفلسطينية على طريقة المقايضة الكبرى، التي قيل إنَّ عرفات رفضها، ولكن في غرف أخرى أو على بعد خطوات في شارعَي M ستريت، وk ستريت، كانت نقاشات أخرى تقول إنَّ الفلسطينيين حصلوا على دولتهم وهي الأردن، أما الباقي فهو إرث إسرائيل التاريخية. وكانت فكرة التوسُّع والانخراط مع بوتين هي ذاتها مع عرفات... فقط اختلاف الأماكن والتكتيك.
ما نراه اليوم في فلسفة نتنياهو من التطهير العرقي، وحوار القوة في غزة ولبنان وسوريا (التوسع) مصحوباً بمحاولة التطبيع (الانخراط في حوار مع الجوار) ينطلق من الجذور الفلسفية ذاتها التي تبنتها مجوعة إدارة كلينتون التي بدت وكأنَّها من الحمائم تجاه القضية الفلسطينية يومها.
ثم جاء 11 سبتمبر (أيلول) وعهد جورج بوش الابن، وقرَّر نتنياهو أن يحمل أجندة إسرائيل في المنطقة على العربة الأميركية أو الدبابة الأميركية التي ستشق غبار الشرق الأوسط، وبدايتها كانت في العراق عام 2003. ومن يومها ونتنياهو يقود العربة الأميركية في الشرق الأوسط.
العربة الأميركية في توسعة «الناتو» انقلبت في أوكرانيا، والتهمت الحريق الروسي الذي نراه منذ عام 2022، وذلك سيكون مصير العربة الأميركية في الشرق الأوسط، رغم عدم وجود روسيا التي تقف ضدها.
العربة الأميركية اليوم المتجهة نحو إيران لن تجد الحائط الروسي ذاته الذي صدها في أوكرانيا، وإنما ستدخل نفق الانزلاق السياسي في بيئة تتطاير فيها القذائف، وفي الوقت نفسه لا توجد قنوات دبلوماسية مغلقة تستطيع التهدئة.
في معظم الحروب، حتى الحرب الباردة، كانت دائماً هناك قنوات دبلوماسية لتقليل التوتر، هذه القنوات تكاد تكون منعدمةً في الشرق الأوسط اليوم أو فاشلة، كما رأينا في محاولات التوصُّل لوقف إطلاق نار في غزة، ومن هنا تكون فكرة الانزلاق واردةً، ويصبح انضمام أطراف، عن دون قصد، إذا ما حدثت ضربة لإيران إلى المشهد، وارداً أيضاً.
المنطقة تتَّجه إلى الانزلاق، والعربة دون كوابح، والأبواب الدبلوماسية الخلفية كلها تقريباً مسدودة.
مستقبل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو ذاته في أوكرانيا اليوم. فثمن التوسُّع الإسرائيلي سيكون غالياً على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وله تبعات على أعمدتها الثلاثة المعروفة، مثل أمن الطاقة، وأمن إسرائيل، ومحاربة الإرهاب. التكلفة أعلى ممَّا تتصوره أروقة السياسة في واشنطن والعواصم الأوروبية. فالغباء الاستراتيجي واحد في الحالتين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مقاتلات مغربية وقاذفة نووية أمريكية في سماء طانطان
مقاتلات مغربية وقاذفة نووية أمريكية في سماء طانطان

الأيام

timeمنذ 20 ساعات

  • الأيام

مقاتلات مغربية وقاذفة نووية أمريكية في سماء طانطان

اختُتمت مناورات 'الأسد الإفريقي 2025' بمشاركة القوات المسلحة الملكية المغربية ونظيرتها الأمريكية، في مصب واد درعة شمال طانطان. التمرين، الذي جرى تنفيذه بتعليمات من الملك محمد السادس، شهد تدريبات جوية وبرية شملت محاكاة مواجهة عدو افتراضي، استخدام طائرات F16، قصف HIMARS، وتدخلات القوات الخاصة. وشملت المناورات أيضاً دعماً لوجيستياً، كإجلاء المصابين وإعادة تأهيل العربات. وشارك في الحفل الختامي كل من المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، وقائد 'أفريكوم'، إلى جانب مسؤولين مغاربة وأمريكيين أكدوا أهمية التمرين في تعزيز التعاون الاستراتيجي. النسخة الـ21 من التمرين انطلقت في 12 ماي، وامتدت لتشمل عدة مناطق بالمغرب، بمشاركة أكثر من 10 آلاف جندي من عدة دول ومنظمة الناتو، وتضمنت أنشطة إنسانية وتداريب متقدمة في مجالات قتالية وكيميائية وبيولوجية. ويهدف 'الأسد الإفريقي' إلى تطوير التنسيق العسكري المتعدد الجنسيات وتعزيز الأمن الإقليمي.

صحيفة أمريكية: دعم جزائري–إيراني يمكّن البوليساريو من التحول إلى فاعل تخريبي إقليمي
صحيفة أمريكية: دعم جزائري–إيراني يمكّن البوليساريو من التحول إلى فاعل تخريبي إقليمي

برلمان

timeمنذ 3 أيام

  • برلمان

صحيفة أمريكية: دعم جزائري–إيراني يمكّن البوليساريو من التحول إلى فاعل تخريبي إقليمي

الخط : A- A+ إستمع للمقال أعلن النائب الجمهوري جو ويلسون، في أبريل الماضي، عزمه تقديم مشروع قانون يصنّف 'جبهة البوليساريو' المدعومة من الجزائر منظمة إرهابية، في خطوة تهدف إلى لفت انتباه إدارة ترامب إلى ما تعتبره تهديدا مباشرا على الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وذلك وفقا لتقرير نشره موقع 'The Daily Signal'. التقرير أشار إلى أن مقاتلي البوليساريو باتوا يستخدمون طائرات مسيّرة من صنع إيراني، ويتعاونون مع قوافل تموين تخدم وكلاء روسيا في منطقة الساحل، كما يفرضون ضرائب على شبكات التهريب التي تموّل جماعات جهادية ناشطة هناك. إذ يعود آخر اعتداء مباشر للجبهة على مواطنين أمريكيين إلى سنة 1988، حين أسقطت صواريخ البوليساريو طائرتين تابعتين للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مما أودى بحياة خمسة أمريكيين، في حادثة لم تترتب عنها أي عقوبات، حسب التقرير ذاته. وبحسب 'The Daily Signal'، فإن استئناف الجبهة لأعمالها العسكرية منذ انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2020، شكّل نقطة تحوّل خطيرة، حيث شنت هجمات صاروخية على طول الجدار الأمني المغربي، وهددت منشآت اقتصادية وقنصليات أجنبية. ويعتمد النفوذ العسكري والسياسي للجبهة، وفقا للمعطيات ذاتها، على ثلاث ركائز: دعم جزائري مستمر، دعم لوجستي وتكنولوجي من إيران، وتغلغل داخل شبكات اقتصاد غير شرعي يموّل الإرهاب في الساحل. وتؤكد مصادر التقرير أن الجزائر توفّر ملاذا آمنا لمعسكرات البوليساريو قرب تندوف، خارج نطاق أي رقابة دولية، ما يمكّنها من تخزين الأسلحة وتطوير الشراكات مع فاعلين خارجيين مثل إيران وروسيا. كما تتحمّل الجزائر، حسب 'The Daily Signal'، التكاليف التشغيلية للجبهة، من أجور القيادات إلى نفقات الدعاية، دونها لما أمكن للبوليساريو الاحتفاظ بتركيبتها العسكرية الحالية. وتقدّر التقييمات الدفاعية، التي نقلها التقرير، عدد المقاتلين الفاعلين بنحو 8000، لكن قدرة المعسكرات قد تصل إلى 40 ألف عنصر، ما يُثير مخاوف من استقطاب هذه الفئة من قبل التنظيمات الإرهابية في المنطقة. ويعود تاريخ العلاقة بين إيران والبوليساريو إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث نشرت صور في 1980 تُظهر مقاتلي الجبهة يرفعون صور الخميني، وهو ما اعتُبر مؤشراً مبكراً على تقاطع أيديولوجي، حسب المصدر نفسه. وحسب ما أوردته 'The Daily Signal'، فإن ثلاثة ضباط من حزب الله زاروا تندوف عام 2018 لتدريب مقاتلي الجبهة، أحدهم متورط في الهجوم على قاعدة كربلاء في العراق سنة 2007. وفي 2022، أعلن ما يسمى 'وزير داخلية' البوليساريو أن مقاتليه يتدربون على استخدام طائرات مسيّرة هجومية، وهو ما تأكد بعد نشر صور لذخائر إيرانية الصنع استخدمت في هجوم بمدينة السمارة خلف ثلاثة قتلى، بحسب ما أفادت به مصادر إعلامية محلية ونقلها التقرير. كما أشار التقرير إلى تنسيق متزايد بين الجبهة وحزب الله بشأن تطوير القدرات العملياتية، معتمدا على تسريبات استخباراتية نشرتها صحيفة دي فيلت الألمانية. إذ في الجانب الروسي، شارك ممثلون عن البوليساريو منذ 2015 في أنشطة مناهضة للغرب بتمويل روسي، خاصة من خلال حركة يشرف عليها ألكسندر إيونوف، الذي اتُّهم من قبل القضاء الأمريكي بالعمل لصالح جهاز الاستخبارات الروسي 'FSB'، وفقا للمصدر نفسه. وتُظهر وثائق تعود لسنة 2016 وجود ممثل الجبهة في موسكو إلى جانب مقاتلين من ميليشيات شرق أوكرانيا، نفس التشكيلات التي استُخدمت لاحقًا في سوريا عبر مجموعة 'فاغنر'، حسب التقرير. وبهذا، يحوّل التداخل بين البوليساريو وشبكات التهريب العابر للصحراء الجبهة، بحسب 'The Daily Signal'، إلى لاعب مركزي في نقل المخدرات والأسلحة، ما يدر عليها عائدات تُستخدم لتمويل جماعات مرتبطة بالقاعدة. ويذكر التقرير أن عدنان أبو الوليد الصحراوي، زعيم 'داعش' في الصحراء الكبرى، تلقى تدريبه في معسكرات البوليساريو قبل أن يقود عمليات دموية في مالي والنيجر. كما نقل التقرير تهديدات صريحة صادرة عن الجبهة في 2021 ضد شركات إسبانية عاملة بالصحراء، مثل 'سيمنس غاميسا'، ما يهدد مصالح اقتصادية غربية كبرى. وفي أبريل 2025، أعلن مسؤول في الجبهة أن أي أجنبي يزور الصحراء لن يُعد 'مدنيا بريئا'، في لهجة عدائية تُبرز تحولا في خطاب الجبهة نحو التهديد الصريح، وفقًا لما رصده التقرير، حيث يتقاطع هذا التصعيد مع تهديد إيراني مباشر أطلقه الجنرال محمد رضا نقدي بإمكانية إغلاق البحر المتوسط ومضيق جبل طارق في حال استمرار الضغط الغربي على طهران، ما يؤكد، حسب التقرير، دور البوليساريو كورقة إيرانية استراتيجية على ضفة المتوسط. فيما يرى كاتبا التقرير أن الولايات المتحدة مطالبة بالجمع بين الدعم الدبلوماسي للمغرب وبين تحرك أمني حازم، من خلال تصنيف الجبهة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، بموجب الأمر التنفيذي 13224. واختتم التقرير بالتشديد على أن تجاهل هذا التهديد، كما حصل سنة 1988، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، داعيا الإدارة الأمريكية إلى التحرك الفوري لتطويق الخطر المتصاعد الذي تمثله البوليساريو في منطقة استراتيجية محورية.

'الصحراء المغربية في ميزان السياسة الدولية: كيف أعادت الرباط رسم خارطة المواقف العالمية؟'
'الصحراء المغربية في ميزان السياسة الدولية: كيف أعادت الرباط رسم خارطة المواقف العالمية؟'

أكادير 24

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • أكادير 24

'الصحراء المغربية في ميزان السياسة الدولية: كيف أعادت الرباط رسم خارطة المواقف العالمية؟'

تُظهر التحولات المتسارعة التي يعرفها النظام الدولي اليوم أن النزاعات الإقليمية لم تعد تُقرأ بمنظار الشعارات القديمة، بل من خلال مقاربات عملية تُراعي الاستقرار، الأمن، والتنمية. وفي هذا السياق، تبرز قضية الصحراء المغربية كواحدة من أبرز النماذج التي انتقلت من نزاع سياسي مُزمن إلى ملف استراتيجي تُعاد فيه صياغة المواقف وفق منطق الواقعية السياسية. حيث أن السياسة الخارجية المغربية منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه المنعمين أخذت السياسة الخارجية منحى جديد، بدأت بتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية المغرب حليف رئيسي خارج الناتو عام 2003. وشكلت قضية الصحراء المغربية جوهر القضايا الخارجية للمملكة المغربية، حيث استطاعت الدبلوماسية المغربية، خلال العقدين الأخيرين، أن تُعيد تموقع ملف الصحراء على الأجندة الدولية، مستفيدة من تنويع الشراكات وتوسيع دوائر التأييد. والمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي طُرحت سنة 2007، باتت تُعتبر لدى عدد متزايد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، مرجعية واقعية وجادة لتسوية النزاع، بما يحفظ السيادة ويضمن للساكنة تدبير شؤونها المحلية في إطار الوحدة الوطنية. ويمكن بناء تحليلي على النقط التالية : 1- تطور المواقف الدولية من الحياد الى الحذر إلى الدعم الفعلي: شهدت المواقف الدولية إزاء قضية الصحراء المغربية تحولًا كبيرًا على مدار العقود الماضية، ما يعكس تغيرًا في فهم المجتمع الدولي للواقع الجيوسياسي وأولويات الاستقرار الإقليمي. ففي البداية، كان أكثر من 80% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتبنى موقفًا حياديًا حذرًا، حيث كانت تفضل دعم المسار الأممي دون الانحياز لأي طرف. هذا الحياد كان في الغالب نابعًا من الرغبة في الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف، خصوصًا في ظل تعقيدات النزاع. لكن مع بداية العقد الثالث من القرن الـ21، بدأنا نلاحظ تحولًا نوعيًا في المواقف الدولية. ففي السنوات الأخيرة، أيدت أكثر من 30 دولة بشكل علني وصريح مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة المغربية منذ 2007، معتبرة إياها 'حلًا واقعيًا وذا مصداقية'. هذا التغيير لم يكن مجرد تعديل في الخطاب السياسي، بل كان تعبيرًا عن إدراك المجتمع الدولي لحق المغرب في سيادته على أقاليمه الجنوبية، ولأهمية الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا. من أبرز محطات هذا التحول كان الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2020 بسيادة المغرب على صحرائه، وهو قرار استراتيجي تبنته إدارة الرئيس دونالد ترامب، وأكدت الإدارات اللاحقة على استمراريته. ثم تبعتها إسبانيا في مارس 2022، حيث أيدت رسميًا مبادرة الحكم الذاتي المغربية، مُعبرةً عن تغيير جذري في موقفها السياسي بعد سنوات من الحذر والتردد. كما لاقت المبادرة المغربية دعمًا مشابهًا من ألمانيا في يناير 2023، ومن هولندا أيضًا، التي أكدت أن المبادرة تمثل أساسًا جادًا لحل النزاع. أما بالنسبة لفرنسا، التي كانت في الماضي من الدول التي تحاول التوازن بين مواقفها لدعم مصالحها في المنطقة، فقد شهدت مواقفها تغيرًا لافتًا. على الرغم من محاولات بعض الأطراف التصعيدية، والاتهامات التي كانت توجه للمغرب حول التجسس، إلا أن الدبلوماسية المغربية الهادئة والرزينة كانت لها دور بارز في تحويل المواقف. في عام 2024، جاء الاعتراف الرسمي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمغربية الصحراء، وهو موقف يُعتبر نقطة فارقة في السياسة الفرنسية إزاء هذا النزاع. 2- فتح القنصليات في الصحراء تكريس واقعي للسيادة : أن فتح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة ليس مجرد تطور دبلوماسي عابر، بل هو تحول جوهري في ملامح التوازنات الإقليمية والدولية حول ملف الصحراء المغربية. إنه تعبير واضح عن دعم فعلي وملموس لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وانعكاس لمكانة الرباط المتقدمة على المستوى القاري والدولي، اليوم وقد تجاوز عدد القنصليات المفتوحة في الصحراء أكثر من 28 قنصلية من مختلف القارات، أصبح من الواضح أن هناك إجماعًا دوليًا متناميًا على تجاوز منطق 'النزاع المفتعل'، والتعامل مع الأقاليم الجنوبية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي. هذا الواقع الميداني يُعبر عن نفسه من خلال قرارات سيادية لدول اختارت أن تتموضع بوضوح إلى جانب الشرعية التاريخية والسياسية للمملكة. من منظور العلاقات الدولية، فإن هذا المعطى يُشكّل نقلة نوعية ففتح قنصلية في منطقة ما هو أداة دبلوماسية تعكس اعترافًا ضمنيًا، بل وأحيانًا صريحًا، بسيادة الدولة المضيفة على الإقليم المعني. وبالتالي، فإن هذه الخطوات تمثل دحضًا عمليًا لروايات الانفصال، وتؤكد أن المقاربة المغربية، التي تقوم على الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، باتت تحظى بالقبول كحل وحيد واقعي وعملي لهذا النزاع الإقليمي. كما أن هذه الدينامية الدبلوماسية تُعد ترجمة لاستراتيجية المغرب في تعزيز عمقه الإفريقي والانفتاح على شركاء جدد من أمريكا اللاتينية وآسيا، بما يخدم التوازنات الجيوسياسية الجديدة. إن الدول التي قررت فتح تمثيلياتها في العيون والداخلة لا تقوم بذلك من باب المجاملة، بل لأنها ترى في المغرب شريكًا استراتيجيًا موثوقًا يضطلع بدور محوري في أمن واستقرار المنطقة، وفي تنمية إفريقيا جنوب الصحراء. سياسيًا، يُعبر هذا التوجه عن نهاية مرحلة التردد والغموض في المواقف الدولية، وبداية مرحلة الاعتراف الواقعي بمغربية الصحراء. وهو ما يشكل ورقة قوة أساسية في يد الدبلوماسية المغربية، ويمنحها موقعًا تفاوضيًا متقدمًا في كل المحافل الدولية، ويُحبط محاولات التشويش التي لا تزال تراهن على أطروحات لم تعد تجد صدى في الساحة الدولية. 3- تفكيك الهيمنة الرمزية للبوليساريو في الاتحاد الافريقي : ما يشهده الاتحاد الإفريقي اليوم من تحولات في موقفه من قضية الصحراء المغربية يُمثّل نهاية تدريجية للهيمنة الرمزية التي مارستها جبهة البوليساريو داخل المنظمة منذ ثمانينيات القرن الماضي. فخلال فترة غياب المغرب عن منظمة الوحدة الإفريقية، ثم الاتحاد الإفريقي لاحقًا، استغلت الجبهة، بدعم جزائري مكثف، هذا الفراغ لتكريس وجود 'جمهورية' غير معترف بها في الأمم المتحدة ولا في الغالبية الساحقة من دول العالم، وفرض سردية انفصالية داخل الفضاء القاري بدافع إيديولوجي أكثر منه قانوني أو سياسي. غير أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، لم تكن عودة شكلية بل استراتيجية، هدفها إعادة التوازن وتصحيح اختلالات ظلت تهيمن على المواقف الإفريقية الرسمية. فبمجرد عودة المغرب، أطلق دينامية دبلوماسية واقتصادية فعالة، عبر تعزيز حضوره في أجهزة القرار داخل الاتحاد، وإبرام شراكات تنموية مباشرة مع دول إفريقية من غرب القارة إلى شرقها، بما في ذلك في مجالات البنية التحتية، الفلاحة، والتكوين المهني. هذا الحضور لم يُضعف فقط نفوذ البوليساريو داخل الاتحاد، بل أظهر أن الرؤية المغربية تستند إلى واقعية سياسية وتنموية لا يمكن تجاهلها. اليوم، أكثر من 30 دولة إفريقية سحبت اعترافها بـ'الجمهورية الصحراوية'، في مؤشر واضح على أن منطق الانفصال لم يعد يحظى بالدعم نفسه داخل القارة. بل إن البيانات الصادرة عن الاتحاد الإفريقي في السنوات الأخيرة أصبحت تقتصر على دعم المسار الأممي دون الإشارة إلى الجبهة الانفصالية، ما يُظهر تراجع تأثيرها الرمزي والمؤسساتي. كما أن العديد من الدول الإفريقية باتت ترفض مناقشة ملف الصحراء داخل الاتحاد، معتبرة أن مكانه الطبيعي هو تحت إشراف الأمم المتحدة، وهي رؤية تتقاطع مع الموقف المغربي. هذا التفكيك التدريجي لهيمنة البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي هو أيضًا انعكاس لتحوّل أوسع في العقليات داخل القارة، حيث لم تعد الدول الإفريقية، خصوصًا تلك التي تواجه تحديات تنموية وأمنية، ترى في دعم الكيانات الانفصالية خيارًا عقلانيًا. فهناك إدراك متزايد بأن دعم الوحدة الترابية للدول وتعزيز الاستقرار الإقليمي هو السبيل الحقيقي لتحقيق التكامل القاري، في إطار 'أجندة 2063' التي تضع في صلب أولوياتها الأمن والتنمية واندماج الشعوب. باختصار، ما نشهده اليوم داخل الاتحاد الإفريقي ليس فقط نهاية لمرحلة من التوظيف السياسي لقضية الصحراء، بل بداية لمرحلة جديدة تعكس نضجًا إفريقيًا متزايدًا في التعاطي مع القضايا السيادية بعيدًا عن الاصطفافات القديمة والضغوط الإيديولوجية. 4- المسار الأممي من الاستفتاء إلى الواقعية السياسية : أن المسار الأممي في قضية الصحراء المغربية شهد تطورًا ملحوظًا خلال العقود الماضية. في البداية، كان خيار الاستفتاء هو الحل الذي تبنته الأمم المتحدة في التسعينات، لكنه فشل بسبب الصعوبات الكبيرة في تحديد من يحق لهم التصويت بسبب التوزيع الديمغرافي المعقد والتدخلات السياسية. هذا الفشل دفع الأمم المتحدة إلى إعادة التفكير في الحلول المقترحة. منذ 2007، قدمت المملكة المغربية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي، يتيح للأقاليم الجنوبية للمغرب قدرًا كبيرًا من الاستقلالية في تدبير شؤونها تحت السيادة المغربية. هذه المبادرة نالت تأييدًا واسعًا من قبل العديد من الدول الكبرى والمنظمات الدولية، التي اعتبرتها حلاً جادًا وذا مصداقية. اليوم، تدعو الأمم المتحدة إلى حل سياسي واقعي يعترف بالحقائق على الأرض، وهو ما يعني عمومًا تبني فكرة الحكم الذاتي كإطار لحل النزاع. الواقعية السياسية اليوم تقوم على الاعتراف بأن الحل لا يمكن أن يكون في الاستفتاء الذي أصبح غير قابل للتطبيق، وإنما في إيجاد تسوية تضمن حقوق جميع الأطراف ضمن إطار الوحدة الوطنية المغربية. وبذلك، أصبحت الواقعية السياسية هي السبيل الوحيد للمضي قدمًا نحو تسوية مستدامة، في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المعقدة في المنطقة. إن ما حققته الدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء هو إنجاز استراتيجي يعكس نضجًا كبيرًا في منهجية الاشتغال السياسي الخارجي، وحنكة قيادية واضحة على أعلى مستوى. لقد استطاع المغرب، في ظرف وجيز نسبيًا، أن يُحوّل مواقف العديد من الدول الفاعلة من الحياد إلى الدعم العلني، بفضل دبلوماسية رزينة، متزنة، ومرتكزة على الشرعية التاريخية والقانونية. هذا التفوق لم يكن ليحدث لولا القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من قضية الصحراء أولوية مركزية في السياسة الخارجية للمملكة، ووظّف في ذلك أدوات متعددة: من الحضور الاقتصادي والروابط الإفريقية المتينة، إلى الحزم السيادي والانفتاح على الشراكات الدولية المؤثرة. فالرؤية الملكية قامت على إقناع العالم، لا بالصوت المرتفع، بل بالفعل الهادئ والواقعي، بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب الوطني، وأن مبادرة الحكم الذاتي تمثل الحل الوحيد الجدي والعملي للنزاع. اليوم، يشهد المجتمع الدولي على تحول عميق في تموقع المغرب إقليميًا ودوليًا، وعلى قدرة دبلوماسيته على كسب الرهانات الكبرى دون تصعيد أو تنازلات تمس بمبادئه. إنها لحظة تؤكد أن المغرب، بقيادة جلالة الملك، لا يدافع فقط عن وحدته الترابية، بل يرسّخ نموذجًا سياسيًا واقعيًا ومسؤولًا في التعاطي مع الأزمات والنزاعات، ويُثبت أن السيادة تُبنى بالتدرج والثبات، لا بالشعارات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store