logo
الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا

الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا

يمنات الأخباري١٠-٠٥-٢٠٢٥

يمنات
فارس العليّ
الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا
يُعد الفن وسيلة قوية في عكس الواقع وتشكيل الوعي الجماعي، فهو لا يقدم للمشاهدين مرآةً لما يحدث في المجتمع فحسب، بل يُشكّل تصوراتهم وسلوكياتهم أيضًا. ومع ذلك، عندما يتضمن العمل الدرامي مشاهد عنيفة مثل 'عملية السحل' التي تُظهر تطبيق العدالة خارج إطار القانون الرسمي، يبرز تساؤل حاسم: هل من الحكمة أن نستخدم ممثلات العنف والانتقام كأدوات سردية؟ وما هي الأضرار المحتملة؛ على مستوى الفرد والمجتمع؛ إذا ما تم تفسير هذه المشاهد على أنها دعم للانحراف عن النظام والقانون؟
يُصور مشهد السحل في الحلقة الأخيرة لمسلسل 'طريق إجباري' رد فعل جماعيًا نتيجة سنوات من الظلم والقمع. فالعمل الفني، وبالرغم من نواياه في إظهار اليأس الذي يدفع الناس إلى الانتقام، إلا أنه يستخدم في هذا السياق أسلوبًا مفرطًا لتجسيد الفوضى. قد يُستخلص من ذلك أن تصوير مثل هذه الأحداث بصورة درامية مبالغ فيها، ينقل رسالة غير مباشرة بأن اللجوء إلى العنف هو الحل الأمثل في وجه إخفاقات المؤسسات الرسمية، ويصبح هذا الفعل تعميميًا.
وعلى الرغم من أن الدراما قد تعكس واقعًا معقدًا، إلا أن تبسيط العملية القانونية وإبراز الانتقام كخيار وحيد يُفضي إلى تدهور ثقافة احترام القانون والعدالة المؤسسية في بلاد يعد السلاح والقتل والحرب مشاهد روتينية لحالات الانفلات الأمني وغياب سيادة القانون.
يلعب الفن دورًا تربويًا وثقافيًا هامًا؛ فهو يؤثر في تشكيل الأفكار والمفاهيم لدى الجمهور، بخاصة في البيئات التي تعاني من ضعف الثقة بالمؤسسات القانونية. عندما يُحتفى بمشاهد العنف، وتمثل على أنها أدوات للتغيير الاجتماعي، قد يبدأ المشاهد في الربط بين هذه المشاهد وبين إمكانية حصول النصر بدون مسار قضائي عادل. وفي هذه الحالة، تتحول رمزية السحل من مجرد سرد درامي إلى نموذج مُحتذى به في حل النزاعات، مما يُغذي فكرة أن القانون يمكن تجاوزه إذا كان النظام القضائي فاشلًا في تلبية مطالب الناس.
من المهم التأكيد أن أي نظام قانوني يسعى لتطبيق العدالة يقوم على مبادئ المساواة والشفافية، وعلى تقديس عملية المحاكمة العادلة. إن تصوير مشاهد مثل السحل، التي تُظهر تنفيذ العقوبات خارج نطاق القضاء، ينتهك هذه المبادئ الأساسية. وإذا ما زاد التأكيد على هذا النوع من التصوير في سياق الدراما، فقد يتولد شعور متزايد بأن العنف والانتقام هما الوسيلتان الوحيدتان لإنفاذ الحقوق؛ بحيث تُهمل الآليات القانونية التي وضعت لحماية المجتمع وضمان حقوق الجميع.
على صناع الأعمال الفنية في اليمن تحمل مسؤولية كبيرة في كيفية تقديم المشاهد التي تتناول موضوعات جدلية مثل العنف. فمن الضروري تقديم سياق نقدي يوضح أن هذه المشاهد تُستخدم لتسليط الضوء على معاناة شعبية أو إخفاقات مؤسساتية، وليس لتبرير أفعال لا تمت للعدالة بصلة. كما ينبغي على النقاد والجمهور أن يميزوا بين ما هو تمثيل درامي وما هو دعم فعلي لثقافة العنف. وفي ظل هذه المسؤولية، يجب على صناع الدراما البحث عن طرق سردية بديلة تُبرز أهمية اللجوء للمحاكم والآليات القانونية، وتظهر النتائج المدمرة للعنف المتطرف.
ومن هذا المنطلق، يفترض أن يتم 'تعزيز الوعي القانوني'، ويتعين على الدراما أن تبرز دور الجهات القضائية والإدارية في حماية الحقوق، وأن تطرح أسئلة نقدية حول كيفية إصلاح النظم القانونية بدلًا من تصوير العنف كحل فعال. وكما يجب تعديل طريقة عرض المشاهد العنيفة بحيث تُظهر العواقب الوخيمة للانتقام، وتبرز أن اللجوء إلى مثل هذه الأفعال يؤدي إلى فوضى اجتماعية لا تنتهي. وأن يكون هناك 'حوار مجتمعي' ينبغي تكثيف النقاش العام حول أهمية احترام القانون، مع التركيز على تجارب الشعوب التي أسهمت فيها العدالة الرسمية في إعادة النظام وتقديم حلول سلمية للنزاعات.
وختامًا، على الرغم من أن الفن قد يعكس بعض جوانب الواقع المؤلم، فإنه يحمل في طياته مسؤولية أخلاقية واجتماعية. فمشهد السحل، إذا لم يُقدّم في إطار نقدي متكامل، قد يغذي تصورات خاطئة تُشجع على الانحراف عن المبادئ القانونية وتبرر العنف والانتقام. ومن هنا، فإن من الضروري على صناع الدراما والمجتمع ككل أن يلتزموا بنهج يُعلي من قيمة القانون والنظام، ويسهم في بناء وعي جماعي يحترم الحقوق ويعزز آليات السلام والنظام في مواجهة التحديات الحياتية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا
الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا

يمنات الأخباري

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • يمنات الأخباري

الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا

يمنات فارس العليّ الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا يُعد الفن وسيلة قوية في عكس الواقع وتشكيل الوعي الجماعي، فهو لا يقدم للمشاهدين مرآةً لما يحدث في المجتمع فحسب، بل يُشكّل تصوراتهم وسلوكياتهم أيضًا. ومع ذلك، عندما يتضمن العمل الدرامي مشاهد عنيفة مثل 'عملية السحل' التي تُظهر تطبيق العدالة خارج إطار القانون الرسمي، يبرز تساؤل حاسم: هل من الحكمة أن نستخدم ممثلات العنف والانتقام كأدوات سردية؟ وما هي الأضرار المحتملة؛ على مستوى الفرد والمجتمع؛ إذا ما تم تفسير هذه المشاهد على أنها دعم للانحراف عن النظام والقانون؟ يُصور مشهد السحل في الحلقة الأخيرة لمسلسل 'طريق إجباري' رد فعل جماعيًا نتيجة سنوات من الظلم والقمع. فالعمل الفني، وبالرغم من نواياه في إظهار اليأس الذي يدفع الناس إلى الانتقام، إلا أنه يستخدم في هذا السياق أسلوبًا مفرطًا لتجسيد الفوضى. قد يُستخلص من ذلك أن تصوير مثل هذه الأحداث بصورة درامية مبالغ فيها، ينقل رسالة غير مباشرة بأن اللجوء إلى العنف هو الحل الأمثل في وجه إخفاقات المؤسسات الرسمية، ويصبح هذا الفعل تعميميًا. وعلى الرغم من أن الدراما قد تعكس واقعًا معقدًا، إلا أن تبسيط العملية القانونية وإبراز الانتقام كخيار وحيد يُفضي إلى تدهور ثقافة احترام القانون والعدالة المؤسسية في بلاد يعد السلاح والقتل والحرب مشاهد روتينية لحالات الانفلات الأمني وغياب سيادة القانون. يلعب الفن دورًا تربويًا وثقافيًا هامًا؛ فهو يؤثر في تشكيل الأفكار والمفاهيم لدى الجمهور، بخاصة في البيئات التي تعاني من ضعف الثقة بالمؤسسات القانونية. عندما يُحتفى بمشاهد العنف، وتمثل على أنها أدوات للتغيير الاجتماعي، قد يبدأ المشاهد في الربط بين هذه المشاهد وبين إمكانية حصول النصر بدون مسار قضائي عادل. وفي هذه الحالة، تتحول رمزية السحل من مجرد سرد درامي إلى نموذج مُحتذى به في حل النزاعات، مما يُغذي فكرة أن القانون يمكن تجاوزه إذا كان النظام القضائي فاشلًا في تلبية مطالب الناس. من المهم التأكيد أن أي نظام قانوني يسعى لتطبيق العدالة يقوم على مبادئ المساواة والشفافية، وعلى تقديس عملية المحاكمة العادلة. إن تصوير مشاهد مثل السحل، التي تُظهر تنفيذ العقوبات خارج نطاق القضاء، ينتهك هذه المبادئ الأساسية. وإذا ما زاد التأكيد على هذا النوع من التصوير في سياق الدراما، فقد يتولد شعور متزايد بأن العنف والانتقام هما الوسيلتان الوحيدتان لإنفاذ الحقوق؛ بحيث تُهمل الآليات القانونية التي وضعت لحماية المجتمع وضمان حقوق الجميع. على صناع الأعمال الفنية في اليمن تحمل مسؤولية كبيرة في كيفية تقديم المشاهد التي تتناول موضوعات جدلية مثل العنف. فمن الضروري تقديم سياق نقدي يوضح أن هذه المشاهد تُستخدم لتسليط الضوء على معاناة شعبية أو إخفاقات مؤسساتية، وليس لتبرير أفعال لا تمت للعدالة بصلة. كما ينبغي على النقاد والجمهور أن يميزوا بين ما هو تمثيل درامي وما هو دعم فعلي لثقافة العنف. وفي ظل هذه المسؤولية، يجب على صناع الدراما البحث عن طرق سردية بديلة تُبرز أهمية اللجوء للمحاكم والآليات القانونية، وتظهر النتائج المدمرة للعنف المتطرف. ومن هذا المنطلق، يفترض أن يتم 'تعزيز الوعي القانوني'، ويتعين على الدراما أن تبرز دور الجهات القضائية والإدارية في حماية الحقوق، وأن تطرح أسئلة نقدية حول كيفية إصلاح النظم القانونية بدلًا من تصوير العنف كحل فعال. وكما يجب تعديل طريقة عرض المشاهد العنيفة بحيث تُظهر العواقب الوخيمة للانتقام، وتبرز أن اللجوء إلى مثل هذه الأفعال يؤدي إلى فوضى اجتماعية لا تنتهي. وأن يكون هناك 'حوار مجتمعي' ينبغي تكثيف النقاش العام حول أهمية احترام القانون، مع التركيز على تجارب الشعوب التي أسهمت فيها العدالة الرسمية في إعادة النظام وتقديم حلول سلمية للنزاعات. وختامًا، على الرغم من أن الفن قد يعكس بعض جوانب الواقع المؤلم، فإنه يحمل في طياته مسؤولية أخلاقية واجتماعية. فمشهد السحل، إذا لم يُقدّم في إطار نقدي متكامل، قد يغذي تصورات خاطئة تُشجع على الانحراف عن المبادئ القانونية وتبرر العنف والانتقام. ومن هنا، فإن من الضروري على صناع الدراما والمجتمع ككل أن يلتزموا بنهج يُعلي من قيمة القانون والنظام، ويسهم في بناء وعي جماعي يحترم الحقوق ويعزز آليات السلام والنظام في مواجهة التحديات الحياتية.

الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا
الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا

اليمن الآن

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • اليمن الآن

الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما 'طريق إجباري' نموذجًا

يُعد الفن وسيلة قوية في عكس الواقع وتشكيل الوعي الجماعي، فهو لا يقدم للمشاهدين مرآةً لما يحدث في المجتمع فحسب، بل يُشكّل تصوراتهم وسلوكياتهم أيضًا. ومع ذلك، عندما يتضمن العمل الدرامي مشاهد عنيفة مثل 'عملية السحل' التي تُظهر تطبيق العدالة خارج إطار القانون الرسمي، يبرز تساؤل حاسم: هل من الحكمة أن نستخدم ممثلات العنف والانتقام كأدوات سردية؟ وما هي الأضرار المحتملة؛ على مستوى الفرد والمجتمع؛ إذا ما تم تفسير هذه المشاهد على أنها دعم للانحراف عن النظام والقانون؟ خلفية المشهد والسياق الدرامي يُصور مشهد السحل في الحلقة الأخيرة لمسلسل 'طريق إجباري' رد فعل جماعيًا نتيجة سنوات من الظلم والقمع. فالعمل الفني، وبالرغم من نواياه في إظهار اليأس الذي يدفع الناس إلى الانتقام، إلا أنه يستخدم في هذا السياق أسلوبًا مفرطًا لتجسيد الفوضى. قد يُستخلص من ذلك أن تصوير مثل هذه الأحداث بصورة درامية مبالغ فيها، ينقل رسالة غير مباشرة بأن اللجوء إلى العنف هو الحل الأمثل في وجه إخفاقات المؤسسات الرسمية، ويصبح هذا الفعل تعميميًا. وعلى الرغم من أن الدراما قد تعكس واقعًا معقدًا، إلا أن تبسيط العملية القانونية وإبراز الانتقام كخيار وحيد يُفضي إلى تدهور ثقافة احترام القانون والعدالة المؤسسية في بلاد يعد السلاح والقتل والحرب مشاهد روتينية لحالات الانفلات الأمني وغياب سيادة القانون. تأثير المشاهد العنيفة على السلوك الاجتماعي يلعب الفن دورًا تربويًا وثقافيًا هامًا؛ فهو يؤثر في تشكيل الأفكار والمفاهيم لدى الجمهور، بخاصة في البيئات التي تعاني من ضعف الثقة بالمؤسسات القانونية. عندما يُحتفى بمشاهد العنف، وتمثل على أنها أدوات للتغيير الاجتماعي، قد يبدأ المشاهد في الربط بين هذه المشاهد وبين إمكانية حصول النصر بدون مسار قضائي عادل. وفي هذه الحالة، تتحول رمزية السحل من مجرد سرد درامي إلى نموذج مُحتذى به في حل النزاعات، مما يُغذي فكرة أن القانون يمكن تجاوزه إذا كان النظام القضائي فاشلًا في تلبية مطالب الناس. التجاوزات القانونية والأخلاقية من المهم التأكيد أن أي نظام قانوني يسعى لتطبيق العدالة يقوم على مبادئ المساواة والشفافية، وعلى تقديس عملية المحاكمة العادلة. إن تصوير مشاهد مثل السحل، التي تُظهر تنفيذ العقوبات خارج نطاق القضاء، ينتهك هذه المبادئ الأساسية. وإذا ما زاد التأكيد على هذا النوع من التصوير في سياق الدراما، فقد يتولد شعور متزايد بأن العنف والانتقام هما الوسيلتان الوحيدتان لإنفاذ الحقوق؛ بحيث تُهمل الآليات القانونية التي وضعت لحماية المجتمع وضمان حقوق الجميع. مسؤولية صناع الدراما والمجتمع على صناع الأعمال الفنية في اليمن تحمل مسؤولية كبيرة في كيفية تقديم المشاهد التي تتناول موضوعات جدلية مثل العنف. فمن الضروري تقديم سياق نقدي يوضح أن هذه المشاهد تُستخدم لتسليط الضوء على معاناة شعبية أو إخفاقات مؤسساتية، وليس لتبرير أفعال لا تمت للعدالة بصلة. كما ينبغي على النقاد والجمهور أن يميزوا بين ما هو تمثيل درامي وما هو دعم فعلي لثقافة العنف. وفي ظل هذه المسؤولية، يجب على صناع الدراما البحث عن طرق سردية بديلة تُبرز أهمية اللجوء للمحاكم والآليات القانونية، وتظهر النتائج المدمرة للعنف المتطرف. ومن هذا المنطلق، يفترض أن يتم 'تعزيز الوعي القانوني'، ويتعين على الدراما أن تبرز دور الجهات القضائية والإدارية في حماية الحقوق، وأن تطرح أسئلة نقدية حول كيفية إصلاح النظم القانونية بدلًا من تصوير العنف كحل فعال. وكما يجب تعديل طريقة عرض المشاهد العنيفة بحيث تُظهر العواقب الوخيمة للانتقام، وتبرز أن اللجوء إلى مثل هذه الأفعال يؤدي إلى فوضى اجتماعية لا تنتهي. وأن يكون هناك 'حوار مجتمعي' ينبغي تكثيف النقاش العام حول أهمية احترام القانون، مع التركيز على تجارب الشعوب التي أسهمت فيها العدالة الرسمية في إعادة النظام وتقديم حلول سلمية للنزاعات. وختامًا، على الرغم من أن الفن قد يعكس بعض جوانب الواقع المؤلم، فإنه يحمل في طياته مسؤولية أخلاقية واجتماعية. فمشهد السحل، إذا لم يُقدّم في إطار نقدي متكامل، قد يغذي تصورات خاطئة تُشجع على الانحراف عن المبادئ القانونية وتبرر العنف والانتقام. ومن هنا، فإن من الضروري على صناع الدراما والمجتمع ككل أن يلتزموا بنهج يُعلي من قيمة القانون والنظام، ويسهم في بناء وعي جماعي يحترم الحقوق ويعزز آليات السلام والنظام في مواجهة التحديات الحياتية.

إشكاليات البناء الدرامي في المسلسلات اليمنية الرمضانية.. قراءة في ضوء التناولات النقدية
إشكاليات البناء الدرامي في المسلسلات اليمنية الرمضانية.. قراءة في ضوء التناولات النقدية

يمنات الأخباري

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • يمنات الأخباري

إشكاليات البناء الدرامي في المسلسلات اليمنية الرمضانية.. قراءة في ضوء التناولات النقدية

يمنات فارس العليّ شهدت الدراما اليمنية الرمضانية في السنوات الأخيرة حضورًا لافتًا، مما يستدعي تحليلًا نقديًا معمقًا لإشكالياتها الفنية، يتجاوز الوصف السطحي إلى التفكيك والتحليل في ضوء النظريات النقدية الدرامية. يهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة نقدية تخصصية لهذه الإشكاليات، مع التركيز على علاقتها بالبناء الدرامي وعناصره المختلفة، مستندًا بشكل أساسي على ما كتبه الصديق الأديب والشاعر اليمني الدكتور هاني الصلوي، في مقاله المنشور في حلقتين تحت عنوان 'اللهم اجعله سوء فهم فعالًا.. الخ'، وأيضًا على بعض المقالات والآراء المنشورة والمتداولة، إضافة إلى مشاهدتي للدراما اليمنية رمضانية وغير رمضانية. تواجه الدراما اليمنية الرمضانية تحديات بنيوية عميقة تتطلب معالجة جذرية. يتطلب تجاوز هذه الإشكاليات تطوير وعي نقدي ذاتي لدى صناع الدراما اليمنيين، والانفتاح على التجارب الدرامية العربية والعالمية، والاهتمام بالبحث والتجريب. وسنقوم هنا بسردها موجزة في: 1. إشكالية النص والسيناريو: غياب الدرامية وأزمة الحبكة. يعد النص بمثابة 'اللوغوس' (Logos) الأرسطي للعمل الدرامي، أي المبدأ المنظم والجوهر الذي يمنحه وحدته ومعناه. لكن العديد من المسلسلات اليمنية الرمضانية تعاني من 'أزمة نص' تتجلى في غياب الدرامية الفاعلة، والقصور في بناء الحبكة. تفتقر العديد من النصوص إلى صراع درامي حقيقي، وهو المحرك الأساسي للأحداث وتطور الشخصيات. الصراع الدرامي، كما يرى ستانسلافسكي في نظريته عن 'فن الممثل'، يجب أن يكون داخليًا وخارجيًا، وأن ينبع من دوافع الشخصيات ورغباتها المتضاربة. في المسلسلات اليمنية، غالبًا ما يكون الصراع سطحيًا أو مفتعلًا، ولا يرتبط بعمق بالشخصيات. تعاني الحبكة في كثير من الأحيان من التفكك والارتجالية، إذ تتوالى الأحداث بشكل عرضي دون منطق سببي واضح. الحبكة القوية، كما يوضح أرسطو في 'فن الشعر'، يجب أن تتسم بالوحدة والتماسك، وأن تقوم على مبدأ 'الضرورة والاحتمال'. وهو ما يحتاجه النص الدرامي أيضًا. يلاحظ تكرار الثيمات الدرامية، مثل ثيمة 'نهب الأراضي' التي أشار إليها هاني جازم الصلوي، مما يدل على غياب الابتكار والقدرة على استكشاف قضايا جديدة. هذا التكرار يخالف مبدأ 'الجدة' الذي يعتبره النقاد عنصرًا أساسيًا في العمل الفني. غياب النص 'الورشي': النص 'الورشي' مصطلح استخدمه الصلوي في مقاله النقدي للدراما اليمنية، للإشارة إلى نص يتم إنشاؤه بشكل تفاعلي وتعاوني بين جميع أفراد الفريق الفني، بمن في ذلك الكتاب والمخرجون والممثلون والمستشارون الفنيون والثقافيون والاجتماعيون. وتكمن أهمية النص 'الورشي' في أنه يثري النص، ويعزز التفاعل بين أفراد الفريق الفني، ويقدمه بشكل أكثر شمولية وعمقًا من زوايا مختلفة، ويخلق ديناميكية إبداعية لتبادل الأفكار والآراء وتطويرها، ويحسن جودة وصياغة الحوار بما يتناسب مع شخصياتهم وقدراتهم، ويساعد في تطوير الشخصيات، ويضف لها أبعادًا جديدة، ويسهم 'النص الورشي' في تحقيق التكامل الفني بين عناصر العمل المختلفة، مثل النص والإخراج والتمثيل والتصميم، مما يخلق عملًا فنيًا متماسكًا ومنسجمًا. وبشكل عام، غياب النص 'الورشي' في الدراما اليمنية يؤدي إلى نصوص ضعيفة وسطحية، ويحول دون تحقيق الإمكانات الإبداعية الكاملة للأعمال الدرامية، إذ إن غياب هذا النص عن الإنتاج الدرامي اليمني يؤثر سلبًا على جودة الحوار وتطور الشخصيات، ويعكس أزمة في 'آليات الإنتاج الدرامي'، ويحول دون تحقيق التكامل الفني. 2. الأداء التمثيلي: بين النمطية والتجاوز. يمثل الأداء التمثيلي وسيطًا أساسيًا في تجسيد الشخصيات وإيصال الصراع الدرامي إلى الجمهور. في المسلسلات اليمنية، يتراوح الأداء بين النمطية والتجاوز: النمطية: يقع بعض الممثلين في فخ 'النمطية' (Stereotype)، إذ يكررون أنفسهم، ويقدمون أداءً سطحيًا لا يعكس عمق الشخصية. هذا النمط من الأداء يتنافى مع مبادئ 'المدرسة الواقعية' في التمثيل التي تدعو إلى صدق الأداء والاندماج الكامل في الشخصية. التجاوز: في المقابل، يبرز بعض الممثلين قدرة على 'التجاوز' وتقديم أداء مقنع ومؤثر. يشير الدكتور الصلوي -وهو صحيح- إلى تألق بعض الوجوه الجديدة، وهو ما يمكن تفسيره على أنه محاولة لكسر الأنماط السائدة، وتقديم أنماط أداء جديدة. 3. الإخراج والتقنيات الفنية: الرؤية الإخراجية الغائبة. يمثل الإخراج الرؤية الفنية الموحدة للعمل الدرامي، وهو المسؤول عن ترجمة النص إلى لغة بصرية وسمعية. في المسلسلات اليمنية، غالبًا ما تغيب الرؤية الإخراجية الواضحة، مما يؤدي إلى: السطحية البصرية: إذ يعاني الإخراج من السطحية البصرية، إذ يغلب عليه التصوير التقليدي والاهتمام المحدود بالجماليات البصرية. هذا الضعف في 'اللغة البصرية' يقلل من قدرة العمل على التأثير في المتلقي. غياب التناغم: يغيب التناغم بين عناصر الإنتاج المختلفة، مثل التصوير والإضاءة والموسيقى، مما يدل على غياب رؤية إخراجية موحدة. هذا الغياب يؤثر على 'وحدة العمل الفني' وتماسكه. 4. اللهجة والمكان: الهوية الدرامية المفقودة. تمثل اللهجة والمكان عنصرين أساسيين في بناء هوية العمل الدرامي، لكن المسلسلات اليمنية تعاني في هذا الجانب من: الارتباك اللهجي: يلاحظ 'ارتباك لهجي' في بعض المسلسلات، إذ تستخدم لهجات متعددة دون مبرر درامي واضح. هذا الارتباك يضعف مصداقية العمل وواقعيته. التوظيف السطحي للمكان: غالبًا ما يوظف المكان بشكل سطحي، دون استثمار طاقته الدرامية، وقدرته على التأثير في الشخصيات والأحداث. هذا الضعف في 'دلالة المكان' يقلل من قدرة العمل على خلق جو درامي مميز. 5. النهايات والرسائل: الخطابية وأزمة الحل الدرامي. تتسم نهايات العديد من المسلسلات اليمنية بالخطابية المباشرة والحلول التصالحية السطحية، مما يقلل من تأثيرها الفني ورسالتها الاجتماعية. يمكن تفسير هذه النهايات في ضوء مفهوم 'الحل الدرامي' الذي يجب أن ينبع من منطق الأحداث وتطور الشخصيات، لا أن يفرض عليها بشكل خارجي. وختامًا، يمكن القول إن الدراما اليمنية، على الرغم من حضورها المتزايد، لاتزال تواجه تحديات جوهرية على صعيد البناء الدرامي وعناصره المختلفة. إن تجاوز إشكاليات النص والسيناريو، والأداء التمثيلي النمطي، وغياب الرؤية الإخراجية الواضحة، والارتباك اللهجي والتوظيف السطحي للمكان، وصولًا إلى النهايات الخطابية وأزمة الحل الدرامي، يتطلب وقفة نقدية جادة ومستمرة. إن الحاجة ملحة لتطوير وعي نقدي ذاتي لدى صناع الدراما اليمنيين، وتشجيع البحث والتجريب، والانفتاح على التجارب الدرامية المتنوعة، والأخذ بمفهوم 'النص الورشي' كآلية عمل تثري العملية الإبداعية. إن الارتقاء بالدراما اليمنية الرمضانية لتصبح تعبيرًا فنيًا عميقًا وفاعلًا في المجتمع، وقادرًا على المنافسة على الساحة العربية، يظل رهنًا بمعالجة هذه الإشكاليات بنيويًا، والتحلي برؤية فنية واضحة تسعى نحو دراما يمنية واعية بذاتها وقضاياها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store