
المطلوب من «حزب الله» التكيّف مع الواقع الجديد في المنطقة!
يروي مسؤول أمني رفيع في لبنان أنه في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت، هناك ضابط في جهاز أمني لديه مهمة واحدة لا غير وهي تجميع بيانات المسافرين (مانيفستات) القادمين إلى بيروت ومن جميع الاتجاهات وعلى كل شركات الطيران، وإرسال نسخ عنها بالإيميل إلى جهة معينة داخل البلاد. وهذه بدورها ترسلها إلى مكتب ارتباط في دولة خارجية يقوم بالتدقيق بالأسماء ويرسل إرشادات بالدخول إلى لبنان أو عدمه، وتفتيش الحقائب والحاويات، ومصادرة الممنوعات والمبالغ المالية المشبوهة. يكمل المسؤول الأمني أن هذا ليس إجراءً لبنانياً داخلياً إنما هو من صلب اتفاقية وقف إطلاق النار التي تمَّ التوصل اليها في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، والتي كان هذا الإجراء شرطاً لعدم تعطيل حركة الملاحة الجوية في مطار بيروت. وقد وافقت الجهات المعنية عليه بمن فيهم حزب الله . من هنا يستغرب أعضاء اللجنة الخماسية الموكلة بالإشراف على وقف النار حالةَ الإنكار لدى قيادات الحزب، بمن فيهم أمينه العام نعيم قاسم الذي يتكلم باللغة الخشبية ذاتها، التي سبقت العدوان الإسرائيلي وعملية البيجر ومقتل القيادات واستباحة إسرائيل للسيادة اللبنانية، واحتلالها الأراضي والتلال في الجنوب، إضافة إلى حصار جوي وبري وبحري وتوغل إسرائيلي بالطائرات والمسيرات على كامل مساحة لبنان، ولا يزال نعيم قاسم يصدح بأعلى صوته بقرب نفاد صبره، مهدداً ومتوعداً بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا استمرّت الخروقات الإسرائيلية لشروط وقف إطلاق النار، بينما القاصي والداني يعلم أن قدرات «حزب الله» على المواجهة مع إسرائيل أضحت شبه معدومة.
يقول أحد الصحافيين المقربين من المندوب الأميركي في اللجنة الخماسية، نقلاً عنه، إن نعيم قاسم أصبح مثل النعامة التي تضع رأسها في التراب معتقدة أن من حولها لا يراها.
وتناقلت بعض المصادر المقربة من الحزب أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي صارح الأمين العام نعيم قاسم بأن المرشد الأعلى يرى أن على «حزب الله» أن يمارس الحذر والحيطة، والتكيف مع واقع جديد حل في المنطقة، وفرض حصاراً خانقاً قطع خطوط الإمداد، وأن تكليفه الشرعي هو حماية نفسه إلى أن تتغير الأوضاع، وقد نصح الوزير قيادة الحزب بتخفيف حدة الخطاب والتقارب مع الدولة اللبنانية في هذه المرحلة. وكان رد نعيم قاسم أن إسرائيل تطالب برأس الحزب عن طريق نزع السلاح فكان جواب عراقجي: إن السلاح يمكن استعادته إذا ما تم تسليمه، وأن المهم هو بقاء الحزب، وقد ساد صمت مريب في الاجتماع بعد هذا الكلام الذي انتهى ببرودة.
أن يسلم أو ينزع السلاح منه هو رهن بما سيحصل في عملية نزع سلاح «حماس» في المخيمات الفلسطينية، بعد أن أعطى الرئيس محمود عباس ضوءاً أخضر لدخول الدولة اللبنانية إلى المخيمات، فإذا حصل هذا سلمياً أو بالمواجهة العسكرية فإنه سيكون الخطوة الأولى لتسليم السلاح، وإذا لم يحصل فإن سلاحه مستمر ولأمد طويل.
لقد أدان «حزب الله» سيطرة إسرائيل على السفينة «مادلين»، لكنه لم يحرك ساكناً بعد الغارات التي طالت الضاحية الجنوبية.
مساء الخميس، 5 يونيو (حزيران) 2025، لم تكن الضاحية الجنوبية لبيروت كما كانت بعد الغارات الإسرائيلية التي هزّتها. ثماني ضربات جوية استهدفت قلب نفوذ «حزب الله»، وقالت تل أبيب إنها دمّرت مصانع مسيّرات تحت الأرض. لم تكن الضربة عسكرية فقط، بل صفعة استخباراتية ومعنوية مدوّية.
الضاحية التي لطالما قُدّمت كحصن للمقاومة، باتت مكشوفة، بلا إنذار، بلا رد. والأخطر من الغارات كان صمتُ الحزب تعتيماً إعلامياً، وغياب أسماء الشهداء، وتجنّباً حتى للخطاب المعتاد الذي يخاطب جمهوره بلغة البطولة والتحدي. هل فقد الحزب صوته، أم جمهوره؟
بعيداً عن الشعارات، الناس في مناطق نفوذه يعيشون الخوف والانهيار، ويتلقون رسائل مزدوجة: صمت رسمي مقابل حديث عن «الجهوزية»، ودمار حقيقي مقابل وعود وهمية. المقاومة لا تُقاس بالشعارات، بل بالشفافية والقدرة على حماية الحاضنة التي تُقدّم دمها وبيوتها ثم لا تُسأل عن رأيها.
إن كان السلاح هو الشرعية الوحيدة المتبقية، فمتى يصبح عبئاً؟ «حزب الله» اليوم يبدو أقرب إلى تنظيم يتحصّن بخطاب قديم، ويتهرب من لحظة محاسبة قاسية فرضها الواقع. فالمعادلة تغيّرت: من يسأل عن البيئة هو من يستحق أن يدّعي تمثيلها. أما من يتوارى خلف ضبابية إقليمية فليس مقاومة، بل مجرد أداة في معركة لا يملك قرارها.
الغارات لم تدمّر منشآت فقط، بل أسقطت أقنعة. فإذا لم يسأل الحزب اليوم عن بيئته، فكيف له أن يتحدث باسم لبنان؟
إن لم يبدأ الحزب اليوم بالسؤال عن بيئته، فلن يقدر على السؤال عن لبنان مستقبلاً كما تدعي قيادته أنها تتحرك ونصب أعينها مصلحة... لبنان. مع سقوط الأقنعة لو أن الحزب يترك بيئته تعيش، لو أنه! لكن هل يجرؤ الحزب على مراجعة الذات؟ الواقع يشير إلى العكس.
فبدلاً من الاعتراف بالتحول الكبير في موازين القوى، يختبئ خلف خطاب خشبي لا يُقنع حتى مؤيديه، ويُكرر عبارات مفرغة من معناها عن «الجهوزية» و«المفاجآت»، بينما الأرض تحترق من تحته.
البيئة التي سكتت طويلاً قد لا تبقى صامتة إلى الأبد، والتاريخ لا يحمي أحداً. تحول الحزب إلى عبء على من حمَوه وساروا خلفه.
الوقت ليس في صالح أحد. من لا يُراجع مواقفه اليوم، قد يجد نفسه غداً خارج التاريخ... وخارج لبنان أيضاً.
القبول لا يُفرض بالسلاح، بل بالثقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 39 دقائق
- عكاظ
القبض على مهربي مخدرات وأقراص ممنوعة في 7 مناطق
أحبطت المديرية العامة لحرس الحدود محاولات تهريب 2.756.806 أقراص من مادة الإمفيتامين المخدر و1.944.230 قرصاً خاضعاً لتنظيم التداول الطبي وأربعة أطنان من مادة الحشيش المخدر و180 طناً من نبات القات المخدر، وقبضت على مهربيها بمناطق تبوك وجازان وعسير ونجران ومكة المكرمة والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية، وهم 1518 مخالفاً لنظام أمن الحدود من الجنسية الإثيوبية، و842 مخالفاً لنظام أمن الحدود من الجنسية اليمنية، وسبعة مخالفين لنظام أمن الحدود من الجنسية السودانية، وستة مخالفين لنظام أمن الحدود من الجنسية الإرترية، وثلاثة مخالفين لنظام أمن الحدود من الجنسية الصومالية، ومخالفان لنظام أمن الحدود من الجنسية الباكستانية، و33 مواطناً. وحثت وزارة الداخلية المواطنين والمقيمين على المبادرة بالإبلاغ عن كل ما يتوفر لديهم من معلومات عن أي نشاطات ذات صلة بتهريب أو ترويج المخدرات. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 39 دقائق
- الشرق الأوسط
خامنئي: «الكيان الصهيوني كتب لنفسه مصيرا مريرا»
قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن إسرائيل ستلقى «عقابا قاسيا» عقب الهجوم الذي شنته ضد البرنامج النووي الإيراني اليوم الجمعة وأسفر عن مقتل عدد من القادة العسكريين. وقال خامنئي في بيان «أطلق الكيان الصهيوني يده الخبيثة والدموية في جريمة ضد إيران هذا الصباح، وكشف عن طبيعته الخسيسة. بهذا الهجوم، كتب الكيان الصهيوني لنفسه مصيرا مريرا، وسيلقاه بالتأكيد». كما توعّدت القوات المسلّحة الإيرانية إسرائيل بـ«ردّ قوي» على الغارات الجوية الواسعة النطاق التي شنّتها الدولة العبرية فجر الجمعة ضد أهداف متعدّدة في أنحاء متفرقة من الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك منشآت نووية.وقال أبو الفضل شكارجي، المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، إنّ «القوات المسلّحة ستردّ حتما على هذا الهجوم الصهيوني»، مشدّدا على أنّ إسرائيل «ستدفع ثمنا باهظا وعليها انتظار ردّ قويّ من القوات المسلّحة الإيرانية».

العربية
منذ 44 دقائق
- العربية
مصدر أمني إيراني: طهران تخطط "لرد موجع" على الهجوم الإسرائيلي
قال مصدر أمني إيراني لوكالة "رويترز" إن طهران تخطط "لرد موجع" على الهجوم الذي شنته إسرائيل على البلاد في ساعة مبكرة من صباح اليوم الجمعة. وذكر المسؤول "الرد على الهجوم الإسرائيلي سيكون موجعاً وحاسماً". ورداً على سؤال عما إذا كان الهجوم وشيكاً، قال إن تفاصيل الرد "تجري مناقشتها على أعلى المستويات". من جهتها أعلنت إسرائيل حالة الاستنفار تحسباً لرد طهران على الضربات. مباشر من #قناة_العربية | إسرائيل تشن هجوما على إيران.. ووزير الدفاع الإسرائيلي يعلن حالة الاستنفار في إسرائيل — العربية (@AlArabiya) June 13, 2025 في هذا السياق، وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الليفتاننت جنرال إيال زامير الغارات الجوية التي شنّتها إسرائيل على إيران فجر الجمعة بأنّها "حملة تاريخية لا مثيل لها"، محذّراً في الوقت نفسه من أنّ نتيجتها قد لا تكون "نجاحاً مطلقاً" ومناشداً مواطنيه الاستعداد لردّ إيراني محتمل. وقال زامير في بيان "لا أستطيع أن أعد بنجاح مطلق، فالنظام الإيراني سيحاول الردّ بمهاجمتنا، وستكون الخسائر المتوقعة مختلفة عمّا اعتدنا عليه". وقد أغلقت إسرائيل مجالها الجوي، وقالت وزارة النقل الإسرائيلية في بيان إن "المجال الجوي مغلق للإقلاع والهبوط حتى إشعار آخر"، في حين طلبت هيئة الطيران المدني من المسافرين عدم التوجّه إلى مطار بن غوريون، المطار الرئيسي في الدولة. من جانبه أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في رسالة مصورة أن العملية العسكرية التي شنتها إسرائيل ضدّ إيران فجر الجمعة استهدفت "قلب" البرنامج النووي الإيراني وستستمر "بقدر ما يلزم من أيام". وقال نتنياهو "قبل لحظات، شنّت إسرائيل.. عملية عسكرية مُحدّدة، الهدف منها صدّ التهديد الإيراني لبقاء إسرائيل. هذه العملية ستستمرّ بقدر ما يلزم من أيام للقضاء على هذا التهديد". وأضاف "لقد ضربنا قلب البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم. لقد ضربنا قلب البرنامج النووي العسكري الإيراني. لقد استهدفنا منشأة التخصيب الإيرانية الرئيسية في نطنز"، مشيراً أيضاً إلى أن الغارات استهدفت أيضاً "قلب برنامج الصواريخ البالستية الإيراني" و"علماء" إيرانيين "يعملون على القنبلة الإيرانية".