
عقاراتنا وثقافة «افرق السوم»
لو عدنا للأصل لوجدنا أن العقار منتج عيني يرتبط بالحاجة لا بالعرض الافتراضي، ومن ثم فإن حقيقة المشكلة اليوم تكمن في غياب التوازن بين عرض حقيقي مقنع وطلب جاد ينتظر الفرصة. هناك كثير من العقارات المعروضة، لكن القليل منها يتصف بالجدية، سواء من حيث السعر، أو الموقع، أو اكتمال الخدمات، أو سلامة الصك، أو الاستعداد للتفاوض
تبدو المشكلة للوهلة الأولى كما لو كانت بسبب "ضعف الطلب" أو "شح السيولة" أو "ارتفاع الفوائد البنكية" أو غير ذلك؛ لكن كل تلك أسباب ثانوية تُخفي خلفها المعضلة الحقيقية.
الواقع العقاري يحدثنا أنه قد لا يعاني من قلة المشترين بل من ندرة الصفقات الجادة، بين بائع متردد ومشترٍ ضائع حائر بين الخيارات غير الواقعية.
من يراقب السوق العقاري في الرياض يلاحظ بوضوح أن كثيرًا من العروض العقارية المطروحة كأنها ليست عروضًا حقيقية للشراء، بل أشبه ما تكون بـ"استعراض تسعيري" أو "مضاربة صامتة"، حيث يضع بعض البائعين أسعارًا تفوق منطق السوق بكثير، ثم لا يُبدي أدنى مرونة في التفاوض، بل وقد لا يستجيب للاستفسارات الجادة أصلًا، ما يجعل تلك العروض جزءًا من ازدحام رقمي أكثر من كونها فرصًا حقيقية.
يظن بعض البائعين أن تمسكهم بأسعارهم المرتفعة سيجعلهم يربحون أضعافًا، متناسين أن الركود أطول عمرًا من الطمع، وأن تكرار الإعلانات دون بيع لا يضيف لقيمة العقار شيئًا، بل قد يقلل من جاذبيته بمرور الوقت. هذا "الجشع السعري" هو ما يُضعف السوق ويبرز انطباعًا بأن الأسعار متضخمة حتى وإن لم تكن هناك صفقات حقيقية تدعم تلك الأرقام.
على الطرف الآخر، يقف المشتري حائرًا. هو لا يرفض الشراء، بل يبحث عن عقار مناسب بسعر عادل، لكن كلما اقترب من قرار الشراء، قد يجد نفسه أمام أراضٍ عليها متطلبات، أو عقارات لم تكتمل خدماتها عبر عروض مبالغ في قيمتها، أو بائعين غير جادين لذا، لا يتراجع عن الشراء من باب العجز، بل من باب "عدم الثقة في المعروض"، وهو أمر منطقي في ظل غياب الشفافية في كثير من المنصات العقارية.
هنا لا يعود القرار بيد المشتري فقط، بل يصبح السوق بيئة طاردة للصفقات، تُحبط الداخلين، وتدفع الجادين إلى الانتظار أكثر، أو إلى البحث في مدن أخرى أقل تضخمًا.
لو عدنا للأصل لوجدنا أن العقار منتج عيني يرتبط بالحاجة لا بالعرض الافتراضي، ومن ثم فإن حقيقة المشكلة اليوم تكمن في غياب التوازن بين عرض حقيقي مقنع وطلب جاد ينتظر الفرصة. هناك كثير من العقارات المعروضة، لكن القليل منها يتصف بالجدية، سواء من حيث السعر، أو الموقع، أو اكتمال الخدمات، أو سلامة الصك، أو الاستعداد للتفاوض.
وبالتالي، فإن السوق لا يعاني نقصًا في المشترين، بل يعاني من غياب "المعروض الناضج" الذي يمكن التعامل معه بمرونة وتفاهم، وهو ما يتطلب تحولًا في ثقافة البيع والشراء وتغيراً في وعي أطراف العقار.
مع إدراكنا أن المنطق الاجتماعي المتداول يرى أن ملك كل شخص هو "حلاله" وبكيفه يبيع، أو يرفض، يزيد السعر، أو يشترط بمزاجه ولا أحد يجبره وهذا عرف مجتمعي وهذا بسبب تعزيز ذاتية الجشع والانتهاز وإخضاع النوايا بالبيع إلى أطماع وخشية من الخسارة أو فقدان المزيد من الربح مستقبلاً وهذا توجه يكرس تجاهل التوجيه النبوي "رحم الله رجلاً سمحـًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى". لذلك تترسخ مسألة مهمة أن هناك إشكالية في نفسية البائع وشعوره بالبرود أحياناً عند عرضه لعقاره لذلك نشاهد الإعلانات المتكررة، أو غير الجادة، أو الانسحاب والتردد عند جدية المشتري، أو تعقيد البيع بثقافة "افرق السوم" توقعاً منه أن هناك رقماً سيخسره لو حدد سعراً نهائياً مناسباً فهو يريد المزيد لو لم يستحق عقاره مع أن هذا الفرد عندما يكون مشترياً سيكون منتقداً ومتذمراً وكذلك هناك حالة عجيبة تعليق البيع بشروط غريبة كربطها بتوزيع السعي ومحاولة اقتناص حصة منه.
كذلك تجد حالة من الاستغراق النفسي عند بعض مكاتب الوساطة العقارية بسبب تقديم حرصهم على كامل السعي حتى لو لم يبع العقار لذلك يحبسه ذلك عن منفعة البائع لذلك يعيش في جو من البلادة العقارية إذا شعر بأن نصيبه من السعي سيتضاءل ويتقسم بين فريق من المشاركين
كذلك للأسف أنه لا توجد آلية نظامية تسهم في إجراء تسعير منطقي عبر مقارنات حقيقية بالسوق.
لذلك من المهم أن تُقيمّ العقارات بناءً على الموقع، والمساحة، والعمر، والخدمات، مما يساعد على كشف التضخم السعري غير المنطقي.
والمأمول أن هيئة العقار تدرس إطلاق منصة موثوقة للعقارات الجاهزة للشراء فقط: وتُدار من جهة موثوقة، يتم فيها التأكد من جاهزية الصك والتسعير الواقعي قبل النشر، وتُعرض فيها العقارات التي يقبل أصحابها مبدأ التفاوض المنطقي.
ولاشك على الجهات ذات العلاقة بالعقار ومراكز التواصل المرتبطة بها يكون لديها برامج عن التوعية المجتمعية بواقعية التسعير عبر الحملات الإعلامية التي توضح للناس الفارق بين السعر العادل والتضخم الوهمي، وتبرز آثار الجشع العقاري على السوق والاقتصاد المجتمعي الأسري.
إن أزمة العقار في الرياض ليست أزمة طلب ولا أزمة تمويل فحسب، بل هي أولًا وأخيرًا أزمة تفاهم بين من يبيع ولا يريد أن يبيع، ومن يشتري ولا يجد ما يستحق الشراء. ما لم تتغير هذه المعادلة.
ويبقى القول: السوق سيبقى مرآة لجشع بعض الأطراف، وتردد البعض الآخر، وسط ضياع فرص حقيقية للنمو والاستقرار السكاني.
السوق بحاجة لتوازن، ولعروض واقعية محددة بالنوايا السمحة بعيدة عن ثرثرة "افرق السوم" و"على الشور" تتحدث بلغة الأرض لا لغة الأمنيات، حينها فقط سيكون العقار في الرياض فرصة حقيقية لا سراباً..
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
سيتي بنك يتوقع بلوغ أسعار النفط 75-78 دولار للبرميل إن تعطلت صادرات إيران
توقع محللون في سيتي بنك أمس الخميس أن يؤدي تصعيد الصراع بين إيران وإسرائيل إلى ارتفاع أسعار خام برنت بنحو 15 إلى 20 بالمئة من متوسط سعره قبل الصراع إذا تسببت الحرب في تعطيل 1.1 مليون برميل يوميا من صادرات النفط الإيرانية. وقال سيتي في مذكرة "هذا يعني أن أسعار برنت ستتحرك في نطاق 75 إلى 78 دولارا للبرميل". وكانت الأسعار تتحرك في نطاق 65 دولارا للبرميل في مايو أيار. وصعدت العقود الآجلة لخام برنت 1.48 دولار، أو 1.9 بالمئة، إلى 78.18 دولار للبرميل بحلول الساعة 1730 بتوقيت جرينتش أمس الخميس، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسليم يوليو تموز 1.72 دولار، أو 2.3 بالمئة، إلى 76.86 دولار. وقدر بنك جيه.بي مورجان في مذكرة أن أسعار النفط قد ترتفع إلى ما بين 120 و130 دولارا للبرميل في أسوأ السيناريوهات التي تتضمن توسع الصراع في المنطقة، بما يشمل إغلاق مضيق هرمز. وأثار الصراع بين إيران وإسرائيل مخاوف إزاء احتمال تعطل الإمدادات في الشرق الأوسط، مما دفع أسعار الخام إلى الارتفاع مع تقييم المتعاملين لتزايد المخاطر الجيوسياسية. وإيران هي ثالث أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إذ تنتج حوالي 3.3 مليون برميل يوميا من النفط الخام. وذكر سيتي أن تعطل حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا على مدى عدة أشهر قد يدفع الأسعار إلى 90 دولارا للبرميل. وقد يؤدي إغلاق لمضيق هرمز إلى ارتفاع حاد في الأسعار، لكن سيتي بنك يعتقد أنه سيكون لفترة وجيزة، إذ ستتركز الجهود على إعادة فتحه بسرعة. وأضاف أن تعطل صادرات النفط الإيراني قد يكون له تأثير أقل على أسعار النفط مما كان متوقعا، بسبب انخفاض الصادرات وتراجع المشتريات الصينية بسبب ارتفاع الأسعار حاليا. وأوضح سيتي أن "الإنتاج في أماكن أخرى على مستوى العالم ربما يكون ارتفع بما يكفي لتعويض تأثير التعطل، ولا سيما إذا كان تعطل الإنتاج متوقعا". وأضاف أن زيادة الإمدادات من أوبك قد تخفف أيضا من تأثير تعطل صادرات النفط الإيراني المحتمل. وأشار بنك جولدمان ساكس أمس الأربعاء إلى أنه يقدر علاوة المخاطر الجيوسياسية بحوالي 10 دولارات للبرميل بعد ارتفاع أسعار برنت إلى ما بين 76 و77 دولارا للبرميل، في حين قال بنك باركليز إن الصادرات الإيرانية إذا انخفضت بما يعادل النصف، فقد ترتفع أسعار الخام إلى 85 دولارا للبرميل، وقد تتجاوز الأسعار 100 دولار في "أسوأ الحالات" في حال اندلاع صراع أوسع.


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
ويؤكد أهمية تحويلها إلى برامج مستدامة تخدم القطاع الإعلاميرئيس المنتدى السعودي للإعلام يُكرّم صُناع المبادرات
كرّم رئيس المنتدى السعودي للإعلام، الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون، محمد بن فهد الحارثي، فريق عمل مبادرات المنتدى، تقديرًا لجهودهم النوعية التي أسهمت في تحويل المنتدى إلى منصة إنتاج نوعية حقيقية للمشاريع والمبادرات الإعلامية الهادفة. وأشاد الحارثي بما حققته مبادرات المنتدى من أثر ملموس وتفاعل واسع، مشيرًا إلى أن التفاعل الكبير والمشاركة الواسعة من جهات محلية ودولية تؤكد قدرة الإعلام السعودي على أن يبادر ويقود ويبتكر، وليس فقط أن يتلقى أو يتفاعل، مؤكدًا أن العمل المؤسسي هو ما منح هذه المبادرات قدرتها على الاستمرار والتأثير، مؤكدًا أهمية تحويلها إلى برامج مستدامة تخدم القطاع الإعلامي على مدار العام. يُذكر أن المنتدى شهد إطلاق حزمة من المبادرات النوعية التي شكلت ركيزة أساسية في برامجه، وجاء في مقدمتها مبادرة "جسور الإعلام"، التي هدفت إلى بناء روابط إستراتيجية بين كبرى شركات الإنتاج الإعلامي العالمية والمواهب والشركات السعودية الناشئة، كما برزت مبادرة "سفراء الإعلام" بالتعاون مع جميع كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية، التي سعت إلى تمكين طلاب وطالبات التخصصات الإعلامية في الجامعات السعودية، وتأهيلهم لتمثيل المملكة في المحافل الدولية والمحلية، وقد شارك فيها (14) سفيرًا إعلاميًّا من مختلف الجامعات. وشملت المبادرات كذلك "SMF Connect"، التي جمعت بين الإعلام واللغة لتعزيز التفاهم الثقافي وتوسيع آفاق الحوار العالمي، إضافة إلى "Saudi MIB" بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، التي وظّفت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير المحتوى الإعلامي، ودعمت تحويل الأفكار الابتكارية إلى مشاريع تقنية قابلة للتنفيذ، وحقق البرنامج أثرًا ملحوظًا على مستوى المشاركة والتفاعل، وبلغ عدد المشاركين أكثر من (80) مشاركًا، واختيرت (3) مشاريع فائزة بعد مراحل من المنافسة والتقييم. وفُعّلت هذه المبادرات في عدد من المحافل الدولية مثل مهرجان "كابسات"، ويجري حاليًّا تفعيلها في تونس على هامش المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون.


مباشر
منذ 2 ساعات
- مباشر
إنفوجرافيك: الإمارات أفضل وجهة لصفقات الدمج والاستحواذ بالربع الأول
أبوظبي - مباشر: حافظت دولة الإمارات على مكانتها كأفضل وجهة لصفقات عمليات الدمج والاستحواذ في الربع الأول من العام مع انفرادها بإجمالي 63 صفقة بقيمة 20.3 مليار دولار، بحسب تقرير حديث لـ "إرنست ويونغ". وظلت صناديق الثروة السيادية مثل جهاز أبوظبي للاستثمار، وصندوق الاستثمارات العامة، ومبادلة، محركات رئيسة لعمليات الدمج والاستحواذ في الربع الأول من عام 2025، في اتجاه يتماشى مع الاستراتيجيات الاقتصادية الوطنية وأهداف التنويع الاقتصادي. وأسهمت عمليات الاندماج والاستحواذ العابرة للحدود بدور مهم في نشاط الصفقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تم تسجيل 117 صفقة بقيمة 37.3 مليار دولار . وارتفعت القيمة الإجمالية للصفقات المعلنة في المنطقة خلال الربع الأول من هذا العام بنسبة 66% لتصل إلى 46 مليار دولار، مقارنة مع 27.6 مليار دولار في الربع الأول من عام 2024. والإنفوجرافيك التالي يوضح محافظة دولة الإمارات على مكانتها كأفضل وجهة لصفقات عمليات الدمج والاستحواذ خلال الربع الأول من العام 2025: