logo
من صيد الخاطر: يَأكُلُ بالضِّرسِ الَّذي لَمْ يُخْلَقْ

من صيد الخاطر: يَأكُلُ بالضِّرسِ الَّذي لَمْ يُخْلَقْ

«يَأكُلُ بالضِّرسِ الَّذي لَمْ يُخْلَقْ»، مثل عربي قديم وغريب، فهو يُضرب فيمن يُحب أن يُحْمَدَ من غير إحسان، أي فيمن يريد أن يمدحه الناس بما لا يستحقه.
الله سبحانه قال عن هؤلاء في محكم كتابه: «لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تحْسَبنّهم بمَفازَةٍ من العَذابِ وَلَهُم عَذابٌ أليمٌ»، ورسولنا عليه السلام قال: «المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثَوبَيْ زورٍ».
وقيل لمتعطشي المديح: إذا سمعت من يمدحك بما ليس فيك، فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك، فإذا مدحت فامدح بصدق، ولا تبالغ، وإلا فسيرى الناس أنها سخرية بهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «احثُوا في وجوه المدَّاحينَ التُّرابَ».
وقال مالك بن أنس فيمن يمدح نفسه: إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه، ذهب بهاؤه، فإذا كان الذي يمدح نفسه بما فيه يذهب بهاؤه، فكيف بمَن يمدح نفسه بما ليس فيه؟ وسُئِل حكيم: ما الذي لا يحسن وإن كان حقاً؟ قال مدح الرجل نفسه.
فما أكثر هذه النوعية من البشر الذين يعتقدون في أنفسهم العَظَمة، ويمشون بين الناس في خيلاء، لا تكاد الأرض تسعهم، وهم في حقيقة أمرهم لا يساوون «شروى نقير».
وعندما يقال لأحد إنه لا يساوي «شروى نقير» فهذا يعني أنه تافه لا يساوي حتى حبة خردل، و«النقير» يساوي ستة «قطميرات»، وهو من المكاييل والموازين الشرعية المعتمدة قديماً حتى أنه ورد ذكره في القرآن، و«النقير» هو النتوء الصغير البارز من أعلى النواة الذي تنبت منه النخلة، أما القطمير فهو الغشاء الشفاف الخفيف جداً الذي يغطي النواة.
فالتشبيه بالنقير يدل على ضآلة وحقارة من شُبِّه به، وقد وردت لفظة النقير في القرآن الكريم مرتين، وكلتاهما في سورة النساء. قال الله تعالى: «أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا»، وقال: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا».
أما المتنبي فذكر النقير قائلاً:
فَقُلْ في حاجةٍ لم أقْضِ مِنها
على شَغَفي بها شَرْوَى نَقِير
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الابن الشاطر تمرّد على «المدرسة الرحبانية» (محمد ناصر الدين – الأخبار)
الابن الشاطر تمرّد على «المدرسة الرحبانية» (محمد ناصر الدين – الأخبار)

المدى

timeمنذ 2 ساعات

  • المدى

الابن الشاطر تمرّد على «المدرسة الرحبانية» (محمد ناصر الدين – الأخبار)

«زياد الرحباني يلتقي مع كل إنسان جاء إلى هذه الأرض»: ربما تلخص هذه الجملة التي قالها الشاعر الجنوبي جوزف حرب كل التجربة العبقرية والفذة لزياد الرحباني (1956-2025) الذي تشبه في مشتركها الإنساني ما وصف به أبو الفرج الأصفهاني في كتاب «الأغاني» حال المغني ابن سريج الذي يقال إنه أول من أدخل آلة العود الخشبية إلى الحجاز، ليقول عنه إبراهيم الموصلي بعد قرن من الزمن: «كأنّه خُلق من كل قَلب فهو يغنّى له ما يشتهي». هكذا جعلتنا ظاهرة الولد العبقري نقف أمام أفولها بالموت كأننا أمام خسارة شخصية، لأن زياد لم يسكننا بالموسيقى والفن فحسب، بل في لغة كاملة اخترعها ورشقهَا وصقلها كما تصقل السكين اللامعة ثم ألقاها فوق ألسنتنا لنشرّح بها الوطن والحرب والطائفية والحب. لغة تتردد ذهاباً وإياباً بين الفن والحياة بوجهها الصلف والهش والعاري والملتبس، تردّد الشعر بين الصوت والمعنى وفقاً لمقولة بول فاليري الشهيرة. فكيف خرجت تلك الظاهرة في الموسيقى والمسرح والإذاعة، التي اسمها زياد الرحباني وتشاكلت وانجدلت في حياتنا حتى خلنا أنها لا تنتهي انتهاء الحياة ذاتها، ليصفعنا الموت بنهايتها بما يترك تلك الغصّة في القلب والمرارة فوق اللسان؟ لا بد من العودة إلى البدايات لدراسة هذه الظاهرة التي لا تشبه إلا نفسها: المسار البيويولوجي الجيني أولاً، فهو ابن البيت الرحباني والنهضة الغنائية التي حققتها الأسرة الرحبانية التي مثلها الثلاثي فيروز وعاصي ومنصور على مدى ما يزيد على نصف قرن. نهضة لا بد من رؤيتها في سياق اجتماعي-سياسي هو تاريخ لبنان الحديث، أو تاريخ الدولة اللبنانية وما واكب ذلك من ديناميات في المجالات الثقافية. في هذه اللحظة المثقلة بالحنين الشعري ولدَ ما تسمّيه الناقدة خالدة سعيد «يوتوبيا القرية اللبنانية» التي بنت العبقرية الموسيقية والشعرية والمسرحية لعاصي ومنصور الرحباني صورتَها المثالية، وتجلّت روحها في الصوت الملائكي لفيروز، البطلة التي تحمل قيم هذه القرية وتصون التجانس الجمعي للقرية المتخيلة بنقطة انطلاقها المرجعية المتمثلة في الثقافة الشعبية لجبل لبنان. ثم ما لبثت هذه الصورة المشهدية النمطية أن احتلّت معظم النتاج الرحباني حتى وفاة عاصي وذهاب فيروز ومنصور كلّ في اتجاه. الورشة الفنية الباذخة هذه للأخوين الرحباني شكّلت «البيئة الحاضنة» التي تلمّس فيها الولد الموهوب أولى خطواته، وسط إحاطة خاصة من عاصي بعبقرية الولد في إتقانه المبكر للعزف على آلتين على طرفي نقيض: البزق التي تنضح بروح الشرق، والبيانو الذي ينطق بروح الغرب، وهو ما سيطبع نتاجه في ما بعد بتلك الجدلية عبر التعاطي مع الموسيقى العالمية تأليفاً وعزفاً وأداء من خلال مناخ الموسيقى الشرقية، والبحث كما يقول الباحث الموسيقي طلال وهبة عن «مناحٍ جديدة في تأليف الأغنية العربية والعلاقة بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية، وعلاقة الأغنية العربية المعاصرة بالتراث الشرقي، وتأثير التيارات الاجتماعية في ذلك وكيفية الربط بين التراث والواقع المعاش، وكيفية التوصل إلى أجوبة ميدانية لذلك». المسيرة اللاحقة للولد العبقري ستجزم بأنه أجاب عن كل هذه الإشكاليات الثقافية العويصة، ولو لم تكن هذه الأسئلة الفنية المعقدة حاضرة بصيغتها المنهجية المنظمة في دماغ الولد الذي كتب ديواناً أسماه «صديقي الله» وهو في عمر الـ 13، وهي السنة ذاتها التي بدأ فيها دروسه النظرية في الموسيقى مع بوغوص جلاليان وظهرت عليه أولى أمارات النبوغ الموسيقي حين يظهر عازفاً بديلاً سنة 1971 في فرقة فيروز، وتلحينه أغنية «ضلّك حبيني يا لوزية» للفنانة هدى حداد. يمكن اعتبار مسرحية «سهرية» التي كتبها ولحنها سنة 1973 بمنزلة البصمة الشخصية المستقلة لصاحبها، فالمسرحية التي وإن بدت من ناحية المكان (القرية اللبنانية بتراثها وفولكلورها) متأثرة ببداية الأخوين الرحباني الإذاعية والمسرحية، إلا أنها من الناحية الموسيقية كشفت عن خلطة مبتكرة من الفولكلور المشرقي والموسيقى الرحبانية والتأثر بفيلمون وهبي. طابع سيطغى على لحن زياد الأول لفيروز «سألوني الناس عنك يا حبيبي» في مسرحية «المحطة» في السنة ذاتها، ثم تطعيم اللحن بالطابع الغربي كما بدا ذلك واضحاً في «قديش كان في ناس» و«نطرونا كتير» و«حبّو بعضن»، لتظهر شخصيته الموسيقية في عمل ناضج ومكتمل في لحن «وحدن» الذي جمعه بصوت فيروز وكلمات طلال حيدر. إلا أن أهمية «سهرية» تكمن في الجدلية المتفجرة في «يوتوبيا القرية اللبنانية» ذاتها التي التفت إليها الشاب العبقري الذي بدأ يتبحّر بقراءة فرويد ويونغ وأدلر طارحاً على نفسه السؤال الصعب: هل وجدَت تلك القرية الرحبانية الجميلة حقّاً؟ لذلك، راح يبحث عنها في نقيضها، في مدينة التمدين الفجّ والعشوائي مع استنفاد مفاعيل المرحلة الشهابية، على ما ذهب إليه الشاعر الجنوبي عصام العبدالله في التقاطة مدهشة: «ما في مدينة اسمها بيروت/ بيروت عنقود الضيع». المدينة المتشكلة رأسمالياً بطبقاتها المسحوقة والوسطى والعليا الممتلكة لرأس المال، وصراعاتها الطبقية والأهلية كانت تنذر بفتيل حرب قادمة بعد سنتين لا أكثر من «سهرية». لم ينقلب زياد على الإرث الرحباني الغنائي بعد «سهرية»، بل كان ما فعله بمشروع أهله على ما يذهب إليه الناقد كريستوفر ستون بمنزلة تحويل المسرح من الملحمة إلى الرواية: «ما يسم الملحمة بحسب باختين وغيره أمثال لوكاش هو ابتعادها وانكتامها عن أي حاضر، وفي حين تنظر الملحمة إلى الوراء، فإن الرواية متجذرة في الحاضر، بل تنظر دائماً إلى الأمام. وخلافاً لمسرحيات الأخوين رحباني التي تنتهي بالزواج أو النصر العسكري، فإن مسرحيات زياد أكثر إشكالية، من الثورة الناقصة في نهاية «نزل السرور»، إلى القدر غير المعروف لثريا وزكريا في «بالنسبة لبكرا شو»، فإلى العلاج المشبوه للمرض في خاتمة «فيلم أميركي طويل»، وانتهاء بالمسرحية التي لن تعرض في «شي فاشل». لا عجب، والحالة هذه، أن تُعتبر مسرحيات زياد متنبئة بأحداث المستقبل، في حين وصف مسرح الأخوين رحباني بأنه تعبير عن الحنين إلى ماضي يوتوبي ما». وهكذا شكلت محاولة زياد انتفاضة مدينية في قلب البيت الرحباني. كانت مسرحيتا «نزل السرور» و«بالنسبة لبكرا شو» بمنزلة قراءة فنية وثقافية في تفاصيل الحياة اليومية للمدينة بصراعاتها الطائفية والأهلية، والأهم بلغتها الشعبية. حتى إنّ الناس تفاعلوا مع هذه الشخصيات واستعاروا قاموسها و«قفشاتها» وسخريتها السوداء التي تسخر من كل شيء، حتى من أصحابها أنفسهم: كان زياد قد تحرر من فانتازيا الأحادية اللغوية (وتحديداً لهجة جبل لبنان) وقرينتها الأحادية الثقافية التي يربطها باختين بالطغيان السياسي، ومن محاولتهم فرض هذه الأحادية على أشكال الفن الأخرى مثل الدبكة المتعددة في منطقة بلاد الشام. المتتبع لسيرة الرجل الذي برع في اختراع الجدليات انطلاقاً من المنهج الماركسي الذي ظل وفيّاً له حتى آخر يوم في حياته، لا يمكن أن يغفل عن الجدلية الكبرى: جدلية فيروز-زياد، التي لا ينتبه من يشير إليها إلا إلى طرف من أطرافها. أنزل الولد الأم-الأيقونة من برجها العاجي في اللغة والموسيقى واستدرجها إلى الإيقاع اليومي الذي يعمل على اكتشاف جمالياته الخاصة، إلى عالم هدم اليوتوبيا وإقامة الراهن في الانكسارات والاغتراب واقتحام تناقضات وعري الحياة اليومية، إلى حيث يحب أن يسمعها الصيادون في المراكب، والتلامذة في المدارس، والناس البسطاء في الأسواق والطرقات والمقاهي، في كلام يشبه اللغة الشائعة مثل «ولو شو بشعة مرتو»، و«كان غير شكل الزيتون، كان غير الشكل الصابون»، وبألحانها المرحة التي يواصل فيها الولد المشاغب لعبة استكشاف المساحات المشتركة بين الجاز والموسيقى العربية. في الختام، لا بد من نقطة أخيرة حول مفردة «العبثية» التي يطيب لكثيرين وصم تجربة زياد الرحباني بها، ولا سيما من قبل المعسكر المعادي للالتزام الفكري والعقائدي لزياد في مواجهة الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة والصهيونية البربرية، ودعمه لكل حركات المقاومة وإعجابه بلا مواربة بشخصية السيد الشهيد حسن نصر الله في مشروعه لمجابهة الاحتلال. كان زياد على ما قاله في حوار مع نزار مروة يقارب الحرب بوعي سياسي مكتمل، «في الوقت الذي كانت الحرب هي العبثية». قارب يوميات الحرب الأهلية اللبنانية وكل القضايا التي تعصف بمنطقتنا الملتهبة بوحي من هذا الالتزام السياسي والأخلاقي ولو بصيغة ساخرة، إذ يذكر رسام الكاريكاتور المصري بهجت عثمان في حديث مع الموسيقار والناقد الياس سحاب إنه درس في ألمانيا أصول الفنون التحريضية، ولكنه لم يفهم من تلك المحاضرات شيئاً عن روح الفن السياسي التحريضي كما فهمه بعد الاستماع إلى تسجيلات «بعدنا طيبين قولو الله» الذي بثه زياد مع زميله جان شمعون في الإذاعة اللبنانية، وبرنامج «العقل زينة» على أثير «صوت الشعب». انطفأت الشعلة المتوهّجة في هذا اليوم الحزين من تموز، وأغلق غطاء البيانو في حانة «بلو نوت»، وانتظرنا «العشاق تنين تنين» على موقف دارينا. كان الولد يشاغب على كل شيء، على نوتة أبيه، وبشاعة الحرب، وأفول الموهبة وشراء المثقفين من أنظمة البترودولار، شاغبَ حتى أضحك «صديقه الله»، الذي أخذه إليه بعدما غنى لكل قلب ما يشتهي. يودع لبنان اليوم زياد الرحباني. صباحا، وعند الثامنة يتجمع الأصدقاء والرفاق أمام «مستشفى خوري» في الحمرا. ليصار بعدها الى الانتقال بالنعش نحو انطلياس، قبل الرحلة الاخيرة عند الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم نحو كنيسة «رقاد السيدة – المعلقة» (بكفيا)، ويوارى الجثمان في مدافن العائلة. تقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة ابتداءً من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى الساعة السادسة مساءً ــ كما تقبل التعازي غداً في صالون الكنيسة من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى الساعة السادسة مساءً.

لماذا فضل شاكر أحلى رسمة؟
لماذا فضل شاكر أحلى رسمة؟

الرأي

timeمنذ 10 ساعات

  • الرأي

لماذا فضل شاكر أحلى رسمة؟

في عالم يبيع الوهم بأسعار الذهب، حيث تختفي الأصوات الحقيقية خلف جدران الاستديوهات الفاخرة وفرق التسويق الجرارة، يخرج صوت من قلب المخيم... من غرفة صغيرة، بجدران تسمع أنين التاريخ، وبأدوات بسيطة: تليفون، مايك، وقلب كبير... هذا الصوت اسمه فضل شاكر. ليس نجماً ساطعاً في سماء صناعة الترفيه... ليس «سوبر ستار» يلمع ثم ينطفئ. ليس مطرباً يبيع صوته في سوق النفاق، حيث تُباع الأناشيد الدينية في ساحات السياسة، وتُهدى الأغاني الماجنة في بارات الليل. فضل شاكر شيء آخر: «فنان» لبناني ابن المخيم الفلسطيني الذي لا ينكر أباه... ابن البلد المضطرب الذي لا يتنكر لألمه. الغرفة الصغيرة كانت كافية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث الاضطراب حائط وحياة، كان الاضطراب الخارجي يطلب اليأس. لكن فضل شاكر اختار الرسم... ليس بالفرشاة والألوان الباهظة، بل بالكلمة والصورة والصوت. أغنية «أحلى رسمة». ولدت في غرفة... كاميرا الهاتف هي عين العالم... المايك البسيط هو جسر الصوت... لا إضاءة فاخرة، لا مؤثرات تخطف الأنفاس. فقط شاب، ونظارة شمسية تخفي ما يخفيه المطربين بالمكياج، وحكاية تريد أن تُروى. أليس هذا هو جوهر الفن الحقيقي؟! أن تصنع الجمال من رحم القلة؟ أن ترسم الكون وأنت في زنزانة؟ لقد أثبت فضل شاكر أن «القليل» في يد من يؤمن، يصبح «كثيراً» يهز النفوس. لقد رسمت الشعوب أحلامها دوماً على جدران السجون وأوراق الخبز، وها هو فضل يرسم أغنيتنا على شاشة هاتف. يقولون «خاض رحلة إلى الله». صحيح. لكن رحلته لم تكن في السماء المعزولة. كانت على الأرض الوعرة. في الطريق، صادف فضل شاكر البشر... صادف الأجندات الخفية. صادف وجوه المخيم المتعبة، صادف آلام أمته وبلده، صادف ظلم المحيط. فلم يغلق عينيه. تعلم. سمع. تألم. غنى. غنى للحب، للوطن، للقضية، للكرامة، لله. غناه صادقاً، بلا زيف. «ولا يؤذي أحداً». هذه بوصلة أخلاقه. الفن الذي لا يجرح كرامة إنسان، الفن الذي يبني ولا يهدم، الفن الذي يقول الحقيقة بلطف أو بقوة، من دون أن يخون إنسانية الآخر، حتى لو اختلف معه. هذه هي رسالة الفنان، لا تاج النجم الزائف! وحتى لو أخطأ في الطريق فهو «الجدع» - باللهجة التي تحمل دفء الأرض وملح البحر - ابن المخيم. لا يتبرأ من هويته، لا يخجل من حكايته، لا يبيع مأساته لعقد التلفزيونات. يتحدث عن أصله بفخر حزين. عندما يعلو صوته، تعرف أن صوت المخيمات يرتفع معه. عندما يتفاعل مع قضايا مجتمعه، تعرف أن قلبه ينبض مع نبضهم. هذا ليس «مطرباً». المطربون يؤدون... الفنانون يعيشون ما يؤدون... نجاح «أحلى رسمة» لم يصنعه فريق تسويق عالمي. صنعه الصدق. صنعه الألم المطرز ألحاناً. صنعه الإيمان البسيط..لذلك يقول فضل شاكر كلمته التي تزلزل أبراج الصناعة الفارغة: «بتوفيق الله... وليس بفريق التسويق عندي». إنها صفعة للفن السلعة، ونشيد للفن الهبة. لماذا نحبه إذاً؟ لماذا نتعاطف معه؟ لأنه يشبهنا. ليس بطلاً خارقاً... ليس ملاكاً منزهاً. هو إنسان. فيه ضعفنا وقوتنا. حلمنا وإحباطنا. إيمانه وشكواه. يكافح. يخطئ. يتعلم. يسقط ويقوم. يغني وهو يبكي. يضحك وفي عينيه غيمة. يبحث عن الله في زحام الدنيا. لا يدعي الكمال، بل يظهر الإنسانية بكامل تجاعيدها وجمالها. هذا هو الفنان الذي نريده... الذي نحتاجه. ليس الصنم اللامع، ولا نجم الشباك المصنوع من التسويق بل المرآة التي تعكس وجوهنا الحقيقية، في المخيم، في القرية، في المدينة، في قلب العاصفة. فضل شاكر لم يبنِ أبراجاً من ذهب بأغانيه... بنى جسوراً. جسوراً من الأصوات بين المخيمات وبين القلوب. جسور بين القلة والكثرة، بين اليأس والأمل، بين الأرض والسماء. أغنيته «أحلى رسمة» هي خريطة طريق. تذكرنا: عندما نؤمن، حتى التليفون في غرفة صغيرة بمخيم محاصر، يمكنه أن يرسم للعالم كله... «أحلى رسمة». رسمة كرامتنا التي لا تباع، وأملنا الذي لا يموت، وصوتنا الذي لا يُسكت. هذه هي قوة الفن الحقيقي. وهذا هو فضل شاكر: فناننا الذي يشبهنا... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر... وكل ما لا يراد به وجه الله، يضمحل.

نجوم العرب: العين دامعة على زياد الرحباني والقلوب مع فيروز... «الأم الحزينة»
نجوم العرب: العين دامعة على زياد الرحباني والقلوب مع فيروز... «الأم الحزينة»

الرأي

timeمنذ 14 ساعات

  • الرأي

نجوم العرب: العين دامعة على زياد الرحباني والقلوب مع فيروز... «الأم الحزينة»

يودّع لبنان غداً، الكبير زياد الرحباني في مأتمٍ عائلي يواكبه أبناء «بلاد الأرز» والعالم العربي وكأنه لرحيلِ علامةٍ فارقةٍ طَبَعَتْ يومياتهم بحُلْوها ومُرّها، وأحلامهم بأبيضها والأسود، وذاكرتهم الجميلة أو المثقوبة بالأوجاع. من أمام مستشفى خوري في بيروت حيث أغمض زياد عينيْه، سيبدأ اليوم الحزين مع احتشاد محبي مَن وصفه وزير الثقافة غسان سلامة بأنه «موزار لبنان» لمرافقة موكب التشييع إلى المحيدثة في بكفيا. وفي كنيسة «رقاد السيدة» سيُحتفل بالصلاة لراحة نفسه عند الرابعة من بعد الظهر على أن يقتصر التشييع كما أفادتْ تقارير صحافية على العائلة والحلقة الأضيق من القريبين، في حين تُقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة (ابتداءً من الساعة 11 قبل الظهر لغاية السادسة مساءً) وضمن الموعد نفسه. «الوداع الأخير» وعشية الوداع الأخير للفنان - الظاهرة، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي «سجلّ تعزيةٍ» برحيلِ «زعيم الشعب المسكين»، وسليل مَن وُصفت بأنها «العائلة الملكية الفنية» في لبنان. مُحِبّون، ناشطون، كتّاب، ممثلون، شعراء، فنانون، لبنانيون وعرب... كلّهم كأنهم يتقدّمون بالتعازي ويتقبّلونها، بغيابِ من تَرَكَ لهم كنزاً في الموسيقى والمسرح وحَزَمَ أعوامه ومشى من دون أن يجيب عن سؤاله «بالنسبة لبكرا شو»؟ ولم يكن المشترَك في رثاء أحد عظماء الفن في لبنان والعالم العربي، الحزن العميق والقلوب المكسورة لفقدانِ الساحر في فنّه والساخر في نقده فقط، بل الفائض من الحب والقلق على «الأم الحزينة» السيدة فيروز التي خسرتْ «قطعةً من روحها» ولَحْنَ حياتها. «نجوم الفن» نجوم من كل أقطار العالم العربي عبّروا عن ألمهم وتَعاطُفهم وكأن الساحة الفنية انحنتْ في تحياتِ وداعٍ لعبقريّ كأنه كان يرسم نهايته حين كتب «أنا صار لازم ودّعكن... ودايماً بالآخر في آخر في وقت فراق». الإعلامي ريكاردو كرم كتب: «كانت فيروز تسجّل أغنية جديدة... وزوجها عاصي في المستشفى بعد إصابته بالنزيف الدماغي. المشهد يختصر كل شيء. وبجانبها، شاب في السابعة عشرة من عمره، يُدعى زياد. لم يكن مجرد ابن، بل صار منذ تلك اللحظة الملاك الحارس، السند، والظلّ الذي لا يفارقها. يوم سقط عاصي، وقف زياد. لا وقت للحزن، لا متّسع للمراهقة. صار العين التي ترى، والأذن التي تسمع، واليد التي تكتب، والنبض الذي يُكمّل اللحن. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت فيروز تغنّي بصوتين: صوتها... وظلّ زياد خلف الزجاج، يراقب، يتدخّل، يحترق، ويُحبّها كما لم يُحبّ ابن أمّه يوماً. سنوات مضت... والصبي الذي حمل عنها همّ العالم، يغيب عنها إلى الأبد. ما من كلمات تُقال... ليل أمس، السماء سمعت صوت فيروز، مرتجفاً، مختنقاً، باكياً كما لم يُسمع من قبل. كانت تنتحب ولدها. رحل زياد... ابن فيروز، وكونها كلّه». وقالت الفنانة شيريهان: «أنعي الفن كل الفن، أنعي لبنان وقلبي...مكسور. أصلي وأدعي للأم فيروز الإرادة، الصبر، الصلابة، العزيمة والفن والإبداع والأصالة... أنعي الفن والإبداع، أنعي لبنان وقلبي... زياد الرحباني تاريخ ما بيموت أبداً». وكتبت الفنانة يسرا: «خالص عزائي في وفاة الموسيقار العظيم زياد الرحباني... فقدْنا قيمة فنية وقامة لا تعوض... أرسل تعزياتي لوالدته الفنانة العظيمة فيروز... ربنا يرحمه ويسكنه فسيح جناته ويصبرك على هذا الفراق الأليم». وقالت الفنانة أصالة: «سيّدتي الأغلى يا ساكنة بقلوبنا بأعلى وأجمل مكان الله يرحم ابنك الفنان الكبير زياد الرحباني، ابن المجد وصنّاع الفن البديع وبدعي ربي يمسح بالصبر على قلبك الغالي ويهوّن عليك هالأيام الصّعبة يا سيّدة وطني يا طبيبتي ودوائي لجميع أوجاعي بصوتك وشموخك ومقامك العالي ياغاليتنا الله يكون معك يا أمنا الّلي أنجبت روحنا ياعظيمة يا فيروز». وكتبت الفنانة لطيفة التي تعاونت مع زياد الرحباني: «حبيت الفن والإبداع من خلال أعمالك. خسارتنا كثير كبيرة. كم كان عندي أمل أن كل شيء يكون تمام لكن قدر الله وما شاء فعل. حزن كبير يا أغلى من عرفت في حياتي... وداعاً زياد الرحباني». وقال الفنان مارسيل خليفة: «لعلّنا لم نفترق أبداً لكنّنا لن نلتقي»، فيما كتب مروان خوري: «دايماً بالآخر في وقت فراق، ووصلنا للآخر يا زياد، والموت هو الحقيقة المطلقة، بس الموت مش دايماً حدث، أحيان كثيرة بيكون قرار. أنت كنت عم تنسحب شوي شوي من واقع، ما عاد يشبهك ولا يشبهنا. أنت دايماً أجرأ منا بكل شيء... جيت على الدنيا حامل معك ضجيج وجودي وموسيقي وفكري وإنساني... فليت بهدوء الفلاسفة والزاهدين». وعلّق عاصي الحلاني: «رحل زياد الرحباني، العبقري الكبير الذي لامس أجيالاً كاملة بالفكر والموسيقى. فنان لا يتكرر بألحانه، وكلماته، ومسرحه، والنقد السياسي والاجتماعي، كان سابق عصره (...) رحل زياد، وبقي صوته في القلب والوجدان. التعازي الحارة والأسى الكبير للسيدة الأم فيروز. والرحمة لروحك يا زياد». وفي منشور للفنانة إليسا قالت: «زياد الرحباني ما كان فنان عادي والأكيد انو ما كان شخص عادي كمان. عبقريته الموسيقية والفنية ما بتتكرر، واليوم بخسارته خسر لبنان شقفة منو وشقفة كبيرة من ذاكرته الجماعية. فيروز سفيرتنا للدني كلها هي اليوم إم زياد، الله يعطيها الصبر والقوة. زياد، العظماء متلك ما بيموتوا». وكتب الفنان جورج وسوف: «رحل زياد العبقري، زياد المبدع. أعمالك رح تبقى خالدة وفنك العظيم بالقلب والفكر على مر الأجيال. أحرّ التعازي للسيدة فيروز الأم ولعائلة الرحباني ولكل محبيك يا زياد». وقالت الممثلة كارمن لبس التي سبق أن ارتبطت بزياد الرحباني لنحو 15 عاماً: «فكرت بكل شيء إلا إنو الناس يعزّوني فيك. الوجع بقلبي أكبر من إني أقدر أوصفو، أنا مش شاطرة بالتعبير، انت أشطر مني بكتير تعبّر عني... لو كان في بُعد، بس كنت موجود، وهلّق بطّلت. صعبة كتير زياد ما تكون موجود!! رح ابقى اشتقلك عطول لو انت مش هون. وحِبك، بلا ولا شي». وكتبت الممثلة ليلى علوي: «بوجع كبير بنودّع الفنان العظيم زياد الرحباني، مش مجرد فنان... زياد كان حالة، روح مختلفة، عبقري خلق لنفسه ولنا عالم خاص من الموسيقى والفكر والإحساس. خالص التعازي للسيدة فيروز... الأم، والقلب اللي أكيد وجعه كبير. ربنا يصبّرها ويصبّرنا على فراقك، رحلت يا زياد بس هتفضل عايش فينا». وأعرب الفنان صابر الرباعي عن حزنه، قائلاً: «رحم الله زياد الرحباني فلتة من فلتات هذا الزمن في مجال الموسيقى والكتابة والتلحين، كلمته واحدة وصريحة ولا يخاف أحداً، جريء جداً. سنفتقده. والتعازي الحارة لأيقونة لبنان والوطن العربي السيدة فيروز وكل العائلة الكريمة». واستعانت الفنانة رحمة رياض بكلمات زياد الراحل نفسه في نعيه: «بحبك بلا ولا شي»، مضيفةً: «يا عبقري الكلمة واللحن». أما الفنانة نانسي عجرم فكتبت: «المبدع لا يموت... الفنان الذي بقي في قلوبنا بفنّه الحر»، وغردت نوال الزغبي: «الله يرحمك، رحيل العبقري الرحباني». وعلقت السيدة ماجدة الرومي: «تحية إكبار لإبداعه. إرثه سيظل حياً في ذاكرة الأجيال». وكتبت الفنانة نجوى كرم: «رحل عبقري كبير من لبنان، سبق عصوره، ما بيشبه إلا حاله. زرع ضحكة مليانة عمق... ما بتتعوّض أبداً». ونشرت الفنانة جوليا: «زياد اللحن، واللحن ما بموت». وقال راغب علامة: «رحل عبقري لبنان... الفنان والإنسان الذي سكن قلوبنا بفنه الحر وكلماته الصادقة...حالة استثنائية متمردة». وإذ كتبت سلاف فواخرجي: «زياد مات تركنا عالأرض وراح... منمشي ومنكفي الطريق»، قال قصي خولي: «رحل آخر العباقرة». أما ديما قندلفت فعلّقت: «كنتَ لنا عزاء أيّها العبقري، الصّادق، الحرّ». وعبّر معتصم النهار: «زياد ما مات... حيّ بكل نغمة وجملة». وقال ناصيف زيتون: «رحل اللي علّمنا نسمع غير، نفكّر غير، ونغنّي غير... الله يرحمك يا ابن عاصي و فيروز». وكتب محمد عساف «قامة عربية نادرة. إرثه سيستمر بقلوبنا وذكرياتنا». ونشر الممثل بسام كوسا، صورة له تجمعه بالراحل مع تعليق «إلى لقاء» في حين كتب الإعلامي نيشان «يا وجع فيروز. حزن عصيّ على المواساة. زياد الرحباني رحل». ووصف الناقد الفني طارق الشناوي زياد بالأسطورة معلقاً «زياد رحباني أسطورة موسيقية. وميض إبداعه لن يخبو». وكتب السيناريست عبدالرحيم كمال: «مات موسيقيّ عربي كبير... فقدنا قامة فنية فريدة»، فيما قال زاهي وهبي: «أنا مش منيح. بس معقول تقلّ لي كيفك وقل لك مش منيح. ويبقى زياد الرحباني في كل الإرث الإبداعي العظيم الذي تركه ساكناً في الوعي والوجدان والذاكرة». أما الكاتبة أحلام مستغانمي فرثت زياد الرحباني وقالت: «زياد صاحب النكتة المبكيّة أسى، يمازحنا يتظاهر بالموت، ليختبر كم سيعيش فينا ومعنا عندما تنطفئ الأضواء.هكذا يكون للمبدعين الكلمة الأخيرة في منازلة خاسرة مع الموت. يتحوّلون إلى دواوين شعر وكتب وسمفونيات، وأغانٍ ومسرحيات، فمن يقتل الألحان و الكلمات؟ لاحقًا سأكتب عنه... الليلة سهرانة معه. زياد... لماذا أنت على عجل ؟ اسهار... بعد اسهار تَ يحرز المشوار». «زياد الغائب... الحاضر الأوّل» تَصدّر هاشتاغ #زياد_الرحباني منصات التواصل الاجتماعي في مختلف أنحاء العالم العربي، واحتلّ المرتبة 44 عالمياً مع أكثر من 39 ألف تغريدة بعد ساعات قليلة من انتشار خبر رحيله المفجع. وانتشرت صفحات باسم محبيه جمعتْ مئات الصور والفيديوات ومقاطع من مسرحيات ومقابلات له، إلى جانب دعوات للتجمع صباح اليوم أمام المستشفى الذي يرقد فيه «مستشفى خوري – الحمراء» ومرافقة نعشه حتى مثواه الأخير. «زياد... والموت» انتشر فيديو لزياد الرحباني يتحدّث فيه عن علاقته بالموت إذ قال: «الموت، ليس شعوراً إنسانياً بل غزيزة. واليوم لم تعد لدي مشكلة مع الموت في ذاته، وأنا اعتدتُ عليه لأنه اقترب مني كثيراً أكثر من مرة». ليكون على الموعد في وداع زياد... وزير لبناني في قمرة قيادة الطائرة قَطَعَ وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة إجازته وعاد إلى بيروت للمشاركة في مراسم وداع زياد الرحباني. وبسبب عدم توافر مقاعد شاغرة على متن الطائرة، أورد موقع «النهار» الإلكتروني أنه عُرض على سلامة أن يجلس في مقصورة القيادة إلى جانب قبطان الطائرة، فوافق، لتكون عودته إلى بيروت استثنائية تليق بوداع استثنائي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store