
الابن الشاطر تمرّد على «المدرسة الرحبانية» (محمد ناصر الدين – الأخبار)
هكذا جعلتنا ظاهرة الولد العبقري نقف أمام أفولها بالموت كأننا أمام خسارة شخصية، لأن زياد لم يسكننا بالموسيقى والفن فحسب، بل في لغة كاملة اخترعها ورشقهَا وصقلها كما تصقل السكين اللامعة ثم ألقاها فوق ألسنتنا لنشرّح بها الوطن والحرب والطائفية والحب. لغة تتردد ذهاباً وإياباً بين الفن والحياة بوجهها الصلف والهش والعاري والملتبس، تردّد الشعر بين الصوت والمعنى وفقاً لمقولة بول فاليري الشهيرة. فكيف خرجت تلك الظاهرة في الموسيقى والمسرح والإذاعة، التي اسمها زياد الرحباني وتشاكلت وانجدلت في حياتنا حتى خلنا أنها لا تنتهي انتهاء الحياة ذاتها، ليصفعنا الموت بنهايتها بما يترك تلك الغصّة في القلب والمرارة فوق اللسان؟
لا بد من العودة إلى البدايات لدراسة هذه الظاهرة التي لا تشبه إلا نفسها: المسار البيويولوجي الجيني أولاً، فهو ابن البيت الرحباني والنهضة الغنائية التي حققتها الأسرة الرحبانية التي مثلها الثلاثي فيروز وعاصي ومنصور على مدى ما يزيد على نصف قرن. نهضة لا بد من رؤيتها في سياق اجتماعي-سياسي هو تاريخ لبنان الحديث، أو تاريخ الدولة اللبنانية وما واكب ذلك من ديناميات في المجالات الثقافية.
في هذه اللحظة المثقلة بالحنين الشعري ولدَ ما تسمّيه الناقدة خالدة سعيد «يوتوبيا القرية اللبنانية» التي بنت العبقرية الموسيقية والشعرية والمسرحية لعاصي ومنصور الرحباني صورتَها المثالية، وتجلّت روحها في الصوت الملائكي لفيروز، البطلة التي تحمل قيم هذه القرية وتصون التجانس الجمعي للقرية المتخيلة بنقطة انطلاقها المرجعية المتمثلة في الثقافة الشعبية لجبل لبنان. ثم ما لبثت هذه الصورة المشهدية النمطية أن احتلّت معظم النتاج الرحباني حتى وفاة عاصي وذهاب فيروز ومنصور كلّ في اتجاه.
الورشة الفنية الباذخة هذه للأخوين الرحباني شكّلت «البيئة الحاضنة» التي تلمّس فيها الولد الموهوب أولى خطواته، وسط إحاطة خاصة من عاصي بعبقرية الولد في إتقانه المبكر للعزف على آلتين على طرفي نقيض: البزق التي تنضح بروح الشرق، والبيانو الذي ينطق بروح الغرب، وهو ما سيطبع نتاجه في ما بعد بتلك الجدلية عبر التعاطي مع الموسيقى العالمية تأليفاً وعزفاً وأداء من خلال مناخ الموسيقى الشرقية، والبحث كما يقول الباحث الموسيقي طلال وهبة عن «مناحٍ جديدة في تأليف الأغنية العربية والعلاقة بين الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية، وعلاقة الأغنية العربية المعاصرة بالتراث الشرقي، وتأثير التيارات الاجتماعية في ذلك وكيفية الربط بين التراث والواقع المعاش، وكيفية التوصل إلى أجوبة ميدانية لذلك».
المسيرة اللاحقة للولد العبقري ستجزم بأنه أجاب عن كل هذه الإشكاليات الثقافية العويصة، ولو لم تكن هذه الأسئلة الفنية المعقدة حاضرة بصيغتها المنهجية المنظمة في دماغ الولد الذي كتب ديواناً أسماه «صديقي الله» وهو في عمر الـ 13، وهي السنة ذاتها التي بدأ فيها دروسه النظرية في الموسيقى مع بوغوص جلاليان وظهرت عليه أولى أمارات النبوغ الموسيقي حين يظهر عازفاً بديلاً سنة 1971 في فرقة فيروز، وتلحينه أغنية «ضلّك حبيني يا لوزية» للفنانة هدى حداد.
يمكن اعتبار مسرحية «سهرية» التي كتبها ولحنها سنة 1973 بمنزلة البصمة الشخصية المستقلة لصاحبها، فالمسرحية التي وإن بدت من ناحية المكان (القرية اللبنانية بتراثها وفولكلورها) متأثرة ببداية الأخوين الرحباني الإذاعية والمسرحية، إلا أنها من الناحية الموسيقية كشفت عن خلطة مبتكرة من الفولكلور المشرقي والموسيقى الرحبانية والتأثر بفيلمون وهبي. طابع سيطغى على لحن زياد الأول لفيروز «سألوني الناس عنك يا حبيبي» في مسرحية «المحطة» في السنة ذاتها، ثم تطعيم اللحن بالطابع الغربي كما بدا ذلك واضحاً في «قديش كان في ناس» و«نطرونا كتير» و«حبّو بعضن»، لتظهر شخصيته الموسيقية في عمل ناضج ومكتمل في لحن «وحدن» الذي جمعه بصوت فيروز وكلمات طلال حيدر.
إلا أن أهمية «سهرية» تكمن في الجدلية المتفجرة في «يوتوبيا القرية اللبنانية» ذاتها التي التفت إليها الشاب العبقري الذي بدأ يتبحّر بقراءة فرويد ويونغ وأدلر طارحاً على نفسه السؤال الصعب: هل وجدَت تلك القرية الرحبانية الجميلة حقّاً؟ لذلك، راح يبحث عنها في نقيضها، في مدينة التمدين الفجّ والعشوائي مع استنفاد مفاعيل المرحلة الشهابية، على ما ذهب إليه الشاعر الجنوبي عصام العبدالله في التقاطة مدهشة: «ما في مدينة اسمها بيروت/ بيروت عنقود الضيع». المدينة المتشكلة رأسمالياً بطبقاتها المسحوقة والوسطى والعليا الممتلكة لرأس المال، وصراعاتها الطبقية والأهلية كانت تنذر بفتيل حرب قادمة بعد سنتين لا أكثر من «سهرية».
لم ينقلب زياد على الإرث الرحباني الغنائي بعد «سهرية»، بل كان ما فعله بمشروع أهله على ما يذهب إليه الناقد كريستوفر ستون بمنزلة تحويل المسرح من الملحمة إلى الرواية: «ما يسم الملحمة بحسب باختين وغيره أمثال لوكاش هو ابتعادها وانكتامها عن أي حاضر، وفي حين تنظر الملحمة إلى الوراء، فإن الرواية متجذرة في الحاضر، بل تنظر دائماً إلى الأمام. وخلافاً لمسرحيات الأخوين رحباني التي تنتهي بالزواج أو النصر العسكري، فإن مسرحيات زياد أكثر إشكالية، من الثورة الناقصة في نهاية «نزل السرور»، إلى القدر غير المعروف لثريا وزكريا في «بالنسبة لبكرا شو»، فإلى العلاج المشبوه للمرض في خاتمة «فيلم أميركي طويل»، وانتهاء بالمسرحية التي لن تعرض في «شي فاشل». لا عجب، والحالة هذه، أن تُعتبر مسرحيات زياد متنبئة بأحداث المستقبل، في حين وصف مسرح الأخوين رحباني بأنه تعبير عن الحنين إلى ماضي يوتوبي ما».
وهكذا شكلت محاولة زياد انتفاضة مدينية في قلب البيت الرحباني. كانت مسرحيتا «نزل السرور» و«بالنسبة لبكرا شو» بمنزلة قراءة فنية وثقافية في تفاصيل الحياة اليومية للمدينة بصراعاتها الطائفية والأهلية، والأهم بلغتها الشعبية. حتى إنّ الناس تفاعلوا مع هذه الشخصيات واستعاروا قاموسها و«قفشاتها» وسخريتها السوداء التي تسخر من كل شيء، حتى من أصحابها أنفسهم: كان زياد قد تحرر من فانتازيا الأحادية اللغوية (وتحديداً لهجة جبل لبنان) وقرينتها الأحادية الثقافية التي يربطها باختين بالطغيان السياسي، ومن محاولتهم فرض هذه الأحادية على أشكال الفن الأخرى مثل الدبكة المتعددة في منطقة بلاد الشام.
المتتبع لسيرة الرجل الذي برع في اختراع الجدليات انطلاقاً من المنهج الماركسي الذي ظل وفيّاً له حتى آخر يوم في حياته، لا يمكن أن يغفل عن الجدلية الكبرى: جدلية فيروز-زياد، التي لا ينتبه من يشير إليها إلا إلى طرف من أطرافها. أنزل الولد الأم-الأيقونة من برجها العاجي في اللغة والموسيقى واستدرجها إلى الإيقاع اليومي الذي يعمل على اكتشاف جمالياته الخاصة، إلى عالم هدم اليوتوبيا وإقامة الراهن في الانكسارات والاغتراب واقتحام تناقضات وعري الحياة اليومية، إلى حيث يحب أن يسمعها الصيادون في المراكب، والتلامذة في المدارس، والناس البسطاء في الأسواق والطرقات والمقاهي، في كلام يشبه اللغة الشائعة مثل «ولو شو بشعة مرتو»، و«كان غير شكل الزيتون، كان غير الشكل الصابون»، وبألحانها المرحة التي يواصل فيها الولد المشاغب لعبة استكشاف المساحات المشتركة بين الجاز والموسيقى العربية.
في الختام، لا بد من نقطة أخيرة حول مفردة «العبثية» التي يطيب لكثيرين وصم تجربة زياد الرحباني بها، ولا سيما من قبل المعسكر المعادي للالتزام الفكري والعقائدي لزياد في مواجهة الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة والصهيونية البربرية، ودعمه لكل حركات المقاومة وإعجابه بلا مواربة بشخصية السيد الشهيد حسن نصر الله في مشروعه لمجابهة الاحتلال. كان زياد على ما قاله في حوار مع نزار مروة يقارب الحرب بوعي سياسي مكتمل، «في الوقت الذي كانت الحرب هي العبثية».
قارب يوميات الحرب الأهلية اللبنانية وكل القضايا التي تعصف بمنطقتنا الملتهبة بوحي من هذا الالتزام السياسي والأخلاقي ولو بصيغة ساخرة، إذ يذكر رسام الكاريكاتور المصري بهجت عثمان في حديث مع الموسيقار والناقد الياس سحاب إنه درس في ألمانيا أصول الفنون التحريضية، ولكنه لم يفهم من تلك المحاضرات شيئاً عن روح الفن السياسي التحريضي كما فهمه بعد الاستماع إلى تسجيلات «بعدنا طيبين قولو الله» الذي بثه زياد مع زميله جان شمعون في الإذاعة اللبنانية، وبرنامج «العقل زينة» على أثير «صوت الشعب».
انطفأت الشعلة المتوهّجة في هذا اليوم الحزين من تموز، وأغلق غطاء البيانو في حانة «بلو نوت»، وانتظرنا «العشاق تنين تنين» على موقف دارينا. كان الولد يشاغب على كل شيء، على نوتة أبيه، وبشاعة الحرب، وأفول الموهبة وشراء المثقفين من أنظمة البترودولار، شاغبَ حتى أضحك «صديقه الله»، الذي أخذه إليه بعدما غنى لكل قلب ما يشتهي.
يودع لبنان اليوم زياد الرحباني. صباحا، وعند الثامنة يتجمع الأصدقاء والرفاق أمام «مستشفى خوري» في الحمرا. ليصار بعدها الى الانتقال بالنعش نحو انطلياس، قبل الرحلة الاخيرة عند الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم نحو كنيسة «رقاد السيدة – المعلقة» (بكفيا)، ويوارى الجثمان في مدافن العائلة.
تقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة ابتداءً من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى الساعة السادسة مساءً ــ كما تقبل التعازي غداً في صالون الكنيسة من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى الساعة السادسة مساءً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة أكاديميا
منذ 3 ساعات
- جريدة أكاديميا
د. عيد الهيم رحمه الله..شجاعة عسكرية وكفاءة أكاديمية..بقلم :أ.د بدر محمد ملك
في نهاية الفصل الدراسي الماضي أقامت اللجنة الاجتماعية في قسم الأصول والإدارة التربوية حفلا تكريميا غاية في الروعة – كعادتها – لتودع فيه الأستاذ الدكتور عيد صقر الهيم رحمه الله تعالى – بمناسبة تقاعده حيث أفاض الزملاء والزميلات -شعرا ونثرا- في ذكر مناقبه ومحاسن أخلاقه، وطرائف مواقفه، وسخاء نفسه على المستويين الأكاديمي والمجتمعي. ومضت الأيام بمقاديرها الموقوتة لها، ويشاء الله سبحانه أن يأخذ أمانته قبل أيام معدودة بعد أن أصيب الراحل بمرض عضال لازمه عدة سنوات. استقبل المرض راضيا محتسبا فنسأل الله سبحانه أن يعفو عنه، ويصبّر أهله، ويسكنه فسيح جناته ويجعل علمه وذريته واسهاماته في ميزان حسناته.امتاز الراحل بخصال طيبة منها سعة العلم، ورجاحة العقل، وسماحة الخلق، وصدق اللهجة، ومحبة العمل، والتضحية من أجل الوطن حيث أُصيب في أول يوم أثناء الغزو العراقي للكويت، وحينها كان في معسكر الحرس الوطني ثم كان من ضمن المشاركين في معركة تحرير الكويت فشارك في 'عاصفة الصحراء'. حصل الراحل على نوط الشجاعة وهو وسام أميري رفيع، كما حصل على وسام من وزير الدفاع بالمملكة العربية السعودية الأمير سلطان بن عبدالعزيز للقوات الكويتية المشاركة في تحرير دولة الكويت.وعلى المستوى الأكاديمي يعتبر الأستاذ الدكتور عيد نموذجا مشرفا من النماذج التي تمثل معاني حب العلم أصدق تمثيل إذ حصل على شهادتين دكتوراه، وفي نفس اللحظة يمثل د. عيد نموذجا فذا، وقدوة حسنة في مجال التضحية من أجل الوطن، ومحبة العدالة، والاعتزاز بمحاسن تراثه، والحفاظ على رواية القصص الوطنية واقتناص الدروس والعبر منها بمنهج يُبهج الفؤاد. جمع من القصص الشعبية، والنوادر التاريخية ما يكفيه لسرد أخبار، وإدارة محاورات، ورواية قصص لا حصر لها. قصصه كالنجوم في كبد السماء تتلألأ الأنوار من كل جوانبها؛ فتتزاحم فيها المعاني المشرقة، وتفيض بالمنجزات والمحاسن وذلك في إطار ترسيخ القيم النبيلة مع الحث على توظيف فضائلها على أرض الواقع.تخصص الراحل في الفكر التربوي وخاصة مسيرة التعليم الديني في الكويت كما تخصص بتعليم الكبار وهو حقل معرفي مهم لا سيما في الدول العربية. وكتب أيضا في مناهج البحث التربوي وشارك في العديد من المؤتمرات العلمية. كان على علاقة وطيدة مع زملائه في العمل وفي كل حقل يتواجد فيه وهذه نعمة كبيرة جعلت مسيرته أكثر نجاحا إذ كان الراحل صاحب ذكاء اجتماعي متميز.تصف أ.د. سعاد الشبو الدكتور الراحل عيد الهيم بأنه ' كان محتسب الأجر، صابرا على البلاء، وحامدا لقضاء الله، لم نسمع منه شكوى، ولم نر منه جزعا، بل كان مثالا في الصبر والرضا … ثم أجد نفسي اليوم أعزيها في وفاة أخ كبير، وزميل عزيز، لنُدرك أن هذه الدنيا لا تدوم لأحد، تتقلّب بين ميلادٍ ورحيل، رحمك الله يا حكيم قسم الأصول والإدارة التربوية وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا وأهلك الصبر والسلوان والحمد لله'.وكتب أ.د. حمد بليه العجمي – صاحب كتاب بصيرة معلم وقدوة متعلم- أن الراحل ترك بصمة وطنية وأكاديمية ومجتمعية؛ 'ببالغ الحزن ننعى الزميل أ.د. عيد الهيم الأستاذ الأكاديمي والمربّي القدير صاحب القيم العليا، وأحد من دافعوا عن الوطن في حرب تحرير الكويت. رحل جسدًا، وبقيت سيرته العطرة نبراسًا للعلم والولاء والوفاء. اللهم ارحمه واغفر له، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان'.وفي السياق نفسه كتب أ.د. حسين الهدبة 'رحم الله فقيدنا الغالي، الأستاذ الدكتور عيد صقر الهيم بعد سنوات من العطاء والعمل التربوي والأكاديمي والعسكري، حيث أوفى لبلاده وكان مثالاً للمواطن الصالح المحبوب ممن عرفوه وتعاملوا معه. سوف نفقده كزملاء معه في كلية التربية الأساسية وكذلك قاعات العلم وطلبته وطالباته ومحبيه وأهله. كان صاحب الابتسامة الدائمة والخلق الرفيع والتواضع الجم وعميق المعرفة. إنا لله وإنا إليه راجعون'.وفي الختام فإن الأستاذ الدكتور عيد الهيم شاهد يقظ دقيق عاصر النهضة الحضارية للكويت، وانطلق بهمة عالية لطلب العلم خارج الكويت، ثم شهد أشنع المشاهد التاريخية لمرحلة الغزو العراقي للكويت. جاهد الراحل لتوثيق ما حدث بعدسة تربوية، وقدم عبر سيرته الحافلة، وذاكرته النادرة حكايات في أوج الجمال تضفي على حياته ثوبا قشيبا من الكرامة والشجاعة والحكمة. قال الشاعر:'أَخلَصتَ سِرَّكَ إِخلاصاً لَبِستَ بِهِ … ثَوباً قَشيباً مِنَ التَوفيقِ وَالرَشَدِ'الثلاثاء، 4 صفر 1447 هـ ، الموافق 29 يوليو 2025مأ.د. بدر محمد ملك صور للراحل أ.د. عيد صقر الهيم رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مقالات ذات صلة


المدى
منذ 19 ساعات
- المدى
وقفة تأملية واضاءة شموع في رحبة تكريما لروح زياد الرحباني
نظّمت 'جمعية رحبة تجمع' وبرعاية بلدية رحبة، وقفة تأملية وإضاءة شموع على مدخل البلدة، تكريما لروح الفنان الراحل زياد الرحباني، وبمشاركة فعاليات دينية، واجتماعية، وتربوية وكشفية. أقيمت الوقفة أمام الحائط الفني الذي كانت دشنته الجمعية قبل سنوات، والذي رسم عليه الفنان التشكيلي سركيس الصيفي صور السيدة فيروز، والفنانين الراحلين عاصي وزياد الرحباني، في لفتة رمزية تجسّد الإرث الفني والثقافي العريق لعائلة الرحباني. استُهلّت المناسبة بعزف النشيد الوطني اللبناني من كشاف التربية الوطنية – فوج رحبة، تلاه أداء صلاة عن روح الفقيد قدّمها الأب أرثانيوس والشماس أنطونيوس. وأُلقيت خلال اللقاء كلمات عبّرت عن 'التأثّر الكبير برحيل زياد الرحباني، الذي شكّل مع والده الراحل عاصي الرحباني، ومع السيدة فيروز، ثلاثيًا فنيًا استثنائيًا ساهم في نهضة الفن اللبناني والعربي، وترك بصمة لا تُمحى في الوجدان الجماعي'. وشدد الدكتور جان فياض على أن 'زياد الرحباني لم يكن مجرد فنان، بل كان مثقفًا ملتزمًا، عبّر من خلال أعماله عن هموم الناس ووجع الوطن، فكان صوته صوت المواطن الحرّ'. وأكد الأب أرثانيوس من جهته، أن '… زياد كان حالة إنسانية وفكرية استثنائية، جمع بين الإبداع الفني والجرأة في قول الحقيقة'، مشيرًا إلى أن غيابه 'خسارة كبيرة للبنان وللوجدان العربي'. ورأى الدكتور هياف ياسين أن 'زياد الرحباني كان تجسيدًا للعبقرية الموسيقية المتمرّدة، التي كسرت القوالب التقليدية ولامست بصدق وجدان الناس، فصار صوتًا للحرية والعدالة الاجتماعية والوجدان الجماعي'. ودعا إلى 'إنشاء متحف في رحبة للارث الرحباني'. وأما الدكتورة سمر سعد فنوهت بـ 'العمق الوطني والقيم الإنسانية الراقية التي حملتها أعمال آل الرحباني'، مشيرةً إلى أن جمعية 'رحبة تجمع' كانت استضافت الراحل زياد في البلدة، و شكرت كل من ساهم في إنجاح هذه الوقفة الوجدانية التي 'عبّرت عن وفاء رحبة للفن الأصيل ولرموزه الخالدين'.


الأنباء
منذ 21 ساعات
- الأنباء
فيروز كسرت عزلتها.. وحضرت وداع زياد
بيروت ـ بولين فاضل لم يصدق أحد من الذين حضروا يوم جنازة زياد الرحباني، أنهم مروا بالقرب من السيدة فيروز، والسؤال الذي طرحه كثيرون: كيف قررت فيروز أن تكسر عزلتها الاجتماعية وتذهب إلى المشهد النقيض حيث الحشود والضجيج وكاميرات المصورين وفوضى الفضوليين؟ «الأنباء» حملت السؤال إلى واحدة من الصديقات المقربات من فيروز، فكان جوابها أنها هي نفسها التي تعرف فيروز جيدا توقعت أن تحضر «الست» إلى الكنيسة بعد إخلائها من الناس، فتختلي بـ «زيادها» بهدوء وتصلي ثم تغادر. غير أن فيروز خالفت كل التوقعات، واختارت التوجه إلى صالون الكنيسة حيث تقبلت التعازي، قائلة إن فيروز، وبحسب معرفتها بها، هي سيدة اللحظة وسيدة القرار وحدها، وربما قررت في اللحظة نفسها البقاء لحضور التعازي، والمشاركة في مراسم الجنازة، منفذة بذلك رغبة زياد الذي لطالما دعاها إلى النزول بين الناس لتلمس مقدار حبهم لها، وهي ببقائها يوم الوداع وسط محبي زياد وما أكثرهم، إنما فعلت ما كان زياد يريده لها طوال هذا العمر. وعما يمكن أن تقوله عن السيدة فيروز وما قد تكون عليه حالها وهي الأم الحزينة، أجابت «فيروز هي امرأة قوية جدا لدرجة لا يمكن وصفها أو تخيلها ولديها طاقة استثنائية على التحمل والصبر، هي أقوى من ريما وزياد، وهي مصدر قوة الآخرين، وصاحبة القرار في كل شيء ولا أحد يقرر عنها». مراسم التشييع وكانت السيدة فيروز وصلت وابنتها ريما في سيارة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وبرفقته إلى المحيدثة-بكفيا في المتن الشمالي، حيث دخلت وسط الناس إلى الكنيسة مع ريما، وجلستا في الصف الأول على أنغام ترتيلة «أنا الأم الحزينة» التي أدتها فيروز، والتي ترافق كل جمعة حزينة في عيد الفصح لدى الطائفة المسيحية. وبعد وصول السيدة فيروز إلى داخل الكنيسة، تقدمت منها السيدة الأولى عقيلة الرئيس اللبناني نعمت عون لتقديم التعازي، وبدت داخل الكنيسة الفنانة جوليا بطرس. وبعد ذلك، توقف البث التلفزيوني المباشر من داخل الكنيسة لكي تختلي السيدة فيروز بابنها وتصلي بهدوء. وبعد لحظات خرجت السيدة فيروز من الكنيسة واخترقت الحشود ودخلت إلى قاعة التعازي حيث جلست وبقربها ريما. ومع تجمهر المصورين حولها بكاميراتهم علا صوت كل من الفنان غسان الرحباني والممثلة كارمن لبس لمطالبة المصورين بإبعاد الكاميرات عن السيدة فيروز واحترام خصوصية لحظات الحزن. وبعد هدوء صخب الكاميرات كانت السيدة فيروز جالسة بهالتها الفريدة والمعزون يمرون أمامها. وقد تخطت العائلة الرحبانية الخلافات وتقبلت مجتمعة التعازي، حيث وقف الفنانان غسان وجاد الرحباني نجلا الراحل الياس الرحباني وأبناء منصور الثلاثة غدي ومروان وأسامة الرحباني إلى جانب عمة الراحل وهدى شقيقة السيدة فيروز. وكان رفاق زياد ومحبوه قد احتشدوا بكثافة (تخطى عددهم الألفي شخص) منذ الصباح الباكر أمام مستشفى خوري في الحمرا لوداعه لدى خروج موكب جثمانه، وكان وداعا شعبيا عفويا صادقا وفيه من روح زياد. وقبل خروج الموكب، راحوا يرددون أغنياته لاسيما أغنية «شو هالايام اللي وصلنالها»، وكان لافتا أن الحاضرين كانوا من مختلف الأعمار والأجيال بدءا من جيل الخمسينيات حتى جيل الألفين، وجميعهم تأثر بزياد وحفظ لغته ومفرداته ومسرحياته التي كانت مرآة للناس وللحقيقة بلا أقنعة. ولحظة خروج الموكب، علا التصفيق الذي امتزج بدموع وزغاريد ونثر ورود وهتافات «الله معك يا كبير»، «الله معك يا أبو الزيد». ولم تحل حرارة يوليو دون سير الجميع وراء الموكب الذي شق طريقه بصعوبة بين الحشود وتقدم ببطء شديد قبل أن يصل إلى الشارع الرئيسي في الحمرا التي أحبها زياد واختارها مسكنا له ولأفكاره وإبداعاته. ومن الحمرا انطلق الموكب إلى بلدة المحيدثة - بكفيا في المتن الشمالي شمال شرق بيروت، وكان من ضمن المواكب سيارة بدا فيها ابن عم الراحل غدي الرحباني وكان التأثر واضحا عليه، ما أثبت تخطي الخلافات العائلية بين عائلتي عاصي ومنصور في حضرة قساوة الرحيل واستثنائية الراحل. وقد أقيمت مراسم الجنازة عند الساعة الرابعة في كنيسة رقاد السيدة التي غصت بـ«لبنان الرسمي والشعبي»، حيث حضر رئيس الحكومة نواف سلام ممثلا عن رئيس الجمهورية، فيما مثل رئيس مجلس النواب نائبه إلياس بوصعب، وأعلن الرئيس سلام في ختام الجنازة منح الفقيد وسام «الأرز الوطني» من رتبة كومندور باسم رئيس الجمهورية.